نسبه الشّريف عليه السلام
الإمام الحُسين بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المُطلب بن هشام بن عبد مناف بن قُصي بن كلاب بن مُرة بن كعب بن مرة بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خُزيمة مدرك بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان عليهم السّلام.
والدته عليه السلام
فاطمة بنت مُحمّد بن عبد الله بن عبد المُطلب بن هشام بن عبد مناف بن قُصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن مرة بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة مدرك بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان عليهم السّلام.
وأمّها خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها.
ولادته عليه السلام
ولد عليه السّلام بالمدينة المنورة في الثالث من شعبان في السّنة الرّابعة من الهجرة, وقيل في السّنة الثالثة. وولد لستة أشهر.
البشرى بالمولد
عن أمّ الفضل بنت الحارث أنّها دخلت على رسول الله صلّى الله عليه فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلماً منكراً الليلة، قال. وما هو؟ قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري،
قال: رأيت خيراًَ، تلك فاطمة إن شاء الله تلد غلاماً فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحُسين، فكان في حجري كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله، فوضعته في حجره ثمّ حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله صلّى الله عليه وآله تهريقان الدّموع، قالت: قلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي، مالك؟ قال: أتاني جبريل عليه السّلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا، فقلت: هذا؟ قال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء.
عن أمّ الفضل قالت: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وآله فقلت: إني رأيت في منامي أن في بيتي أو حجري عضواً من أعضائك، قال: تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فتكفلينه، فولدت له فاطمة حسيناً، فدفعته إليها فأرضعته بلبن قثم، فأتيت به رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً أزوره، فأخذه فوضعه على صدره فبال فأصاب البول إزاره، فزخخت بيدي على كتفيه، فقال: أوجعت ابني أصلحك الله، أو قال: رحمك الله، فقلت: اعطني إزارك أغسله، فقال: إنما يغسل بول الجارية ويصب على بول الغلام.
عن ابن عباس: فلما ولد الحُسين بن عليّ عليهما السّلام وكان مولده عشيّة الخميس ليلة الجمعة أوحى الله عزّ وجل إلى مالك خازن النار أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمُحمّد في دار الدنيا.
وعن أسماء بنت عميس، قالت: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله قد أخذ الحُسين في حجره فبكى. قلت: فداك أمي وأبي مما تبكي؟ قال: يا أسماء ابني هذا تقتله الفئة الباغية من أمتي، لا أنالهم الله شفاعتي.. يا أسماء لا تخبري فاطمة؛ فإنها قريبة عهد بولادة.
مراسيم الولادة
أجرى النّبيّ صلّى الله عليه وآله المراسيم الشّرعية لوليده المبارك، فقام صلّى الله عليه وآله بما يلي:
1 - الأذان والإقامة: فأذّن صلّى الله عليه وآله في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى.
2 - التسمية: فَسمَّاه النّبيّ صلّى الله عليه وآله حُسَيْناً.من الله بواسطة جبرائيل عليه السّلام.
3 - العَقيقة: بعدما مضى سبعة أيام من ولادة الحُسين عليه السّلام أمر النّبيّ صلّى الله عليه وآله أن يُعَقَّ عنه بِكَبْش، ويُوزَّع لحمه على الفقراء
4 - حَلْق رأسه: وأمر النّبيّ صلّى الله عليه وآله أن يُحلَقَ رأس وليده، ويُتَصَدَّق بِزِنَتِهِ فضة على الفقراء - وكان وزنه كما في الحديث درهماً ونصفاً -، وطلى رأسه بِالخَلُوق، ونهى عمّا كان يفعله أهل الجاهلية من طلاء رأس الوليد بالدم.
5 - الخِتَان: وأَوْعزَ النّبيّ صلّى الله عليه وآله إلى أهل بيته بإجراء الخِتَان على وليده في اليوم السابع من ولادته.
أسماؤه عليه السلام
أولاً: تسميته عليه السّلام من الله عزّ وجل
عن أسماء بنت عميس , قالت: قبلت فاطمة بالحسن, فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وآله فقال: يا أسماء هلمّي ابني. فدفعته إليه في خرقة صفراء, فألقاها عنه قائلاً: ألم أعهد إليكن أن لا تلفّوا مولوداً بخرقة صفراء. فلفيته بخرقة بيضاء, فأخذه وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى, ثمّ قال لعليّ: أيّ شيء سميت ابني؟ قال: ما كنت لاسبقك بذلك. فقال: ولا أنا أسابق ربّى. فهبط جبريل عليه السّلام فقال: يا مُحمّد, إنّ ربّك يقرئك السّلام, ويقول لك: عليّ منك بمنزلة هارون من موسى لكن لانبيّ بعدك, فسم ابنك هذا باسم ولد هارون. فقال: وما كان اسم ابن هارون يا جبريل؟ قال: شبّر. فقال صلّى الله عليه وآله: إنّ لساني عربي. فقال: سمه الحسن. ففعل صلّى الله عليه وآله, فلمّا كان بعد حول, ولد الحُسين فجاء نبي الله صلّى الله عليه وآله، وذكرت مثل الأوّل, وساقت قصّة التسمية مثل الأوّل, من أنّ جبريل عليه السّلام أمره أن يسميه باسم ولد هارون شبير, فقال النّبيّ صلّى الله عليه وآله مثل الأوّل, فقال سمه حُسيناً. علماً لم تكن العرب في جاهليتها تعرف هذين الاسمين حتّى تُسَمِّي أبناءهم بهما، وإنما سَمَّاها النّبيّ صلّى الله عليه وآله بهما بوحي من السماء
ثانياً: تسميته عليه السّلام على لسان النّبيّ صلّى الله عليه وآله:
بالإسناد عن سالم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّي سمّيت ابني هذين باسم ابني هارون شبّراً وشبيراً.
وعن سلمان، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: سمّى هارون ابنيه شبّراً وشبيراً، وإنّي سمّيت ابني الحسن والحُسين.
وعن مُحمّد بن عليّ بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: يا فاطمة, اسم الحسن والحُسين في ابني هارون شبّر وشبير؛ لكرامتهما على الله عزّ وجلّ.
وعن سودة بنت مسرح, قالتّ: كنت فيمن حضر فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله حين ضربها المخاض، قالتّ: فأتانا رسول الله صلّى الله عليه وآله, فقال: كيف هي ابنتي فديتها؟ قالتّ: قُلت: إنّها لتجهد يا رسول الله، قال: فإذا وضعت فلا تسبقني به بشيء، قالتّ: فوضعته فسررته ولففته في خرقة صفراء, فجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله, فقال: ما فعلت ابنتي فديتها؟ وما حالها؟ وكيف هي؟ فقُلت: يا رسول الله, وضعته وسررته ولففته في خرقة صفراء. فقال: لقد عصيتني. قالت: قُلت: أعوذ بالله من معصية الله ومعصية رسول الله صلّى الله عليه وآله, سررته يا رسول الله ولم أجد من ذلك بُدّاً، قال: آتيني به. قالتّ: فأتيته به, فألقى عنه الخرقة الصّفراء ولفّه في خرقة بيضاء وتفل في فيه وألباه بريقه, قالتّ: فجاء عليّ عليه السّلام, فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما سمّيته يا عليّ؟ قال: سمّيته جعفراً يا رسول الله، قال: لا, ولكنّه حسن وبعده حُسين, وأنت أبو الحسن والحُسين.
ثالثاً: تسميته عليه السّلام في التّوراة والإنجيل
عن أبي هريرة، قال: قدم راهب على قعود به, فقال: دلّوني على منزل فاطمة عليها السّلام. قال: فدلوه عليها، فقال لها: يا بنت رسول الله, اخرجي إليّ ابنيك. فأخرجت إليه الحسن والحُسين, فجعل يُقبّلهما ويبكي ويقول: اسمهما في التّوراة شبّر وشبير, وفي الإنجيل طاب وطيب. ثمّ سأل عن صفة النّبيّ صلّى الله عليه وآله, فلمّا ذكروه, قال: أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أنّ مُحمّداً رسول الله صلّى الله عليه وآله.
كُناه عليه السلام
أبو عبد الله، وأبوعلي.
ألقابه الشريفة عليه السلام
وأمّا ألقابه عليه السّلام فكثيرة, فنذكر منها:
الشّهيد، السّعيد، السّبط، الإمام، المبارك، الدليل، المنتقم من أعداء الله، الإمام المظلوم، الأسير المحروم، القتيل المرحوم، الإمام الشّهيد، الولي الرّشيد، الوصي السّديد، الطّريد الفريد، البطل الشّديد، الطّيب الوفي، الإمام الرّضي، ذو النّسب العلي، منبع الأئمة، شافع الأمة، سيد شاب أهل الجنة، وعبرة كل مؤمن ومؤمنة، صاحب المحنة الكبرى، السّيد الحصور أبيّ الضيم...
صفاته عليه السلام
عن الإمام عليّ عليه السّلام قال: مَن سَرَّهُ أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلّى الله عليه وآله ما بين عنقه وثغره فلينظر إلى الحسن, وَمَن سَرَّهُ أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلّى الله عليه وآله ما بين عنقه إلى كَعبِهِ خَلقاً وَلَوناً فلينظر إلى الحُسين.
وقيل: إنّه كان يشبه النّبيّ صلّى الله عليه وآله ما بين سُرَّتِه إلى قدميه.
فكان عليه السّلام أشبه النّاس برسول الله صلّى الله عليه وآله، ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، واسع الجبين، كث اللحية، واسع الصدر، عظيم المنكبين، ضخم العظام، رحب الكفين والقدمين، رجل الشّعر، متماسك البدن، أبيض مشرب بحمرة.
زوجاته عليه السلام
تزوج الإمام الحُسين عليه السّلام بعدة زوجات منهنّ:
1ـ شهربانوشاه زنان بنت يزدجرد فأنجبت له علياً زين العابدين.
2ـ ليلى بنت أبي مرة عروة بن مسعود الثقفية فأنجبت له علياً الأكبر.
3ـ الرباب بنت امرىء القيس فأنجبت له سكينة وعبد الله الرضيع.
4ـ أمّ اسحاق بنت طلحة بن عبدالله التيمية، فأنجبت له أمّ فاطمة بنت الحُسين.
أولاده عليه السلام
أمّا أبناؤه عليه السّلام فمن الذكور.
1ـ عليّ الأكبر الشهيد في كربلاء. وعلي السجاد وهو عليّ الأوسط. وعلي الأصغر. ومحمد. وعبدالله الرّضيع من الرباب. وجعفر.
وأمّا بناته عليه السّلام فهن.
سكينة, وفاطمة, وزينب, ورقية.
نقش خاتمه عليه السلام
وكان له خاتمان، فص أحدهما عقيق نقشه: إن الله بالغ أمره.
وعلى الخاتم الذي أخذ من يده يوم قتل: لا إله إلا الله عدة لقاء الله.
من تختم بمثلهما كانا له حرزا من الشيطان.
بوابه عليه السلام
رشيد الهجري رضي الله عنه.
ذكره عليه السلام في القرآن الكريم
وردت آيات في شأن الإمام الحسين عليه السلام خاصّة وفي بعض الآيات ورد مع غيره من أهل بيته عليهم السلام، فمن هذه الآيات:
1 - آية التطهير
قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. الأحزاب:33.
أجمع المفسرون وثقاة الرواة أن هذه الاية نزلت في حق أصحاب الكساء الخمسة وهم: سيد الكائنات الرسول صلّى الله عليه وآله وصنوه الجاري مجرى نفسه أمير المؤمنين عليه السّلام وبضعته الطاهرة سيدة النساء فاطمة الزهراء التي يرضا الله لرضاها ويغضب لغضبها، وريحانتاه من الدنيا سبطاه الشهيدان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
2 - آية المودة
قال تعالى: { قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}. (الشورى/23).
ذهب جمهور المسلمين إلى أن المراد بالقربى هم عليّ وفاطمة وابناهما الحسن والحسين وان اقتراف الحسنة إنما هي في مودتهم ومحبتهم، وقد فرض الله على المسلمين مودة أهل البيت عليه السّلام في هذه الاية.
3 - آية المباهلة
من آيات الله البينات التي أعلنت فضل أهل البيت عليهم السّلام آية المباهلة قال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}. (آل عمران/61).
اتفق المفسرون ورواة الحديث أنها نزلت في أهل البيت.
وأن أبناءنا إشارة إلى الحسنين ونساءنا إشارة إلى فاطمة، وأنفسنا إلى عليّ.. نزلت الآية الكريمة في واقعة تاريخية بالغة الخطورة جرت بين قوى الإسلام وبين القوى الممثلة للنصارى، وموجز هذه الحادثة موجود في كل تواريخ المسلمين.
4 - آية الأبرار
ومن آيات الله الباهرات التي أشادت بفضل العترة الطاهرة، آية الأبرار، قال تعالى:
{إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا*عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا* يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا* وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا}. (الإنسان:5- 9).
روى جمهور المفسرين والمحدثين أنها نزلت في أهل البيت عليهم السّلام وكان السبب في ذلك أن الحسن والحسين عليهم السّلام مرضا فعادهما جدهما الرسول صلّى الله عليه وآله مع كوكبة من أصحابه، وطلبوا من عليّ أن ينذر لله صوماً إن عافاهما مما ألم بهما من السقم فنذر أمير المؤمنين صوم ثلاثة أيام، وتابعته الصديقة عليها السّلام وجاريتها فضة في ذلك، ولما أبل الحسنان من المرض صاموا جميعاً، ولم يكن عند الإمام في ذلك الوقت شيء من الطعام ليجعله إفطاراً لهم فاستقرض سلام الله عليه ثلاثة أصواع من الشعير، فعمدت الصديقة في اليوم الأول إلى صاع فطحنته وخبزته فلما آن وقت الإفطار وإذا بمسكين يطرق الباب يستمنحهم شيئاً من الطعام فعمدوا جميعاً إلى هبة قوتهم إلى المسكين واستمروا في صيامهم لم يتناولوا سوى الماء.
وفي اليوم الثاني عمدت بضعة النّبيّ صلّى الله عليه وآله إلى تهيأة الطعام الذي كان قوامه خبز الشعير، ولما حان وقت الغروب واذا بيتيم قد أضناه الجوع وهو يطلب الاسعاف منهم فتبرعوا جميعاً بقوتهم، ولم يتناولوا سوى الماء.
وفي اليوم الثالث قامت سيدة النساء فطحنت ما فضل من الطعام وخبزنه فلما حان وقت الإفطار قدمت لهم الطعام، وسرعان ما طرق الباب أسير قد ألم به الجوع فسحبوا أيديهم من الطعام ومنحوه له.
سبحانك اللهم أي مبرة أعظم من هذه المبرة! أي إيثار أبلغ من هذا الإيثار، إنه إيثار ما قصد به إلا وجه الله الكريم.
ووفد عليهم رسول الله صلّى الله عليه وآله في اليوم الرابع فرآهم، ويا لهول ما رأى رأى أجساماً مرتعشة من الضعف ونفوساً قد ذابت من الجوع، فتغير حالة وطفق يقول:
واغوثاه أهل بيت مُحمّد يموتون جياعاً!
ولم ينه الرسول كلامه حتّى هبط عليه أمين الوحي وهو يحمل المكافأة العظمى لأهل البيت والتقييم لإيثارهم الخالد. إنها مكافأة لا توصف بكيف ولا تقدر بكم، فهي مغفرة ورحمة ورضوان من الله ليس لها حد، فقد جزاهم بما صبروا جنة وحريرا. متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريرا. وانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا. ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا، قوارير من فضة قدروها تقديرا ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلا.
حُبّ النبي صلى الله عليه وآله له عليه السّلام
قد توالت أقوال رسول الله صلّى الله عليه وآله في وَصف مقام الإمام الحُسين عليه السّلام، وموقعه الرفيع من الرسالة ومنه، وليس عبثاً قول رسول الله صلّى الله عليه وآله في حقِّه عليه السّلام: إِنَّ لَهُ دَرجة لا يَنَالُها أحدٌ مِن المَخلوقِين.ومدى محبَّة النّبيّ لسبطه الحُسين عليه السّلام، ومن هذه الأقوال ما يلي:
أولاً:عن يَعلى بن مُرَّة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: حُسَينٌ مِنِّي وأنا مِن حُسين، أحَبَّ اللهُ مَن أحبَّ حُسَيناً، حُسينٌ سِبْطُ مِن الأسْباط.
ثانياً: عن سلمان الفارسي، قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: الحسن والحسين ابناي، من أحبَّهما أحبَّني، ومن أحبَّني أحبَّه اللهُ، وَمَن أحبَّه الله أدخله الجنة، ومن أبغضَهُمَا أبغضَني، ومن أبغضَني أبغضَه الله، وَمَن أبغضه الله أدخلَه النَّار عَلى وجَهه.
ثالثاً:عن البَرَّاء بن عازب، قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله حاملاً الحُسين بن عليّ عليهما السّلام على عاتقه وهو يقول: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحبُّهُ فَأحِبَّه.
رابعاً:عن الإمام الباقر عليه السّلام، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا دخل الحُسين عليه السّلام اجتذبه إليه، ثمّ يقول لأمير المؤمنين عليه السّلام: أمْسِكه.ثمّ يقع صلّى الله عليه وآله عليه، فيُقبِّله ويبكي.
فيقول عليه السّلام: يَا أبَه، لِمَ تبكِي ؟
فيقول صلّى الله عليه وآله: يا بُنيَّ، أقبِّل موضع السيوف منك وأبكي.
فيقول عليه السّلام: يا أبه، وأُقتَل ؟
فيقول صلّى الله عليه وآله: إي والله، وأبوك وأخوك وأنت.
فيقول عليه السّلام: يا أبه، فمصارعُنا شتَّى ؟
فيقول صلّى الله عليه وآله: نعم، يا بُنيَّ.
فيقول عليه السّلام: فمن يزورنا من أمتك ؟
فيقول صلّى الله عليه وآله: لا يزورني ويزور أباك وأخاك وأنت إلا الصدِّيقون من أمَّتي.
خامساً:عن ابن عباس، قال: لمَّا اشتدَّ برسول الله صلّى الله عليه وآله مرضه الذي توفِّي فيه، ضمَّ الحُسين عليه السّلام، ويسيل من عرقه عليه، وهو يجود بنفسه ويقول: مَا لي وَلِيَزيد، لا بَارَكَ اللهُ فِيه، اللَّهُمَّ العَنْ يزيد.
ثمّ غُشي عليه صلّى الله عليه وآله طويلاً. ثمّ أفاقَ، وجعل يقبِّل الحُسين عليه السّلام وعيناه تذرفان ويقول: أما إن لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله عزَّ وجلَّ.
علمه عليه السلام
أخي القارئ الكريم: ان علم الإمام عليه السّلام كما لايخفى انه العالم بما كان ويكون الى يوم القيامة، ولا يُقاس بعلمه احد من علوم البشر, ممن لم يبلغ مرتبة العصمة الإلهية { قل كفى بالله شهيدا بيتي وبينكم ومن عنده علم الكتاب}؛ لانّ علمه من علم رسول الله صلّى الله عليه وآله, وعلم رسول الله صلّى الله عليه وآله من الله سبحانه وتعالى.واليك بعض علومه عليه السّلام.
1ـ عن أبي سلمة قال: حَجَجْتُ مع عمر بن الخطاب، فلمَّا صرنا بالأبطح فإذا بأعرابي قد أقبل علينا فقال: يا أمير المؤمنين، إني خرجت وأنا حاجٌّ مُحْرِمْ، فأصبت بيض النعَّام، فاجتنيتُ وشويتُ وأكلتُ، فما يجب عليّ؟
قال عُمَر: ما يحضرني في ذلك شيء، فاجلسْ لعلَّ الله يفرِّج عنك ببعض أصحاب مُحمّد صلّى الله عليه وآله.
فإذا أمير المؤمنين عليه السّلام قد أقبل، والحسين عليه السّلام يتلوه.
فقال عمر: يا أعرابي هذا عليّ بن أبي طالب فدونك ومسألتك.
فقام الأعرابي وسأله، فقال عليّ عليه السّلام: يا أعرابي سلْ هذا الغلام عندك، يعني الحُسين عليه السّلام.
فقال الأعرابي: إنما يحيلني كل واحد منكم على الآخر.
فأشار الناس إليه: ويحك هذا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله فاسأله.
فقال الأعرابي: يابن رسول الله إني خرجت من بيتي حاجّاً - وقصَّ عليه القصة فقال له الحُسين عليه السّلام: أَلَكَ إِبْلٌ ؟
قال الأعرابي: نعم.
قال عليه السّلام: خُذ بعدد البيض الذي أَصَبتَ نوقاً فاضربها بالفحولة، فما فصلت فاهدها إلى بيت الله الحرام.
فقال عمر: يا حسين النوق يزلقن.
فقال الحُسين: إنّ البيض يمرقن.
قال عمر: صدقت وبررت.
فقام عليّ عليه السّلام وضمَّ الحُسين عليه السّلام إلى صدره وقال: ذرِّيَّة بعضها من بعض والله سميع عليم.
علمه عليه السّلام بأصوات الحيوانات
من شرط الإمام أن يكون عالماً بجميع اللغات حتّى أصوات الحيوانات.
روى مُحمّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن الحُسين عليه السّلام أنّه قال: إذَا صَاح النِّسرُ فإنَّه يقولُ: يَا ابنَ آدَم عِشْ مَا شِئْتَ فَآخِرُه المَوتُ، وإذَا صَاح البَازي يقول: يَا عَالِم الخَفيَّات يَا كَاشِفَ البَليَّات، وإذَا صَاحَ الطاووسُ يقولُ: مَولايَ ظَلَمْتُ نَفسي وَاغْتَرَرْتُ بِزِينَتي فَاغْفِر لِي. وإذا صَاحَ الدرَّاجُ يَقولُ: الرَّحْمَنُ عَلى العَرشِ استوَى، وإذَا صَاحَ الدِّيكُ يَقولُ: مَنْ عَرفَ اللهُ لَم يَنسَ ذِكره، وإذا قَرْقَرَت الدَّجاجَة تقول: يَا إلَه الحَقِّ أنْتَ الحَقّ، وقَولُكَ الحَقّ، يَا اللهُ يَا حَقّ. وَإذَا صَاحَ البَاشِق يَقولُ: آمنتُ باللهِ واليَومِ الآخِر، وإذَا صَاحَت الحَدأَة تَقول: توكَّلْ عَلَى اللهِ تُرزَق، وإذَا صَاحَ العُقاب يَقولُ: مَن أطَاعَ اللهُ لَم يَشْقَ، وإذَا صَاح الشَّاهِين يَقولُ سُبحَانَ الله حَقاً حَقاً، وإذَا صَاحَت البومَة تَقولُ: البُعدُ مِنَ النَّاسِ أُنْس، وإذَا صَاحَ الغُرَابُ يَقول: يَا رَازقُ ابعَثْ بالرِّزقِ الحَلال، وإذَا صَاحَ الكَرَكي يَقول: اللَّهمَّ احفَظْني مِن عَدوِّي. وإذَا صَاح اللَّقْلَقْ يقول: من تخلّى من الناس نجا من أذاهم، وإذا صاحت البطة تقول: غفرانك يا الله غفرانك، وإذا صاح الهدهد يقول: ما أشقى من عصى الله، وإذا صاح القمري يقول: يا عالم السر والنجوى يا الله، وإذا صاح الدبسي يقول: أنت الله لا إله سواك يا الله، وإذا صاح العقعق يقول: سبحان من لا يخفى عليه خافية. وإذا صاح الببغاء يقول: من ذكر ربّه غفر ذنبه، وإذا صاح العصفور يقول: أستغفر الله ممّا يسخط الله، وإذا صاح البلبل يقول لا إله إلاّ الله حقاً حقاً، وإذا صاحت القبجة تقول: قرب الحق قرب، وإذا صاحت السماناة تقول: يا ابن آدم ما أغفلك عن الموت، وإذا صاح السنوذنيق يقول: لا إله إلاّ الله مُحمّد رسول الله وآله خيرة الله، وإذا صاحت الفاختة تقول: يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد. وإذا صاح الشقراق يقول: مولاي أعتقني من النار، وإذا صاحت القنبرة تقول: مولاي تب على كل مذنب من المؤمنين، وإذا صاح الورشان يقول: إن لم تغفر ذنبي شقيت، وإذا صاح الشفنين يقول: لا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم، وإذا صاحت النعامة تقول: لا معبود سوى الله، وإذا صاحت الخطافة، فإنّها تقرأ سورة الحمد، وتقول: يا قابل توبة التوابين يا الله لك الحمد. وإذا صاحت الزرافة تقول: لا إله إلاّ الله وحده، وإذا صاح الحمل يقول كفى بالموت واعظاً، وإذا صاح الجدي يقول: عاجلني الموت فقل ذنبي، وإذا زأر الأسد يقول: أمر الله مهم مهم، وإذا صاح الثور يقول: مهلاً مهلاً يا ابن آدم أنت بين يدي من يرى ولا يرى وهو الله، وإذا صاح الفيل يقول: لا يغني عن الموت قوّة ولا حيلة، وإذا صاح الفهد يقول: يا عزيز يا جبّار يا متكبّر يا الله، وإذا صاح الجمل يقول: سبحان مذل الجبّارين سبحانه. وإذا صهل الفرس يقول: سبحان ربّنا سبحانه، وإذا صاح الذئب يقول: ما حفظ الله فلن يضيع أبداً، وإذا صاح ابن آوى يقول: الويل الويل الويل للمذنب المصر، وإذا صاح الكلب يقول: كفى بالمعاصي ذلاً، وإذا صاح الأرنب يقول: لا تهلكني يا الله لك الحمد، وإذا صاح الثعلب يقول: الدنيا دار غرور. وإذا صاح الغزال يقول: نجّني من الأذى، وإذا صاح الكركدن يقول: أغثني وإلاّ هلكت يا مولاي، وإذا صاح الإبل يقول: حسبي الله ونعم الوكيل حسبي، وإذا صاح النمر يقول: سبحان من تعزّز بالقدرة سبحانه، وإذا سبّحت الحيّة تقول: ما أشقى من عصاك يا رحمان، وإذا سبّحت العقرب تقول: الشر شيء وحش.
ثمّ قال عليه السّلام: ما خلق الله من شيء إلاّ وله تسبيح يحمد به ربّه، ثمّ تلا هذه الآية: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ. (الإسراء: 44).
فصاحته وبلاغته عليه السلام
تربى الإمام الحُسين عليه السّلام بين أحضان جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله، الذي كان أفصح مَنْ نطق بالضاد، ثمّ انتقل إلى حضن أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام، الذي كان كلامه بعد كلام النّبيّ صلّى الله عليه وآله، ودون كلام الخالق، ناهيك عن كلام أُمّه الزهراء عليها السّلام، التي تفرغ عن لسان أبيها، فلا غرو أن نجد الحُسين عليه السّلام أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء.
وقد تجلى ذلك في واقعة عاشوراء، عندما اشتد الخطب وعظم البلاء وضاق الأمر، فلم يتزعزع ولم يضطرب، وخطب بجموع أهل الكوفة، بقلب ثابت ولسان طليق ينحدر منه الكلام كالسيل، فلم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه، حتّى قال فيه عدوّه: ويلكم كلّموه فإنه ابن أبيه، والله لو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما حصر.
حكمته عليه السلام
ورد عن الإمام الحُسين عليه السّلام مجموعة قيمة من الحكم القصار التي أسدا بها لتكون منارا وهداية وشعارا لنا وللاجيال السابقة عنا واللاحقة لنا نستضيء بها في دروبنا الوعرة تحمل في طياتها ألوانا من الأخلاق والعرفان والآداب والكمال والحث على الفضائل، و.... وما أحوجنا للعمل بها , واليكم البعض منها:
1 - قال عليه السّلام: شر خصال الملوك الجبن عن الأعداء، والقسوة على الضعفاء، والبخل عن الإعطاء.
2ـ قال عليه السّلام: إِذا كانَ يَوم القيامةِ نَادَى مُنادٍ: أيُّهَا الناس مَن كَانَ لَهُ عَلى اللهِ أجرٌ فَليَقُم، فَلا يَقُومُ إِلاَّ أهلُ المَعرُوف.
3ـ قال عليه السّلام: من سرّه أن ينسأ في أجله، ويزاد في رزقه فليصل رحمه.
4 - وقال عليه السّلام: صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك، فأكرم وجهك عن رده.
5ـ قال عليه السّلام: البُكَاءُ مِن خَشيةِ اللهِ نَجاةٌ مِن النار.
6ـ قال عليه السّلام: يا هذا لا تجاهد في الرزق جهاد المغالب، ولا تتكل على القدر اتكال مستسلم، فإنّ ابتغاء الرزق من السّنة، والإجمال في الطلب من العفّة، ليست العفّة بممانعة رزقاً، ولا الحرص بجالب فضلاً، وإنّ الرزق مقسوم، والأجل محتوم، واستعمال الحرص طلب المأثوم.
7 ـ قال عليه السّلام: موتٌ في عِزٍّ خَيرٌ مِن حَياةٍ في ذُلٍّ.
8ـ قال عليه السّلام: اللَّهُمَّ لا تَستَدرِجنِي بالإحسان، ولا تُؤَدِّبني بِالبَلاء.
9ـ قال عليه السّلام: أَيْ بُنَي، إِيَّاكَ وَظُلم مَن لا يَجِدُ عَليك ناصراً إلاّ الله عَزَّ وَجلَّ.
10ـ قال عليه السّلام: مَن قَبلَ عَطاءَك فَقَد أعَانَكَ عَلى الكَرَم.
11ـ قال عليه السّلام: دَعْ مَا يُريبُكَ إلى مَا لا يُريبك، فإنَّ الكذبَ رِيبَةٌ، وَالصدقُ طُمَأنينَة.
12ـ قال عليه السّلام: إِيَّاك وما تَعتَذِرُ مِنه، فإِنَّ المُؤمنَ لا يُسيءُ ولا يَعتَذِر، وَالمُنَافق كُل يوم يُسيءُ وَيعتذر.
13ـ قال عليه السّلام: مَا أخذَ اللهُ طَاقَة أَحَدٍ إِلاّ وَضع عَنه طَاعَته، ولا أخَذَ قُدرتَه إِلاَّ وَضَعَ عنه كُلفَتَه.
14ـ قال عليه السّلام: خَمسٌ مَن لَم تَكُن فِيه لَم يَكُن فِيه كثير: مُستمتع العقل، والدِين، والأَدَب، والحَيَاء، وَحُسنُ الخُلق.
15ـ قال عليه السّلام: مَن حَاولَ أمراً بمعصيةِ اللهِ كَان أفوَت لِما يَرجُو، وَأسرَع لِما يَحذَر.
16ـ قال عليه السّلام: مِن دَلائِل عَلامات القَبول الجُلوس إلى أهلِ العقول، ومِن علامات أسبابِ الجَهل المُمَارَاة لِغَير أهلِ الكفر، وَمِن دَلائل العَالِم انتقَادُه لِحَديثِه، وَعِلمه بِحقَائق فُنون النظَر.
17ـ قال عليه السّلام: إِنَّ المؤمنَ اتَّخَذ اللهَ عِصمَتَه، وقَولَه مِرآتَه، فَمَرَّةً ينظر في نَعتِ المؤمنين، وتَارةً ينظرُ في وصف المُتَجبِّرين، فَهو منهُ فِي لَطائِف، ومن نَفسِه في تَعارُف، وَمِن فِطنَتِه في يقين، وَمن قُدسِه عَلى تَمكِين.
18ـ قال عليه السّلام: إِذا سَمعتَ أحداً يَتَناولُ أعراضَ الناسِ فاجتَهِد أنْ لا يَعرِفك.
19- وقال عليه السّلام لرجل اغتاب عنده رجلاً: يا هذا كف عن الغيبة، فإنها إدام كلاب النار.
20ـ تكلّم رجل عنده عليه السّلام فقال: إنّ المعروف إذا أُسدِي إلى غير أهله ضَاع.
21 ـ قال عليه السّلام: العاقلُ لا يُحدِّث من يُخافُ تَكذيبُه، ولا يَسألُ مَن يُخافُ مَنعُه، ولا يَثِقُ بِمن يُخافُ غَدرُه، وَلا يَرجو مَن لا يُوثَقُ بِرجَائِه.
22ـ قال عليه السّلام: البَخيلُ مَن بَخلَ بالسَلام.
23ـ قال عليه السّلام: الاستدراج من الله سبحانه لعبده ان يسبغ عليه النعم ويسلبه الشكر.
24ـ قال عليه السّلام: مَن أحجَم عَن الرأي وَأعيَتْ لَهُ الحِيَل كَانَ الرفقُ مِفتَاحُه.
25ـ قال عليه السّلام: إنّ حوائج النّاس إليكم من نعم الله عليكم، فلا تملّوا النعم فتعود نقماً.
26ـ قال عليه السّلام: إنّ الحلم زينة، والوفاء مروّة، والصلة نعمة، والاستكبار صلف، والعجلة سفه، والسفه ضعف، والغلو ورطة، ومجالسة أهل الدناءة شر، ومجالسة أهل الفسق ريبة.
خطبه عليه السلام
توجد للامام عدة خطب قصار وطوال اخترنا منها:
خطبته عليه السّلام يوم عاشوراء
لمّا نظر الحُسين عليه السّلام يوم عاشوراء إلى جمعهم كأنّه السّيل, رفع يديه بالدعاء وقـــال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة كم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصّديق ويشمت فيه العدو أنزلته بك وشكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك فكشفته وفرجته فأنت ولي كل نعمة ومنتهى كل رغبة.
ثمّ دعا براحلته فركبها ونادى بصوت عال يسمعه جلّهم: أيّها النّاس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو حق لكم عليّ وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم فان قبلتم عذري وصدقتم قولي وأعطيتموني النّصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد ولم يكن لكم عليّ سبيل وان لم تقبلوا مني العذر ولم تعطوا النّصف من أنفسكم فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمة ثمّ اقضوا إلي ولا تنظرون إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصّالحين.
فلما سمعن النّساء هذا منه صحن وبكين وارتفعت أصواتهن فأرسل إليهن أخاه العباس وابنه علياً الأكبر وقال لهما سكتاهن فلعمري ليكثر بكاؤهن ولما سكتن حمد الله وأثنى عليه وصلّى على مُحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم وعلى الملائكة والأنبياء وقال في ذلك ما لا يحصى ذكره ولم يسمع متكلم قبله ولا بعده أبلغ منه في منطقه ثمّ قال:
الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفةً بأهلها حالاً بعد حال فالمغرور من غرته والشّقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها وأراكم قد اجتمعتم على أمر أرى أنكم قد أسخطتم الله فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمته وجنبكم رحمته فنعم الرّب ربنا وبئس العبيد أنتم أقررتم بالطّاعة وآمنتم بالرّسول مُحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم ثمّ إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشّيطان فأنساكم ذكر الله العظيم فتبّاً لكم ولما تريدون إنا لله وإنا إليه راجعون هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعداً للقوم الظّالمين أيّها النّاس انسبوني من أنا ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي السّت ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق برسوله بما جاء من عند ربه أوليس حمزة سيد الشّهداء عم أبي أو ليس جعفر الطّيار عمي أو لم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي هذان سيدا شباب أهل الجنة فإن صدقتموني بما أقول وهو الحق والله ما تعمدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ويضر به من اختلقه وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سالتّموه عن ذلك أخبركم سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد السّاعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي أما في هذا حـاجـز لكم عن سفك دمي؟
فقال الشّمر: هو يعـبد اللّه على حــرف إنْ كـان يدري ما يقول. فقال له حبيب بن مظـاهر والله اني أراك تعبد الله على سبعين حرفاً وأنا أشهد انك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك.
ثمّ قال الحُسين: إن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أني ابن بنت نبيكم فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة.
فأخذوا لا يكلمونه فنادى:
يا شبث بن ربعي ويا حجار بن أبجر ويا قيس بن الأشعث ويا زيد بن الحارث ألم تكتبوا إلي أن أقدم قد أينعت الثّمار واخضر الجناب وإنما تقدم على جند لك مجندة.
فقالوا لم نبعث. قال: سبحان الله بلى والله لقد فعلتم. ثمّ قال: أيّها النّاس إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم الى مأمني من الأرض.
فقال له قيس بن الأشعث: أولا تنزل على حكم بني عمك فإنهم لن يروك إلا ما تحب ولن يصل إليك منهم مكروه.
فقال الحُسين: أنت أخو أخيك أتريد أن يطلبك بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد، عباد الله إني عذت بربي وربكم أن ترجمون أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب.
خطبته الثّانية عـليه السّلام يوم عاشوراء
ثمّ إنّ الحُسين ركب فـرسه، وأخـذ مصـحفاً ونشـره عـلى رأسه، ووقـف بـإزاء القـوم وقال: يـا قوم إن بيني وبينكـم كتـاب اللّه وسـنّة جـدّي رســول اللّه صلّى اللّه عـليـه وآله.
ثمّ استــشـهدهم عن نفـسه المقـدّسة، وما عـليـه مـن سـيف النّبيّ ودرعه وعمامتـه، فأجـابوه بالتّصـديق. فسألهم عمّا أقدمهم على قتله قالوا: طاعةً للأمير عبيد اللّه بن زياد فـقـال عـليه السّلام: تـبـاً لكم أيّتها الجـماعة وترحـاً أحين استصـرخـتمونا والهين، فأصرخـناكم موجفين، سللتـم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحـششتم عـلينا ناراً اقـتـدحـناها على عدوّنا وعدوّكم فـأصـبـحتم ألباً لأعدائكم علـى أوليـائكـم، بــغـير عـدل أفـشــوه فيكم، ولا أمل أصـبـح لكم فيهم، فهلاّ لكم الويلات تركتمونا والسّيف مشيم والجأش طامن والرّأي لما يستصحــف، ولكـن أسـرعـتـم إليـهـا كطـيرة الدبــأ، وتـداعيتم عليها كتهافـت الفراش ثمّ نـقـضـتـموها فـسـحـقاً لكـم يا عـبـيد الأمة، وشـذاذ الأحزاب، ونبذة الكـتـاب، ومـحـرّفـي الكلم، وعـصـبة الإثـم، ونفثـة الشّـيطـان، ومطفئي السّـنن ويحـكم أهؤلاء تـعـضـدون، وعنا تتخـاذلون أجـلْ واللّه غـدر فيكـم قـديـم، و شجت عـليه اصـولكـم، وتأزرت فـروعكم فكنـتم أخـبث ثمر شــجٍ للنـاظـر، وأكـلة للغـاصـب. ألا وإنّ الدّعـي بـن الدّعي يعني ابـن زيـاد قـدْ ركـز بــين اثــنتــين، بـين السّـّلة والذّلة، وهـيهات مـنّا الذّلــة يـأبـى اللّه لنـا ذلك ورسـوله والمـؤمنون، وحـجـور طـابت وحجور طهرت وانوف حـمية، ونفوس أبـية من أن نؤثـر طـاعـة اللئام على مصـارع الكرام ألا وإنـي زاحـف بــهـذه الاسـرة عـلى قـلة العدد وخـذلان النّاصـر.
ثمّ انشد أبيات فروة:
فإن نهزم فهزّامون قدما** وإن نهْزم فغير مهزّمينا
وما ان طبنا جبْن ولكن** منايانا ودولة آخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا**سيلقى الشّامتون كما لقينا
أمـا واللّه لا تـلبــثـون بـعـدها إلاّ كـريـثما يركب الفـرس، حتّى تدور بكم دور الرّحـى، وتـقلق بـكم قلق المحور، عهد عهده اليّ أبي عن جـدّي رسول اللّه صلّى اللّه عـليه وآله وسـلم فـأجـمعوا أمركـم وشـركاء كم ثمّ لا يكـن أمـركـم عـليكم غـمّة، ثمّ اقـضـوا إليّ ولا تـنـظـرون. إني تـوكلت على اللّه ربّي وربكّم، ما من دابة إلاّ هــو آخــذ بناصــيتـــها، إنّ ربّي عــلى صراط مسـتـقـيم. ثمّ رفـع يديه وقال: اللّهم احـبـس عنهم قطـر السّماء، وابعث عـليـهـم سـنـين كـسـنيّ يوسـف وسلّط عليهم غـلام ثــقـيف يسقيهم كأساً مـصـبـّرة فـإنهم كـذّبونا وخـذلونا، وأنت ربّنا عـليك توكّلنا وإليك المصير.
عبادته عليه السلام
اتجه الإمام الحُسين عليه السّلام بعواطفه ومشاعره نحو الله عز وجل، فقد تفاعلت جميع ذاتيّاته عليه السّلام بحب الله والخوف منه.
ويقول المؤرخون: إنه عليه السّلام عمل كل ما يقرّبه إلى الله تعالى، فكان عليه السّلام كثير الصلاة، والصوم، والحج، والصدقة، وأفعال الخير.
ونعرض لبعض ما أُثِر عنه عليه السّلام من عبادته، واتجاهه نحو الله:
أوّلاً: خوفه عليه السّلام من الله تعالى
كان الإمام عليه السّلام في طليعة العارفين بالله، وكان عظيم الخوف منه، شديد الحذر من مخالفته، حتّى قال له بعض أصحابه: ما أعظم خوفك من ربك؟
فقال عليه السّلام: لا يَأمنُ يوم القيامة إلا مَن خافَ الله في الدنيا.
وكانت هذه سيرة المتقين الذين أضاءوا الطريق، وفتحوا آفاق المعرفة.
ثانياً: كثرة صلاته وصومه عليه السّلام
كان عليه السّلام أكثر أوقاته مشغولاً بالصلاة والصوم، فكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة كما حَدّث بذلك ولده زين العابدين.
وتحدث ابن الزبير عن عبادة الإمام عليه السّلام فقال: أمَا والله لقد قتلوه طويلاً بالليل قيامُه، كثيراً في النهار صومُه.
ثالثاً: حجّه عليه السّلام
كان الإمام عليه السّلام كثير الحج، وقد حج عليه السّلام خمساً وعشرين حجة ماشياً على قدميه، وكانت نجائِبُه تُقاد بين يديه، وكان يمسك الركن الأسود ويناجي الله ويدعو قائلاً: إِلَهي أنعمْتَني فَلَم تجِدْني شاكراً، وابْتَليتَني فلم تَجِدني صابراً، فلا أنتَ سَلبْتَ النِّعمَة بتركِ الشكر، ولا أدمْتَ الشِّدَّة بترك الصَّبر، إِلَهي ما يَكونُ من الكريمِ إلا الكرم.
وخرج عليه السّلام معتمراً لبيت الله فمرض في الطريق، فبلغ ذلك أباه أمير المؤمنين عليه السّلام وكان في المدينة المنورة، فخرج عليه السّلام في طلبه، فأدركه في السقيَا وهو عليه السّلام مريض، فقال له: يَا بُني ما تشتكي ؟
فقال الإمام الحُسين عليه السّلام: أشتَكِي رَأسي.
فدعا أمير المؤمنين بِبدنَةٍ فنحرها، وحلق عليه السّلام رأسه وَردّه إلى المدينة، فلما شُفي عليه السّلام من مرضه قَفل راجعاً إلى مكة واعتَمَر.
هذا بعض ما أُثِر من طاعته وعبادته عليه السّلام.
صبره عليه السلام
من الأمور الفَذَّة التي تَفرَّد بها سيد الشهداء الإمام الحُسين عليه السّلام هي الصبر على نوائب الدنيا وَمِحَن الأيام.
فقد تجرَّع عليه السّلام مَرارة الصبر منذ أن كان طفلاً، فرزئ بِجدِّه النّبيّ الأكرم مُحمّد صلّى الله عليه وآله وأمّه فاطمة الزهراء عليها السّلام، وشاهد الأحداث الرهيبة التي جرت على أبيه أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السّلام وما عاناه من المحن والخطوب. كما وتَجرَّع مَرَارة الصبر في عهد أخيه الإمام الحسن عليه السّلام وهو ينظر إلى خُذلانِ جَيشه لَه، وغَدرهم بِه، حتّى أُرغِم عليه السّلام على الصلح.
فبقي الحُسين عليه السّلام مع الحسن عليه السّلام يشاركه في مِحَنه وآلامه حتّى اغتالَهُ معاوية بالسم، وَرَامَ أن يُوارَى جثمانه بجوار جَدِّه صلّى الله عليه وآله، فَمَنعتهُ بنو أمية، فكان ذلك من أشَقِّ المِحنِ عليه.
ومن أعظم الرزايا التي صَبر عليها أنه عليه السّلام كان يرى انتقاض مبادئ الإسلام وما يوضع على لِسان جَده صلّى الله عليه وآله من الأحاديث المُنكَرة التي تغيّر وتبدّل شريعة الله.
ومن الدواهي التي عاناها عليه السّلام أنه كان يسمع سَبَّ أبيه الإمام عليّ عليه السّلام، وانتقاصه على كل هذه الرزايا والمصائب.
وتواكبت عليه المِحَن الشاقة في يوم العاشر من المُحرَّم، فلم يكد ينتهي عليه السّلام من مِحنة حتّى تطوف به مجموعة من الرزايا والآلام.
فكان يقف على الكواكب المشرقة من أبنائه وأهل بيته عليهم السّلام، وقد تَنَاهَبَت السيوف والرماح أشْلاءهُم، فيخاطبهم عليه السّلام بِكُل طُمَأنينة وثَبَات: صَبراً يا أهلَ بَيتي، صَبراً يَا بَني عُمُومَتِي، لا رَأيتُم هَواناً بَعدَ هَذا اليوم.
وقد بَصر شقيقته أمّ المصائب عقيلة بني هاشم زينب الكبرى عليها السّلام وقد أذهَلَتها الخطوب ومَزَّق الأسى قَلبُها، فَسارَعَ عليه السّلام إليها، وأمرَهَا بالخلود إلى الصبر والرضا بما قَسَم اللهُ.
ومن أهوال تلك الكوارث التي صبر الإمام عليه السّلام عليها أنه كان يرى أطفاله وعياله وهم يَضجّون من ألم الظمَأ القاتل، ويستغيثُون به من العطش، فكان عليه السّلام يأمرهم بالصبر والاستقامة، ويخبرهم بالعاقبة المشرقة التي يؤول إليها أمرهم بعد هذه المِحَن المؤلمة.
وقد صَبر عليه السّلام على مُلاقاة الأعداء الذين مَلأتِ الأرضَ جُمُوعُهُم المُتَدفِّقَة، وهو عليه السّلام وَحده يتلقَّى الضرب والطعن من جَميع الجهات، قد تَفَتَّتَ كبده من العطش وهو غير حافل بذلك كُله.
فقد كان صبره عليه السّلام وموقفه الصلِب يوم الطف من أندر ما عرفته الإنسانية.
فيقول الأربلي: شَجاعةُ الحُسين عليه السّلام يُضرَبُ بها المَثَل، وصَبرُهُ في الحرب أعجزَ الأوائلَ والأواخِرَ.
فإن أي واحدةٍ من رزاياه لو ابتلى بها أي إنسان مهما تَدرَّعَ بالصبر والعزم وقوة النفس لأوهنت قُواه، واستسلم للضعف النفسي.
ولكنه عليه السّلام لم يَعْنَ بما ابتُلِي به في سبيل الغاية الشريفة التي سَمَت بِرُوحه أن تستسلم للجَزَع أو تَضرَعُ للخطوب.
ويقول المؤرخون: إنه عليه السّلام تَفرَّد بهذه الظاهرة، فلم تُوهِ عزمَهُ الأحداثُ مهما كانت، لقد رضى بقضاء الله، واستسلم لأمره، وهذا هو جوهر الإسلام، ومنتهى الإيمان.
شعره عليه السلام
هناك مجموعة من أبيات الشعر منسوبة إلى الإمام الحسين عليه السّلام، نذكر منها:
ممهّدات السبق
سـبقت العالمين إلى المعالي** بحسـن خليقة وعلوّ همّة
ولاح بحكمتي نور الهدى في** ليال في الضلالة مدلهمّة
يريـد الجاحـدون ليطفؤوه** ويأبـى الله إلاّ أن يتمّـه
ثواب الله أعلى
فإن تكـن الدنيـا تعدّ نفيسـة** فإنّ ثـواب الله أعلـى وأنبـل
وإن يكن الأبدان للموت أنشأت** فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل
وإن يكن الأرزاق قسماً مقدّراً** فقلّة سعي المرء في الكسب أجمل
وإن تكن الأموال للترك جمعها **فما بال متروك به المرء يبخـل
للعزّة ? للذلّة
سأمضي وما بالموت عار على الفتى** إذا ما نوى حقّاً وجاهد مسلماً
وواسى الرجال الصـالحين بنفسـه** وفارق مثبوراً وخالف مجرماً
فإن عشـت لم أندم وإن متّ لم ألم** كفى بك موتاً أن تذلّ وترغما
? تسأل أحداً
إذا ما عضّـك الدهر فلا تجنـح إلى خلقٍ** ولا تسأل سوى الله تعالى قاسم الرزق
فلو عشت وطوّفت من الغرب إلى الشرق** لما صادفت من يقدر أن يسعد أو يشقى
الله الكافي
ذهـب الذيـن احبّهـم ** وبقيت فيمن ? أحبه
فيمـن أراه يسـبّنـي ** ظهر المغيب ولا أسبّه
يبغي فسادي ما استطاع ** وأمره ممّا لا أربـه
حنقاً يدبّ إلى الضـرا ** وذاك ممّـا لا أدبّـه
ويرى ذباب الشرّ من ** حولي يطـن ولا يذبّه
وإذا خبا وغر الصدور ** فلا يزال بـه يشـبّه
أفـلا يعيـج بعقلـه ** أفلا يثوب إليـه لبّـه
أفلا يـرى أنّ فعلـه ** ممّا يسـور إليه غبّـه
حسـبي بربّـي كافياً ** ما اختشى والبغي حسبه
ولقلّ من يبغـي عليه ** فمـا كفـاه الله ربّـه
زن كلامك
ما يحفظ الله يصـن ** ما يضـع الله يهـن
من يسـعد الله يلـن ** له الزمـان خشـن
أخي اعتبر ? تغترر ** كيف ترى صرف الزمن
يجزى بما أوتي من ** فعل قبيح أو حسـن
افلح عبـد كشـف ** الغطاء عنـه ففطن
وقرّ عيناً مـن رأى ** أنّ البلاء في اللسن
فما زن ألفاظـه في ** كـل وقـت ووزن
وخاف من لسـانـه ** غرباً حديداً فخـزن
ومن يكن معتصـماً ** بالله ذي العرش فلـن
يضـرّه شـيء ومن ** يعدى على الله ومـن
من يأمـن الله يخف ** وخائــف الله أمـن
وما لما يثمره الخوف ** مــن الله ثمــن
يا عالـم السـرّ كما ** يعلم حقّـاً ما علـن
صلّ على جدّي أبي ** القاسم ذي النور المنن
أكرم مـن حيّ ومـن ** لفّف ميتاً فـي كفن
وأمنن علينا بالرضـا ** فأنت أهـل للمنـن
وأعفنـا فـي ديننـا ** من كل خسرٍ وغبن
ما خاب من خاب كمن ** يوماً إلى الدنيا ركن
طوبي لعبـد كشـفت ** عنه غبابات الوسن
والموعد الله وما يقض ** بــه الله يكــن
العار ولا النار
الموت خير من ركوب العار ** والعار خير من دخول النار
والله ما هذا وهذا جاري
جوده وسخاؤه عليه السلام
من مزايا الإمام الحُسين عليه السّلام الجود والسخاء، فقد كان الملاذ للفقراء والمحرومين، والملجأ لمن جارت عليه الأيام، وكان يُثلِج قلوب الوافدين إليه بِهِبَاتِه وعَطَايَاه.
يقول كمال الدين بن طلحة:
وقد اشتهر النقل عنه أنه عليه السّلام كان يكرم الضيف، ويمنح الطالب، ويصل الرحم، ويسعف السائل، ويكسوا العاري، ويشبع الجائع، ويعطي الغارم، ويشد من الضعيف، ويشفق على اليتيم، ويغني ذا الحاجة، وقَلَّ أن وَصَلَه مَال إلا فَرَّقَه، وهذه سَجيَّة الجواد، وشِنشِنَه الكريم، وسِمَة ذي السماحة، وصفة من قد حوى مكارم الأخلاق، فأفعاله المَتلُوَّة شاهدة له بِصُنعِه الكرم، ناطقةً بأنه متصف بمَحاسِن الشيَم.
نقل المؤرخون، ما نصه:
كان عليه السّلام يحمل في دُجَى الليل السهم الجراب، يملؤه طعاماً ونقوداً إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين، حتّى أَثَّر ذلك في ظَهرِه، وكان يُحمَل إليه المتاع الكثير فلا يقوم حتّى يَهبُ عَامَّتَه.
وقد عرف معاوية فيه هذه الظاهرة فأرسل إليه عليه السّلام بهدايا وألطاف كما أرسل إلى غيره من شخصيات المدينة، وأخذ يحدث جلساءه بما يفعله كل واحد منهم بتلك الألطاف فقال في الحُسين عليه السّلام: أما الحُسين، فيبدأ بأيتام من قُتِل مع أبيه بِصِفِّين، فإن بقي شيء نَحرَ به الجزُور، وسقى به اللبن.
وعلى أي حال فقد نقل المؤرخون بوادر كثيرة من جود الإمام عليه السّلام وسخائه، ونذكر بعضها:
قضاء دين اسامة بن زيد
مرض أسامة بن زيد مرضه الذي توفي فيه، فدخل عليه الإمام عليه السّلام عائداً، فلما استقر به المجلس قال أسامة: واغَمَّاه.
فقال الإمام عليه السّلام: مَا غَمّك ؟
فقال أسامة: دَيْني، وهو ستّون ألفاً.
فقال الإمام عليه السّلام: هُوَ عليّ.
فقال أسامة: أخشى أن أموت قبل أن يُقضى.
فأجابه الإمام عليه السّلام: لَن تَموتَ حتّى أَقضِيهَا عَنك.
فبادر الإمام عليه السّلام فقضاها عنه قبل موته، وقد غضَّ طرفه عن أسامة فقد كان من المُتخلِّفين عن بيعة أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام، فلم يجازيه عليه السّلام بالمِثل، وإنما أغدق عليه بالإحسان.
عتقه عليه السلام جارية له
روى أنس قال: كنت عند الحُسين عليه السّلام فدخلت عليه جارية بيدها طاقة رَيحانة فَحَيَّتهُ بها، فقال عليه السّلام لها: أنتِ حُرَّة لِوجه الله تعالى.
فَبُهِر أنس وانصرف وهو يقول: جَاريةٌ تجيئُكَ بِطَاقَة رَيحانٍ فَتَعتِقها؟
فأجابه الإمام عليه السّلام: كَذا أدَّبَنا اللهُ، قال تبارك وتعالى: وَإِذَا حُيِّيْتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا وكان أحسَنَ منها عِتقُهَا.
وبهذا السخاء والخلق الرفيع مَلَك عليه السّلام قلوب المسلمين، وهَاموا بِحُبِّه وَوِلائِه عليه السّلام.
قضاء ديّة أعرابي
كان الإمام الحُسين عليه السّلام جالساً في مسجد جَده رسول الله صلّى الله عليه وآله وذلك بعد وفاة أخيه الإمام الحسن عليه السّلام، وكان عبد الله بن الزبير جالساً في ناحية منه، كما كان عتبة بن أبي سفيان جالساً في ناحية أخرى منه.
فجاء أعرابي غارم على نَاقة فَعَقَلها ودخل المسجد، فوقف على عتبة بن أبي سفيان، فَسلَّمَ عليه، فَردَّ عليه السّلام، فقال له الأعرابي: إني قَتلتُ ابن عَمٍّ لي، وطُولِبتُ بالديَّة، فهل لَكَ أن تعطيَني شيئاً؟.
فرفع عُتبة إليه رأسه وقال لغلامه: ادفع إليه مئة درهم.
فقال له الأعرابي: ما أريدُ إلا الديَّة تامة.
فلم يَعنَ به عتبة، فانصرف الأعرابي آيساً منه.
فالتقى بابن الزبير فَعرض عليه قصته، فأمر له بمِائتي درهم، فَردَّها عليه.
وأقبل نحو الإمام الحُسين عليه السّلام، فرفع إليه حاجته.
فأمر عليه السّلام له بعشرة آلاف درهم، وقال له: هَذهِ لِقضاء ديونَك.
وأمر عليه السّلام له بعشرة آلاف درهم أخرى وقال له: هَذه تَلُم بها شَعثَك، وَتُحسِّن بها حَالك، وتنفقُ بها على عِيَالِك.
فاستولت على الأعرابي موجاتٌ من السرور واندفع يقول:
طَربتُ وما هَاج لي معبقُ وَلا لِي مقَامٌ ولا معشَقُ
وَلكِنْ طَربتُ لآلِ الرَّسولِ فَلَذَّ لِيَ الشِّعرُ وَالمَنطِقُ
هُمُ الأكرَمون الأنجَبُون نُجومُ السَّماءِ بِهِم تُشرِقُ
سَبقتَ الأنامَ إلى المَكرُمَاتِ وَأنتَ الجَوادُ فَلا تُلحَقُ
أبوكَ الَّذي سَادَ بِالمَكرُمَاتِ فَقصَّرَ عَن سِبقِه السُّبَّقُ
بِه فَتحَ اللهُ بَابَ الرَّشاد وَبابُ الفَسادِ بِكُم مُغلَقُ
الإمام مع الأعرابي
قصد الإمام عليه السّلام أعرابيٌّ فَسلَّم عليه، وسأله حاجته وقال: سمعتُ جدَّك صلّى الله عليه وآله يقول: إِذا سَألتُم حَاجَة فَاسْألوُها مِن أربعة: إِمَّا عَربيّ شريف، أَو مَولىً كَريم، أوْ حَامِلُ القُرآن، أو صَاحِبُ وَجه صَبيحٍ.
فَأما العَربُ فَشُرِّفَت بِجَدك صلّى الله عليه وآله، وأما الكرمُ فَدَأبُكم وَسيرتكم، وأما القرآن فَفِي بيوتِكُم نَزَل.وأما الوجه الصبِيح فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: إِذا أردتُم أنْ تَنظُروا إِليَّ فَانظُروا إِلى الحَسَنِ وَالحُسَين.
فقال له الحُسين عليه السّلام: ما حاجتك ؟
فَكتبها الأعرابي على الأرض، فقال له الحُسين عليه السّلام: سَمِعتُ أبي عَلياً عليه السّلام يَقول: المَعرُوفُ بِقَدر المعرفة.
فأسألُكَ عَن ثلاث مَسائلٍ، إِن أجبتَ عن واحدةٍ فَلَكَ ثُلث ما عِندي، وإِن أجبتَ عَن اثنين فَلَك ثُلثَا مَا عِندي، وإِن أجبتَ عَن الثَّلاث فَلَكَ كُل مَا عِندي، وَقَد حُمِلَت إِليَّ صرَّة من العِراق.
فقال الأعرابي: سَلْ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فقال الإمام عليه السّلام: أيّ الأعمالِ أفضلُ ؟
فقال الأعرابي: الإيمان بالله.
فقال الإمام عليه السّلام: ما نَجَاةُ العَبدِ مِن الهَلَكة ؟
فقال الأعرابي: الثقة بالله.
فقال الإمام عليه السّلام: مَا يزينُ المَرء ؟
فقال الأعرابي: عِلمٌ معهُ حِلمٌ.
فقال الإمام عليه السّلام: فإن أَخطأه ذَلك ؟
فقال الأعرابي: مَالٌ معهُ كَرمٌ.
فقال الإمام عليه السّلام: فإِن أَخطأه ذلك.
فقال الأعرابي: فَقرٌ معهُ صَبرٌ.
فقال الإمام عليه السّلام: فإن أَخطأه ذلك.
فقال الأعرابي: صَاعقةٌ تنزل من السماء فَتُحرقه.
فضحك الإمام عليه السّلام ورمى إليه بِالصرَّة.
أدبه عليه السلام
مع أن الإمام الحُسين عليه السّلام، خبر حياة خاصة، شحنت بأحداث سياسية، انتهت باستشهاده بالنحو المعروف، الا انه يظل امتداداً لجده وأبيه وأخيه من حيث "المعرفة" وكذلك الاقتدار الفني في التعبير. فمن حيث المعرفة، نجد أن احد خصومه وهو نافع بن الأزرق، فيما يعده المؤرخون خطيب الخوارج ومتكلمهم، قد اضطر الى الاشادة به كما اضطر الحسن البصري في الاشادة بأخيه الحسن عليه السّلام بنحو ما لحظنا ذلك في فصل سابق، حيث خاطبه قائلاً: لقد كنتم منار الاسلام ونجوم الأحكام، وخاطبه أيضاً: قد أنبأ الله تعالى عنكم أنكم خصمون وقال له: ما أحسن كلامك حينما طلب نافع من الحُسين عليه السّلام أن يصف الله تعالى. واما من حيث الاقتدار الفني في التعبير، فيكفي أن خصمه معاوية قد علق على كلام له عليه السّلام بقوله: ولكنها ألسّنة بني هاشم التي تفلق الصخر وتغرف من البحر، كما أن أحد قتلته وهو ابن سعد، علق على خطبة للامام عليه السّلام قالها يوم كربلاء: كلموه فانه ابن أبيه، ولو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما حصر، وحتى في أشد المواقف في يوم كربلاء، قال المؤرخون بأنه لم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده ابلغ في منطقه من الحُسين عليه السّلام..
طبيعياً، أن المعرفة والفن قد خص الله بهما أهل البيت عليهم السّلام بنحو لا ترديد فيه، الا اننا أشرنا الى اقوال الخصوم انفسهم لتوضيح الحقيقة التي قد يجهلها من لا حظ له من المعرفة...
حلمه وتواضعه عليه السّلام
فقد كان الحلم من أسمى صفات الإمام الحُسين عليه السّلام ومن أبرز خصائصه، فقد كان - فيما أجمع عليه الرواة - لا يقابل مسيئاً بإساءته، ولا مذنباً بذنبه.
وإنما كان عليه السّلام يغدق عليهم بِبرِّه ومعروفه، شأنه في ذلك شأن جده الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله الذي وَسع الناسَ جميعاً بأخلاقه وفضائله، وقد عُرف عليه السّلام بهذه الظاهرة وشاعت عنه.
نقل المؤرخون: إن بعض مواليه قد جنى عليه جناية توجب التأديب، فأمر عليه السّلام بتأديبه، فانبرى العبدُ قائلاً: يا مولاي، إن الله تعالى يقول: الكَاظِمِينَ الغَيْظَ.
فقابله الإمام عليه السّلام بِبَسماته الفيَّاضة وقال له: خَلّوا عَنه، فَقَد كَظمتُ غَيظِي.
وسارعَ العبدُ قائلاً: وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ.
فقال له الإمام عليه السّلام: قَد عَفوتُ عَنك.
وانبرى العبدُ يطلب المزيد من الإحسان قائلاً: وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ.
فأجابه الإمام عليه السّلام قائلاً: أنتَ حُرّ لِوَجهِ اللهِ.
ثمّ أمر عليه السّلام له بجائزة سَنيّة تُغنيهِ عن الحاجة ومَسألة الناس.
فقد كان هذا الخلق العظيم من مقوِّماته التي لم تنفكّ عنه عليه السّلام، وظلَّت ملازمةً له طوال حياته.
وَجَبلَ الإمام الحُسين عليه السّلام على التواضع، ومجافاة الأنانية والكبرياء، وقد وَرثَ هذه الظاهرة من جَدِّه الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله الذي أقام أصول الفضائل، ومعالي الأخلاق في الأرض.
وقد نقل الرواة بَوادر كثيرة من سُموِّ أخلاقه عليه السّلام وتواضعه.
فَمِنهَا: إنه عليه السّلام اجتاز على مساكين يأكلون في الصفة، فدعوه إلى الغداء فنزل عن راحلته، وتغذى معهم، ثمّ قال عليه السّلام لهم: قَد أجبتُكُم فَأَجِيبُونِي.
فَلبّوا كلامه وخفوا معه إلى منزله، فقال عليه السّلام لزوجه الرباب: أَخرِجي ما كُنتِ تَدَّخِّرين.
فأخرَجتْ الرباب ما عندها من نقودٍ فناولها عليه السّلام لهم.
ومنها: أنه عليه السّلام مَرَّ على فقراء يأكلون كسراً من أموال الصدقة، فَسلَّم عليهم فدعوه إلى طعامهم، فجلس معهم، وقال عليه السّلام: لَولا أنهُ صَدَقة لأكلتُ مَعكُم.
ثمّ دعاهم عليه السّلام إلى منزله، فأطعمهم وكَسَاهم وأمرَ لَهم بِدَراهم.
ومنها: أنه جرَت مشادة بين الإمام الحُسين عليه السّلام وأخيه مُحمّد بن الحنفية، فانصرف مُحمّد إلى داره وكتب إليه عليه السّلام رسالة جاء فيها:
أما بعد: فإن لك شرفاً لا أبلغُه، وفضلاً لا أُدركُه، أبونا عليّ عليه السّلام لا أفَضّلك فيه ولا تُفضّلني، وأمي امرأة من بني حنيفة، وأمك فاطمة عليها السّلام بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، ولو كان مِلءُ الأرض مثل أمِّي مَا وَفيْنَ بِأمِّك، فإذا قرأت رُقعتي هذه فالبَس رِدَاءك ونَعلَيك وَسِرْ إِليَّ، وتُرضِينِي، وَإيَّاك أن أكونَ سابقُكَ إلى الفضلِ الذي أنت أولَى بِه مِنِّي.
ولمّا قرأ الإمام الحُسين عليه السّلام رسالة أخيه سارع إليه، وتَرضَّاهُ، وكان ذلك من معالي أخلاقه وسُموِّ ذاته عليه السّلام.
شجاعته عليه السلام
لم يشاهد الناس في جميع مراحل التاريخ أشجع، ولا أربَطُ جأشاً، ولا أقوى جناناً من الإمام الحُسين عليه السّلام.
فقد وقف عليه السّلام يوم الطف موقفاً حيَّر فيه الألباب، وأذهل فيه العقول، وأخذت الأجيال تتحدثُ بإعجاب وإكبارٍ عَن بَسَالَتِه، وصَلابة عَزمه عليه السّلام، وقد بُهِر أعداؤه الجبناء بِقوَّة بَأسه.
فإنَّه عليه السّلام لم يضعف أمام تلك النكبات المذهلة التي أخذت تتواكب عليه، وكان يزداد انطلاقاً وبشراً كلما ازاداد الموقف بلاءً ومحنة.
فإنَّه عليه السّلام بعد ما فقد أصحابه وأهل بيته عليهم السّلام زحف عليه الجيش بأسره، وكان عدده - فيما يقول الرواة - ثلاثين ألفاً.
فحمل عليهم وَحدهُ وقد مَلَك الخَوفُ والرُعب قلوبهم، فكانوا ينهزمون أمامَه كالمعزى إذا شَدَّ عليها الذئب - على حَدِّ تعبير الرواة -.
وبقي عليه السّلام صامداً كالجبل، يتلقى الطعنَات من كل جانب، ولم يُوهَ له ركن، وإنما مضى في أمره استِبْسَالاً واستخفافاً بالمنية.
قال أحد شعراء أهل البيت عليهم السلام
فَتلقَّى الجُموعَ فرداً وَلكنْ***كُل عُضوٌ في الرَّوعِ منه جُموعُ
رُمحُه مِن بنَانِه، وَكأنَّ من***عَزمِهِ حَدُّ سَيفِه مَطبوعُ
زَوَّجَ السَّيفَ بالنفوسِ وَلكنْ***مَهرُها المَوتُ وَالخِضَابُ النَّجِيعُ
ولما سقط عليه السّلام على الأرض جريحاً وقد أعياه نزف الدماء تحامى الجيش بأسره من الإجهاز عليه رعباً وخوفاً منه عليه السّلام.
وقد صوَّر الشاعر ذلك المشهد بقوله:
عَفيراً مَتى عَايَنَتْهُ الكُمَاة***يَختَطِفُ الرُّعبُ أَلوَانَها
فَما أجلَت الحَربُ عَن مِثلِهِ***صَريعاً يُجَبِّنُ شُجعَانَها
وتغذى أهل بيته وأصحابه عليهم السّلام بهذه الروح العظيمة، فتسابقوا إلى الموت بشوقٍ وإخلاص، لم يختلجْ في قلوبِهم رُعب ولا خوف، وقد شَهدَ لهم عَدوُّهُم بالبَسَالة ورباطة الجأش.
فقد قيل لرجل شَهدَ يوم الطفِّ مع عمر بن سعد: وَيحك، أقَتَلتُم ذُرِّيَّة رَسولِ الله صلّى الله عليه وآله ؟!
فاندفع قائلاً: عَضَضْت بالجندل، إنك لو شهدتَ ما شهدنا لَفعلتَ ما فعلنا، ثارت علينا عِصابةٌ، أيديها في مَقابِض سيوفِها كالأُسُود الضارِية، تحطم الفرسان يميناً وشمالاً، وتُلقي أنفسَها على الموت، لا تقبلُ الأمانَ، ولا تَرغبُ في المال، ولا يحولُ حائِلٌ بينها وبين الوُرودِ على حِياضِ المَنِيَّة، والاستيلاءِ على المُلك، فَلَو كَفَفْنَا عنها رُوَيداً لأتَتْ على نفوس العسكر بِحذافيرِه، فَما كُنَّا فاعِلين؟! لا أمّ لَك !!.
ووصف أحد الشعراء هذه البسالة النادرة بقوله:
فَلو وَقَفَتْ صُمُّ الجبال مَكانَهم**لَمادَتْ عَلى سَهلٍ وَدَكَّت على وَعرِ
فَمِن قائمٍ يَستعرضُ النَّبلَ وجهُهُ**وَمِن مُقدِمٍ يَرمي الأَسِنَّة بِالصَّدرِ
وما أروع ما قاله السيد حيدر الحلي:
دَكُّوا رُبَاها ثمّ قالوا لَها**وَقد جَثَوا نَحنُ مَكانَ الرُّبَا
فقد تحدَّى أبو الأحرار عليه السّلام ببسالته النادرة الموت، فَسخَر منه، وهَزأ مِن الحياة.
وقد قال عليه السّلام لأصحابه حينما رأى سهام الأعداء تُمطِر عليهم: قُومُوا رَحِمَكُمُ اللهُ إلى المَوتِ الذي لا بُدَّ منه، فإنَّ هذه السِّهام رُسُل القَومِ إِليكُم.
فنرى أنه عليه السّلام قد دعا أصحابه إلى الموت كأنما هو يدعوهم إلى مأدبة لذيذة، وقد كانت لذيذة عنده حقاً، لأنه عليه السّلام ينازل الباطل، ويرتسم له بُرهَان رَبِّه الذي هو مَبدؤهُ عليه السّلام.
هيبته عليه السلام
وكانت عليه سِيمَاء الأنبياء عليهم السّلام، فكان عليه السّلام في هَيبته يَحكي هيبة جَدِّه صلّى الله عليه وآله التي تَعنُو لَها الجِبَاه.
ووصف عظيم هيبته بعض الجَلاَّدين من شُرطة ابن زياد بقولهم: لَقَد شَغَلَنا نُورُ وجهِهِ وجَمالُ هَيبتِه عن الفكرة في قتله.
ولم تحجب نور وجهه يوم الطف ضربات السيوف، ولا طَعنات الرماح، فكان كالبدر في بَهائه ونَضَارته، وفي ذلك يقول الشاعر الكعبي:
وَمُجَرَّحٌ ما غيَّرت منه القَنا*** حُسنـاً ولا أخلَقْنَ منه جَديدا
قَد كان بدراً فاغتَدَى شمسُ الضّحى***مُذْ ألبَسَتْه يد الدماء بُرودا
وَلما جِيءَ برأسه الشريف إلى الطاغية ابن زياد بُهِر بنور وجهه، فانطلق يقول: ما رأيتُ مثل هذا حُسناً !!.
وحينما عُرِض الرأس الشريف على يزيد بن معاوية ذُهِل من جمال هيبته وطفق يقول: ما رأيتُ وجهاً قط أحسنُ مِنه !!.
ولما تشرف عبد الله بن الحر الجعفي بمقابلته عليه السّلام امتلأت نفسه إكباراً وإجلالاً له، وراح يقول: ما رأيتُ أحداً قَط أحسَنُ، ولا أملأُ للعين من الحُسين عليه السّلام.
فقد بدت على ملامحه عليه السّلام سيماء الأنبياء عليهم السّلام، وبهاء المُتَّقين، فكان عليه السّلام يملأ عيون الناظرين إليه، وتنحني الجباه خضوعاً وإكبارا له عليه السّلام.
مكاتيبه عليه السلام
كتب عليه السّلام إلى معاوية بن أبي سفيان، كتاباً يعطينا صورة صادقة عما أصاب الأمة الاسلامية من تعسف واضطهاد مدة الحكم الأموي الجائر، جاء فيه:
أما بعد فقد بلغني كتابك، تذكر أنه قد بلغك عني أمور أنت لي عنها راغب، وأنا بغيرها عندك جدير، فإن الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلا الله؛ وأما ما ذكرت أنه انتهى إليك عني، فإنه إنما رقاه إليك الملاقون، المشاءون بالنميمة، وما أريد لك حرباً، ولا عليك خلافاً، وأيم الله إني لخائف الله في ترك ذلك، وما أظن الله راضياً بترك ذلك، ولا عاذر بدون الإعذار فيه إليك وفي أوليائك القاسطين الملحدين، حزب الظلمة، وأولياء الشيطان. ألست القاتل حجر أخا كندة والمصلين العابدين، الذين كانوا ينكرون الظلم، ويستعظمون البدع، ولا يخافون في الله لومة لائم، ثمّ قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلظة، والمواثيق المؤكدة أن لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم، ولا بإحنة تجدها في نفسك عليهم. أولست قاتل عمرو بن الحق صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، العبد الصالح الذي أبلته العبادة فأنحلت جسمه، وصفرت لونه، بعدما أمنته وأعطيته عهود الله ومواثيقه، أما لو أعطيته طائراً لنزل إليك من رأس الجبل، ثمّ قتله جرأة على ربك، واستخفافاً بذلك العهد. أولست المدعي زياد بن سمية، المولود على فراش عبيد ثقيف فزعمت أنه ابن أبيك، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر، فتركت سنة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم تعمداً، واتبعت هواك بغير هدى مَنّ الله، ثمّ سلطته على العراقين، يقطع أيدي المسلمين وأرجلهم، ويسمل أعينهم، ويصلبهم على جذوع النخل كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك. أولست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم كانوا على دين عليّ، فكتبت إليه: أن اقتل من كان على دين عليّ، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك ودين عليّ والله الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك وبه جلست مجلسك الذي جلست، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين..
وقلت فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولأمة مُحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم، واتق شق عصا هذه الأمة، وأن تردّهم إلى فتنة؛ وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها، ولا أعلم نظراً لنفسي ولديني ولأمة مُحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم علينا أفضل من أن أجاهدك، فإن فعلت فإنه قربة إلى الله، وإن تركته فإني أستغفر الله لذنبي، وأسأله توفيقه لإرشاد أمري.
وقلت فيما قلت: إني إن أنكرتك تنكرني، وإن أكدك تكدني، فكدني ما بدا لك فإن لأرجو أن لا يضرني كيدك فيَّ، وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك، لأنك قد ركبت جهلك، وتحرصت على نقض عهدك، ولعمري ما وفيت بشرط، ولقد نقضت عهدك بقتلك هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان، والعهود والمواثيق، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا، ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلنا، وتعظيمهم حقنا، قتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل أن يفعلوا، أو ماتوا قبل أن يدركوا، فابشر يا معاوية بالقصاص، واستيقن بالحاسب، واعلم أن لله تعالى كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وليس الله بناس لأخذك بالظنة وقتلك أوليائه على التهمة ونفيك أوليائه من دورهم إلى دار الغربة، وأخذك الناس ببيعة ابنك غلام حدث، يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب، لا أعلمك إلا وقد خسرت نفسك، وبترت دينك، وغششت رعيتك، وأخربت أمانتك، وسمعت مقالة السفيه الجاهل، وأخفت الورع التقي لأجلهم.
وصاياه عليه السلام
وصيته عليه السّلام لشيعته
وصيته عليه السّلام لشيعته عن لسان حال السّيدة سيكنة, كانوا في اللحظات الأخيرة الحُسين يوّدع عياله عليه السّلام وكان وداع مخصوص إلى ابنته وعزيزته: بُني سكينة بلّغي شيعتي منّي السّلام وكلّ ما شربُوا ماءً يذكروني ومصابي..
عن لسان حاله:
شيتعتي مهما شربتم عذب ماءٍ فـاذكروني
أو سمعتم بقتيل أو غريب فـاندبوني
فأنا السبط الـذي بغير جـرمٍ قتلوني
فا استـسقي لطـفلي فـابـوا ان يرحموني
وجـرد الخيل عـمداً سـحقونـي
وصيتة إلى أخيه مُحمّد بن الحنفية
أوصى الحُسين بن عليّ إلى أخيه مُحمّد بن الحنفية، حيث قال:
إن الحُسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، جاء بالحق من عنده، وأن الجنة حق، والنار حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.
وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلّى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين....
حروبه عليه السلام
شارك عليه السّلام مع أبيه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في حرب الجمل وصفّين والنهروان، وكان عليه السّلام قائداً لمعركة كربلاء.
إمامته عليه السلام
صَرَّح رسول الله صلّى الله عليه وآله بالنص على إمامة الإمام الحُسين وإمامة أخيه الحسن عليهما السّلام من قَبله، بقوله صلّى الله عليه وآله: اِبناي هَذَان إمَامان قامَا أو قَعدا.
ودلَّت وصيَّة الحسن عليه السّلام إليه على إمامته، كما دلَّت وصية الإمام عليّ عليه السّلام على إمامته، بحسب ما دلَّت وصية رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السّلام على إمامته من بعد النّبيّ صلّى الله عليه وآله.
فكانَت إمامة الإمام الحُسين عليه السّلام بعد وفاة أخيه ثابتة، وطاعته لجميع الخَلق لازِمَة، وإنْ لم يَدعُ عليه السّلام إلى نفسه للتقيَّة التي كان عليها، والهُدْنة الحاصلة بينه وبين معاوية بن أبي سفيان، فالتزم الوفاء بها.
فلمَّا مات معاوية، وانقضَتْ مُدَّة الهُدْنة التي كانت تمنع الإمام الحُسين عليه السّلام من الدعوة إلى نفسه.وعَلم الإمام الحُسين عليه السّلام بما بعثه يزيد إلى واليه في المدينة الوليد بن عتبة، من أخذ البيعة من أهل المدينة له، وقد أرفَقَ كتابه بصحيفة صغيرة فيها: خُذ الحُسين، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير، بالبيعة، أخذاً شديداً، ومن أبَى فاضرب عنقه، وأبعث إليَّ برأسه.
فعندها أظهر عليه السّلام أمره بحسب الإمكان، وأبَانَ عن حقِّه للجاهلين به حالاً بحالٍ.
إلى أن اجتمع له في الظاهر الأنصار، فدعا الإمام عليه السّلام إلى الجهاد، وشمَّر للقتال، وتوجَّه بوُلدِه وأهل بيته من حَرم الله ورسوله نحو العراق، للاستنصار بِمَن دعاه من شيعته على الأعداء.
وقد أوصى الإمام الحُسين عليه السّلام قَبل خروجه من المدينة إلى مَكة، فَبيَّن مَغزَى قيامه، والدعوة إلى نفسه.
فقال الإمام عليه السّلام: بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيم، هَذا مَا أوصَى به الحُسين بن عليّ عليهما السّلام إلى أخِيه مُحمّد بن الحَنَفيَّة، أنَّ الحُسين يشهدُ أنْ لا إله إلاَّ الله، وَحدَهُ لا شريك له، وأنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه، جَاء بالحقِّ من عنده.
وأنَّ الجنَّة حَقٌّ، والنَّار حَقٌّ، والسَّاعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأنَّ الله يبعثُ من في القبور.
وإنِّي لم أخرج أشِراً ولا بَطِراً، ولا مُفسِداً ولا ظَالِماً، وإنَّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمَّة جَدِّي صلّى الله عليه وآله.
أريدُ أنْ آمُرَ بالمعروفِ وأنْهَى عنِ المنكر، وأسيرُ بِسيرَةِ جَدِّي، وأبي عليّ بن أبي طَالِب، فَمَنْ قَبلني بقبول الحق فالله أولى بالحقِّ، ومن ردَّ عليّ هذا أصْبِرُ حتّى يقضيَ اللهُ بيني وبين القوم، وهو خَيرُ الحاكِمين.
وكانتْ مُدَّة خلافته بعد أخيه عليهما السّلام إحْدَى عشرة سنة و مدة عمره 57 سنة.
من أبرز مصاديق الحكمة في نهضة الإمام الحسين عليه السلام
أبرز مصاديق الحكمة في نهضة الإمام الحُسين عليه السّلام هي:
أولاً:إن معاوية في تنصيبه لابنه يزيد من بعده للخلافة قد نقض عهده المبرم في صلحه مع الإمام الحسن عليه السّلام، وبذلك أصبح الإمام الحُسين عليه السّلام أمام أمر مستحدث يقتضي منه موقفاً يتناسب وما تمليه مصلحة الإسلام العُليا.
ثانياً:إن تنصيب يزيد من قبل أبيه معاوية خليفة للمسلمين أصبح أكبر قضية تُهدِّد أساس العقيدة الإسلامية، وذلك من خلال الانحراف الخطير الذي سيطرأ على مسألة الحكم الإسلامي وخلافة رسول الله صلّى الله عليه وآله.
فإن تنصيب مثل يزيد للخلافة - وهو المتجاهر بالفسق والفجور والزنا وشرب الخمور - يعني على أقل تقدير وقوع الحكم الإسلامي في خطر التَحوّل الجذري، والانقلاب الكلي في الحكم الإلهي الذي جاء به رسول الله صلّى الله عليه وآله وما يقوم على أساسه من عدل وقسط وصلاح.
ثالثاً:إنّ مشكلة الانحراف الجذري في مسألة الخلافة آنذاك لم تكن في إدراك مجمل هذه الحقيقة.
فقد كان المسلمون المخلصون - وعلى رأسهم كبار الصحابة والتابعين من الموالين لأهل البيت عليهم السّلام ومحبِّيهم - مدركين لها ولخطورتها.
إلا أن الإرادة العامة للمسلمين لم تكن بمستوى هذا الإدراك، مما دفع الإمام الحُسين عليه السّلام لتحمّل هذه المسؤولية الكبرى.
فانبرى عليه السّلام لبذل دمه ودماء أهل بيته وأصحابه لتكون وقوداً ساخناً لإلهاب تلك الإرادة الهامدة، وتعرية حقيقة الجاهلية الكامنة في خلافة يزيد بن معاوية.
وقد بدأت منذ نهضته وبعد استشهاده عليه السّلام مرحلة المواجهة والجهاد العنيد لهذا الخطِّ المنحرف، ليقوم للدين عَمود ولتستقيم كلمته في العباد.
ولتصديق ذلك لا بُدَّ لنا من إلقاء نظرة على نماذج من أقواله عليه السّلام، لنلتمس من خلالها المحتوى المبدئي في حفظ مصلحة الإسلام ورعايتها التي ضحَّى الإمام الحُسين عليه السّلام بنفسه وأهل بيته وأصحابه عليهم السّلام من أجلها.
ومن هذه الأقوال ما يلي:
الأول: قوله عليه السّلام: لا بَيعةَ لِيَزيد، شارب الخُمور، وقاتِل النَّفس المحرَّمة....
وكتب يزيد إلى الوليد بن عتبة كتاباً يطلب فيه أخذ البيعة على أهل المدينة، ثمّ أرفق الكتاب بصحيفة صغيرة فيها: خذ الحُسين، وعبد الله بن عُمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً، ومن أبَى فاضرب عنقه، وابعث إليَّ برأسه، وقام العامل بهذه المهمة، فبعث إلى الإمام الحُسين عليه السّلام في منتصف الليل.
ولما استقر المجلس بالإمام عليه السّلام نعى الوليد إليه معاوية، ثمّ عرض عليه البيعة ليزيد، فقال عليه السّلام: مِثلِي لا يُبَايِعُ سِرّاً، فإذا دعوتَ النَّاسَ إلى البَيعَة دَعوتَنا معَهُم فكان أمراً واحداً.
ثمّ أقبل عليه السّلام على الوليد وقال: أيها الأمير، إنَّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فَتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل شَاربُ الخُمورِ، وقاتلُ النفس المحرَّمة، مُعلنٌ بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحَقّ بالخلافة.
الثاني: قوله عليه السّلام: الخِلافَةُ مُحَرَّمَة على آل أبي سُفيَان....
بعد أن رفض الإمام الحُسين عليه السّلام بيعة يزيد لقيه مروان عند صباح اليوم الثاني، فدار بينهما كلام، ونصح فيها مروانُ الإمام عليه السّلام ببيعة يزيد.
فاسترجع الحُسين عليه السّلام وقال: على الإِسلام السّلام، إذا بُلِيَت الأمة بِراعٍ مثل يزيد، ولقد سَمِعتُ جدي رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان، فإذا رأيتُم معاوية على منبري فابقروا بَطنَه، وقد رآهُ أهل المدينة على المنبر فلم يبقروا، فابتلاهم الله بيزيد الفاسق.وطال الحديث بينهما حتّى انصرف مروان مغضباً.
الثالث: قوله عليه السّلام: لَو لم يَكُن في الدنيا مَلجَأ ولا مَأوىً لَمَا بَايَعتُ يَزيد.
روي أن مُحمّد بن الحنفية قال للإمام الحُسين عليه السّلام: يا أخي، أنت أحبّ الناس إليَّ، وأعزّهم عليّ، ولستُ أدَّخر النصيحة لأحد من الخلق إلاَّ لك، وأنت أحَقّ بها: تَنحَّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثمّ ابعث برسلك إلى الناس، فإن بايعوك حَمدتَ الله على ذلك، وإن اجتمعوا على غيرك لم ينقص اللهُ بذلك دينَك ولا عقلَك، ولم تذهب مروءتك ولا فضلك....
فقال الحُسين عليه السّلام: فأين أذهب ؟
قال: تنزل مكة، فإن اطمأنَّت بك الدار، وإلا لحقت بالرمال وشعف الجبال، وخرجتَ من بلد إلى آخر حتّى تنظر ما يصير إليه أمر الناس.
فقال الحُسين عليه السّلام: يَا أخي، لَو لم يَكُن في الدنيا ملجأ ولا مأوىً لَما بايعتُ يَزيد بن معاوية.
الرابع: قوله عليه السّلام: خَرجتُ لِطَلب الإصلاحِ في أُمَّة جَدِّي مُحمّد....
كتب الحُسين عليه السّلام قبل خروجه من المدينة وصيَّة لأخيه مُحمّد بن الحنفية قال فيها:... وإني لم أخرج أشِراً ولا بطراً، ولا مُفسِداً ولا ظالماً، وإنما خَرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جَدِّي صلّى الله عليه وآله، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جَدِّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فَمن قَبلَني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم، وهو خير الحاكمين.
الخامس: قوله عليه السّلام: ما الإمام إلا العاملُ بالكتاب، والآخِذُ بالقِسطِ، والدائن بالحقِّ....
فقد ذكر المؤرخون أن الإمام الحُسين عليه السّلام وَافَتْهُ في مكة كُتب أهل الكوفة من الرجل والاثنين والثلاثة والأربعة، يسألونه القدوم عليهم لأنهم بغير إمام.
وكثرت لديه عليه السّلام الكتب، حتّى ورد عليه في يوم واحد ستمِائة كتاب، واجتمع عنده اثنا عشر ألف كتاب.
ولما اجتمع عنده ما ملأ خرجين، كَتَب إليهم كتاباً واحداً دفعه إلى ابن عمّه مسلم بن عقيل، وقال عليه السّلام فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من الحُسين بن عليّ إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين، أما بعد: فإن هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم، وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم، وقد فهمت كل الذي قَصَصتُم وذكرتم، ومقالةُ جُلَّكُم أنه: ليس علينا إمام فأقبِلْ، لَعَلَّ الله أن يَجمعَنا بك على الهُدَى والحق.
وقد بعثتُ إليكم أخي وابن عمِّي وثقتي من أهل بيتي، وأمرتُه أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن كتب أنه قد اجتمع رأي مَلَئِكم وذوي الفضلِ والحِجَى منكم على مثلِ مَا قَدِمَت عليّ بِهِ رُسُلكم، وقرأتُ في كتبكم، أقدمُ عَليكُم وشيكاً إن شاء الله، فَلَعَمْرِي، مَا الإمام إلا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه على ذات الله والسلام.
السادس: قوله عليه السّلام: رِضَا اللهُ رِضَانا أهلَ البيت....
قد ورد أن الإمام الحُسين عليه السّلام لمَّا بلغه أنَّ يزيد أنفذ عمرو بن سعد بن العاص في عسكر، وأمَّره على الحاج، وولاَّه أمر الموسم، وأوصاه بالفتك بالحسين عليه السّلام أينما وُجِد، عَزم عليه السّلام على الخروج من مكة قبل إتمام الحج، واقتصر على العمرة كراهية أن تستباح به حرمة البيت.
وقبل أن يخرج قام عليه السّلام خطيباً فقال: الحمد لله، وما شاء الله، ولا قوة إلاَّ بالله، وصلّى الله على رسوله: خُطَّ الموت على وِلد آدم مَخطَّ القِلادة على جِيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مَصرع أنا لاقِيه، كأني بأوصالي تُقطِّعها عُسلانِ الفلاة بَين النَّوَاويسِ وَكَربَلا، فيملأنَّ منّي أكراشاً جوفاً، وأجربة سغباً.لا مَحيصَ عن يَومٍ خُطَّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين....
السابع: قوله عليه السّلام: نحنُ أهلُ بيتِ مُحمّد أوْلَى بولاية هذا الأمر....
سار الإمام الحُسين عليه السّلام بعد خروجه من مكة حتّى نزل في شراف، وهناك التقى بالحر الرياحي مع ألف فارس معه، فقام فيهم خطيبا فقال: أيّها النَّاس، إنَّكم إن تَتَّقوا الله وتعرفوا الحقَّ لأهله يَكن أرضى لله، ونحن أهلُ بَيت مُحمّد أوْلَى بولاية هذا الأمر من هَؤلاءِ المدّعين ما ليس لهم، والسائرين بالجور والعدوان.
وهناك أقوال كثيرة مأثورة عن الإمام الحُسين عليه السّلام في هذا المجال مبيِّنة العِلَّة من موقفه هذا من يزيد، وسبب خروجه عليه، وكذلك تبيِّن عزَّة الإمام عليه السّلام ومظلوميَّته هو وأهل بيته عليهم السّلام.
وتَتِمَّة لما سبق نذكر سَرداً منها بشكل مختصر:
الثامن: قوله عليه السّلام:
مَن رأى سُلطاناً جائراً مُستَحلاًّ لِحَرام الله، ناكثاً عهده، مخالفاً لِسُنَّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيِّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أنْ يُدخِله مَدخَله.
التاسع: قوله عليه السّلام: إِنِّي لا أرَى المَوتَ إلا سَعادةً، وَالحَياةَ مَع الظالمين إِلاَّ بَرَماً.
العاشر: قوله عليه السّلام: لا وَالله، لا أُعطِيكُم بِيَدي إعطَاءَ الذَّليل، وَلا أفِرُّ فِرارَ العَبيد.
الحادي عشر: قوله عليه السّلام: هَيْهَات مِنَّا الذِّلَّة، يَأبى اللهُ لَنا ذَلكَ وَرَسولُهُ والمؤمِنون.
الثاني عشر: قوله عليه السّلام: يَا أُمَّةَ السّوء، بِئسَمَا خَلفْتُم مُحَمَّداً فِي عِترتِه، أما إنكم لا تقتلون رجلاً بعدي فتهابون قتله، بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم إياي.
الثالث عشر: قوله عليه السّلام: اللَّهُمَّ احكُم بَيننا وبَين قَومِنا، فإِنَّهم غَرُّونا، وخَذَلونا، وغَدَروا بنا، وقَتَلُونا ونحنُ عِترَة نبيِّك.
أسباب ثورته عليه السلام
أحاطت بالإمام الحُسين عليه السّلام عِدَّة من المسؤوليات الدينية والواجبات الاجتماعية وغيرها من الأسباب المُحَفِّزَة لثورته، فدفعته عليه السّلام إلى التضحية والفداء.
وهذه بعض تلك المسؤوليات والواجبات والأسباب:
الأولى: المسؤولية الدينية
لقد كان الواجب الديني يحتم عليه عليه السّلام القيام بوجه الحكم الأموي الذي استحلَّ حُرُمَات الله، ونكث عهوده وخالف سنة رسول الله صلّى الله عليه وآله.
الثانية: المسؤولية الاجتماعية
كان الإمام عليه السّلام بحكم مركزه الاجتماعي مسؤولاً أمام الأمة عما مُنِيَت به من الظلم والاضطهاد من قبل الأمويين، ومن هو أولى بحمايتها وَرَدُّ الاعتداء عنها من غيره.
فنهض عليه السّلام بأعباء هذه المسؤولية الكبرى، وأدى رسالته بأمانة وإخلاص، وَضَحَّى عليه السّلام بنفسه وأهل بيته وأصحابه ليعيد عدالة الإسلام وحكم القرآن.
الثالثة: إقامة الحجة عليه عليه السّلام
وقامت الحجة على الإمام عليه السّلام لإعلان الجهاد، ومحاربة قُوَى البغي والإلحاد.
فقد تواترت عليه الرسائل والوفود من أهل الكوفة، وكانت تُحَمِّلُه المسؤولية أمام الله إن لم يستجب لدعواتهم المُلِحَّة لإنقاذهم من ظلم الأمويين وَبَغيِهِم.
الرّابعة: حماية الإسلام
ومن الأسباب التي ثار من أجلها عليه السّلام هي حماية الإسلام من خطر الحكم الأموي الذي جَهد على مَحْوِهِ، وقلع جذوره، فقد أعلن يزيد الكفر والإلحاد بقوله: لَعِبتْ هاشمُ بِالمُلك فَلا خَبَرٌ جاءَ وَلا وَحْيٌ نَزَلْ
وكشف هذا الشعر عن العقيدة الجاهلية التي كان يدين بها يزيد فهو لم يؤمن بوحي ولا كتاب، ولا جَنَّة ولا نار.
الخامسة: صيانة الخلافة
ومن أَلمع الأسباب التي ثار من أجلها عليه السّلام تطهير الخلافة الإسلامية من أرجاس الأمويين الذين نَزَوا عليها بغير حق.
فلم تعد الخلافة - في عهدهم كما يريدها الإسلام - وسيلة لتحقيق العدل الاجتماعي بين الناس، والقضاء على جميع أسباب التخلف والفساد في الأرض.
وقد رأى الإمام عليه السّلام أن مركز جَدِّهِ قد صار إلى سِكِّيرٍ مُستَهترٍ لا يَعي إلا شهواته ورغباته، فثار عليه السّلام ليعيد للخلافة الإسلامية كيانها المُشرِق وماضيها الزاهر.
السادسة: تحرير إرادة الأمة
ولم تملك الأمة في عهد معاوية ويزيد إرادتها واختيارها، فقد كُبِّلَتْ بقيُودٍ ثقيلة سَدَّت في وجهِهَا منافذ النور والوَعي، وَحِيلَ بينها وبين إرادتها.
وقد هَبَّ الإمام عليه السّلام إلى ساحات الجهاد والفداء، لِيُطعِم المسلمين بروح العِزَّة والكرامة، فكان مقتله عليه السّلام نُقطَةَ تَحَوُّلٍ في تاريخ المسلمين وحياتهم.
السابعة: تحرير اقتصاد الأمة
ومن الأسباب هو انهيار اقتصاد الأمة الذي هو شرايين حياتها الاجتماعية والفردية.
فقد عمد الأمويون إلى نهب الخزينة المركزية، وقد أعلن معاوية أمام المسلمين أن المال مال الله، وليس مال المسلمين فهو أحق به، فثار عليه السّلام ليحمي اقتصاد الأمة، ويعيد توازن حياتها المعاشية.
الثامنة: المظالم الاجتماعية
انتشرت المظالم الاجتماعية في أنحاء البلاد الإسلامية، فلم يَعُد قَطَرٌ من الأقطار إلا وهو يَعُجُّ بالظلم والاضطهاد من جَورِهِم.
فهب الإمام عليه السّلام في ميادين الجهاد ليفتح للمسلمين أبواب العزة والكرامة، ويحطم عنهم ذلك الكابوس المظلم.
التاسعة: المظالم الهائلة على الشيعة
لقد كانت الإجراءات القاسية التي اتخذها الحكم الأموي ضد الشيعة من أسباب ثورته عليه السّلام، فَهَبَّ لإنقاذهم من واقعهم المَرِير، وحمايتهم من الجَورِ والظلم.
العاشرة: محو ذكر أهل البيت عليهم السّلام
ومن الأسباب أيضاً التي ثار من أجلها عليه السّلام هو أن الحكم الأموي قد جهد على محو ذكر أهل البيت عليه السّلام، واستئصال مَآثِرِهم ومناقبهم، وقد استخدم معاوية في هذا السبيل أخبث الوسائل.
وكان عليه السّلام يود أن الموت قد وافاه، ولا يسمعُ سَبَّ أبيهِ عليه السّلام على المنابر والمآذن.
الحادية عشر: تدمير القِيَم الإسلامية
وعَمِدَ الأمويون إلى تدمير القِيَم الإسلامية، فلم يَعد لها أي ظِلٍّ على واقع الحياة الإسلامية.
الثانية عشر: اِنهيار المجتمع
فقد انهار المجتمع في عصر الأمويين، وتحلل من جميع القيم الإسلامية، فثار عليه السّلام ليقضي على التَذَبْذُبِ والانحراف الذي مُنِيتْ بِهِ الأمَّة.
الثالثة عشر: الدفاع عن حقوقه عليه السّلام
وانبرى الإمام عليه السّلام للجهاد دفاعاً عن حقوقه التي نهبها الأمويون واغتصبوها.
وأهمُّها: الخلافة، لأنه عليه السّلام هو الخليفة الشرعي بمقتضى معاهدة الصلح التي تم الاتفاق عليها، وعلى هذا فلم تكن بيعة يزيد شرعية.
فلم يخرج الإمام عليه السّلام على إمام من أئمة المسلمين، كما يذهب لذلك بعض ذوي النزعات الأموية، وإنما خرج على ظالم مُغتَصِبٍ لِحَقِّهِ.
الرّابعة عشر: الأمر بالمعروف
ومن أوْكَد الأسباب التي ثار من أجلها عليه السّلام إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنهما من مُقَوِّمَات هذا الدين، والإمام عليه السّلام بالدرجة الأولى مَسؤُول عَنهُمَا.
وقد أدلى عليه السّلام بذلك في وصيته لأخيه ابن الحنفية، التي أعلن فيها عن أسباب خروجه على يزيد، فقال عليه السّلام: إِنِّي لَمْ أَخرُجْ أَشِراً وَلا بَطِراً، وَلا ظَالِماً وَلا مُفسِداً، وإنما خرجتُ لِطَلَبِ الإِصلاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي، أُرِيدُ أَن آمُرَ بِالمَعرُوفِ وَأَنهَى عَنِ المُنكَر.
الخامسة عشر: إِمَاتَة البِدَع
وعمد الحكم الأموي إلى نشر البِدَع بين المسلمين، وَالتي لم يُقصَدُ منها إلا مَحْقُ الإِسلام، وإلحاق الهزيمة به.
وقد أشار عليه السّلام إلى ذلك في رسالته التي بعثها لأهل البصرة: فَإِنَّ السّنة قَد أُمِيتَتْ وَالبِدْعَةَ قَدْ أُحْيِيَتْ.
فقد ثار عليه السّلام ليقضي على البِدَع الجاهلية التي تَبَنَّاهَا الأَمَوِيُّون، ويحيي سُنَّةَ جَدِّه صلّى الله عليه وآله التي أماتوها، ولِيَنشرَ رايةَ الإِسلام.
السادسة عشر: العهد النبوي
واستَشَفَّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله من وراء الغيب ما يُمنَى بِهِ الإسلام من الأخطار الهائلة على أيدي الأمويين، وأنه لا يمكن بأي حال تجديد رسالته وتخليد مبادئه إلا بتضحية ولده الحُسين عليه السّلام، فعهد إليه بالتضحية والفداء.
وقد أدلى الحُسين عليه السّلام بذلك حينما عدله المشفقون عليه من الخروج إلى العراق فقال عليه السّلام لهم: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله بِأَمرٍ وَأنَا مَاضٍ إِليه.
السابعة عشر: العزة والكرامة
ومن الأسباب التي ثار من أجلها عليه السّلام هي العزة والكرامة، فقد أراد الأمويون إِرغامَهُ على الذُل والخنوع، فَأَبَى عليه السّلام إِلاَّ أن يعيش عَزيزاً، وقد أعلن ذلك يوم الطفِّ بقوله عليه السّلام: أَلا وَإِنَّ الدعِيَّ ابنَ الدعِيَّ قَد رَكزَ بَينَ اثْنَتَيْنِ، بَينَ السلَّةِ وَالذلَّة، وهَيْهَات مِنَّا الذلَّة، يَأبَى اللهُ لَنَا ذَلكَ وَرَسُولُهُ، وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ وَأُنُوفٌ حَميَّةٌ مِن أَنْ نُؤثِرَ طَاعَة اللِّئَام عَلى مَصَارِعِ الكِرَام.
الثامنة عشر: غدر الأمويين وفتكهم
وأيقن عليه السّلام أن الأمويين لا يتركونه، ولا تَكفُّ أيديهم عن الغدر والفَتْكِ به حتّى لو سَالَمَهُم وبايعهم.
وقد أعلن عليه السّلام ذلك لأخيه مُحمّد بن الحنفية: لَو دَخَلتُ فِي حِجرِ هَامَة مِن هَذِهِ الهوَام لاستَخْرَجُونِي حتّى يَقتُلُونِي.
فاختار عليه السّلام أن يُعلنَ الحربَ ويموت مِيتَةً كريمةً تَهزُّ عروشهم، وَتقضِي على جبروتِهِم وَطُغيَانِهِم.
هذه بعض الأسباب التي حفَّزت الإمام الحُسين عليه السّلام إلى الثورة على حكم يزيد.
سفيره مسلم بن عقيل عليهما السلام
تتابعت كتب أهل الكوفة إلى الإمام الحُسين عليه السّلام، وهي تحثه على المسير والقدوم إليهم لإنقاذهم من ظلم الأمويِّين وعُنفهم، وكانت بعض تلك الرسائل تحمِّلُه المسؤولية أمام الله والأمة إن تأخر عن إجابتهم.
ورأى الإمام - قبل كل شيء - أن يختارَ لِلُقيَاهُم سفيراً له، يُعرِّفه باتجاهاتهم وَصِدقِ نِيَّاتِهم، فإن رأى منهم نيَّة صادقة، وعزيمة مُصمَّمة، فيأخذ البيعة منهم، ثمّ يتوجّه إليهم بعد ذلك.
وقد اختار عليه السّلام لسفارتِه ثقتَه وكبيرَ أهلِ بيتِه مسلم بن عقيل، فاستجاب له عن رِضىً ورغبة، وَزوَّدَهُ برسالة وهي: مِن الحُسين بن عليّ إِلى مَن بلغهُ كتابي هذا مِن أوليائِه وَشيعَتِه بالكوفة:
سلامٌ عليكم، أما بعد: فَقَد أتَتْني كُتُبكُم، وفهمتُ ما ذكرتُم مِن مَحبَّتِكم لِقُدومِي عَليكم، وأنا بَاعثٌ إِليكم بِأخي وابنِ عَمِّي وثِقتي من أهلي مسلم بن عقيل، لِيعلمَ لِي كُنْهَ أمْرِكُم، ويكتبَ إِليَّ بما يَتبَيَّن له من اجتماعِكُم، فإن كان أمرُكم على ما أتَتْني بِه كُتُبُكم، وأخبَرَتني به رُسُلُكم، أسرعتُ القُدومَ إليكُم إِن شَاء اللهُ، وَالسَّلام.
وتَسلَّم مسلم الرسالة، وغادر مكة ليلة النصف من رمضان، فَصلّى في مسجد الرسول صلّى الله عليه وآله، وَطَاف بِضريحِه، وَودَّع أهله وأصحابه، وكان ذلك هو الوداع الأخير لهم، واتَّجهَ صَوبَ العِراق، واستأجر دَليلين من قَيس يَدُلاَّنَه عَلى الطريق.
وسار مسلم يطوي البيداء، حتّى دخل الكوفة فاختار النزول في بيت المختار الثقفي، لوثوقه منه بإخلاصه للإمام الحُسين عليه السّلام وتفانيه في حبه.
وفتح المختار أبواب داره لمسلم، وقابله بمزيد من الحفاوة والتكريم، ودعا الشيعة إلى مقابلته، فأقبلوا إليه من كُلِّ حَدبٍ وصَوب، وهم يظهرون لَهُ الولاء والطاعة.
وانثَالَت الشيعةُ على مسلم تبايعه للإمام الحُسين عليه السّلام، وكانت صيغة البيعة الدعوة إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله صلّى الله عليه وآله، وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، وقِسمَة الغنائم بين المسلمين بالسويَّة، وَرَد المَظالم إلى أهلها، ونصرة أهل البيت عليهم السّلام.
رسالة مسلم للإمام الحسين عليه السلام
ازداد مسلم إيماناً ووثوقاً بنجاح الدعوة حينما بايعه ذلك العدد الهائل من أهل الكوفة، فكتب للإمام عليه السّلام يَستَحِثّه فيها على القدوم إليهم برسالة هذا نَصُّها:
فإنَّ الرائدَ لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا، فَعجِّل حين يأتيك كتابي، فإن الناس كُلُّهم معك، ليس لَهم في آل معاوية رأي وَلا هَوى.
أما موقف النعمان بن بشير - والي الكوفة - من الثورة فقد كان موقفاً يتسم باللِّين والتسامح، وقد اتَّهمَهُ الحزب الأموي بالضعف، أو التضاعف في حفظ مصلحة الدولة، والاهتمام بسلامتها، فأجابهم: لأَنْ أكونَ ضعيفاً وأنا في طاعة الله أحَبُّ إليَّ من أن أكون قوياً في معصية الله، وما كنتُ لأهتك ستراً ستره الله.
ودافع النعمان عن نفسه بأنه لا يعتمد على أية وسيلة تبعده عن الله، ولا يسلك طريقاً يتجافى مع دينه، وقد استبانَ للحزب الأموي ضعف النعمان، وانهياره أمام الثورة.
إتصال الحزب الأموي بدمشق
قام الحزب الأموي باتصال سريع بحكومة دمشق، وطلبوا منها اتخاذ الإجراءات الفورية قبل أن يتَّسع نطاق الثورة، ويأخذ العراق استقلاله، وينفصل عن التبعية لدمشق.
ومن بين الرسائل التي وفدت على يزيد رسالة عبد الله الحَضْرَمي التي جاء فيها: أما بعد: فان مسلم بن عقيل قدم الكوفة، وبايعته الشيعة للحسين بن عليّ، فإن كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قويا ينفذ أمرك، ويعمل مثل عملك في عدوك، فإن النعمان بن بشير رجلٌ ضعيف، أو هو يَتَضعَّف.
فكتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد والي البصرة هذه الرسالة: أما بعد: فإنه كتب إليَّ شيعتي من أهل الكوفة يُخبرونني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لِشَقِّ عصا المسلمين، فَسِرْ حين تقرأُ كتابي هذا حتّى تأتي الكوفة، فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة، حتّى تثقفه فتوثقه، أو تقتله، أو تنفيه، والسلام.
فأمر يزيد بِتَولِيةِ عبيد الله بن زياد على الكوفة بدلاً من النعمان بن بشير.
وفي اليوم الثاني لِوصولِه إلى الكوفة خَرجَ مُتقلِّداً سيفه، ومعتمّاً بعمامة، فاعْتَلى أعوادَ المنبر وخطب الناس، فقال: أما بعد: فان أمير المؤمنين ولاَّني مِصرَكُم وثغركم وفيئكم، وأمرني بإنصاف مَظلومكم، وإعطاء محرومكم، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، وبالشدة على مُريبكم، فأنا لِمُطيعكم كالوالد البرَّ الشفيق، وسيفي وسوطي على من ترك أمري وخالف عهدي.
ولم يُعرِّض في خطابه للإمام الحُسين وسفيره مسلم عليهما السّلام، وذلك خوفاً من انتفاضة الجماهير عليه وهو بعد لم يَحكُم أمره، وعمد ابن زياد إلى نشر الإرهاب وإذاعة الخوف.
ويقول بعض المؤرخين: إنه لما أصبح ابن زياد بعد قدومه إلى الكوفة صَال وجَال، وأرعَد وأبرَق، وأمسك جماعة من أهل الكوفة فقتلهم في الساعة، وقد عمد إلى ذلك لإِماتَةِ الأعصاب، وَصَرف الناس عن الثورة.
وفي اليوم الثاني أمر بجمع الناس في المسجد وخرج إليهم بِزيٍّ غير ما كان يخرج به، فخطب فيهم خطاباً عنيفا تَهدَّد فيه وتوعَّد، فقد قال بعد حمد الله والثناء عليه: فإنه لا يُصلح هذا الأمر إلا في شِدَّة من غير عنف، ولِينٍّ من غير ضعف، وأن آخذ البريء بالسقيم، والشاهِد بالغائب، والوَلي بالوالي.
وبعد أن علم الطاغية بواسطة جواسيسه بأن هانئ بن عروة هو العضو البارز في الثورة وأن مسلم قد غَيَّر مكانه من دار المختار إلى دار هانئ، وأن هانئ يقوم بِدَورٍ فعَّال في دعم الثورة ومساندتها بجميع قدراته، وعرف ابن زياد بأن دار هانئ أصبحت مركزاً عامّاً للشيعة، ومَقَرّاً لمسلم بن عقيل، لم يقم ابن زياد بكبس وتطويق دار هانئ، وأحجم عن ذلك لعجزه عسكرياً، وعدم مقدرته على فتح باب الحرب.
فإن دار هانئ مع الدُور التي كانت محيطة بها كانت تضم أربعة آلاف مقاتل مِمَّن بايعوا مسلماً، بالإضافة إلى أتباع هانئ ومكانته المَرمُوقة في الكوفة، فلهذا لم يستطع ابن زياد من القيام بشيء نظراً للمضاعفات السيئة.
رسل الغدر
أنفق ابن زياد لياليه ساهراً يطيل التفكير، ويطيل البحث مع حاشيته في شان هانئ، فهو أعزُّ من في المصر، وأقوى شخصية يستطيع القيام بحماية الثورة، فإذا قضى عليه فقد استأصل الثورة من جذورها.
وقد اتفق رأيهم على إبلاغ هانئ برغبة ابن زياد بزيارته، وشكَّلوا وفداً لدعوته إلى قصر الإمارة، فحضر معهم إلى القصر.
وبعد مشَادَة كلامية طالبَهُ ابن زياد بتسليم مسلم، فَسَخرَ منه هانئ وأنكر عليه قائلاً له مقالة الرجل الشريف: لا آتيك بضيفي أبداً.
وعندها سجنه ابن زياد في إحدى غرف القصر.
ولما علم مسلم بما جرى لهانئ بادر لإعلان الثورة على ابن زياد، لعلمه بأنه سيلقى نفس المصير الذي لاقاه هانئاً.
فأوعز إلى أصحابه، فاجتمع إليه أربعة آلاف، وهم ينادون بشعار المسلمين يوم بدر: يا مَنصُور أَمت.
وعندها أوعز الطاغية إلى جماعة من وجوه أهل الكوفة أن يبادروا بِبَثِّ الذعر ونشر الخوف بين الناس، وترويج الإشاعات الآتية:
الأولى: التهديد بجيوش أهل الشام التي ستشيع فيهم القتل والتنكيل إن بقوا مُصرِّين على المعصية والعناد.
الثانية: حِرمانَهُم من العطاء.
الثالثة: تَجميرهم في مَغَازي أهل الشام، وَزَجِّهم في سَاحات الحُروب.
الرّابعة: أنهم إذا أصرّوا على التَمرّد فإن ابن زياد سَيُعلن الأحكام العرفية، وَيسَوِّسَهم بسياسة أبيه، والتي تحمل شارات الموت والدمار، حتّى يقضي على جميع ألوان الشغب والعصيان.
وانطلق هؤلاء الجواسيس إلى صفوف جيش مسلم، فأخذوا يشيعون الخوف، ويبثّون الأراجيف، ويظهرون لهم الإشفاق خوفاً عليهم من جيوش أهل الشام القادمة.
فَمُنِي جيشُ مسلم بهزيمة مُخزية لم يَحدث لها نظير في جميع فترات التاريخ، فقد هَزمَتهُ الدعايات المُضلِّلة من دون أن تكون في قِبالِهِ أيَّة قُوَّة عسكرية، ولم يمضِ قليل من الوقت حتّى انهزم معظم جيش مسلم.
وقد صلّى بجماعة منهم صلاة العشاء في الجامع الأعظم فكانوا يَفرّون في أثناء الصلاة، وما أنهى ابن عقيل صلاته حتّى انهزموا بأجمعهم، وقد أمسى وحيداً طريداً مُشرَّداً، لا مأوى يأوي إليه، ولا قَلبٌ يعطف عليه.
شهادة مسلم بن عقيل عليه السلام
طوى مسلم ليلته حزيناً تساوِرُه الهُموم، وكان - فيما يقول المؤرخون - قد قضى شطراً من الليل في عبادة الله، ما بين الصلاة وقراءة القرآن.
وقد خفق في بعض الليل، فرأى عَمَّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، فأخبره بِسرعَةِ اللحَاق به، فأيقنَ عند ذلك بِدُنُوِّ الأجلِ المحتوم منه.
وقد أصدرت سلطات ابن زياد أمراً تَضمَّنَ ما يأتي:
أولاً: الحكم بالإعدام على كل من آوى مسلماً مهما كانت مكانته الاجتماعية.
ثانياً: إنَّ دِيَّة مسلم تكون لمن جاء به.
ثالثاً: إن من ظَفِر بمسلم تمنحه السلطة عشرة آلاف درهم.
رابعاً: إن من يأتي به يكون من المُقرَّبين عند الطاغية يزيد، وينال ثقته.
وتَمَنَّى أكثر أولئك الأوغاد الظفر بمسلم بين عقيل، لينالوا المكافأة، وكذا التَقَرّب إلى يزيد بن معاوية.
وبعد أن جرت معركة غير متكافئة بين مسلم وبين أزلام ابن زياد جُرح فيها مسلم وسقط على الأرض، فوقع في أسر أعدائه، وسلَّموه إلى الطاغية ابن زياد، فأمر بإلقائه من أعلى القصر.
واستقبل مسلم الموت بثغر باسم، فَصُعِدَ به إلى أعلى القصر، وكان يسبِّح الله ويستغفره بِكلِّ طُمأنينة ورضا ويقول: اللَّهُمَّ احكُمْ بيننا وبَين قَومٍ غَرّونا وَخذلونا.
واستُدعِيَ الجَلاَّدُ، فَضَربَ عُنُقَه، وَرَمى برأسه وجسدهِ عليه السّلام إلى الأرض، وسقط مسلم بن عقيل عليه السّلام شهيداً، دفاعاً عن الحق، ودفاعاً عن مولاه الإمام الحُسين عليه السّلام.
زيارة قبر جده صلى الله عليه وآله
زار الإمام الحُسين عليه السّلام ـ قبل خروجه من المدينة المنوّرة ـ قبر جدِّه رسول الله صلّى الله عليه وآله زيارة المُودِّع الذي لا يعود.
فقد كان يعلم عليه السّلام أن لا لقاء له مع مدينة جدِّه صلّى الله عليه وآله، ولن يزور قبره بعد اليوم، وأنّ اللقاء سيكون في مستقرِّ رحمة الله، وأنَّه لن يلقى جدَّه إلاّ وهو يحمل وسام الشهادة، وشكوى الفاجعة.
فوقف الإمام عليه السّلام إلى جوار القبر الشريف، فصلّى ركعتين، ثمّ وقف بين يدي جدِّه صلّى الله عليه وآله يُناجي ربَّه قائلاً: اللَّهُمَّ هَذا قَبْر نَبيِّك مُحمّد صلّى الله عليه وآله، وأنَا ابنُ بنتِ نَبيِّك، وقد حَضَرني مِن الأمرِ مَا قد عَلمت، اللَّهُمَّ إنِّي أحِبُّ المَعروف، وأنكرُ المُنكَر، وأنَا أسألُكَ يَا ذا الجَلال والإكرام، بِحقِّ القبرِ ومن فيه، إلاَّ مَا اختَرْتَ لي مَا هُو لَكَ رِضىً، ولِرسولِك رِضَى.
خروجه عليه السلام من المدينة إلى المكّة
في 27 رجب من سنة 60 هـ، خرج ركب الإمام الحُسين عليه السّلام نحو مكَّة المكرّمة، وسار معه عليه السّلام نفر من أهل بيته وأصحابه، وبرفقته نساؤه وأبناؤه، وأخته زينب الكبرى عليها السّلام، يخترقون قلب الصحراء، ويجتازون كثبان الرمال.
خروجه عليه السلام من المكّة إلى العراق
قرر الإمام عليه السّلام التوجُّه إلى العراق، وذلك في اليوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية سنة 60 هـ.
ويعني ذلك أنَّ الإمام عليه السّلام لم يُكمِل حَجَّه بِسببِ خُطورَةِ الموقف، لِيُمارس تكليفه الشرعي في الإمامة والقيادة.
فجمع الإمام الحُسين عليه السّلام نساءه، وأطفاله، وأبناءه، وأخوته، وأبناء أخيه، وأبناء عُمومَته، وشدَّ عليه السّلام الرحَال، وقرَّر الخروج من مكة المكرَّمة.
فلما سرى نبأ رحيله عليه السّلام، تَملَّكَ الخوفُ قُلوبَ العَديد من مُخلصِيه، والمشفِقين عليه، فأخذوا يتشبَّثون به ويستشفعون إليه، لعلَّه يعدل عن رأيه، ويتراجع عن قراره.
إلاَّ أنَّ الإمام عليه السّلام اعتذرَ عن مطالباته بالهدنة، ورفضَ كُل مَساعي القعود والاستسلام.
والمُتَتَبِّع لأخبار ثورة الإمام الحُسين عليه السّلام، يَجدُ أنَّ هناك سِرّاً عظيماً في نهضته.
ويتوضح هذا السر من خلال النصيحة التي قُدِّمت للإمام عليه السّلام من قِبَل أصحابه وأهل بيته، فكلُّهم كانوا يتوقَّعون الخيانة وعدم الوفاء بالعهود التي قطعها له أهل الكوفة.
وندرك هنا أن للإمام الحُسين عليه السّلام قراراً وهدفاً لا يُمكِن أن يتراجع عنه، فقدْ كان واضحاً من خلال إصراره وحواره أنَّه عليه السّلام كان متوقِّعاِ للنتائج التي آل إليها الموقف، ومشخِّصاً لها بشكل دقيق، إلاَّ أنه كان ينطلق في حركته من خلال ما يُملِيه عليه الواجب والتكليف الشرعي.
ونجد ذلك واضحاً في خُطبَتِه حيث قال عليه السّلام: الحَمدُ للهِ، ومَا شاءَ الله، ولا قُوَّة إلاَّ بالله، خُطَّ المَوتُ على وِلدِ آدم مخطَّةَ القِلادَة على جِيدِ الفَتاة، وما أولَهَني إلى أسْلافي اشتياقَ يَعقُوبَ إلى يوسف، وخيرٌ لي مَصرعٌ أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطِّعُها عسلان الفلوات بين النَّواوِيسِ وكَربلاء، فيملأن أكراشاً جوفا، وأحوية سغباً.
لا مَحيصَ عن يوم خُطَّ بالقلم، رِضا الله رِضَانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفِّينا أجورنا أجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله لَحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرُّ بهم عَينه، وينجزُ بهمْ وَعدَه.
من كان باذلاً فِينَا مهجتَه، وموطِّناً على لِقَاء الله نفسه، فلْيَرْحَل مَعَنا، فإنِّي راحلٌ مُصبِحاً إن شاء الله مقتل الإمام الحُسين للسيّد ابن طاووس: 23.
إذن فكلُّ شيء واضحٌ أمام الإمام الحُسين عليه السّلام، وهو مُصمِّم على الكفاح و الشهادة، فليس النصر يحسب دائماً بالنتائج الآنيَّة المادِّيَّة، فقد يحتاج الحدَث الكبير إلى فترة زمنية طويلة، حيث يتفاعل فيها جملة من الحوادث والأسباب، ليعطي نتائجه.
وهذا ما حدث بالفعل بعد استشهاد الإمام عليه السّلام، إذ ظَلَّت روح المقاومة تغلي في نفوس أبناء الأمَّة.
واستمرَّتْ بعد موت يزيد، حتّى قَضَتْ على كِيان الحكم الأموي تلك الروح التي كانت شعاراً لِكلِّ ثائر في سبيل التحرُّر من الظُلم والطغيان.
إباؤه عليه السلام عن الضيم
والصفة البارزة من نزعات الإمام الحُسين عليه السّلام هي الإباء عن الضيم، حتّى لُقّب عليه السّلام بـ أبي الضيم.
وهي من أعظم ألقابه عليه السّلام ذيوعاً وانتشاراً بين الناس، فقد كان المَثَل الأعلى لهذه الظاهرة.
فهو الذي رفع شِعار الكرامة الإنسانية، ورسم طريق الشرَف والعِزّة، فلم يخنع، ولم يخضع لقرود بني أمية، فآثر عليه السّلام الموت تحت ظِلال الأَسِنّة.
فيقول الشاعر عبد العزيز بن نباتة السعدي:
وَالحُسَين الذي رَأى المَوتَ فِي العِـزّ*** حَياةٌ وَالعَيش فِي الذّلِّ قَتلاً
فقد علّم أبو الأحرار عليه السّلام الناسَ نُبل الإباء ونبل التضحية، ويقول فيه مصعب ابن الزبير: واختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة.
وقد كانت كلماته عليه السّلام يوم الطف من أروع ما أُثِرَ من الكلام العربي، في تصوير العِزة، والمنعة، والاعتداد بالنفس، فكان يقول عليه السّلام: أَلا وَإِنَّ الدَّعي ابنَ الدَّعي قَد رَكزَ بَينَ اثنَتَينِ، بَين السِّلَّةِ والذِّلَّة، وهَيهَات مِنَّا الذِّلَّة، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وحِجُور طَابَتْ وَطَهُرتْ، وأُنُوفٌ حَميّة، ونُفوسٌ أَبِيَّة، مِن أنْ نُؤثِر طَاعةَ اللِّئامِ عَلى مَصَارِعِ الكِرَام.
ووقف عليه السّلام يوم الطف كالجبل الصامد، غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة من جيوش الردّة الأموية.
وقد ألقى عليهم وعلى الأجيال أروع الدروس عن الكرامة وعِزَّة النفس وشَرَف الإباء قائلاً عليه السّلام: وَالله لا أُعطِيكُم بِيَدي إِعطاء الذَّليل، وَلا أفرّ فِرارَ العَبيد....
وألقت هذه الكلمات المشرقة الأضواء على مدى ما يحمله الإمام العظيم من الكرامة التي التي لا حَدَّ لأبعادها، والتي هي من أروع ما حفل به تاريخ الإسلام من صُوَر البطولات الخالدة في جميع الأحقاب.
وقد تسابق شعراء أهل البيت عليهم السّلام إلى تصوير هذه الظاهرة الكريمة، فكان ما نَظَموه في ذلك من أَثمَن ما دَوَّنَته مصادر الأدب العربي.
وقد عنى شاعر أهل البيت عليهم السّلام السيد حيدر الحلي إلى تصوير ذلك في كثير من روائعه الخالدة، التي رثى بها جَدَّه الإمام الحُسين عليه السّلام، فيقول:
طَمعت أن تسومه القوم ضَيماً *** وَأبى اللهُ وَالحُسَام الصَّنِيعُ
كيف يَلوي عَلى الدَّنيَّة جِيداً *** لِسِوَى الله مَا لَوَاه الخُضوعُ
وَلَديه جأش أرد من الدِّرع *** لِظَمأى القَنا وَهُنَّ شُروعُ
وَبِه يرجع الحفاظ لِصَدرٍ *** ضَاقت الأرضُ وَهي فِيهِ تَضِيعُ
فَأبى أن يَعيشَ إِلا عَزيزاً *** أَو تَجَلَّى الكِفَاح وَهو صَريعُ
ولم تُصَوَّر منعة النفس وإباؤها بمثل هذا التصوير الرائع، فقد عرض السيد حيدر إلى ما صَمَّمَت عليه الدولة الأموية من إرغام الإمام الحُسين عليه السّلام على الذل والهَوان، وإخضاعه لِجَورِهم واستِبدَادهم.
ولكن يأبى الله له عليه السّلام ذلك، وتأبى له نفسه العظيمة التي ورثت عِز النبوة أن يُقر على الضيم.
فإنه عليه السّلام لم يَلوِ جِيدَهُ خاضعاً لأي أحد إلا لله عزَّ وجلَّ، فكيف يخضع لأقزام بني أمية، وكيف يَلوِيه سُلطانهم عن عَزمِه الجَبّار الذي هو أَرَدّ من الدرع للقنا الظامئة.
ويقول السيد حيدر في رائعة أخرى يصف بها إباء الإمام عليه السّلام وسُموّ ذاته، ولعلها من أجمل ما رَثَى به الإمام عليه السّلام حيث يقول:
وسامَتهُ يَركَبُ إِحدَى اثْنَتَينِ *** وَقد صَرَّتِ الحَربُ أسنَانَها
فإما يُرَى مُذعِناً أو تموت *** نَفسٌ أبَى العِزّ إِذعَانَها
فَقال لَهَا: اعتصِمي بِالإِبَاء *** فَنَفْسُ الأبِيّ وما زَانَها
إِذا لم تَجِد غَير لِبسِ الهَوَانِ *** فَبِالمَوتِ تَنزَعُ جُثمَانَها
رَأى القَتلَ صَبراً شِعارَ الكِرَام *** وَفخراً يَزينُ لَها شَانَهَا
فَشَمَّرَ لِلحَربِ فَي مَعرَكٍ *** بِه عركَ المَوتُ فُرسَـانَها
فهذا هو إباء الإمام الحُسين عليه السّلام، وهذه هي عزَّة نفسه.
علمه عليه السلام بشهادته
أخبر الإمام الحُسين عليه السلام بشهادته مراراً:
1ـ عن عبد الله بن عباس، قال:لقيت الحُسين بن عليّ وهو يخرج إلى العراق، فقلت له: يا بن رسول الله، لا تخرج.
قال: فقال لي: يا بن عباس، أما علمت أن منيتي من هناك، وأن مصارع أصحابي هناك؟!
فقلت له: فأنى لك ذلك؟ قال: بسرّ سرّ لي، وعلم أعطيته.
2ـ عن إبراهيم بن سعد قال: أخبرني أنه كان مع زهير بن القين حين صحب الحُسين عليه السّلام، فقال له: يا زهير، إعلم أن ها هنا مشهدي، ويحمل هذا من جسدي - يعني رأسه - زحر بن قيس، فيدخل به على يزيد يرجو نواله، فلا يعطيه شيئاً.
3ـ عن الأعمش، قال: قال لي أبو مُحمّد الواقدي وزرارة بن جلح:
لقينا الحُسين بن عليّ عليهما السّلام قبل أن يخرج إلى العراق بثلاث ليال، فأخبرناه بضعف الناس في الكوفة، وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء ونزل من الملائكة عدد لا يحصيهم إلا الله، وقال:
لولا تقارب الأشياء وحبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء، ولكن أعلم علماً أن من هناك مصعدي وهناك مصارع أصحابي، لا ينجو منهم إلا ولدي عليّ.
4ـ عن راشد بن مزيد، قال: شهدت الحُسين بن عليّ عليه السّلام وصحبته من مكة حتّى أتينا القطقطانة، ثمّ استأذنته في الرجوع، فأذن لي، فرأيته وقد استقبله سبع عقور فكلمه، فوقف له فقال:
ما حال الناس بالكوفة؟
قال: قلوبهم معك وسيوفهم عليك.
قال: ومن خلفت بها؟
قال: ابن زياد، وقد قتل مسلم بن عقيل.
قال: وأين تريد؟ قال: عدن.
قال له: أيها السبع، هل عرفت ماء الكوفة؟ قال: ما علمنا من علمك إلا ما زودتنا.
ثمّ انصرف وهو يقول: وما ربك بظلام للعبيد، قال: كرامة من ولي وابن ولي.
كراماته عليه السلام بعد مقتله من مصادر أبناء العامّة
وردت كثير من الروايات في مصادر أبناء العامة تتحدث عن بعض الظواهر الكونية، والحوادث، والفتن، التي ظهرت عقيب مقتل الإمام الحُسين عليه السّلام، أسفاً وحزناً عليه، ونذكر منها:
الكرامة الأولى: ما روي من أن السماءَ صارت تَمطُر دماً
عن أمّ حكيم قالت: قُتِلَ الحُسين وأنا يومئذ جويرية، فمكثت السماء أياماً مثل العلقة رواه الطبراني ورجاله إلى أمّ حكيم رجال الصحيح.
الكرامة الثانية: ما روي من كسوف الشمس
عن أبي قبيل قال: لما قتل الحُسين بن عليّ انكسَفَت الشمس كسفة حتّى بدت الكواكب نصف النهار، حتّى ظننَّا أنها هي، أي: القيامة رواه الطبراني وإسناده حسن.
ونقل ذلك أيضاً السيوطي في تاريخ الخلفاء / 207، وأرسله إرسال المسلّمات، فقال: ولما قتل الحُسين مكثت الدنيا سبعة أيام والشمس على الحيطان كالملاحف المعصفرة، والكواكب يضرب بعضها بعضاً، وكسفت شمس ذلك اليوم، واحمرَّت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله.
ثمّ لا زالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك ولم تكن ترى فيها قبله.
الكرامة الثالثة: ما ورد في الدم الذي ظهر على الجُدُر
قال حصين: فلما قتل الحُسين لبثوا شهرين أو ثلاثة، كأنما تلطخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتّى ترتفع رواه الطبري في تاريخه 4 / 296.
الكرامة الرابعة: ما رُفع حجر إلا وُجِد تحته دم
عن الزهري قال: قال لي عبد الملك أي واحد أنت إن أعلمتني أي علامة كانت يوم قتل الحُسين.
فقلت: لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم عبيط.
فقال لي: إني وإياك في هذا الحديث لقرينان رواه الطبراني ورجاله ثقات.
وعن الزهري قال: ما رفع بالشام حجر يوم قتل الحُسين بن عليّ إلا عن دم رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
وروى ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء، والبيهقي في دلائل النبوة وأبو نعيم الأصفهاني في معرفة الصحابة.
الكرامة الخامسة: ذبحوا جزوراً فصار كله دماً
عن دويد الجعفي عن أبيه قال: لما قتل الحُسين انتهبت جزور من عسكره، فلما طبخت إذا هي دم رواه الطبراني ورجاله ثقات، ورواه أبو نعيم الأصفهاني في معرفة الصحابة.
الكرامة السادسة: الفتن والحوادث الغريبة
قال ابن كثير في تاريخه 8 / 220: وأما ما روي من الأحاديث والفتن التي أصابت من قتله فأكثرها صحيح، فإنه قلَّ من نجا من أولئك الذين قتلوه من آفة وعاهة في الدنيا، فلم يخرج منها حتّى أصيب بمرض، وأكثرهم أصابه الجنون رواه الطبراني ورجاله رجال صحيح.
وقال في 6 / 259: وقد روى حَمَّاد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمارة، عن أمّ سلمة، أنها سمعت الجِنَّ تنوح على الحُسين بن عليّ، وهذا صحيح.
كراماته عليه السلام العامّة
يتميّز الأئمة عليهم السّلام بارتباطٍ خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب، بسبَبِ مقامِ العصمة والإمامة، ولَهُم - مثل الأنبياء - معاجزٌ وكرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى، وكونَهم أئمّة.
وللإمام الحُسين عليه السّلام معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ، سجَّلَتْها كتبُ التاريخ، ونذكر هنا بعضاً منها:
الكرامة الأولى:
عن أبي خالد الكابلي عن يحيى ابن أمّ الطويل: قال كنا عند الإمام الحُسين عليه السّلام إذ دخل عليه شاب يبكي، فقال له الإمام الحُسين عليه السّلام: مَا يُبْكِيكَ ؟.
قال: إنّ والدتي توفيت في هذه الساعة ولم توص، ولها مال، وكانت قد أمرتني أن لا أحدث في أمرها شيئاً حتّى أعلمك خبرها.
فقال الإمام الحُسين عليه السّلام: قُومُوا بِنَا حتّى نَصِيرُ إلى هَذِهِ الحُرَّة.
فقمنا معه حتّى انتهينا إلى باب البيت الذي فيه المرأة، وهي مسجّاة فأشرف على البيت ودعا الله ليُحيِيها حتّى توصي بما تحب من وصيَّتها.
فأحياها الله، وإذا المرأة جلست وهي تتشهّد، ثمّ نظرت إلى الإمام الحُسين عليه السّلام فقالت: ادخل البيت يا مولاي ومُرني بأمرِك.
فدخل عليه السّلام وجلس على مخدّة، ثمّ قال لها: وَصِّي يَرْحَمك اللهُ.
فقالت: يا ابن رسول الله، إنّ لي من المال كذا وكذا في مكان كذا وكذا، وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك، والثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من مواليك وأوليائك، وإن كان مخالفاً فخذه إليك فلا حقَّ للمخالفين في أموال المؤمنين.
ثمّ سألته أن يصلّي عليها وأن يتولَّى أمرها، ثمّ صارت المرأة ميتة كما كانت.
الكرامة الثانية:
روي عن جابر الجعفي عن الإمام زين العابدين عليه السّلام قال: أقبل أعرابي إلى المدينة ليختبر الحُسين عليه السّلام لما ذكر له من دلائله، فلمّا صار بقرب المدينة خضخض ودخل المدينة، فدخل على الإمام الحُسين عليه السّلام وهو جنب.
فقال له الإمام الحُسين عليه السّلام: أمَا تَسْتَحيي يَا أعْرَابي أنْ تَدخُلَ إلَى إِمَامِكَ وَأنْتَ جُنُب.
وقال عليه السّلام: أنتُمْ مَعَاشِرَ العَرَب إذا خَلَوتُم خَضْخَضْتُم.
فقال الأعرابي: يا مولاي قد بلغت حاجتي ممّا جئت فيه، فخرج من عنده فاغتسل، ورجع إليه فسأله عمّا كان في قلبه.
الكرامة الثالثة:
روي عن هارون بن خارجة عن الإمام الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام قال: إنّ الحُسين عليه السّلام إذا أراد أن ينفذ غلمانه في بعض أموره قال لهم: لا تخرجوا يوم كذا، واخرجوا يوم كذا، فإنّكم إن خالفتموني قطع عليكم، فخالفوه مرة وخرجوا، فقتلهم اللصوص وأخذوا ما معهم، واتصل الخبر بالحسين عليه السّلام فقال: لَقَد حَذَّرتُهُم فَلَم يَقبَلُوا مِنِّي.
ثمّ قام عليه السّلام من ساعته ودخل على الوالي، فقال الوالي: يا أبا عبد الله بلغني قتل غلمانك فآجرك الله فيهم.
فقال الإمام الحُسين عليه السّلام: فإنِّي أدُلُّكَ عَلَى مَن قَتَلَهم فاشدُدْ يَدَك بِهِم.
قال: أوَ تعرفهم يا ابن رسول الله؟ فقال عليه السّلام: نَعَم، كَمَا أعرفُكَ، وَهَذا مِنهُم.
وأشار عليه السّلام بيده إلى رجل واقف بين يدي الوالي، فقال الرجل: ومن أين قصدّتني بهذا؟ ومن أين تعرف أنّي منهم.
فقال له الإمام الحُسين عليه السّلام: إنْ أنَا صَدَّقتُكَ تُصدِّقُني ؟ فقال الرجل: نعم والله لأصدقنَّك، فقال عليه السّلام: خَرجْتَ وَمَعَكَ فلان وفلان وذكرهم كلّهم، فمنهم أربعة من موالي المدينة، والباقون من حبشان المدينة.
فقال الوالي للرجل ورب القبر والمنبر، لتصدّقني أو لأهرأن لحمك بالسياط، فقال الرجل والله ما كذب الحُسين وقد صدق وكأنّه كان معنا، فجمعهم الوالي جميعاً فأقرّوا جميعاً، فضرب أعناقهم.
الكرامة الرّابعة:
إنّ رجلاً صار إلى الإمام الحُسين عليه السّلام فقال: جئتُك أستشيرك في تزويجي فلانة، فقال عليه السّلام: لا أحبُّ ذلكَ لَك، وكانت كثيرة المال، وكان الرجل أيضاً مكثراً، فخالف الإمام الحُسين عليه السّلام، فتزوج بها فلم يلبث الرجل حتّى افتقر، فقال له الإمام الحُسين عليه السّلام: قَدْ أشرْتُ إليكَ فَخَلِّ سَبيلَها، فإنَّ اللهَ يعوِّضُكَ خيراً مِنهَا.
ثمّ قال عليه السّلام: وَعَليكَ بفلانة، فتزوّجها فما مضت سنة حتّى كثر ماله، وولدت له ولداً ذكراً، ورأى منها ما أحب.
الكرامة الخامسة:
لمّا ولد الإمام الحُسين عليه السّلام أمر الله تعالى جبرائيل أن يهبط في ملإ من الملائكة فيهنئ محمّداً فهبط، فمر بجزيرة فيها ملك يقال له فطرس بعثه الله في شيء فأبطأ فكسر جناحه، وألقاه في تلك الجزيرة، فعبد الله سبعمائة عام، فقال فطرس لجبرائيل: إلى أين؟ قال: إلى مُحمّد، قال: احملني معك إلى مُحمّد لعلّه يدعو لي، فلمّا دخل جبرائيل وأخبر محمّداً بحال فطرس، قال له النّبيّ: قل له يمسح بهذا المولود جناحه، فمسح فطرس بمهد الحُسين عليه السّلام، فأعاد الله عليه في الحال جناحه، ثمّ ارتفع مع جبرائيل إلى السماء، فسمّي عتيق الحُسين عليه السّلام.
الكرامة السادسة:
إنّ الإمام الحُسين عليه السّلام لمّا أراد العراق، قالت له أمّ سلمة: لا تخرج إلى العراق، فقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: يقتل ابني الحُسين بأرض العراق، وعندي تربة دفعها إليّ في قارورة، فقال: والله إنّي مقتول كذلك، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلونني أيضاً، وإن أحببت أن أريك مضجعي ومصرع أصحابي.
ثمّ مسح بيده على وجهها، ففسح الله في بصرها حتّى أراها ذلك كلّه، وأخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضاً في قارورة أخرى، وقال عليه السّلام: فإذا فاضتا دماً فاعلمي أنّي قد قتلت، فقالت أمّ سلمة: فلمّا كان يوم عاشوراء نظرت إلى القارورتين بعد الظهر فإذا هما قد فاضتا دماً، فصاحت، ولم يقلب في ذلك اليوم حجر ولا مدر إلاّ وجد تحته دم عبيط.
الكرامة السابعة:
روي عن الإمام زين العابدين عليه السّلام أنّه قال: لمّا كانت الليلة التي قتل فيها الحُسين عليه السّلام في صبيحتها، قام في أصحابه فقال عليه السّلام: إنّ هؤلاء يريدونني دونكم، ولو قتلوني لم يقبلوا إليكم، فالنجاء النجاء، وأنتم في حل فإنّكم إن أصبحتم معي قتلتم كلّكم، فقالوا: لا نخذلك ولا نختار العيش بعدك، فقال عليه السّلام: إنّكم تقتلون كلّكم حتّى لا يفلت منكم واحد، فكان كما قال عليه السّلام.
الكرامة الثامنة:
روى عن أبي عون قال: لما خرج حسين بن عليّ من المدينة يريد مكة مرّ بابن مطيع وهو يحفر بئره فقال له: أين، فداك أبي وأمي؟ قال: أردتُ مكةّ… وذكر له أنه كتب إليه شيعته بها فقال له ابن مطيع: إني فداك أبي وأمي متّعنا بنفسك ولا تسر إليهم فأبى الحسين فقال له ابن مطيع: إن بئري هذه قد رشحتها وهذا اليوم أوان ما خرج إلينا في الدلو شيء من ماء فلو دعوت الله لنا فيها بالبركة. قال: هات من مائها فأتى من مائها في الدلو فشرب منه ثمّ مضمض ثمّ ردّه في البئر فأعذب وأمهى.
إبطاله عليه السلام لشبهات المبطلين والمعاندين
للإمام عليه السّلام تراث رائع، خاض في جملة منه مجموعة من البحوث الفلسفية والمسائل الكلامية التي مُنيت بالغموض والتعقيد، فأوضحها عليه السّلام، وبيَّن وِجهة الإسلام فيها، ونعرض فيما يلي لبعض ما أُثِر عنه:
كلامه عليه السلام في معنى التوحيد
قال عليه السلام:
أيُّها النَّاس، اتقوا هؤلاء المارقة الذين يُشبِّهون الله بأنفسهم، يضاهون قول الذين كفروا من أهل الكتاب، بل هو الله ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير.
استخلص الوحدانية والجَبَروت، وأمضى المشيئة، والإرادة، والقدرة، والعلم بما هو كائن، لا منازع له في شيء من أمره، ولا كُفو له يعادِلُه، ولا ضِدّ له ينازعه، ولا سَمِيّ له يشابهه، ولا مثل له يشاركه.
لا تتداوله الأمور، ولا تجري عليه الأحوال، ولا ينزل عليه الأحداث، ولا يقدر الواصفون كُنهَ عظمته، ولا يخطر على القلوب مَبلغ جبروته، لأنه ليس له في الأشياء عديل.
ولا تدركه العلماء بألبابها، ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلا بالتحقيق، إيقانا بالغيب لأنه لا يوصف بشيء من صفات المخلوقين، فذلك الله لا سَمِيّ له، سبحانه ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير.
وحذّر الإمام عليه السّلام من تشبيه الخالق العظيم بعباده، أو بسائر الممكنات التي يلاحقها العدم، ويطاردها الفناء.
كلامه عليه السلام مع نافع الأزرق
يقول المؤرخون إن حَبْر الأمة عبد الله بن عباس كان يُحدِّث الناس في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقام إليه نافع الأزرق فقال له: تُفتي الناس في النملة والقَملة، صف لي إِلَهَك الذي تعبُد؟
فأطرقَ إعظاما لقوله، وكان الإمام الحُسين عليه السّلام جالساً فانبرى قائلاً: إِليَّ يا بن الأزرق ؟
فقال نافع: لَستُ إِيَّاك.
فثار ابن عباس، وقال له: إنه من بيت النبوة، وهم وَرَثة العلم.
فأقبل نافع نحو الإمام عليه السّلام، فقال عليه السّلام: يا نافع، من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس سائلاً ناكباً عن المنهاج، ظاعناً بالاعْوِجَاج، ضالاً عن السبيل، قائلاً غير الجميل.
أصفُ لك إلهي بما وصفَ به نفسه، وأعَرِّفُه بما عَرَّف به نفسه، لا يُدركُ بالحواس، ولا يقاس بالناس، قريبٌ غير مُلتَصِق، بعيد غير منتقص يوحد ولا يبغض معروف، بالآيات موصوف، بالعلامات لا إله إلا هو الكبير المُتَعَال.
فحارَ الأزرق، ولم يُطِق جواباً، فقد مَلَكَته الحيرة، وسدَّ عليه الإمام عليه السّلام كل نافذة ينفذ منها، وبُهِر جميع من سمعوا مقالة الإمام عليه السّلام، وراحوا يُرَدِّدُون كلام ابن عباس: إِنَّ الحُسين عليه السّلام مِن بيت النبوَّة، وَهُم وَرَثَة العلم.
كلامه عليه السّلام في معنى الصّمَد
كتب إليه عليه السّلام جماعة يسألونه عن معنى الصمد في قوله تعالى: اللهُ الْصَّمَدُ.
فكتب عليه السّلام لهم بعد البسملة: أما بعد: فلا تخوضوا في القرآن، ولا تُجادلوا فيه، ولا تتكلموا فيه بِغَير عِلم، فقد سمعت جَدِّي رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: مَن قال في القرآن بغير عِلمٍ فَلْيَتَبَوَّأُ مقعدُهُ من النار.
وإن الله سبحانه قد فَسَّر الصمد فقال: اللهُ أَحَدُ * اللهُ الْصَّمَدُ.
ثمّ فَسَّرهُ فقال: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.
لَمْ يَلِدْ: لم يخرج منه شيء كثيف، كالولد وسائر الأشياء الكثيفة، التي تخرج من المخلوقين.
ولا شيء لطيف كالنفس، ولا يتشعب من البدوات كالسِّنَة والنوم والخطرة، والهم والحزن، والبهجة والضحك، والبكاء والخوف، والرجاء والرغبة والسأمة، والجوع والشبع، تعالى عن أن يخرج منه شيء، وأن يتولَّدَ منه شيء كثيف أو لطيف.
وَلَمْ يُولَدْ: لم يتولد منه شيء، ولم يخرج منه شيء كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرهم، والدابة من الدابة، والنبات من الأرض، والماء من الينابيع، والثمار من الأشجار.
ولا كما يخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها، كالبصر من العين، والسمع من الأذن، والشم من الأنف، والذوق من الفم، والكلام من اللسان، والمعرفة والتمييز من القلب، وكالنار من الحجر.
لا، بل هو الله الصمد الذي لا شيء، ولا في شيء، ولا على شيء، مبدع الأشياء وخالقها، ومنشئ الأشياء بقدرته، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته، ويبقى ما خلق للبناء بعلمه، فذلكم اللهُ الصَّمد، الذي لم يلد ولم يولد، عالم الغيب والشهادة، الكبير المُتَعال، وَلم يَكُن لَهُ كُفوا أحد.
فضائله عليه السلام على لسان الصحابة
روى الكنجي بإسناده عن ابن عباس، قال: أوحى الله تعالى إلى مُحمّد صلّى الله عليه وآله: إنّي قد قتلت بيحي بن زكريّا سبعين ألفاً، وأنّي قاتل بابن بنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً.
روى السيوطي بإسناده عنه قال: ما كنا نشك وأهل البيت متوافرون أنّ الحُسين يُقتل بالطّف.
روى الخوارزمي بإسناده عن جابر قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وآله ومعه الحُسين بن عليّ فعطش فطلب له النّبيّ ماء فلم يجده فأعطاه لسانه فمصّه حتّى روي.
روى ابن حجر بإسناده عن العيزار بن حرب بينا عبد الله بن عمر جالس في ظل الكعبة إذ رأى الحُسين مقبلاً، فقال: هذا أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.
روى الكنجي بإسناده عن أبي المهزم، قال: كنّا مع جنازة امرأة ومعنا أبو هريرة فجيء بجنازة رجل فجعله بينه وبين المرأة فصلّى عليهما، فلمّا اقبلنا أعيى الحُسين فقعد في الطريق فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الحُسين عليه السّلام: يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا؟ فقال أبو هريرة: دعني فوالله لو علم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم.
روى ابن الأثير بإسناده عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه، قال: كنت في مسجد الرسول صلّى الله عليه وآله في حلقة فيها أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر فمرّ بنا حسين بن عليّ، فسلّم فردّ القوم السّلام، فسكت عبد الله حتّى فرغوا ثمّ رفع صوته، وقال: وعليك السّلام ورحمته وبركاته.
ثمّ أقبل على القوم، فقال: ألا أخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟ قالوا: بلى، قال: هو هذا الماشي، ما كلمني كلمة منذ ليالي صفين ولأن يرضى عني أحبّ إليّ من أن يكون لي حمر النعم، فقال أبو سعيد: ألا تعتذر إليه؟ قال: بلى، قال: فتواعدا أن يغدوا إليه، قال: فغدوت معهما، فاستأذن أبو سعيد فأذن له فدخل، ثمّ استأذن لعبد الله فلم يزل به حتّى أذن له، فلمّا دخل قال أبو سعيد: يا بن رسول الله انك لما مررت بنا أمس، فأخبره بالذي كان من قول عبد الله بن عمر فقال حسين: أعلمت يا عبد الله أنّي أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟ قال: إي ورب الكعبة. قال: فما حملك على أن قاتلتني، وأبي يوم صفين....
روى الهيثمي بإسناده عن زيد بن أرقم، قال: لما أتي ابن زياد برأس الحُسين رضي الله عنه فجعل يجعل قضيباً في يده وفي عينه وأنفه، فقال زيد بن أرقم، ارفع القضيب، قال له: لِمَ؟ فقال: رأيت فم رسول الله صلّى الله عليه وآله في موضعه
أقوال صفوة من العلماء والمفكرين في الحسين عليه السلام
مُحمّد جواد مغنية
قال في كتابه المجالس الحسينية:
إن الحُسين عند شيعته والعارفين بأهدافه ومقاصده ليس اسماً لشخص فحسب، وإنما هو رمز عميق الدلالة، رمز للبطولة والإنسانية والأمل وعنوان للدين والشريعة والفداء والتضحية في سبيل الحق والعدالة.
وقال أيضاً: دماء كر بلاء لم تكن ثمناً لحرية فرد أو شعب أو جيل بل ثمناً للدين الحنيف والإنسانية جمعاء ثمناً لكتاب الله وسنة الرسول ومن هنا كان لها ما للقرآن والإسلام من التقديس والإجلال.
عباس عليّ الموسوي
قال في كتابه دروس من ثورة الحُسين عليه السّلام:
إن ثورة الحُسين عليه السّلام وإن وقعت في العاشر من المحرم عام 61هـ وإن جرت أحداثها على ثرى كر بلاء وإن قام بها الحُسين عليه السّلام وأهل بيته وصحبه.فإنها غدت بعد ذلك المكان والزمان والأشخاص رمزاً ينطلق منه كل من أراد الحياة العزيزة والدفاع عن المستضعفين والمضطهدين. غدت المثل الأعلى لكل ثائر ينشد الحرية ويطلب الحق.
وقال: إن الإمام الحُسين عليه السّلام هو الشخصية المتفردة بحب الناس دون أن يدفع إليهم مالاً أو يغريهم بسلطان، بل للصفات التي يتمتع بها والمناقب التي اجتمعت فيه دون غيره.
وقال أيضاً: الحُسين هو القبلة الوحيدة التي يجوز أن تؤمها الناس وتتجه إليها ليس له بديل ولا عديل، إنه الإنسان الذي عانقت نفسه نفوس أبناء الشعب فالتحمت في وحدة متكاملة فكانوا القاعدة وكان الرأس.
مُحمّد تقي باقر:
من كتابه الإمام الحُسين.. استراتيجية الموقف
الحُسين علم الأجيال كيف يواجهوا الحق ويجابهوا الظلم ورسم معالم لبناء المدينة الفاضلة بوضوح.
لبيب بيضون
قال في كتابه خطب الإمام الحُسين على طريق الشهادة:
ما أظن أن إنساناً في مسرح التاريخ والبطولة، استطاع أو يستطيع أن تكون له مثل هذه الكفاءات العالية، والمواهب الفريدة النادرة.. غير الإمام الحُسين عليه السّلام ليمثل هذا الدور الجوهري الخطير في قيادة حركة الإيمان وإحياء دعوة الإسلام.
وقال أيضاً: إن دروس الحُسين عليه السّلام دروس عميقة بالغة الأثر والتأثير، تعلمنا - إضافة لدروس التضحية والبطولة والفداء أن ننظر إلى الأمور نظرة بعيدة مديدة، عميقة محيطة مترامية، فيكون جهادنا وفداؤنا قرباناً للأجيال المتحدرة والأحقاب المتلاحقة، لا أن يكون قرباناً عابراً، يستهدف اللحظة الراهنة.
هاشم معروف الحسيني
قال في كتابه من وحي الثورة الحسينية:
إن ثورة الحُسين كانت الوهج الساطع الذي أضاء المسالك لمن أراد المسيرة بالإسلام في طريقها الصحيح والمرآة الصافية للتخلص من الحاضر الذي كانت تعيشه الأمة ومن واقعها الذي كانت ترسف في أغلاله.
وقال: لقد كان الحُسين الوارث الوحيد لتلك الثورة التي فجرها جده الرسول الأعظم على الجاهلية الرعناء والعنصرية والوثنية لإنقاذ المستضعفين في الأرض من الظلم والتسلط والاستعباد.
وقال أيضاً: لقد وقف الحُسين وقفته العظيمة التي صيرت العقول بما فيها من معاني البطولات والتضحيات التي لم يحدث التاريخ بمثلها في سبيل العقيدة والمبدأ وحرية الإنسان وكرامته.
الشيخ حسين معتوق
قال: لم تعد ثورة الحُسين عليه السّلام تمثل حركة شخصية أو مصيبة فردية ليقال أنه مضى زمانها وانتهى وقتها وإنما هي رمز للاستشهاد وفي سبيل الحق وهي بذلك سوف تعيش في ضمير الإنسان ووجدانه ما بقي هذا الإنسان.
الشيخ عبد الوهاب الكاشي
قال في كتابه مأساة الحُسين:
كل ما في عالمنا اليوم من إسلام ومسلمين بالمعنى الصحيح فإنهما مدينان في البقاء لفضل ثورة الحُسين عليه السّلام وإن بقائهما أهم ثمرات تلك الثورة.
آية الله السيد عبد الحُسين دستغيب
قال: البكاء على الحُسين عليه السّلام يوجب قبول التوبة وهو سبب طهارة القلب من الأوساخ، وبالطبع فإن جميع الخلق محتاجون إلى الشفاعة.
وقال: إن الله يظهر عزّة الحُسين عليه السّلام كما أن الحُسين عليه السّلام أظهر عزّة الله في عاشوراء.
وقال أيضاً: إن الأجر الذي يعطيه الله لمن يتذكر مصيبة الحُسين عليه السّلام في أي وقت من الأوقات، تلك المصائب التي تحرق القلب، وتنهمر منها الدموع، هو أجر مصيبة الحُسين عليه السّلام.
العلامة الشيخ أسد حيدر
قال في كتابه مع الحُسين في نهضته:
الحُسين استهان بالحياة، اعتزازاً بدينه، وحرصاً على كرامة أمته، فقابلهم بعزيمة وثبات، وإصرار على مواجهة الأخطار مهما كان نوعها.
آية الله الشيخ مُحمّد مهدي شمس الدين
قال في كتابه ثورة الحُسين ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية:
كانت ثورة الحُسين عليه السّلام السبب في انبعاث الروح النضالية في الإنسان المسلم من جديد بعد فترة طويلة من الهمود والتسليم.
وقال أيضاً: ثورة الحُسين قدمت للإنسان المسلم أخلاقاً جديدة تقول له: لا تستسلم، لا تساوم على إنسانيتك، ناضل قوى الشر ما وسعك، ضح بكل شيء في سبيل مبدئك.
سليمان كتاني
قال في كتابه الإمام الحُسين عليه السّلام في حلّة البر:
لم تكن مسيرة الحُسين عليه السّلام غير ثورة في الروح لم ترض بسيادة الغيّ والجهل والغباء.
وقال أيضاً: ما أروع الحُسين في جهازه النفسي المتين، يتلقط بكل حدث من الأحداث التي دارت بها أيامه، ليصوغ من احتكاكها الشرارة الأصلية التي تدفأ بها ضلوع الأمة وهي تمشي دروبها في ليالي الصقيع.
العلامة الشيخ حسن الصفار
قال في كتابه الحُسين ومسؤولية الثورة:
الحُسين ليس حكراً على طائفة وإن هو إمام لكل المسلمين وسبط رسول الله الذي هو بني الأمه جمعاء واستشهد من أجل دين الله ودفاعاً عن حقوق عباد الله.
وقال أيضاً: ثار الحُسين على كل هذا التحول الرجعي الذي حدث في حياة الأمه وأراد إصلاحها بإيقاظ روخح التضحية، والنضال في أعماقها وبإعادة الثقة بنفسها.
عبد الودود الأمين
قال في كتابه الإمام الحُسين بن عليّ عليه السّلام الشهيد:
الحُسين بن عليّ معين الحياة الذي لا ينضب وروحها التي لا تهرم وقلبها الذي لا يهدأ.
وقال: الحُسين جو الإباء المتجسد على الأرض وهو الصلابة الحقة في وجه الظالم الفاني.
وقال أيضاً: الحُسين مدرسة شاملة في الأدب والسلوك والصلابة والتمسك بالمبدأ.
عبد الرحمن الشرقاوي
قال في مقدمة الإهداء لمسرحيته الحُسين ثائراً وشهيداً:
إلى ذكرى أمي التي علمتني منذ طفولتي أن أحب الحُسينعليه السّلام، ذلك الحب الحزين الذي يخالطه الإعجاب والإكبار والشجن، ويثير في النفس أسى غامضاً، وحنيناً خارقاً للعدل والحرية والإخاء وأحلام الخلاص.
الشيخ أحمد بدر الدين الحسون مفتي حلب الأكبر
قال: يوم عاشوراء هو يوم تجدد المواقف بين الحق والباطل انتصر الله فيه بالحق على الباطل بموسى على فرعون وبالحسين على يزيد وهو فرعون هذه الأمة.
المحامي الأردني أحمد حسين يعقوب
قال: دمعت عيناي على الحُسين عليه السّلام فقادني جرحي النازف إلى التشييع.
السيد المغربي إدريس الحُسين
قال في كتابه لقد شيعني الحُسين عليه السّلام:
لقد شيعني الحُسين عليه السّلام حقيقة، لأنه وضعني على عتبة التشيع، وأتمنى أن يشيعني مرة ثانية، لينطلق بي إلى الفضاءات الأوسع في عالم التشيع.
قالوا في الامام الحسين من غير المسلمين من المستشرقين وغيرهم
المستشرق الإنجليزي ادوار دبروان
قال: وهل ثمة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثاً عن كربلاء؟ وحتى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح التي وقعت هذه المعركة في ظلها.
الكاتب الإنجليزي المعروف كارلس السير برسي سايكوس ديكنز
قال: إن كان الإمام الحُسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية، فإنني لا أدرك لماذا اصطحب معه النساء والصبية والأطفال؟ إذن فالعقل يحكم أنه ضحى فقط لأجل الإسلام.
الهندوسي والرئيس السابق للمؤتمر الوطني الهندي تاملاس توندون
قال: هذه التضحيات الكبرى من قبيل شهادة الإمام الحُسين رفعت مستوى الفكر البشري، وخليق بهذه الذكرى أن تبقى إلى الأبد، وتذكر على الدوام.
الزعيم الهندي غاندي
قال: لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحُسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الحُسين.
موريس دوكابري
قال: يقال في مجالس العزاء أن الحُسين ضحى بنفسه لصيانة شرف وأعراض الناس، ولحفظ حرمة الإسلام، ولم يرضخ لتسلط ونزوات يزيد، إذن تعالوا نتخذه لنا قدوة، لنتخلص من نير الاستعمار، وأن نفضل الموت الكريم على الحياة الذليلة.
توماس ماساريك
قال: على الرغم من أن القساوسة لدينا يؤثرون على مشاعر الناس عبر ذكر مصائب المسيح، إلا أنك لا تجد لدى أتباع المسيح ذلك الحماس والانفعال الذي تجده لدى أتباع الحُسين لا تمثل إلا قشة أمام طود عظيم.
العالم والأديب المسيحي جورج جرداق
قال: حينما جنّد يزيد الناس لقتل الحُسين وإراقة الدماء، وكانوا يقولون: كم تدفع لنا من المال؟ أما أنصار الحُسين فكانوا يقولون لو أننا نقتل سبعين مرة، فإننا على استعداد لأن نقاتل بين يديك ونقتل مرة أخرى أيضاً.
المستشرق الإنجليزي السير برسي سايكوس
قال: حقاً إن الشجاعة والبطولة التي أبدتها هذه الفئة القليلة، على درجة بحيث دفعت كل من سمعها إلى إطرائها والثناء عليها لا إرادياً. هذه الفئة الشجاعة الشريفة جعلت لنفسها صيتاً عالياً وخالداً لا زوال له إلى الأبد.
إنطون بارا
قال في كتابه الحُسين في الفكر المسيحي:
واقعة كر بلاء لم تكن موقعه عسكرية انتهت بانتصار وانكسار بل كانت رمزاً لموقف أسمى لا دخل له بالصراع بين القوة والضعف، بين العضلات والرماح بقدر ما كانت صراعاً بين الشك والإيمان بين الحق والظلم.
وقال أيضاً: آثر الحُسين عليه السّلام صلاح أمة جده الإنسانية الهادية بالحق العادلة به على حياته، فكان في عاشوراء رمزاً لضمير الأديان على مر العصور.
الدكتور بولس الحلو
قال: الحالة الحسينية ليست مقتصرة على الشيعة فحسب، إنما هل عامة وشاملة ولهذا فإننا نجد أن ارتباط الثورة الحسينية بمبدأ مقارعة الظلم جعلها قريبة جداً من الإنسان أيا كانت ديانته وعقيدته لأنه ما دام هناك ظالم ومظلوم فلا بد أن يكون هناك يزيد والحسين كرمزين أساسيين لكل من الجهتين.
شهادته عليه السلام
استشهد في العاشر من المحرّم سنة 61 هـ بأرض كربلاء المقدّسة.
سبب شهادته عليه السلام
قتل عليه السّلام شهيداً في معركة كربلاء، وهو يدافع عن دين جدِّه مُحمّد صلّى الله عليه وآله.
ليلة الشهادة
قضى الإمام الحُسين عليه السّلام وأصحابه رضوان الله عليهم ليلة العاشر من المحرَّم بالصلاة والدعاء، وقراءة القرآن، وكان لهم دويٌّ كدوي النحل، كما كانوا يصلحون سيوفهم ورماحهم، استعداداً لِلِقاء الله تعالى.
يوم الشهادة
طلب الإمام الحُسين عليه السّلام في صباح اليوم العاشر ـ إتماماً للحُجَّة على أعدائه ـ من جيش يزيد، أن ينصتوا إليه لكي يكلِّمهم، إلاَّ أنَّهم أبوا ذلك، وعلا ضجيجهم، وفي النهاية سكتوا، فخطب فيهم معاتباً لهم على دعوتهم له، وتخاذلهم عنه.
كما حدّثهم عليه السّلام بما سيقع لهم بعد قتله على أيدي الظالمين، من ولاة بني أُمية، ممَّا عهد إليه من جدِّه رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأبيه أمير المؤمنين عليه السّلام، وهو ما تحقَّق فعلاً.
وخصَّ في ذلك عمر بن سعد، الذي كان يزيد يمنِّيه بجعله والياً على الري وجرجان، بأنَّ حلمه ذاك لن يتحقّق، وأنَّه سوف يُقتل، ويرفع رأسه على الرمح.
هجوم الأعداء
استحوذ الشيطان على عمر بن سعد ـ قائد الجيش ـ فوضع سهمه في كبد قوسه، ثمّ رمى مخيَّم الإمام الحُسين عليه السّلام، وقال: اِشهدُوا أنِّي أوَّل من رمى، فتبِعَه جنده يُمطرون آل الرسول صلّى الله عليه وآله بوابل من السهام.
فعظم الموقف على الإمام الحُسين عليه السّلام، ثمّ خاطب أصحابه قائلاً: قُومُوا رَحِمكم الله إلى الموتِ الذي لابُدَّ منه، فإنّ هذه السهام رُسل القوم إليكم، فلبّوا رضوان الله عليهم النداء، وانطلقوا كالأسود يحاربون العدو، فاستمرت رحى الحرب تدور في ميدان كربلاء.
وبدأ أصحاب الحُسين عليه السّلام يتساقطون الواحد تلو الآخر، وقد أرهقوا جيش العدو، وأثخنوه بالجراح، فتصايَح رجال عمر بن سعد: لو استمرَّت الحربُ بَيننا، لأتوا على آخرنا، لِنَهجم عليهم مَرَّة واحدة، ولِنرشُفهُم بالنِبال والحجارة.
واستمرَّ الهجوم والزحف نحو من بقي مع الإمام الحُسين عليه السّلام، وأحاطوا بهم من جهات متعدِّدة، فتعالت أصوات ابن سعد ونداءاته إلى جيشه، وقد دخل المعسكر يقتل وينهب، ويقول: اِحرقوا الخيام.
فضجَّت النساء، وتصارخ الأطفال، وعلا الضجيج، وراحت السّنة النار تلتهم المخيَّم، وسكَّانه يفرُّون فزعين مرعوبين، فلم يهدأ سعير المعركة، وراح من بقي من أصحاب الإمام الحُسين عليه السّلام وأهل بيته، يستشهدون الواحد تلو الآخر.
فاستشهد ولده عليّ الأكبر وأخوته، وأبناء أخيه وابن أخته، وآل عقيل وآل عليّ عليه السّلام، مجزَّرين كالأضاحي، وهم يتناثرون في أرض المعركة.
وكذا بدأ شلاَّل الدم ينحدر على أرض كربلاء، وصيحات العطش والرعب تتعالى من حناجر النساء والأطفال.
فركب الإمام الحُسين عليه السّلام جواده، يتقدَّمه أخوه العباس عليه السّلام، وتوجَّه نحو نهر الفرات، ليحمل الماء إلى العيال، فحالت حشود العدو دونه، فأصبح هو في جانب وأخيه في جانب آخر.
وكانت للبطل الشجاع أبي الفضل العباس عليه السّلام صولة ومعركة حامية، طارت فيها رؤوس، وتساقطت فرسان، وهو يصول ويجول في ميدان الجهاد، بعيداً عن أخيه، حتّى خرَّ صريعاً سابحاً بدم الشهادة.
وتعلَّق قلب الإمام الحُسين عليه السّلام بمخيَّمه، وما خلَّفت النار والسيوف بأهله وحرمه.
فراح عليه السّلام ينادي، وقد طوَّقته قوات الأعداء وحالت بينه وبينهم، فصاح بهم: أنَا الَّذي أقاتِلُكم وتقاتلوني، والنِساء لَيسَ عَليهنَّ جُناح، فامْنَعوا عُتاتكم وجهّالكم وطغاتكم من التعرُّض لحَرَمي ما دُمتُ حَيّاً.
إلاَّ أنَّهم استمرّوا في هجومهم على المخيَّم، ولم يعبئوا لكلامه عليه السّلام.
فاستمرَّ الهجوم عنيفاً، والإمام عليه السّلام منهمكاً في قتال أعدائه، إلى أن سدَّد له أحد الأجلاف سهماً، واستقرَّ في نحره الشريف، ثمّ راحت السيوف والرماح تنزل عليه كالمطر الغزير.
فلم يستطع عليه السّلام مقاومة الألم والنزف، فوقع على الأرض، ولم يكفُّوا عنه، لأنَّ روح الحقد والوحشية التي امتلأَت بها جوانحهم لم تسمح بذلك.
بل راح الملعون شمر بن ذي الجوشن، يحمل سيفه ليقطع غصناً من شجرة النبوَّة، وليثكل الزهراء عليها السّلام بأعزِّ أبنائها، ففصل الرأس الشريف عن الجسد، ليحمله هدية للطاغية يزيد.
ذلك الرأس الَّذي طالما سجد لله، وحمل اللِّسان الذي ما فتئ يردّد ذكر الله، وينادي عليه السّلام: لا أعطِيكُم بِيَدي إِعطَاء الذليل، ولا أقرُّ إِقرَار العبيد، الرأس الذي حمل العزَّ والإباء، ورفض أن ينحني للعتاة أو يطأطأ جبهته للظالمين.
ثمّ حلّ السكون على أرض كربلاء الطاهرة، فأتت العقلية زينب الكبرى عليها السّلام إلى الميدان حتّى وقفت على جسد أخيها الحُسين عليه السّلام، ثمّ قالت: اللهم تقبّل منّا هذا القربان.
أهل بيته وأنصاره عليه السلام الذين كانوا معه من الرجال والنساء
1- علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام
2- عليّ الأكبر بن الحُسين
3- العباس بن عليّ إبن أبي طالب
4- عبدالله بن عليّ إبن أبي طالب
5- جعفر بن عليّ إبن أبي طالب
6- عثمان بن عليّ إبن أبي طالب
7- عبدالله بن الحُسين بن علي
8- أبو بكر بن الحسن بن عليّ
9- القاسم بن الحسن بن علي
10- عبدالله بن الحسن بن علي
11- عون بن عبدالله بن جعفر
12- مُحمّد بن عبدالله بن جعفر
13- جعفر بن عقيل
14- عبدالله بن مسلم بن عقيل
15- عبدالله بن عقيل
16- مُحمّد بن أبي سعيد بن عقيل
17- أسلم التركي مولى الحُسين
18- أنس بن الحارث الكاهلي
19- أمّ وهب
20- برير بن خضير
21- بشير بن عمرو الحضرمي
22- جابر بن الحارث السلماني
23- جبلة بن عليّ الشيباني
24- جنادة بن الحارث الانصاري
25- جندب بن جرير الخولاني
26- جون مولى أبي ذر الغفاري
27- جوين بن مالك الضبعي
28- حبيب بن مظاهر الأسدي
29- الحجاج بن مسروق الجعفي
30- الحر بن يزيد الرياحي
31- حلاس بن عمرو الراسبي
32- حنظلة بن أسعد الشيباني
33- خالد بن عمرو بن خالد
34- زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي
35- زهير بن بشر الخثمي
36- زهير بن القين البجلي
37- زيد بن معقل الجعفي
38- سالم بن مولى بني المدينة الكلبي
39- سالم مولى عامر بن مسلم العبدي
40- سعد بن حنظلة التميمي
41- سعد بن عبدالله
42- نافع بن هلال
43- نعمان بن عمرو الراسبي
44- نعيم بن عجلان الأنصاري
45- وهب بن عبدالله الكلبي
46- يحيى بن سليم المازني
47- يزيد بن زياد الكندي
48- يزيد بن نبيط
49- إبراهيم بن الحصين الأزدي
50- أبو عمرو النهشلي
51- حماد بن حماد
52- حنظلة بن عمر السيباني
53- رميث بن عمرو
54- زائد بن مهاجر
55- زهير بن سائب
56- زهير بن سليمان
57- زهير بن سليم الأزدي
58- سليمان بن مضارب البجلي
59- سليمان بن سليمان الأزدي
60- سليمان ابن عون
61- سليمان بن كثير
62- عامر بن جليدة خليدة
63- عامر بن مالك
64- عبد الرحمن ابن يزيد
65- عثمان بن فروة
66- عمر بن كناد
67- عبدالله بن أبي بكر
68- عبدالله بن عروة الغفاري
69- غيلان بن عبد الرحمن
70- قاسم بن الحارث
71- قيس بن عبدالله
72- مالك بن دودان
73- مسلم بن كناد
74- مسلم مولى عامر بن مسلم
75- منيع بن زياد
76- نعمان بن عمرو
77- يزيد ابن مهاجر الجعفي
78- عبدالله بن عمير الكلبي
79- الحجاج بن يزيد السعدي
80- سعيد بن عبدالله الحنفي
81- سوار بن منعم بن حابس
82- سويد بن عمرو الخثعمي
83- سيف بن حارث الجابري
84- سيف بن مالك العبدي
85- شبيب بن عبدالله النهشلي
86- شوذب مولى شاكر
87- ضرغامة بن مالك
88- عابس بن أبي سبيب الشاكري
89- عامر بن حسان بن شريح
90- عامر بن مسلم
91- عبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري
92- عبد الرحمن إبن عبدالله العبدي
93- عبدالله بن يزيد العبدي
94- عمران بن كعب
95- عمار بن أبي سلامة
96- عامر بن حسان الطائي
97- عمرو بن جنادة الأنصاري
98- عمر بن جندب
99- عمرو بن خالد الأزدي
100- عمرو بن خالد الصيداوي
101- عمرو بن عبدالله الجندعي
102- عمرو بن ضبيعة
103- عمرو بن قرظة الأنصاري
104- عمر بن عبدالله أبو ثمامة الصائدي
105- عمرو بن مطاع الجعفي
106- عمير بن عبدالله المذحجي
107- قارب مولى الحسين
108- قاسط بن زهير التغلبي
109- قاسم بن حبيب الأزدي
110- قرة بن أبي قرة الغفاري
111- قعنب بن عمرو
112- كرش بن زهير
113- كنانة بن عتيق
114- مالك بن عبد بن سريع
115- مجمع بن عبدالله العائذي
116- مسعود بن الحجاج وابنه
117- مسلم بن عوسجة
118- مسلم بن كثير الأزدي
119- منجح مولى الحُسين.
ذكر من قتل مع الحسين عليه السلام من أهل بيته وأصحابه
ذكر أسماء من قتل من بني هاشم مع الحُسين عليه السلام وعدد من قتل معه من أصحابه من كل قبيلة من القبائل.
قال أبو مخنف: ولما قتل الحُسين بن عليّ عليه السلام جيئ برؤوس من قتل معه من أهل بيته وشيعته وأنصاره إلى عبيدالله بن زياد فجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً وصاحبهم قيس بن الاشعث، وجاءت هوازن بعشرين رأساً وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن، وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً، وجاءت بنو أسد بستة رؤوس، وجاءت مذحج بسبعة رؤوس، وجاء سائر الجيش بسبعة رؤوس، فذلك سبعون رأساً. قال: وقتل الحُسين وأمّه فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله قتله سنان بن أنس النخعي ثمّ الأصبحي، وجاء برأسه خولى بن يزيد، وقتل العباس بن عليّ بن أبي طالب وأمّه أمّ البنين ابنة حزام بن خالد ابن ربيعة بن الوحيد، قتله زيد بن رقاد رقاد الجنبى وحكيم بن الطفيل السنسى. وقتل جعفر بن عليّ بن أبي طالب وأمّه أمّ البنين أيضاً، وقتل عبدالله بن عليّ بن أبي طالب وأمّه أمّ البنين أيضاً، وقتل عثمان بن عليّ بن أبي طالب وأمّه أمّ البنين أيضاً، رماه خولى بن يزيد بسهم فقتله، وقتل مُحمّد بن عليّ بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد، قتله رجل من بني أبان بن دارم. وقتل أبو بكر بن عليّ بن أبي طالب وأمّه ليلى ابنة مسعود بن خالد بن مالك بن ربعى بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم وقد شك في قتله وقتل عليّ بن الحُسين بن عليّ وأمّه ليلى ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود بن معتب الثقفى، وامها ميمونة ابنة أبي سفيان بن حرب، قتله مرة بن منقد بن النعمان العبدى. وقتل عبدالله بن الحُسين بن على وأمّه الرباب ابنة امرئ القيس ابن عدى بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم من كلب، قتله هاني بن ثبيت الحضرمي، واستصغر عليّ بن الحُسين بن عليّ فلم يقتل، وقتل أبو بكر بن الحسن ابن عليّ بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد قتله عبدالله بن عقبة الغنوى، وقتل عبدالله بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد قتله حرملة بن الكاهن رماه بسهم، وقتل القاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد قتله سعد بن عمرو بن نفيل الأزدي. وقتل عون بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وأمّه جمانة ابنة المسيب بن نجبة بن ربيعة بن رياح من بني فزارة قتله عبدالله بن قطبة الطائي ثمّ النبهاني. وقتل مُحمّد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وأمّه الخوصاء ابنة خصفة بن ثقيف بن ربيعة ابن عائذ بن الحارث بن تيم الله بن ثعلبة من بكر بن وائل قتله عامر بن نهشل التيمى، وقتل جعفر بن عقيل بن أبي طالب وأمّه أمّ البنين ابنة الشقر بن الهضاب قتله بشر بن حوط الهمداني، وقتل عبدالرحمن ابن عقيل وأمّه أمّ ولد قتله عثمان بن خالد بن اسير الجهنى. وقتل مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد بالكوفة، وقتل عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأمّه رقيه ابنة عليّ بن أبي طالب وامها أمّ ولد قتله عمرو ابن صبيح الصدائي، وقيل قتله اسيد بن مالك الحصرمي. وقتل مُحمّد بن أبي سعيد بن عقيل وأمّه أمّ ولد قتله لقيط بن ياسر الجهنى، واستصغر الحسن بن الحسن بن عليّ وامه خولة ابنة منظور بن زيان بن سيار الفزارى، واستصغر عمرو بن الحسن بن عليّ فترك فلم يقتل وأمّه أمّ ولد. وقتل من الموالى سليمان مولى الحُسين بن عليّ قتله سليمان بن عوف الحضرمي، وقتل منجح مولى الحُسين بن عليّ، وقتل عبدالله بن بقطر رضيع الحُسين بن عليّ.
دفنه عليه السلام
دفن الإمام زين العابدين عليه السّلام أبيه الحُسين عليه السّلام، هو وأصحابه البررة في اليوم الثّالث عشر من المحرم في كربلاء.
قبره عليه السلام
وقبره في البقعة المباركة، والربوة التي هي ذات قرار ومعين، بطف كربلاء، بين نينوى والغاضرية، من قرى النهرين،في العراق.
جزاء قاتليه عليه السلام
حكي عن السدِّي قال: أضافني رجل في ليلة كنت أحبُّ الجليس، فرحَّبت به وأكرمته، وجلسنا نتسامر وإذا به ينطلق بالكلام كالسيل إذا قصد الحضيض.
فطرقت له فانتهى في سمره إلى طفِّ كربلاء، وكان قريب العهد من قتل الإمام الحُسين عليه السّلام، فتأوَّهت وتزفَّرت، فقال: ما لك؟ قال السدِّي: ذكرت مصاباً يهون عنده كلّ مصاب.
قال الرجل: أما كنت حاضراً يوم الطفِّ؟ قال السدِّي: لا والحمد لله.
قال الرجل: أراك تحمد، على أيِّ شيء؟!! قال السدِّي: على الخلاص من دم الحُسين عليه السّلام لأنَّ جدَّه صلّى الله عليه وآله قال: إنّ مَن طُولِبَ بدم ولدي الحُسين يوم القيامة لخفيف الميزان.
قال الرجل: هكذا قال جدّه صلّى الله عليه وآله ؟ قال السدِّي: نعم، وقال صلّى الله عليه وآله: ولدي الحُسين يقتل ظلماً وعدواناً، أَلا ومن قتله يدخل في تابوت من نار، ويعذَّب بعذاب نصفِ أهل النار، هو ومن شايع وبايع أو رضي بذلك، كُلَّما نضجت جلودهم بُدِّلوا بجلود غيرها ليذوقوا العذاب، فالويل لهم من عذاب جهنَّم.
قال الرجل: لا تصدِّق هذا الكلام يا أخي؟ قال السدِّي: كيف هذا وقد قال صلّى الله عليه وآله: لا كَذِبتُ وَلا كُذِّبتُ.
قال الرجل: ترى قالوا: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: قاتل ولدي الحُسين لا يطول عمره، وها أنا وحقّك قد تجاوزت التسعين مع أنّك ما تعرفني، قال السدي: لا والله.
قال الرجل: أنا الأخنس بن زيد، قال السدِّي: وما صنعت يوم الطف؟
قال الأخنس: أنا الذي أُمِّرت على الخيل الذين أمرهم عمر بن سعد بوطئِ جسم الحُسين بسنابك الخيل، وهشمت أضلاعه، وجررت نطعاً من تحت عليّ بن الحُسين وهو عليل حتّى كببته على وجهه، وخرمت اُذني صفية بنت الحُسين، لقرطين كانا في أذنيها.
قال السدِّي: فبكى قلبي هجوعاً، وعيناي دموعاً، وخرجت أُعالج على إهلاكه، وإذا بالسراج قد ضعفت، فقمت أزهرها.
فقال: اجلس، وهو يحكي متعجّباً من نفسه وسلامته، ومدَّ إصبعه ليزهرها فاشتعلت به، ففركها في التراب فلم تنطفِ، فصاح بي: أدركني يا أخي فكببت الشربة عليها وأنا غير محبٍّ لذلك، فلمّا شمَّت النار رائحة الماء ازدادت قوَّة، وصاح بي ما هذه النار وما يطفئها؟!
قلت: ألقِ نفسك في النهر، فرمى بنفسه، فكلَّما ركس جسمه في الماء اشتعلت في جميع بدنه كالخشبة البالية في الريح البارح، هذا وأنا أنظره، فو الله الذي لا إله إلاّ هو، لم تُطفأ حتّى صار فحماً، وسار على وجه الماء !!.
وروي عن عبد الله بن رباح القاضي أنّه قال: لقيت رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الإمام الحُسين عليه السّلام، فسئل عن بصره، فقال: كنت شهدت قتله عاشر عشرة غير أنّي لم أطعن برمح، ولم أضرب بسيف ولم أرم بسهم.
فلمّا قُتل عليه السّلام رجعت إلى منزلي وصلَّيت العشاء الآخرة ونمتُ، فأتاني آتٍ في منامي فقال: أجب رسول الله !! فقلت: ما لي وله؟
فأخذ بتلابيبي وجرَّني إليه، فإذا النّبيّ صلّى الله عليه وآله جالس في صحراء، حاسر عن ذارعيه، آخذ بحربة، وملك قائم بين يديه، وفي يده سيف من نار يقتل أصحابي التسعة، فكلَّما ضرب ضربة التهبت أنفسهم ناراً !! فدنوت منه وجثوت بين يديه، وقلت: السّلام عليك يا رسول الله، فلم يردَّ صلّى الله عليه وآله عليّ.
ومكث طويلاً، ثمّ رفع رأسه وقال صلّى الله عليه وآله: يا عدوَّ الله، انتهكت حرمتي، وقتلت عترتي، ولم ترعَ حقِّي، وفعلت وفعلت.
فقلت: يا رسول الله، ما ضربت بسيف، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم، فقال صلّى الله عليه وآله: صدقتَ، ولكنّك كثّرت السواد، أُدنُ مِنِّي، فدنوت منه، فإذا بطشت مملوء دماً.
فقال صلّى الله عليه وآله لي: هذا دم ولدي الحُسين، فكحَّلني من ذلك الدم، فاحترقت عيناي، فانتبهت لا أبصر شيئاً.
ورؤِي رجل بلا يدين ولا رجلين، وهو أعمى يقول: ربِّي نجِّتي من النار، فقيل له: لم يبقَ عليك عقوبة، وأنت تسأل النجاة من النار؟!
قال: إنّي كنت فيمن قاتل الحُسين عليه السّلام في كربلاء، فلمّا رأيت عليه سراويل وتكَّة حسنة، فأردت أن أنتزع التكَّة، فرفع يده اليمنى ووضعها على التكَّة، فلم أقدر على رفعها، فقطعت يمينه عليه السّلام.
ثمّ أردت أنتزاع التكَّة فرفع شماله ووضعها على التكّة، فلم أقدر رفعها فقطعت شماله عليه السّلام، ثمّ هممت بنزع السراويل، فسمعت زلزلة فخفت وتركته، فألقى الله عليّ النوم فنمت بين القتلى.
فرأيت كأنَّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله أقبل، ومعه عليّ وفاطمة والحسن عليهم السّلام، فأخذوا رأس الحُسين عليه السّلام فقبّلته فاطمة عليها السّلام وقالت: يا بني قتلوك !! قتلهم الله.
وكأنَّه عليه السّلام يقول: ذَبَحَنِي شمرٌ، وقطع يدي هذا النائم، وأشار إليَّ، فقالت لي فاطمة عليها السّلام: قَطعَ الله يديكَ ورجليكَ، وأعمى بصرك، وأدخلك النار.
فانتبهت وأنا لا أبصر شيئاً، ثمّ سقطت يداي ورجلاي، فلم يبقَ من دعائها إلاّ النار.
دفن جسد الامام وباقي شهداء الطف عليهم السلام
بقيت جثّة الإمام الحسين عليه السّلام، وجثث أهل بيته وأصحابه بعد واقعة الطف مطروحة على أرض كربلاء، ثلاثة أيّام بلا دفن، تصهرها حرارة الشمس المحرقة، وفي العراء تسفي عليها الرياح، قال أحد الشعراء حول مصرع الإمام الحسين عليه السّلام:
هذا حسيـن بالحديـد مقطّـع** متخضّب بدمائـه مستشهـد
عار بلا كفن صريع في الثرى** تحت الحوافر والسنابك مقصد
والطيّبون بنوك قتلـى حولـه** فوق التراب ذبائـح لا تلحـد
الإمام السجاد وبنو أسد تدفن الحسين عليه السلام وباقي أجساد الشهداء
ما عتمت عشية اليوم الثاني عشر من المحرم سنة 61 هـ ـ أي اليوم الثالث على استشهاد الإمام وصحبه وآله ـ إلا وكانت قد عادت العشائر التي كانت تحيط بمنطقة القتال في كربلاء، والتي كانت قد ضعنت موقتاً عنها بمناسبة القتال، وهي عشائر بني عامر من قبائل بني أسد من سكان قريتي الغاضرية ونينوى، وكانت أكثريتها تشايع آل بيت النبوة صلّى الله عليهم وآله وتوالي الحركة الحسينية، خرج رجالها يتفحَّصون القتلى، ويتتبَّعون أنباء الواقعة بعد رحيل جيش عمر بن سعد إلى الكوفة، فلمّا نظروا إلى الأجساد وهي مقطّعة الرؤوس، تحيّروا في دفنها، فبينما هم كذلك إذ جاء الإمام زين العابدين عليه السّلام بمعجزة طي الأرض إلى أرض كربلاء . وقد وصفت كتب التاريخ بايجاز حادث دفن هذه الأجساد.
قال السيّد المقرّم: ولمّا أقبل السجّاد عليه السّلام وجد بني أسد مجتمعين عند القتلى متحيّرين لا يدرون ما يصنعون، ولم يهتدوا إلى معرفتهم، وقد فرق القوم بين رؤوسهم وأبدانهم، وربما يسألون من أهلهم وعشيرتهم ! فأخبرهم عليه السّلام عمّا جاء إليه من مواراة هذه الأجساد الطاهرة، وأوقفهم على أسمائهم، كما عرّفهم بالهاشميين من الأصحاب فارتفع البكاء والعويل، وسالت الدموع منهم كل مسيل.
ثم مشى الإمام زين العابدين عليه السّلام إلى جسد أبيه واعتنقه وبكى بكاءً عالياً، وأتى إلى موضع القبر ورفع قليلاً من التراب فبان قبر محفور وضريح مشقوق، فبسط كفّيه تحت ظهره وقال: بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله، صدق الله ورسوله، ما شاء الله لا حوّل ولا قوّة إلاّ بالله العظيم، وأنزله وحده لم يشاركه بنو أسد فيه، وقال لهم: إنّ معي من يعينني، ولمّا أقرّه في لحده وضع خدّه على منحره الشريف قائلاً: طوبى لأرض تضمّنت جسدك الطاهر، فإنّ الدنيا بعدك مظلمة، والآخرة بنورك مشرقة، أمّا الليل فمسهّد، والحزن سرمد، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي فيها أنت مقيم، وعليك منّي السّلام يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته .
وكتب على القبر: هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام، الذي قتلوه عطشاناً غريباً .
ثم مشى إلى عمّه العباس عليه السّلام فرآه بتلك الحالة التي أدهشت الملائكة بين أطباق السّماء، وأبكت الحور في غرف الجنان، ووقع عليه يلثم نحره المقدّس قائلاً: على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم، وعليك منّي السّلام من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته.
وشق له ضريحاً وأنزله وحده كما فعل بأبيه الشّهيد، وقال لبني أسد: إنّ معي من يعينني! نعم ترك مساغاً لبني أسد بمشاركته في مواراة الشّهداء، وعيّن لهم موضعين وأمرهم أن يحفروا حفرتين، ووضع في الأُولى بني هاشم، وفي الثانية الأصحاب وأمّا الحر الرياحي فأبعدته عشيرته إلى حيث مرقده الآن.
وبعدما أكمل الإمام عليه السّلام دفن الأجساد الطاهرة، عاد إلى الكوفة والتحق بركب السبايا .
وهكذا لم تمرالأيام والأسابيع والشّهور والسّنوات إلاّ وأصبحت تلك القبور مزاراً تجرى عليها الخيرات، وتتلى عليها المدائح، وتقام حولها المناحات في السر والعلن، وتتردد ذكرى هذه الفاجعة الأليمة التّاريخية حول تلك القبور وفي البلدان الاسلامية بأقطارها المختلفة في جميع بقاع الأرض، وتسير مواكب العزاء، وينشد الرثاء، وتمثل الواقعة، وتجدد حوادث المجزرة الرِهيبة.
موضع دفن رأس الإمام الحسين عليه السلام
مأساة كربلاء بقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحُسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأهل بيته وأصحابه في العاشر من شهر محرم الحرام سنة 61 هـ، وسبي عياله وأخذهم أسارى مع رؤوس القتلى الى يزيد بن معاوية في الشام، مأساة كبرى ألمت بالمسلمين وهزت مشاعرهم في كل مكان، وفضحت أمر حكام الجور من بني أمية وأظهرتهم على حقيقتهم. وقد ملئت كتب التاريخ تفاصيل تلك الجريمة الشنعاء بحق آل البيت الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وجعل مودتهم ضرورة وواجبا على المسلمين، وأجرا للرسول ص على ما تحمله في سبيل نشر الدعوة، إذ قال تعالى في محكم كتابه العزيز "قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى"
ولما بلغ نبأ قتل الحُسين وأصحابه الى يزيد، وأن الرؤوس محمولة إليه، أنشد يقول:
لما بدت تلك الحمول وأشرفت ** تلك الرؤوس على ربى جيرون
نعق الغراب فقلت صح أو لا تصح ** فلقد قضيت من النّبيّ ديونـي
وما إن وصلت إليه تلك الرؤوس الشريفة مع السبايا من بنات الرسول صلّى الله عليه وآله، حتّى أعلن ذلك اليوم عيداً في الشام، وجمع رجالها في مجلس فرح وسرور بدار الامارة، ووضع رأس الحُسين في طشت أمامه وبيده خيزران ينكث بها على ثنايا الإمام عليه السلام وهو يتغنى بأبيات عبد الله ابن الزّعبرى، وينشد
ليت أشياخي ببـدر شــهدوا ** جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القرن من ساداتهم ** وعدلـناه ببــدر فاعتـــدل
ثمّ أضاف:
فأهـلّوا واستهـلّوا فرحـا ** ثمّ قـالوا يا يزيد لا تُشـل
لعبت هاشم بالملـك فــلا ** خبر جـاء ولا وحـي نزل
لست من خندف إن لم أنتقم ** من بني أحمد ما كان فعـل
وما دامت بعد ذلك أيامه وانتهى معها دور بني أمية ومن تبعهم، وتاه يزيد وأبوه إسما ومعنى ولم يبق لهم إلا الخمول والفساد من ظلمهم وجورهم وفسقهم وفجورهم، وفي المقابل تمر الايام والسنون، وبقي الحُسين عليه السلام رمزا للتضحية والاباء والفداء وحاميا وحافظا لدين الله بدمه الطاهر، وصدق في ذلك قول رسول الله ص "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا" كما بقي مرقده الشريف بكربلاء مشعل نور يضيء ويهتدي اليه الملايين من المسلمين من أقصى نقاط العالم للتشرف بأداء التحية والسلام عليه وعلى أهل بيته وصحبه الكرام الراقدين حوله، وللتبرك بذلك المكان المقدس. ولكن بقي الناس الى يومنا هذا يتساءلون، أين دفن رأس الحُسين؟ وقد كثرت واختلفت في ذلك أقوال المؤرخين في المكان الذي حظي بشرف دفن الرأس الشريف، منها:
المدينة المنورة
ذهب فريق من المؤرخين الى أن الرأس الشريف دفنه حاكم المدينة في البقيع الى جانب أمه عليها السلام. كما يروي سبط ابن الجوزي في قول عن ابن سعد، أنه دفن بالمدينة عند قبر أمه فاطمة "لما وصل المدينة كان عمرو بن سعيد بن العاص واليا عليها فوضعه بين يديه وأخذ بأرنبة أنفه، ثمّ أمر به فكفن ودفن عند أمه فاطمة" وذكر الشعبي: أن مروان بن الحكم كان بالمدينة فأخذه وتركه بين يديه وتناول أرنبة أنفه وقال:
ياحبذا بُردُك في اليدين ** ولونك الأحمر في الخدين
ويضعف هذا القول
أولا: بأنه مبني على إثبات القول بوصول الرأس الى المدينة، وعدم انتقاله في الطريق بين الشام والمدينة الى كربلاء مع زيارة الأهل للقبور كما سيأتي، كما أن مسألة تعيين موضع دفنه الى جانب أمه إشكال آخر، حيث الاختلاف القائم على محل دفن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام بين منزلها، وما بين قبره ومحرابه صلّى الله عليه وآله في المسجد، وبين دفنها في البقيع ومن دون تحديد المكان.
سوريا
ذهب جمهور من المؤرخين الى أن الرأس الشريف قد دفن في دمشق بعد وصوله اليها من كربلاء، إلا أنهم اختلفوا في تحديد المكان الذي دفن فيه، فمنهم من قال أنه دفن في حائط بدمشق، أو في دار الامارة، أو في المقبرة العامة لدفن المسلمين. وهناك قول بدفنه في داخل باب الفراديس، المكان المعروف اليوم بمسجد الرأس، في جامع دمشق، المحل المعروف بـ "رأس الحُسين" ويزوره الناس، كما أن هناك أقوالا أخر.
وإختلاف الامكنة المتعددة لمحل الدفن دليل الضعف، ولعل مرد ذلك كله الى ما كان متداولا على ألسن الناس من يوم ورود الرأس الى الشام، وما يتناقلونه فيما بينهم من أخبار السبايا وموضع الرأس وإنتقاله من محل الى آخر، بين مدخل المدينة حيث إجتمع الناس للنظر الى السبايا، وبين دار الامارة، ومحل إقامة السبايا، وغيرها من المواضع، كما قيل بوضعه في خزانة يزيد، مما أشكل الامر على الرواة وبعض المؤرخين في مسألة الفرق بين موضع الرأس ومحل دفنه، كما يظهر ذلك بوضوح لزيارة الناس الى مرقد رأس الحُسين في مدينة حلب، فهو مشهد وضع فيه الرأس الشريف في طريقه الى الشام، من كربلاء الى الكوفة الى الموصل حيث دخل مدينة حلب قبل الوصول الى الشام. وهناك قول بنقل الرأس الى حلب من بعد الشام
مصر
ذهب بعض المؤرخين الى أن الرأس الشريف قد حظيت به القاهرة، وذكر في كيفية نقله اليها قولان: الاول هو ما ذكره الشعراني من أن العقيلة زينب بنت عليّ عليها السلام نقلته الى مصر ودفنته فيها ، والقول الثاني هو ما أفاده المقريزي من أن الرأس نقله الفاطميون من باب الفراديس -في دمشق- الى عسقلان ومنها حمل الى القاهرة من طريق البحر، في اليوم العاشر من شهر جمادى الآخرة من سنة 548هـ، وقد قام بذلك سيف المملكة مع القاضي المؤتمن بن مسكين، أيام المستنصر بالله العبيدي صاحب مصر، وجرى له استقبال ضخم.
أما القول الاول فهو ضعيف ولم يذكره غير الشعراني، على أن سفر العقيلة زينب الى مصر كان بفترة طويلة بعد عودتها الى المدينة من سبيها فى الشام، ولا يعقل أنها احتفظت بالرأس كل تلك المدة لتدفنه بعدئذ في مصر، ولم تذكر رواية أنها دفنته ومن ثمّ أخرجته لتنقله معها الى مصر.
وأما ما نقله المقريزي، فانه يتوقف أولا على إثبات وجود الرأس الشريف في باب الفراديس في المدة الفاصلة بين عام 61 الى 548 هـ، حتّى يصدق أن المنقول هو رأس الحُسين عليه السلام، وهو غير ثابت، حتّى وإن ثبت صحة خبر ما قام به الفاطمييون.
فارس
وقد ذكر ذلك أحمد عطية. ولعل المصدر هو ما ورد من أن أبا مسلم الخراساني لما استولى على دمشق نقل الرأس الشريف منها الى مرو، فدفن بها في دار الامارة ثمّ بني عليه رباطاً، وهو قول شاذ لم يذكره أحد من المؤرخين المعتبرين ولا دليل عليه، وهو كالقول بنقل الرأس الشريف الى مصر متوقف أولا على بقاء الرأس في الشام، وهو غير ثابت، حتّى يثبت فيما بعد نقله الى مكان آخر.
وتقول الدكتورة سعاد ماهر: "القول بوجود الرأس برباط مدينة مرو بخراسان، منقوض من أساسه، لأن أبا مسلم الخراساني الذي قيل أنه نقل الرأس من دمشق لما استولى عليها وبنى عليه الرباط بمرو، لم يكن موجوداً بالشام وقت فتحها، ولأنه من غير المقبول أن يأذن الخليفة عبد الله بن عليّ بن العباس لمولاه أبا مسلم بنقل الرأس الشريف لكي يدفنه بمرو، ولأن الخليفة نفسه لو ظفر بالرأس لأظهره للناس ليزداد الناس غضباً من بني أمية"
النجف
نقلت مجموعة من الأخبار عن الإمام الصادق عليه السلام على أن الرأس الشريف دفن في الغري، ولكن التعبير في بعضها بأنه موضع الرأس لا يدل على أنه قد دفن فيه، مضافاً الى ملاحظة أسانيدها.
كربلاء
اشتهر هذا القول عند فريق كبير من علماء المسلمين من الفريقين، فمن أهل السّنة ما ذهب اليه الشبراوي والقزويني وابو ريحان البيروني، حيث يقول "في العشرين من صفر رُد الرأس الى جثته فدفن معها"، وابن الجوزي، حيث يقول "واختلفوا في الرأس على اقوال، اشهرها انه رده الى المدينة مع السبايا، ثمّ رد الى الجسد بكربلاء فدفن معه، قاله هشام وغيره". كما ينقل ابن شهر آشوب في مناقبه من أنه المشهور بين الشيعة وينقل رأي السيد المرتضى والشيخ الطوسي.
وقد نص على ذلك علماء الشيعة ومحدثوهم كالمجلسي وابن نما، وذكر السيد رضي الدين عليّ بن طاووس أن عمل الطائفة على ذلك. وهذا القول هو المشهور والمعروف عند الشيعة الامامية من أن الرأس الشريف قد أعيد الى كربلاء ودفن مع الجسد الطاهر، ولعل علماء الشيعة الامامية معنيون بالاهتمام والبحث عن هذه الجهة أكثر من غيرهم، ذلك أنهم أكثرتتبعاً لهذه المسألة بحثاً وسؤالاً منذ فصل الرأس الشريف عن الجسد.
مدفن الرأس
أما كيفية نقل الرؤوس الشريفة الى كربلاء ودفنها مع الأجساد الطاهرة فحسبما هو المعروف من أن الإمام زين العابدين عليه السلام طلبها من يزيد وهو أجابه، ذلك لمّا أخذ يزيد يتطلب مرضاة الإمام عليه السلام، بعد أن علم الناس واقع الامر، بأن المقتول هو الحُسين بن بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، والمسبيات لسن من الخوارج كما كان يدعي يزيد، وإنما هن بنات الوحي والرسالة، فنقموا عليه وكرهوا فعلته، وصار يزيد يتنصل من ذلك ويضع اللوم على واليه في الكوفة عبيد الله بن زياد في قتله للحسين وأصحابه، وأنه هو لم يأمرهم بذلك، وخيّر الإمام زين العابدين عليه السلام والعيال بالبقاء في الشام أو الرحيل منها، وقد أختاروا الرحيل، فأمر بتجهيز الراحلة مع الدليل ومعهم النعمان بن بشير الانصاري، فلما وصل الركب الى مفرق طريقين يؤدي أحدهما الى العراق والاخر الى المدينة - وهي منطقة في الحدود بين الشام والاردن والعراق تعرف حتّى اليوم باسم "المفرق" - سأل الدليل الإمام عليه السلام الى أين يتجه بالركب؟ فسأل الإمام عمته العقيلة زينب، فقالت عليها السلام: قل للدليل يعرج بنا الى كربلاء لنجدد عهداً بقتلانا وندفن الرؤوس، ووصل الركب الى موضع القتل بكربلاء في يوم العشرين من شهر صفر 61 هـ، أي بعد أربعين يوماً من الواقعة، وعندها دفن الإمام الرؤوس مع الأجساد، ومن ذلك أثر عند الشيعة فيما بعد زيارة الحُسين في يوم الاربعين، وكذلك جلوسهم لقراءة القرآن والترحم على موتاهم بعد مرور أربعين يوماً على وفاتهم.
ويؤكد ذلك ما نقله المجلسي عن السيد ابن طاووس "ولما رجعت نساء الحُسين عليه السّلام وعياله من الشام وبلغوا الى العراق قالوا للدليل مرّ بنا على طريق كربلا فوصلوا الى موضع المصرع فوجدوا جابر بن عبد الله الانصاري وجماعة من بني هاشم ورجلا من آل رسول الله قد وردوا لزيارة قبر الحُسين فوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم وأقاموا المأتم المقرحة للأكباد واجتمع اليهم نساء ذلك السواد وأقاموا على ذلك أياماً"
كما أن هناك قولا آخر بان الإمام زين العابدين لما وصل مع الركب من الشام الى المدينة كان الرأس الشريف معه وقد دخل بشير بن حذلم قبله الى المدينة ناعياً الحُسين عليه السلام، حيث أنشد:
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها ** قُـتل الحُسين فأدمــعي مدرار
الجسم منه بكربـــلاء مضرّج ** والرأس منه على القناة يدار
ويؤيد ذلك، فيما لو صحت رواية طلب الإمام زين العابدين عليه السلام من حاكم المدينة عمرو بن سعيد بن العاص، الرؤوس ليواريها مع الاجسام فأجابه الى ذلك، فأخذها ورجع الى كربلاء وواراها مع الاجساد الطاهرة ولكن ذلك متوقف على رد الروايات المتقدمة وإثبات وصول الرأس الى المدينة أولاً، ومجرد نعي بشير بن حذلم لا يدل على وجود الرأس مع الإمام، فلعل المراد هو أن الرأس الشريف قد دار في البلاد من كربلاء الى الكوفة الى الشام وفي طريق العود حتّى المدفن. أو أن تكون الرواية صحيحة وفي نهاية المطاف فهي مؤيدة لدفن الرأس الشريف في كربلاء.
هذه بعض الاقوال المذكورة في مواراة الرأس الشريف، وقد شيد في أغلب تلك المواضع مزارات يطوف بها المسلمون، وهي موضع اعتزاز وفخر وتقدير لكل بلد أو مكان حظي بهذه النسبة. وعلى أي حال من الأحوال وصحة أية رواية من عدمها لتعيين مكان دفن الرأس الشريف، فان الحُسين عليه السلام قائم في عواطف الناس وقلوبهم وفي أعماق النفوس قبره روحاً وجسداً ورأساً، وصورة الحُسين عليه السلام في الاذهان إنما هي أسمى صورة قدسها ويقدسها الناس في جميع الازمنة والبلاد من المسلمين وغيرهم، وقد اشتهر عن محرر الهند المناضل المعروف غاندي قوله "تعلمت من الحُسين كيف أكون مظلوما فأنتصر"، وسئل أبو بكر الآلوسي عن موضع رأس الحُسين فقال:
لا تطلبوا رأس الحُسين ** بشرق أرض أو بغرب
ودعوا الجميع وعرجوا ** نحوي فمشهده بقلبي.
زيارته عليه السلام
السّلام عليك يا وارث آدم صفوة الله السّلام عليك يا وارث نوحٍ نبي الله السّلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله السّلام عليك يا وارث موسى كليم الله السّلام عليك يا وارث عيسى روح السّلام عليك يا وارث مُحمّد حبيب الله السّلام عليك يا وارث أمير المؤمنين عليه السّلام، السّلام عليك يا بن مُحمّد المصطفى السّلام عليك يا بن عليّ المرتضى السّلام عليك يا بن فاطمة الزهراء السّلام عليك يا بن خديجة الكبرى السّلام عليك يا ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأطعت الله ورسوله حتّى أتاك اليقين فلعن الله أمةً قتلتك ولعن الله أمةً ظلمتك ولعن الله أمةً سمعت بذلك فرضيت به يا مولاي يا أبا عبد الله أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها وأشهد أنك من دعائم الدين وأركان المؤمنين وأشهد أنك الإمام البر التقي الرضي الزكي الهادي المهدي وأشهد أن الأئمة من ولدك كلمة التقوى وأعلام الهدى والعروة الوثقى والحجة على أهل الدنيا وأشهد الله وملائكته وأنبيائه ورسله أني بكم مؤمنٌ وبإيابكم موقنٌ بشرايع ديني وخواتيم عملي وقلبي لقلبكم سلمٌ وأمري لأمركم متبعٌ صلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وعلى أجسادكم وعلى أجسامكم وعلى شاهدكم وعلى غائبكم وعلى ظاهركم وعلى باطنكم [ثمّ انكبّ على القبر وقبله وقل] بأبي أنت وأمي يا بن رسول الله بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله لقد عظمت الرزية وجلت المصيبة بك علينا وعلى جميع أهل السماوات والأرض فلعن الله أمةً أسرجت والجمت وتهيّأت لقتالك يا مولاي يا أبا عبد الله قصدت حرمك وأتيت إلى مشهدك أسأل الله بالشأن الذي لك عنده وبالمحل الذي لك لديه أن يصلي على مُحمّد وآل مُحمّد وان يجعلني معكم في الدنيا والآخرة.
ثمّ قم فصل ركعتين عند الرأس اقرأ فيها ما أحببت فإذا فرغت من صلاتك فقل: اللهم إني صليت وركعت وسجدت لك وحدك لا شريك لك لأن الصلاة والركوع والسجود لا يكون إلا لك لأنك أنت الله لا إله إلا أنت اللهم صل على مُحمّد وآل مُحمّد وابلغهم عني أفضل السّلام والتحية واردد عليّ منهم السّلام اللهم وهاتان الركعتان هديةٌ مني إلى مولاي الحُسين بن عليّ عليهما السّلام اللهم صل على مُحمّد وعليه وتقبّل مني وأجرني على ذلك بأفضل أملي ورجائي فيك وفي وليك يا ولي المؤمنين.
فضل زيارته عليه السلام
اعلم أن فضل زيارة الحُسين عليه السّلام مما لا يبلغه البيان وفي روايات كثيرة أنّها تعدل الحجّ والعمرة والجهاد بل هي أفضل بدرجات تورث المغفرة وتخفيف الحساب وارتفاع الدرجات وإجابة الدعوات وتورث طول العمر والانخفاظ في النفس والمال وزيارة الرزق وقضاء الحوائج ورفع الهموم والكربات وتركها يوجب نقصاً في الدين وهو ترك حقّ عظيم من حقوق النّبيّ صلّى الله عليه وآله وأقلّ ما يؤجر به زائره هو ان يغفر ذنوبه وان يصون الله تعالى نفسه وماله حتّى يرجع إلى أهله فإذا كان يوم القيامة كان الله له احفظ من الدنيا وفي روايات كثيرة ان زيارته تزيل الغمّ وتهون سكرات الموت وتذهب بهول القبر وانّ ما يصرف في زيارته عليه السّلام يكتب بكلّ درهم منه ألف درهم بل عشرة آلاف درهم وان الزائر إذا توجه إلى قبره عليه السّلام استقبله أربعة آلاف ملك فإذا رجع منه شايعته وان الأنبياء والأوصياء والأئمة المعصومين والملائكة سلام الله عليهم أجمعين يزورون الحُسين عليه السّلام ويدعون لزّواره ويبشرونهم بالبشائر وان الله تعالى ينظر إلى زوار الحُسين صلوات الله وسلامه عليه قبل نظره إلى من حضر عرفات وانه إذا كان يوم القيامة تمنّى الخلق كلهم ان كانوا من زوّاره عليه السّلام لما يصدر منه عليه السّلام من الكرامة والفضل في ذلك اليوم والأحاديث في ذلك لا تحصى وسنشير إلى جملة منها:
في حديث أبي حمزة الثمالي عن الصادق صلوات الله عليه في زيارة الحُسين عليه السّلام انه قال: إذا بلغت نينوى فحط رحلك هناك ولا تدهن ولا تكتحل ولا تأكل اللحم ما أقمت فيه.
فالروايات في فضله كثيرة وفي رواية عن الصادق صلوات الله وسلامه عليه قال: من اغتسل بماء الفرات وزار قبر الحُسين عليه السّلام كان كيوم ولدته أمه صفراً من الذنوب ولو اقترفها كبائر.
وروى انه قيل له عليه السّلام: ربما أتينا قبر الحُسين بن عليّ عليهما السّلام فيصعب علينا الغسل للزيارة من البرد أو غيره فقال عليه السّلام: من اغتسل في الفرات وزار الحُسين عليه السّلام كتب له من الفضل ما لا يحصى وعن بشير الدهان عن الصادق عليه السّلام قال: من أتى قبر الحُسين بن عليّ عليهما السّلام فتوضأ واغتسل في الفرات لم يرفع قدماً ولم يضع قدماً إلاّ كتب الله له حجة وعمرة وفي بعض الروايات أئت الفرات واغتسل بحيال قبره وكما يستفاد من بعض الروايات يحسن إذا بلغ الفرات ان يقول مئة مرة الله أكبر ومئة مرة لا إله إلا الله ويصلّي على مُحمّد وآله مئة مرة.