اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم والعن أعدائهم

نسبه الشّريف عليه السلام
الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المُطلب بن هشام بن عبد مُناف بن قُصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن مرّة بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خُزيمة مدرك بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان عليهم السّلام.
قال الشّاعر:
نَسَبٌ كأنَّ عليه مِنْ شَمسِ الضّحَى نُوراً ومِنْ فلق الصّباحِ عَمُودا
والدته: هي فاطمة الزّهراء (عليها السلام)، الحورية الإنسيّة، الرّاضية المرضيّة، بهجة قلب المُصطفى، وزوجة المُرتضى، وأمّ السبطين الحسن والحسين، الصّدّيقة الطّاهرة، المظلومة المقهورة، المباركة الزّكيّة، المحدثة المعصومة، سيدة نساء العالمين، فاطمة بنت مُحمّد صلّى الله عليه وآله.

ولادته عليه السلام
عن الأصبغ بن نباتة، قال: ولدت فاطمة ابنها الحسن بن عليّ, في النّصف من شهر رمضان, سنة ثلاث من الهجرة، وقيل: سنة اثنتين من الهجرة. وكانت ولادته عليه السّلام في المدينة.
وعن قتادة، قال: ولدت فاطمة الحسن بعد اُحد بسنتين, وكان بين وقعة اُحد وبين مقدم النّبي صلّى الله عليه وآله, سنتان وستة أشهر ونصف.

وعن سودة بنت مسرح, قالت: كنت فيمن حضر فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله حين ضربها المخاض، قالت: فأتانا رسول الله صلّى الله عليه وآله, فقال: كيف هي ابنتي فديتها؟ قالت: قُلت: إنّها لتجهد يا رسول الله، قال: فإذا وضعت, فلا تسبقني به بشيء. قالت: فوضعته فسررته ولففته في خرقة صفراء, فجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله, فقال: ما فعلت ابنتي فديتها؟ وما حالها؟ وكيف هي؟ فقُلت: يا رسول الله, وضعته وسررته ولففته في خرقة صفراء. فقال: لقد عصيتني. قالت: قُلت: أعوذ بالله من معصية الله ومعصية رسول الله صلّى الله عليه وآله, سررته يا رسول الله، ولم أجد من ذلك بُدّاً. قال: آتيني به. قالت: فأتيته به, فألقى عنه الخرقة الصّفراء ولفّه في خرقة بيضاء وتفل في فيه وألباه بريقه, قالت: فجاء عليّ عليه السّلام, فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما سمّيته يا عليّ؟ قال: سمّيته جعفراً يا رسول الله، قال: لا, ولكنّه حسن وبعده حُسين, وأنت أبو الحسن والحُسين.
وقيل: جاءت به اُمّه فاطمة سيّدة النّساء عليها السّلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم السّابع من مولده في خرقة من حرير الجنّة, نزل بها جبرئيل إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فسمّاه حسناً، وعقّ عنه كبشاً. وقُبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وله سبع سنين وأشهر، وقيل: ثمان سنين.

أسماؤه عليه السلام

أوّلا أسماؤه في السماء
عن جابر قال: قال النّبي صلّى الله عليه وآله: سُمّي الحسن حسناً؛ لأنّ بإحسان الله قامت السّماوات والأرضون، واشتقّ الحُسين من الإحسان، وعليّ والحسن اسمان من أسماء الله تعالى, والحُسين تصغير الحسن.
وعن عبد الله بن عيسى، عن جعفر بن مُحمّد، عن أبيه عليه السّلام, قال: أهدى جبرائيل عليه السّلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله اسم الحسن بن عليّ عليه السّلام, وخرقة حرير من ثياب الجنّة, واشتّق اسم الحُسين من اسم الحسن عليه السّلام.
وعن جابر بن عبدالله, قال: لمّا ولدت فاطمة الحسن عليهما السّلام, قالت لعليّ: سمّه. فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلّى الله عليه وآله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما كنت لأسبق باسمه ربّي عزّ وجلّ. فأوحى الله جلّ جلاله إلى جبرئيل عليه السّلام: إنّه قد ولد لمُحمّد ابن فاهبط إليه وهنّئه وقُل له: إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون. فهبط جبرئيل عليه السّلام, فهنّأه من الله تعالى جلّ جلاله، ثمّ قال: إنّ اللهّ تعالى يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون. قال: وما كان اسمه؟ قال: شبّر. قال: لساني عربي. قال:سمه الحسن. فسمّاه الحسن.
وعن عمران بن سلمان، وعمرو بن ثابت، قالا: الحسن والحُسين اسمان من أسامي أهل الجنّة, ولم يكونا في الدّنيا.
وحكى أبو الحُسين النّسابة: كأنّ الله عزّ وجلّ حجب هذين الاسمين عن الخلق، يعني حسناً وحُسيناً، حتّى تسمّى بهما ابنا فاطمة عليها السّلام، فإنّه لا يُعرف أنّ أحداً من العرب تسمّى بهما في قديم الأيام إلى عصرهما, لامن ولد نزار ولا اليمن مع سعة أفخاذهما, وكثرة ما فيهما من الأسامي.

ثانياً : أسماؤه عليه السلام على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم
بالإسناد عن سالم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّي سمّيت ابني هذين باسم ابني هارون شبّراً وشبيراً.
وعن سلمان، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: سمّى هارون ابنيه شبّراً وشبيراً، وإنّي سمّيت ابني الحسن والحُسين.
وعن مُحمّد بن عليّ بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال النّبي صلّى الله عليه وآله: يا فاطمة, اسم الحسن والحُسين كابني هارون شبّر وشبير؛ لكرامتهما على الله عزّ وجلّ.
وعن سودة بنت مسرح، كما في الحديث المتقدّم، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما سمّيته يا عليّ؟ قال: سمّيته جعفراً يا رسول الله، قال: لا, ولكنّه حسن وبعده حُسين, وأنت أبو الحسن والحُسين.

ثالثاً : أسماؤه عليه السلام في التوراة والانجيل
عن أبي هريرة، قال: قدم راهب على قعود به, فقال: دلّوني على منزل فاطمة عليها السّلام. قال: فدلوه عليها، فقال لها: يا بنت رسول الله, اخرجي إليّ ابنيك. فأخرجت إليه الحسن والحُسين, فجعل يُقبّلهما ويبكي ويقول: اسمهما في التّوراة شُبّر وشُبير, وفي الإنجيل طاب وطيب. ثمّ سأل عن صفة النّبي صلّى الله عليه وآله, فلمّا ذكروه, قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله, وأشهد أنّ مُحمّداً رسول الله صلّى الله عليه وآله.

كُناه عليه السلام
من أشهر كُناه صلوات الله عليه:
"أبو مُحمّد وأبو القاسم"

ألقابه الشريفة عليه السلام
من ألقاب الإمام عليه السّلام: السّيد، والسّبط، والأمين، والحُجّة، والبرّ، والتّقي، والأمير، والزّكي، والمُجتبى، والسّبط الأوّل، والزّاهد.

صفاته عليه السلام
من صفات الإمام عليه السّلام: إنّه كان أبيض اللون، مُشرباً بحمرة، واسع العينين، كثّ اللحية، ليس بالطّويل ولا بالقصير، مليحاً، عليه سيماء الأنبياء.
عن عليّ عليه السّلام قال: أشبه الحسن رسول الله صلّى الله عليه وآله ما بين الصّدر إلى الرّأس, والحُسين أشبه النّبي صلّى الله عليه وآله ما كان أسفل من ذلك.
وعن أحمد بن مُحمّد بن أيوب المغيري, قال: كان الحسن بن عليّ عليهما السّلام أبيض مُشرباً بحُمرة، أدعج العينين، سهل الخدّين، دقيق المسربة, كثّ اللحية، ذا وفرة، وكأنّ عنقه إبريق فضّة، عظيم الكراديس، وبعيد ما بين المنكبين، ربعة ليس بالطّويل ولا القصير، مليحاً من أحسن النّاس وجهاً، وكان يخضب بالسّواد، وكان جعد الشّعر، حسن البدن.

زوجاته عليه السلام
تزوج الإمام الحسن عليه السّلام بعدّة زوجات منهنّ:
1 - أم بشير بنت مسعود الخزرجيّة.
2 - خولة بنت منظور الفزاريّة.
3 - أم اسحاق بنت طلحة.
4- جُعدة بنت الأشعث.( وهي التي قتلته بالسّم )
وعلى رواية, إنّ زوجات الإمام عليه السّلام:
1 - اُمّ كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المُطلب بن هاشم.
2 – خولة بنت منظور بن زبان بن سيار بن عمرو.
3 – اُمّ بشير بنت أبي مسعود, وهو عقبة بن عمر بن ثعلبة.
4 – جعدة بنت الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي.
5 – اُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله بن عثمان التّيمي.
6 - زينب بنت سبيع بن عبدالله, أخي جرير بن عبد الله البجلي.
7 – اُمّ ولد, تُدعى بقيلة.
8 – اُمّ ولد, تُدعى ظمياء.
9 - اُمّ ولد, تُدعى صافية.

أولاده عليه السلام
أولاد الإمام الحسن بن عليّ عليهم السّلام خمسة عشر ولداً, ذكراً واُنثى:
زيد بن الحسن، واُختاه اُمّ الحسن واُمّ الحُسين، اُمّهم اُمّ بشير بنت أبي مسعود بن عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجية.
والحسن بن الحسن, اُمّه خوله بنت منظور الفزارية.
وعمرو بن الحسن، وأخواه القاسم وعبد الله, اُمّهم اُمّ ولد.
وعبد الرّحمن, اُمّه اُمّ ولد.
والحُسين, المُلقّب بالأثرم، وأخوه طلحة, واختهما فاطمة, اُمّهم اُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التّيمي.
واُمّ عبد الله، وفاطمة، واُمّ سلمة، ورقيّة, لاُمّهات شتّى.
وذكرت بعض المصادر, بأنّ أولاد الحسن أكثر من هذا العدد، وهم عشرون بين ذكر واُنثى:
مُحمّد الأكبر, جعفر, حمزة, عبد الله الأصغر, مُحمّد الاصغر, زيد, إسماعيل, يعقوب, القاسم, أبا بكر, عبد الله, حُسين الأثرم, عبد الرّحمن, عُمر, طلحة, فاطمة, اُمّ الحسن, اُمّ الخير, اُمّ سلمة, اُمّ عبد الله.

نقش خاتمه عليه السلام
نقش خاتمه عليه السّلام: لا إله إلاّ الله الحقّ المُبين.
حيث قال ابن عساكر: عن داود بن عمرو الضّبي: أنبأنا موسى بن مُحمّد بن جعفر الصّادق، عن أبيه، عن جده، قال: قال الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: رأيت عيسى بن مريم عليه السّلام في النّوم، فقُلت: يا روح الله, إنّي أريد أن أنقش على خاتمي, فما أنقش عليه؟ قال: إنقش عليه: لا إله إلاّ الله الحقُّ المُبين؛ فإنّه يذهب الهمّ والغمّ.
وفي روايه اُخرى: العِزّة للهِ وَحدَهُ. وقيل غير ذلك.

علمه عليه السلام
أخي القارئ الكريم، علم الأئمة عليهم السّلام ممّا لا يُقاس به علم من علوم غيرهم, ممن لم يبلغ مرتبة العصمة الإلهيّة { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرّجْسَ أهل الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}؛ لأنّ علمهم من علم رسول الله صلّى الله عليه وآله, وعلم رسول الله صلّى الله عليه وآله من الله سبحانه وتعالى, قال عليّ عليه السّلام: علّمني رسول الله صلّى الله عليه وآله, ألف باب يفتح ألف باب. وقال أبوعبد الله عليه السّلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله, في مرضه الذي توفّي فيه: ادعوا لي خليلي. فأرسلتا إلى أبويهما، فلمّا رآهما أعرض بوجهه عنهما، ثمّ قال: ادعوا لي خليلي. فأرسلتا إلى عليّ عليه السّلام, فلمّا جاء أكبّ عليه فلم يزل يحدّثه ويحدّثه، فلمّا خرج لقياه فقالا له: ما حدّثك؟ قال: حدّثني بباب يفتح ألف باب، كلّ باب يفتح ألف باب. وعليّ عليه السّلام علّم ولديه الحسن والحُسين العلم الذي تعلمه من رسول الله صلّى الله عليه وآله, وهكذا إلى الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه, ولكن نذكر ذلك جرياً على ما جرت عليه عادة الكتاب أو الذاكرين لسير العُظماء من رجالات الأمم والشّعوب, ليس إلا.
1 - روى الكليني: عن أحمد بن مُحمّد؛ ومحمد بن يحيى، عن مُحمّد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير عن رجاله عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: إنّ الحسن عليه السّلام قال: إنّ لله مدينتين إحداهما بالمشرق والاُخرى بالمغرب, عليهما سور من حديد, وعلى كلّ واحد منهما ألف ألف مصراع, وفيها سبعون ألف ألف لغة, يتكلّم كلّ لغة بخلاف لغة صاحبها, وأنا أعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما, وما عليهما حجّة غيري وغير الحُسين أخي.
2 – روي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: بينما أمير المؤمنين عليه السّلام في الرّحبة والنّاس عليه متراكمون, فمن بين مستفت ومن بين مستعدى, إذ قام إليه رجل فقال: السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فنظر إليه أمير المؤمنين عليه السّلام بعينيه هاتيك العظيمتين, ثمّ قال: وعليك السّلام ورحمة الله وبركاته, مَن أنت؟ فقال: أنا رجل من رعيتك وأهل بلادك. قال: ما أنت من رعيتي وأهل بلادي، ولو سلّمت عليّ يوماً واحداً ما خفيت عليّ. فقال: الأمان يا أمير المؤمنين. فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: هل أحدثت في مصري هذا حدثاً منذ دخلته؟ قال: لا. قال: فعلّك من رجال الحرب؟ قال: نعم.
قال: إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس. قال: أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلاً لك, أسألك عن شئ بعث فيه ابن الأصفر, وقال له: إن كنت أنت أحقّ بهذا الأمر والخليفة بعد مُحمّد, فأجبني عمّا أسألك, فإنّك إذا فعلت ذلك اتبعتك, وأبعث إليك بالجائزة. فلم يكُن عنده جواب وقد أقلقه ذلك, فبعثني إليك لاسألك عنها, فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: قاتل الله ابن آكلة الأكباد, ما أضلّه وأعماه ومن معه. والله, لقد أعتق جارية, فما أحسن أن يتروج بها, حكم الله بيني وبين هذه الاُمّة، قطعوا رحمي واضاعوا أيّامي، ودفعوا حقّي وصغّروا عظيم منزلتي, وأجمعوا على منازعتي. عليّ بالحسن والحُسين ومُحمّد فاحضروا. فقال: يا شامي, هذان ابنا رسول الله, وهذا ابني, فسأل أيّهم أحببت؟ فقال: أسأل ذا الوفرة ـ يعني الحسن عليه السّلام, وكان صبيّاً ـ فقال له الحسن عليه السّلام: سلني عمّا بدا لك. فقال الشّامي: كم بين الحقّ والباطل؟ وكم بين السّماء والأرض؟ وكم بين المشرق والمغرب؟ وما قوس قزح؟ وما العين التّي تأوي إليها أرواح المشركين؟ وما العين التّي تأوي إليها أرواح المؤمنين؟ وما المؤنث؟ وما عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض؟
فقال الحسن بن عليّ عليهما السّلام: بين الحقّ والباطل أربع أصابع, فما رأيته بعينك فهو الحقّ، وقد تسمع باذنيك باطلاً كثيراً. قال الشّامي: صدقت. قال: وبين السّماء والأرض, دعوة المظلوم ومدّ البصر, فمَن قال لك غير هذا فكذّبه. قال: صدقت يابن رسول الله. قال: وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس, تنظر إليها حين تطلع من مشرقها وحين تغيب من مغربها. قال الشّامي: صدقت, فما قوس قزح؟ قال عليه السّلام: ويحك! لا تقُل قوس قزح, فإنّ قزح اسم شيطان, وهو قوس الله وعلامة الخصب وأمان لأهل الأرض من الغرق. وأمّا العين التّي تأوي إليها أرواح المُشركين, فهي عين يُقال لها: برهوت. وأمّا العين التّي تأوي إليها أرواح المؤمنين: وهي يُقال لها: سلمى. وأمّا المؤنث, فهو الذي لا يدري أذكر هو أم اُنثى, فإنّه يُنتظر به, فإن كان ذكراً احتلم, وإن كانت اُنثى, حاضت وبدا ثديها، وإلا قيل له: بُل على الحائط, فإن أصاب بوله الحائط, فهو ذكر, وإن انتكص بوله كما انتكص بول البعير, فهي امرأة.
وأمّا عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض: فأشدّ شئ خلقه الله عزّ وجلّ, الحجر، وأشدّ من الحجر, الحديد الذي يقطع به الحجر، وأشدّ من الحديد, النّار تُذيب الحديد, وأشدّ من النّار, الماء يطفئ النّار، وأشدّ من الماء, السّحاب يحمل الماء، وأشدّ من السّحاب, الرّيح تحمل السّحاب، وأشدّ من الرّيح, المَلك الذي يرسلها، وأشدّ من المَلك, مَلك الموت الذي يميت المَلك، وأشدّ من مَلك الموت, الموت الذي يميت مَلك الموت، وأشدّ من الموت, أمر الله ربّ العالمين يميت الموت.
فقال الشّامي: أشهد أنّك ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله حقّاً, وأنّ علياً أولى بالأمر من معاوية.
ثمّ كتب هذه الجوابات وذهب بها إلى معاوية، فبعثها معاوية إلى ابن الأصفر, فكتب إليه ابن الأصفر: يا معاوية, لِمَ تُكلمني بغير كلامك وتجيبني بغير جوابك؟ أقسم بالمسيح ما هذا جوابك, وما هو إلا من معدن النّبوة وموضع الرّسالة, وأمّا أنت, فلو سألتّني درهماً ما أعطيتك.
3 - عن مُحمّد بن إسحاق بالإسناد: جاء أبوسفيان إلى عليّ عليه السّلام فقال: يا أبا الحسن, جئتك في حاجة. قال: وفيمَ جئتني؟ قال: تمشي معي إلى ابن عمّك مُحمّد, فتسأله أن يعقد لنا عقداً ويكتب لنا كتاباً. فقال: يا أبا سفيان, لقد عقد لك رسول الله عقداً لا يرجع عنه أبداً, وكانت فاطمة من وراء السّتر، والحسن يدرج بين يديها وهو طفل من أبناء أربعة عشر شهراً, فقال لها: يابنت مُحمّد, قولي لهذا الطّفل يُكلّم لي جدّه, فيسود بكلامه العرب والعجم، فأقبل الحسن عليه السّلام إلى أبي سفيان وضرب إحدى يديه على أنفه والاُخرى على لحيته, ثمّ أنطقه الله عزّ وجلّ بأن قال: يا أبا سفيان, قُل لا إله إلاّ الله مُحمّد رسول الله حتّى أكون شفيعاً. فقال عليه السّلام: الحمد الله الذي جعل في آل مُحمّد من ذرّيّة مُحمّد المُصطفى نظير يحيى بن زكريا وآتيناه الحُكم صبيّاً.
4 - قال المجلسي: نقلاً عن كتاب النّجوم: روى ابن جمهور العمي في كتاب الواحدة في أوائل أخبار مولانا الحسن بن عليّ عليهم السّلام, من خطبة له في صفة النّجوم ما هذا لفظة: ثمّ أجرى في السّماء مصابيح ضوؤها في مفتحه وحارثها بها, وجال شهابها من نجومها الدّراري المضيئة, التّي لولا ضوؤها ما أنفذت أبصار العباد في ظلم الليل المظلم بأهواله المدلهم بحنادسه, وجعل فيها أدّلة على منهاج السّبل لمّا أحوج إليه الخليقة من الانتقال والتّحوّل والإقبال والإدبار.

جوابه عليه السلام لسؤال الحسن البصري في الاستطاعة
كتب الحسن بن أبي الحسن البصري إلى أبي مُحمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام: أما بعد فإنكم معشر بني هاشم الفلك الجارية في اللجج الغامرة والأعلام النّيرة الشّاهرة أو كسفينة نوح عليه السّلام التّي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون. كتبت إليك يا أبن رسول الله عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في الاستطاعة، فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك عليهم السّلام؟ فإنّ من علم الله علمكم وأنتم شهداء على النّاس والله الشّاهد عليّكم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليّم.
فأجابه الحسن عليه السّلام: بسم الله الرّحمن الرّحيم وصل إلي كتابك ولولا ما ذكرته من حيرتك وحيرة من مضى قبلك إذا ما أخبرتك، أما بعد فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أن الله يعلمه فقد كفر, ومن أحال المعاصي على الله فقد فجر، إن الله لم يطع مكرهاً ولم يعص مغلوباً ولم يهمل العباد سدى من المملكة بل هو المالك لما ملكهم والقادر على ما عليه أقدرهم، بل أمرهم تخييراً ونهاهم تحذيراً فإن ائتمروا بالطّاعة لم يجدوا عنها صاداً وإن انتهوا إلى معصية فشاء أن يمن عليهم بأن يحول بينهم وبينها فعل وإن لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها جبراً ولا الزّموها كرها بل من عليهم بأن بصرهم وعرفهم وحذرهم وأمرهم ونهاهم لا جبلاً لهم على ما أمرهم به فيكونوا كالملائكة ولا جبراً لهم على ما نهاهم عنه ولله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين و السّلام على من اتبع الهدى.

إحتجاجات الإمام الحسن عليه السلام

أوّلاً : احتجاجه عليه السلام على مروان
قال الفقيه الأندلسي: إنّ مروان بن الحكم قال للحسن بن عليّ عليه السّلام, بين يدي معاوية: أسرع الشّيب إلى شاربك يا حسن، ويقال إن ذلك من الخرق. فقال عليه السّلام: ليس كما بلغك، ولكنّا معشر بني هاشم طيّبة أفواهنا عذبة شفاهنا، فنساءنا يقبلن علينا بأنفاسهن وقبلهن, وأنتم معشر بني أميّة فيكم بخر شديد، فنساءكم يصرفن أفواههن وأنفاسهن إلى أصداغكم, فإنّما يشيب منكم موضوع العذار من أجل ذلك. قال مروان: إنّ فيكم يا بني هاشم خصلة سوء. قال عليه السّلام: وما هي؟ قال: الغلمة. قال عليه السّلام: أجل نزعت الغلمة من نساءنا ووضعت في رجالنّا، ونزعت الغلمة من رجالكم ووضعت في نساءكم, فما قام لأمويّة إلا هاشمي. فغضب معاوية وقال: قد كنت أخبرتكم فأبيتم حتّى سمعتم ما أظلم عليكم بيتكم وأفسد عليكم مجلسكم. فخرج الحسن عليه السّلام وهو يقول:
ومارست هذا الدّهر خمسين حجّة * وخمسا أرجى قابلا بعد قابل
فلا أنا في الدّنيا بلغت جسيمها * ولا في الذي أهوى كدحت بطائل
وقد أشرعت في المنايا أكفها * وأيقنت أني رهن موت بعاجل.

ثانياً : احتجاجه عليه السلام على مروان كذلك
وقال ابن عساكر: أنبأنا الفضل بن دكين، أنبأنا مسافر الجصاص، عن رزيق بن سوار، قال: كان بين الحسن ابن عليّ عليه السّلام وبين مروان كلام, فأقبل عليه مروان فجعل يغلظ له والحسن ساكت، فامتخط مروان بيمينه, فقال له الحسن عليه السّلام: ويحك! أما علمت أنّ اليمين للوجه والشّمال للفرج؟ أفّ لك! فسكت مروان.

ثالثاً : احتجاجه عليه السلام على عمرو بن العاص وأبي الأعور
قال الطّبراني: حدّثنا مُحمّد بن عون السّيرافي، حدّثنا الحسن بن على الواسطي، حدّثنا يزيد بن هارون, أنبأنا حريز بن عثمان، عن عبد الرّحمن بن أبي عوف، قال: قال: عمرو بن العاص وأبو الأعور السّلمي لمعاوية: إنّ الحسن بن على رضي الله عنهما رجل عيي. فقال معاوية: لا تقولا ذلك، فانّ رسول الله عليه السّلام قد تفل في فيه، ومن تفل رسول الله صلّى الله عليه وآله في فيه فليس بعيي...
فقال الحسن بن عليّ عليه السّلام رضي الله عنه: أما أنت يا عمرو , فإنّه تنازع فيك رجلان، فانظر أيّهما أباك. وأمّا أنت يا أبا الأعور, فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لعن رعلاً وذكواناً وعمرو بن سفيان.

رابعاً : احتجاجه عليه السلام على معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وغيرهم
ذكر العلامة الطبرسي في الاحتجاج، ما نصّه:
قالوا: لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل، أكثر ضجيجا ولا أعلى كلاما ولا أشد مبالغة في قول، من يوم اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان عمرو بن عثمان بن عفان، وعمرو بن العاص، وعتبة بن أبي سفيان، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، والمغيرة بن أبي شعبة، وقد تواطؤا على أمر واحد. فقال عمرو بن العاص: لمعاوية ألا تبعث إلى الحسن بن عليّ فتحضره، فقد أحيى سنة أبيه، وخفقت النعال خلفه، امر فاطيع، وقال فصدق، وهذان يرفعان به إلى ما هو اعظم منهما، فلو بعثت إليه فقصرنا به وبأبيه، وسببناه وسببنا أباه، وصغرنا بقدره وقدر أبيه، وقعدنا لذلك حتى صدق لك فيه، فقال لهم معاوية: اني أخاف ان يقلدكم قلايد يبقى عليكم عارها، حتى يدخلكم قبوركم، والله ما رأيته قط الا كرهت جنابه، وهبت عتابه، واني ان بعثت إليه لانصفنه منكم. قال عمرو بن العاص: أتخاف ان يتسامى باطله على حقنا، ومرضه على صحتنا قال: لاقال: فابعث إذا إليه. فقال عتبة: هذا رأي لاأعرفه، والله ما تستطيعون ان تلقوه بأكثر ولا أعظم مما في أنفسكم عليه، ولا يلقاكم بأعظم مما في نفسه عليكم، وانه لاهل بيت خصم جدل، فبعثوا إلى الحسن فلما أتاه الرسول قال له: يدعوك معاوية. قال: ومن عنده؟ قال الرسول: عنده فلان وفلان، وسمى كلا منهم باسمه. فقال الحسن عليه السلام: مالهم خر عليهم السقف من فوقهم، وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون. ثمّ قال: يا جارية ابلغيني ثيابي. ثمّ قال: " اللهم اني ادرأ بك في نحورهم، وأعوذ بك من شرورهم، وأستعين بك عليهم، فاكفنيهم بما شئت، وانى شئت، من حولك وقوتك، يا ارحم الراحمين " وقال للرسول: هذا كلام الفرج، فلما أتى معاوية رحب به، وحياه وصافحه. فقال الحسن عليه السلام: ان الذي حييت به سلامة، والمصافحة أمن. فقال معاوية: أجل ان هؤلاء بعثوا اليك وعصوني ليقروك: ان عثمان قتل مظلوما، وان أباك قتله، فاسمع منهم، ثمّ اجبهم بمثل ما يكلمونك، فلا يمنعك مكاني من جوابهم. فقال الحسن: فسبحان الله البيت بيتك والاذن فيه اليك ! والله لئن أجبتهم إلى ما ارادوا اني لأستحيى لك من الفحش، وان كانوا غلبوك على ما تريد، اني لاستحيى لك من الضعف، فبأيهما تقر، ومن ايهما تعتذر، واما اني لو علمت بمكانهم واجتماعهم، لجئت بعدتهم من بني هاشم مع اني مع وحدتي هم أوحش مني من جمعهم، فان الله عزوجل لوليي اليوم وفيما بعد اليوم، فمرهم فليقولوا فأسمع، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. فتكلم عمرو بن عثمان بن عفان فقال: ما سمعت كاليوم ان بقي من بني عبد المطلب على وجه الأرض من أحد بعد قتل الخليفة عثمان بن عفان، وكان ابن اختهم، والفاضل في الإسلام منزلة، والخاص برسول الله اثره، فبئس كرامة الله حتى سفكوا دمه اعتداء، وطلبا للفتنة، وحسدا، ونفاسة، وطلب ما ليسوا باهلين لذلك، مع سوابقه ومنزلته من الله، ومن رسوله، ومن الإسلام، فياذلاه ان يكون حسن وساير بني عبد المطلب قتلة عثمان، احياء يمشون على مناكب الأرض وعثمان بدمه مضرج، مع ان لنا فيكم تسعة عشر دما بقتلى بني امية ببدر ثمّ تكلم عمرو بن العاص: فحمد الله واثنى عليه، ثمّ قال: اي ابن أبي تراب بعثنا اليك لنقررك ان أباك سم أبا بكر الصديق، واشترك في قتل عمر الفاروق وقتل عثمان ذي النورين مظلوما، وادعى ما ليس له حق، ووقع فيه، وذكر الفتنة، وعيره بشأنها؟ ثمّ قال: انكم يا بني عبد المطلب لم يكن الله ليطيعكم الملك فتركبون فيه مالا يحل لكم، ثمّ انت يا حسن تحدث نفسك بانك كائن امير المؤمنين وليس عندك عقل ذلك، ولا رأيه، وكيف وقد سلبته، وتركت أحمق في قريش، وذلك لسوء عمل أبيك، وانما دعوناك لنسبك وأباك ثمّ انك لا تستطيع ان تعيب علينا، ولا ان تكذبنا به، فان كنت ترى أنا كذبناك في شئ، وتقولنا عليك بالباطل، وادعينا عليك خلاف الحق فتكلم، والا فاعلم انك وأباك من شر خلق الله، فاما أبوك فقد كفانا الله قتله وتفرد به، واما أنت فانك في ايدينا نتخير فيك، والله ان لو قتلناك ماكان في قتلك اثم عند الله، ولا عيب عند الناس ثمّ تكلم عتبة بن أبي سفيان، فكان اول ما ابتدأ به ان قال: يا حسن ان أباك كان شر قريش لقريش، أقطعه لأرحامها، وأسفكه لدمائها وانك لمن قتلة عثمان، وان في الحق ان نقتلك به، وان عليك القود في كتاب الله عزوجل، وانا قاتلوك به، واما أبوك فقد تفرد الله بقتله فكفانا امره، واما رجاؤك الخلافة فلست فيها، لا في قدحة زندك، ولا في رجحة ميزانك. ثمّ تكلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط بنحو من كلام أصحابه فقال: يا معشر بني هاشم كنتم أول من دب بعيب عثمان وجمع الناس عليه، حتى قتلتموه حرصا على الملك، وقطيعة للرحم، واستهلاك الامة، وسفك دمائها؛ حرصا على الملك، وطلبا للدنيا الخبيثة، وحبا لها، وكان عثمان خالكم، فنعم الخال كان لكم، وكان صهركم، فكان نعم الصهر لكم، قد كنتم اول من حسده وطعن عليه، ثمّ وليتم قتله، فكيف رأيتم صنع الله بكم. ثمّ تكلم المغيرة بن شعبة: فكان كلامه وقوله كله وقوعا في عليّ عليه السلام ثمّ قال: يا حسن ان عثمان قتل مظلوما فلن لم يكن لأبيك في دلك عذر برئ، ولا اعتذر مذنب، غير أنا يا حسن قد ظننا لأبيك في ضمه قتلة عثمان، وايوائه لهم، وذبه عنهم، انه بقتله راض، وكان والله طويل السيف واللسان، يقتل الحي ويعيب الميت، وبنو امية خير لبني هاشم من بني هاشم لبني امية، ومعاوية خير لك يا حسن منك لمعاوية، وقد كان ابوك ناصب رسول الله صلى الله عليه واله في حياته وأجلب عليه قبل موته، واراد؟؟ قتله، فعلم ذلك من أمره رسول الله صلى الله عليه واله ثمّ كره ان يبايع أبا بكر حتى اتي به قودا، ثمّ دس عليه فسقاه سما فقتله، ثمّ نازع عمر حتى هم ان يضرب رقبته، فعمد في قتله، ثمّ طعن على عثمان حتى قتله، كل هؤلاء قد شرك في دمهم فأي منزلة له من الله يا حسن: وقد جعل الله السلطان لولي المقتول في كتابه المنزل فمعاوية ولي المقتول بغير حق، فكان من الحق لو قتلناك وأخاك، والله مادم عليّ بأخطر من دم عثمان، وما كان الله ليجمع فيكم فيكم يا بني عبد المطلب الملك والنبوة. ثمّ سكت فتكلم أبو مُحمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام فقال: الحمد لله الذي هُدى أولكم بأولنا، وآخركم بآخرنا، وصلى الله على جدي مُحمّد النبي وآله وسلم. اسمعوا مني مقالتي وأعيروني فهمكم وبك ابدء يا معاوية: انه لعمر الله يا ازرق ما شتمني غيرك وما هؤلاء شتموني، ولا سبني غيرك وما هؤلاء سبوني ولكن شتمتني، وسببتني، فحشا منك، وسوء رأي، وبغيا، وعدوانا، وحسدا علينا، وعدواة لمحمد صلى الله عليه واله، قديما وحديثا، وانه والله لو كنت أنا وهؤلاء يا أزرق مشاورين في مسجد رسول الله صلى الله عليه واله وحولنا المهاجرون والأنصار ما قدروا ان يتكلموا به، ولا استقبلوني بما استقبلوني به. فاسمعوا مني أيها الملأ المجتمعون المتعاونون عليّ، ولا تكتموا حقا علمتوه، ولا تصدقوا بباطل ان نطقت به، وسأبدء بك يا معاوية ولا أقول فيك الا دون ما فيك. أنشدكم بالله هل تعلمون ان الرجل الذي شتمتموه صلى القبلتين كلتيهما وأنت تراهما جميعا وأنت في ضلالة تعبد اللات والعزى، وبايع البيعتين كلتيهما بيعة الرضوان وبيعة الفتح، وأنت يا معاوية بالاولى كافر، وبالاخرى ناكث. ثمّ قال: انشدكم بالله هل تعلمون ان ما أقول حقا، انه لقيكم مع رسول الله صلى الله عليه واله يوم بدر ومعه راية النبي صلى الله عليه واله والمؤمنين، ومعك يا معاوية راية المشركين وانت تعبد اللات والعزى، وترى حرب رسول الله صلى الله عليه واله فرضا واجبا، ولقيكم يوم احد ومعه راية النبي، ومعك يا معاوية راية المشركين، ولقيكم يوم الأحزاب ومعه راية رسول الله صلى الله عليه واله، ومعك يا معاوية راية المشركين، كل ذلك يفلج الله حجته، ويحق دعوته، ويصدق احدوثته، وينصر رايته، وكل ذلك رسول الله يرى عنه راضيا في المواطن كلها ساخطا عليك. ثمّ انشدكم بالله هل تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله حاصر بني قريضة وبني النظير، ثمّ بعث عمر بن الخطاب ومعه راية المهاجرين، وسعد بن معاذ ومعه راية الأنصار فاما سعد بن معاذ فجرح وحمل جريحا، واما عمر فرجع هاربا وهو يجبن ويجبن أصحابه ويجبنه اصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: " لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار، ثمّ لا يرجع حتى يفتح الله عليه يديه " فتعرض لها أبو بكر وعمر، وغيرهما من المهاجرين والأنصار وعلي يومئد أرمد شديد الرمد، فدعاه رسول الله صلى الله عليه واله فتفل في عينيه فبرأ من رمده، وأعطاه الراية فمضى ولم يثن حتى فتح الله عليه بمنه وطوله، وانت يومئذ بمكة عدو لله ولرسوله. فهل يستوي بين رجل نصح لله ولرسوله، ورجل عادى الله ورسوله ثمّ اقسم بالله ما اسلم قلبك بعد، ولكن اللسان خائف فهو يتكلم بما ليس في القلب. انشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله استخلفه على المدينة في غزاة تبوك ولا سخط ذلك ولا كراهة، وتكلم فيه المنافقون فقال: لا تخلفني يارسول الله فاني لم اتخلف عنك في غزوة قط، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: أنت وصيي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى ثمّ أخذ بيد عليّ عليه السلام فقال: أيها الناس من تولاني فقد تولى الله، ومن تولى عليا فقد تولاني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع عليا فقد أطاعني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أحب عليا فقد احبني، ثمّ قال: انشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله قال في حجة الوداع: أيها الناس اني قد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده: كتاب الله وعترتي أهل بيتي فاحلوا حلاله، وحرموا حرامه، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا بما أنزل الله من الكتاب، واحبوا أهل بيتي وعترتي، ووالوا من والاهم، وانصروهم على من عاداهم، وانهما لن يزالا فيكم حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة. ثمّ دعا وهو على المنبر عليا فاجتذبه بيده فقال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، اللهم من عادى عليا فلا تجعل له في الأرض مقعدا، ولا في السماء مصعدا، واجعله في اسفل درك من النار؟ وانشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله قال له: انت الذائد عن حوضي يوم القيامة تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط ابله؟ انشدكم بالله أتعلمون انه دخل على رسول الله صلى الله عليه واله في مرضه الذي توفي فيه فبكى رسول الله صلى الله عليه واله فقال عليّ: ما يبكيك يارسول الله؟ فقال: يبكيني اني اعلم: ان لك في قلوب رجال من امتي ضغائن، لا يبدونها لك حتى اتولى عنك؟ انشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله حين حضرته الوفاة واجتمع عليه أهل بيته قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتى وعترتي، اللهم وال من ولاهم وعاد من عاداهم " وقال: " انما مثل أهل بيتى فيكم كسفينة نوح، من دخل فيها نجى، ومن تخلف عنها غرق؟ وانشدكم بالله أتعلمون: ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله قد سلموا عليه بالولاية في عهد رسول الله صلى الله عليه واله وحياته؟ انشدكم بالله أتعلمون أن عليا أول من حرم الشهوات كلها على نفسه من اصحاب رسول الله، فانزل الله عزوجل: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما احل لكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين * وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون " وكان عندهم علم المنايا، وعلم القضايا، وفصل الكتاب، ورسوخ العلم، ومنزل القرآن، وكان رهط لا نعلمهم يتممون عشرة، نبأهم الله انهم مؤمنون، وأنتم في رهط قريب من عدة اولئك لعنوا على لسان رسول الله صلى الله عليه واله، فاشهد لكم واشهد عليكم: انكم لعناء الله على لسان نبيه كلكم وانشدكم بالله هل تعلمون: ان رسول الله صلى الله عليه واله بعث اليك لتكتب له لبني خزيمة حين أصابهم خالد بن الوليد فانصرف إليه الرسول فقال: " هو يأكل " فأعاد الرسول اليك ثلاث مرات كل ذلك ينصرف الرسول إليه ويقول " هو يأكل " فقال رسول الله " اللهم لا تشبع بطنه " فهي والله في نهمتك، واكلك إلى يوم القيامة ثمّ قال: انشدكم بالله هل تعلمون ان ما أقول حقا انك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جمل احمر يقوده أخوك هذا القاعد، وهذا: يوم الأحزاب، فلعن رسول الله القائد والراكب والسائق، فكان: أبوك الراكب، وأنت يا أزرق السائق، وأخوك هذا القاعد القائد؟ انشدكم بالله هل تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن اولهن: حين خرج من مكة إلى المدينة وأبو سفيان جاء من الشام، فوقع فيه أبو سفيان فسبه، واوعده، وهم ان يبطش به، ثمّ صرفه الله عزوجل عنه. والثانية: يوم العير حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول الله. والثالثة: يوم احد قال رسول الله: الله مولانا ولا مولى لكم، وقال أبو سفيان لنا العزى ولا عزى لكم، فلعنه الله، وملائكته، ورسله، والمؤمنون اجمعون. والرابعة يوم حنين: يوم جاء أبو سفيان يجمع قريش وهوازن، وجاء عينية بغطفان واليهود، فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا، هذا: قول الله عزوجل انزل في سورتين في كلتيهما يسمي أبا سفيان واصحابه كفارا، وأنت يا معاوية يومئذ مشرك على رأي أبيك بمكة، وعلي يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه واله وعلى رأيه ودينه. والخامسة: قول الله عز وجل: " والهدي معكوفا ان يبلغ محله " وصددت انت وابوك ومشركوا قريش رسول الله، فلعنه الله لعنة شملته وذريته إلى يوم القيامة. والسادسة: يوم الأحزاب يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش، وجاء عينية بن حصين بن بدر بغطفان، فلعن رسول الله القادة والأتباع، والساقة إلى يوم القيامة. فقيل: يارسول الله اما في الاتباع مؤمن؟ قال: لا تعيب اللعنة مؤمنا من الأتباع، اما القادة فليس فيهم مؤمن، ولا مجيب، ولا ناج. والسابعة: يوم الثنية، يوم شد على رسول الله صلى الله عليه واله اثنا عشر رجلا، سبعة منهم من بني امية، وخمسة من سائر قريش، فلعن الله تبارك وتعالى ورسول الله من حل الثنية غير النبي صلى الله عليه واله وسائقه وقائده، ثمّ انشدكم بالله هل تعلمون ان أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول الله صلى الله عليه واله فقال: يابن اخي هل علينا من عين؟ فقال: لا. فقال أبو سفيان: تداولوا الخلافة يا فتيان بني امية فوالذي نفس أبي سفيان بيده، مامن جنة ولا نار. وانشدكم بالله اتعلمون ان أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع عثمان وقال: يابن أخي اخرج معي إلى بقيع الغرقد، فخرج حتى إذا توسط القبور اجتره فصاح بأعلى صوته: يا أهل القبور ! الذي كنتم تقاتلونا عليه صار بأيدينا وانتم رميم. فقال الحسين بن عليّ عليه السلام: قبح الله شيبتك، وقبح وجهك، ثمّ نتر يده وتركه، فلو لا النعمان بن بشير اخذ بيده ورده إلى المدينة لهلك. فهذا لك يا معاوية فهل تستطيع ان ترد علينا شيئا. ومن لعنتك يا معاوية ان أباك أبا سفيان كان يهم ان يسلم، فبعثت إليه بشعر معروف مروي في قريش وغيرهم، تنهاه عن الإسلام وتصده. ومنها ان عمر بن الخطاب ولاك الشام فخنت به، وولاك عثمان فتربصت به ريب المنون، ثمّ أعظم من ذلك جرأتك على الله ورسوله: انك قاتلت عليا عليه السلام وقد عرفته وعرفت سوابقه، وفضله وعلمه على امر هو أولى به منك، ومن غيرك عند الله وعند الناس، ولاذيته بل أوطأت الناس عشوة، وارقت دماء خلق من خلق الله بخدعك وكيدك وتمويهك، فعل من لا يؤمن بالمعاد، ولا يخشى العقاب، فلما بلغ الكتاب أجله صرت إلى شر مثوى، وعلي إلى خير منقلب، والله لك بالمرصاد. فهذا لك يا معاوية خاصة، وما امسكت عنه من مساويك وعيوبك فقد كرهت به التطويل. واما انت يا عمرو بن عثمان فلم تكن للجواب حقيقا بحمقك، ان تتبع هذه الامور فانما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة: استمسكى فاني اريد ان انزل عنك، فقالت لها النخلة: ما شعرت بوقوعك، فكيف يشق عليّ نزولك. واني والله ما شعرت انك تجسر ان تعادى لي فيشق عليّ ذلك، واني لمجيبك في الذي قلت: ان سبك عليا عليه السلام أينقص في حسبه، أو يباعده من رسول الله، أو بسوء بلائه في الإسلام، أو بجور في حكم أو رغبة في الدنيا؟ فان قلت واحدة منها فقد كذبت. واما قولك: ان لكم فينا تسعة عشر دما بقتلى مشركي بني امية ببدر، فان الله ورسوله قتلهم، ولعمري لتقتلن من بني هاشم تسعة عشر وثلاثة بعد تسعة عشر ثمّ يقتل من نبي امية تسعة عشر وتسعه عشر في موطن واحد سوى ما قتل من بني امية لا يحصي عددهم الا الله، وان رسول الله صلى الله عليه واله قال: إذا بلغ ولد الوزغ ثلاثين رجلا: اخذوا مال الله بينهم دولا، وعباده خولا، وكتابه دغلا، فإذا بلغوا ثلثمائة وعشر حقت اللعنة عليهم ولهم، فإذا بلغوا اربعمائة وخمسة وسبعين كان هلاكهم اسرع من لوك تمرة، فأقبل الحكم بن أبي العاص وهم في ذلك الذكر والكلام ققال رسول الله: اخفضوا اصواتكم فان الوزغ يسمع، وذلك حين رآهم رسول الله صلى الله عليه واله ومن يملك بعده منهم أمر هذه الامة - يعني في المنام - فساءه ذلك وشق عليه، فانزل الله عزوجل في كتابه، " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك الا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن " يعني: بني امية، وانزل ايضا " ليلة القدر خير من الف شهر " فأشهد لكم، واشهد عليكم، ما سلطانكم بعد قتل عليّ الا الف شهر التي اجلها الله عزوجل في كتابه. واما انت يا عمرو بن العاص الشاني اللعين الأبتر، فانما أنت كلب أول امرك، ان امك بغية، وانك ولدت على فراش مشترك، فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان بن الحرب، والوليد بن المغيرة، وعثمان بن الحرث، والنضر بن الحرث بن كلدة، والعاص بن وايل، كلهم يزعم انك ابنه، فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا، وأخبثهم منصبا، وأعظمهم بغية، ثمّ قمت خطيبا وقلت: أنا شاني مُحمّد، وقال العاص بن وايل: ان محمدا رجل ابتر لا ولد له، فلو قد مات انقطع ذكره، فانزل الله تبارك وتعالى: " ان شانئك هو الأبتر " وكانت امك تمشي إلى عبد قيس تطلب البغية، تأتيهم في دورهم ورجالهم وبطون اوديتهم ثمّ كنت في كل مشهد يشهده رسول الله من عدوه أشدهم له عداوة، وأشدهم له تكذيبا ثمّ كنت في أصحاب السفينة: الذين اتو النجاشي والمهجر الخارج إلى الحبشة في الاشاطة بدم جعفر بن أبي طالب وساير المهاجرين إلى النجاشي، فحاق المكر السئ بك، وجعل جدك الاسفل، وابطل امنيتك، وخيب سعيك، واكذب احدوثتك، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا. واما قولك في عثمان، فانت يا قليل الحياء والدين الهبت عليه نارا، ثمّ هربت إلى فلسطين تتربص به الدوائر، فلما اتاك خبر قتله حبست نفسك على معاوية، فبعته دينك يا خبيث بدنيا غيرك، ولسنا نلومك على بغضنا، ولم نعاتبك على حبنا، وانت عدو لبني هاشم في الجاهلية والإسلام، وقد هجوت رسول الله صلى الله عليه واله بسبعين بيتا من شعر، فقال رسول الله: " اللهم اني لا احسن الشعر، ولا ينبغي لى ان اقوله فالعن عمرو بن العاص بكل بيت الف لعنة " ثمّ انت يا عمرو المؤثر دنياك على دينك اهديت إلى النجاشي الهدايا، ورحلت إليه رحلتك الثانية، ولم تنهك الاولى عن يراجع المرشد الثانية، كل ذلك ترجع مغلوبا، حسيرا، تريد بذلك هذاك جعفر وأصحابه، فلما أخطأك مارجوت وأملت أحلت على صاحبك عمارة بن الوليد. واما انت ياوليد بن عقبة فوالله ما ألومك ان تبغض عليا وقد جلدك في الخمر ثمانين جلدة، وقتل أباك صبرا بيده يوم بدر، ام كيف تسبه وقد سماه الله مؤمنا في عشرة آيات من القرآن، وسماك فاسقا، وهو قول الله عزوجل: " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستون " وقوله: " ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " وما أنت وذكر قريش وانما انت ابن علج من أهل صفورية اسمه: " ذكوان " واما زعمك أنا قتلنا عثمان فوالله ما استطاع طلحة، والزبير، وعائشة، ان يقولوا ذلك لعلي بن أبي طالب فكيف تقوله انت، ولو سألت امك من أبوك إذ تركت ذكوان فالصقتك بعقبة بن أبي معيط، اكتسبت بذلك عند نفسها سناء ورفعة، مع ما اعد الله لك ولأبيك ولامك من العار والخزي في الدنيا والآخرة، وما الله بظلام للعبيد. ثمّ أنت ياوليد والله اكبر في الميلاد ممن تدعى له، فكيف تسب عليا ولو اشتغلت بنفسك لتثبت نسبك إلى أبيك لا الى من تدعى له، ولقد قالت لذلك امك " يا بني أبوك والله ألأم وأخبث من عقبة ". واما انت يا عتبة بن أبي سفيان: فوالله ما أنت بحصيف فاجاوبك، ولا عاقل فاعاقبك، وما عندك خير يرجى، وما كنت ولو سببت عليا لاعير به عليك، لأنك عندي لست بكفو لعبد عليّ بن أبي طالب فارد عليك، واعاتبك، ولكن الله عز وجل لك ولأبيك وامك وأخيك لبالمرصاد، فانت ذرية آبائك الذين ذكرهم الله في القرآن فقال: " عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية * تسقى من عين آنية * - إلى قوله - من جوع ". واما وعيدك اياي ان تقتلني، فهلا قتلت الذي وجدته على فراشك مع حليلتك، وقد غلبك على فرجها وشركك في ولدها حتى الصق بك ولدا ليس لك ويلا لك لو شغلت نفسك بطلب ثارك منه كنت جديرا، ولذلك حريا، إذ تسومني القتل وتوعدني به، ولا ألومك ان تسب عليا وقد قتل أخاك مبارزة، واشترك هو وحمزة بن عبد المطلب في قتل جدك حتى اصلاهما الله على أيديهما نار جهنم واذاقهما العذاب الأليم، ونفى عمك بأمر رسول الله. واما رجائي الخلافة، فلعمر الله ان رجوتها فان لي فيها لملتمسا، وما انت بنظير أخيك، ولا بخليفة ابيك، لأن أخاك اكثر تمردا على الله، وأشد طلبا لاهراقه دماء المسلمين، وطلب ما ليس له بأهل، يخادع الناس ويمكرهم، ويمكر الله والله خير الماكرين. واما قولك: قولك: " ان عليا كان شر قريش لقريش " فوالله ما حقر مرحوما ولا قتل مظلوما. واما انت يا مغيرة بن شعبة ! فانك لله عدو، ولكتابه نابذ، ولنبيه مكذب وأنا الزاني وقد وجب عليك الرجم، وشهد عليك العدول البررة الأتقياء، فاخر رجمك، ودفع الحق بالأباطيل، والصدق بالأغاليط وذلك لما اعد الله لك اشار الامام عليه السلام في كلامه هذا إلى ما اشتهر وفاضت به السير والتواريخ صراحة أو تلميحا، من ان المغيرة بن شعبة زنا بام جميل حين كان واليا على البصرة من قبل عمر بن الخطاب، وكتبوا بذلك إلى الخليفة، فكتب إليه والى الشهود جميعا ان يحضروا عنده، فلما قدموا صفهم، ودعا أبا بكرة، فاثبت الشهادة وقال: انه رآه يدخل كما يدخل الميل في المكحلة و ( قال ): لكأنى انظر إلى أثر الجدرى بفخذ المرأة، ثمّ دعا نافعا وشبل بن معبد فشهدا بمثل ما شهد به ابو بكرة ثمّ دعا زيادا وهو الشاهد الرابع وقال له: " انى لأرى وجه رجل ما كان الله يخزى رجلا من المهاجرين بشهادته، أو قال: " أما انى أرى رجلا ارجو ان لا يرجم رجل من اصحاب رسول الله على يده ولا يخزى بشهادته " يوحى بذلك إلى زياد بالعدول عن الشهادة ليدرأ الحد عن المغيرة، فقال شبل بن معبد ثالث الشهود: أفتجلد شهود الحق، وتبطل الحد أحب اليك يا عمر؟ ! فقال عمر - لزياد -: ما تقول؟ فقال: قد رأيت منظرا قبيحا، ونفسا - من العذاب الأليم، والخزي في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة اخزى، وانت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله حتى ادميتها والقت ما في بطنها، استدلالا منك لرسول الله صلى الله عليه واله ومخالفة منك لأمره، وانتهاكا لحرمته وقد قال لها رسول الله صلى الله عليه واله: " يا فاطمة انت سيدة نساء أهل الجنة " والله مصيرك إلى النار، وجاعل وبال ما نطقت به عليك، فباي الثلاثة سببت عليا، انقصا في نسبه، أم بعدا من رسول الله، ام سوء بلاء في الإسلام، ام جورا في حكم، ام رغبة في الدنيا؟ ! ان قلت بها فقد كذبت وكذبك الناس، اتزعم ان عليا عليه السلام قتل عثمان مظلوما؟ ! فعلي والله اتقى وانقى من لائمه في ذلك، ولعمري لئن كان عليّ قتل عثمان مظلوما فوالله ما انت من ذلك في شئ، فما نصرته حيا ولا تعصبت له ميتا، وما زالت الطائف دارك تتبع البغايا، وتحيى امر الجاهلية، وتميت الإسلام، حتى كان ما كان في امس. واما اعتراضك في بني هاشم وبني امية فهو ادعاءك إلى معاوية. واما قولك في شأن الامارة وقول اصحابك في الملك الذي ملكتموه، فقد ملك فرعون مصر اربعمائة سنة، وموسى وهارون نبيان مرسلان عليهما السلام يلقيان ما يلقيان من الاذى، وهو ملك الله يعطيه البر والفاجر، وقال الله: " وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين " وقال: " وإذا اردنا ان نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ". ولقد رأيته بين فخذي المرأة ولا ادرى هل كان خالطها ام لا؟ فقال عمر: الله اكبر فقال: المغيرة: الله اكبر، الحمد لرب الفلق، والله لقد كنت علمت انى سأخرج عنها سالما. فقال له عمر: اسكت فوالله لقد رأوك بمكان سوء، فقبح الله مكانا رأوك فيه، وأمر بجلد الشهود الثلاثة. فقال نافع: انت والله يا عمر جلدتنا ظلما، انت رددت صاحبنا ان يشهد بمثل شهادتنا، اعلمته هواك فاتبعه، ولو كان تقيا لكان رضى الله والحق عنده آثر من رضاك فلما جلدابا بكرة قام وقال: اشهد لقد زنى المغيرة، فأراد عمران يجلده ثانيا فقال: امير المؤمنين على عليه السلام: ان جلدته رجمت صاحبك. ثمّ قام الحسن فنفض ثيابه وهو يقول: " الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات " هم والله يا معاوية: انت واصحابك هؤلاء وشيعتك، " والطيبون للطيبات - اولئك مبرؤن مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم " ثمّ: عليّ بن أبي طالب عليه السلام واصحابه وشيعته. ثمّ خرج وهو يقول لمعاوية: ذق وبال ما كسبت يداك وما جنت، ما قد اعد الله لك ولهم من الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الاليم في الآخرة. فقال معاوية لأصحابه: وانتم فذوقوا وبال ما جنيتم. فقال الوليد بن عقبة: والله ماذقا الا كما ذقت، ولا اجترأ الا عليك. فقال معاوية: ألم اقل لكم انكم لن تنتقصوا من الرجل فهلا اطعتموني اول مرة فانتصرتم من الرجل إذ فضحكم، فوالله ما قام حتى اظلم عليّ البيت، وهممت ان اسطو به فليس فيكم خير اليوم ولا بعد اليوم. قال: وسمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية وأصحابه المذكورون من الحسن بن عليّ عليهما السلام، فأتاهم فوجدهم عند معاوية في البيت فسألهم: ما الذي بلغني عن الحسن وزعله؟ قالوا: قد كان كذلك. فقال لهم مروان: أفلا احضرتموني ذلك. فوالله لأسبنه ولأسبن أباه وأهل البيت سبا تتغنى به الآماء والعبيد. فقال معاوية والقوم: لم يفتك شئ وهم يعلمون من مروان بذو لسان وفحش فقال مروان: فارسل إليه يا معاوية فارسل معاوية إلى الحسن بن عليّ. فلما جاء الرسول قال له الحسن عليه السلام ما يريد هذا الطاغية مني؟ والله ان اعاد الكلام لاوقرن مسامعه ما يبقى عليه عاره وشناره إلى يوم القيامة، فاقبل الحسن فلما جائهم وجدهم بالمجلس على حالتهم التي تركهم فيها، غير ان المروان قد حضر معهم في هذا الوقت، فمشى الحسن عليه السلام حتى جلس على السرير مع معاوية وعمرو بن العاص. ثمّ قال الحسن لمعاوية: لم ارسلت الي؟ قال: لست أنا ارسلت اليك ولكن مروان الذي ارسل اليك. فقال مروان: انت يا حسن السباب لرجال قريش؟ فقال له الحسن: وما الذي اردت؟ فقال مروان: والله لأسبنك وأباك وأهل بيتك سبا تتغنى به الاماء والعبيد. فقال الحسن عليه السلام: اما أنت يامروان فلست أنا سببتك ولا سببت اباك، ولكن الله عزوجل لعنك ولعن اباك، وأهل بيتك، وذريتك، وما خرج من صلب ابيك إلى يوم القيامة، على لسان نبيه مُحمّد والله يامروان ما تنكر انت ولا احد ممن حضر هذه اللعنة من رسول الله صلى الله عليه واله لك ولأبيك من قبلك، وما زادك الله يامروان بما خوفك الا طغيانا كبيرا، وصدق الله وصدق رسوله يقول الله تبارك وتعالى: " والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا " وانت يامروان وذريتك الشجرة الملعونة في القرآن، وذلك عن رسول الله صلى الله عليه واله عن جبرئيل عن الله عزوجل. فوثب معاوية فوضع يده على فم الحسن وقال: يا أبا مُحمّد ماكنت فحاشا ولا طياشا، فنفض الحسن عليه السلام ثوبه، وقام فخرج القوم عن المجلس بغيظ، وحزن، وسواد الوجوه في الدنيا والآخرة.

مفاخرة الحسن عليه السلام على معاوية وغيره
قيل: وفد الحسن بن عليّ عليهما السلام على معاوية فحضر مجلسه، وإذا عنده مروان بن الحكم والمغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة وعتبة بن أبي سفيان، ففخر كل رجل منهم على بني هاشم، ووضعوا منهم، وذكروا أشياء ساءت الحسن بن عليّ وبلغت منه. فقال الحسن بن عليّ عليه السلام: أنا شعبة من خير الشعب، وآبائي أكرم العرب، لنا الفخر والنسب، والسماحة عند الحسب، نحن من خير شجرة انبتت فروعاً نامية، وأثماراً زاكية، وأبداناً قائمة، فيها أصل الإسلام، وعلم النبوة، فعلونا حين شمخ بنا الفخر، واستطلنا حين امتنع بنا العز، ونحن بحور زاخرة لا تنزف، وجبال شامخة لا تقهر. فقال مروان بن الحكم: مدحت نفسك، وشمخت بانفك، هيهات هيهات يا حسن، نحن والله الملوك السادة، والأعزة القادة، لاتبجحن فليس لك عزّ مثل عزنا، ولا فخر كفخرنا. ثمّ أنشأ يقول: شفينا أنفسا طابت وقوراً * فنالت عزّها فيمن يلينا فابنا بالغنيمة حيث ابنا * وابنا بالملوك مقرنينا.
ثمّ تكلّم المغيرة بن شعبة فقال: نصحت لأبيك فلم يقبل النّصح، ولولا كراهية قطع القرابة لكنت في جملة أهل الشام، فكان يعلم أبوك إني أصدر الوارد عن مناهلها، بزعامة قيس، وحلم ثقيف، وتجاربها للأمور على القبائل. فتكلم الحسن عليه السلام فقال: يامروان أجبناً، وخوراً، وضعفاً، وعجزاً، زعمتم اني مدحت نفسي، وانا ابن رسول الله، وشمخت بأنفي وأنا سيّد شباب أهل الجنة، ويلك من يريد رفع نفسه ويتبجح، من يريد الاستطالة، فأما نحن فأهل بيت الرحمة، ومعدن الكرامة، وموضع الخيرة، وكنز الايمان، ورمح الإسلام، وسيف الدين. ألا تصمت ثكلتك أمك قبل أن أرميك بالهوائل، وأسمك بميسم تستغني به عن اسمك... أفي اليوم الذي وليت فيه مهزوماً، وانخجرت مذعوراً، فكانت غنيمتك هزيمتك، وغدرك بطلحة حين غدرت به فقتلته، قبحاً لك ما أغلظ جلدة وجهك. فنكس مروان رأسه، وبقي المغيرة مبهوتاً، فالتفت إليه الحسن عليه السلام فقال: أعور ثقيف ما أنت من قريش فافاخرك، اجهلتني يا ويحك؟! أنا ابن خيرة الأماء، وسيّدة النساء، غذانا رسول الله صلّى الله عليه وآله بعلم الله تبارك وتعالى، فعلمنا تأويل القُرآن، ومشكلات الأحكام، لنا العزّة العليا، والفخر والسناء، وأنت من قوم لم يثبت لهم في الجاهلية نسب، ولا لهم في الإسلام نصيب، عبد آبق، ماله والافتخار عند مصادمة الليوث، ومجاحشة الأقران، نحن السادة، ونحن المذاويد القادة، نحمي الذمار، وننفي عن ساحتنا العار، وأنا ابن نجيبات الأبكار، ثمّ أشرت زعمت إلى خير وصي خير الأنبياء، وكان هو بعجزك أبصر، وبجورك أعلم وكنت للرد عليك منه أهلاً لو عزك في صدرك، وبدو الغدر في عينك، هيهات لم يكن ليتخذ المضلين عضداً، وزعمك أنّك لو كنت بصفين بزعارة قيس، وحلم ثقيف، فبماذا ثكلتك أمك؟ أبعجزك عند المقامات، وفرارك عند المجاحشات؟ أما والله لو التفت عليك من أمير المؤمنين الأجاشع، لعلمت أنه لا يمنعه منك الموانع، ولقامت عليك المرنات الهوالع. وأما زعارة قيس: فما أنت وقيساً؟ إنّما أنت عبد آبق فثقف فسمي ثقيفاً، فاحتل لنفسك من غيرها، فلست من رجالها، أنت بمعالجة الشرك وموالج الزرائب اعرف منك بالحروب. فأما الحلم فأي الحلم عند العبيد القيون؟ ثمّ تمنيت لقاء أمير المؤمنين عليه السلام فذاك من قد عرفت: أسد باسل، وسم قاتل، لا تقاومه الأبالسة، عند الطعن والمخالسة فكيف ترومه الضبعان، وتناله الجعلان، بمشيتها القهقري. وأما وصلتك فمنكورة، وقربتك فمجهولة، وما رحمك منه إلاّ كبنات الماء من خشفان الظباء، بل انت أبعد منه نسباً. فوثب المغيرة والحسن يقول لمعاوية: اعذرنا من بني امية ان تجاوزنا بعد مناطقة القيون، ومفاخرة العبيد. فقال معاوية: ارجع يا مغيرة، هؤلاء بنو عبد مناف، لا تقاومهم الصناديد، ولا تفاخرهم المذاويد. ثمّ اقسم على الحسن عليه السلام بالسكوت فسكت.
وروي أن عمرو بن العاص قال لمعاوية: ابعث إلى الحسن بن عليّ فمره ان يصعد المنبر ويخطب الناس، فلعله أن يحصر فيكون ذلك مما نعيره به في كل محفل، فبعث إليه معاوية فاصعده المنبر، وقد جمع له الناس، ورؤساء أهل الشام فحمد الله الحسن صلوات الله عليه واثنى عليه، ثمّ قال: أيها الناس من عرفني فانا الذي يعرف، ومن لم يعرفني فانا الحسن بن عليّ بن أبي طالب، ابن عمّ نبي الله، أوّل المسلمين إسلاماً، وأمي فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، وجدي مُحمّد بن عبد الله نبي الرحمة، أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين، أنا ابن من بعث إلى الجن والانس أجمعين، فقطع عليه معاوية فقال، يا أبا مُحمّد خلنا من هذا وحدثنا في نعت الرطب اراد بذلك تخجيله. فقال الحسن عليه السلام: نعم التمر الريح تنفخه، والحر ينضجه، والليل يبرده ويطيبه. ثمّ اقبل الحسن عليه السلام: فرجع في كلامه الأوّل فقال: أنا ابن مُستجاب الدعوة أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن أّول من ينفض عن رأسه التراب، أنا ابن من يقرع باب الجنة فيفتح له فيدخلها، أنا ابن من قاتل معه الملائكة، واحل له المغنم ونصر بالرعب من مسيرة شهر فاكثر، في هذا النوع من الكلام، ولم يزل به حتى اظلمت الدنيا على معاوية، وعرف الحسن من لم يكن عرفه من أهل الشام وغيرهم ثمّ نزل فقال له معاوية: اما انك يا حسن قد كنت ترجو ان تكون خليفة، ولست هناك، فقال الحسن عليه السلام: أما الخليفة فمن سار بسيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وعمل بطاعة الله عز وجل، وليس الخليفة من سار بالجور، وعطل السنن، واتخذ الدنيا اما وابا، وعباد الله خولا، وماله دولا، ولكن ذلك امر ملك اصاب ملكا فتمتع منه قليلا، وكان قد انقطع عنه، فاتخم لذته وبقيت عليه تبعته، وكان كما قال الله تبارك وتعالى: " وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين " " متعناهم سنين ثمّ جاءهم ما كانوا يوعدون " " وما اغنى عنهم ما كانوا يمتعون " وأومى بيده إلى معاوية، ثمّ قام فانصرف. فقال معاوية لعمرو: والله ما أردت الا شيني حين امرتني بما امرتني، والله ماكان يرى أهل الشام أن احداً مثلي في حسب ولا غيره، حتى قال الحسن عليه السلام ما قال، قال عمرو: وهذا شئ لا يستطاع دفنه، ولا تغييره، لشهرته في الناس، واتضاحه، فسكت معاوية.
وروي الشعبي ان معاوية قدم المدينة فقام خطيبا فقال: أين عليّ بن أبي طالب؟ فقام الحسن بن عليّ فخطب وحمد الله واثنى عليه ثمّ قال: انه لم يبعث نبي الا جعل له وصي من أهل بيته، ولم يكن نبي الا وله عدو من المجرمين، وان عليا عليه السلام كان وصي رسول الله من بعده، وانا ابن عليّ، وانت ابن صخر، وجدك حرب، وجدي رسول الله، وامك هند وامي فاطمة، وجدتي خديجة وجدتك نثيله، فلعن الله ألأمنا حسباً، وأقدمنا كفراً، واخملنا ذكراً، واشدنا نفاقاً، فقال عامة أهل المجلس: آمين. فنزل معاوية فقطع خطبته وروي انه لما قدم معاوية الكوفة قيل له: إن الحسن بن عليّ مرتفع في أنفس الناس فلو أمرته ان يقوم دون مقامك على المنبر فتدركه الحداثة والعي فيسقط من أنفس الناس واعينهم، فابى عليهم وابو عليه الا ان يأمره بذلك فأمره، فقام دون مقامه في المنبر، فحمد الله واثنى عليه، ثمّ قال: أما بعد أيها الناس فانكم لو طلبتم ما بين كذا وكذا لتجدوا رجلاً جده نبي لم تجدوا غيري وغير أخي، وانا اعطينا صفقتنا هذا الطاغية - واشار بيده إلى اعلى المنبر إلى معاوية - وهو في مقام رسول الله صلى الله عليه وآله من المنبر ورأينا حقن دماء المسلمين افضل من اهراقها، وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين، واشار بيده إلى معاوية. فقال له معاوية: ما اردت بقولك هذا؟ فقال: ما اردت به الا ما اراد الله عزوجل، فقام معاوية فخطب خطبة عيية فاحشة، فسب فيها أمير المؤمنين عليه الصلاة السلام، فقام إليه الحسن بن عليّ عليهما السلام فقال له - وهو على المنبر -: ويلك يابن آكلة الأكباد أو انت تسب أمير المؤمنين عليه السلام وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: " من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله أدخله الله نار جهنم خالداً فيها مخلداً وله عذاب مقيم "؟ ثمّ انحدر الحسن عليه السلام عن المنبر ودخل داره، ولم يصل هناك بعد ذلك ابداً

أجوبته القصار عليه السلام
سُئل الإمام الحسن عليه السلام عن أشياء فأجاب
قيل: ما السّداد؟ قال: دفع المنكر بالمعروف.
قيل: فما الشّرف؟ قال: اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.
وقيل أنّه قال: الشرف: موافقة الأخوان وحفظ الجيران.
قيل: فما المروءة؟ قال: العفاف وإصلاح الحال.
قيل: فما الدّقّة؟ قال: النّظر في اليسير ومنع الحقير.
قيل: فما اللؤم؟ قال: احراز المرء نفسه وبذله عرسه.
قيل فما السّماحة؟ قال: البذل من اليسير والعسير.
قيل: فما الشّح؟ قال: أن ترى ما في يديك شرفاً وما أنفقته تلفاً.
قيل: فما الأخاء؟ قال: الوفاء في الشّدة والرّخاء.
قيل: فما الجبن؟ قال: الجرأة على الصّديق والنّكول على العدو.
قيل: فما الغنيمة؟ قال: الرّغبة في التّقوى والزّهادة في الدنيا هي الغنيمة الباردة.
قيل: فما الحلم؟ قال: كظم الغيظ ومُلك النّفس.
قيل فما العقوق؟ فقال: أن تحرمهما و تهجرهما.
قيل فما الصّمت؟ فقال: هو ستر العمى وزين العرض, وفاعله فى راحة وجليسه آمن.
قيل فما البخل؟ فقال: هو أن يرى الرّجل ما أنفقه تلقاً وما أمسكه شرفاً.
قيل فما الذّل واللوم؟ فقال: مَن لا يغضب من الجفوة ولا يشكر على النّعمة.
قيل فما الكلفة؟ قال: كلامك فيما لا يعنيك.
قيل: فما المجد؟ قال: أن تعطي في الغرم وأن تعفو عن الجرم.
قيل: وما السّفاه؟ قال: الأحمق في ماله المتهاون بعرضه.
قيل: فما المروة؟ قال: حفظ الدّين وإعزاز النّفس ولين الكنف, وتعهّد الصّنيعة وأداء الحقوق والتّحبّب إلى النّاس.
قيل: فما الحرمان؟ قال: تركك حظّك وقد عُرض عليّك.
قيل: فما السّماح؟ قال: البذل في السّرّاء والضّرّاء.
قيل: فما النّجدة؟ قال: الذّبّ عن الجار والصّبر في المواطن والإقدام عند الكريهة.
قيل: فما الكرم؟ قال: الابتداء بالعطية قبل المسألة, وإطعام الطّعام في المحل.
قيل: فما الجود؟ قال: بذل المجهود.
قيل: ما الزّهد؟ قال: الرّغبة في التّقوى والزّهادة في الدّنيا.
قيل: فما الحزم؟ قال: طول الأناة والرّفق بالولاة والاحتراس من جميع النّاس.
قيل: فما المنعة؟ قال: شدّة البأس ومنازعة أعزّاء النّاس.
قيل: فما الشّجاعة؟ قال: موافقة الأقران والصّبر عند الطّعان.
قيل: فما الجرأة؟ قال: مواقفة الأقران.
قيل: فما العي؟ قال: العبث باللحية وكثرة التّنحنح عند المنطق.
قيل: فما الخرق؟ قال: مناواتك أميرك ومَن يقدر على ضرّك.
قيل: فما السّناء؟ قال: إتيان الجميل وترك القبيح.
قيل: فما الغنى؟ قال: رضى النّفس بما قسم لها وإن قلّ.
قيل: فما الفقر؟ قال: شره النّفس إلى كلّ شيء.
وقيل له عليه السّلام: فيك عظمة: فقال: لا , بل فيَّ عزّة, قال الله تعالى: ولله العزّة و لرسوله و للمؤمنين.

مواعظه وحكمه عليه السلام
قال عليه السّلام: خير الغنى القنوع وشرّ الفقر الخضوع.
وقال: من أحبّ الدّنيا, ذهب خوف الآخرة من قلبه.
وقال: عليكم بالفكر, فإنّه حياة قلب البصير ومفاتيح أبواب الحكمة.
وقال: غسل اليدين قبل الطّعام, ينفى الفقر وبعده ينفى الهمّ.
وقال: صاحب النّاس, بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك به.
وقال: يابن آدم, إنّك لم تزل فى هدم عمرك منذ سقطت من بطن اُمّك, فجد بما فى يديك, فإنّ المؤمن يتزود والكافر يتمتع.
وقال: لاتعجّل الذّنب بالعقوبة, واجعل بينهما للاعتذار طريقاً.
وقال: المزاح يأكل الهيبة، وقد أكثر من الهيبة الصّامت.
وقال: إذا أضرّت النّوافل بالفريضة فارفضوها.
وقال: بينكم وبين الموعظة حجاب العزّة.
وقال: الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود.
وقال: إنّ مَن طلب العبادة تزكّى لها.
وقال: ما تشاور قوم إلاّ هدوا إلى رشدهم.
وقال: تجهل النّعم ما أقامت، فإذا ولّت عرفت.
وقال: مَن تذكّر بعد السّفر اعتدّ.
وقال: اللؤم أن لا تشكر النّعمة.
وقال: الخير الذي لا شرّ فيه, الشّكر مع النّعمة والصّبر على النّازلة.
وقال: العار أهون من النّار.
وقال: فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها.
وقال: لرجل أبلّ من علّة, إنّ الله قد ذكرك فاذكره، وأقالك فاشكره.
وقال: ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد.
وقال: قطع العلم عذر المتعلمين.
وقال: أحسن الحسن الخُلق الحسن.
وقال: تعلّموا العلم, فان لم تستطيعوا حفظه فاكتبوه وضعوا فى بيوتكم.
وقال: تعلّموا, فإنّكم صغار قوم اليوم وتكونوا كبارهم غداً.
وقال: علم النّاس علمك و تعلم علم غيرك فتكون قد أنفقت علمك و علمت مالم تعلم.
وقال: حسن السّؤال نصف العلم.
وقال: هلاك المرء في ثلاث: الكبر والحرص والحسد، فالكبر هلاك الدّين، وبه لعن إبليس، والحرص عدو النّفس، به أُخرج آدم من الجنّة، والحسد رائد السّوء، ومنه قتل قابيل هابيل.
وقال: لا أدب لِمَن لا عقل له، ولا مروءة لِمَن لا همّة له، ولا حياء لِمَن لا دين له، ورأس العقل مُعاشرة النّاس بالجميل، وبالعقل تدرك الدّاران جميعاً، ومن حرم العقل حرمهما جميعاً.
و قال: مكارم الأخلاق عشر: صدق اللسان، وصدق البأس، وإعطاء السّائل، وحسن الخُلق، والمكافأة بالصّنائع، وصلة الرّحم، والتّرّحم على الجار، ومعرفة الحقّ للصاحب، وقري الضّيف، ورأسهن الحياء.
وقال: عجب لمن يتفكّر في مأكوله كيف لا يتفكّر في معقوله, فيجنّب بطنه ما يؤذيه ويودع صدره ما يرديه.
وقال: إن النّاس أربعة: فمنهم من له خلاق و ليس له خلق، و منهم من له خلق و ليس له خلاق، ومنهم من ليس له خلق ولا خلاق فذاك أشرّ النّاس، و منهم من له خلق وخلاق فذلك أفضل النّاس.
وقال: أيّها النّاس, إنّه من نصح لله وأخذ قوله دليلاً, هدي للتي هي أقوم, ووفّقه الله للرشاد, وسدّده للحُسنى, فإنّ جار الله آمن محفوظ وعدوه خائف مخذول, فاحترسوا من الله بكثرة الذّكر, واخشوا الله بالتّقوى, وتقرّبوا إلى الله بالطّاعة, فإنّه قريب مُجيب، قال الله تبارك وتعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إذا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }. فاستجيبوا لله وآمنوا به, فإنّه لا ينبغي لِمَن عرف عظمة الله أن يتعاظم، فإنّ رفعة الذين يعلمون عظمة الله أن يتواضعوا, وعزّ الذين يعرفون ما جلال الله أن يتذللوا له, وسلامة الذين يعلمون ما قدرة الله أن يستسلموا له, ولا ينكروا أنفسهم بعد المعرفة, ولا يضلّوا بعد الهُدى, واعلموا علماً يقيناً أنّكم لن تعرفوا التّقى حتّى تعرفوا صفة الهُدى, ولن تُمسكوا بميثاق الكتاب حتّى تعرفوا الذي نبذه, ولن تتلوا الكتاب حقّ تلاوته حتّى تعرفوا الذي حرّفه. فإذا عرفتم ذلك, عرفتم البدع والتّكلف, ورأيتم الفرية على الله والتّحريف, ورأيتم كيف يهوي مَن يهوي, ولا يجهلنّكم الذين لا يعلمون, والتّمسوا ذلك عند أهله، فإنّهم خاصّة نور يستضاء بهم وأئمّة يقتدى بهم، بهم عيش العلم وموت الجهل, وهم الذين أخبركم حلمهم عن جهلهم, وحكم منطقهم عن صمتهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه, وقد خلت لهم من الله سنّة, ومضى فيهم من الله حكم, إنّ في ذلك لذكرى للذاكرين.
واعقلوه إذا سمعتموه عقل رعاية ولا تعقلوه عقل رواية، فإن رواة الكتاب كثير ورعاته قليل, والله المستعان.
وقال ذات يوم لأصحابه: إنّي أخبركم عن أخ لي وكان من أعظم النّاس في عيني, وكان رأس ما عظّمه في عيني صغر الدنيا في عينه, كان خارجاً من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد, وكان خارجاً من سلطان فرجه فلا يستخف له عقله ولا رأيه, وكان خرجاً من سلطان الجهلة فلا يمد يداً إلا على ثقة المنفعة, كان لا يسخط ولا يتبرّم, كان إذا جامع العلماء يكون على أن يسمع احرص منه على أن يتكلّم, كان إذا غلب عليه الكلام لم يغلب على الصّمت, كان أكثر دهره صامتاً فإذا قال بذّ القائلين, كان لا يشارك في دعوى ولا يدخل في مراء ولا يدلي بحجة حتّى يرى قاضياً, كان يقول ما يفعل ويفعل ما لا يقول تفضّلاً وتكرّماً, كان لا يفعل عن اخوانه ولا يختصّ بشئ دونهم, كان لا يلوم أحداً فيما يقع العذر في مثله, كان إذا ابتداه أمران لا يدري أيهما أقرب إلى الحقّ, نظر فيما هو أقرب إلى هواه فخالفه.
وقال: كان يُقال: ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابداً, وارض بما قسم الله لك تكن غنياً, واحسن مجاورة من جاورك من النّاس تكن مسلماً, وصاحب النّاس بالذى تحب أن يصاحبوك به تكن عدلاً, وإيّاك وكثرة الضّحك, فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب. إنّه قد كان بين يديكم أقوام يجمعون كثيراً ويبنون شديداً ويأملون بعيداً فأين هُم؟ أصبح جمعهم بوراً, وأصبح عملهم غروراً, وأصبحت مساكنهم قبوراً. ابن آدم إنّك مرتهن بعملك, وأنت على أجلك معروض على ربّك, فخذ ممّا في يديك لما بين يديك عند الموت ياتيك من الخير. يابن آدم, طيء الارض بقدمك, فإنّها عن قليل قبرك, إنّك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمّك. يا ابن آدم, خالطّ النّاس وزايلهم, خالطّهم ببدنك وزايلهم بقلبك وعملك. يا ابن آدم, أتحبّ أن تذكر بحسناتك وتكره أن تذكر بسيآتك, وتبغض على الظّنّ وتقيم على اليقين.
وقال عليه السّلام: اعلموا أنّ الله لم يخلقكم عبثاً وليس بتارككم سدى، كتب آجالكم وقسم بينكم معائشكم ليعرف كل ذي لب منزلته وأن ما قدر له أصابه وما صرف عنه فلن يصيبه، قد كفاكم مؤونة الدنيا وفرغكم لعبادته وحثكم على الشّكر وافترض عليّكم الذّكر وأوصاكم بالتّقوى وجعل التّقوى منتهى رضاه، والتّقوى باب كل توبة ورأس كل حكمة وشرف كل عمل، بالتّقوى فاز من فاز من المتقين. قال الله تبارك وتعالى: إن للمتقين مفازاً. وقال: وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم، لا يمسهم السّوء ولا هم يحزنون. فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه من يتق الله يجعل له مخرجاً من الفتن ويسدده في أمره ويهيئ له رشده ويفلجه بحجته ويبيض وجهه ويعطه رغبته، مع الذين أنعم الله عليهم من النّبيين والصّديقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقاً.

وصاياه عليه السلام

الوصيّة الأولى : أوصى بها أخيه الإمام الحسين عليهما السلام بأنّ لا يهرق محجمه دم
هذا ما أوصى به الحسن بن عليّ إلى أخيه الحُسين بن عليّ، أوصى أنّه: يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّه يعبده حقّ عبادته، لا شريك له في الملك، ولا وليّ له من الذل، وأنّه خلق كلّ شيء، فقدّره تقديراً، وأنّه أولى من عبد، وأحقّ من حمد، من أطاعه رشد، ومن عصاه غوى، ومن تاب إليه اهتدى, فإنّي أوصيك يا حُسين بمن خلّفت من أهلي وولدي وأهل بيتك, أن تصفح عن سيئهم، وتقبل من مُحسنهم، وتكون لهم خلفاً ووالداً, وأن تدفنّي مع رسول الله فإنّي أحقّ به، وببيته ممّن أدخل بيته بغير إذنه، ولا كتاب جاءهم من بعده، قال الله فيما أنزله على نبيّه في كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لكم، فو الله ما أذن لهم في الدّخول عليه في حياته بغير إذنه، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته، ونحن مأذون لنا في التّصرّف فيما ورثناه من بعده, فإن أبت عليّك المرأة، فأنشدك بالله وبالقرابة التّي قرّب الله عزّ وجلّ منك، والرّحم الماسّة من رسول الله: أن لا تهريق في محجمةٍ من دم، حتّى نلقى رسول الله، فنختصم إليه، ونخبره بما كان من النّاس إلينا من بعده.

الوصيّة الثانية : أوصى بها أيضاً أخيه الإمام الحسين عليهما السلام بأن يصرفه إلى اُمّه بعد شهادته
يا أخي, إنّي أوصيك بوصيةٍ فاحفظها، فإذا أنا متّ فهيّئني، ثمّ وجّهني إلى رسول الله، لأجدّد به عهداً، ثمّ اصرفني إلى أمّي فاطمة، ثمّ ردّني، فادفنّي بالبقيع، واعلم: أنّه سيصبني من الحمراء ما يعلم النّاس صنيعها، وعداوتها لله ولرسوله، وعداوتها لنا أهل البيت.
يا أخي, إنّ هذه آخر ثلاث مرّاتٍ سقيت فيها السّمّ، ولم أسقه مثل مرّتي هذه، وأنا ميّت من يومي، فإذا أنا متّ فادفنّي مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، فما أحد أولى بقربه منّي، إلا أن تمنع من ذلك فلا تسفك فيه محجمة دم.
يا أخي, إذا أنا متّ، فغسّلني وحنّطني وكفّنّي، واحملني إلى جدّي صلّى الله عليه وآله، حتّى تلحدني إلى جانبه، فإن منعت من ذلك، فبحقّ جدّك رسول الله، وأبيك أمير المؤمنين، وأمّك فاطمة الزّهراء أن لا تخاصم أحداً، واردد جنازتي من فورك إلى البقيع، حتّى تدفنّي مع أمّي.

الوصيّة الثالثة : أوصى به أخيه محمّد بن الحنفيّة ، بأنّ الإمام من بعده هو الحسين عليه السلام
لمّا حضرت الإمام الحسن عليه السّلام الوفاة، قال: يا قنبر, أنظر هل ترى وراء بابك مؤمناً من غير آل مُحمّد؟ فقال: الله ورسوله وابن رسوله أعلم. قال: امض فادع لي مُحمّد بن عليّ، قال: فأتيته، فلمّا دخلت عليه قال: هل حدث إلاّ خير؟ قُلت: أجب أبا مُحمّد، فعجّل عن شسع نعله فلم يسوّه، فخرج معي يعدو. فلمّا قام بين يديه سلّم، فقال له الحسن عليه السّلام: اجلس فليس يغيب مثلك عن سماع كلامٍ يحيا به الأموات، ويموت به الأحياء، كونوا أوعية العلم ومصابيح الدّجى، فإنّ ضوء النّهار بعضه أضوأ من بعض، أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ جعل ولد إبراهيم أئمّةً وفضّل بعضهم على بعض، وآتى داود زبوراً، وقد علمت بما استأثر الله مُحمّداً صلّى الله عليه وآله. يا مُحمّد بن عليّ, إنّي لا أخاف عليّك الحسد، وإنّما وصف الله تعالى به الكافرين فقال: كفّاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحقّ، ولم يجعل الله للشيطان عليّك سلطاناً.
يا مُحمّد بن عليّ، ألا أخبرك بما سمعت من أبيك عليه السّلام فيك؟ قال: بلى.
قال: سمعت أباك يقول يوم البصرة: من أحبّ أن يبرّني في الدّنيا والآخرة فليبر مُحمّداً.
يا مُحمّد بن عليّ, لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك.
يا مُحمّد بن عليّ, أما علمت أنّ الحُسين بن عليّ بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي، إمام من بعدي، وعند الله في الكتاب الماضي، وراثة النّبي أصابها في وراثة أبيه وأمّه، علم الله أنّكم خير خلقه، فاصطفى منكم مُحمّداً واختار مُحمّد عليّاً، واختارني عليّ للإمامة، واخترت أنا الحُسين.
فقال له مُحمّد بن عليّ: أنت إمامي وسيّدي، وأنت وسيلتي إلى مُحمّد، والله لوددت أنّ نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام، ألا وإنّ في رأسي كلاماً لا تنزفه الدّلاء، ولا تغيّره بعد الرّياح كالكتاب المعجم، في الرّقّ المنمنم، أهمّ بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل، وما جاءت به الرّسل، وإنّه لكلام يكلّ به لسان النّاطق، ويد الكاتب ولا يبلغ فضلك، وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوّة إلاّ بالله, الحُسين أعلمنا علماً، وأثقُلنا حلماً، أقربنا من رسول الله رحماً، كان إماماً قبل أن يخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم الله أنّ أحداً خير منّا ما اصطفى مُحمّداً صلّى الله عليه وآله، فلمّا اختار مُحمّداً، واختار مُحمّد عليّاً إماماً، واختارك عليّ بعده، واخترت الحُسين بعدك، سلّمنا ورضينا بمن هو الرّضا، وبمن نسلم به من المشكلات.

الوصيّة الرابعة : يوصي بالحسين عليهم السلام بأنّه إمام وخليفة من بعده
أوصيك يا أخي بأهلي وولدي خيراً، واتبع ما أوصى به جدّك وأبوك وأمّك عليهم أفضل الصّلوات والسّلام. يا أخاه لا تحزن عليّ، فإنّ مصابك أعظم من مصيبتي ورزءك أعظم من رزئي، فإنّك تقتل - يا أبا عبد الله الحُسين - بشطّ الفرات بأرض كربلاء عطشاناً لهيفاً وحيداً فريداً مذبوحاً يعلو صدرك أشقى الأمّة، ويحمحم فرسك ويقول في تحمحمه: الظّليمة الظّليمة من أمّةٍ قتلت ابن بنت نبيّها. وتسبى حريمك وييتّم أطفالك، ويسيّرون حريمك على الأقتاب بغير وطاءٍ ولا فراش، ويحمل رأسك يا أخي على رأس القنا، بعد أن تقتل ويقتل أنصارك، فيا ليتني كنت عندك أذبّ عنك كما يذبّ عنك أنصارك بقتل الأعداء، ولكنّ هذا الأمر يكون وأنت وحيد لا ناصر لك منّا، ولكن لكلّ أجلٍ كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب، فعليّك يا أخي بالصّبر على البلاء حتّى تلحق بنا. ثمّ التّفت إلى الحاضرين، فقال: اسمعوا وأنصتوا ما أقول لكم الآن، هذا الحُسين أخي إمام بعدي فلا إمام غيره، ألا فليبلّغ الحاضر الغائب، والو الدّ الولد، والحرّ والعبد والذكر والأنثى، وهو خليفتي عليّكم لا أحد يخالفه منكم، فمن خالفه كفر وأدخله الله النّار وبئس القرار، ونحن ريحانتا رسول الله، وسيّدا شباب أهل الجنّة، فلعن الله من يتقدّم أو يقدّم عليّنا أحداً، فيعذبه الله عذاباً أليماً، وإنّي ناصّ عليه كما نصّ رسول الله صلّى الله عليه وآله على أمير المؤمنين عليه السّلام، وكما نصّ أبي عليّ، وهو الخليفة بعدي من الله ومن رسوله. حفظكم الله، أستودعكم الله، الله خليفتي عليّكم وكفى به خليفة، وإنّي منصرف عنكم ولا حق بجدّي وأبي وأمّي وأعمامي.

الوصيّة الخامسة : يوصي ولده القاسم بالجهاد مع عمّه الحسين عليهم السلام في كربلاء
يا ولدي يا قاسم، أوصيك: إنّك إذا رأيت عمّك الحُسين في كربلاء، وقد أحاطت به الأعداء، فلا تترك البراز والجهاد، لأعداء الله وأعداء رسوله، ولا تبخل عليه بروحك، وكلّما نهاك عن البراز، عاوده ليأذن لك في البراز، لتحظى في السّعادة الأبدية.

الوصيّة السادسة : يوصي عليه السلام جعيد بن همذان في الأخلاق
يا جعيد بن همذان, إنّ النّاس أربعة: فمنهم من له خلاق وليس له خلق, ومنهم من له خلق وليس له خلاق, ومنهم من ليس له خلق ولا خلاق فذاك أشر النّاس, ومنهم من له خلق وخلاق فذاك أفضل النّاس.

خطبه عليه السلام

الخطبة الاُولى : خطبته بعد شهادة والده أمير المؤمنين عليهما السلام
خطب عليه السّلام بعد شهادة والده أمير المؤمنين عليهما السّلام، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر أمير المؤمنين عليّاً، فقال: خاتم الأوصياء، ووصي خاتم الأنبياء، وأمير الصّدّيقين والشّهداء والصّالحين. ثمّ قال: يا أيّها النّاس: لقد فارقكم رجل ما سبقه الأوّلون بعلم، ولا يدركه الآخرون، لقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يعطيه الرّاية، فيقاتل جبرائيل عن يمينه، ومكائيل عن يساره، فما يرجع حتّى يفتح الله عليه، والله لقد قبضه الله عز وجل في الليلة التّي قبض فيها وصي موسى عليه السّلام، وعرج بروحه في الليلة التّي فيها رفع عيسى عليه السّلام، وفي الليلة التّي أنزل فيها الفرقان، والله ما ترك ذهباً ولا فضةً إلاّ شيئاً على صبي له، وما ترك في بيت المال إلاّ سبعمئة وخمسين درهماً، فضلت عن عطائه، أراد أن يشتري بها خادماً لأم كلثوم. ثمّ قال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن مُحمّد النّبي صلّى الله عليه وآله، ثمّ تلا هذه الآية ـ قول يوسف عليه السّلام ـ: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ. ثمّ قال: أنا ابن البشير، وأنا ابن النّذير، وأنا ابن الداعي إلى الله باذنه، وأنا ابن السّراج المنير، وأنا ابن الطّهر الذي أرسل رحمة للعالمين، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله تعالى ولايتهم ومودّتهم، فقال فيما أنزل على مُحمّد: (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عليه أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً) واقتراف الحسنة مودّتنا.

الخطبة الثانية : خطبته بعد تولّيه أمر الخلافة
قال عليه السّلام: نحن حزب الله الغالبون، وعشيرة رسول الله الأقربون، وأهل بيته الطّيّبون الطّاهرون، وأحد الثّقُلين الذين خلّفهما رسول الله صلّى الله عليه وآله في أمّته، والثّاني كتاب الله، فيه تفصيل كل شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعوّل عليّنا في تفسيره، لا نظن تأويله بل نتيقّن حقائقه، فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة الله عز وجل ورسوله مقرونة.
قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ.
وأحذّركم الإصغاء لهتاف الشّيطان، فإنّه لكم عدو مبين، وتكونوا كأوليائه الذين قال لهم: لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ، فتلقون إلى الرّماح وزراً، وإلى السّيوف جزراً، وللعمد حطماً، وللسهام غرضاً، ثمّ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً.

الخطبة الثالثة : خطبته في الكوفة يحثّ فيه على الجهاد
قال عليه السّلام: الحمد لله العزيز الجبّار، الواحد القهّار، الكبير المتعال، سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به، ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنّهار، أحمده على حسن البلاء، وتظاهر النّعماء، وعلى ما أحببنا، وكرهنا من شدّة ورخاء، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ مُحمّداً عبده ورسوله، أمتنّ علينا بنبوّته، واختصّه برسالته، وأنزل عليه وحيه، واصطفاه على جميع خلقه، وأرسله إلى الإنس والجن حين عبدت الأوثان، وأطيع الشّيطان، وجحد الرّحمن، فصلّى الله عليه وآله، وجزاه أفضل ما جزى المرسلين.
أمّا بعد: فإنّي لا أقول لكم إلاّ ما تعرفون: إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أرشد الله أمره، وأعزّه ونصره، بعثني إليكم يدعوكم إلى الصّواب، والعمل بالكتاب، والجهاد في سبيل الله، وإن كان في عاجل ذلك ما تكرهون، فإن في آجله ما تحبّون إن شاء الله.
ولقد علمتم أنّ عليّاً صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وحده، وإنّه يوم صدّق به لفي عاشرة من سنّه، ثمّ شهد مع رسول الله صلّى الله عليه وآله جميع مشاهده، وكان من اجتهاده في مرضاة الله وطاعة رسوله، وآثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغكم.
ولم يزل رسول الله صلّى الله عليه وآله راضياً عنه حتّى غمّضه بيده، وغسّله وحده، والملائكة أعوانه، والفضل ابن عمّه ينقُل إليه الماء، ثمّ أدخله حفرته، وأوصاه بقضاء دينه، وعداته، وغير ذلك من أموره، كل ذلك مَن الله عليه، ثمّ والله ما دعا إلى نفسه، ولقد تداكّ النّاس عليه تداكّ الإبل الهيم عند ورودها، فبايعوه طائعين, ثمّ نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه، ولا خلاف أتاه، حسداً له وبغياً عليه، فعليّكم عباد الله بتقوى الله وطاعته، والجد والصّبر، والاستعانة بالله، والخفوف إلى ما دعاكم إليه أمير المؤمنين، عصمنا الله وإيّاكم بما عصم به أولياءه وأهل طاعته، وألهمنا وإيّاكم تقواه، وأعاننا وإيّاكم على جهاد أعدائه؛ واستغفر الله العظيم لي ولكم.

الخطبة الرابعة : خطبته عليه السلام حين قال له معاوية بعد الصُلح : إذكر فضلنا
فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على مُحمّد النّبي وآله، ثمّ قال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن رسول الله، أنا ابن البشير النّذير، أنا ابن المُصطفى بالرّسالة، أنا ابن من صلّت عليه الملائكة، أنا ابن من شرفت به الأمّة، أنا ابن من كان جبرائيل السّفير من الله إليه، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين، صلّى الله عليه وآله أجمعين.
فلم يقدر معاوية أن يكتم عداوته وحسده، فقال: يا حسن عليّك بالرّطب، فانعته لنا.
قال عليه السّلام: نعم يا معاوية، الرّيح تلقحه، والشّمس تنفخه، والقمر يلوّنه، والحر ينضجه، والليل يبرده.
ثمّ أقبل على منطقه فقال: أنا ابن المستجاب الدعوة، أنا ابن من كان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى، أنا ابن الشّفيع المطاع، أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن من خضعت له قريش رغماً، أنا ابن من سعد تابعه وشقي خاذله، أنا ابن من جعلت الأرض له طهوراً ومسجداً، أنا ابن من كانت أخبار السّماء إليه تترى، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً.

الخطبة الخامسة : خطبته بعد الصُلح مع معاوية
لمّا أُبرم‏ الصّلح التّمس معاوية من الإمام الحسن ‏عليه السّلام أن يتكلّم بمجمع من النّاس، ويُعلِمهم أنّه قد بايع معاوية، فأجابه إلى ذلك، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى‏ على نبيّه مُحمّد صلّى الله عليه وآله، ثمّ قال:
أيّها النّاس: إنّ أكيّس الكيس التّقي، وأحمق الحمق الفجور، والله ولو أنّكم طلبتم ما بين جابرقا وجابرصا مَن جدّه رسول الله ‏صلّى الله عليه وآله ما وجدتموه غيري، وغير أخي الحُسين، وقد علمتم أنّ الله تعالى جلّ ذكره وعزّ اسمه هداكم بجدّي مُحمّد، وأنقذكم به من الضّلالة، وخلّصكم به من الجهالة، وأعزّكم به بعد الذلّة، وكثّركم به بعد القُلة, وأنّ معاوية نازعني حقّاً هو لي دونه، فتركته‏ لصلاح الأُمّة وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني على أن تُسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت، فرأيت أن أُسالم لمعاوية، وأضع الحرب بيني وبينه، وقد رأيت أنّ حقن دماء المسلمين خيرٌ من سفكها، ولم‏ أُرد بذلك إلاّ صلاحكم وبقاءكم، وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى‏ حِينٍ‏

الخطبة السادسة : خطبته في التوحيد
أمر الإمام عليّ عليه السّلام ولده الإمام الحسن عليه السّلام ليخطب النّاس في مسجد الكوفة، فصعد المنبر، وقال: الحمد لله الواحد بغير تشبيه، والدائم بغير تكوين، القائم بغير كلفة، الخالق بغير منصبة، والموصوف بغير غاية، المعروف بغير محدود، العزيز، لم يزل قديماً في القدم، ردعت القُلوب لهيبته، وذهلت العقول لعزّته، وخضعت الرّقاب لقدرته، فليس يخطر على قُلب بشر مبلغ جبروته، ولا يبلغ النّاس كنه جلاله، ولا يفصح الواصفون منهم لكُنه عظمته، ولا تبلغه العلماء بألبابها، ولا أهل التّفكّر بتدابير أُمورها، أعلم خلقه به الذي بالحدّ لا يصفه، يُدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير....
وجاء اليه رجل فقال له: يابن رسول الله , صف لي ربّك كأنّي أنظر إليه.
فأطرق الإمام الحسن عليه السّلام مليّاً، ثمّ رفع رأسه فأجابه: الحمد لله الذي لم يكن له أوّل معلوم، ولا آخر متناه، ولا قبل مدرك، ولا بعد محدود، ولا أمد بحتّى، ولا شخص فيتجزّأ، ولا اختلاف صفة فيتناهى، فلا تدرك العقول وأوهامها، ولا الفكر وخطراتها، ولا الألباب وأذهانها صفته، فيقول: متى، ولا بدئ ممّا، ولا ظاهر على ما، ولا باطن فيما، ولا تارك فهلاّ، خلق الخلق فكان بديئاً بديعاً، ابتدأ ما ابتدع، وابتدع ما ابتدأ، وفعل ما أراد، وأراد ما استزاد.

رسائله عليه السلام
وردت عن الإمام الحسن عليه السّلام عدّة رسائل، نذكر منها:
الرّسالة الأولى: كتب عليه السّلام إلى معاوية بن أبي سفيان رسالة، جاء فيها: أمّا بعد: فانّك دسست إليّ الرّجال، للاحتيال والاغتيال، وارصدت العيون، كأنّك تحبّ اللقاء، وما أشكّ في ذلك، فتوقّعه إن شاء الله، وقد بلغني: أنّك شمتّ بما لا يشمت به ذوو الحجى، وإنّما مثلك في ذلك، كما قال الأوّلون:
وقُل الذي يبقى خلاف الذي مضى ** تجهّز لأخـرى مثلها فكأن قـد
وإنّا ومـن قد مـات منّا لكـالذي ** يروح فيمسي في المبيت ليفتدي.
الرّسالة الثّانية: كتب عليه السّلام إلى معاوية بن أبي سفيان رسالة أيضاً، جاء فيها: أمّا بعد: فإنّ الله جل جلاله، بعث مُحمّداً رحمةً للعالمين، ومنّةً للمؤمنين، وكافّةً للنّاس أجمعين، لينذر من كان حياً، ويحقّ القول على الكافرين، فبلّغ رسالات الله، وقام بأمر الله، حتّى توفاه الله غير مقصّر ولا وانٍ، وبعد أن أظهر الله به الحقّ، ومحق به الشّرك، وخصّ به قريشاً خاصّةً.
فقال له: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ. فلما توفّي، تنازعت سلطانه العرب، فقالتّ قريش: نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه، ولا يحلّ لكم أن تنازعونا سلطان مُحمّد وحقّه، فرأت العرب أنّ القول ما قالت قريش، وأنّ الحجّة في ذلك لهم، على من نازعهم أمر مُحمّد، فأنعمت لهم، وسلّمت إليهم, ثمّ حاججنا نحن قريشاً، بمثل ما حاججت به العرب، فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها، إنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالإنصاف والاحتجاج، فلمّا سرنا - أهل بيت مُحمّد وأولياؤه - إلى محاججتهم، وطلب النّصف منهم، باعدونا واستولوا بالاجتماع على ظلمنا، ومراغمتنا وللعنت منهم لنا، فالموعد الله، وهو الوليّ النّصير. ولقد كنّا تعجّبنا لتوثّب المتوثبين عليّنا في حقّنا، وسلطان بيتنا وإذ كانوا ذوي فضيلة وسابقةٍ في الإسلام، أمسكنا عن منازعتهم، مخافةً على الدّين أن يجد المنافقون، والأحزاب في ذلك مغمراً يثلمون به، أو يكون لهم بذلك سبب إلى ما أرادوا من أفساده. فاليوم فليتعجّب المتعجّب، من توثّبك يا معاوية، على أمرٍ لست من أهله، لا بفضلٍ في الدّين معروفٍ، ولا أثرٍٍ في الإسلام محمودٍ، وأنت ابن حزبٍ من الأحزاب، وابن أعدى قريشٍ لرسول الله صلّى الله عليه وآله ولكتابه, والله حسيبك فسترد عليه، وتعلم لمن عقبى الدّار، وبالله لتلقينّ عن قُليلٍ ربّك، ثمّ ليجزينّك بما قدّمت يداك، وما الله بظلاّمٍ للعبيد.
إنّ عليّاً لمّا مضى لسبيله رحمة الله عليه يوم قبض، ويوم منّ الله عليه بالإسلام، ويوم يبعث حيّاً، ولاّني المسلمون الأمر من بعده، فاسأل الله أن لا يؤتينا في الدنّيا الزّائلة شيئاً، ينقصنا به في الآخرة، ممّا عنده من كرامةٍ, وإنّما حملني على الكتابة إليك، الأعذار فيما بيني وبين الله عزّ وجلّ في أمرك، ولك في ذلك إن فعلته الحظّ الجسيم، والصّلاح للمسلمين. فدع التّمادي في الباطل، وادخل فيما دخل فيه النّاس من بيعتي، فإنّك تعلم: أنّي أحقّ بهذا الأمر منك عند الله، وعند كلّ أوابٍ حفيظٍ، ومن له قُلب منيب، واتّق الله، ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فو الله ما لك خير في أن تلقى الله من دمائهم، بأكثر ممّا أنت لاقيه به, وادخل في السّلم والطّاعة، ولا تنازع الأمر أهله، ومن هو أحقّ به منك، ليطفيء الله النّائرة بذلك، ويجمع الكلمة ويصلح ذات البين، وإن أنت أبيت إلاّ التّمادي في غيّك، سرت إليك المسلمين، فحاكمتك حتّى يحكم الله بيننا، وهو خير الحاكمين.
الرّسالة الثّالثّة: كتب عليه السّلام إلى معاوية بن أبي سفيان رسالة أيضاً، جاء فيها: أمّا بعد، فقد وصل إليّ كتابك، تذكر فيه ما ذكرت، وتركت جوابك خشية البغي عليك، وبالله أعوذ من ذلك، فاتّبع الحقّ، تعلم أنّي من أهله، وعليّ إثم أن أقول فأكذب.
الرّسالة الرّابعة: كتب عليه السّلام إلى معاوية بن أبي سفيان رسالة أيضاً، جاء فيها: أما بعد: فإنّ خطبي انتهى إلى اليأس، من حقٍّ أحييته، وباطلٍ أمتّه، وخطبك خطب من انتهى إلى موارده، وإنّي اعتزل هذا الأمر وأخلّيه لك، وإن كان تخليتي إياه شراً لك في معادك، ولي شروط أشترطها، لأبتهظنّك إن وفيت لي بها بعهد، ولا تخف أن غدرت - وكتب الشّرط في كتابٍ آخر فيه يمنّيه بالوفاء وترك الغدر - وستندم يا معاوية كما ندم غيرك، ممّن نهض في الباطل، أو قعد عن الحقّ، حين لم ينفع النّدم.
الرّسالة الخامسة: كتب عليه السّلام إلى زياد بن أبيه رسالة، جاء فيها: أمّا بعد: فإنّك عمدت إلى رجلٍ من المسلمين له ما لهم، وعليه ما عليهم، فهدمت داره، وأخذت ماله، وحبست أهله وعياله، فإن أتاك كتابي هذا فابن له داره، واردد عليه عياله وماله، وشفّعني فيه فقد أجرته.
الرّسالة السّادسة: كتب عليه السّلام إلى قوم من أصحابه رسالة، جاء فيها: أمّا بعد: فقد بلغني كتابكم، تعزّونني بفلانة، فعند الله أحتسبها، تسليماً لقضائه، وصبراً على بلائه، فإنّ أوجعتنا المصائب، وفجعتنا النّوائب بالأحبّة المألوفة، التّي كانت بنا حفية والإخوان المحبين، الذين كان يسرّ بهم النّاظرون، وتقرّ بهم العيون, أضحوا قد اخترمتهم الأيّام، ونزل بهم الحمام، فخلفوا الخلوف، وأودت بهم الحتوف، فهم صرعى في عساكر الموتى، متجاورون في غير محلّة التّجارة، ولا صلات بينهم ولا تزاور، ولا يتلاقون عن قرب جوارهم، أجسامهم نائية من أهلها، خالية من أربابها، قد أخشعها أخوانها، فلم أر مثل دارها داراً، ولا مثل قرارها قراراً، في بيوتٍ موحشةٍ، وحلول مضجعةٍ، قد صارت في تلك الدّيار الموحشةٍ، وخرجت عن الدّار المؤنسة، ففارقتها من غير قُلىً فاستودعتها للبلى، وكانت أمّه مملوكةً، سلكت سبيلاً مسلوكة، صار إليها الأوّلون، وسيصير إليها الآخرون.

كراماته عليه السلام
هناك كرامات عظيمة نسبة إلى الإمام المُجتبى عليه السّلام، منها:
الكرامة الأولى: تسبيح الحصى بيديه.
روى الشّيخ مُحمّد بن عليّ العامليّ في كتاب تحفة الطّالب نقُلاً عن كتاب المصابيح من كتب العامّة، عن زين بن أرقم قال: سبعُ حَصِيّاتٍ سبّحنَ في كفّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، فوضَعَها في يد الحسن بن عليّ عليه السّلام فسَبّحنَ كما سبّحن في كفّه، ثمّ وضعها في كفّ الحُسين عليه السّلام فسبّحن في كفّه. وكلُّ مَن حضر مِن الصّحابة أخذ الحصيّات ولم يسبّحن في أيديهم، فسُئل عليه السّلام عن ذلك فقال: الحصى لا يسبّحن إلاّ في كفّ نبيّ، أو وصيِّ نبيّ.
الكرامة الثانية: إجابة الطير له.
قال أبو جعفر الطّبريّ مُحمّد بن جرير: حدّثنا أبو مُحمّد عبدالله بن مُحمّد قال: حدّثنا سلمة بن مُحمّد قال: أخبرنا مُحمّد بن عليّ الجاشي قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي الخُدْريّ قال: رأيتُ الحسنَ بن عليّ عليه السّلام وهو طفل.. والطّير تُظِلّه، ورأيتُه يدعو الطّيرَ فتُجيبه.
الكرامة الثالثة: نقله الوحي لأمّه الزّهراء عليهما السلام.
عن أبي السّعادات في الفضائل أنّه أملى الشّيخ أبو الفتوح في مدرسة النّاجية، أنّ الحسن بن عليّ عليهما السّلام كان يحضر مجلس رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو ابنُ سبع سنين، فيسمع الوحيَ فيَحفَظُه، فيأتي أُمَّه فيُلقي إليها ما حَفِظه. فلمّا دخل عليّ عليه السّلام وجدَ عندها عِلْماً، فسألها عن ذلك فقالت: مِن ولدك الحسن. فتخفّى يوماً في الدار وقد دخل الحسن وكان سمع الوحي، فأراد أن يُلقيَه فأُرْتِج عليه... فعَجِبت أمُّه من ذلك، فقال لها: لا تعجبي يا أمّاه, فإنّ كبيراً يسمعني، واستماعه قد أوقفني. فخرج عليّ عليه السّلام فقبّلَه.
وفي روايةٍ اُخرى قال الحسن عليه السّلام: يا أُمّاه، قلّ بياني، وكَلَّ لساني، لعلّ سيّداً يرعاني
الكرامة الرابعة: هلاك من ادعى عليه كذباً.
ادّعى رجلٌ على الحسن بن عليّ عليهما السّلام ألفَ دينار كذباً، ولم يكن عليه، فذهبا إلى شُرَيح القاضي، فقال شريح للحسن: أتحلف؟ قال: إن حلف خصمي أُعطيه، فقال شريح للرجل: قُل: بالله الذي لا إله إلاّ هو عالِمُ الغيب والشّهادة. فقال الحسن: لا أُريد مِثل هذا، قُل: بالله أنّ لك عليّ هذا، وخُذِ الألف. فقال الرّجل ذلك وأخذ الدنانير، فلمّا قام خرّ إلى الأرض ومات! فسُئل الحسنُ عن ذلك فقال: خشيتُ أنّه لو تكلّم بالتّوحيد يُغفَر له يمينُه ببركة التّوحيد ويَحجِبُ عنه عقوبة يمينه
الكرامة الخامسة: نطوقه بالحكمة وهو طفل.
عن مُحمّد بن إسحاق بالإسناد، في حديثٍ: أنّ أبا سفيان قال لفاطمة، والحسن يدرج وهو ابنُ أربعة عشر شهراً: يا بنتَ مُحمّد، قولي لهذا الطّفل يكلّم لي جدّه. فقال الحسن: يا أبا سفيان قُل: لا إله إلاّ الله، مُحمّد رسول الله... حتّى أكونَ لك شفيعاً. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: الحمدُ لله الذي جعَلَ في آل مُحمّد نظيرَ يحيى بن زكريا: وآتَيناهُ الحُكْمَ صَبِيّا.ً

مُعجزاته عليه السلام
المعجزة الأولى: إطاعة الحيوانات له.
عن الأعمش، عن أبي بُرَيدة، عن مُحمّد بن حجارة قال: رأيتُ الحسنَ بن عليّ عليهما السّلام وقد مرّت به صريمةٌ من الظّباء، فصاح بهنّ فأجابَتْه كلُّها بالتّلبية.. حتّى أتتْ بين يديه.
المعجزة الثانية: استجابة دعوته على زياد بن أبيه.
استغاث النّاس من زياد إلى الحسن بن عليّ عليهما السّلام فرفع يده وقال: اللهم خذ لنا ولشيعتنا من زياد بن أبيه وأرنا فيه نكالاً عاجلاً إنك على كل شئ قدير. قال: فخرج خراج في إبهام يمينه يقال لها: السّلعة، وورم إلى عنقه، فمات.
المعجزة الثالثة: النخلة اليابسة تحمل رطباً بدعائه.
عن إسماعيل بن مهران، عن عبدالله الكناسي عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: خرج الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام في بعض عمره ومعه رجل من ولد الزّبير كان يقول بإمامته، قال: فنزلوا في منهل من تلك المناهل قال: نزلوا تحت نخل يابس قد يبس من العطش: قال: ففرش للحسن عليه السّلام تحت نخلة وللزبيري بحذائه تحت نخلة اخرى قال: فقال الزّبيري ورفع رأسه: لو كان في هذا النّخل رطب لاكلنا منه، قال: فقال له الحسن عليه السّلام: وإنك لتشتهي الرّطب؟
قال: نعم فرفع الحسن عليه السّلام يده إلى السّماء فدعا بكلام لم يفهمه الزّبيري فاخضرت النّخلة ثمّ صارت إلى حالها فأورقت وحملت رطباً قال: فقال له الجمال الذي اكتروا منه: سحر والله، قال: فقال له الحسن: ويلك ليس بسحر ولكن دعوة ابن النّبي مجابة، قال: فصعدوا إلى النّخلة حتّى صرموا مما كان فيها ما كفاهم.
المعجزة الرابعة: حول رجلاً شامياً إلى إمرأة بإذن الله تعالى.
عن عيسى بن الحسن عن الصّادق عليه السّلام: قال بعضهم للحسن بن عليّ عليهما السّلام في احتماله الشّدائد عن معاوية فقال عليه السّلام كلاما معناه: لودعوت الله تعالى لجعل العراق شاماً والشّام عراقاً وجعل المرأة رجلاً والرّجل إمرأة فقال الشّامي: ومن يقدر على ذلك؟ فقال عليه السّلام: انهضي ألا تستحين أن تقعدي بين الرّجال، فوجد الرّجل نفسه امرأة ثمّ قال: وصارت عيالك رجلاً وتقاربك وتحمل عنها وتلد ولدا خنثى فكان كما قال عليه السّلام: ثمّ إنهما تابا وجاءا إليه فدعا الله تعالى فعادا إلى الحالة الأولى.
المعجزة الخامسة: نبع الماء من الصخر واستخراج الطعام.
عن قدامة بن رافع، عن أبي الأحوص مولى أُمّ سلمة قال: إنّي مع الحسن عليه السّلام بعرفات ومعه قضيب، وهناك أُجراء يحرثون.. فكلّما هَمّوا بالماء... فحين عَلِم همَّهم ضرب بقضيبه إلى الصّخر فينبع لهم الماء، واستخرج لهم طعاماً.
المعجزة السادسة: إجابة النخلة تلبيته.
قال عمارة بن زيد: سمعت إبراهيم بن سعد يقول: سمعتُ مُحمّد بن إسحاق يقول: كان الحسن والحُسين عليهما السّلام طفلَين يلعبان، فرأيتُ الحسنَ وقد صاح بنخلةٍ فأجابتْه بالتّلبية... وَسَعتْ إليه كما يسعى الولدُ إلى والده.

إخباره بالمغيّبات عليه السلام
بعض مما جاء من إخباره عليه السّلام بالمغيّبات:
1 - قال الطّبريّ: حدّثنا أبو مُحمّد عبدالله بن مُحمّد البلويّ قال: حدّثنا عمّار بن زيد المدنيّ، حدّثني إبراهيم بن سعيد ومُحمّد بن مسعر كلاهما عن مُحمّد بن إسحاق صاحب المغازي، عن عطاء بن يسار، عن عبدالله بن عبّاس قال: مرّت بالحسن بن عليّ عليه السّلام بقرة، فقال: هذه حُبلى بعِجْلةٍ أُنثى، لها غرّة في جبهتها ورأس ذَنَبِها أبيض. فانطلقنا مع القصّاب، فلمّا ذبحها وجدنا العجلة كما وصف على صورتها، فقُلنا له: أوَ ليس الله عزّ وجلّ يقول: ويعلم ما في الأرحام؟ فكيف علمتَ هذا؟! فقال: أنّا نعلم المكنون المخزون المكتوم الذي لم يطّلع عليه مَلَك مقرَّب ولا نبيّ مرسل غيرَ مُحمّد وذريّته عليهم السّلام.
2 - وروي عن الصّادق، عن آبائه عليهم السّلام: إنّ الحسن عليه السّلام قال يوماً لأخيه الحُسين ولعبد الله بن جعفر: إنّ معاوية بعث إليكم بجوائزكم وهي تصل إليكم يوم كذا لمستهل الهلال، وقد أضاقاً، فوصلت في السّاعة التّي ذكرها لما كان رأس الهلال.
3 - روى أبو أُسامة زيد الشّحّام عن أبي عبدالله الصّادق عليه السّلام قال: خرج الحسن بن عليّ عليهما السّلام إلى مكّة سنةً من السّنين حاجّاً حافياً، فورمَتْ قدماه، فقال له بعضُ مَواليه: لو ركبتَ لَسَكن عنك بعضُ هذا الورم الذي برِجْلَيك. قال: كلاّ، ولكنْ إذا أتيتَ المنزل فإنّه لَيستقبلك أسْودُ معه دُهْن لِهذا الداء، فاشترِ منه ولا تُماكِسْه. فقال له مولاه: بأبي أنت وأمّي، ما قُدّامَنا منزل فيه أحدٌ يبيع هذا الدواء، فقال: بلى، إنّه أمامك دون المنزل فسار ميلاً فإذا هو بالأسود، فقال الحسن عليه السّلام لمولاه: دونَك الرّجل، فخُذْ منه الدُّهن وأعطه الثّمن، فقال الأسود للمولى: يا غلام، لمَن أردتَ هذا الدهن؟ فقال: للحسن بن عليّ، فقال: انطلقْ بي إليه. فانطلق به فأدخله إليه، فقال له: بأبي أنت وأمّي، لم أعلم أنّك تحتاج إليه ولا أنّه دواء لك، ولستُ آخذُ له ثمناً، إنّما أنا مولاك، ولكنِ ادعُ اللهَ أن يرزقني ذَكَراً سَوِيّاً يُحبّكم أهل البيت؛ فإنّي خلّفتُ امرأتي وقد أخذها الطّلق. قال: انطلقْ إلى منزلك؛ فإنّ الله تبارك وتعالى قد وهب لك ذَكَراً سويّاً، وهو لنا شيعة.
فرجع الأسود فورَه، فإذا أهلُه قد وضعت غلاماً سويّاً، فعاد إلى الحسن فأخبره بذلك، ودعا له وقال له خيراً. ومسح الحسن رجلَيه بذلك الدهن، فما برح مِن مجلسه حتّى سكن ما به ومشى على رِجلَيه. ورُويَ أنّ ذلك المولود هو السّيّد إسماعيل بن مُحمّد الحِمْيريّ شاعر أهل البيت عليهم السّلام
4 - وروى ابن شهرآشوب بإسناده عن الإمام عليّ بن الحُسين زين العابدين عليه السّلام أنّه قال: كان الحسن بن عليّ جالسّاً فأتاه آتٍ فقال: يا بن رسول الله، قد احترقتْ دارُك! قال: لا، ما احترقت. إذ أتاه آتٍ فقال: يا ابنَ رسول الله، وقد وقعت النّار في دارٍ إلى جَنْب دارك حتّى ما شككنا أنّها ستُحرِق دارك، ثمّ إنّ الله صرفها عنها.
5 - عن المفضَّل بن عمر، عن الصّادق جعفر بن مُحمّد، عن أبيه عن جَدّه عليهم السّلام، أنّ الحُسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام دخل يوماً إلى أخيه الحسن عليه السّلام، فلمّا نظر إليه بكى، فقال له: ما يُبكيك يا أبا عبدالله؟ فقال: أبكي لما يُصنَع بك. فقال له الحسن عليه السّلام: إنّ الذي يُؤتى إليّ سُمٌّ يُدَسّ إليَّ فأُقتل به، ولكنْ لا يوم كيومِك يا أبا عبدالله! يَزدلف إليك ثلاثون ألفَ رجلٍ يَدّعون أنّهم مِن أُمّة جَدِّنا مُحمّد صلّى الله عليه وآله، وينتحلون دِينَ الإسلام، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك، وانتهاكِ حرمتك، وسَبْي ذراريك ونسائك، وأخذِ ثِقُلك، فعندها تحلّ ببني أُميّة اللعنة، وتمطرُ السّماءُ رماداً ودماً، ويبكي عليّك كلُّ شيء.. حتّى الوحوش في الفلوات، والحِيتانُ في البحار.
6 - عن الحسن بن علاء، عن جعفر بن مُحمّد الصّادق عليه السّلام: إنّ الحسن عليه السّلام قال لأهل بيته: أنا أموت بالسّمّ كما مات رسول الله صلّى الله عليه وآله، قالوا: ومَن يفعل ذلك بك، قال: امراتي جعدة بنت الأشعث بن قيس وفي رواية: جاريتي أو امرأتي، فإنّ معاوية يدسّ إليها ويأمرها بذلك، فقالوا: أخرِجْها مِن منزلك، وباعِدْها عن نفسك، قال: كيف أُخرجها ولم تفعل بعدُ شيئاً؟! ولو أخرجتُها ما قتلني غيرها، وكان لها عذرٌ عند النّاس.
وفي رواية: هيهاتَ مِن إخراجها ومَنيّتي على يدها, ما لي منها مَحيص، ولو أخرجتُها ما يقتلني غيرها، كان قضاءً مقضيّاً وأمراً واجباً من الله.
7 - وروى الشّيخ المفيد عن عبدالله بن إبراهيم، عن زياد المخارقيّ قال:
لمّا حضرتِ الحسنَ عليه السّلام الوفاةُ استدعى الحُسين عليه السّلام وقال: يا أخي، إنّي مُفارقك ولاحقٌ بربّي عزّ وجلّ، وقد سُقيتُ السّمَّ ورَميتُ بكَبِدي في الطّشت، وإنّي العارف بمَن سقاني السّمّ ومِن أين دُهيت، وأنا أُخاصمه إلى الله عزّ وجلّ... فإذا قضيتُ فغمّضني وغسّلْني وكفّنّي، واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله؛ لأُجدّد به عهداً، ثمّ رُدّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنتِ أسد رضي الله عنها، فادفنّي هناك. وستعلم ـ يابن أمّ ـ أنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند رسول الله صلّى الله عليه وآله، فيجلبون في ذلك ويمنعونكم منه، وباللهِ أُقسم عليّك أن تُهْريقَ في أمري مِحْجَمةَ دم.. وجرى كلُّ ذلك فيما بعد.

فضائله ومناقبه عليه السلام
كيف تعد فضائل ومناقب شخص هو من جملة الذّين أذهب الله عنهم الرّجس وطهرهم تطهيراً. وهو من جملة الذّين باهل بهم النّبي صلّى الله عليه وآله. وهو من جملة أهل البيت عليهم السّلام. وهو من جملة الثّقلين. وهو من جملة الذّين أوجب الله ودّهم وطاعتهم. ولكن ما لايدرك كله لايترك كله، فنذكر شذرات نورانية من فضائله ومناقبه عليه السلام، منها:
1 - عن جابر بن عبدالله قال: لمّا ولدت فاطمة الحسن عليهما السّلام قالت: لعليّ سمّه فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما كنت لأسبق باسمه ربّي عزّوجل فأوحى الله جلّ جلاله إلى جبرئيل عليه السّلام: أنّه قد ولد لمُحمّد ابن فاهبط إليه وهنّئه وقُل له: إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمّه باسم ابن هارون فهبط جبرئيل عليه السّلام فهنّأه من الله تعالى جلّ جلاله، ثمّ قال: إنّ اللهّ تعالى يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون قال: وما كان اسمه؟ قال: شبّر. قال: لسِاني عربيّ. قال: سمّه الحسن. فسمّاه الحسن.
2 - عن جابر أيضاً قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من سرّه أن ينظرإلى سيّد شباب الجنّة فلينظر إلى الحسن بن عليّ.
3 - عن عبداللهّ بن بريدة، عن ابن عباس قال: انطلقت مع رسول الله صلّىالله عليه وآله فنادى على باب فاطمة ثلاثاً فلم يجبه أحدٌ، فمال إلى حائط فقعد فيه وقعدت إلى جانبه، فبينا هو كذلك إذ خرج الحسن بن عليّ قد غسل وجهه وعلّقت عليه سبحة، قال: فبسط النّبيّ صلّى الله عليه وآله يده ومدّها ثمّ ضمّ الحسن إلى صدره وقبّله وقال: إنّ ابني هذا سيّد، ولعلّ الله عزّ وجلّ يصلح به بين فئتين من المسلمين
4 - روى إبراهيم بن عليّ الرّافعي عن أبيه، عن جدّته زينب بنت أبي رافع قالت: أتت فاطمة عليها السّلام بابنيها الحسن والحُسين عليهما السّلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله في شكواه التّي توفّي فيها فقالتّ:يا رسول الله، هذان إبناك فورّثهما شيئاً. فقال: أمّا الحسن فإنّ له هيبتي وسؤددي، وأمّا الحُسين فإنّ له جودي وشجاعتي.
5 - عن أنس بن مالك قال: لم يكن أحد أشبه برسول الله صلّى الله عليه وآله من الحسن بن عليّ عليهما السّلام
6 - قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ الحسن ابني أشبه برسول الله صلّى الله عليه وآله ما بين الصّدر إلى الرّأس، والحُسين عليه السّلام أسفل من ذلك

خلقه وتواضعه وكرمه عليه السلام
خلق الإمام الحسن عليه السّلام أكثر مما تعد أو توصف ولكن اليك عبرة عابرة وأشارة مختصرة لما يحمله هذا الإمام من الخصال الحميدة ، منها:
1 - روت كتب السّيرة إنّه عليه السّلام مرّ على جماعة من الفقراء قد وضعوا على وجه الأرض كسيرات من الخبز كانوا قد التّقطوها من الطّريق وهم يأكلون منها، فدعوه لمشاركتهم في أكلها فأجاب دعوتهم قائلاً: ان الله لا يحب المتكبرين. ولما فرغ من مشاركتهم دعاهم لضيافته فأغدق عليهم المال وأطعمهم وكساهم.
2 - جاء في كتاب المناقب: إن شامياً من أنصار معاوية رأى الإمام الحسن راكباً فجعل يلعنه والحسن عليه السّلام لا يرد عليه فلما فرغ الرّجل اقبل الإمام عليه ضاحكاً وقال: ايها الشّيخ اظنك غريباً. ولعلك شبهت؟ فلو استعتبتنا استعتبناك، ولو سألتّنا اعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً اشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً اغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كانت لك إجابة قضيناها لك فلو حركت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان اعود عليّك لأن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً. فلما سمع الرّجل كلامه بكى. ثمّ قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه. الله اعلم حيث يجعل رسالتّه، كنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت وأبوك أحب خلق لله إليّ. ثمّ استضافه الإمام حتّى وقت رحيله.
3 - ذات يوم كان عند معاوية أشراف النّاس من قريش وغيرهم، وكان الإمام الحسن عليه السّلام جالساّ في صدر المجلس، فسأل معاوية: أخبروني بأكرم النّاس أباً وأُماً، وعماً وعمَّة، وخالاً وخالة، وَجَدّاً وَجَدَّةً؟
فقال مالك بن عجلان وأومى إلى الحسن بن عليّ عليهما السّلام فقال هو ذا، أبوه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، وأمُّه فاطمة بنت مُحمّد عليهما السّلام، وعمُّه جعفر الطّيار، وعمته أم هانئ بنت أبي طالب، وخاله القاسم بن رسول الله، وخالتّه زينب بنت رسول الله، وجدَّته خديجة بنت خويلد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فسكت القوم ونهض الإمام عليه السّلام، فأقبل عمرو بن العاص على مالك فقال: أحبّ بني هاشم حملك على أن تكلمت بالباطل؟ فقال ابن عجلان: ما قُلت إلا حقّاً.
4 - وقد قسّم كلّ ما يملكه نصفين، ثلاث مرّات في حياته، وحتّى نعله، ثمّ وزّعه في سبيل الله كما يقول عنه الرّاوي مخاطباً إيّاه وقد قاسمت ربّك مالك ثلاث مرّات حتّى النّعل والنّعل.
5 - سمع الحسن عليه السّلام رجلاً إلى جنبه في المسجد الحرام يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم، فانصرف إلى بيته وبعث إليه بعشرة آلاف درهم.
6 - في ذات يوم حيّت جارية الحسن عليه السّلام بطاقة ريحان، فقال لها: أنت حرّة لوجه الله فقيل له في ذلك، فقال أدّبنا الله تعالى فقال: {وإذا حيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها} وكان أحسن منها إعتاقها.
7 - في أحد الأيام دخل فقير الى المسجد يسأل النّاس فأرشده رجل إلى الرّجال الذين كانوا في ذلك الجانب من المسجد ليسألهم، وحين توجه إليهم فإذا بهم: الحسن والحُسين عليهما السّلام، وعبد الله بن جعفر رضي الله عنه. فبادر الإمام الحسن عليه السّلام بإعطاء الفقير 50 درهم، والإمام الحُسين عليه السّلام أعطاه 49 درهم، وعبد الله بن جعفر أعطاه 48 درهم.

خشوعه عليه السلام وخوفه من الله عزّوجلّ
روي عن الإمام الصّادق عليه السّلام، أنّه قال: إنّ الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، كان أعبد النّاس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ حجّ ماشياً وربّما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنّشور بكى، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها... .
وقد حجّ خمسة وعشرين حجّة ماشياً، وربّما بدون نعل.

عبادته عليه السلام
إنّه عليه السّلام كان اعبد النّاس في زمانه فقد ذكر خلاد بن عبيدة،عن عليّ بن زيد بن جدعان، قال: حج الحسن بن عليّ خمس عشرة حجة ماشياً وأن النّجائب لتقاد معه،...
وقال الإمام الصّادق عليه السّلام: إنَّ الحسن بن عليّ عليهما السّلام كان أعبد النّاس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم.
وروى أنَّ الإمام الحسن عليه السّلام كان إذا توضَّأ ارتعدت مفاصله، واصفَرَّ لونُه، ولما سُئِل عليه السّلام عن السّبب قال: حَقٌّ على كلِّ من وقف بين يدى رَبِّ العرش، أن يَصفرَّ لونُه، وترتعد مفاصله.
وكان الإمام عليه السّلام إذا انتهى من صلاة الفجر لا يتكلم مع أحد، بل يشغل بالتّعقيبات والدعاء حتّى تَطلَعَ الشّمس، وهذا ما ورثه عن أمِّهِ فاطمة الزّهراء عليها السّلام.
فنلاحظ أن المعصوم عليه السّلام يُعلِّمُنا أمراً فى غاية الرّوعة، وهو أن العبادة لا تعني انقطاع الفرد عن المجتمع، وأنها ليست مجرد طقوس دينية، وأنها لا تعني التّخلُّص من التّكليف الشّرعي.
بل العبادة تعني أن يعيش الإنسان الخوف الدائم من الله، ولهذا إذا تعزَّزَ هذا الشّعور فى ضمير الإنسان فإنه لا يظلم، ولا يسرق، ولا يكذب، ولا يرتكب الموبقات.
والعبادة تعني أن يعيش الآخرون معك في فضل مالِك، فتتصدَّق إلى الفقراء، والمحتاجين.
وأن نؤدي العبادة عن وعيٍ وإدراك، وتواضع لله تبارك وتعالى، ومن السّخافة أن يظن الإنسان أنه قد وصل إلى مقام متميز ثمّ يمنُّ على الله تعالى بعبادته، بل العبادة تعني احتياج الإنسان المطلق لهذا المَدّ الإلهي، والفيض الرّبَّاني

أدعيته عليه السلام
إليك بعض النّماذج من أدعية الإمام الحسن المُجتبى عليه السّلام:
1 – فقد كان من دعائه عليه السّلام إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه، وقال: إلهي ضيفك ببابك، يا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم.
2 - وكان عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء على الظّالمين له والمعتدين عليه، ويطلب من الله أن يكفيه شرّهم، ويعلوه عليهم: اللّهمّ يا من جعل بين البحرين حاجزاً وبرزخاً، وحجراً محجوراً، يا ذا القوّة والسّلطان، يا عليّ المكان، كيف أخاف وأنت أملي، وكيف أضام وعليّك متّكلي، فغطّني من أعدائك بسترك، وأظهرني على أعدائي بأمرك، وأيدني بنصرك. إليك ألجأ، ونحوك الملتجأ، فاجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً، يا كافي أهل الحرم من أصحاب الفيل، والمرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارةٍ من سجّيل، ارم من عاداني بالتّنكيل.
اللّهمّ إنّي أسألك الشّفاء من كلّ داء، والنّصر على الأعداء، والتّوفيق لما تحبّ وترضى، يا إله من في السّماء والأرض وما بينهما، وما تحت الثّرى، بك أستشفي وبك أستعفي، وعليّك أتوكّل، فسيكفيكهم الله، وهو السّميع العليّم.
3 - من أدعيته: اللهم إنّى اسألك من كل أمر ضعفت عنه حيلتى و لم تنته إليه رغبتى و لم يخطر ببالي و لم يبلغه أملى و لم يجر على لسانى من اليقين الذى اعطيته أحداً من المخلوقين الأولين المهاجرين و الآخرين إلا خصصتنى به يا أرحم الرّاحمين.
4 - كان عليه السّلام يدعو في قنوته بهذا الدعاء: يا من بسلطانه ينتصر المظلوم، وبعونه يعتصم المكلوم، سبقت مشيّتك، وتمّت كلمتك، وأنت على كلّ شيءٍ قدير، وبما تمضيه خبير، يا حاضر كلّ غيبٍ، وعالم كلّ سرٍّ، وملجأ كلّ مضطرٍّ، ضلّت فيك الفهوم، وتقطّعت دونك العلوم، أنت الله الحيّ القيوم، الدائم الديّموم، قد ترى ما أنت به عليّم، وفيه حكيم، وعنه حليم.
وأنت بالتّناصر على كشفه، والعون على كفّه غير ضائق، وإليك مرجع كلّ أمرٍ، كما عن مشيّتك مصدره، وقد أبنت عن عقود كل قومٍ، وأخفيت سرائر آخرين، وأمضيت ما قضيت، وأخّرت ما لا فوت عليّك فيه، وحملت ما تحمّلت في غيبك، ليهلك من هلك عن بيّنةٍ، ويحيا من حيي عن بيّنةٍ، وإنّك أنت السّميع العليّم، الأحد البصير، وأنت الله المستعان، وعليّك التّوكّل.
وأنت وليّ من تولّيت، لك الأمر كلّه، تشهد الانفعال، وتعلم الاختلال، وترى تخاذل أهل الخبال، وجنوحهم إلى ما جنحوا إليه من عاجلٍ فانٍ، وحطامٍ عقباه حميم آنٍ، وقعود من قعد، وارتداد من ارتد، وخلوّي من النّصّار، وانفرادي عن الظّهار، وبك أعتصم، وبحبلك أستمسك، وعليّك أتوكّل.
اللّهمّ فقد تعلم أنّي ما ذخرت جهدي، ولا منعت وجدي، حتّى انفلّ حدّي، وبقيت وحدي، فاتّبعت طريق من تقدّمني في كفّ العادية، وتسكين الطّاغية عن دماء أهل المشايعة، وحرست ما حرسه أوليائي من أمر آخرتي ودنياي، فكنت ككظمهم أكظم، وبنظامهم أنتظم، ولطريقتهم أتسنّم، وبميسمهم أتسم، حتّى يأتي نصرك، وأنت ناصر الحقّ وعونه، وإنّ بعد المدى عن المرتاد، ونأى الوقت عن إفناء الأضداد.
اللّهمّ صلّ على مُحمّد وآله… وامزجهم مع النّصّاب في سرمد العذاب، وأعم عن الرّشد أبصارهم، وسكّعهم في غمرات لذّاتهم، حتّى تأخذهم بغتةً وهم غافلون، وسحرةً وهم نائمون، بالحقّ الذي تظهره، واليد التّي تبطش بها، والعلم الذي تبديه، إنّك كريم عليّم.
5 - و كان عليه السّلام يقول: اللهم اقذف فى قُلبى رجاءك واقطع رجائى عمن سواك حتّى لا أرجو أحداً غيرك
6 - و من أدعية: اللهم انك تخلفّ من جميع خلقك و ليس فى خلقك خلفٌ منك الهى من أحسن فبرحمتك و من أساء فبخطيئته فلا الذى أحسن استغنى عن رفدك و معونتك ولا الذى أساء استبدل بك و خرج من قدرتك الهى بك عرفتك و بك اهتديت الى أمرك و لولا أنت لم ادر ما أنت فيا من هو هكذا لاهكذا غيره صل على مُحمّد و آل مُحمّد وارزقنى الخلاص فى عملى و السّعة فى رزقى اللهم اجعل خير عمرى اخره و خير عملى خواتمه و خير أيامى يوم القاك، اليه اطعتك و لك المن اللهم علىّ فى أحب الاشياء اليك الايمان بك و التّصديق برسولك و لم اعصك فى أبغض الاشياء الشّرك بك و التّكذيب برسولك فاغفر لى ما بينهما يا أرحم الرّاحمين و يا خير الغافرين
7 - وكان عليه السّلام يدعو في الاستسقاء بهذا الدعاء: اللّهمّ هيّج لنا السّحاب، بفتح الأبواب بماءٍ عباب، وربابٍ بانصبابٍ، وانسكابٍ يا وهّاب، واسقنا مطبقةً مغدقةً مونقةً، فتّح إغلاقها، وسهّل إطلاقها، وعجّل سياقها بالأندية والأودية، يا وهّاب بصوب الماء، يا فعّال اسقنا مطراً قطراً طلاً مطلاً طبقاً عامّاً معمارهما بهما. رحيماً رشاً مرشاً، واسعاً كافياً عاجلاً طيّباً مباركاً، سلاطح بلاطح يناطح الأباطح، مغدودقاً مطبوبقاً مغرورقاً، واسق سهلنا وجبلنا، وبدونا وحضرنا، حتّى ترخص به اسعارنا، وتبارك به في ضياعنا ومدننا، أرنا الرّزق موجوداً، والغلاء مفقوداً، آمين يا ربّ العالمين.
8 - وكان عليه السّلام يدعو عند دخوله على ظالم بهذا الدعاء: بسم الله الرّحمن الرّحيم، بسم الله العظيم الأكبر، اللّهمّ سبحانك يا قيّوم، سبحان الحيّ الذي لا يموت، أسألك كما أمسكت عن دانيال أفواه الأسد، وهو في الجبّ، أن تمسك عنّي أمر هذا الرّجل، وكلّ عدو لي في مشارق الأرض ومغاربها، من الإنس والجنّ. خذ بآذانهم وأسماعهم، وأبصارهم وقُلوبهم وجوارحهم، واكفني كيدهم بحولٍ منك وقوّةٍ، وكن لي جاراً منهم، ومن كلّ شيطانٍ مريدٍ، لا يؤمن بيوم الحساب، إنّ وليي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصّالحين، فإن تولّوا فقُل حسبي الله لا إله إلاّ هو عليه توكّلت، وهو ربّ العرش العظيم.

استجابة دعائه عليه السلام
من صفاة المعصوم عليه السّلام انّه مستجاب الدّعاء, وقد ذكرة كتب التّاريخ شواهد كثيرة في ذلك. والإمام الحسن عليه السّلام أستجيب دعائه في عدة مناسبات نورد منها.
1 – ما روى ابن شهرآشوب، أنّ النّاس استغاثوا مِن زياد بن أبيه إلى الحسن بن عليّ عليهما السّلام، فرفع يديه وقال: اللّهمّ خُدْ لنا ولشيعتنا مِن زياد بن أبيه، وأرِنا فيه نَكالاً عاجلاً، إنّك على كلّ شيءٍ قدير. قال الرّاوي: فخرج خرّاجٌ في إبهام يمين زياد يُقال لها السّلْعة، وورم إلى عنقه فمات.
2 - ما عن أبي البختريّ، عن جعفر الصّادق عن أبيه عن جدّه عليهم السّلام قال: اجتمع عند عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قومٌ فشَكَوا إليه قُلة المطر، وقالوا: يا أبا الحسن، ادعُ لنا بدعواتٍ في الاستسقاء. قال: فدعا عليّ الحسنَ والحُسين عليهم السّلام، ثمّ قال للحسن عليه السّلام: ادعُ لنا بدعواتٍ في الاستسقاء. فقال الحسن عليه السّلام: اللّهمّ هيّجْ لنا السّحاب بفتح الأبواب، بماء عُباب ..ثمّ قال للحسين عليه السّلام: ادعُ. فقال الحُسين عليه السّلام: اللّهمّ يا معطيَ الخيرات.. ...، فما فَرَغا من دعائهما حتّى صبّ الله تبارك وتعالى عليهم السّماءَ صَبّاً.
3 - ما عن إسماعيل بن مهران، عن عبدالله الكناسيّ، عن أبي عبدالله الصّادق عليه السّلام قال: خرج الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام في بعض عُمَره ومعه رجلٌ مِن وُلْد الزّبير كان يقول بإمامته. قال: فنزلوا في منهلٍ من تلك المناهل، قال: نزلوا تحت نخلٍ يابسٍ قد يبس من العطش قال: ففرش الحسن عليه السّلام تحت نخلة، والزّبيريُّ بحذائه تحت نخلةٍ أخرى، قال: فقال الزّبيريُّ ورفع رأسَه: لو كان في هذا النّخل رُطبٌ لأكلنا منه! قال: فقال له الحسن عليه السّلام: وإنّك لَتشتهي الرّطَب؟ قال: نعم. فرفع الحسن عليه السّلام يدَه إلى السّماء فدعا بكلام لم يفهمه الزّبيريّ، فاخضرّت النّخلة، ثمّ صارت إلى حالها فأورقَتْ وحملت رُطباً قال: فقال له الجمّالُ الذي اكتَرَوا منه: سحرٌ والله! قال: فقال له الزبيري: وَيْلَك! ليس بسحر، ولكن دعوة ابن النّبيّ مُجابة قال: فصعدوا إلى النّخلة حتّى صرموا ممّا كان فيها ما كفاهم
4 - جرت مناظرة في مجلس معاوية، وقد حضر المحفل رجلٌ من بني أُميّة ـ وكان شابّاً ـ فأغلظ على الحسن كلامَه، وتجاوز الحدَّ في السّبّ والشّتم له ولأبيه، فقال الحسن عليه السّلام: اللّهمّ غيّرْ ما به مِن النّعمة، واجعلْه انثى ليُعتبَر به. فنظر الأُمويُّ في نفسه وقد صار امرأة.

بعض ما نسب إليه من الشعر عليه السلام
بعض ما ورد من شعر الإمام الحسن عليه السّلام:
1ـ قدّم لنفسك:
قدّم لنفسك ما استعطت من التّقى إنّ المنيـة نازل بـك يا فتى
أصـبحت ذا فـرحٍ كأنّك لا ترى أحباب قُلبك في المقابر والبلى.
2ـ حان الرّحيل:
قُل للمقيم بغير دار إقامـةٍ حان الرّحيـل فودّع الأحبـابا
إنّ الذين لقيتهم وصحبتهم صاروا جميعاً في القبور ترابا.
3ـ الدنيا:
ذري كدر الدنيا فإنّ صـفاءها تولّى بأيّام السّـرور الذواهب
وكيف يعزّ الدهر من كان بينه وبين الليالي محكمات التّجارب.
4ـ فمهلاً:
أتأمر يا معاوي عبد سـهمٍ بشـتمي والملا منّا شـهود
إذا أخذت مجالسّـها قريش فقد علمت قريـش ما تريد
أأنت تظلّ تشـتمني سـفاها لضـغنٍ ما يزول وما يبيد
فهل لك من أبٍ كأبي تسامى به من تسـامى أو تكيـد
ولا جدّ كجدّي يا بـن حربٍ رسول الله إن ذكر الجدود
ولا أمّ كأمي مـن قريـشٍ إذا ما حصل الحسـب التّليد
فما مثلي تهكم يا بن حربٍ ولا مثلي ينهنهـه الوعيـد
فمهلاً لا تهـج منّا أمـوراً يشيب لهولها الطّفل الوليد.
5ـ عزمت تصبراً:
لئن ساءني دهر عزمت تصبّراً وكلّ بلاءٍ لا يـدوم يسـير
وان سرّني لم أبتهج بسـروره وكل سرورٍ لا يـدوم حقير.
6ـ فيم الكلام:
فيـم الكلام وقد سـبقت مبرّزاً سبق الجواد من المدى المتنفـس
والصّلح تأخذ منه ما رضيت به والحرب يكفيك من أنفاسها جرع.
7ـ عاجلتنا:
عاجلتنا فأتـاك وابـل برّنا طلاّ ولو أمهلتنا لم نقصر
فخذ القُليل وكن كأنّك لم تبع ما صنته وكأنّنا لم نشتر.
8 ـ حين يسأل:
إذا ما أتانـي سـائل قُلت مرحباً بمن فضله فرض عليّ معجل
ومن فضله فضل على كلّ فاضلٍ وأفضل أيام الفتى حين يسأل.
9ـ السّخي والبخيل:
خلقت الخلائق من قدرةٍ فمنهم سخيّ ومنهم بخيل
فأمّا السّـخيّ ففي راحةٍ وأما البخيل فحزن طويل.
10ـ لو علم البحر:
نحن أناس نوالنّا خضـل يرتع فيـه الرّجـاء والأمل
تجود قبل السّؤال أنفسـنا خوفاً على ماء وجه من يسل
لو علم البحر فضل نائلنا لغاض من بعد فيضـه خجل
11ـ أسرعت فيّ المنايا:
ومارست هذا الدهر خمسين حجّةً وخمساً أرجّـــي قائلاً بعد قائل
فما أنا في الدنيا بلغت جسـيمها ولا في الذي أهـوى كدحت بطائل
وقد أسـرعت فيّ المنـايا أكفّها وأيقنت أني رهـن مـوتٍ معاجل
12ـ عندي شفاء الجهل:
ما غبيّاً سـألتّ وابن غبـيٍّ بل فقيهاً إذن وأنت الجهول
فإن تك قد جهلت فإن عندي شفاء الجهل ما سأل السّؤول
وبحراً لا تقسـمه الدوالـي تراثاً كان أورثـه الرّسـول
13ـ السّخاء فريضة:
إنّ السّخاء على العباد فريضة لله يقرأ في كتابٍ محكم
وعد العباد الأسـخياء جنانه وأعدّ للبخلاء نـار جهنّم
من كان لا تندى يـداه بنائلٍ للراغبين فليس ذاك بمسلم
14ـ كسرة وكفن:
لكسرة من خسيس الخبز تشبعني وشربة من قراحٍ الماء تكفيني
وطرة من دقيق الثّوب تسـترني حياً وإن متّ تكفينـي لتكفيني
15ـ قال العيون:
قال العيون وما أردن من البكاء على عليّ
وتقبلنّ مـن الخلـيّ فليس قُلبـك بالخليّ

ما أنشد بحقه عليه السلام من الشعر
1 ـ قال الإمام الحُسين عليه السّلام لما وضع الحسن عليه السّلام في لحده:
أأدهن رأسي أم تطيب مجالسّي ورأسك معفور وأنت سـليبُ
أو استمتع الدنيا لشيء أحبّه ألا كل ما أدنى إليك حبيبُ
فلا زلت ابكي ما تغنَّت حمامة عليّك وما هبَّت صبا وجنوبُ
وما هملت عيني من الدمع قطرة وما أخضر في دوح الحجاز قضيبُ
بكائي طويل والدموع غزيرة وأنت بعيد والمـزار قـريبُ
غريب وأطراف البيوت تحوطه ألا كل مـن تحت التّراب غريبُ
ولا يفرح الباقي خلاف الذي مضى وكــلّ فـتى للموت فيه نصيبُ
فليس حريباً من أصيب بماله ولكن مــن وارى أخاه حريبُ
2 ـ قال الفضل بن العباس:
أصبح اليوم ابن هند آمناً ظاهر النّخوة إذ مات الحسن
رحمة الله عليه إنما طالما اشجى ابن هند وارن
استراح القوم منه بعده إذ هوى رهناً لأجداث الزّمن
فارتع اليوم ابن هند آمناً إنما يقمص بالعير السّمن
3 ـ وقال عمرو بن أُحيحة يوم الجمل في خطبة الحسن بن عليّ عليهما السّلام بعد خطبة عبد الله بن الزّبير:
حسن الخير يا شبيه أبيه قمت فينا مقام خير خطيبِ
قمت بالخطبة التّي صدع الله بها عن أبيك أهل العيوبِ
وكشفت القناع فاتضح الأمر واصلحت فاسدات القُلوبِ
لست كابن الزّبير لجلج في القول وطأطأ عنان فشل مريبِ
وأبى الله أن يقـوم بما قـام به ابن الوصي وابن النّجيبِ
إن شخصاً بين النّبي ـ لك الخير ـ وبين الوصيّ غير مشوبِ
4 ـ وقال النّجاشي:
جعـدة بــــكّيه ولا تـسـأمي بعـد بكـاء المعـولِ الثّـاكلِ
لم يُسبـل السّـتر عــلى مثـله فـي الأرض من حاف ومن ناعـلِ
كــان إذا شــبَّـت لـه نـاره يرفعـها بالسّــند الفــاتــلِ
كيما يراهــا بائـس مـرمــل وفرد قــوم ليــس بــالآهـلِ
يُـغلى نئي الـلحـم حتّى إذا أنضـجـه لـم يغــــل من آكلِ
أعـنــي الـذي أسـلمنا هلكه للزمن المــســـتحــرج الماحلِ
5 ـ وقال سليمان بن قتّة:
يا كـذّب الله من نـعى حسناً ليس لتـكذيـب نعـيـه ثمنُ
كنت خليلي وكنت خالصّتي لكلّ حي من أهله سكنُ
أجول في الدار لا أراك وفي الدار أناس جوارهم غبنُ
بدلتهم منك ليت أنّهم أضحوا وبـيـني وبينهم عدنُ
6 ـ وقال الكميت:
وفي حسن كانت مصاديق لاسمه اراب لصدعها المهيمن مراب
وحزم وعزم في عفاف وسؤدد إلى منصب لا مثله كان منـصب
وقال أيضاً:
ووصي الوصي ذي الخطة الفصل ومردي الخصوم يوم الخصامِ

الإمام عليه السلام في نظر أهل البيت عليهم السلام
أقوال الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السّلام في الإمام الحسن السّبط عليه السّلام:
قال صلّى الله عليه وآله: اللّهمَّ إنّي أُحبُّه فأحِبَّه.
وقال صلّى الله عليه وآله أيضاً: إبناي هذان إمامان، قاما أو قعدا
وقال صلّى الله عليه وآله أيضاً: من أحبّ الحسن والحُسين فقد أحبّني، ومن أبغضهما
فقد أبغضني
وقال صلّى الله عليه وآله أيضاً: الحسن والحُسين سيّدا شباب أهل الجنّة.
وقال صلّى الله عليه وآله ايضا: اللهم أحبهما وأحب من يحبهما.
و قال صلّى الله عليه وآله ايضا ـ: من سره أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنّة فلينظر
إلى الحسن بن عليّ.
وقال صلّى الله عليه وآله في الحسن والحُسين: من أحبني فليحب هذين.
وعن رشيد ابن مالك، قال: كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله جلوساً فأتاه رجل بطبق عليه تمر، فقال: ما هذا، أهدية أم صدقة؟ فقال الرّجل: صدقة، قال: فقدمها إلى القوم، قال: وحسن بين يديه يتعفر، قال: فأخذ الصّبي تمرة فجعلها في فيه، قال: ففطن له رسول الله صلّى الله عليه وآله فأدخل إصبعه في فيّ الصّبي فانتزع التّمرة ثمّ قذف بها، وقال: أنا آل مُحمّد لا نأكل الصّدقة.
وقال السّمهودي: لما رأى عليّ بن أبي طالب الحسن يتسرع إلى الحرب في بعض أيام صفين قال: أيها النّاس املكوا عني هذين الغلامين، فإني أنفس بهما عن القتل أخاف أن ينقطع بهما نسل رسول الله صلّى الله عليه وآله.
وروى الهيثمي بإسناده عن عليّ، قال: أشبه النّاس برسول الله صلّى الله عليه وآله ما بين رأسه إلى نحره الحسن.

بعض رواته عليه السلام
1 - أبو إسحاق السّبيعيّ
هو عمرو بن عبدالله بن عليّ الكوفي الهَمْداني، من أعيان التّابعين. كان مِن ثقات عليّ بن الحُسين عليهما السّلام، وقُبض وله تسعون سنة. وقال الحميديّ: مات سنة 126 هجريّة.
• له روايات عن الإمام الحسن عليه السّلام، منها:
خطب الحسنُ بن عليّ عليهما السّلام في صبيحة الليلة التّي قُبِض فيها أمير المؤمنين عليه السّلام، فحمد اللهَ وأثنى عليه، وصلّى على رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ قال:لقد قُبض في هذه الليلة رجلٌ لم يَسبِقْه الأوّلون بعمل، ولا يُدركه الآخِرون بعمل، لقد كان يجاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وآله فيقيه بنفسه. كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يوجّهه برايته، فيكنفه جبرئيلُ عن يمينه وميكائيل عن شماله، ولا يرجع حتّى يفتح الله على يديه. ولقد تُوفّيَ عليه السّلام في الليلة التّي عُرِج فيها بعيسى بن مريم، وفيها قُبض يوشَع بن نون وصيُّ موسى عليه السّلام، وما خَلَّف صفراءَ ولا بيضاء إلاّ سبعَمائةِ درهمٍ فَضَلَتْ عن عطائه، أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله. ثمّ خنقته العَبرة فبكى، وبكى النّاس معه، ثمّ قال:أنا ابنُ البشير، أنا ابن النّذير، أنا ابنُ الداعي إلى الله بإذنه، أنا ابن السّراج المنير، أنا من أهل بيتٍ أذهَبَ اللهُ عنهم الرّجسَ وطهّرهم تطهيراً، أنا مِن أهل بيتٍ فرَضَ اللهُ مودّتَهم في كتابه فقال تعالى: (قُل لا أسألُكم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القُربى، ومَن يَقتَرِف حَسَنةً نَزِدْ له فيها حُسْناً). فالحسنة مودّتُنا أهل البيت. ثمّ جلس، فقام عبدالله بن عبّاس رحمه الله بين يديه فقال: معاشرَ النّاس، هذا ابنُ نبيّكم، ووصيُّ إمامكم، فبايِعوه. فاستجاب له النّاس فقالوا: ما أحَبَّه إلينا، وأوجَبَ حقَّه عليّنا! وبادَرُوا إلى البيعة له بالخلافة، وذلك يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فرتّب العمّال وأمّر الأمراء، وأنفذ عبدَالله بن العبّاس إلى البصرة، ونظر في الأمور.
2 - ابن أبي ليلى
عبدالرّحمن بن أبي ليلى، مِن أكابر التّابعين بالكوفة. سمع من أمير المؤمنين عليه السّلام، وأبوه أبو ليلى كان من الصّحابة شهد وقعة الجمل ومعه راية الإمام عليّ عليه السّلام. قُتِل عبدالرّحمن بن أبي ليلى في وقعة دَيْر الجَماجِم في محاربة الحجّاج الثّقفيّ سنة 73 هجريّة.
روى عن الإمام الحسن المُجتبى عليه السّلام عدّة روايات، منها: أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: الزّمُوا مودّتَنا أهل البيت؛ فإنّه مَن لقيَ اللهَ وهو يَوَدُّنا أهل البيت دخل الجنّة بشفاعتنا. والذي نفسي بيده، لا ينتفع عبدٌ بعمله إلاّ بمعرفة حقّنا.
وعنه عليه السّلام روى أيضاً أنّه قال: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله: أُدعُوا لي سيّدَ العرب ـ يعني عليّ بن أبي طالب ـ فقالتّ عائشة: السّتَ سيَدَ العرب؟! فقال: أنا سيّدُ وُلْد آدم، وعليّ سيّد العرب. فلمّا جاء أي عليّ عليه السّلام أرسل صلّى الله عليه وآله إلى الأنصار فأتَوه، فقال لهم: يا معشرَ الأنصارَ، ألا أدلُّكم على ما إن تمسّكتُم به لن تضلّوا بعده أبداً، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: هذا عليّ، فأحِبُّوه بحبّي، وأكرِمُوه بكرامتي؛ فإنّ جبرئيل أمرني بالذي قُلت لكم مِن الله عزّوجلّ.
2 - أبو بَرزَة الأسلمي
قال الأردبيلي في جامع الرّواة: أبو بَرزَة من الأصفياء من أصحاب عليّ عليه السّلام اسمه فضلة بن عبيد. وقال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: شهد مع عليّ فقاتل الخوارج بالنّهروان، وغزا بعد ذلك خراسان فمات بها. قيل: إنّه مات بنيسابور أو غيرها سنة 64 هجريّة
قال أبو برزة الأسلميّ: وُلد للحسن بن عليّ عليهما السّلام مولود، فأتته قريش فقالوا: يَهْنِئُك الفارس، فقال: وما هذا من الكلام؟! قولوا: شكرتَ الواهب، وبُورك لك في الموهوب، وبلغ الله به أشُدَّه، ورزقك بِرَّه.
4 - أبو جميلة
عدّه الأردبيلي في جامع الرّواة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام، وقال: أبو جميلة عَنبَسَة بن جُبير، روى عن عبدالأعلى
قال: خرج الحسن بن عليّ يصلّي بالنّاس وهو بالكوفة، فطُعن بخنجر في فَخِذه فمرض شهرين، ثمّ خرج فحَمِد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: يا أهل العراق، اتّقوا اللهَ فينا؛ فإنّا أُمراؤُكم وضِيفانكم، وأهلُ البيت الذين سَمَّى الله في كتابه: إنّما يُريد اللهُ لِيُذهِبَ عنكمُ الرّجسَ أهل البيتِ ويُطهِّرَكُم تطهيراً.
5 - إبراهيم بن عبدالله
إبراهيم بن عبدالله ابن حسين بن عثمان بن مُعلّى بن جعفر، روايته عن الإمام الحسن السّبط سلام الله عليه فهي أنّه عليه السّلام سأل جدَّه رسولَ الله صلّى الله عليه وآله: ـ يا رسول الله، ما لِمَن زارنا؟ قال: مَن زارني حيّاً أو ميّتاً أو زار أباك حيّاً أو ميّتاً، أو زار أخاك حيّاً أو ميّتاً، أو زارك حيّاً أو ميّتاً.. كان حقّاً عليّ أن أستنفذه يوم القيامة.
6 - أبو الأحوَص المصري
عرّفه النّجاشيّ في رجاله هكذا: داود بن أسد بن أعفَر، أبو الأحوَص المصري، شيخ جليل فقيه متكلّم، من أصحاب الحديث ثقةٌ ثقة. وأبوه أسد بن أعفر من شيوخ أصحاب الحديث الثّقات. له كتب، منها كتاب الإمامة. قال ابن حجر: أبو الأحوص، روى عن أبي داود وأبي أيّوب وأبي ذرّ، وعنه الزّهريّ، ذكره ابن حِبّان في الثّقات. وروايته عن الإمام الحسن عليه السّلام أنّه قال: بينما أمير المؤمنين عليه السّلام في أصعب موقفٍ بصفّين، إذ أقبل عليه رجل مِن بني دودان فقال له: لِمَ دفَعكَم قومُكم عن هذا الأمر وكنتم أفضلَ النّاس علماً بالكتاب والسّنّة؟ فقال:... كانت إمرةً شحّتْ عليها نفوسُ قومٍ وسَخَت عنها نفوسُ آخَرين، ولَنِعمَ الحكَمُ الله والزّعيمُ مُحمّد صلّى الله عليه وآله... بئس القومُ مَن خفضني وحاولوا الادّهانَ في دِين الله، فإن تُرفَعْ عنّا مِحنُ البلوى أحمِلْهم من الحقّ على محضه، وإن تكنِ الأُخرى فلا تأسَ على القوم الفاسقين! إليك عنّي يا أخا بني دودان.
7 - ابن أبي هالة
روى عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله بالواسطة، ويُحتمَل أن يكون أخا هند بن أبي هالة الذي شهد بدراً والمَشاهدَ الأخرى، كما شهد مع الإمام عليّ عليه السّلام: الجملَ وصفّين والنّهروان، وسكن البصرة وتُوفّي بها. وابن أبي هالة هو الذي روى عن الإمام الحسن المُجتبى عليه السّلام أنّه قال: سالتّ خالي هندَ بنَ أبي هالة التّميميّ ـ وكان وصّافاً للنبيّ صلّى الله عليه وآله ـ: أنا أشتهي أن تصفَ لي منه شيئاً؛ لعليّ أتعلّق به. فقال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله فَخماً مُفَخَّماً، يتلألأ وجهه تلألؤَ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر مِن المُشَذَّب، عظيم الهامة، رَجِل الشّعر، إن انفرقت عقيقته انفرق، وإلاّ فلا يجاوز شَعرُه شحمة أُذُنيه إذا هو وفّره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزجّ الحواجب، سوابغ في غير قرن.. له نورٌ يعلوه، كثّ اللحية، سهل الخدَّين،.. كأن عنقه جِيد دُمية في صفاء الفضّة، معتدل الخَلْق، بادناً متماسكاً، سواء البطن والصّدر، بعيد ما بين المَنكِبين، أعلى الصّدر، طويل الزّندين رحب الرّاحة،.. يخطو تَكفُّؤاً ويمشي هوناً، خافض الطّرْف نظرُه إلى الأرض أطول مِن نظره إلى السّماء، جُلُّ نظره الملاحظة، يبدر مَن لَقِيه بالسّلام.
قال عليه السّلام فقُلت: فصِفْ لي منطقَه، فقال: كان عليه السّلام متواصل الأحزان، دائم الفكر، طويل السّكت، لا يتكلّم في غير حاجة، يتكلّم بجوامع الكلم فصلاً لا فضول فيه ولا تقصير، دَمِثاً ليّناً ليس بالجافي ولا بالمهين، تَعظُم عنده النّعمةُ وإن دقّت، لا يَذمّ منها شيئاً، ولا تُغضبه الدنيا وما كان لها..
8 - ابن شهاب
قال ابن شهاب: كان عمرو بن العاص حين اجتمعوا بالكوفة، كلّم معاويةَ وأمرَه أن يأمر الحسنَ بن عليّ أن يقوم فيخطبَ النّاس، فكره ذلك معاويةُ وقال: ما أريد أن يخطب، فقال عمرو: ولكنّي أريد أن يبدوَ عِيُّه أي عجزه في النّاس فإنّه يتكلّم في أمورٍ لا يدري ما هي! فلم يزل بمعاوية حتّى أطاعه، فخرج معاوية فخطب النّاس، وأمرَ رجلاً فنادى الحسنَ بن عليّ فقال: قُمْ يا حسن فكلِّم النّاس. فقام الحسن فتشهّد في بديهة أمر.. فقال: أمّا بعدُ أيُّها النّاس، فإنّ الله هداكم بأوّلنا، وحقنَ دماءكم بآخرنا، إنّ لهذا الأمر مدّة، وإنّ الدنيا دار دول، وإنّ الله تعالى قال لنبيّه صلّى الله عليه وآله:
وإنْ أدري أقريبٌ أَم بعيدٌ ما تُوعَدون * إنّه يَعلمُ الجَهْرَ مِن القولِ ويَعلمُ ما تَكتُمون * وإنْ أدري لَعَلّه فتنةٌ لكُم ومَتاعٌ إلى حين. فلمّا قالها قال له معاوية: اجلس. ثمّ خطب معاوية، ولم يَزَل صَرِماً على عمرو، وقال: هذا عن رأيك.

النص على إمامته عليه السلام
يمكننا الإستدلال على إمامته عليه السّلام بعدة طرق
احدها: أن نقول: قد ثبت وجوب الإمامة في كلّ زمان من جهة العقل، وأنّ الإمام لا بدّ أن يكون معصوماً، منصوصاً عليه، وعلمنا أنّ الحقَ لايخرج عن اُمّة مُحمّد صلّى الله عليه وآله. فإذا ثبت ذلك سبرنا أقوال الاُمّة بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السّلام: فقائل يقول: لا إمام. وقوله باطل بما ثبت من وجوب الإمامة. وقائل يقول: بإمامة من ليس بمعصوم. وقوله باطل بما ثبت من وجوب العصمة. وقائل يقول: بإمامة الحسن عليه السّلام ويقول: بعصمته، فيجب القضاء بصحّة قوله، وإلاّ أدّى إلى خروج الحقّ عن أقوال الأمّة.
ثانيها: أن نستدلّ بتواتر الشّيعة ونقُلها خلفاً عن سلف: أنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السّلام نصّ على ابنه الحسن عليه السّلام بحضرة شيعته واستخلفه عليهم بصريح القول، ولا فرق بين من ادّعى عليهم الكذب فيما تواترت به، وبين من ادّعى على الاُمّة الكذب فيما تواترت به من معجزات النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، أو ادّعى على الشّيعة الكذب فيما تواتروا به من النّص على أمير المؤمنين عليه السّلام.وكلّ سؤال، يسأل على هذا فمذكور في كتب الكلام.
ثالثّها: أنّه قد اشتهر في النّاس وصية أمير المؤمنين عليه السّلام إليه خاصّة من بين ولده وأهل بيته، والوصيّة من الإمام توجب الاستخلاف للموصى إليه على ما جرت به عادة الأنبياء والأئمّة في أوصيائهم،لا سيّما والوصيّة علم عند آل مُحمّد صلوات الله عليهم كافّة إذا انفرد بها واحدٌ بعينه على استخلافه، وإشارة إلى إمامته، وتنبيهٌ على فرض طاعته، وإجماعُ آل مُحمّد صلوات الله عليهم حجّة
رابعها: أن نستدلّ بالأخبار الواردة فيما ذكرناه، فمن ذلك: ما رواه مُحمّد بن يعقوب الكلينيّ ـ وهو من أجلّ رواة الشّيعة وثقاتها ـ عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن اُذينة، عن أبان، عن سليم بن قيس الهلالي قال: شهدت أمير المؤمنين عليه السّلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السّلام وأشهد على وصيته الحُسين عليه السّلام ومُحمّداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثمّ دفع إليه الكتاب والسّلاح وقال له: يا بنيّ، أمرني رسول الله صلّىالله عليه وآله أن اُوصي إليك وأدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إِليّ ودفع إليّ كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحُسين. ثمّ أقبل على ابنه الحُسين عليه السّلام فقال: وأمرك رسول الله صلّى الله عليه وآله أن تدفعها إلى إبنك هذا ثمّ أخذ بيد عليّ بن الحُسين وقال: وأمرك رسول الله صلّى الله عليه وآله أن تدفعها إلى ابنك مُحمّد بن عليّ، واقرأه من رسول الله ومنّي السّلام.
وعنه، عن عدّة من أصحابه، عن أحمد بن مُحمّد بن عيسى، عن الحُسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر مُحمّد بن عليّ عليهما السّلام مثل ذلك سواء.
وعنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبدالصّمد بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:إن أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا حضرته الوفاة قال لابنه الحسن: اُدن منّي حتّى أسر إليك ما أسر إليّ رسول اللهّ صلّى الله عليه وآله وأئتمنك على ما ائتمنني عليه ففعل.
وبإسناده رفعه إلى شهر بن حوشب: أنّ عليّاً عليه السّلام لمّا سار إلى الكوفة استودع اُمّ سلمة رضي الله عنها كتبه والوصيّة، فلمّا رجع الحسن عليه السّلام دفعتها إليه.
خامسها: أنا وجدنا الحسن بن عليّ عليهما السّلام قد دعا إلى الأمر بعد أبيه وبايعه النّاس على أنّه الخليفة والإمام، فقد روى جماعة من أهل التّاريخ: أنّه عليه السّلام خطب صبيحة الليلة التّي قبض فيها أميرالمؤمنين عليه السّلام فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وآله ثمّ قال: لقد قبض في هذه الليلة رجلٌ لم يسبقه الأوّلون ولا يدركه الاخرون، لقد كان يجاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وآله فيقيه بنفسه، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يوجّهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، فلا يرجع حتّى يفتح الله تعالى على يديه، ولقد توفّي عليه السّلام في هذه الليلة التّي عرج فيها عيسى بن مريم، وفيها قبض يوشع بن نون، وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله ثمّ خنقته العبرة فبكى وبكى النّاس معه، ثمّ قال: أنا ابن البشير، أنا ابن النّذير، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، أنا ابن السّراج المنير، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً، أنا من أهل بيت افترض الله تعالى مودّتهم في كتابه فقال: قُل لأ أَسئَلُكُم عليه أَجراً إِلاّ المَوَدّةَ فِي القُربى وَمَن يَقتَرِف حَسَنَةً نَّزِد لَهُ فِيهَا حُسناً فالحسنة مودّتنا أهل البيت. ثمّ جلس فقام عبدالله بن العبّاس بين يديه فقال: يا معاشر النّاس، هذا ابن نبيّكم ووصيّ إمامكم فبايعوه. فتبادر النّاس إلى البيعة له بالخلافة. فلا بدّ أن يكون محقّاً في دعوته، مستحقّاً لإمامة مع شهادة النّبيّ صلّى الله عليه وآله له ولأخيه بالإمامة والسّيادة في قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: الحسن والحُسين سيّدا شباب أهل الجنّة وشهادة القرآن بعصمتهما في قوله تعالى:? اِنَّما يُرِيدُ اللهَ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهل الْبَيْتِوَ يُطَهِّركُمْ تَطْهِيراً ? على ما تقدّم القول فيه.
سادسها: أن نستدلّ على إمامته بما أظهر اللهّ عزّوجلّ على يديه من العلم المعجز، ومن جملته حديث حبابة الوالبيّة أورده الشّيخ أبو جعفر بن بابويه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد الدقّاق قال: حدّثنا مُحمّد بن يعقوب،قال: حدّثنا عليّ بن مُحمّد، عن أبي عليّ مُحمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهما السّلام، عن أحمد بن القاسم العجليّ، عن أحمد بن يحيى المعروف ببرد، عن مُحمّد بن خداهي، عن عبدالله بن أيّوب، عن عبدالله ابن هشام، عن عبدالكريم بن عمرو الخثعميّ، عن حبابة الوالبيّة قالت:رأيت أمير المؤمنين عليه السّلام في شرطة الخميس، ثمّ ساقت الحديث إلىأن قالت: فلم أزل أقفو اثره حتّى قعد في رحبة المسجد فقُلت له: يا أمير المؤمنين ما دلالة الإمامة رحمك الله؟ قالت: فقال: إئتيني بتلك الحصاة وأشار بيده إلى حصاة، فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه ثمّ قال لي: يا حبابة، إذا ادّعى مدّع الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنّه إمام مفترض الطّاعة، والإمام لا يعزب عنه شيء يريده. قالت: ثمّ انصرفت حتّى قبض أمير المؤمنين عليه السّلام فجئت إلى الحسن، وهو في مجلس أمير المؤمنين والنّاس يسألونه فقال لي: يا حبابة الوالبيّة. فقُلت: نعم يا مولاي. قال: هاتي ما معك. قالت: فاعطيته الحصاة، فطبع لي فيها، كما طبع أميرالمؤمنين عليه السّلام. قالت: ثمّ أتيت الحُسين عليه السّلام وهو في مسجد الرّسول فقرّب ورحّب، ثمّ قال لي: أتريدين دلالة الإمامة؟.فقُلت: نعم ياسيّدي. قال: هاتي ما معك فناولته الحصاة فطبع لي فيها. قالت: ثمّ أتيت عليّ بن الحُسين عليهما السّلام وقد بلغ بي الكبر إلى أن أعييت، وأنا أعدّ يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة، فرأيته راكعاً وساجداً مشغولاً بالعبادة، فيئست من الدلالة، فأومى إليّ بالسّبّابة فعاد إليّ شبابي قالت: فقُلت: يا سيّدي كم مض من الدنيا وكم بقي؟ فقال: أمّا ما مضى فنعم، وأمّا ما بقي فلا. قالت: ثمّ قال لي:هات ما معك فاعطيته الحصاة فطبع فيها، ثمّ أتيت أبا جعفر عليهما السّلام فطبع لي فيها، ثمّ أتيت أبا عبدالله عليه السّلام فطبع لي فيها، ثمّ أتيت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام فطبع لي فيها، ثمّ أتيت الرّضا عليه السّلام فطبع لي فيها. وعاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكره عبدالله بن هشام.
قال: وحدّثنا مُحمّد بن مُحمّد بن عصام، عن مُحمّد بن يعقوب الكليني قال: حدّثنا عليّ بن مُحمّد قال: حدّثنا مُحمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: حدّثني أبي، عن أبيه موسى بن جعفر، ن أبيه جعفر، عن أبيه مُحمّد عليهم السّلام قال: إنّ حبابة الوالبيّة دعا لها عليّ بن الحُسين عليهما السّلام فرد الله عليها شبابها، وأشار إليها بإصبعه فحاضت لوقتها، ولها يومئذ مائة سنة وثلاث عشرة سنة.

مُدّة إمامته عليه السلام
مدة إمامة الإمام الحسن عليه السّلام هي: عشر سنوات. وأقام في خلافته ستّة أشهر وثلاثة أيّام.

حُكّام عصره عليه السلام
أبو بكر بن أبي قحافة، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفّان، معاوية بن أبي سفيان.

الجيش الذي حاربه عليه السلام
هنا نذكر نبذة مختصره عن الجيش الذي حارب الإمام عليه السّلام
امتاز جيش معاوية بعدة نقاط وهنا سنذكر تركيبة جيش معاوية: فقد تألف جيش الباطل من هذه الفرق.
1ـ ما تبقى من قريش الذين دخلوا الإسلام خوفاً أو طمعاً وابغضوا رسول الله وأهل بيته
2ـ بعض اليهود و النّصارى الذين خدعهم معاوية بالمال من جهة، و بغضهم للامام الحسن عليه السّلام باعتباره يمثل الدين الإسلامى الخالصّ من جهة اُخرى و هؤلاء لايحترمون دماء المسلمين بشكل عام.
3ـ أهل الشّام الذين امتازوا بالغباء و الجهل المطبق, فقد اغراهم معاوية بالأموال وحشد فى عقولهم مجموعة أكاذيب حول الحسن عليه السّلام
4ـ الخوارج الذين لايحترمون الحسن بل لايرون أى فرق بينه وبين معاوية, فالمهم عندهم أنهم يتخلصون منه ومن معاوية.
و هكذا اتجه هذا الجيش وهو يحمل الحقد والبغض والمصالح، وسار معاوية بهؤلاء الذين أمات الباطل قُلوبهم وباعوا ضمائرهم ودينهم بالمال لحرب الإمام الحسن عليه السّلام.

بنود صلحه عليه السلام مع معاوية
أقبل عبد الله بن سامر الذي أرسله معاوية إلى الإمام الحسن عليه السّلام حاملاً تلك الورقة البيضاء المذيّلة بالإمضاء وإعلان القبول بكل شرط يشترطه الإمام عليه السّلام وتمّ الإتفاق. وأهم ما جاء فيه:
1 - أن تؤول الخلافة إلى الإمام الحسن بعد وفاة معاوية. أو إلى الإمام الحُسين إن لم يكن الحسن على قيد الحياة.
2 - أن يستلم معاوية إدارة الدولة بشرط العمل بكتاب الله وسنّة نبيّه.
3 - أن يكفل معاوية سلامة أنصار عليّ عليه السّلام ولا يُساء إليهم.

أسباب صلحه عليه السلام مع معاوية
سار الإمام الحسن عليه السّلام بجيش كبير حتّى نزل في موضع متقدم عرف بالنّخيلة فنظم الجيش ورسم الخطط لقادة الفرق. ومن هناك أرسل طليعة عسكرية في مقدمة الجيش على رأسها عبيد الله بن العباس وقيس بن سعد بن عبادة كمعاون له. ولكن الأمور ومجريات الأحداث كانت تجري على خلاف المتوقع. فقد فوجىء الإمام عليه السّلام بالمواقف المتخاذلة والتّي أهمها:
1 - خيانة قائد الجيش عبيد الله بن العباس الذي التّحق بمعاوية لقاء رشوة تلقاها منه.
2 - خيانة زعماء القبائل في الكوفة الذين أغدق عليهم معاوية الأموال الوفيرة فأعلنوا له الولاء والطّاعة وعاهدوه على تسليم الإمام الحسن له.
3 - قوّة جيش العدو في مقابل ضعف معنويات جيش الإمام الذي كانت تستبد به المصالح المتضاربة.
4 - محاولات الاغتيال التّي تعرض لها الإمام عليه السّلام في الكوفة.
5 - الدعايات والإشاعات التّي أخذت مأخذاً عظيماً في بلبلة وتشويش ذهنية المجتمع العراقي.
وأمام هذا الواقع الممزّق وجد الإمام عليه السّلام أن المصلحة العليّا تقتضي مصالحة معاوية حقناً للدماء وحفظاً لمصالح المسلمين. لأن اختيار الحرب لا تعدو نتائجه عن أحد أمرين:
أ- إمَّا قتل الإمام عليه السّلام والثّلّة المخلصة من أتباع عليّ عليه السّلام.
ب- وأما حمله أسيراً ذليلاً إلى معاوية.
فعقد مع معاوية صلحاً وضع هو شروطه بغية أن يحافظ على شيعة أبيه وترك المسلمين يكتشفون معاوية بأنفسهم ليتسنى للحسين عليه السّلام فيما بعد كشف الغطاء عن بني أمية وتقويض دعائم ملكهم.

جواب صلحه عليه السلام على لسان الآل عليهم السلام
أجاب الإمام الحسن عليه السّلام وبعض الأئمة من أهل البيت عليهم السّلام عن مسألة صلح الإمام مع معاوية, في أكثر من مناسبة ومناسبة, إليك البعض منها:
1 - عن الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ الحسن بن عليّ عليهما السّلام لما طعن واختلف النّاس عليه سلم الأمر لمعاوية، فسلمت عليه الشّيعة عليّك السّلام يا مذل المؤمنين فقال عليه السّلام: ما أنا بمذل المؤمنين، ولكني معز المؤمنين، إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلمت الأمر لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم، كما عاب العالم السّفينة لتبقى لأصحابها، وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم.
2 - عن سدير، قال: قال أبو جعفر عليه السّلام ومعي ابني: يا سدير اذكر لنا أمرك الذي أنت عليه، فان كان فيه إغراق كففناك عنه، وإن كان مقصرا أرشدناك قال: فذهبت أن أتكلم فقال أبوجعفر عليه السّلام: أمسك حتّى أكفيك: إن العلم الذي وضع رسول الله صلّى الله عليه وآله عند عليّ عليه السّلام من عرفه كان مؤمناً ومن جحده كان كافراً ثمّ كان من بعده الحسن عليه السّلام قُلت: كيف يكون بتلك المنزلة، وقد كان منه ما كان دفعها إلى معاوية؟ فقال: اسكت فانه أعلم بما صنع، لولا ما صنع لكان أمر عظيم.
3 - عن أبي سعيد عقيصا قال: قُلت للحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام: يا ابن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته، وقد علمت أن.الحق لك دونه وأن معاوية ضال باغ؟
فقال: يابا سعيد السّت حجة الله تعالى ذكره على خلقه، وإماما عليهم بعد أبي عليه السّلام؟ قُلت: بلى، قال: السّت الذي قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لي ولاخي: الحسن والحُسين إمامان قاما أو قعدا؟ قُلت: بلى، قال: فأنا إذن إمام لوقمت، وأنا إمام إذا قعدت، يابا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله صلّى الله عليه وآله لبني ضمرة وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية، أولئك كفار بالتّنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتّأويل، يا أبا سعيد إذا كنت إماماً من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة، وإن كان وجهه الحكمة فيما أتيته ملتبساً. ألا ترى الخضر عليه السّلام لما خرق السّفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى عليه السّلام فعله، لاشتباه وجه الحكمة عليه حتّى أخبره فرضي، هكذا أنا سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه، ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الارض أحد إلا قتل.

سقيه السّم وشهادته عليه السلام
بعد أنّ تكاثرة عليه المحن والويلات والمؤامرات التّي كان يحيكها أعدائه, أعداء الدين, وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان, حتّى جاء آخرها بصفيته جسديا, وذلك لما نقض معاوية عهده مع الإمام الحسن عليه السّلام، عمد إلى أخذ البيعة لولده يزيد، وما كان شيء أثقل عليه من أمر الحسن بن عليّ عليه السّلام , فأقدم على سمه عن طريق زوجته عليه السّلام, بعد أن أمناها باماني لم يلبّيها لها بعد أن لبت مآربه ورغباته بتصفية الإمام عليه السّلام, فسقته لبناً فيه دس السّم. حيث تقول الرّوايات:
فما ذهبت الأيّام حتّى بعث إليها معاوية مالاً جسيماً يُمنّيها أن يُعطيها مئةَ ألفِ درهم أيضاً وضياعاً، ويزوّجها من يزيد. وحمل شربة سمّ لتسقيها الحسنَ عليه السّلام.
ففي بعض الأيّام انصرف إلى منزله وهو صائم، وكان يوماً حارّاً، فأخرجتْ له وقت الإفطار شربةَ لبن وقد ألقَتْ فيها ذلك السّمّ، فشربها، وقال: يا عدوّةَ الله! قتلتيني قَتَلكِ الله، واللهِ لا تُبصرين خيراً، ولقد غرّكِ وسخر بك، واللهُ يخزيكِ ويُخزيه.
فلمّا دنا موته عليه السّلام أوصى لأخيه الحُسين عليه السّلام وقال: إذا قضيت نحبي غسّلني وكفّني واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله, ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد فادفنّي هناك، وبالله أقسم عليّك أن تهريق في أمري محجمة دم. فمكث عليه السّلام يومينِ ثمّ مضى، فغدر معاوية بها فلم يَفِ لها بما عاهد عليه.
فلمّا حملوه إلى روضة رسول الله صلّى الله عليه وآله لم يشكّ مروان ومن معه من بني أميّة أنّهم سيدفنونه عند جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله فتجمّعوا له ولبسوا السّلاح، ولحقتهم عائشة على بغل وهي تقول: مالي ولكم؟ تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحبّ. وجعل مروان يقول ربّ هيجا هي خير من دعة، أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النّبيّ، وكادت الفتنة تقع بين بني هاشم وبني أميّة، ولأجل وصيّة الحسن مضوا به إلى البقيع ودفنوه عند جدّته فاطمة بنت أسد.
والعجيب أن مروان بن الحكم حمل سريره إلى البقيع فقال له الحُسين: أتحمل سريره أما والله لقد كنت تجرّعه الغيظ. فقال مروان: إنّي كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال.
ولمّا بلغ معاويّة موت الحسن عليه السّلام سجد وسجد من حوله وكبّر وكبّروا معه، ذكره الزّمخشري في ربيع الأبرار وابن عبد البرّ في الاستيعاب وغيرهما.

شهادته عليه السلام
استشهد عليه السّلام في اليوم السابع من صفر - عام 49 هـ
وقيل: في الثامن والعشرين من صفر- عام 50 هـ
ومما قيل فيها: كانت وفاته عليه السّلام يوم الخميس لليلتين بقيتا من صفر, وقيل في السّابع منه, وقيل لخمس بقين من ربيع الأول, وفي رواية الحاكم لخمس خلون منه سنة خمسين من الهجرة, أو خمس وأربعين, أو تسع وأربعين, أو إحدى وخمسين, أو أربع وأربعين, أو سبع وأربعين, أو ثمان وخمسين. وله سبع وأربعون سنة, أو ست وأربعون وأربعة أشهر وثلاثة عشرة يوما, وقيل غير ذلك.
وقبض رسول الله صلّى الله عليهوآله وله سبع سنين وستة أشهر, وقيل ثمان سنين. وقام بالامر بعد أبيه وله سبع وثلاثون سنة, وأقام إلى أن صالح معاوية ستة أشهر وخمسة أيام أو ثلاثة أيام على الخلاف في وفاة أمير المؤمنين عليه السّلام, أنّها ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين من شهر رمضان, وقيل غير ذلك كما تقدم. وبقي بعد الصّلح تسع سنين وتسعة أشهر وثلاثة عشرة يوماً, وقيل غير ذلك والله أعلم.

محلّ شهادته عليه السلام
استشهد عليه السلام في المدينة المنورة.

غُسله عليه السلام
تولّى أخوه الحُسين عليه السّلام غُسله وتكفينه ودفنه عند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بالبقيع. وفي رواية اُخرى: إنّه ولي غسله الحُسين ومُحمّد والعباس إخوته.

زيارته عليه السلام
تغتسل لزيارة الحسن عليه السّلام، وتلبس أطهر ثيابك، وتقف على قبره، وتقول:
السّلام عليّك يا ابن رسول الله، السّلام عليّك يا بقية المؤمنين وابن أول المسلمين، أشهد أنك سبيل الهدى، وحليف التّقوى، وخامس أصحاب الكساء، غذتك يد الرّحمة، وتربيت في حجر الإسلام، ورضعت من ثدي الايمان، فطبت حيا وميتا، صلّى الله عليّك، أشهد أنك أديت صادقا، ومضيت على يقين، لم تؤثر عمى على هُدى، ولم تمل من حق إلى باطل، لعن الله من ظلمك، ولعن الله من خذلك، ولعن الله من قتلك، أنا إلى الله منهم براء.
ثمّ قبّل القبر، وضع خديك عليه وتحول إلى عند الرّأس فقُل:
السّلام عليّك يا وصى أمير المؤمنين، أتيتك زائرا، عارفا، بحقك، مواليا لاوليائك، معاديا لاعدائك، فاشفع لى عند ربك. وصل ركعتين لزيارته عليه السّلام.

وداعه عليه السلام
إذا أردت وداع أبي مُحمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام للانصراف فقف على القبر وقُل: السّلام عليّك يا ابن رسول الله، السّلام عليّك يا مولاي، ورحمة الله وبركاته، أستودعك الله، وأسترعيك، وأقرأ عليّك السّلام، آمنا بالله وبالرّسول، وبما جئت به، ودللت عليه، اللهم اُكتبنا مع الشّاهدين.
ثمّ تسأل الله أن لا يجعله آخر العهد منك، وادع بما أحببت إن شاء الله.
والحمد لله ربّ العالمين جعلنا الله تعالى من المُتمسكين بحبل الله المتين مُحمّد وآل مُحمّد صلوات الله عليهم أجمعين.

   

أضف تعليق


كود امني
تحديث