اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم والعن أعدائهم

 

نسبه الشّريف
الإمام عليّ بن موسى بن جعفر بن مُحمّد بن عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام‎.‎

والدته عليه السّلام
لقد اختلفت أقوال الرّواة في اسم أمّه عليه السّلام، فقد قيل‎:‎
‎ ‎‏1‏‎ - ‎تكتم‎.‎
‎ ‎‏2‏‎ - ‎الخيزران‎.‎
‎ ‎‏3‏‎ - ‎أروى‎.‎
‎ ‎‏4‏‎ - ‎نجمة‎.‎
‎ ‎‏5‏‎ - ‎أم البنين‎.‎


وكانت أم الإمام من العابدات، ومن مظاهر عبادتها أنّها لما ولدت الإمام الرّضا عليه السّلام، قالت: اعينوني ‏بمرضعة، فقيل لها: أنقص الدّر؟ قالت: ما أكذب: ما نقص الدّر، ولكن عليّ ورد من صلاتي وتسبيحي. أرأيتم هذه ‏النّفس الملائكيّة التي هامت بحب الله، وانقطعت إليه فقد طلبت أن يعاونوها على إرضاع ولدها؛ لأنّه يشغلها عن ‏أورادها من الصّلاة والتسبيح‎.‎

كيفية زواج الإمام الكاظم عليه السّلام بهذه السّيدة الجليلة
نقل الرّواة عدة أقوال في كيفية زواج الإمام الكاظم عليه السّلام بهذه السّيدة الجليلة، وإليك بعضها‎:‎
‏1‏‎ - ‎روي أنّ الإمام الكاظم عليه السّلام قال لأصحابه: والله ما اشتريت هذه الجارية إلاّ بأمر من الله ووحيه، وسئل عن ‏ذلك، فقال: بينما أنا نائم إذ أتاني جدّي وأبي، ومعهما قطعة حرير، فنشراها، فإذا قميص فيه صورة هذه الجارية، ‏فقالا: يا موسى ليكونن لك من هذه الجارية خير أهل الأرض بعدك، ثمّ أمرني أبي إذا ولد لي ولد أن أسميه عليّاً، ‏وقالا: إنّ الله عزوجل سيظهر به العدل والرحمة، طوبى لمن صدقه، وويل لمن عاداه وجحده‎.‎
‏2‏‎ - ‎روى هشام بن أحمد قال: أبو الحسن الأوّل - هو الإمام موسى - هل علمت أحداً من أهل المغرب قدم؟ قُلت: لا، ‏فقال عليه السّلام: بلى قد قدم رجل، فانطلق بنا إليه، فركب وركبنا معه، حتّى انتهينا إلى الرّجل، فإذا رجل من أهل ‏المغرب معه رقيق. فقال له: اعرض علينا، فعرض علينا تسع جوار، كُلّ ذلك يقول أبو الحسن: لا حاجة لي فيها، ثمّ ‏قال له: اعرض علينا، فقال: ما عندي شئ، فقال له: بلى اعرض علينا قال: لا والله ما عندي إلا جارية مريضة، فقال ‏له: ما عليك أن تعرضها، فأبى، ثمّ انصرف عليه السّلام، ثمّ أنّه أرسلني من الغد إليه، فقال لي: قُل له: كم غايتك فيها؟ ‏فإذا قال: كذا وكذا - يعني من المال - فقل: قد أخذتها، فأتيته، فقال له: ما أريد أن انقصها من كذا - وعين مبلغاً خاصّاً ‏‏- فقُلت: قد أخذتها، وهو لك، فقال: هي لك، ولكن من الرّجل الذي كان معك بالأمس؟ فقُلت: رجل من بني هاشم فقال: ‏من أي بني هاشم؟ فقُلت: من نقبائهم، فقال: أريد أكثر من هذا، فقُلت: ما عندي أكثر من هذا. فقال: اخبرك عن هذه، ‏اني اشتريتها من أقصى المغرب، فلقيتني أمرأة من أهل الكتاب، فقالت: من هذه الوصيفة معك؟ فقُلت: اشتريتها ‏لنفسي، فقالت: ما ينبغي أن تكون عند مثلك، إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلا ‏قليلا حتّى تلد منه غُلاماً يدين له شرق الأرض وغربها، قال: فاتيته بها، فلم تلبث عنده إلا قليلا حتّى ولدت له عليّاً‎.‎
‏3‏‎ - ‎إنّها كانت من أشراف العجم، وكانت مُلكاً للسّيدة حميدة، أم الإمام موسى عليه السّلام، وهي من أفضل النّساء في ‏عقلها، ودينها واعظامها لمولاتها السّيدة حميدة، حتّى إنّها ما جلست بين يديها من ملكتها إجلالاً، وإعظاماً لها، وقد ‏قالت حميدة لابنها الإمام موسى: يا بني إنّ تكتم جارية، ما رأيت جارية قط أفضل منها، ولست أشكّ أنّ الله تعالى ‏سيظهر نسلها، وقد وهبتها لك فاستوص بها خيراً‎.‎

تاريخ ولادته عليه السّلام
كانت ولادته عليه السّلام في الحادي عشر من ذي القعدة 148 هـ،‍ وهذا هو المشهور بين الرّواة، وهناك أقوال أخرى ‏في ولادته عليه السّلام. فقداختلف المؤرخون في السّنة التي ولد فيها الإمام الرّضا عليه السّلام وهذه بعض ما أثر ‏عنهم‎:‎
‏1‏‎ - ‎ولد سنة 148 ه‍ , وهذا هو المشهور بين الرّواة‎.‎
‏2‏‎ - ‎ولد سنة 147 هـ‏‎.‎
‏3‏‎ - ‎ولد سنة 150 هـ‏‎.
‏4‏‎ - ‎ولد سنة 151 ه‍ـ‏‎.‎
‏5‏‎ - ‎ولد سنة 153 هـ‍ , وهي السّنة التي توفي فيها جده عليه السّلام‎.‎
وقد اختلف المؤرخون أيضاً في الشهر الذي ولد فيه، وهذه بعض أقوالهم‎:‎
‏1‏‎ - ‎ولد يوم الخميس أو ليلة الخميس لأحد عشر ليلة خلت من ربيع الأوّل‎. ‎
‏2‏‎- ‎ولد في ذي القعدة في الحادي عشر منه يوم الخميس‎.‎
‏3‏‎ - ‎ولد في شوال في السّابع منه وقيل ثامنه، وقيل سادسه‎. ‎

ألقاب الإمام الرّضا عليه السّلام
لُقِّبَ الإمام الرّضا عليه السّلام بكوكبة من الألقاب الكريمة، وكُلّ لقب منها يرمز إلى صفة من صفاته الكريمة، وهذه ‏بعضها‎:‎
الأوّل: الرّضا: اختلف المؤرخون والرواة في الشّخص الذي أضفى على الإمام عليه السّلام هذا اللقب الرفيع، حتّى ‏غلب عليه، وصار اسماً يُعرف به‎.‎
وقد عَلَّلَ أحمد البزنطي السّبب الذي من أجله لُقِّب بـ الرّضا فقال: إنما سُمِّي عليه السّلام الرّضا، لأنه كانَ رِضَى لله ‏تَعَالى في سَمَائِه، وَرِضَى لِرسُوله والأئمة عليهم السّلام بعده في أرضه‎.‎
الثّاني: الصّابر: وإنما لُقِّب عليه السّلام بذلك لأنه صَبَر على المِحَن والخُطُوب التي تَلَقَّاهَا مِن خُصُومِهِ وأعدَائِه‎.‎
الثّالث: الزّكِي: لأنّ الإمام عليه السّلام قد كان من أزكياء البشر، ومن نبلائهم وأشرافهم‎.‎
الرّابع: الوفي: أما الوفاء فهو عنصر من عناصر الإمام عليه السّلام، وذاتي من ذاتياته، فقد كان عليه السّلام وَفِياً ‏لأُمَّتِه ووطَنِه‎.‎
الخامس: سراج الله: فَقد كَان الإمام عليه السّلام سِرَاجاً لله، يَهدِي الضالَّ وَيرشدُ الحَائِر‎.‎
السّادس: قُرَّة عينِ المُؤمنين: ومن ألقابه الكريمة إنّه عليه السّلام كان قُرَّة عينِ المؤمنين، فَقد كَان زَيناً وفخراً لهم‎.‎
السّابع: مكيدة المُلحدين: وإنما لُقِّب عليه السّلام بذلك لأنه أبطلَ شُبَه المُلحِدين وَفَنَّد أوهامَهُم، وذلك في مناظراته التي ‏أُقيمت في البلد العباسي، والتي أَثبتَ فيها أصالة القيم والمبادئ الإسلامية‎.‎
الثّامن: الصدِّيق: فقد كان عليه السّلام كـ يوسُفُ الصدِّيق الذي ملك مصر، فقد تَزعَّم جميع أنحاء العالم الإسلامي، ‏وكانت لَهُ الولاية المُطلَقة عليه‎.‎
التّاسع: الفاضل: فهو أفضل إنسانٍ وأكملُهُم في عصره، ولهذه الظّاهرة لُقِّبَ عليه السّلام بـ الفاضل‎. ‎

علم الإمام الرّضا عليه السّلام
إنّ الشّيء البارز في شخصية الإمام الرّضا عليه السّلام هو إحاطته التامة بجميع أنواع العلوم والمعارف‎.‎
فقد كان عليه السّلام - بإجماع المؤرخين والرواة - أعلمَ أهلِ زمانه، وأفضلَهُم، وأدراهُم بأحكام الدين، وعلوم ‏الفلسفة، والطب، وغيرها من سائر العلوم‎.‎
وقد تحدث أبو الصّلت الهروي عن سعة علومه عليه السّلام، وكان مُرافقاً له يقول: ما رأيت أعلم من عليّ بن موسى ‏الرّضا عليه السّلام، ما رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي‎.‎
وقد جمع المأمون في مجالس له عدداً من عُلماء الأديان، وفقهاء الشّريعة، والمُتكلمين، فَغَلَبَهُم عليه السّلام عن آخرهم، ‏حتّى ما بقي منهم أحد إلا أقرَّ له بالفضل، وأقرَّ له على نفسه بالقصور‎.‎
إذن، فإنّ الإمام الرّضا عليه السّلام كان أعلم أهل زمانه، كما كان المرجع الأعلى في العالم الإسلامي، الذي يرجع ‏إليه العُلماء والفقهاء فيما خفي عليهم من أحكام الشّريعة، والفروع الفُقهية‎.‎
ويقول إبراهيم بن العباس: ما رأيت الرّضا عليه السّلام يسأل عن شيء قَطّ إلا علم، ولا رأيت أعلم منه بما كان في ‏الزّمان الأوّل إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسّؤال عن كُلّ شيء، فيجيب عليه السّلام‎.‎
وقد دلت مناظراته عليه السّلام في خراسان والبصرة والكوفة، حيث سُئل عن أعقد المسائل، فأجاب عليه السّلام عنها ‏جواب العالم الخبير المتخصص‎.‎
وقد أذعنت له جميع عُلماء الدنيا - في عصره - وأقروا له بالفضل والتفوق عليهم‎.‎
وظاهرة أخرى له عليه السّلام وهي إحاطته الشاملة بجميع اللغات، ويَدلُّ على ذلك ما رواه أبو إسماعيل السّندي قال‏‎:‎
سمعت بالهند أن لله في العرب حجّة، فخرجت في طلبه، فَدُلِّلْتُ على الرّضا عليه السّلام‎.‎
فقصدته وأنا لا أحسن العربية، فَسَلَّمتُ عليه بالسّندية، فَردَّ عليّ بِلُغَتِي، فجعلت أُكلِّمه بالسّندية وهو يردُّ عليّ بها‎.‎
وقلت له: إنّي سمعت أنّ لله حجّة في العرب فخرجت في طلبه، فقال عليه السّلام: أنا هو‎.‎
ثمّ قال عليه السّلام لي: سَلْ عما أردته‎.‎
فسألته عن مسائل فأجابني عنها بِلُغَتِي، وقد أكد هذه الظّاهرة الكثيرون ممن اتصلوا بالإمام عليه السّلام‎.‎
يقول أبو الصّلت الهروي: كان الرّضا عليه السّلام يُكلّم النّاس بلغاتهم، فقُلت له: في ذلك فقال: يا أبا الصّلت أنا حجة ‏الله على خلقه، وما إن الله ليتخذ حجة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم، أَوَ مَا بلغَكَ قول أمير المؤمنين عليه السّلام: ‏أوتِينَا فَصلَ الخطاب، وهل هو إلا معرفته اللغات‎.‎
وقد أخبر الإمام الرّضا عليه السّلام عن كثير من الملاحم والأحداث قبل وقوعها، وتحققت بعد ذلك على الوجه الأكمل ‏الذي أخبر عليه السّلام به‎.‎
وهذا يؤكد - بصورة واضحة - أصالة ما تذهب إليه الشّيعة من أن الله تعالى قد منح أئمة أهل البيت عليهم السّلام ‏المزيد من الفضل والعلم، كما منح رُسله صلوات الله عليهم أجمعين، ومن بين ما أخبر عليه السّلام به ما يلي‎:‎
أوّلاً‎:‎
روى الحسن بن بشار، قال: قال الرّضا عليه السّلام: إنّ عبد الله - يعني المأمون - يقتل محمداً - يعني الأمين‎ -.‎
فقُلت له: عبد الله بن هارون يقتل مُحمّد بن هارون‎.‎
قال عليه السّلام: نعم، عبد الله الذي بخراسان يقتل مُحمّد بن زبيدة الذي هو ببغداد‎.‎
وكان يتمثل بهذا البيت‎:‎
وإن الضّغن بعد الضغن يفشو عليك ويخرج الدّاء الدَّفينا
ولم تمضِ الأيام حتّى قتل المأمون أخاه الأمين‎.‎
ثانياً‎:‎
ومن بين الأحداث التي أخبر عليه السّلام عنها: أنه لما خرج مُحمّد بن الإمام السّلام، قال عليه السّلام بِمَكَّة ودعا النّاس ‏إلى نفسه، وخلع بيعة المأمون، قصده الإمام الرّضا عليه السّلام‎.‎
فقال له: يا عَم، لا تُكَذِّب أباك، ولا أخاك - يعني الإمام الكاظم عليه السّلام - فإنّ هذا الأمر لا يتم‎.‎
ثمّ خرج ولم يلبث مُحمّد إلا قليلاً حتّى لاحقته جيوش المأمون بقيادة الجلودي، فانهزم مُحمّد ومن معه، ثمّ طلب الأمان، ‏فآمنه الجلودي‎.‎
ثمّ صعد المنبر وَخَلَع نفسه، وقال: إنّ هذا الأمر للمأمون وليس لي فيه حق‎.‎
ثالثاً‎:‎
روى الحُسين نجل الإمام الكاظم عليه السّلام، قال: كُنَّا حول أبي الحسن الرّضا عليه السّلام ونحن شبان من بني ‏هاشم، إذ مَرَّ علينا جعفر بن عمر العلوي وهو رَثُّ الهيئة، فنظر بعضنا إلى بعض وضحكنا من هيئته‎.‎
فقال الرّضا عليه السّلام: لَتَرَوُنَّهُ عن قريبٍ كثير المال، كثير التبَع‎.‎
فما مضى إلا شهر ونحوه حتّى وَلِيَ المدينة، وَحَسُنَتْ حَالُه‎.‎
رابعاً‎:‎
روى محول السجستاني قال: لما جاء البريد بأشخاص الإمام الرّضا عليه السّلام إلى خراسان، كنت أنا بالمدينة‎.‎
فدخل المسجد ليودع رسول الله صلّى الله عليه وآله، فودعهُ مِراراً، فكان يعلو صوته عليه السّلام بالبكاء والنحيب‎.‎
فتقدمت إليه وسلمت عليه، فَردَّ السّلام، وهَنَّأتُه فقال: ذَرْنِي، فإني أخرج من جوار جدّي فأموت في غربة، وأُدفن في ‏جنب هارون‎.‎
قال: فخرجت متبعاً طريقه، حتّى وافى خراسان فأقام فيها وقتاً ثمّ دفن بجنب هارون‎.‎

كرامات الإمام عليّ الرّضا عليه السّلام
يتميّز الأئمة عليهم السّلام بارتباطٍ خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب، بسبَبِ مقامِ العصمة والإمامة، ولَهُم - مثل الأنبياء - ‏معاجزٌ وكرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى، وكونَهم أئمّة‎.‎
وللإمام الرّضا عليه السّلام معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ، سجَّلَتْها كتبُ التّاريخ، ونذكر هنا بعضاً منها‎:‎

الكرامة الأولى: تسبيحه وتهليله عليه السّلام في بطن اُمّه
عن عليّ بن ميثم عن أبيه، قال: سمعت أبي يقول: سمعت نجمة أم الرّضا عليه السّلام تقول: لما حملت بابني الرّضا لم ‏أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتحميداً من بطني فيهولني، فإذا انتبهت لم أسمع، فلمّا ‏وضعته وقع على الأرض واضعاً يده على الأرض، رافعاً رأسه ويحرّك بشفتيه ويتكلّم‎.‎

الكرامة الثّانية: حكّه عليه السّلام الارض وإخراج الذهب منها
عن إبراهيم بن موسى القزّاز، قال: ألححت على الرّضا عليه السّلام في شيء طلبته منه، فخرج يستقبل بعض ‏الطالبيين، وجاء وقت الصّلاة فمال إلى قصر هناك، فنزل تحت شجرة بقرب القصر، وأنا معه وليس معنا ثالث، فقال: ‏أذّن، فقُلت: ننتظر يلحق بنا أصحابنا‎.‎
فقال: غفر الله لك، لا تؤخرن صلاة عن أوّل وقتها إلى آخر وقتها من غير علّة عليك أبداً بأوّل الوقت، فأذّنت وصلينا، ‏فقُلت: يا ابن رسول الله، قد طالت المدّة في العدة التي وعدتنيها، وأنا محتاج وأنت كثير الشّغل، لا أظفر بمسألتك كُلّ ‏وقت، قال: فحكّ بسوطه الأرض حكّاً شديداً، ثمّ ضرب بيده إلى موضع الحك، فأخرج سبيكة ذهب‎.‎
فقال: خذها إليك، بارك الله لك فيها، وانتفع بها، واكتم ما رأيت، قال: فبورك لي فيها حتّى اشتريت بخراسان ما كان ‏قيمته سبعين ألف دينار، فصرت أغنى النّاس من أمثالي هناك‎.‎

الكرامة الثّالثة: إلهامه عليه السّلام العربية للسندي
قال أبو إسماعيل السّندي: سمعت بالسّند أنّ لله في العرب حجّة، فخرجت منها في الطّلب، فدللت على الرّضا عليه ‏السّلام فقصدته، فدخلت عليه وأنا لا أحسن من العربية كلمة، فسلّمت بالسّندية، فرد عليّ بلغتي، فجعلت أكلّمه بالسندية ‏وهو يجيبني بالسّندية، فقُلت له: إنّي سمعت بالسّند أنّ لله حجّة في العرب، فخرجت في الطّلب، فقال بلغتي: نعم أنا هو، ‏ثمّ قال: فسل عمّا تريد‎.‎
فسألته عمّا أردته، فلمّا أردت القيام من عنده، قُلت: إنّي لا أحسن من العربية شيئاً، فادع الله أن يلهمنيها، لأتكلم بها مع ‏أهلها، فمسح يده على شفتي، فتكلّمت بالعربية من وقتي‎.‎

الكرامة الرّابعة: إنباعه عليه السّلام للماء من القبر
عن أبي الصّلت الهروي ـ كان خادماً للإمام الرّضا عليه السّلام ـ قال: أصبح الرّضا عليه السّلام يوماً، فقال لي: أدخل ‏هذه القبّة التي فيها هارون، فجئني بقبضة تراب من عند بابها، وقبضة من يمنتها، وقبضة من يسرتها، وقبضة من ‏صدرها، وليكُن كُلّ تراب منها على حدته، فصرت إليها فأتيته بذلك، وجعلته بين يديه على منديل، فضرب بيده إلى ‏تربة الباب، فقال: هذا من عند الباب؟ قُلت: نعم‎.‎
قال:غداً تحفر لي في هذا الموضع، فتخرج صخرة لا حيلة فيها، ثمّ قذف به، وأخذ تراب اليمنة، وقال: هذا من يمنتها؟ ‏قُلت: نعم، قال: ثمّ تحفر لي في هذا الموضع، فتظهر نبكة لا حيلة فيها، ثمّ قذف به، وأخذ تراب اليسرة، وقال: ثمّ تحفر ‏لي في هذا الموضع، فتخرج نبكة مثل الأولى، وقذف به‎.‎
وأخذ تراب الصدر، فقال: وهذا تراب من الصدر، ثمّ تحفر لي في هذا الموضع، فيستمر الحفر إلى أن يتم، فإذا فرغ ‏من الحفر فضع يدك على أسفل القبر، وتكلّم بهذه الكلمات...، فإنّه سينبع الماء حتّى يمتلئ القبر، فتظهر فيه سميكات ‏صغار، فإذا رأيتها، ففتت لها كسرة، فإذا أكلتها خرجت حوتة كبيرة، فابتلعت تلك السميكات كلّها، ثمّ تغيب، فإذا غابت ‏فضع يدك على الماء، وأعد الكلمات، فإنّ الماء ينضب كلّه، وسل المأمون عنّي أن يحضر وقت الحفر، فإنّه سيفعل ‏ليشاهد هذا كلّه‎.‎
ثمّ قال عليه السّلام: الساعة يجئ رسوله فاتبعني، فإنّ قمت من عنده مكشوف الرأس فكلّمني بما تشاء، وإن قمت من ‏عنده مغطّى الرأس فلا تكلّمني بشيء، قال: فوافاه رسول المأمون، فلبس الرّضا عليه السّلام ثيابه وخرج وتبعته، فلمّا ‏دخل إلى المأمون وثب إليه، فقبّل بين عينيه، وأجلسه معه على مقعده، وبين يديه طبق صغير فيه عنب، فأخذ عنقوداً ‏قد أكل نصفه، ونصفه باق، وقد كان شربه بالسم، وقال للرضا عليه السّلام: حمل إليّ هذا العنقود فاستطبته، فأكلت ‏منه، وتنغصّت به أن لا تأكل منه، فأسألك أن تأكل منه‎.‎
قال: أو تعفيني من ذلك؟، قال: لا والله، فإنّك تسرنّي بما تأكل منه، قال: فاستعفاه ثلاث مرّات، وهو يسأله بمحمّد ‏وعلي أن يأكل منه، فأخذ منه ثلاث حبّات فأكلها، وغطّى رأسه ونهض من عنده، فتبعته ولم أكلّمه بشيء حتّى دخل ‏منزله، فأشار إليّ أن أغلق الباب فأغلقته، وصار إلى مقعد له فنام عليه، وصرت أنا في وسط الدار، فإذا غلام عليه ‏وفرة ظننته ابن الرّضا عليه السّلام، ولم أكن قد رأيته قبل ذلك، فقُلت: يا سيدي الباب مغلق فمن أين دخلت؟
فقال: لا تسأل عمّا لا تحتاج إليه، وقصد إلى الرّضا عليه السّلام، فلمّا بصر به الرّضا عليه السّلام وثب إليه، وضمّه ‏إلى صدره، وجلسا جميعاً على المقعد، ومد الرّضا عليه السّلام الرداء عليهما، فتناجيا طويلاً بما لم أعلمه‎.‎
ثمّ امتد الرّضا عليه السّلام على المقعد، وغطّاه مُحمّد بالرداء، وصار إلى وسط الدار، فقال: يا أبا الصّلت، قُلت: لبيك ‏يا ابن رسول الله، قال: أعظم الله أجرك في الرّضا، فقد مضى، فبكيت قال: لا تبك هات المغتسل والماء لنأخذ في ‏جهازه، فقُلت: يا مولاي الماء حاضر، ولكن ليس في الدار مغتسل إلاّ أن يحضر من خارج الدار، فقال: بل هو في ‏الخزانة، فدخلتها فوجدت فيها مغتسلاً لم أره قبل ذلك، فأتيته به وبالماء‎.‎
ثمّ قال: تعال حتّى نحمل الرّضا عليه السّلام، فحملناه على المغتسل، ثمّ قال: اغرب عنّي، فغسّله هو وحده، ثمّ قال: ‏هات أكفانه والحنوط، قُلت: لم نعد له كفناً، فقال: ذلك في الخزانة، فدخلتها فرأيت في وسطها أكفاناً وحنوطاً لم أره قبل ‏ذلك، فأتيته به فكفّنه وحنّطه‎. ‎
ثمّ قال لي: هات التابوت من الخزانة، فاستحييت منه أن أقول: ما عندنا تابوت، فدخلت الخزانة، فوجدت فيها تابوتاً لم ‏أره قبل ذلك، فأتيته به فجعله فيه، فقال: تعال حتّى نصلّي عليه، وصلّى بي وغربت الشمس، وكان وقت صلاة ‏المغرب، فصلّى بي المغرب والعشاء، وجلسنا نتحدّث، فانفتح السقف، ورفع التابوت‎.‎
فقُلت: يا مولاي ليطالبني المأمون به فما تكون حيلتي؟ قال: لا عليك فإنّه سيعود إلى موضعه، فما من نبي يموت في ‏مغرب الأرض، ولا يموت وصي من أوصيائه في مشرقها إلاّ جمع الله بينهما قبل أن يدفن، فلمّا مضى من الليل ‏نصفه أو أكثر، إذا التابوت قد رجع من السقف حتّى استقر مكانه، فلمّا صلّينا الفجر قال لي: افتح باب الدار، فإنّ هذا ‏الطاغية يجيئك الساعة، فعرّفه أنّ الرّضا عليه السّلام قد فرغ من جهازه‎.‎
قال: فمضيت نحو الباب، فالتفت فلم أره، فلم يدخل من باب، ولم يخرج من باب، قال: وإذا المأمون قد وافى، فلمّا ‏رآني قال: ما فعل الرّضا؟ قُلت: أعظم الله أجرك في الرّضا، فنزل وخرق ثيابه وسفى التراب على رأسه، وبكى ‏طويلاً، ثمّ قال: خذوا في جهازه، قُلت: قد فرغ منه، قال: ومن فعل به ذلك؟ قُلت: غلام وافاه لم أعرفه، إلاّ أنّي ظننته ‏ابن الرّضا‎.‎
قال: فاحفروا له في القبّة، قُلت: فإنّه يسألك أن تحضر موضع الحفرة، قال: نعم أحضروا كرسياً فجلس عليه، وأمر أن ‏يحفر له عند الباب، فخرجت الصخرة، فأمر بالحفر في يمنة القبّة، فخرجت النبكة، ثمّ أمر بذلك في يسرتها، فظهرت ‏النبكة الأخرى، فأمر بالحفر في الصدر، فاستمر الحفر، فلمّا فرغ منه وضعت يدي على أسفل القبر، وتكلّمت ‏بالكلمات، فنبع الماء وظهرت السميكات، ففتتت لها كسرة خبز فأكلتها، ثمّ ظهرت السمكة الكبيرة فابتلعتها كلّها ‏وغابت، فوضعت يدي على الماء وأعدت الكلمات، فنضب الماء كلّه، وانتزعت الكلمات من صدري من ساعتي، فلم ‏أذكر منها حرفاً واحداً‏‎.‎
فقال المأمون: يا أبا الصّلت الرّضا أمرك بهذا؟ قُلت: نعم، قال: فما زال الرّضا يرينا العجائب في حياته، ثمّ أراناها بعد ‏وفاته، فقال للوزير: ما هذا؟ قال: ألهمت أنّه ضرب لكم مثلاً بأنّكم تتمتّعون في الدنيا قليلاً مثل هذه السميكات، ثمّ ‏يخرج واحد منهم فيهلككم‎.‎
فلمّا دفن عليه السّلام قاللي المأمون: علّمني الكلمات؟ قُلت: والله انتزعت من قلبي فما أذكر منها حرفاً، وبالله لقد ‏صدّقته فلم يصدّقني، وتوعدني بالقتل إن لم أعلمه إياها، وأمر بي إلى الحبس، فكان في كُلّ يوم يدعوني إلى القتل، أو ‏تعليمه ذلك، فأحلف له مرّة بعد أخرى كذلك سنة، فضاق صدري فقمت ليلة جمعة فاغتسلت وأحييتها راكعاً وساجداً ‏وباكياً ومتضرّعاً إلى الله في خلاصي، فلمّا صليت الفجر إذا أبو جعفر بن الرّضا عليه السّلام قد دخل إليّ‎.‎
وقال: يا أبا الصّلت ضاق صدرك؟ قُلت: إي والله يا مولاي، قال: أمّا لو فعلت قبل هذا ما فعلته الليلة، لكان الله قد ‏خلّصك كما يخلّصك الساعة، ثمّ قال: قم، فقُلت: إلى أين؟ والحرّاس على باب السجن، والمشاعل بين أيديهم؟ قال: قم، ‏فإنّهم لا يرونك، ولا تلتقي معهم بعد يومك هذا، فأخذ بيدي وأخرجني من بينهم، وهم قعود يتحدّثون، والمشاعل بين ‏أيديهم فلم يرونا، فلمّا صرنا خارج السجن‎.‎
قال: أي البلاد تريد؟ قُلت: منزلي بهراة، قال: أرخ رداءك على وجهك، وأخذ بيدي، فظننته حوّلني عن يمنته إلى ‏يسرته، ثمّ قال لي: اكشف وجهك، فكشفته، فلم أره، فإذا أنا على باب منزلي فدخلته، فلم ألتق مع المأمون، ولا مع أحد ‏من أصحابه إلى هذه الغاية‎.‎

الكرامة الخامسة: تنبئه عليه السّلام بنزول المطر
روى أبو عبد الله البرقي عن الحسن بن موسى بن جعفر، قال: خرجنا مع أبي الحسن عليه السّلام إلى بعض أمواله في ‏يوم لا سحاب فيه، فلمّا برزنا قال: حملتم معكم المماطر؟ قلنا: وما حاجتنا إلى المماطر؟ وليس سحاب، ولا نتخوّف ‏المطر، قال: لكنّي قد حملته، وستمطرون‎.‎
قال: فما مضينا إلاّ يسيراً حتّى ارتفعت سحابة، ومطرنا حتّى أهمتنا أنفسنا، فما بقي منّا أحد إلاّ ابتل غيره‎.‎

الكرامة السّادسة: علمه عليه السّلام بما في داخل النفوس
عن الحسن بن عليّ بن يحيى، قال: زوّدتني جارية لي ثوبين ملحمين، وسألتني أن أحرم فيهما، فأمرت الغلام ‏فوضعهما في العيبة، فلمّا انتهيت إلى الوقت الذي ينبغي أن أحرم فيه دعوت بالثوبين لألبسهما، ثمّ اختلج في صدري، ‏فقُلت: ما أظنّه ينبغي أن أحرم فيهما، فتركتهما ولبست غيرهما‎.‎
فلمّا صرت بمكّة، كتبت كتاباً إلى أبي الحسن الرّضا عليه السّلام، وبعثت إليه بأشياء كانت معي، ونسيت أن أكتب إليه ‏أسأله عن المحرم هل يلبس الملحم؟ فلم ألبث أن جاءني الجواب بكل ما سألته عنه، وفي أسفل الكتاب: لا بأس بالملحم ‏أن يلبسه المحرم‎.‎

الكرامة السّابعة: علمه عليه السّلام بما سيكون
قال عليّ بن الحُسين بن يحيى: كان لنا أخ يرى رأي الإرجاء، يقال له: عبد الله، وكان يطعن علينا، فكتبت إلى أبي ‏الحسن عليه السّلام أشكو إليه، وأسأله الدعاء، فكتب إليّ: سترى حاله إلى ما تحب، وأنّه لن يموت إلاّ على دين الله، ‏وسيولد له من أم ولد له فلانة غلام‎.‎
قال عليّ بن الحُسين بن يحيى: فما مكثنا إلاّ أقل من سنة حتّى رجع إلى الحق، فهو اليوم خير أهل بيتي، وولد له بعد ‏كتاب أبي الحسن من أم ولده تلك غلام‎.‎

الكرامة الثّامنة: علمه عليه السّلام بمنطق الطير
قال سليمان بن جعفر الجعفري: كنت مع الرّضا عليه السّلام في حائط له، وأنا أحدّثه إذ جاء عصفور فوقع بين يديه، ‏وأخذ يصيح ويكثر الصياح ويضطرب، فقال لي: تدري ما يقول هذا العصفور؟ قُلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم‎.‎
قال: قال إنّ حيّة تريد أن تأكل فراخي في البيت، فقم فخذ تلك النسعة، وادخل البيت، واقتل الحيّة، قال: فقمت وأخذت ‏النسعة، فدخلت البيت، وإذا حيّة تجول في البيت، فقتلتها‎.‎

الكرامة التّاسعة: علمه عليه السّلام بالغيب
قال الحسن بن عليّ بن فضّال: إنّ عبد الله بن المغيرة، قال: كنت واقفياً، وحججت على تلك الحالة، فخلج في صدري ‏بمكّة شيء، فتعلّقت بالملتزم، ثمّ قُلت: اللهم قد علمت طلبتي وإرادتي، فأرشدني إلى خير الأديان، فوقع في نفسي أن ‏آتي الرّضا عليه السّلام، فأتيت المدينة، فوقفت ببابه، فقُلت للغلام: قُل لمولاك رجل من أهل العراق بالباب، فسمعت ‏نداءه وهو يقول: أدخل يا عبد الله بن المغيرة، فدخلت، فلمّا نظر إليّ قال: قد أجاب الله دعوتك، وهداك لدينه، فقُلت: ‏أشهد أنّك حجّة الله على خلقه‎.‎

الكرامة العاشرة: علمه عليه السّلام بما في الأرحام
عن بكر بن صالح، قال: قُلت للرضا عليه السّلام: امرأتي أخت مُحمّد بن سنان، بها حمل فادع الله أن يجعله ذكراً، ‏قال: هما اثنان، قُلت في نفسي: هما مُحمّد وعلي بعد انصرافي، فدعاني بعد فقال: سم واحداً عليّاً والأخرى أم عمر‎.‎
فقدمت الكوفة، وقد ولد لي غلام وجارية في بطن، فسمّيت كما أمرني، فقُلت لأمّي: ما معنى أم عمر؟ فقالت: إنّ أمّي ‏كانت تدعى أم عمر‎.‎

الكرامة الحادية عشرة: علمه عليه السّلام بمنطق الظبي
عن عبد الله بن سوقة، قال: مر بنا الرّضا عليه السّلام، فاختصمنا في إمامته، فلمّا خرج خرجت أنا وتميم بن يعقوب ‏السرّاج من أهل برقة، ونحن مخالفون له، نرى رأي الزيدية، فلمّا صرنا في الصحراء، فإذا نحن بظباء، فأومئ أبو ‏الحسن عليه السّلام إلى خشف منها، فإذا هو قد جاء حتّى وقف بين يديه، فأخذ أبو الحسن يمسح رأسه، ودفعه إلى ‏غلامه، فجعل الخشف يضطرب لكي يرجع إلى مرعاه، فكلّمه الرّضا بكلام لا نفهمه فسكن‎.‎
ثمّ قال: يا عبد الله، أو لم تؤمن؟ قُلت: بلى يا سيّدي، أنت حجّة الله على خلقه، وأنا تائب إلى الله، ثمّ قال للظبي: اذهب ‏إلى مرعاك، فجاء الظبي وعيناه تدمعان، فتمسح بأبي الحسن عليه السّلام ورغى‏‎.‎
فقال أبو الحسن عليه السّلام: تدري ما يقول؟ قلنا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، قال: يقول دعوتني فرجوت أن تأكل ‏من لحمي فأجبتك، وحزنتني حين أمرتني بالذهاب‎.‎

حكم الإمام الرّضا عليه السّلام
ليس في تاريخ الأدباء والحكماء كتاريخ أهل البيت عليهم السّلام، حيث إنّهم أثروا العالم الإسلامي والإنساني بروائع ‏آدابهم وحكمهم، ومن عظيم قدرها وإبداعها وروعتها يكتبها النّاس أحياناً بماء الذهب ثمّ يحتفظون بها‎. ‎
والإنسان مفطور على حبّ العلم والأدب والحكمة، وكلّما كانت الحكم رصينة ورائعة كلّما انشدّ إليها أكثر، ولهذا رأى ‏النّاس في روائع نهج البلاغة للإمام عليّ عليه السّلام ما يغنيهم عن الرجوع لغيره من الحكماء، كسقراط وبزرجمهر ‏وهلّم جرّاً‎.‎
ولا غرابة أن يكون للأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام هذه الجواهر الثمينة في الأدب، والروائع العظيمة في الحكمة، ‏وهم خرّيجو مدرسة الثورة، وربائب الرسالة والوحي‎. ‎
ومن هذه الأنوار العلوية والأزهار الهاشمية، نور أضاء سناه وعلاه، وتضوع مسكه وشذاه، نور الإمام الرّضا عليه ‏السّلام وعطره وطيبه وزهره‎.‎
وإليك بعض الروائع الأدبية والحكمية من أقواله عليه السّلام‎:‎
‏1ـ سأله رجل عن قول الله عزّ وجل: ومن يتوكّل على الله فهو حسبه؟
فقال عليه السّلام: التوكّل درجات منها: أن تثق به في أمرك كلّه، فما فعل بك كنت راضياً، وتعلم أنّه لم يأتك خيراً ‏ونظراً، وتعلم أنّ الحكم في ذلك له، فتوكّل عليه بتفويض ذلك إليه، ومن ذلك الإيمان بغيوب الله التي لم يحط علمك ‏بها، فوكّلت علمها إليه وإلى أمنائه عليها، ووثقت به فيها، وفي غيرها‎.‎
‏2ـ سُئل عن حدّ التوكل؟ فقال عليه السّلام: أن لا تخاف أحداً إلاّ الله‎.‎
ومقصود الإمام عليه السّلام بالتوكّل هنا، هو التسليم لأمر الله والرّضا بقضائه‎.‎
‏3ـ سأله أحمد بن نجم عن العجب الذي يفسد العمل؟
فقال عليه السّلام: العجب درجات منها: أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه، ويحسب أنّه يحسن صنعاً، ‏ومنها: أن يؤمن العبد بربّه فيمنّ على الله، ولله المنّة فيه‎....‎
‏4ـ قال عليه السّلام: خمس من لم تكن فيه فلا ترجوه لشيء من الدنيا والآخرة: من لم تعرف الوثاقة في أرومته، ‏والكرم في طباعه، والرصانة في خلقه، والنبل في نفسه، والمخافة لربّه‎.‎
‏5ـ سُئل عن السفلة؟ فقال عليه السّلام: من كان له شيء يلهيه من الله‎.‎
‏6ـ قال عليه السّلام: إنّ الله يبغض القيل والقال، وإضاعة المال وكثرة السؤال‎.‎
‏7ـ قال عليه السّلام: التودّد إلى النّاس نصف العقل‎.‎
‏8ـ قال عليه السّلام: لا يتم عقل امرئ مسلم حتّى تكون فيه عشر خصال: الخير منه مأمول، والشرّ منه مأمون، ‏يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه، لا يسأم من طلب الحوائج إليه، ولا يملّ من طلب العلم ‏طول دهره، الفقر في الله أحبّ إليه من الغنى، والذلّ في الله أحبّ إليه من العزّ مع غيره، والخمول عنده أشهى من ‏الشهرة‎.‎
ثمّ قال عليه السّلام: العاشرة، قيل له: ما هي؟
قال عليه السّلام: لا يرى أحداً إلاّ قال: هو خير منّي واتقى‎.‎
‏9ـ قال عليه السّلام: إنّما النّاس رجلان، رجل خير منه واتقى، ورجل شرّ منه وأدنى، فإذا لقي الذي هو شرّ منه وأدنى ‏قال: لعلّ خير هذا باطن، وهو خير له، وخيري ظاهر، وهو شرّ لي، وإذا رأى الذي هو خير منه وأتقى، تواضع له ‏ليلحق به، فإذا فعل ذلك فقد علا مجده، وطاب خيره، وحسن ذكره، وساد أهل زمانه‎.‎
‏10ـ قال عليه السّلام: الصمت باب من أبواب الحكمة... إنّ الصمت يكسب المحبّة، إنّه دليل على كُلّ خير‎.‎
‏11ـ قال عليه السّلام: صديق كُلّ امرئ عقله، وعدّوه جهله‎.‎
‏12ـ قال عليه السّلام: من أخلاق الأنبياء التنظيف‎.‎
‏13ـ قال عليه السّلام: صاحب النعمة يجب أن يوسّع على عياله‎.‎
‏14ـ قال عليه السّلام: إذا ذكرت الرّجل وهو حاضر فكنّه، وإذا كان غائباً فسمّه‎.‎
‏15ـ قال عليه السّلام: يأتي على النّاس زمان العافية، فيه عشرة أجزاء تسعة منها في اعتزال النّاس، وواحد في ‏الصمت‎.‎
‏16ـ قال عليه السّلام: من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن خاف أمن، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر ‏فهم، ومن فهم علم، وصديق الجاهل في تعب، وأفضل المال ما وقي به العرض، وأفضل العقل معرفة الإنسان نفسه، ‏والمؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، وإذا قدر لم يأخذ أكثر من حقّه‎.‎
‏17ـ قال عليه السّلام: من كثرت محاسنه مدح بها، واستغنى عن التمدّح بذكرها‎.‎
‏18ـ قال عليه السّلام: من لم يتابع رأيك في صلاحه فلا تصغ إلى رأيه، ومن طلب الأمر من وجهه لم يزل ومن زلّ ‏لم تخذله الحيلة‎.‎
‏19ـ قال عليه السّلام: إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، ونشاطاً وفتوراً، فإذا أقبلت تبصّرت وفهمت، وإذا أدبرت كلّت وملّت، ‏فخذوها عند إقبالها ونشاطها، واتركوها عند إدبارها وفتورها‎.‎
‏20ـ قال عليه السّلام: صاحب السلطان بالحذر، والصديق بالتواضع، والعدو بالتحرّز، والعامّة بالبِشر‎.‎
‏21ـ قال عليه السّلام: الأجل آفة العمل، والبر غنيمة الحازم، والتفريط مصيبة ذي القدرة، والبخل يمزّق العرض، ‏والحب داعي المكاره، وأجلّ الخلائق وأكرمها اصطناع المعروف، وإغاثة الملهوف، وتحقيق أمل الآمل، وتصديق ‏رجاء الراجي، والاستكثار من الأصدقاء في الحياة، والباكين بعد الوفاة‎.‎
‏22ـ قال عليه السّلام: أحسن الظن بالله، فإنّ من حسن ظنّه بالله كان الله عند حسن ظنّه، ومن رضي بالقليل من الرزق ‏قبل منه اليسير من العمل، ومن رضي باليسير من الحلال خفّت مؤونته ونعم أهله وبصّره الله داء الدنيا ودواءها، ‏وأخرجه منها سالماً إلى دار السّلام‎.‎ ‏23ـ قال عليه السّلام: ليس لبخيل راحة، ولا لحسود لذّة، ولا لملول وفاء، ولا لكذوب مروءة‎.‎
‏24ـ قال عليه السّلام: إنّ الذي يطلب من فضل يكفّ به عياله أعظم من المجاهدين في سبيل الله‎.‎
‏25ـ سُئل عن خيار العباد؟ فقال: الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساءوا استغفروا، وإذا أعطوا شكروا، وإذا ابتلوا ‏صبروا، وإذا غضبوا غفروا‎.‎
‏26ـ قيل له: كيف أصبحت؟ فقال عليه السّلام: أصبحت بأجل منقوص، وعمل محفوظ، والموت في رقابنا، والنار من ‏ورائنا، ولا ندري ما يُفعل بنا‎.‎
‏27ـ قال عليه السّلام: لا يجمع المال إلاّ بخصال خمس: بخل شديد، وأمل طويل، وحرص غالب، وقطيعة الرحم، ‏وإيثار الدنيا على الآخرة‎.‎
‏28ـ قال عليّ بن شعيب: دخلت على أبي الحسن الرّضا، فقال لي: يا عليّ من أحسن النّاس معاشاً؟‎.‎
قُلت: أنت يا سيدي أعلم به منّي‎.‎
فقال عليه السّلام: من حسن معاش غيره في معاشه‎.‎
ثمّ قال: يا عليّ من أسوأ النّاس معاشاً؟‎.‎
قُلت: أنت أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: من لم يعش غيره في معاشه‎.‎
ثمّ قال عليه السّلام: يا عليّ ! أحسنوا جوار النعم ن فإنّها وحشية ما نأت عن قوم فعادت إليهم، يا عليّ ! إنّ شرّ النّاس ‏من منع رفده، وأكل وحده، وجلد عبده‎.‎
‏29ـ قال عليه السّلام: عونك للضعيف أفضل من الصّدقة‎.‎
‏30ـ قال عليه السّلام: لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتّى تكون فيه خصال ثلاث: التفقّه في الدين، وحسن التقدير في ‏المعيشة، والصبر على الرزايا‎.‎
‏31ـ قال عليه السّلام: كفاك ممّن يريد نصحك بالنميمة ما يجد من سوء الحساب في العاقبة‎.‎
‏32ـ قال عليه السّلام في تعزية الحسن بن سهل: التهنئة بآجل الثواب خير من التعزية بعاجل المصيبة‎.‎
هذا غيض من فيض، وقطرة من بحر هذا الإمام العظيم، الذي ملأ الدنيا علماً وحكمة، وفاض عليها ندىً وأدباً وكرماً‎.‎
وخير زاد لنا أن نعبّ من معين هذه الحكم الصافية، ونزوّد بها فنكثر من التجمّل بأخلاقها ليوم لا ينفع مال ولا بنون، ‏إلاّ من أتى الله بقلب سليم‎.‎

عبادة الإمام الرّضا عليه السّلام
من أبرز خصوصيات الإمام الرّضا عليه السّلام انقطاعه إلى الله تعالى، وتمسكه به‎.‎
وقد ظهر ذلك في عبادته التي مثلت جانباً كبيراً من حياته الروحية التي هي نور وتقوى وورع‎.‎
يقول بعض جماعته عليه السّلام: ما رأيته قط إلا ذكرتُ قوله تعالى: (كَانُوا قَلِيلاً فِي اللَّيلِ مَا يَهجَعُونَ). الذاريات: 17‏‎.‎
ويقول الشبراوي عن عبادته عليه السّلام: إنه كان صاحب وضوء وصلاة، وكان عليه السّلام في ليله كُلِّهِ يتوضأ ‏ويصلي ويرقد، وهكذا إلى الصباح‎.‎
وقد كان الإمام عليه السّلام أتقى أهل زمانه، وأكثرهم طاعة لله تعالى‎.‎
فيروي رجاء بن أبي الضحَّاك عن عبادة الإمام عليه السّلام - وكان المأمون قد بعثه إلى الإمام عليه السّلام ليأتي به ‏إلى خُراسان، فكان معه من المدينة المنورة إلى مرو - يقول: والله ما رأيت رجلاً كان أتقى لله منه عليه السّلام، ولا ‏أكثر ذِكراً له في جميع أوقاته منه، ولا أشد خوفا لله عزَّ وجلَّ‎.‎
كان عليه السّلام إذا أصبح صلّى الغداة، فإذا سلَّم جلس في مُصَلاَّه يُسَبِّح الله، ويحمده، ويُكبِّره، وَيُهَلِّله، ويصلي على ‏النّبيّ وآله صلّى الله عليه وآله حتّى تطلع الشمس‎.‎
ثمّ يسجد عليه السّلام سجدةً يبقى فيها حتّى يتعالى النهار، ثمّ يقبل على النّاس يحدثهم، ويعظهم إلى قُرب الزوال، ثمّ ‏جدد وضوءه، وعاد إلى مُصَلاَّه‎.‎
فإذا زالت الشمس قام عليه السّلام وصلّى ست ركعات، ثمّ يؤذّن، ثمّ يصلي ركعتين، ثمّ يقيم ويصلي الظهر، فإذا سَلَّم ‏سَبَّح الله وحمده، وكبره، وهَلَّله ما شاء الله‎.‎
ثمّ يسجد عليه السّلام سجدة الشكر ويقول فيها مائة مرة: شكراً لله، فإذا رفع رأسه قام فصلّى ست ركعات، ثمّ يؤذن‎.‎
ثمّ يصلي عليه السّلام ركعتين فإذا سلم قام وصلّى العصر، فإذا سَلَّم جلس في مُصَلاَّه يسبح الله، ويحمده، ويكبِّره، ‏ويُهَلِّله، ثمّ يسجد سجدة يقول فيها مائة مرة: حَمْداً لله‎.‎
فإذا غابت الشمس توضأ عليه السّلام وصلّى المغرب ثلاثاً بأذان وإقامة، فإذا سلَّم جلس في مُصلاَّه يُسبِّح الله، ويحمده، ‏ويُكبِّره، ويُهَلِّله ما شاء الله، ثمّ يسجد سجدة الشكر، ثمّ يرفع رأسه ولا يتكلم حتّى يقوم ويصلي أربع ركعات بِتَسلِيمَتَين، ‏ثمّ يجلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء الله حتّى يُمسِي‎.‎
ثمّ يفطر عليه السّلام، ثمّ يَلبث حتّى يَمضي من الليل قريب من الثـلث، ثمّ يقوم فيصلي العشاء والآخرة أربع ركعات، ‏فإذا سَلَّم جلس في مُصَلاَّه يذكر الله عزَّ وجلَّ، ويُسبِّحه، ويحمده، ويُكبِّره، ويُهَلِّله ما شاء الله، ويسجد بعد التعقيب سجدة ‏الشكر ثمّ يأوي إلى فراشه‎.‎
وإذا كان الثلث الأخير من الليل قام عليه السّلام من فراشه بالتسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل، والاستغفار، ‏فَاسْتَاكَ ثمّ توضأ، ثمّ قام إلى صلاة الليل، ويصلي صلاة جعفر بن أبي طالب، ويحتسب بها من صلاة الليل، ثمّ يصلي ‏الركعتين الباقيتين‎.‎
ثمّ يقوم عليه السّلام فيصلي ركعتَي الشفع، ثمّ يقوم فيصلي الوَتْر، ويقول في قنوته: اللَّهم صَلِّ على مُحمّد وآل مُحمّد، ‏اللَّهم اهدِنَا فيمن هديت، وعَافِنَا فيمن عافيت‎.‎
ثمّ يقول عليه السّلام: أستغفرُ الله وأسألُه التوبة، سبعين مرة، وإذا قرب الفجر قام فَصلّى ركعتَي الفجر، فإذا طلع الفجر ‏أَذَّن وأقامَ وصلّى الغداة ركعتين، فإذا سَلَّم جلس في التعقيب حتّى تطلع الشمس، ثمّ سجد سجدة الشكر حتّى يتعالى ‏النهار‎.‎
فهذه هي صلاة الإمام الرّضا عليه السّلام المفروضة ونوافلها، وما يقرأ فيها من سور القرآن الكريم، والتعقيبات التي ‏يؤديها‎.‎
ومعنى ذلك أنه عليه السّلام كان في أغلب أوقاته مشغولاً بعبادة الله، فإنه عليه السّلام قد سَرى حُبُّ الله في قلبه، ‏وتفاعل في عواطفه ومشاعره حتّى صار عنصراً من عناصره، وخصوصية من خصوصياته عليه السّلام‎.‎

أدعية الإمام الرّضا عليه السّلام
للإمام الرّضا عليه السّلام أنواع من الأدعية والابتهالات تدلّ على مدى اتّصاله بالله، ومدى تعلّقه به، وانقطاعه إليه، ‏وإليك بعض نماذجها‎:‎

‏1ـ دعاؤه عليه السّلام في قنوت الوتر‎:‎
قال رجاء بن أبي الضحّاك: بعثني المأمون في أشخاص عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام من المدينة...، فو الله ما ‏رأيت رجلاً كان اتقى لله تعالى منه، ولا أكثر ذكراً لله في جميع أوقاته منه، ولا أشدّ خوفاً لله عزّ وجلّ منه...، وكان ‏يقنت في وتره، ويقول‎:‎
اللّهم صلّ على مُحمّد وآل مُحمّد، اللّهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولّنا فيمن تولّيت، وبارك لنا فيما ‏أعطيت، وقنا شرّ ما قضيت، فإنّك تقضي ولا يقضى عليك، إنّه ? يذلّ من واليت، ولا يعزّ من عاديت، تباركت ربّنا ‏وتعاليت‎.‎

‏2ـ دعاؤه عليه السّلام في السجود‎:
كان عليه السّلام يقول في سجوده: لك الحمد إن أطعتك، ولا حجّة لي إن عصيتك، ولا صنع لي ولا لغيري في ‏إحسانك، ولا عذر لي إن أسأت، ما أصابني من حسنة فمنك، يا كريم اغفر لمن في مشارق الأرض ومغاربها، من ‏المؤمنين والمؤمنات‎.‎

‏3ـ دعاؤه عليه السّلام في يوم عرفة‎:
قال عليه السّلام يوم عرفة: اللّهم كما سترت عليّ ما لم أعلم فاغفر لي ما تعلم، وكما وسعني علمك فليسعني عفوك، ‏وكما بدأتني بالإحسان فأتمّ نعمتك بالغفران، وكما أكرمتني بمعرفتك فأشفعها بمغفرتك، وكما عرفّتني وحدانيتك ‏فأكرمني بطاعتك، وكما عصمتني ممّا لم اكن اعتصم منه إلاّ بعصمتك، فاغفر لي ما لو شئت عصمتني منه، يا جواد ‏يا كريم، يا ذا الجلال والإكرام‎.‎

‏4ـ دعاؤه عليه السّلام عند الشدائد‎:
قال عليه السّلام: اللّهم أنت ثقتي في كُلّ كرب، وأنت رجائي في كُلّ شدّة، وأنت لي في كُلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم ‏من كرب يضعف عنه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، وتعيى فيه الأمور، ويخذل فيه القريب والبعيد والصديق، ويشمت فيه ‏العدو، أنزلته بك وشكوته إليك، راغباً إليك فيه عمّن سواك، ففرّجته وكشفته وكفيتنيه، فأنت وليّ كُلّ نعمة، وصاحب ‏كُلّ حاجة، ومنتهى كُلّ رغبة‎.‎
فلك الحمد كثيراً، ولك المنّ فاضلاً، بنعمتك تتم الصالحات، يا معروفاً بالمعروف معروف، ويا من هو بالمعروف ‏موصوف، أنلني من معروفك، معروفاً تغنيني به عن معروف من سواك، برحمتك يا أرحم الراحمين‏‎.‎

‏5ـ دعاؤه عليه السّلام لصاحب الأمر‎:
قال عليه السّلام: اللّهم صل على مُحمّد وآل مُحمّد، وادفع عن وليك وخليفتك وحجّتك على خلقك، ولسانك المعبّر عنك ‏بإذنك، الناطق بحكمتك، وعينك الناظرة في بريّتك، وشاهداً على عبادك، الجحجاح المجاهد المجتهد، عبدك العائذ بك‎.‎
اللّهم وأعذه من شرّ ما خلقت وذرأت، وبرأت وأنشأت وصوّرت، واحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن ‏شماله، ومن فوقه ومن تحته، بحفظك الذي ? يضيع من حفظته به، واحفظ فيه رسولك ووصي رسولك وآباءه أئمّتك، ‏ودعائم دينك، صلواتك عليهم أجمعين‎.‎
واجعله في وديعتك التي ? تضيع، وفي جوارك الذي ? يخفر، وفي منعك وعزّك الذي لا يقهر‎.‎
اللّهم وآمنه بأمانك الوثيق، الذي ? يخذل من آمنته به، واجعله في كنفك الذي ? يضام من كان فيه، وانصره بنصرك ‏العزيز، وأيّده بجندك الغالب، وقوّه بقوّتك، وأردفه بملائكتك‎.‎
اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، والبسه درعك الحصينة، وحفّه بملائكتك حفّاً‏‎. ‎
اللّهم وبلّغه افضل ما بلغت القائمين بقسطك من اتباع النبيين، اللّهم أشعب به الصدع، وارتق به الفتق، وأمت به ‏الجور، واظهر به العدل، وزيّن بطول بقائه الأرض، وأيّده بالنصر، وانصره بالرعب، وافتح له فتحاً يسيراً، واجعل ‏له من لدنك على عدوّك وعدوّه سلطاناً نصيراً‎. ‎
اللّهم اجعله القائم المنتظر، والإمام الذي به تنتصر، وأيدّه بنصر عزيز وفتح قريب، وورّثه مشارق الأرض ومغاربها ‏اللاتي باركت فيها، واحي به سنّة نبيك صلواتك عليه وآله، حتّى ? يستخفي بشيء من الحق مخافة أحدٍ من الخلق، ‏وقوّ ناصره، واخذل خاذله، ودمدم على من نصب له، ودمّر على من غشّه‎.‎
اللّهم واقتل به جبابرة الكفر، وعمده ودعائمه، والقوام به، واقصم به رؤوس الضلالة، وشارعة البدعة، ومميتة السّنة، ‏ومقوّية الباطل، واذلل به الجبّارين، وأبر به الكافرين والمنافقين وجميع الملحدين، حيث كانوا وأين كانوا من مشارق ‏الأرض ومغاربها، وبرّها وبحرها، وسهلها وجبلها حتّى ? تدع منهم ديّاراً، ولا تبقي لهم آثاراً‎.‎
اللّهم وطهّر منهم بلادك، واشف منهم عبادك، واعزّ به المؤمنين، وأحي به سنن المرسلين، ودارس حكم النبيين، ‏وجدّد به ما محي من دينك، وبدّل من حكمك، حتّى تعيد دينك به، وعلى يديه غصّاً جديداً صحيحاً محضاً ? عوج فيه ‏ولا بدعة معه، حتّى تنير بعدله ظلم الجور، وتطفئ به نيران الكفر، وتظهر به معاقد الحق، ومجهول العدل، وتوضّح ‏به مشكلات الحكم‎.‎
اللّهم وإنّه عبدك الذي استخلصته لنفسك، واصطفيته من خلقك، واصطفيته على عبادك، وائتمنته على غيبك، ‏وعصمته من الذنوب، وبرّأته من العيوب، وطهّرته من الرجس، وصرفته عن الدنس، وسلمته من الريب‎.‎
اللّهم فإنا نشهد له يوم القيامة ويوم حلول الطامّة أنّه لم يذنب ولم يأت حوباً، ولم يرتكب لك معصية، ولم يضيّع لك ‏طاعة، ولم يهتك لك حرمة، ولم يبدّل لك فريضة، ولم يغيّر لك شريعة، وإنّه الإمام التقي الهادي المهدي الطاهر التقي ‏الوفي الرضي الزكي‎.‎
اللّهم فصل عليه وعلى آبائه، وأعطه في نفسه وولده وأهله وذرّيته وأمّته وجميع رعيته ما تقر به عينه، وتسرّ به ‏نفسه، وتجمع له ملك المملكات كلّها قريبها وبعيدها، وعزيزها وذليلها، حتّى يجري حكمه على كُلّ حكمٍ، ويغلب بحقّه ‏على كُلّ باطل‎.‎
اللّهم واسلك بنا على يديه منهاج الهدى، والمحجّة العظمى، والطريقة الوسطى التي يرجع إليها الغالي، ويلحق بها ‏التالي‎.‎
اللّهم وقوّنا على طاعته، وثبتنا على مشايعته، وامنن علينا بمتابعته، واجعلنا في حزبه القوّامين بأمره الصابرين معه، ‏الطالبين رضاك بمناصحته، حتّى تحشرنا يوم القيامة في أنصاره وأعوانه، ومقوّية سلطانه‎.‎
اللّهم صل على مُحمّد وآل مُحمّد، واجعل ذلك كلّه منا لك خالصاً من كُلّ شك وشبهة، ورياء وسمعة، حتّى ? نعتمد به ‏غيرك، ولا نطلب به إلاّ وجهك، وحتّى تحلّنا محلّه، وتجعلنا في الجنّة معه، ولا تبتلنا في أمره بالسامة والكسل، ‏والفترة والفشل، واجعلنا ممّن تنتصر به لدينك، وتعزّ به نصر وليّك، ولا تستبدل بنا غيرنا، فإنّ استبدالك بنا غيرنا ‏عليك يسير، وهو علينا كبير، إنّك على كُلّ شيء قدير‎.‎
اللّهم وصل على ولاة عهوده، وبلّغهم آمالهم، وزد في آجالهم، وانصرهم وتمّم لهم ما أسندت إليهم من أمر دينك، ‏واجعلنا لهم أعواناً، وعلى دينك أنصاراً، وصل على آبائه الطاهرين الأئمّة الراشدين‎.‎
اللّهم فإنّهم معادن كلماتك، وخزّان علمك، وولاة أمرك، وخالصتك من عبادك، وخيرتك من خلقك، وأوليائك وسلائل ‏أوليائك، وصفوتك وأولاد أصفيائك، صلواتك ورحمتك وبركاتك عليهم أجمعين‎.‎
اللّهم وشركاؤه في أمره، ومعاونوه على طاعتك، الذين جعلتهم حصنه وسلاحه ومفزعه، وانسه الذين سلوا عن الأهل ‏والأولاد، وتجافوا الوطن، وعطّلوا الوثير من المهاد، قد رفضوا تجاراتهم، واضرّوا بمعايشهم، وفقدوا في أنديتهم ‏بغير غيبة عن مصرهم، وحالفوا البعيد ممّن عاضدهم على أمرهم، وخالفوا القريب ممّن ضدّ عن وجهتهم، وائتلفوا ‏بعد التدابر والتقاطع في دهرهم، وقطعوا الأسباب المتصلة بعاجل حطام من الدنيا‎.‎
فاجعلهم اللّهم في حرزك، وفي ظل كنفك، وردّ عنهم بأس من قصد إليهم بالعداوة من خلقك، واجزل لهم من دعوتك ‏من كفايتك ومعونتك لهم، وتأييدك ونصرك إيّاهم ما تعينهم به على طاعتك، وازهق بحقّهم باطل من أراد إطفاء ‏نورك، وصل على مُحمّد وآله، واملأ بهم كُلّ أفق من الآفاق، وقطر من الأقطار، قسطاً وعدلاً ورحمة وفضلاً، ‏واشكر لهم على حسب كرمك وجودك، وما مننت به على القائمين بالقسط من عبادك، واذخر لهم من ثوابك ما ترفع ‏لهم به الدرجات، إنّك تفعل ما تشاء، وتحكم ما تريد آمين رب العالمين‎.‎

‏6ـ دعاؤه عليه السّلام عند الإفطار‎:
قال عليه السّلام: من قال عند إفطاره: اللّهم لك صمنا بتوفيقك، وعلى رزقك افطرنا بأمرك، فتقبّله منّا، واغفر لنا إنّك ‏أنت الغفور الرحيم، غفر الله ما ادخل على صومه من النقصان بذنوبه‎.‎

‏7ـ دعاؤه عليه السّلام إلهي بدت قدرتك‎:
قال عليه السّلام: إلهي بدت قُدرتك، ولم تبد هيئة لك، فجهلوك وقدّروك، والتّقدير على غير ما به شبّهوك، فأنا بريء ‏يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك، ليس كمثلك شيء ولن يدركوك، ظاهر ما بهم من نعمتك، دلّهم عليك لو عرفوك، ‏وفي خلقك يا إلهي مندوحة إن يتناولوك، بل شبّهوك بخلقك، فمن ثمّ لم يعرفوك، واتخذوا بعض آياتك ربّاً فبذلك ‏وصفوك، فتعاليت يا إلهي وتقدّست عمّا به المشبهون نعتوك‎.‎
يا سامع كُلّ صوت، ويا سابق كُلّ فوت، يا محيي العظام وهي رميم، ومنشئها بعد الموت، صلّ على مُحمّد وآل ‏مُحمّد، واجعل لي من كُلّ هم فرجاً ومخرجاً، وجميع المؤمنين إنّك على كُلّ شيءٍ قدير‎.‎

‏8‏‎ ‎ـ دعاؤه عليه السّلام يا جبّار السماوات والأرضين‎:
قال عليه السّلام: استسلمت مولاي لك، وأسلمت نفسي إليك، وتوكّلت في كُلّ أموري عليك، وأنا عبدك وابن عبديك، ‏أخبأني اللّهم في سترك عن شرار خلقك، واعصمني من كُلّ أذىً وسوء بمنّك، واكفني شر كُلّ ذي شرٍ بقدرتك‎.‎
اللّهم من كادني وأرادني فإنّي أدرا بك في نحره، واستعين بك منه، واستعيذ منه بحولك وقوّتك، وشدّ عنّي أيدي ‏الظالمين إذ كنت ناصري، لا إله إلاّ أنت يا أرحم الراحمين، وإله العالمين‎.‎
أسألك كفاية الأذى والعافية والشفاء، والنصر على الأعداء، والتوفيق لما تحب ربّنا وترضى، يا اله العالمين، يا جبّار ‏السماوات والأرضين، يا رب مُحمّد وآله الطيبين الطاهرين، صلواتك عليهم أجمعين‎.‎

مناظرات الإمام الرّضا عليه السّلام‏
عاش الإمام الرّضا عليه السّلام في عصر ازدهرت فيه الحضارة الإسلامية، وكثرت الترجمة لكتب اليونانيِّين ‏والرومانيِّين وغيرهم، وازداد التشكيك في الأصول والعقائد من قبل الملاحِدة وأحْبار اليهود، وبطارقة النّصارى، ‏ومُجَسِّمة أهل الحديث‎.‎
وفي تلك الأزمنة أُتيحت له عليه السّلام فرصة المناظرة مع المخالفين على اختلاف مذاهبهم، فظهرَ بُرهانه عليه ‏السّلام وعلا شأنُه، ويقف على ذلك من اطَّلع على مناظراته واحتجاجاته مع هؤلاء‎.‎
ولأجل إيقاف القارئ على نماذج من احتجاجاته نذكر ما يلي‏‎:‎

مناظرة الإمام الرّضا عليه السّلام مع أبي قُرة‏
تصدّى الإمام الرّضا عليه السّلام لإبطال الشُبَه التي أثيرت حول العقيدة الإسلامية‏‎.‎
وقد قصد أبو قُرة خراسان لامتحان الإمام عليه السّلام، وطلب من صفوان بن يحيى، وهو من خواص الإمام عليه ‏السّلام أن يستأذن منه للدخول عليه، فأذن الإمام عليه السّلام له‎.‎
فلمَّا تشرَّف بالمثول أمامه سأله عن أشياء من الحلال والحرام، والفرائض والأحكام، فأجابه عليه السّلام عنها‏‎.‎
ثمّ سأله عن بعض قضايا التوحيد، وهذه منها‏‎:‎
قال أبو قُرَّة: أخبرني جعلني الله فداك عن كلام الله لموسى؟
فقال عليه السّلام: اللهُ أعلم بأيٍّ كَلَّمَهُ، بالسِّريانيَّة أم بِالعِبرَانِيَّة‎.‎
فأخرج أبو قُرَّة لسانه وقال: إنما أسألك عن هذا اللسان - ومعنى ذلك أنه هل كلَّمه بلسان كَلِسَان الإنسان -؟
فقال عليه السّلام: سبحان الله عما تقول، ومعاذ الله أن يشبه خلقه أو يتكلم بمثل ما هم متكلِّمون، ولكنه تبارك وتعالى ‏ليس كمثله شيء، ولا كمثله قائل ولا فاعل‏‎.‎
فقال أبو قُرَّة: كيف ذلك؟
فقال عليه السّلام: كَلام الخالقِ لمخلوقٍ ليس كَكَلام المخلوق لمخلوق، ولا يلفظ بِشَقِّ فَمٍ ولسان ولكن يقول: كُنْ، فكان ‏بمشيئتِه ما خاطب به موسى من الأمر والنهي من غير تردّد في نَفَس‎.‎
فقال أبو قُرَّة: ما تقول في الكُتُب؟
فقال عليه السّلام: التّوراة، والإنجِيل، والزَّبُور، والفُرقَان، وكُلّ كتابٍ أُنزِل كان كلام الله، أنزله للعالمين نوراً وهُدىً، ‏وهي كلّها مُحدَثة، وهي غير الله حيث يقول عزَّ وجلَّ: (أوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) طه: 113‏‎.‎
وقال عزَّ وجلَّ: (مَا يَأْتِيهِمْ مِّنْ ذِكْرٍ مِّنْ رِّبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ استَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ). الأنبياء: 2‏‎.
والله أحدَثَ الكتب كلها التي أنزَلَها‏‎.‎
فقال أبو قُرَّة: هل تُفنَى - أي: الكتب -؟
فقال عليه السّلام: أجمعَ المسلمون على أنَّ ما سوى الله فإنّ، وما سوى الله فعل الله، والتوراة والإنجيل والزَّبور ‏والفرقان فعل الله، ألم تسمع النّاس يقولون: رب القرآن، وأن القرآن يقول يوم القيامة: يا ربِّ هذا فلان - وهي أعرف ‏به منه - قد أظمأتُ نهارَه وأسهرتُ ليله، فَشَفِّعنِي فيه‎.‎
وكذلك التّوراة والإنجيل والزَّبور وهي كلها مُحدَثة، مَربُوبة، أحدثها من ليس كمثله شيء هُدىً لقومٍ يعقلون، فمن زعم ‏أنَّهُنَّ لم يَزلْنَ معه فقد أظهر أن الله ليس بأول قديم، ولا واحد، وإن الكلام لم يزل معه، وليس له بدو، وليس بإِلَه‎.‎
فقال أبو قُرَّة: إنا روينا: إن الكتب كلّها تجيء يوم القيامة والناس في صعيد واحد، قيام لِربِّ العالمين، ينظرون حتّى ‏ترجع فيه، لأنها منه وهي جزء منه، فإليه تصير‎.‎
فقال عليه السّلام: هكذا قالت النّصارى في المسيح إنه روحه، جُزء منه، ويرجع فيه، وكذلك قالت المجوس في النار ‏والشمس أنهما جزء منه ترجع فيه‎.‎
تعالى ربُّنا أن يكون متجزياً أو مختلفاً، وإنما يختلف ويأتلَّف المُتجزي لإن كُلّ متجزي متوَّهم، والكثرة والقلة مخلوقة ‏دالَّة على خالق خلقها‎.‎
فقال أبو قُرَّة: إنا روينا: إن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيَّين، فقسم لموسى الكلام ولمحمد الرؤية؟
فقال عليه السّلام: فمن المُبلغ عن الله الثقلين: الجن والأنس؟، إنه لا تدركه الابصار، ولا يحيطون به علماً، وليس ‏كمثله شيء، أليس مُحمّد؟
فقال أبو قُرَّة: بلى‎.‎
وأوضح الإمام عليه السّلام له الأمر، وكشف ما التبس عليه قائلاً‏‎:‎
كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنه جاء من عند الله، وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله، ويقول: إنه لا تدركه ‏الابصار ولا يحيطون به علماً، وليس كمثله شيء‎.‎
ثمّ يقول: أنا رأيتُه بعيني، واحطتُ به علماً، وهو على صورة البشر‎.‎
أما تستحيون؟!! ما قَدِرَت الزنادقة أن ترميهِ بهذا، أن يكون أتى عن الله بأمر ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر‎.‎
فقال أبو قُرَّة: إنه يقول: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى). النجم: 13.
وما بعدها‎.‎
فقال عليه السّلام: إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى، حيثُ قال‎:‎ ‎ (‎مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأى).
النجم: 11‏‎.‎
يقول: ما كذب فؤاد مُحمّد ما رأت عينَاه، فقال‎:‎ ‎ (‎لَقَدْ رَأى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى). النجم: 18.
فآياتُ الله غير الله‎.‎
وقال: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً). طه: 11‏‎.‎
فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم، ووقعت المعرفة‏‎.‎
فقال أبو قُرَّة: فنكذِّب بالرواية؟
فقال عليه السّلام: إذا كانت الرواية مُخالفة للقرآن كَذَّبتُها، وما أجمع المسلمون عليه أنه - أي الله تعالى - لا يُحاط به ‏علماً، ولا تدركه الأبصار، وليس كمثله شيء‎.‎
فقال أبو قُرَّة: ما معنى قوله تعالى‎:‎ ‎ (‎سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى..). الإسراء: 1‏‎.‎
فقال عليه السّلام: لقد أخبر الله تعالى أنه أسرَى به، ثمّ أخبر أنَّه لِمَ أُسْرِيَ به، فقال: (لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا). الإسراء: 1‏‎.‎
فآيات الله غير الله، فقد أعذر، وبَيَّن لِمَ فعل به ذلك، وما رآه، وقال‎:‎ ‎ (‎فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ). الجاثية: 6‏‎.‎
فقال أبو قُرَّة: أين الله؟
فقال عليه السّلام: الـ أيْنَ مَكان، وهذه مسألة شاهدٍ عن غائب، فالله تعالى ليس بغائب، ولا يُقدِمُه قادم، وهو بِكُل مكان، ‏موجود، مدبِّر، صانع، حافظ، ممسك السماوات والأرض‎.‎
فقال أبو قُرَّة: أليس هو فوق السماء دون ما سواها؟
فقال عليه السّلام: هو الله في السماوات وفي الأرض، وهو الذي في السماء إِلَه، وفي الأرض إله، وهو الذي يصوِّرُكم ‏في الأرحام كيف يشاء، وهو معكم أينما كنتُم، وهو الذي استوى إلى السَّماء وهي دُخَان‎.‎
وهو الذي استوى إلى السماءِ فَسوَّاهُنَّ سبع سماوات، وهو الذي استوى على العرش، قَد كان وَلا خَلْق، وهو كما كان ‏إذ لا خَلْق، لم ينتَقِل مع المُنتَقِلين‎.‎
فقال أبو قُرَّة: فَما بَالُكم إذا دعوتُم رفعتم أيديكم إلى السماء؟
فقال عليه السّلام: إن الله استعبدَ خلقه بِضُروب من العبادة، ولله مَفازِعَ يفزعون إليه ومستعبد، فاستعبَدَ عبادَه بالقول ‏والعلم، والعمل والتوجّه، ونحو ذلك استعبدهم بتوجيه الصّلاة إلى الكَعبة، ووجه إليها الحَجَّ والعمرة‎.‎
واستعبد خلقه عند الدعاء والطلب، والتضرّع ببسط الأيدي، ورفعها إلى السَّماء حال الاستكانة، وعلامَة العبودية ‏والتذلل له‎.‎
فقال أبو قُرَّة: من أقرب إلى الله الملائكة أو أهل الأرض؟
فقال عليه السّلام: إن كُنتَ تقول بالشِّبر والذراع، فإنّ الأشياء كلها باب واحد هي فعله، لا يشتغل ببعضها عن بعض، ‏يدبِّر أعلى الخلق من حيث يدبر أسفله، ويدبر أوَّله من حيث يدبِّر آخره من غير عناء، ولا كُلفة ولا مُؤْنة، ولا ‏مشاورة، ولا نصب‎.‎
وإِن كنتَ تقول: من أقرب إليه في الوسيلة، فأطوَعهم لهُ، وأنتم ترون أن أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد‎.‎
وروَيتم أن أربعة أملاك التقوا أحدهم من أعلى الخلق، وأحدهم من أسفل الخلق، وأحدهم من شرق الخلق، وأحدهم من ‏غرب الخلق، فسأل بعضهم بعضاً فكلهم قال: مِن عندِ الله، أرسلني بكذا وكذا‎.‎
ففي هذا دليل على أن ذلك في المنزلة دون التشبيه والتمثيل‏‎.‎
فقال أبو قُرَّة: أتقرّ أنَّ الله مَحْمُول؟
فقال عليه السّلام: كُلّ محمولٍ مفعول، ومضاف إلى غيره، محتاج، فالمحمول اسم نقص في اللفظ، والحامل فاعل، ‏وهو في اللفظ ممدوح‎.‎
وكذلك قول القائل: فوق، وتحت، وأعلى، وأسفل، وقد قال الله تعالى‎:‎ ‎ (‎وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا). الأعراف: 180‏‎.‎
ولم يقل في شيء من كُتُبه أنه محمول، بل هو الحامل في البَرِّ والبحر، والمُمسك للسماوات والأرض، والمحمول ما ‏سوى الله، ولم نسمع أحداً آمن بالله وعظَّمَه قط قال في دعائه: يا محمول‎...‎
فقال أبو قُرَّة: أفنكذِّب بالرواية: إن الله إذا غضب يعرفُ غضبه الملائكة الذين يحملون العرش، يَجدُونَ ثقله في ‏كواهلهم، فَيَخرّونَ سُجَّداً، فإذا ذهب الغَضَب، خَفَّ فرجعوا إلى مواقفهم؟‎.‎
فقال عليه السّلام: أخبرني عن الله تبارك وتعالى منذ لَعَن إبليس إلى يومك هذا، وإلى يوم القيامة، فهو غضبان على ‏إبليس وأوليائه، أو عَنهم رَاضٍ؟
فأيَّد أبو قُرَّة كلام الإمام عليه السّلام قائلاً: نَعَم، هو غضبان عليه‎.‎
وانبرى عليه السّلام قائلاً: وَيْحَك، كَيف تَجتَرِئ أنْ تَصِفَ رَبَّك بالتغيّر من حال إلى حال، وأنه يجري عليه ما يجري ‏على المخلوقين؟
سُبحانه، لم يزل مع الزَّائلين، ولم يتغيَّر مع المُتغيِّرين‏‎.‎
واستولى الذهول على أبي قُرَّة، وحارَ في الجواب، وانهزم من المجلس وهو غضبان، وقَد أُترِعَت نفسُه بالغيظ والحقد ‏على الإمام عليه السّلام‎.‎

مناظرة الإمام الرّضا عليه السّلام مع أرباب المذاهب الإسلامية
لمّا حضر الإمام عليّ الرّضا عليه السّلام مجلس المأمون، وقد اجتمع فيه جماعة عُلماء أهل العراق وخراسان‏‎.‎
فقال المأمون: أخبروني عن معنى هذه الآية: (ثمّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)؟
فقالت العُلماء: أراد الله الأُمّة كلّها‎.‎
فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟
فقال الرّضا عليه السّلام: لا أقول كما قالوا، ولكن أقول: أراد الله تبارك وتعالى بذلك العترة الطاهرة عليهم السّلام‎ .‎
فقال المأمون: وكيف عنى العترةَ دون الأُمّة؟
فقال الرّضا عليه السّلام: لو أراد الأُمّة لكانت بأجمعها في الجنّة; لقول الله: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ ‏سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)، ثمّ جعلهم في الجنّة، فقال عزَّ وجلَّ: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا)، ‏فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم‎.‎
ثمّ قال الرّضا عليه السّلام: هم الذين وصفهم الله في كتابه، فقال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ‏وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)، وهم الذين قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّي مخلّفٌ فيكم الثَقَلين كتابَ الله وعترتي ـ أهلَ ‏بيتي ـ لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، انظروا كيف تَخلُفوني فيهما، يا أيّها النّاس لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم‎.‎
قالت العُلماء: أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة هم الآل أو غيرُ الآل؟
فقال الرّضا عليه السّلام: هم الآل‎.‎
فقالت العُلماء: فهذا رسول الله يؤثَر عنه أنّه قال: أُمّتي آلي، وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفيض الذي لا يمكن ‏دفعه: آل مُحمّد أُمّته‎.‎
فقال الرّضا عليه السّلام: أخبروني هل تحرم الصّدقة على آل مُحمّد؟، قالوا: نعم‎.‎
قال عليه السّلام: فتحرم على الأُمّة؟ قالوا: لا‎.‎
قال عليه السّلام: هذا فرقٌ بين الآل وبين الأُمة، ويحكم ! أين يذهب بكم؟! أصرفتم عن الذكر صفحاً أم أنتم قومٌ ‏مسرفون؟! أمّا علمتم إنّما وقعت الرواية في الظاهر على المصطفين المهتدين دون سائرهم؟‎!.‎
قالوا: من أين قُلت يا أبا الحسن؟
قال عليه السّلام: من قول الله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ ‏فَاسِقُونَ)، فصارت وراثة النبوَّة والكتاب في المهتدين دون الفاسقين، أمّا علمتم أنَّ نوحاً سأل ربّه، فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي ‏مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ، وذلك أنَّ الله وعده أن ينجيه وأهلَه، فقال له ربُّه تبارك وتعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ ‏عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ‏‎).‎
فقال المأمون: فهل فضَّل الله العترة على سائر النّاس؟
فقال الرّضا عليه السّلام: إنَّ الله العزيز الجبّار فضّل العترة على سائر النّاس في محكم كتابه‎.‎
قال المأمون: أين ذلك من كتاب الله؟
فقال الرّضا عليه السّلام: في قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً ‏بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ، وقال الله في موضع آخر: أَمْ يَحْسُدُونَ النّاس عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ ‏وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا‎).‎
ثمّ ردَّ المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ ‏مِنكُمْ)، يعني الذين أورثهم الكتاب والحكمة وحُسِدوا عليهما بقوله: (أَمْ يَحْسُدُونَ النّاس عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ ‏آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا)، يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين، والمُلْكُ هاهنا الطاعة لهم‎.‎
قالت العُلماء: هل فسَّر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب؟
فقال الرّضا عليه السّلام: فسَّر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعاً، فأوّل ذلك قول الله: وَأَنذِرْ ‏عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ـ ورهطك المخلصين ـ هكذا في قراءة أُبيّ بن كعب، وهي ثابتةٌ في مصحف عبد الله بن مسعود، ‏فلمّا أمر عثمان زيدَ ابن ثابت أن يجمع القرآن خَنَسَ هذه الآية، وهذه منزلةٌ رفيعة وفضلٌ عظيم، وشرف عال حين ‏عنى الله عزَّ وجلَّ بذلك الآل، فهذه واحدة‎.‎
والآية الثّانية في الاصطفاء قول الله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)، وهذا الفضل ‏الذي لا يجحده معاند لأنَّه فضلٌ بيِّن‎.‎
والآية الثّالثة حين ميَّز الله الطاهرين من خلقه أمر نبيَّه في آية الابتهال، فقال: (فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا ‏وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)، فأبرز النّبيّ صلّى الله عليه وآله عليّاً والحسنَ ‏والحسينَ وفاطمةَ عليهم السّلام فقَرَن أنفسهم بنفسه‎.‎
فهل تدرون ما معنى قوله: (وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ)؟‎.‎
قالت العُلماء: عنى به نفسَه‎.‎
قال أبو الحسن عليه السّلام: غلطتم، إنّما عنى به عليّاً عليه السّلام، وممّا يدلُّ على ذلك قولُ النّبيّ صلّى الله عليه وآله ‏حين قال: لينتهينَّ بنو وليعةَ، أو لأبعثنَّ إليهم رجلاً كنفسي، يعني عليّاً عليه السّلام‎.‎
فهذه خصوصيَّة لا يتقدَّمها أحدٌ، وفضل لا يختلف فيه بشر، وشرف لا يسبقه إليه خلقٌ; إذ جعل نفسَ عليّ عليه السّلام ‏كنفسه فهذه الثّالثة‎.‎
وأمّا الرّابعة: فإخراجه النّاس من مسجده ما خلا العترةَ حين تكلّم النّاس في ذلك، وتكلم العباسُ، فقال: يا رسول الله ‏تركت عليّاً وأخرجتنا؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما أنا تركته وأخرجتكم، ولكنَّ الله تركه وأخرجكم، وفي ‏هذا بيان قوله لعلي عليه السّلام: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى‏‎.‎
قالت العُلماء: فأين هذا من القرآن؟
قال أبو الحسن عليه السّلام: أوجِدُكُم في ذلك قرآناً أقرؤه عليكم، قالوا: هات‎.‎
قال عليه السّلام: قول الله عزَّ وجلَّ: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً)، ‏ففي هذه الآية منزلةُ هارون من موسى، وفيها أيضاً منزلةُ عليّ عليه السّلام من رسول الله صلّى الله عليه وآله‏‎.‎
ومع هذا دليل ظاهر في رسول الله صلّى الله عليه وآله حين قال: إنّ هذا المسجد لا يحلُّ لجُنُب ولا لحائض إلاّ لمحمّد ‏وآل مُحمّد‎.‎
فقالت العُلماء: هذا الشرح وهذا البيان لا يوجد إلاّ عندكم معشرَ أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله؟
قال أبو الحسن عليه السّلام: ومن ينكر لنا ذلك ورسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، فمن ‏أراد مدينةَ العلم فليأتها من بابها، ففيما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشرف والتقدمة والاصطفاء والطهارة ما لا ‏يُنكره إلاّ معاندٌ، ولله عزَّ وجلَّ الحمدُ على ذلك، فهذه الرّابعة‏‎.‎
وأمّا الخامسة: فقولُ الله عزَّ وجلَّ: (وَآتِ ذَا القُربى حَقَّهُ) خصوصية خصَّهم الله العزيز الجبّار بها، واصطفاهم على ‏الأُمّة، فلمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: ادعوا لي فاطمة فدعوها له‎.‎
فقال: يا فاطمة، قالت: لبيّك يا رسول الله، فقال: إنَّ فدك لم يُوجَف عليها بخيل ولا ركاب، وهي لي خاصَّة دون ‏المسلمين، وقد جعلتها لك لما أمرني الله به فخُذيها لك ولولدك، فهذه الخامسة‎.‎
وأمّا السّادسة: فقول الله عزَّ وجلَّ: (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي القُربى) فهذه خصوصية للنبي صلّى الله ‏عليه وآله دون الأنبياء، وخصوصيَّة للآل دون غيرهم، وذلك أنَّ الله حكى عن الأنبياء في ذكر نوح عليه السّلام: (وَيَا ‏قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ‎).‎
وحكى عن هود عليه السّلام قال: (لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ‎).‎
وقال لنبيِّه صلّى الله عليه وآله: (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي القُربى)، ولم يفرض الله مودَّتهم إلاّ وقد علم ‏أنَّهم لا يرتدّون عن الدين أبداً، ولا يرجعون إلى ضلالة أبداً‎.‎
وأُخرى أن يكون الرّجل وادّاً للرجل فيكون بعضُ أهل بيته عدوَّاً له فلا يَسلَمُ قلبٌ، فأحبَّ الله أن لا يكون في قلبِ ‏رسول الله صلّى الله عليه وآله على المؤمنين شيءٌ، إذ فرض عليهم مودَّة ذي القُربى، فمن أخذ بها وأحبَّ رسولَ الله ‏صلّى الله عليه وآله وأحبَّ أهل بيته عليهم السّلام لم يستطع رسولُ الله أن يبغضه، ومن تركها ولم يأخذها وأبغض أهل ‏بيت نبيِّه صلّى الله عليه وآله فعلى رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يبغضه; لأنّه قد ترك فريضة من فرائض الله، ‏وأيُّ فضيلة وأيُّ شرف يتقدّم هذا‎.‎
ولمّا أنزل الله هذه الآية على نبيِّه صلّى الله عليه وآله: (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي القُربى)، قام رسول الله ‏صلّى الله عليه وآله في أصحابه، فَحَمِد الله وأثنى عليه، وقال: أيُّها النّاس إنَّ الله قد فرض عليكم فرضاً فهل أنتم ‏مؤدُّوه؟ فلم يجبه أحدٌ‏‎.‎
فقام فيهم يوماً ثانياً، فقال مثل ذلك، فلميجبه أحدٌ، فقام فيهم يومَ الثّالث، فقال: أيُّها النّاس إنَّ الله قد فرض عليكم فرضاً ‏فهل أنتم مؤدُّوه؟ فلم يجبه أحد، فقال: أيُّها النّاس إنَّه ليس ذهباً ولا فضة، ولا مأكولاً ولا مشروباً، قالوا: فهات إذاً؟ فتلا ‏عليهم هذه الآية، فقالوا: أمَّا هذا فنعم، فما وفى به أكثرُهم‎.‎
ثمّ قال أبو الحسن عليه السّلام: حدّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه، عن الحُسين بن عليّ عليهما السّلام، قال: اجتمع ‏المهاجرون والأنصار إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقالوا: إنّ لك يا رسول الله مؤونةً في نفقتك، وفيمن يأتيك ‏من الوفود، وهذه أموالنا مع دمائنا، فاحكم بها بارَّاً مأجوراً، أعطِ ما شئت وأمسك ما شئت من غير حرج‏‎.‎
فأنزل الله عزَّ وجلَّ عليه الروح الأمين، فقال: يا مُحمّد قُل (لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي القُربى)، لا تؤذوا ‏قرابتي من بعدي، فخرجوا، فقال أُناسٌ منهم: ما حمل رسول الله على ترك ما عرضنا عليه إلاّ ليحُثَّنا على قرابته من ‏بعده إن هو إلاّ شيء افتراه في مجلسه، وكان ذلك من قولهم عظيماً‎.‎
فأنزل الله هذه الآية: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُل إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ ‏شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، فبعث إليهم النّبيّ صلّى الله عليه وآله فقال: هل من حدث؟ فقالوا: إي والله يا ‏رسول الله، لقد تكلّم بعضنا كلاماً عظيماً فكرهناه، فتلا عليهم رسول الله فبكوا واشتدَّ بكاؤهم، فأنزل الله تعالى: (وَهُوَ ‏الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) فهذه السّادسة‎.‎
وأمّا السّابعة، فيقول الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النّبيّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وقد علم ‏المعاندون منهم أنَّه لمّا نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله، قد عرفنا التسليم عليك، فكيف الصّلاة عليك؟ فقال: تقولون: ‏اللهم صلِّ على مُحمّد وآل مُحمّد، كما صلَّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيد، وهل بينكم معاشر النّاس في ‏هذا اختلافٌ؟‎.‎
قالوا: لا‎.‎
فقال المأمون: هذا ما لا اختلاف فيه أصلاً، وعليه الإجماع، فهل عندك في الآل شيء أوضح من هذا القرآن؟
قال أبو الحسن عليه السّلام: أخبروني عن قول الله: (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) فمن ‏عنى بقوله: يس؟‎.‎
قالت العُلماء: يس مُحمّد ليس فيه شكّ‎.‎
قال أبو الحسن عليه السّلام: أعطى الله مُحمّداً وآل مُحمّد من ذلك فضلاً لم يبلغ أحدٌ كنه وصفه لمن عقله، وذلك أنَّ الله ‏لم يسلّم على أحد إلاّ على الأنبياء صلوات الله عليهم، فقال تبارك وتعالى: سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ، وقال: سَلَامٌ عَلَى ‏إِبْرَاهِيمَ، وقال: سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ولم يقل: سلامٌ على آل نوح، ولم يقل: سلامٌ على آل إبراهيم، ولا قال: سلامٌ ‏على آل موسى وهارون; وقال عزَّ وجلَّ: (سَلاّمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) يعني آل مُحمّد، فهذه السّابعة‎.‎
وأمَّا الثّامنة، فقول الله عزَّ وجلَّ: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فإنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربى) فقرن سهم ذي ‏القُربى مع سهمه وسهم رسوله صلّى الله عليه وآله، فهذا فصل بين الآل والأُمّة، لأنَّ الله جعلهم في حيِّز وجعل النّاس ‏كلَّهم في حيِّز دون ذلك، ورضي لهم ما رضي لنفسه واصطفاهم فيه، وابتدأ بنفسه ثمّ ثنّى برسوله، ثمّ بذي القُربى في ‏كُلّ ما كان من الفيء والغنيمة وغير ذلك ممّا رضيه عزّ وجل لنفسه ورضيه لهم‎.‎
فقال ـ وقوله الحقُّ ـ: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فإنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربى)، فهذا توكيد مؤكّد، وأمرٌ ‏دائم لهم إلى يوم القيامة في كتاب الله الناطق الذي (لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ‏‎).‎
وأمّا قوله: وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ، فإنّ اليتيم إذا انقطع يتمُهُ خرج من المغانم، ولم يكُن له نصيبٌ، وكذلك المسكين إذا ‏انقطعت مسكنته لم يكُن له نصيبٌ في المغنم، ولا يحلُّ له أخذه، وسهم ذي القُربى إلى يوم القيامة، قائم فيهم للغنيِّ ‏والفقير، لأنَّه لا أحد أغنى من الله ولا من رسوله صلّى الله عليه وآله، فجعل لنفسه منها سهماً ولرسوله صلّى الله عليه ‏وآله سهماً، فما رضي لنفسه ولرسوله رضيه لهم‎.‎
وكذلك الفيء ما رضيه لنفسه ولنبيَّه صلّى الله عليه وآله رضيه لذي القُربى، كما جاز لهم في الغنيمة فبدأ بنفسه، ثمّ ‏برسوله صلّى الله عليه وآله، ثمّ بهم، وقرن سهم بسهم الله وسهم رسوله صلّى الله عليه وآله وكذلك في الطاعة، قال ‏عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) فبدأ بنفسه، ثمّ برسوله صلّى الله عليه ‏وآله، ثمّ بأهل بيته‎.‎
وكذلك آية الولاية: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ)، فجعل ولايتهم مع طاعة الرسول مقرونةً بطاعته، كما ‏جعل سهمه مع سهم الرسول مقروناً بأسهمهم في الغنيمة والفيء، فتبارك الله ما أعظم نعمته على أهل هذا البيت‎.‎
فلمّا جاءت قصةُ الصّدقة نزَّه نفسه عزَّ ذكره، ونزَّه رسوله صلّى الله عليه وآله، ونزَّه أهل بيته عنها، فقال: (إِنَّمَا ‏الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ‏فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ)، فهل تجد في شيء من ذلك أنَّه جعل لنفسه سهماً أو لرسوله صلّى الله عليه وآله أو لذي القُربى، لأنّه ‏لمّا نزَّههم عن الصّدقة نزَّه نفسه ونزَّه رسولَه ونزَّه أهل بيته لا بل حرَّم عليهم، لأنَّ الصّدقة محرّمةٌ على مُحمّد وأهل ‏بيته، وهي أوساخ النّاس لا تحِلُّ لهم، لأنّهم طُهِّروا من كُلّ دنس ورسخ، فلمّا طهَّرهم واصطفاهم، رضي لهم ما رضي ‏لنفسه، وكره لهم ما كره لنفسه‎.‎
وأمّا التّاسعة، فنحن أهل الذكر الذين قال الله في محكم كتابه: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‎).‎
فقالت العُلماء: إنّما عنى بذلك اليهود والنّصارى‎.‎
قال أبو الحسن عليه السّلام: وهل يجوز ذلك؟ إذاً يدعونا إلى دينهم ويقولون: إنّه أفضل من دين الإسلام‎.‎
فقال المأمون: فهل عندك في ذلك شرح يُخالف ما قالوا يا أبا الحسن؟
قال: نعم، الذِكرُ رسول الله صلّى الله عليه وآله ونحن أهله، وذلك بيّن في كتاب الله بقوله في سورة الطلاق: (فَاتَّقُوا اللَّهَ ‏يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ)، فالذِّكر رسول الله ونحن أهله، ‏فهذه التّاسعة‎.‎
وأمّا العاشرة، فقول الله عزَّ وجلَّ في آية التحريم: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ)، أخبروني هل تصلح ‏ابنتي أو ابنة ابنتي، أو ما تناسل من صلبي لرسول الله أن يتزوّجها لو كان حيّاً؟‏‎.‎
قالوا: لا‎.‎
قال عليه السّلام: فأخبروني هل كانت ابنةُ أحدكم تصلَحُ له أن يتزوّجها؟‎.‎
قالوا: بلى‎.‎
فقال عليه السّلام: ففي هذا بيان أنّا من آله، ولستم من آله، ولو كنتم من آله لحرّمت عليه بناتكم كما حرّمت عليه بناتي، ‏لاِنّا من آله وأنتم من أُمّته، فهذا فرق بين الآل والأمّة، إذا لم تكن الآل فليست منه، فهذه العاشرة‎.‎
وأمّا الحادية عشرة، فقوله في سورة المؤمن حكايةً عن قول رجل: (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ‏أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ)، فكان ابنَ خال فرعون فنسبه إلى فرعون بنسبه ولم ‏يضفه إليه بدينه‎.‎
وكذلك خُصِّصنا نحن إذ كنا من آل رسول الله صلّى الله عليه وآله بولادتنا منه، وعُمِّمنا النّاس بدينه، فهذا فرق ما بين ‏الآل والأمّة، فهذه الحادية عشرة‎.‎
وأمّا الثّانية عشرة، فقوله: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، فخصّنا بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع أمره، ثمّ خصَّنا ‏دون الأُمّة، فكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يجيء إلى باب عليّ وفاطمة عليهما السّلام بعد نزول هذه الآية تسعة ‏أشهر في كُلّ يوم عند حضور كُلّ صلاة خمس مرّات، فيقول: الصّلاة يرحمكم الله، وما أكرم الله أحداً من ذراري ‏الأنبياء بهذه الكرامة التي أكرمنا الله بها، وخصّنا من جميع أهل بيته، فهذا فرق ما بين الآل والأُمَّة‎.‎
وصلّى الله على ذرّيته، والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على مُحمّد نبيه‏‎.‎

مناظرة الإمام الرّضا عليه السّلام مع أصحاب الأديان‏
قال الحسن بن مُحمّد النّوفلي: لمّا قدم عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام إلى المأمون، أمر الفضل بن سهل أن يجمع ‏له أصحاب المقالات، مثل الجاثليق ورأس الجالوت، ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر، وأصحاب زردهشت، ‏وقسطاس الرومي والمُتكلمين ليسمع كلامه وكلامهم، فجمعهم الفضل بن سهل، ثمّ أعلم المأمون باجتماعهم، فقال: ‏أدخلهم عليّ، ففعل‎.‎
فرحّب بهم المأمون، ثمّ قال لهم: إنّي إنّما جمعتكم لخير، وأحببت أن تناظروا ابن عمّي هذا المدنيّ القادم عليّ، فإذا ‏كان بُكرة فاغدوا عليّ، ولا يتخلّف منكم أحد، فقالوا: السّمع والطّاعة يا أمير المؤمنين، نحن مبكّرون إن شاء الله‎.‎
قال الحسن بن مُحمّد النّوفلي: فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرّضا عليه السّلام إذ دخل علينا ياسر الخادم، ‏وكان يتولّى أمر أبي الحسن عليه السّلام فقال: يا سيّدي إنّ أمير المؤمنين يقرئك السّلام، فيقول: فداك أخوك إنّه اجتمع ‏إليّ أصحاب المقالات وأهل الأديان والمتكلّمون من جميع الملل، فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم، وإن ‏كرهت كلامهم فلا تتجشّم، وإن أحببت أن نصير إليك خفّ ذلك علينا‎.‎
فقال أبو الحسن عليه السّلام: أبلغه السّلام وقل له: قد علمت ما أردت وأنا صائر إليك بُكرة إن شاء الله‎.‎
قال الحسن بن مُحمّد النّوفلي: فلمّا مضى ياسر التفت إلينا، ثمّ قال لي: يا نوفليّ أنت عراقي ورقّة العراقي غير غليظ ‏فما عندك في جمع ابن عمّك علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات؟، فقُلت: جعلت فداك يريد الامتحان، ويحبّ أن ‏يعرف ما عندك، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان وبئس ـ والله ـ ما بنى‏‎.‎
فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب؟، قُلت: إنّ أصحاب البدع والكلام خلاف العُلماء، وذلك أنّ العالم لا ينكر غير ‏المنكر، وأصحاب المقالات والمتكلّمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهته، وإن احتججت عليهم بأنّ الله واحد قالوا: ‏صحّح وحدانيّته، وإن قُلت: إنّ مُحمّداً صلّى الله عليه وآله رسول الله، قالوا: أثبت رسالته، ثمّ يباهتون الرّجل وهو ‏يبطل عليهم بحجّته، ويغالطونه حتّى يترك قوله، فأحذرهم جعلت فداك‎.‎
قال: فتبسّم عليه السّلام، ثمّ قال: يا نوفلي أتخاف أن يقطعوا عليّ حجّتي؟‎.‎
قُلت: لا والله ما خفت عليك قطّ، وإنّي لأرجو أن يظفرك الله لهم إن شاء الله‎.‎
فقال لي: يا نوفلي تحبّ أن تعلم متى يندم المأمون؟ قُلت: نعم‎.‎
قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التّوراة بتوراتهم، وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم، وعلى أهل الزّبور بزبورهم، وعلى ‏الصابئين بعبرانيتهم، وعلى الهرابذة بفارسيتهم، وعلى أهل الرّوم بروميتهم، وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم، فإذا ‏قطعت كُلّ صنف، ودحضت حجّته، وترك مقالته، ورجع إليّ قولي، علم المأمون أنّ الموضع الذي هو بسبيله ليس هو ‏بمستحق له، فعند ذلك تكون النّدامة منه، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم‏‎.‎
فلمّا أصبحنا أتانا الفضل بن سهل، فقال له: جعلت فداك ابن عمّك ينتظرك، وقد اجتمع القوم، فما رأيك في إتيانه؟
فقال الرّضا عليه السّلام: تقدّمني فإنّي صائر إلى ناحيتكم إن شاء الله، ثمّ توضأ عليه السّلام وضوء الصّلاة، وشرب ‏شربة سويق وسقانا منه، ثمّ خرج وخرجنا معه حتّى دخلنا على المأمون، فإذا المجلس غاص بأهله، ومحمّد بن جعفر ‏في جماعة الطّالبيين والهاشميين والقوّاد حضور‎.‎
فلمّا دخل الرّضا عليه السّلام قام المأمون، وقام مُحمّد بن جعفر، وقام جميع بني هاشم، فما زالوا وقوفاً والرّضا عليه ‏السّلام جالس مع المأمون، حتّى أمرهم بالجلوس فجلسوا، فلم يزل المأمون مُقبلاً عليه يحدّثه ساعة، ثمّ التفت إلى ‏الجاثليق، فقال: يا جاثليق، هذا ابن عمّي عليّ بن موسى بن جعفر، وهو من ولد فاطمة بنت نبينا، وابن عليّ بن أبي ‏طالب عليهم السّلام، فأحب أن تكلّمه وتحاجّه وتنصفه‎.‎
فقال الجاثليق: يا أمير المؤمنين، كيف أُحاجُّ رجلاً يحتجّ عليّ بكتاب أنا مُنكره، ونبيّ لا أؤمن به؟
فقال له الإمام الرّضا عليه السّلام: يا نصرانيّ، فإنّ احتججت عليك بإنجيلك أتقرّ به؟‎!.‎
قال الجاثليق: وهل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل، نعم والله، أقرّ به على رغم أنفي‎.‎
فقال له الرّضا عليه السّلام: سل عمّا بدا لك وافهم الجواب‎.‎
قال الجاثليق: ما تقول في نبوّة عيسى عليه السّلام وكتابه؟ هل تنكر منهما شيئاً؟
قال الرّضا عليه السّلام: أنا مُقرّ بنبوّة عيسى وكتابه وما بشّر به أُمته، وأقرّ به الحواريون، وكافر بنبوّة كُلّ عيسي لم ‏يقرَّ بنبوّة مُحمّد صلّى الله عليه وآله وبكتابه، ولم يبشّر به أُمّته‎.‎
قال الجاثليق: أليس إنّما تقطع الأحكام بشاهدي عدل؟ قال: بلى‎.‎
قال: فأقم شاهدين من غير أهل ملّتك على نبوّة مُحمّد، ممّن لا تنكره النّصرانية، وسلنا مثل ذلك من غير أهل ملّتنا‎.‎
قال الرّضا عليه السّلام: الآن جئت بالنّصفة يا نصراني، ألا تقبل منّي العدل المقدّم عند المسيح عيسى بن مريم؟‎.‎
قال الجاثليق: ومن هذا العدل؟ سمه لي؟ قال عليه السّلام: ما تقول في يوحنا الدّيلمي؟‎.‎
قال: بخ بخ! ذكرت أحبّ النّاس إلى المسيح‎.‎
قال عليه السّلام: فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أنّ يوحنا قال: إنّ المسيح أخبرني بدين مُحمّد العربي، وبشّرني به ‏إنّه يكون من بعده، فبشّرت به الحواريين فآمنوا به؟‎!.‎
قال الجاثليق: قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح وبشّر بنبوّة رجل وبأهل بيته ووصيّه، ولم يلخّص متى يكون ذلك، ولم ‏يسمّ لنا القوم فنعرفهم‎.‎
قال الرّضا عليه السّلام: فإنّ جئناك بمن يقرأ الإنجيل فتلا عليك ذكر مُحمّد وأهل بيته وأُمّته أتؤمن به؟‎.‎
قال: شديداً، قال الرّضا عليه السّلام لقسطاس الرّومي: كيف حفظك للسّفر الثّالث من الإنجيل؟
قال: ما احفظني له، ثمّ التفت إلى رأس الجالوت فقال له: ألست تقرأ الإنجيل؟!، قال: بلى لعمري‎.‎
قال عليه السّلام: فخذ على السّفر الثّالث، فإنّ كان فيه ذكر مُحمّد وأهل بيته وأُمته سلام الله عليهم فاشهدوا لي، وإن لم ‏يكُن فيه ذكره فلا تشهدوا لي‎.‎
ثمّ قرأ عليه السّلام السّفر الثّالث حتّى إذا بلغ ذكر النّبيّ صلّى الله عليه وآله وقف، ثمّ قال: يا نصراني إنّي أسألك بحق ‏المسيح وأُمّه أتعلم أنّي عالم بالإنجيل؟ قال: نعم، ثمّ تلا علينا ذكر مُحمّد وأهل بيته وأُمته، ثمّ قال: ما تقول يا نصراني؟ ‏هذا قول عيسى بن مريم، فإنّ كذبت ما ينطق به الإنجيل فقد كذبت عيسى وموسى عليهما السّلام، ومتى أنكرت هذا ‏الذّكر وجب عليك القتل، لأنّك تكون قد كفرت بربّك وبنبيّك وبكتابك‎.‎
قال الجاثليق: لا أُنكر ما قد بان لي في الإنجيل وإنّي لمقرّ به‎.‎
قال الرّضا عليه السّلام: اشهدوا على إقراره، ثمّ قال: يا جاثليق، سل عمّا بدا لك‎.‎
قال الجاثليق: اخبرني عن حواري عيسى بن مريم كم كان عدّتهم، وعن عُلماء الإنجيل كم كانوا؟
قال الرّضا عليه السّلام: على الخبير سقطت، أمّا الحواريون فكانوا أثنى عشر رجلاً، وكان أفضلهم وأعلمهم لوقا‎.‎
وأمّا عُلماء النّصارى فكانوا ثلاثة رجال: يوحنّا الأكبر بأج، ويوحنّا بقرقيسيا، ويوحنّا الدّيلمي بزجان، وعنده كان ذكر ‏النّبيّ صلّى الله عليه وآله، وذكر أهل بيته وأُمّته، وهو الذي بشّر أُمّة عيسى وبني إسرائيل به‎.‎
ثمّ قال عليه السّلام: يا نصراني والله إنّا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمّد صلّى الله عليه وآله، وما ننقم على عيساكم شيئاً ‏إلاّ ضعفه وقلّة صيامه وصلاته‎.‎
قال الجاثليق: أفسدت والله علمك وضعّفت أمرك، وما كنت ظننت إلاّ أنّك أعلم أهل الإسلام، قال الرّضا عليه السّلام: ‏وكيف ذلك؟‎.‎
قال الجاثليق: من قولك: إنّ عيساكم كان ضعيفاً قليل الصّيام قليل الصّلاة، وما أفطر عيسى يوماً قطّ، ولا نام بليل قطّ، ‏وما زال صائم الدّهر، قائم الليل‎.‎
قال الرّضا عليه السّلام: فلمن كان يصوم ويصلّي؟، قال: فخرس الجاثليق وانقطع‎.‎
ثمّ أنّ الإمام الرّضا عليه السّلام بدأ يسأل النّصراني مسائل، ولم يكُن للنّصراني جواب، فيجيبه الإمام الرّضا عليه ‏السّلام، إلى أن قال الجاثليق: أمّا هذا فلم أعلمه وقد علمته الآن، وقد بان لي من فضل علمك بالإنجيل، وسمعت أشياء ‏ممّا علمته، شهد قلبي أنّها حقّ، فاستزدت كثيراً من الفهم‏‎.‎
وهكذا أخذ الإمام الرّضا عليه السّلام يسأل من رأس الجالوت والهربذ الأكبر وغيرهما، ولم يكُن عندهم جواب مُقنع‎.‎

مناظرة الإمام الرّضا عليه السّلام مع سُليمان المروزي‏
قدم سُليمان المروزي ـ مُتكلّم خراسان ـ على المأمون العباسي، فأكرمه ووصله، ثمّ قال له: إنّ ابن عمّي عليّ بن ‏موسى قدم عليّ من الحجاز، وهو يحبّ الكلام وأصحابه، فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته‏‎.‎
فقال سليمان: يا أمير المؤمنين إنّي أكره أن اسأل مثله في مجلس في جماعة من بني هاشم، فينتقص عند القوم إذا ‏كلّمني، ولا يجوز الاستقصاء عليه‎.‎
قال المأمون: إنّما وجهت إليك لمعرفتي بقوّتك، وليس مرادي إلاّ أن تقطعه عن حجّة واحدة فقط‎.‎
فقال سليمان: حسبك يا أمير المؤمنين، أجمع بيني وبينه وخلّني وإيّاه وألزم، فوجّه المأمون إلى الإمام الرّضا عليه ‏السّلام، فقال: إنّه قدم علينا رجلٌ من أهل مرو وهو واحد خراسان من أصحاب الكلام، فإنّ خفَّ عليك أن تتجشّم ‏المصير إلينا فعلت‎.‎
فنهض عليه السّلام للوضوء، وقال لنا: تقدّموني وعمران الصابي معنا، فصرنا إلى الباب، فأخذ ياسر وخالد بيديّ ‏فأدخلاني على المأمون، فلمّا سلّمت قال: أين أخي أبو الحسن أبقاه الله؟
قُلت: خلّفته يلبس ثيابه وأمرنا أن نتقدّم، ثمّ قُلت: يا أمير المؤمنين إنّ عمران مولاك معي وهو بالباب‎.‎
فقال: من عمران؟ قُلت: الصابي الذي أسلم على يدك‎.‎
قال: فليدخل، فدخل فرحّب به المأمون، ثمّ قال له: يا عمران لم تمتْ حتّى صرت من بني هاشم‎.‎
قال: الحمد لله الذي شرّفني بكم يا أمير المؤمنين‎.‎
فقال له المأمون: يا عمران هذا سليمان المروزي متكلّم خراسان‎.‎
قال عمران: يا أمير المؤمنين إنّه يزعم أنّه واحد خراسان في النظر وينكر البداء‎.‎
قال: فلم لا تناظره؟
قال عمران: ذلك إليه‎.‎
فدخل الرّضا عليه السّلام فقال: في أيّ شيء كنتم؟‎.‎
قال عمران: يا بن رسول الله هذا سليمان المروزي‎.‎
فقال سليمان: أترضى بأبي الحسن وبقوله فيه؟
قال عمران: قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء على أن يأتيني فيه بحجّة احتجّ بها على نظرائي من أهل النظر‎.‎
قال المأمون: يا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه؟
قال عليه السّلام: وما أنكرت من البداء يا سليمان؟ والله عزّ وجل يقول: (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ ‏شَيْئًا، ويقول عزّ وجل: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثمّ يُعِيدُهُ)، ويقول: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض)، ويقول عزّ وجل: (يَزِيدُ ‏فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء)، ويقول: (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ)، ويقول عزّ وجل: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ ‏وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ)، ويقول عزّ وجل: (وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ‎) .‎
قال سليمان: هل رويت فيه شيئاً عن آبائك؟
قال عليه السّلام: نعم، رويت عن أبي عبد الله عليه السّلام أنّه قال: إنّ لله عزّ وجل علمين، علماً مخزوناً مكنوناً لا ‏يعلمه إلاّ هو، من ذلك يكون البداء، وعلماً علّمه ملائكته ورسله، فالعلماء من أهل بيت نبيّه يعلمونه‎.‎
قال سليمان: أحبّ أن تنزعه لي من كتاب الله عزّ وجلّ‎.‎
قال عليه السّلام: قول الله عزّ وجل لنبيه صلّى الله عليه وآله: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ أراد هلاكهم ثمّ بدا لله، فقال: ‏وَذَكِّرْ فإنّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ‎).‎
قال سليمان: زدني جعلت فداك‎.‎
قال الرّضا عليه السّلام: لقد أخبرني أبي عن آبائه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: إنّ الله عزّ وجل أوحى إلى ‏نبي من أنبيائه: أن أخبر فلان الملك أنّي متوفّيه إلى كذا وكذا، فأتاه ذلك النّبيّ فأخبره، فدعا الله الملك وهو على سريره ‏حتّى سقط من السرير، فقال: يا ربّ أجّلني يشبّ طفلي وأفضي أمري، فأوحى الله عزّ وجل إلى ذلك النّبيّ أن ائت ‏فلان الملك فأعلمه أنّي قد أنسيت في أجله، وزدت في عمره خمس عشرة سنة‎.‎
فقال ذلك النّبيّ: يا ربّ أنّك لتعلم أنّي لم أكذب قطّ، فأوحى الله عزّ وجل إليه: إنّما أنت عبد مأمور، فأبلغه ذلك والله لا ‏يسأل عمّا يفعل، ثمّ التفت إلى سليمان فقال: أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب‎.‎
قال: أعوذ بالله من ذلك، وما قالت اليهود؟
قال عليه السّلام: قالت: يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ، يعنون أنّ الله قد فرغ من الأمر فليسيحدث شيئاً‎.‎
فقال الله عزّ وجل: (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ)، ولقد سمعت قوماً سألوا أبي موسى بن جعفر عليه السّلام عن ‏البداء، فقال: وما ينكر النّاس من البداء؟ وأن يقف الله قوماً يرجيهم لأمره‎.‎
قال سليمان: ألا تخبرني عن إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ في أي شيء أُنزلت؟‏
قال الرّضا عليه السّلام: يا سليمان ليلة القدر، يقدّر الله عزّ وجل فيها ما يكون من السّنة إلى السّنة، من حياة أو موت ‏أو خير أو شر، أو رزق فما قدره من تلك الليلة فهو من المحتوم‎.‎
قال سليمان الآن قد فهمت جعلت فداك فزدني‏‎.‎
قال عليه السّلام: يا سليمان إنّ من الأمور أُموراً موقوفة عند الله تبارك وتعالى، يقدّم منها ما يشاء ويؤخّر ما يشاء، يا ‏سليمان إنّ عليّاً عليه السّلام كان يقول: العلم علمان: فعلم علّمه الله ملائكته ورسله، فما علّمه ملائكته ورسله فإنّه ‏يكون، ولا يكذّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله‎.‎
وعلم عنده مخزون لم يطّلع عليه أحداً من خلقه، يقدّم منه ما يشاء ويؤخّر منه ما يشاء، ويمحو ما يشاء ويثبت ما ‏يشاء‎.‎
قال سليمان للمأمون: يا أمير المؤمنين لا أنكر بعد يومي هذا البداء، ولا أُكذّب به إن شاء الله‎.‎
فقال المأمون: يا سليمان سل أبا الحسن عما بدا لك، وعليك بحسن الاستماع والإنصاف‎.‎
قال سليمان: يا سيّدي أسألك؟
قال الرّضا عليه السّلام: سل عمّا بدا لك‎.‎
قال: ما تقول فيمن جعل الإرادة اسماً وصفة مثل حيّ وسميع وبصير وقدير؟
قال الرّضا عليه السّلام: إنّما قلتم حدثت الأشياء واختلف لأنّه شاء وأراد، ولم تقولوا حدثت واختلفت لأنّه سميع ‏وبصير، فهذا دليل على أنّها ليست بمثل سميع ولا بصير ولا قدير‎.‎
قال سليمان: فإنّه لم يزل مريداً‎.‎
قال عليه السّلام: يا سليمان فإرادته غيره؟‎.‎
قال: نعم‎.‎
قال عليه السّلام: فقد أثبتّ معه شيئاً غيره لم يزل‏‎.‎
قال سليمان: ما أثبت؟
قال الرّضا عليه السّلام: أهي محدثة؟‎.‎
قال سليمان: لا ما هي محدثة‎.‎
فصاح المأمون وقال: يا سليمان مثله يعايا أو يكابر؟ عليك بالإنصاف أما ترى من حولك من أهل النظر، ثمّ قال: كلّمه ‏يا أبا الحسن، فإنّه متكلّم خراسان، فأعاد عليه المسألة‎.‎
فقال عليه السّلام: هي محدثة، يا سليمان فإنّ الشّيء إذا لم يكُن أزليّاً كان محدثاً، وإذا لم يكُن محدثاً كان أزليّاً‎.‎
قال سليمان: إرادته منه كما أن سمعه منه، وبصره منه، وعلمه منه‎.‎
قال الرّضا عليه السّلام: فإرادته نفسه‎.‎
قال: لا‎.‎
قال عليه السّلام: فليس المريد مثل السميع والبصير‎.‎
قال سليمان: إنّما أراد نفسه كما سمع نفسه وأبصر نفسه وعلم نفسه‎.‎
قال الرّضا عليه السّلام: ما معنى أراد نفسه أراد أن يكون شيئاً، أو أراد أن يكون حيّاً أو سميعاً أو بصيراً أو قديراً؟‎!.‎
قال: نعم‎.‎
قال الرّضا عليه السّلام: أفبإرادته كان ذلك؟! ثمّ قال عليه السّلام: فليس لقولك أراد، أن يكون حيّاً سميعاً بصيراً، معنى ‏إذا لم يكُن ذلك بإرادته‎.‎
قال سليمان: بلى; قد كان ذلك بإرادته‎.‎
فضحك المأمون ومن حوله، وضحك الرّضا عليه السّلام، ثمّ قال لهم: ارفقوا بمتكلّم خراسان، يا سليمان فقد حال ‏عندكم عن حاله وتغيّر عنها وهذا ممّا لا يوصف الله عزّ وجل به، فانقطع‎.‎

مناظرة الإمام الرّضا عليه السّلام مع عليّ بن الجهم‏
عن أبي الصّلت الهروي: أنّ المأمون لما جمع لعلي بن موسى الرّضا عليه السّلام أهل المقالات من أهل الإسلام ‏والديانات ـ من اليهود والنّصارى والمجوس والصابئين ـ وسائر أهل المقالات، فلم يقم أحد إلاّ وقد ألزمه حجّته كأنّه قد ‏أُلقم حجراً‎.‎
فقام إليه عليّ بن مُحمّد بن الجهم، فقال له: يا بن رسول الله أتقول بعصمة الأنبياء؟ قال: بلى‎.‎
قال: فما تعمل في قول الله عزّ وجل: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)؟ وقوله عزّ وجل: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن ‏لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ)؟ وقوله في يوسف: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا)؟ وقوله عزّ وجل في داود: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ)؟ وقوله ‏في نبيّه مُحمّد صلّى الله عليه وآله: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النّاس وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ)؟
فقال الإمام الرّضا عليه السّلام: ويحك يا عليّ ! اتق الله ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش، ولا تتأوّل كتاب الله عزّ ‏وجل برأيك، فإنّ الله عزّ وجل يقول: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ‎).‎
وأمّا قوله عزّ وجل في آدم عليه السّلام: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)، فإنّ الله عزّ وجلّ خلق آدم حجّة في أرضه، وخليفة ‏في بلاده، لم يخلقه للجنّة، وكانت المعصية من آدم في الجنّة لا في الأرض، لتتمّ مقادير أمر الله عزّ وجل، فلمّا أهبط ‏إلى الأرض وجعل حجّة وخليفة عصم بقوله عزّ وجل: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ‏الْعَالَمِينَ‎).‎
وأمّا قوله عزّ وجلّ: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ) إنّما ظن أنّ الله عزّ وجل لا يضيق عليه رزقه ‏ألا تسمع قول الله عزّ وجل: (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) أي ضيّق عليه، ولو ظنّ أنّ الله لا ‏يقدر عليه لكان قد كفر‎.‎
وأمّا قوله عزّ وجل في يوسف: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا فإنّها همّت بالمعصية وهمّ يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما ‏داخله، فصرف الله عنه قتلها والفاحشة، وهو قوله: لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ ـ يعني القتل ـ وَالْفَحْشَاء يعني الزنا‎.‎
وأمّا داود فما يقول من قبلكم فيه؟‏‎.‎
فقال عليّ بن الجهم: يقولون إنّ داود كان في محرابه يصلّي إذ تصوّر له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من ‏الطيور، فقطع صلاته وقام ليأخذ الطير، فخرج الطير إلى الدار، فخرج في أثره فطار الطير إلى السطح، فصعد في ‏طلبه فسقط الطير في دار أوريا بن حنان، فاطلع داود في أثر الطير فإذا بامرأة اُوريا تغتسل، فلمّا نظر اليها هواها ‏وكان اُوريا قد أخرجه في بعض غزواته، فكتب إلى صاحبه أن أقدم أُوريا أمام الحرب، فقدّم فظفر اُوريا بالمشركين ‏فصعب ذلك على داود، فكتب الثّانية أن قدّمه أمام التابوت، فقتل اُوريا رحمه الله، وتزوّج داود بامرأته‎.‎
قال: فضرب الرّضا عليه السّلام بيده على جبهته، وقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون ! لقد نسبتم نبياً من أنبياء الله إلى ‏التهاون بصلاته حتّى خرج في أثر الطير، ثمّ بالفاحشة، ثمّ بالقتل‎.‎
فقال: يا بن رسول الله ! فما كانت خطيئته؟
فقال عليه السّلام: ويحك إنّ داود إنّما ظن أن ما خلق الله عزّ وجلّ خلقاً هو أعلم منه، فبعث الله عزّ وجل إليه الملكين ‏فتسوّرا المحراب، فقالا: (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ إِنَّ ‏هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)، فعجّل داود عليه السّلام على ‏المدّعى عليه، فقال: (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ) ولم يسأل المدّعي البيّنة على ذلك، ولم يُقبل على المدعي ‏عليه فيقول ما يقول‎.‎
فكان هذا خطيئة حكمه، لا ما ذهبتم إليه، ألا تسمع قول الله عزّ وجل يقول: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض ‏فَاحْكُم بَيْنَ النّاس بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ‎).‎
فقُلت: يا بن رسول الله فما قصّته مع اُوريا؟
فقال الإمام الرّضا عليه السّلام: إنّ المرأة في أيّام داود إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوّج بعده أبداً، وأوّل من أباح الله عزّ ‏وجل له أن يتزوّج بامرأة قتل بعلها داود عليه السّلام، فذلك الذي شقّ على اُوريا‎.‎
وأمّا مُحمّد صلّى الله عليه وآله وقول الله عزّ وجل: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النّاس وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن ‏تَخْشَاهُ)، فإنّ الله عزّ وجل عرّف نبيه صلّى الله عليه وآله أسماء أزواجه في دار الدنيا، وأسماء أزواجه في الآخرة، ‏وإنّهنّ أُمهات المؤمنين، وإحدى من سمّي له زينب بنت جحش، وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة، فأخفى صلّى الله ‏عليه وآله اسمها في نفسه، ولم يبده له لكيلا يقول أحد من المنافقين أنّه قال في امرأة في بيت رجل أنّها أحد أزواجه من ‏أُمهات المؤمنين‎.‎
وخشي قول المنافقين، قال الله عزّ وجل: (وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ) في نفسك، وأنّ الله عزّ وجل ما تولّى تزويج أحد من ‏خلقه إلاّ تزويج حواء من آدم، وزينب من رسول الله صلّى الله عليه وآله، وفاطمة من عليّ عليه السّلام‎.‎
قال: فبكى عليّ بن الجهم وقال: يا بن رسول الله، أنا تائب إلى الله عزّ وجل أن أنطق في أنبياء الله بعد يومي هذا إلاّ ‏بما ذكرته‎.‎

مناظرة الإمام الرّضا عليه السّلام مع مُتكلّمي الفرق الإسلامية‏
عن الحسن بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون يوماً، وعنده عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام، وقد اجتمع ‏الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة، فسأله بعضهم، فقال له: يا بن رسول الله بأيّ شيء تصح الإمامة لمدّعيها؟
قال عليه السّلام: بالنص والدليل، قال له: فدلالة الإمام فيما هي؟
قال عليه السّلام: في العلم واستجابة الدعوة، قال: فما وجه إخباركم بما يكون؟
قال عليه السّلام: ذلك بعهد معهود إلينا من رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: فما وجه إخباركم بما في قلوب النّاس؟
قال عليه السّلام: أما بلغك قول الرسول صلّى الله عليه وآله: اتقوا فراسة المؤمن، فإنّه ينظر بنور الله؟ قال: بلى‎.‎
قال عليه السّلام: وما من مؤمن إلاّ وله فراسة ينظر بنور الله على قدر إيمانه، ومبلغ استبصاره وعلمه، وقد جمع الله ‏الأئمّة منّا ما فرّقه في جميع المؤمنين، وقال عز وجل في محكم كتابه: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ)، فأوّل ‏المتوسمين رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ أمير المؤمنين عليه السّلام من بعده، ثمّ الحسن والحسين والأئمّة من ولد ‏الحُسين عليهم السّلام إلى يوم القيامة‎.‎
قال: فنظر إليه المأمون فقال له: يا أبا الحسن زدنا ممّا جعل الله لكم أهل البيت، فقال الرّضا عليه السّلام: إنّ الله عزَّ ‏وجل قد أيّدنا بروح منه مقدّسة مطهّرة ليست بملك لم تكن مع أحد ممّن مضى، إلاّ مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، ‏وهي مع الأئمّة منّا تسدّدهم وتوفّقهم، وهو عمود من نور بيننا وبين الله عز وجلَّ‎.‎
قال له المأمون: يا أبا الحسن بلغني أنَّ قوماً يغلون فيكم، ويتجاوزون فيكم الحدّ؟ فقال الرّضا عليه السّلام: حدَّثني أبي ‏موسى بن جعفر; عن أبيه، عن جعفر بن مُحمّد، عن أبيه مُحمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحُسين، عن أبيه الحُسين ‏بن عليّ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لا ترفعوني فوق حقّي، ‏فإنّ الله تبارك وتعالى اتّخذني عبداً قبل أن يتخذني نبيّاً‎.‎
قال الله تبارك وتعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثمّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ ‏وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم ‏بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ).
آل عمران: 79 ـ 80‏‎.‎
قال عليه السّلام: يهلك فيَّ اثنان ولا ذنب لي، محبّ مفرط ومبغض مفرّط، وأنا أبرأ إلى الله تبارك وتعالى ممّن يغلو ‏فينا، ويرفعنا فوق حدّنا كبراءة عيسى بن مريم عليه السّلام من النّصارى، قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ ‏مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلت لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ ‏قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ مَا قُلت لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ ‏اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ‏المائدة: 116 ـ 117‏‎.‎
وقال عزَّ وجل: (لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ). النّساء: 172.
وقال عز وجل: (مَّا ‏الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ). المائدة: 75.
ومعناه إنّهما كانا ‏يتغوَّطان، فمن ادّعى للأنبياء ربوبية وادّعى للأئمّة ربوبية أو نبوّة أو لغير الأئمّة إمامة، فنحن منه براء في الدنيا ‏والآخرة‎.‎
فقال المأمون: يا أبا الحسن فما تقول في الرجعة؟ فقال الرّضا عليه السّلام: إنّها لحقّ قد كانت في الأُمم السالفة، ونطق ‏به القرآن، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله يكون في هذه الأُمة كُلّ ما كان في الأُمم السالفة حذو النعل بالنعل ‏والقذة بالقذة، وقال عليه السّلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إذا خرج المهدي من ولدي نزل عيسى بن مريم ‏فصلّى خلفه‎ .‎
وقال عليه السّلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنَّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء، قيل: يا ‏رسول الله ثمّ يكون ماذا؟ قال: ثمّ يرجع الحق إلى أهله‎ .‎
فقال المأمون: يا أبا الحسن فما تقول في القائلين بالتناسخ؟
فقال الرّضا عليه السّلام: من قال بالتناسخ فهو كافر بالله العظيم، مكذّب بالجنّة والنار‎.‎
قال المأمون: ما تقول في المسوخ؟
قال الرّضا عليه السّلام: أولئك قوم غضب الله عليهم، فمسخهم، فعاشوا ثلاثة أيّام ثمّ ماتوا ولم يتناسلوا، فما يوجد في ‏الدنيا من القردة والخنازير وغير ذلك ممّا وقع عليهم اسم المسوخية فهو مثل ما لا يحلّ أكلها والانتفاع بها‎.‎
قال المأمون: لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن، فو الله ما يوجد العلم الصحيح إلاّ عند أهل هذا البيت، وإليك انتهت علوم ‏آبائك، فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيراً‎.‎
قال الحسن بن الجهم: فلمّا قام الرّضا عليه السّلام تبعته فانصرف إلى منزله، فدخلت عليه وقلت له: يا ابن رسول الله، ‏الحمد لله الذي وهب لك من جميل رأي أمير المؤمنين ما حمله على ما أرى من إكرامه لك وقبوله لقولك‏‎.‎
فقال عليه السّلام: يا بن الجهم لا يغرنَّك ما ألفيته عليه من إكرامي والاستماع منّي، فإنه سيقتلني بالسمّ وهو ظالم إليَّ، ‏إنّي أعرف ذلك بعهد معهود إليَّ من آبائي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، فاكتم هذا ما دمت حياً‎.‎
قال الحسن بن الجهم: فما حدَّثت أحداً بهذا الحديث إلى أن مضى عليه السّلام بطوس مقتولاً بالسمّ‎.‎

كلمات في الإمام الرّضا عليه السّلام‏
أدلى فريق من الشخصيات بكلمات عن الإمام الرّضا عليه السّلام، وهي تعرب عن إكبارهم وتعظيمهم له، وفيما يلي ‏بعضها‎:‎
‏1‏‎ - ‎أبو الصّلت الهروي‎ ‎
قال أبو الصّلت عبد السّلام الهروي، وهو من أعلام عصره قال: " ما رأيت أعلم من عليّ بن موسى الرّضا، ولا رآه ‏عالم إلا شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجلس له عددا من عُلماء الاديان، وفقهاء الشّريعة والمُتكلمين ‏فغلبهم عن آخرهم، حتّى ما بقي منهم أحد إلا أمر له بالفضل وأقر على نفسه بالقصور‎.‎
‏2‏‎ - ‎إبراهيم بن العباس
كان إبراهيم بن العباس ممّن رافق الإمام عليه السّلام، وقد تحدث عن معالي أخلاقه، وكان مما قاله فيه: وكان - أي ‏الإمام- كثير المعروف والصّدقة في السرِّ، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنّه رأى مثله فلا ‏تصدّقه‎.‎
‏3‏‎ - ‎الرجاء بن أبي الضحاك‎ ‎
أما الرجاء بن أبي الضحاك فهو من القادة العسكريين، وقد اعجب بالإمام يقول: " والله ما رأيت رجلا كان أتقى لله ‏منه، ولا أكثر ذكراً له منه في جميع أوقاته، ولا أشد خوفاً لله عزوجل منه‏‎... "‎
‏4‏‎ - ‎المأمون
وأعرب المأمون في كثير من المناسبات عن إعجابه بشخصية الإمام الرّضا عليه السّلام، وهذه بعض كلماته‏‎:‎
قال المأمون لأسرته حينما لامته على عقده ولاية العهد للإمام الرّضا عليه السّلام: أمّا ما ذكرتم من استبصار المأمون ‏في البيعة لأبي الحسن فما بايع له إلاّ مستبصراً في أمره، عالماً بأنّه لم يبق على ظهرها - أي ظهر الأرض - أبين ‏فضلاً، ولا أطهر عفّة، ولا أورع ورعاً، ولا أزهد زهداً في الدنيا، ولا أطلق نفساً، ولا أرضي في الخاصّة والعامّة، ‏ولا أشدّ في ذات الله منه‎....‎
وقال المأمون في موضع آخر: الإمام الرّضا خير أهل الأرض، وأعلمهم، وأعبدهم‎.‎
‏5‏‎ - ‎الشيخ المفيد‎ ‎
‎قال زعيم الشّيعة مُحمّد بن مُحمّد النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد: " كان الإمام القائم بعد أبي الحسن ‏موسى بن جعفر ( عليهما السّلام ) ابنه أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا ( عليهما السّلام ) لفضله على جماعة اخوته، ‏وأهل بيته، وظهور علمه وحلمه وورعه، واجتماع الخاصة والعامة على ذلك فيه، ومعرفتهم به منه‏‎ ".‎
‏6‏‎ - ‎الواقدي‎ ‎
‎قال الواقدي: " سمع عليّ الحديث من أبيه وعمومته، وغيرهم وكان ثقة يفتي بمسجد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ‏‏) وهو ابن نيف وعشرين سنة وهو من الطبقة الثّامنة من التابعين من أهل البيت‎ ".‎
‎ ‎‏7‏‎ - ‎ابن عنبة
‎ ‎قال جمال الدين أحمد بن على النسابة، المعروف بابن عنبة، الإمام الرّضا " يكُنى أبا الحسن ولم يكُن في الطالبيين ‏في عصره مثله بايع له المأمون بولاية العهد، وضرب اسمه على الدراهم والدنانير، وخطب له على المنابر‎ ". ‎
‎ ‎‏8‏‎ - ‎يوسف بن تغري بردي‎ ‎
‎ ‎قال جمال الدين، أبو المحاسن يوسف بن تغري: " الإمام أبو الحسن الهاشمي العلوي، الحسيني، كان إماما عالما.. ‏وكان سيد بني هاشم في زمانه، وأجلهم، وكان المأمون يعظمه ويبجله ويخضع له، ويتغالى فيه، حتّى جعله ولي ‏عهده‎.. " ‎
‎ ‎‏9‏‎ - ‎ابن ماجة‎ ‎
‎ ‎قال ابن ماجة: " كان - أي الإمام الرّضا - سيد بني هاشم، وكان المأمون يعظمه، ويبجله، وعهد له بالخلافة، واخذ له ‏العهد‎... ". ‎
‎ ‎‏10‏‎ - ‎ابن حجر‎ ‎
‎ ‎قال ابن حجر: " كان الرّضا من أهل العلم والفضل مع شرف النسب‎... ".‎
‎ ‎‏11‏‎ - ‎اليافعي‎ ‎
‎ ‎قال اليافعي: " الإمام الجليل المعظم، سلالة السادة الاكارم: عليّ بن موسى الكاظم، أحد الائمة الاثني عشر، أولي ‏المناقب الذين انتسبت الإمامية إليهم، وقصروا بناء مذهبهم عليهم‎.... ". ‎
‎ ‎‏12‏‎- ‎عامر الطائي‎ ‎
‎ ‎وعلق عامر الطائي على كتاب: صحيفة أهل البيت ( عليهم السّلام ) الذي هو من مؤلفات الإمام الرّضا ( عليه السّلام ‏‏) بقوله: " حدثنا عليّ بن موسى الرّضا امام المتقين، وقدوة أسباط سيد المرسلين‎... ". ‎
‎ ‎‏13‏‎ - ‎بعض الائمة‎ ‎
‎ ‎وأدلى بعض الأئمة بحديث عن الإمام الرّضا ( عليه السّلام ) جاء فيه: " مناقب عليّ بن موسى الرّضا ( عليه السّلام ‏‏) من أجل المناقب، وامداد فضائله، وفواضله متوالية كتوالي الكتائب، وموالاته محمودة البوادر والعواقب، وعجائب ‏أوصافه من غرايب العجائب وسؤدده ونبله قد حلا من الشرف في الذروة والمغارب. اما شرف آبائه فاشهر من ‏المصباح المنير، وأضوأ من عارض الشمس المستدير وأما أخلاقه وسماته وصفاته، ودلائله وعلاماته فناهيك من ‏فخار وحسبك من علو مقدار، جاز على طريقة ورثها عن الآباء، وورثها عنه البنون فهم جميعا في كرم الارومة، ‏وطيب الجرثومة، كاسنان المشط متعادلون، فشرفا لهذا البيت، العالي الرتبة، السامي المحلة، لقد طال السماء عليّ ‏نبلا، وسما على الفراقد منزلة ومحلا، واستوفى صفات الكمال فما يستثنى في شئ منه‎.. ".‎
‎ ‎‏14‏‎ - ‎هاشم معروف‎ ‎
‎ ‎قال العلامة المغفور له السيد هاشم معروف الحسني: " وامتاز الإمام الرّضا ( عليه السّلام ) بخلق رائع ساعده على ‏أن يجتذب بحبه العامة والخاصة، واستمده من روح الرسالة التي كان من حفظتها، والامناء عليها، والوارثين لها‎... ". ‎
‎ ‎‏15‏‎ - ‎الذهبي‎ ‎
‎ ‎قال الذهبي: " هو الإمام أبو الحسن بن موسى الكاظم بن جعفر السّلام، قال بن مُحمّد الباقر بن على زين العابدين بن ‏الحُسين بن على بن ابي طالب الهاشمي العلوي... وكان سيد بني هاشم في زمانه، وأحلمهم، وأنبلهم، وكان المأمون ‏يعظمه، ويخضع له ويتغالى فيه، حتّى انه جعله ولي عهده‏‎... ".‎
‎ ‎‏16‏‎ - ‎محمود بن وهيب‎ ‎
‎ ‎قال محمود بن وهيب البغدادي: " وكراماته - أي الرّضا - كثيرة رضي الله عنه، إذ هو فريد زمانه‎... ". ‎
‎ ‎‏17‏‎ - ‎عارف تامر‎ ‎
‎ ‎قال عارف تامر: " يعتبر - أي الإمام الرّضا - من الائمة الذين لعبوا دورا كبيرا على مسرح الاحداث الاسلامية في ‏عصره‎.. ".‎
‎ ‎‏18‏‎ - ‎مُحمّد بن شاكر الكتبي‎ ‎
‎ ‎قال مُحمّد بن شاكر الكتبي: " وهو - أي الإمام الرّضا ( عليه السّلام ) - أحد الائمة الاثني عشر، كان سيد بني ‏هاشم في زمانه‎... "‎
‎ ‎‏19‏‎ - ‎عبد المتعال‎ ‎
‎ ‎قال عبد المتعال الصعيدي: " كان - أي الإمام الرّضا - على جانب عظيم من العلم والورع، وقد قيل لابي نواس: ‏علام تركت مدح عليّ بن موسى والخصال التي تجمعن فيه؟ فقال: لا استطيع مدح امام كان جبريل خادما لابيه، والله ‏ما تركت ذلك اي المدح - إلا اعظاما له، وليس يقدر مثلي أن يقول في مثله‏‎ ". ‎

بيعة الإمام الرّضا عليه السّلام بولاية العهد
وجَّه المأمون العباسي دعوته إلى الإمام عليّ الرّضا عليه السّلام، وطلب منه المسير من المدينة المنورة إلى خراسان ‏مقر الخلافة، فاستجاب الإمام عليه السّلام لذلك مكرهاً‎.‎
وقد كان في تصوّر المأمون أنَّ المَخْرجَ من الأزمة السياسية التي أحاطت به هو مخاطبة الإمام عليه السّلام، بقبول ‏ولاية العهد والمشاركة في إدارة شؤون الدولة، لكي يستطيع المأمون من ضَمِّ قوى المعارضة وجمع جِنَاحَي القوَّة ‏العلوية والعباسية بيده‎.‎
دعا المأمون الإمام عليه السّلام، وعرض عليه قبول ولاية العهد، فامتنع الإمام عليه السّلام، فقال له قولاً شبيهاً ‏بالتهديد‎.‎
ثمّ قال له: إنّ عُمَر جعل الشورى في سِتة، أحدهم جدّك، وقال من خالف فاضربوا عنقه، ولابُدَّ مِن قبول ذلك‎.‎
فأجابه الإمام عليه السّلام إلى ذلك، على أن لا يأمر ولا ينهى، ولا يولي ولا يَعزِل، ولا يتكلَّم بين اثنين في حُكم، ولا ‏يغيِّر شيئاً هو قائمٌ على أصوله‎.‎
والمتأمِّل للأوضاع السياسية المضطربة آنذاك يدرك أنَّ الإمام الرّضا عليه السّلام كان على علم بالخطة السياسية ‏للمأمون، وأنه لم يكُن مطمئنّاً إليها، لذلك ثبَّتَ عليه السّلام شروطه التي أشرنا إليها‎.‎
وبالإضافة إلى ذلك فإنّ الإمام عليه السّلام كان على علم بما تَؤُولُ إليه الأمور‎.‎
فقد روي أنَّه كان أحد خواص الإمام عليه السّلام حاضراً مستبشراً في الاحتفال الذي أقامه المأمون بمناسبة قبول ‏الإمام عليه السّلام بولاية العهد‎.‎
فنظر إليه الإمام عليه السّلام وأومأَ قائلاً: أدنُ مِنِّي‎.‎
فلما دنا منه همس عليه السّلام في أذنه قائلاً: لا تشْغَل قلبَك بِهَذا الأمْرِ، ولا تَسْتَبشِرْ لَهُ، فَإنَّهُ شَيء لا يَتمُّ‎.‎
وحينما قبل الإمام عليه السّلام تلك الولاية الرمزية، التي حَدَّدها هو بنفسه، راح المأمون يعلن هذا النبأ في أنحاء الدولة ‏الإسلامية، وأبدل لبس السواد الذي هو شعار للعباسيين بلبس الثياب الخضر الذي هو شعار للعلويين، وأعلن عن ‏عَزمه على صرف مرتَّب سنوي بهذه المناسبة السعيدة‏‎.‎
وعلى أثر ذلك توافَدَ الشعراء والخطباء والمتكلِّمون، وبُذِلت الأموال والهدايا، وكان إعلان البيعة في السّادس من شهر ‏رمضان 201 هـ، كما ورد في إحدى الروايات‏‎.‎

نص الإمام الرّضا عليه السّلام على إمامة الجواد عليه السّلام‏
نص الإمام الرّضا عليه السّلام على إمامة ولده مُحمّد الجواد عليه السّلام، ونصّبه خليفة من بعده، ومرجعاً عامّاً ‏للمسلمين ليرجعوا إليه في شؤونهم الدينية، وقد روى النصّ على إمامته جمهور كبير من الرّواة، كان منهم‎:‎
‏1‏‎- ‎ مُحمّد المحموري
روى مُحمّد المحموري عن أبيه قال: كنت واقفاً على رأس الإمام الرّضا عليه السّلام بطوس، فقال له بعض أصحابه: ‏إن حدث حدّث فإلى من؟
وإنّما سأله عن الإمام من بعده حتّى يدين بطاعته والولاء له، فقال عليه السّلام له: إلى ابن أبي جعفر‎....‎
وكان الإمام أبو جعفر عليه السّلام في مرحلة الطفولة، فقال له: إنّي استصغر سنّه‎ !!‎
فردّ عليه الإمام هذه الشبهة قائلاً: إنّ الله بعث عيسى بن مريم قائماً في دون السنّ، التي يقوم فيها أبو جعفر‎....‎
وحفل جواب الإمام الرّضا عليه السّلام بالدليل الحاسم، فإنّ الله تعالى بعث عيسى نبيّاً وآتاه العلم صبياً، وهو دون سنّ ‏الإمام أبي جعفر، والنبوّة والإمامة من منبع واحد لا يناطان بالصغير والكبير، وإنّما أمرهما بيد الله تعالى، فهو الذي ‏يختار لهما من أحبّ من عباده‎.‎
‏2‏‎- ‎ صفوان بن يحيى
قال صفوان بن يحيى: قُلت للرضا عليه السّلام: قد كنّا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر عن القائم بعدك؟ فتقول: ‏يهب الله لي غلاماً، فقد وهبه الله لك فأقرّ عيوننا، فإنّ كان كون فإلى من؟ فأشار الإمام عليه السّلام إلى أبي جعفر، ‏وهو قائم بين يديه، وعمره إذ ذاك ثلاث سنين‏‎.‎
فقُلت: هو ابن ثلاث سنين؟! قال عليه السّلام: وما يضرّ من ذلك، فقد قام عيسى بالحجّة وهو ابن أقلّ من ثلاث سنين‎.‎
‏3‏‎- ‎ معمر بن خلاّد
روى معمر بن خلاّد النصّ من الإمام الرّضا عليه السّلام على إمامة ولده الجواد، قال: سمعته يقول لأصحابه: وقد ‏ذكر شيئاً، ثمّ قال لهم: ما حاجتكم إلى ذلك؟ هذا أبو جعفر أجلسته مجلسي، وصيرته مكاني... إنّا أهل بيت يتوارث ‏أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة‎.‎
‏4‏‎- ‎عبد الله بن جعفر
قال عبد الله بن جعفر: دخلت على الإمام الرّضا عليه السّلام أنا وصفوان بن يحيى، وأبو جعفر قائم قد أتى له ثلاث ‏سنين، فقلنا: جعلنا الله فداك، ونعوذ بالله إن حدث حدث فمن يكون بعدك؟ قال عليه السّلام: ابني هذا، وأومأ إلى ولده ‏الإمام الجواد عليه السّلام، فقلنا له: وهو في هذا السنّ؟! قال عليه السّلام: نعم إنّ الله تبارك وتعالى احتجّ بعيسى وهو ‏ابن سنتين‎.‎
‏5‏‎- ‎ مُحمّد بن أبي عباد
قال مُحمّد بن أبي عباد: سمعت الإمام الرّضا عليه السّلام يقول: أبو جعفر وصيّي وخليفتي في أهلي من بعدي‎.‎
إلى غير ذلك من النصوص التي أثرت عن الإمام الرّضا عليه السّلام، وهي تلعن إمامة الجواد من بعده، وأنّه أحد ‏خلفاء الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله على أمّته‎.‎

شهادة الإمام الرّضا عليه السّلام‏
إنَّ التودُّدَ والاحترام الذي بَذَله المأمون للإمام الرّضا عليه السّلام، وإرغامَهُ على الدخول في ولاية العهد، لم يكُن زهداً ‏منه بالسلطة، وإنَّما كان لإغراض سياسية، ولو كان زاهِداً فيها لما قَتَل أخاه الأمين من أجلها‎.‎
ونتيجة للصراع الدائر بين أهل البيت عليهم السّلام وأنصارهم وبين بني العباس - بالإضافة إلى بروز شخصية الإمام ‏الرّضا عليه السّلام وتفوُّقها على شخصية المأمون - دَفَعَ المأمون إلى التفكير بشكلٍ جدّي بِتَصفِية الإمام عليه السّلام ‏واغتياله، وتمَّ له ذلك عن طريق دَسِّ السُمِ للإمام عليه السّلام‏‎.‎
فمضى الإمام الرّضا عليه السّلام شهيداً مسموماً، في اليوم الأخير من صفر 203 هـ، وعلى رواية في السّابع عشر ‏من صفر‎.‎
وتم دفنه عليه السّلام في مدينة طوس بخراسان، والتي كبُرت واتَّسعت بعد دفن الإمام الرّضا عليه السّلام فيها، وصار ‏اسمها مَشْهَد المقدَّسة، وهي من أوسع المُدن في بلاد إيران‎.‎
وبِبَرَكة احتضان هذه المدينة للجسد الشريف لهذا الإمام عليه السّلام، أصبَحَتْ مدينةً غنيةً بالثروات، عامرةً بالحوزات ‏العلميَّة، والمدارس الدينية، والمراكز والمؤسَّسات التحقيقيَّة والثقافية‎.‎

فضل زيارة الإمام الرّضا عليه السّلام‏
أثرت عن الإمام الجواد عليه السّلام عدّة روايات تحدّث بها عن فضل الزيارة لمرقد أبيه الرّضا عليه السّلام، وما ‏أعدّه الله للزائر من الأجر والثواب، وهذه بعضها‎:‎
1‏‎- ‎روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: سمعت مُحمّد بن عليّ الرّضا عليهما السّلام يقول: ما زار أبي أحد ‏فأصابه أذى من مطر أو برد أو حرّ إلاّ حرّم الله جسده على النار‎....‎
‏2‏‎- ‎روى عليّ بن أسباط قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام: ما لمن زار أباك بخراسان؟ فقال عليه السّلام: الجنّة والله ‏الجنّة‎.‎
‏3‏‎- ‎روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: قُلت لأبي جعفر: قد تحيّرت بين زيارة أبي عبد الله الحُسين عليه السّلام ‏وبين زيارة قبر أبيك بطوس فما ترى؟ فقال لي: مكانك، ثمّ دخل وخرج ودموعه تسيل على خدّيه، فقال: زوّار أبي ‏عبد الله كثيرون، وزوّار قبر أبي بطوس قليلون‎.‎

زيارة الإمام الرّضا عليه السّلام‏
نقلاً عن كتاب مفاتيح الجنان آية الله الشيخ عباس القمي: اعلم انّه قد ذكر له زيارات عديدة والمشهورة منها هي ما ‏وردت في الكتب المعتبرة ونسبت الى الشّيخ الجليل مُحمّد بن الحسن بن الوليد وهو من مشايخ الصّدوق (رحمه الله)، ‏ويظهر من مزار ابن قولويه انّها مرويّة عن الائمّة (عليهم السّلام)، وكيفيّتها على ما يوافق كتاب مَن لا يحضره ‏الفقيه: انّك اذا أردت زيارة قبر الرّضا ( عليه السّلام ) بطُوس فاغتسل قبلما تخرج من الدّار وقُل وأنت تغتسل‎:‎
اَللّـهُمَّ طَهِّرْني وَطَهِّرْ لي قَلْبي وَاشْرَحْ لي صَدْري وَاَجْرِ عَلى لِساني مِدْحَتَكَ وَمَحَبَّتَكَ وَالثَّناءَ عَلَيْكَ، فَاِنَّهُ لا قُوَّةَ اِلاّ بِكَ، ‏اَللّـهُمَّ اجْعَلْهُ لي طَهُوراً وَشِفاءً وقل وأنت تخرج: بِسْمِ اللهِ وَبِاللهِ وَاِلَى اللهِ وَاِلَى ابْنِ رَسُولِ اللهِ، حَسْبِىَ اللهُ تَوَكَّلْتُ عَلَى ‏اللهِ، اَللّـهُمَّ اِلَيْكَ تَوَجَّهْتُ وَاِلَيْكَ قَصَدْتُ وَما عِنْدَكَ اَرَدْتُ‎.‎
فاذا خرجت فقف على باب دارك وقُل‎:‎
اَللّـهُمَّ اِلَيْكَ وَجَّهْتُ وَجْهي، وَعَلَيْكَ خَلَّفْتُ اَهْلي وَمالي وَما خَوَّلْتَني، وَبِكَ وَثِقْتُ فَلا تُخَيِّبْني، يا مَنْ لا يُخَيِّبُ مَنْ اَرادَهُ، ‏وَلا يُضَيِّعُ مَنْ حَفِظَهُ، صَلِّ عَلى مُحمّد وَآلِ مُحمّد وَاحْفَظْني بِحِفْظِكَ فَاِنَّهُ لا يَضيعُ مَنْ حَفِظْتَ‏‎.‎
فاذا وافيت سالماً ان شاء الله فاغتسل اذا أردت أن تزُور وقُل حين تغتسل‏‎: ‎
اَللّـهُمَّ طَهِّرْني وَطَهِّرْ لي قَلْبي وَاشْرَحْ لي صَدْري وَاَجْرِ عَلى لِساني مِدْحَتَكَ وَمَحَبَّتَكَ وَالثَّناءَ عَلَيْكَ، فَاِنَّهُ لا قُوَّةَ اِلاّ بِكَ، ‏وَقَدْ عَلِمْتُ اَنَّ قِوامَ ديني التَّسْليمُ لاَِمْرِكَ وَالاِْتِّباعُ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ، وَالشَّهاَدَةُ عَلى جَميعِ خَلْقِكَ، اَللّـهُمَّ اجْعَلْهُ لي شِفاءً وَنُوراً ‏اِنَّكَ عَلى كُلّ شَىْء قَديرٌ‎.‎
والبس أطهر ثيابك وامشِ حافياً، وعليك السّكينة والوقار واذكُرِ الله بقلبك وقُل: اَللهُ اَكْبَرُ ولا اِلـهَ اِلاّ اللهُ وسُبْحانَ اللهِ ‏والْحَمْدُ للهِ،
وقصّر خطاك، وقُل حين تدخل الرّوضة المُقدّسة: بِسْمِ اللهِ وَبِاللهِ وَعَلى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، اَشْهَدُ اَنْ لا ‏اِلـهَ اِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاَنَّ عليّاً وَلِيُّ اللهِ،
وسِر حتّى تقف على قبره وتستقبل وجهه بوجهك وقُل: اَشْهَدُ اَنْ لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحمّداً ‏عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاَنَّهُ سَيِّدُ الاَْوَّلينَ وَالاْخِرينَ، وَاَنَّهُ سَيِّدُ الاَْنْبِياءِ وَالْمُرْسَلينَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحمّد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ ‏وَنَبِيِّكَ وَسَيِّدِ خَلْقِكَ اَجْمَعينَ صَلاةً لا يَقْوى عَلى اِحْصائِها غَيْرُكَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى اَميرِ الْمُؤمِنينَ عليّ بْنِ اَبي طالِب ‏عَبْدِكَ وَاَخي رَسُولِكَ الَّذِي انْتَجَبْتَهُ بِعِلْمِكَ وَجَعَلْتَهُ هادِياً لِمَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِكَ، وَالدَّليلَ عَلى مَنْ بَعَثْتَهُ بِرِسالاتِكَ، وَدَيّانَ ‏الدّينِ بِعَدْلِكَ، وَفَصْلِ قَضائِكَ بَيْنَ خَلْقِكَ، وَالْمُهَيْمِنَ عَلى ذلِكَ كُلِّهِ، وَالسّلام عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى ‏فاطِمَةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ وَزَوْجَةِ وَلِيِّكَ وَاُمِّ السِّبْطَيْنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ سَيِّدَيْ شَبابِ اَهْلِ الْجَنَّةِ، الطُّهْرَةِ الطّاهِرَةِ الْمُطَهَّرَةِ التَّقِيَّةِ ‏النَّقِيَّةِ الرَّضِيَّةِ الزَّكِيَّةِ، سَيِّدَةِ نِساءِ اَهْلِ الْجَنَّةِ اَجْمَعينَ صَلاةً لا يَقْوى عَلى اِحْصائِها غَيْرُكَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلَى الْحَسَنِ ‏وَالْحُسَيْنِ سِبْطَيْ نَبِيِّكَ وَسَيِّدَيْ شَبابِ اَهْلِ الْجَنَّةِ الْقائِمَيْنِ في خَلْقِكَ، وَالدَّليلَيْنِ عَلى مَنْ بَعَثْتَ بِرِسالاتِكَ، وَدَيّانَيِ الدّينِ ‏بِعَدْلِكَ وَفَصْلَيْ قَضائِكَ بَيْنَ خَلْقِكَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى عليّ بْنِ الحُسين عَبْدِكَ الْقائِمِ في خَلْقِكَ، وَالدَّليلِ عَلى مَنْ بَعَثْتَ ‏بِرِسالاتِكَ، وَدَيّانِ الدّينِ بِعَدْلِكَ، وَفَصْلِ قَضائِكَ بَيْنَ خَلْقِكَ سَيِّدِ الْعابِدينَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحمّد بْنِ عليّ عَبْدِكَ وَخَليفَتِكَ ‏في اَرْضِكَ باقِرِ عِلْمِ النَّبِيّينَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى جَعْفَرِ بْنِ مُحمّد السّلام، قال عَبْدِكَ وَوَلِيِّ دينِكَ وَحُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ ‏اَجْمَعينَ السّلام، قال الْبارِّ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُوسَى بْنِ جَعْفَر عَبْدِكَ الصّالِحِ وَلِسانِكَ في خَلْقِكَ النّاطِقِ بِحُكْمِكَ وَالْحُجَّةِ ‏عَلى بَرِيَّتِكَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى عليّ بْنِ مُوسَى الرّضا الْمُرْتَضى عَبْدِكَ وَوَلِيِّ دينِكَ الْقائِمِ بِعَدْلِكَ وَالدّاعي اِلى دينِكَ وَدينِ ‏آبائِهِ الصّادِقينَ صَلاةً لا يَقْوى عَلى اِحْصائِها غَيْرُكَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحمّد بْنِ عليّ عَبْدِكَ وَوَلِيِّكَ الْقائِمِ بِاَمْرِكَ ‏وَالدّاعي اِلى سَبيلِكَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى عليّ بْنِ مُحمّد عَبْدِكَ وَوَلِيِّ دينِكَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عليّ الْعامِلِ بِاَمْرِكَ ‏الْقائِمِ في خَـلْقِكَ وَحُجَّتِكَ الْمُؤَدّي عَنْ نَبِيِّكَ وَشاهِدِكَ عَلى خَلْقِكَ، الَْمخْصُوصِ بِكَرامَتِكَ الدّاعي اِلى طاعَتِكَ وَطاعَةِ ‏رَسُولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِمْ اَجْمَعينَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى حُجَّتِكَ وَوَلِيِّكَ الْقائِمِ في خَلْقِكَ صَلاةً تامَّةً نامِيَةً باقِيَةً تُعَجِّلُ بِها فَرَجَهُ ‏وَتَنْصُرُهُ بِها وَتَجْعَلُنا مَعَهُ في الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ، اَللّـهُمَّ اِنّي اَتَقَرَّبُ اِلَيْكَ بِحُبِّهِمْ وَاُوالي وَلِيَّهُمْ وَاُعادي عَدُوَّهُمْ، فَارْزُقْني بِهِمْ ‏خَيْرَ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ، وَاصْرِفْ عَنّي بِهِمْ شَرَّ الدُّنْيا والاْخِرَةِ وَاَهْوالَ يَوْمِ الْقِيامَةِ‎. ‎
ثمّ تجلس عند رأسه وتقُول: السّلام عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ، السّلام عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ، السّلام عَلَيْكَ يا نُورَ اللهِ في ظُلُماتِ ‏الأرض، السّلام عَلَيْكَ يا عَمُودَ الدّينِ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ آدَمَ صِفْوَةِ اللهِ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ نُوح نَبِيِّ اللهِ، السّلام ‏عَلَيْكَ يا وارِثَ اِبْراهيمَ خَليلِ اللهِ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ اِسْماعيلَ ذَبيحِ اللهِ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ مُوسى كَليمِ اللهِ، ‏السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ عيسى رُوحِ اللهِ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحمّد رَسُولِ اللهِ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ ‏عليّ وَلِيِّ اللهِ وَوَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ الْعالَمينَ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ الْحَسَنِ ‏وَالْحُسَيْنِ سَيِّدَيْ شَبابِ اَهْلِ الجَنَّةِ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ عليّ بْنِ الحُسين زَيْنِ الْعابِدينَ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحمّد ‏بْنِ عليّ باقِرِ عِلْمِ الاَْوَّلينَ وَالاْخِرينَ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ جَعْفَرِ بْنِ مُحمّد السّلام، قال الْبارّ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ ‏مُوسَى بْنِ جَعْفَر، السّلام عَلَيْكَ اَيُّهَا الصِّدّيقُ الشَّهيدُ، السّلام عَلَيْكَ اَيُّهَا الْوَصِيُّ الْبارُّ التَّقِيُّ، اَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ اَقَمْتَ الصّلاة ‏وَآتَيْتَ الزَّكاةَ، وَاَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَبَدْتَ اللهَ حتّى أتاكَ الْيَقينُ، السّلام عَلَيْكَ يا اَبَا الْحَسَنِ وَرَحْمَةُ ‏اللهِ وَبَرَكاتُهُ‎.‎
ثمّ تنكبّ على القبر وتقول: اَللّـهُمَّ اِلَيْكَ صَمَدْتُ مِنْ اَرْضي وَقَطَعْتُ الْبِلادَ رَجاءَ رَحْمَتِكَ فَلا تُخَيِّبْني وَلا تَرُدَّني بِغَيْرِ ‏قَضاءِ حاجَتي، وَارْحَمْ تَقَلُّبي عَلى قَبْرِ ابْنِ اَخي رَسُولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، بِاَبي اَنْتَ وَاُمّي يا مَوْلايَ اَتَيْتُكَ زائِراً ‏وافِداً عائِذاً مِمّا جَنَيْتُ عَلى نَفْسي، وَاحْتَطَبْتُ عَلى ظَهْري، فَكُنْ لي شافِعاً اِلَى اللهِ يَوْمَ فَقْري وَفاقَتي فَلَكَ عِنْدَ اللهِ مَقامٌ ‏مَحْمُودٌ وَاَنْتَ عِنْدَهُ وَجيهٌ‎.‎
ثمّ ترفع يدك اليُمنى وتبسط اليُسرى عَلى القبر وتقول:اَللّـهُمَّ اِنّي اَتَقَرَّبُ اِلَيْكَ بِحُبِّهِمْ وَبِوِلايَتِهِمْ، اَتَوَلّى آخِرَهُمْ بِما تَوَلَّيْتُ ‏بِهِ اَوَّلَهُمْ، وَاَبْرَءُ مِنْ كُلّ وَليجَة دُونَهُمْ، اَللّـهُمَّ الْعَنِ الَّذينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَكَ، وَاتَّهَمُوا نَبيَّكَ، وَجَحَدُوا بِاياتِكَ، وَسَخِرُوا بِاِمامِكَ، ‏وَحَمَلُوا النّاس عَلى اَكْتافِ آلِ مُحمّد، اَللّـهُمَّ اِنّي اَتَقَرَّبُ اِلَيْكَ بِالْلَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ وَالْبَراءَةِ مِنْهُمْ في الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ يا رَحْمنُ‎.‎ ‎ ‎ثمّ تحوّل عند رجليه وتقُولُ‎:‎
صلّى اللهُ عَلَيْكَ يا اَبَا الْحَسَنِ، صلّى اللهُ عَلى رُوحِكَ وَبَدَنِكَ، صَبَرْتَ وَاَنْتَ السّلام، قال الْمُصَدَّقُ، قَتَلَ اللهُ مَنْ قَتَلَكَ ‏بِالاَْيْدي وَالاَْلْسُنِ‎.‎
ثمّ ابتهل في اللّعنة على قاتل أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) وعلى قتلة الحسن والحسين وعلى جميع قتلة أهل بيت ‏رسُول الله، ثمّ تحوّل عند رأسه من خلفه وصلّ ركعتين تقرأ في احداهما يس وفي الاُخرى الرّحمن وتجتهد في الدّعاء ‏والتّضرّع واكثر من الدّعاء لنفسك ولوالديك ولجميع اخوانك من المؤمنين وأقم عند رأسه ما شئت ولتكن صلوتك عند ‏القبر‎. ‎

الدّعاء بعد صلاة زيارة الرّضا عليه السّلام
وفي كتاب تحفة الزّائر انّه قال المفيد: يستحبّ أن يُدعى بهذا الدّعاء بعد صلاة زيارة الرّضا عليه السّلام‎:‎
اَللّـهُمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ يا اَللهُ الدّائِمُ في مُلْكِهِ، الْقائِمُ في عِزِّهِ، الْمُطاعُ في سُلْطانِهِ، الْمُتَفَرِّدُ في كِبْرِيائِهِ، الْمُتَوَحِّدُ في دَيْمُومَةِ ‏بَقائِهِ، الْعادِلُ في بَرِيَّتِهِ، الْعالِمُ في قَضِيَّتِهِ، الْكَريمُ في تَأْخيرِ عُقُوبَتِهِ، إلهي حاجاتي مَصْرُوفَةٌ اِلَيْكَ، وَآمالي مَوْقُوفَةٌ ‏لَدَيْكَ، وَكُلَّما وَفَّقْتَني مِنْ خَيْر فَاَنْتَ دَليلي عَلَيْهِ وَطَريقي اِلَيْهِ، يا قَديراً لا تَؤُودُهُ الْمَطالِبُ، يا مَلِيّاً يَلْجأُ اِلَيْهِ كُلّ راغِب، ما ‏زِلْتُ مَصْحُوباً مِنْكَ بِالنِّعَمِ جارِياً عَلى عاداتِ الاِْحْسانِ وَالْكَرَمِ، اَسْاَلُكَ بِالْقُدْرَةِ النّافِذَةِ في جَميعِ الاَْشْياءِ، وَقَضائِكَ ‏الْمُبْرَمِ الَّذي تَحْجُبُهُ بِاَيْسَرِ الدُّعاءِ، وَبِالنَّظْرَةِ الَّتي نَظَـرْتَ بِها اِلَى الْجِبالِ فَتَشامَخَتْ، وَاِلى الأرضينَ فَتَسَطَّحَتْ، وَاِلَى ‏السَّماواتِ فَارْتَفَعْت، وَاِلَى الْبِحارِ فَتَفَجَّرَتْ، يا مَنْ جَلَّ عَنْ اَدَواتِ لَحَظاتِ الْبَشَرِ، وَلَطُفَ عَنْ دَقائِقِ خَطَراتِ الْفِكَرِ، لا ‏تُحْمَدُ يا سَيِّدي اِلاّ بِتَوْفيق مِنْكَ يَقْتَضي حَمْداً، وَلا تُشْكَرُ عَلى اَصْغَرِ مِنَّة اِلاَّ اسْتَوْجَبْتَ بِها شُكْراً، فَمَتى تُحْصى نَعْماؤُكَ ‏يا إلهي وَتُجازى آلاؤُكَ يا مَوْلايَ وَتُكافَأُ صَنايِعُكَ يا سَيِّدي، وَمِنْ نِعَمِكَ يَحْمَدُ الْحامِدُونَ، وَمِنْ شُكْرِكَ يَشْكُرُ الشّاكِرُونَ، ‏وَاَنْتَ الْمُعْتَمَدُ لِلذُّنُوبِ في عَفْوِكَ، وَالنّاشِرُ عَلَى الْخاطِئينَ جَناحَ سِتْرِكَ، وَاَنْتَ الْكاشِفُ لِلضُّرِّ بِيَدِكَ، فَكَمْ مِنْ سَيِّئَة ‏اَخْفاها حِلْمُكَ حتّى دَخِلَتْ، وَحَسَنَة ضاعَفَها فَضْلُكَ حتّى عَظُمَتْ عَلَيْها مُجازاتُكَ، جَلَلْتَ اَنْ يُخافَ مِنْكَ اِلاَّ الْعَدْلُ، وَاَنْ ‏يُرْجى مِنْكَ اِلاَّ الاِْحْسانُ وَالْفَضْلُ، فَامْنُنْ عليّ بِما اَوْجَبَهُ فَضْلُكَ، وَلا تَخْذُلْني بِما يَحْكُمُ بِهِ عَدْلُكَ، سَيِّدي لَوْ عَلِمَتِ ‏الأرض بِذُنُوبي لَساخَتْ بي، اَوْ الْجِبالُ لَهَدَّتْني، اَوِ السَّماواتُ لاَخْتَطَفَتْني، اَوِ الْبِحارُ لاََغْرَقَتْني، سَيِّدي سَيِّدي سَيِّدي، ‏مَوْلايَ مَوْلايَ مَوْلايَ، قَدْ تَكَرَّرَ وُقُوفي لِضِيافَتِكَ فَلا تَحْرِمْني ما وَعَدْتَ الْمُتَعَرِّضينَ لِمَسْأَلَتِكَ يا مَعْرُوفَ الْعارِفيِنَ، يا ‏مَعْبُودَ الْعابِدينَ، يا مَشْكُورَ الشّاكِرينَ، يا جَليسَ الذّاكِرينَ، يا مَحْمُودَ مَنْ حَمِدَهُ، يا مَوْجُودَ مَنْ طَلَبَهُ، يا مَوْصُوفَ مَنْ ‏وَحَّدَهُ، يا مَحْبُوبَ مَنْ اَحَبَّهُ، يا غَوْثَ مَنْ اَرادَهُ، يا مَقْصُودَ مَنْ اَنابَ اِلَيْهِ، يا مَنْ لا يَعْلَمُ الْغَيْبَ اِلاّ هُوَ، يا مَنْ لا يَصْرِفُ ‏السُّوءَ اِلاّ هُوَ، يا مَنْ لا يُدَبِّرُ الاَْمْرَ اِلاّ هُوَ، يا مَنْ لا يَغْفِرُ الذَّنْبَ اِلاّ هُوَ، يا مَنْ لا يَخْلُقُ الْخَلْقَ اِلاّ هُوَ، يا مَنْ لا يُنَزِّلُ ‏الْغَيْثَ اِلاّ هُوَ، صَلِّ عَلى مُحمّد وَآلِ مُحمّد وَاغْفِرْ لي يا خَيْرَ الْغافِرينَ، رَبِّ اِنّي اَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ حَياء، وَاَسْتَغْفِرُكَ ‏اسْتِغْفارَ رَجاء، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ، اِنابَة، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ رَغْبَة، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ رَهْبَة، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ ‏طاعَة، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ ايمان، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ اِقْرار، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ اِخْلاص، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ تَقْوى، ‏وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ تَوَكُّل، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ ذِلَّة، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ عامِل لَكَ هارِب مِنْكَ اِلَيْكَ، فَصَلِّ عَلى مُحمّد ‏وَآلِ مُحمّد، وَتُبْ عليّ وَعَلى والِدَيَّ بِما تُبْتَ وَتَتُوبُ عَلى جَميعِ خَلْقِكَ، يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ، يا مَنْ يُسَمّى بِالْغَفُورِ ‏الرَّحيمِ، يا مَنْ يُسَمّى بِالْغَفُورِ الرَّحيمِ، يا مَنْ يُسَمّى بِالْغَفُورِ الرَّحيمِ، صَلِّ عَلى مُحمّد وَآلِ مُحمّد، وَاقْبَلْ تَوْبَتي، وَزَكِّ ‏عَمَلي، وَاْشُكرْ سَعْيي، وَارْحَمْ ضَراعَتي، وَلا تَحْجُبْ صَوْتي، وَلا تُخَيِّبْ مَسْأَلَتي يا غَوْثَ الْمُسْتَغيثينَ، وَاَبْلِغْ اَئِمَّتي ‏سَلامي وَدُعائي وَشَفِّعْهُمْ في جَميعِ ما سَأَلْتُكَ، وَاَوْصِلْ هَدِيَّتي اِلَيْهِمِ كَما يَنْبَغي لَهُمْ، وزِدْهُمْ مِنْ ذلِكَ ما يَنْبَغي لَكَ ‏بِاَضْعاف لا يُحْصيها غَيْرُكَ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ اِلاّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظيمِ، وَصلّى اللهُ عَلى اَطْيَبِ الْمُرْسَلينَ مُحمّد وَآلِهِ ‏الطّاهِرينَ‎.‎

   

أضف تعليق


كود امني
تحديث