اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم والعن أعدائهم

 

نسبه الشّريف عليه السلام
الإمام عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المُطلب بن هشام بن عبد مُناف بن قُصي بن كلاب بن مرة بن ‏كعب بن مُرة بن لُؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خزيمة مدرك بن مضر بن نزار بن معد بن ‏عدنان عليهم السّلام‎.‎

ولادته عليه السلام
أشرقت الأرض بنور ربّنا تبارك وتعالى بولادة الإمام زين العابدين عليه السّلام الذي فجّر ينابيع العلم والحكمة في ‏الأرض، وقدّم للنّاس بسيرته أروع الأمثلة والدّروس في نكران الذّات، والتّجرد عن الدّنيا، والانقطاع إلى الله. وقد ‏استقبلت الأسرة النّبويّة بمزيد من الأفراح والمسرّات هذا الوليد المُبارك الذي بشّر به النّبيّ صلّى الله عليه وآله، وقد ‏شملت الابتهاجات جميع من يتصل بأهل البيت من الصّحابة وأبنائهم، وقد ولد - فيما يقول بعض المؤرخين - ضعيفاً ‏نحيفاً، يقول السّيد عبد العزيز سيد الأهل: لقد ولد ضعيفاً نحيفاً تلوح في نظراته ومضات خافتة، وكأنّها ومضات همّ ‏مُنطفئ، فهذه الومضات المكسورة أن دلّت فإنّما تدلّ على حزن قادم يوشك أن يقع... لقد رافقته الخطوب وصاحبته ‏الآلام منذ ولادته، فقد اختطفت يد المنون أمّه الزّكيّة، وهو في المهد، وتتابعت عليه المحن بعد ذلك يتبع بعضها ‏بعضاً، فلم يبتل أي إنسان بمثل ما أبتلي به هذا الإمام العظيم‎.‎
وسارع جدّه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام أو أبيه الإمام الحُسين عليه السّلام إلى إجراء مراسيم الولادة الشّرعيّة ‏على الوليد المُبارك، فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليُسرى، وقد أقام بذلك في قلبه معبداً ينبض بأحاسيس التّقوى ‏والصّلاح، فكانت نغماً حيّاً يسيّره نحو البر والعمل الصّالح‎.‎
إن أوّل ما استقبل به الإمام زين العابدين في هذه الحياة، هو صوت الله أكبر. وقد طبع في قلبه ومشاعره، وصار في ‏ذاتياته ومقوماته. وفي اليوم السّابع مع ولادته عقّ عنه أبوه بكبش، وحلق رأسه، وتصدّق بزنته فضة أو ذهباً على ‏المساكين عملاً بالسنّة الإسلاميّة المُقدّسة‎.‎

مكان ولادته عليه السّلام
اختلف المؤرخون في المكان الذي حظي بولادة الإمام زين العابدين عليه السّلام، على أقوال، منها‎.‎
‎ ‎القول الأوّل: ولد عليه السّلام في الكوفة‎.‎
‎ ‎القول الثّاني: كانت ولادته عليه السّلام في يثرب‎.‎
والقريب من الرّوايات الصّحيحة، أنّ ولادته كانت في الكوفة، وإنّه ولد قبل وفاة جدّه أمير المؤمنين عليه السّلام ‏بسنتين، ومن المقطوع به أنّ الإمام الحُسين وأفراد عائلته كانوا مع الإمام أمير المؤمنين في الكوفة، ولم يقم أي أحد ‏منهم في يثرب طيلة خلافته‎.‎

زمان ولادته عليه السّلام
وأيضاً تضاربت أقوال المؤرخين في الزّمان الذي كانت فيه ولادة الإمام عليه السّلام، حيث قالوا‎: ‎
القول الأوّل: ولد عليه السّلام في اليوم الخامس من شعبان سنة 38 هـ وذلك في يوم الخميس‏‎.‎
القول الثّاني: ولد عليه السّلام في يوم الجمعة لتسع خلون من شعبان سنة 38هـ‎.‎
‎ ‎القول الثّالث: ولد عليه السّلام في النّصف من جمادى الأولى سنة 38 هـ‏‎.‎
‎ ‎القول الرّابع: ولد عليه السّلام يوم الجمعة 26 جمادى الآخرة سنة 38 هـ‏‎.‎
‎ ‎القول الخامس: ولد عليه السّلام في شهور سنة 33 هـ وهذا القول شاذ ومخالف لما أجمع عليه الرّواة والمؤرّخون من ‏أنّ ولادته كانت سنة 38 هـ‏‎.‎
والمشهور عند الإماميّة أعلى الله مقامهم هو القول الأوّل، فإنّهم يقيمون مهرجاناتهم العامة إحياءً لذكرى ولادته في ‏اليوم الخامس من شعبان‎. ‎

أسماؤه عليه السلام
الشّيء المُحقّق الذي أجمع عليه المؤرخون والرّواة هو أنّ الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله قد سمّى حفيده بعليّ بن ‏الحُسين، ولقبه بزين العابدين، وذلك قبل أن يخلق بعشرات السّنين، وكان ذلك من العلامات الباهرة لنبوّته صلّى الله ‏عليه وآله... وقد تظافرت الأخبار بنقل ذلك عنه، وهذه بعضها‎...‎
‏1‏- ‎روى الصّحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: كنت جالساً عند رسول الله صلّى الله عليه وآله والحُسين ‏في حجره، وهو يداعبه، فقال صلّى الله عليه وآله: يا جابر، يولد له مولود اسمه عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد ‏ليقم سيّد العابدين، فيقوم ولده، ثمّ يولد له ولد اسمه مُحمّد، فإن أدركته يا جابر فأقرئه منّي السّلام‎...‎
وأذاع جابر هذا الحديث كما أنّه أدرك الإمام مُحمّد الباقر عليه السّلام وبلغه هذه التّحيّة من جدّه الرّسول صلّى الله عليه ‏وآله، فتلقاها الإمام بمزيد من الغبطة والسّرور‎.‎
‏2‏- ‎روى الحافظ ابن عساكر، بسنده عن سفيان بن عيينة، عن ابن الزّبير، قال: كُنّا عند جابر فدخل عليه عليّ بن ‏الحُسين، فقال له جابر: كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وآله فدخل عليه الحُسين فضمّه إليه، وقبّله، وأقعده إلى ‏جنبه، ثمّ قال صلّى الله عليه وآله: يولد لابني هذا ابن يُقال له: عليّ بن الحُسين، إذا كان يوم القيامة نادى مناد من ‏بطنان العرش ليقم سيّد العابدين، فيقوم هو‎.‎
‏3‏- ‎روى سعيد بن المُسيب، عن ابن عباس: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين ‏زين العابدين؟ فكأنّي أنظر إلى ولدي عليّ بن الحُسين يخطر بين الصّفوف... هذه بعض النّصوص التي أثرت عن ‏النّبيّ صلّى الله عليه وآله في تسميته لحفيده بعليّ ومنحه بلقب زين العابدين، كما فيها الإشادة بأهميّته ومكانته عند الله ‏تعالى‎.‎

صفاته الجسديّة عليه السلام
أمّا صفاته وملامحه الجسميّة فقد ذكر المؤرخون أنّه كان أسمرَ قصيراً نحيفاً ورقيقاً، وكان كُلّما تقدّمت به السّن إزداد ‏ضعفاً وذبولاً، وذلك لكثرة عبادته، وقد أغرقته في الأحزان والآلام مذبحة كربلاء، فقد ظلّت أهوالها تلاحقه حتّى لحق ‏بالرفيق الأعلى‎.‎

هيبته عليه السلام
أمّا هيبته فتعنوا لها الوجوه والجباه، فكانت تعلو على أسارير وجهه أنوار الأنبياء، وهيبة الأوصياء، ووصف شاعر ‏العرب الأكبر الفرزدق في رائعته هيبة الإمام بقوله‎: ‎
يـكاد يـمسكه عـرفان‎ ii‎راحته ركـن الحطيم إذا ما جاء‎ ii‎يستلم
يغضي حياءً ويغضى من مهابته فـلا يـكُلّم إلا حـين‎ ii‎يـبتسم‎ ‎
ويقول الشّيخاني القادري: وكان لا تشبع من رؤية صباحة وجهه عين النّاظر، لقد كانت هيبته تحكي هيبة جده الرّسول ‏الأعظم صلّى الله عليه وآله، وقد بهر بها المُجرم السّفاح مُسلم بن عقبة، الذي استهان بجميع القيم والمقدّرات، فحينما ‏رأى الإمام ارتعدت فرائصه، وقابله بمزيد من العناية والتّكريم، وقال لمن حوله: إنّ لعليّ زين العابدين سيماء الأنبياء‎.‎

كُناه عليه السلام
‎ومن كنّي الإمام زين العابدين عليه السّلام‎: ‎
‏1‏‎ - ‎أبو الحُسين‎.‎
‏2‏‎ - ‎أبو الحسن‎.‎
‏3‏‎ - ‎أبو مُحمّد‎.‎
‏4‏‎ - ‎أبو عبد الله‎.‎
‏5‏‎ - ‎أبو القاسم‎.‎

ألقابه عليه السلام
أمّا ألقابه الشّريفة فهي تحكي نزعاته الخيّرة، وما اتصف به من محاسن الصّفات ومكارم الأخلاق، وعظيم الطّاعة ‏والعبادة لله، وهذه بعضها‎: ‎
‏1‏- ‎زين العابدين
وأضفى عليه هذا اللقب جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله قبل ولادته - كما تقدّم- وإنّما لقب به لكثرة عبادته وقد ‏عرف بهذا اللقب، واشتهر به، حتّى صار اسماً له، ولم يُلقب به أحد سواه، وحقّاً أنّه كان زيناً لكُلّ عابد وفخراً لكُلّ من ‏أطاع الله‎.‎
‏2‏- ‎سيّد العابدين
من ألقابه البارزة سيّد العابدين، وذلك لما ظهر منه من الانقياد والطّاعة لله، فلم يؤثر عن أي أحد من العبادة مثل ما ‏أثر منه عدا جده الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام‎.‎
‏3‏- ‎ذو الثّفنات
عن الإمام الباقر عليه السّلام: كان أبي في موضع سجوده آثار نابتة فكان يقطعها في السّنة مرتين، في كُلّ مرة خمس ‏ثفنات، فسمّي ذو الثفنات‎.‎
‏4‏- ‎الزّكي
لُقب بالزّكي؛ لأنّ الله زكّاه وطهّره من كُلّ دنس، كما زكّى آباءه الذين أذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيراً‎.‎
‏5‏- ‎الأمين
من ألقابه الشّريفة التي عُرف بها الأمين فقد كان المثل الأعلى لهذه الصّفة الكريمة، وقد قال عليه السّلام: لو أنّ قاتل ‏أبي أودع عندي السّيف الذي قتل به أبي لأديته إليه‎.‎
‏6‏- ‎ابن الخيرتين
قال الزّمخشري: روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله، أنّه قال: [ لله ] من عباده خيرتان، فخيرته من العرب قريش، ‏ومن العجم فارس، وكان يُقال لعليّ بن الحُسين ابن الخيرتين‎.‎
وروي أنّ أبا الأسود الدؤلي قال فيه: وإنّ غلاّماً بين كسرى وهاشم، لأكرم من نُيطت عليه التّمائم‎.‎
وقال ابن طلحة: هذا زين العابدين، قُدوة الزّاهدين، وسيّد المُتقين، وإمام المؤمنين، سمته تشهد أنّه من سلالة رسول ‏الله، وسمته تثبت مقام قُربه من الله زلفاً، وثفناته تسجل بكثرة صلاته وتهجده، وإعراضه عن متاع الدّنيا ينطق بزهده ‏فيها، درت له أخلاف التّقوى فتفوقها، وأشرقت لديه أنوار التأييد فاهتدى بها، وألفته أوراد العبادة فآنس بصحبتها، ‏وحالفته وظائف الطّاعة فتحلّى بحليتها، طالما اتّخذ الليل مطيّة فركبها لقطع طريق الآخرة، وظمأ الهواجر دليلاً ‏استرشد به في مفازة المُسافرة، وله من الخوارق والكرامات ما شوهد بالأعين الباصرة، وثبت بالآثار المتواترة، ‏وشهد أنّه من ملوك الآخرة‎.‎
هذه بعض ألقابه، وذكرت له ألقاب أخرى، وهي تنم عما اتصف به من الصّفات الرّفيعة والمؤهلات العظيمة، منها ‏كما في العوالم ج 18‏‎: ‎
‏1‏- السّجاد‎.‎
‏2‏- البكّاء‎.‎
‏3‏- الزّاهد‎.‎
‏4‏- العدل‎.‎
‏5‏- الخاشع‎.‎
‏6‏- أبو الأئمة‎.‎
‏7‏- الخالص‎.‎
‏8‏- الرّهباني
‏9‏- وصيّ الوصيّين‎.‎
‏10‏- العابد‎.‎
‏11‏- ‎وارث علم النّبيّين‎.‎
‏12‏- إمام الأئمة‎.‎
‏13‏- ‎خازن وصايا المُرسلين‎.‎
‏14‏- ‎سيّد السّاجدين‎.‎
‏15‏- ‎منار القانتين‎.‎
‏16‏- إمام المؤمنين‎.‎

زوجاته عليه السلام
روي أنّه عليه السّلام تزوَّج سبع نساء أوّلهنّ هي‎.‎
السّيدة فاطمة بنت الإمام الحسن بن عليّ عليهما السّلام، أم الإمام مُحمّد الباقر، وتكنى أم عبد الله، وقيل أم الحسن، ‏وتكنى أم عبد الله وكانت من سيّدات نساء بني هاشم، وكان الإمام عليّ بن الحُسين زين العابدين عليه السّلام يسمّيها ‏الصّديقة‎.‎
ويقول فيها الإمام أبو عبد الله جعفر بن مُحمّد الصّادق عليه السّلام: كانت صدّيقة لم تدرك في آل الحسن مثلها. وهو ‏هاشمي من هاشميين، علوي من علويين، فاطمي من فاطميين، لأنّه أوّل من اجتمعت له ولادة من الحسن والحُسين ‏عليهما السّلام‎.‎
وروي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: كانت أمّي قاعدة عند جدار، فتصدع الجدار، وسمعنا هدّة شديدة، فقالت بيدها: ‏لا وحق المُصطفى ما آذن الله لك في السّقوط، فبقي معلقاً حتّى جازته، فتصدق عنها أبي بمئة دينار‎.‎
وذكرها الإمام الصّادق عليه السّلام يوماً فقال: كانت صّديقة لم يدرك في آل الحسن مثلها. وأما السّت الباقيات فهُنَّ ‏جواري‎.‎

أولاده عليه السلام
روى الشّيخ المفيد: أولاد عليّ زين العابدين عليه السّلام خمسة عشر بين ذكر وأنثى، أحد عشر ذكراً وأربع بنات. ‏أكبرهم سناً وقدراً الإمام مُحمّد بن عليّ المُلقب بـ الباقر. أمّه فاطمة بنت الإمام الحسن عليه السّلام أولدت له أربعة هم: ‏الحسن والحُسين ومُحمّد الباقر وعبد الله وبه كانت تكنى‎.‎
وله من الذّكور أيضاً زيد وعمر وأمهما أمّ ولد‎.‎
والحُسين الأصغر، وعبد الرّحمن وسليمان أمّهما أم ولد‎.‎
ومُحمّد الأصغر وعليّ الأصغر، وكان أصغر أولاده الذّكور‎.‎
وخديجة وفاطمة وعليّة وأم كُلّثوم أمّهن أم ولد‎.‎
وأما زيد بن عليّ الشّهيد فقد نشأ في بيت الإمام زين العابدين حفيد الإمام عليّ بن أبي طالب باب مدينة العلم، هذا ‏البيت الذي يعد مهد العلم والحكمة، تعلم فيه القُرآن الكريم فحفظه واتجه إلى الحديث الشّريف فتلقاه عن أبيه حتّى ‏أصبح بعد فترة واسع العلم والمعرفة، وبعد أن تركه والده في حدود الرّابعة عشرة من عمره تعهده أخوه الإمام الباقر ‏فزوده بكُلّ ما يحتاج من الفقه والحديث والتفسير حتّى أصبح من مشاهير عُلماء عصره ومرجعاً معروفاً لرواد العلم ‏والحديث والحكمة والمعرفة، سافر إلى البصرة عدّة مرّات وناظر علماءها ومنهم واصل بن عطاء رأس المعتزلة يوم ‏ذاك، ناظره في أصول العقائد‎.‎
وقد طلب هشام بن عبد الملك إلى الشّام وكان مجلسه حافلاً بأعيان أهل الشام وخاصّته، فقال له: بلغني أنك تؤهل ‏نفسك للخلافة وأنت ابن أمة، فأجابه زيد بن عليّ على الفور‎: ‎
ويلك يا هشام أمكان أمّي يضعني؟ والله لقد كان إسحاق ابن حرّة وإسماعيل بن أمة ولم يمنعه ذلك من أن بعثه الله نبيّاً ‏وجعل من نسله سيّد العرب والعجم مُحمّد بن عبد الله، إنّ الأمهات يا هشام لا يقعدن بالرّجال عن الغايات، اتق الله في ‏ذريّة نبيّك‎.‎
فغضب هشام، وقال: ومثلك يا زيد يأمر مثلي بتقوى الله؟
فردّ عليه زيد بقوله: إنّه لا يكبر أحد فوق أن يوصى بتقوى الله ولا يصغر دون أن يوصي بتقوى الله‎.‎
ومضى زيد في طريقه إلى الكوفة، ثمّ إلى البصرة، ثمّ أرسل رسائله ورسله إلى المدائن والموصل وغيرهما، ‏وانتشرت دعوته في سواد العراق ومدنه. ولما بلغ أمره هشام بن عبد الملك أرسل إلى واليه على العراق يوسف بن ‏عمر يأمره بمضايقة زيد ومطاردته. وحدثت معركة أصيب فيها زيد فدفنه أصحابه في مجرى ماء حتّى لا يصلب أو ‏يحرق، لكن ذلك لم يفده، أحدث قتله استياءً عاماً في المناطق الإسلاميّة جميعاً، وتجدّد البُكاء على أهل البيت ولف ‏الحزن كُلّ من يحبهم ويسير على خطاهم‎.‎
وممّن تحدثت عنهم كتب الأنساب من أولاد الإمام عليّ زين العابدين عبد الله بن عليّ الملقب بالباهر، حيث كان ‏فاضلاً فقيهاً روى عن آبائه وأجداده أحاديث كثيرة، روى بعضهم قال: سألت أبا جعفر الباقر: أي إخوانك أحبّ إليك ‏وأفضل؟ فقال: أمّا عبد الله فيدي التي أبطش بها. وأما عُمر فبصري الذي أبصر به، وأمّا زيد فلساني الذي أنطق به، ‏وأما الحُسين فحليم يمشي على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً وكان عبد الله يلي صدقات رسول الله ‏وصدقات أمير المؤمنين عليه السّلام، وأمّا عمر فقد كان ورعاً جليلاً وسخياً كريماً تولى صدقات جدّه عليه السّلام ‏واشترط على كُلّ من يبتاع ثمارها أن يثلم في الحائط ثلمة لكي تأكُلّ منها المارة ولا يرد أحداً عنها، ويروى عنه أنّه ‏قال‎: ‎
المفرط في حبّنا كالمفرط في بغضنا أنزلونا بالمنزل الذي أنزلنا الله به، ولا تقولوا فينا ما ليس بنا إن يعذبن الله فبذنوبنا ‏وإن يرحمنا فبرحمته وفضله علينا‎.‎
وأمّا ولده الحُسين بن عليّ عليه السّلام فإنه كان فاضلاً ورعاً، يروي عن أبيه عليّ بن الحُسين وعمته فاطمة بنت ‏الحُسين عليه السّلام التي أودعها الحُسين عند خروجه من المدينة إلى كربلاء وصيّته، كما روى عن أخيه أبي جعفر ‏الباقر، وقد عدّه الطّوسي في رجاله من أصحاب الباقر والصّادق عليهما السّلام‎.‎
والإمام مُحمّد بن عليّ زين العابدين المعروف بالباقر عاش سبعة وخمسين عاماً أدرك فيها جدّه الحُسين عليه السّلام ‏ولزمه نحواً من أربع سنوات، وعاش مع أبيه السّجاد بعد جدّه خمساً وثلاثين سنة، وفي طفولته كانت المحنة الكُبرى ‏التي حلّت بأهل البيت في كربلاء، واستشهد فيها جدّه الحُسين ومن معه من إخوته وبني عمه وأصحابه عليه السّلام ‏جميعاً، وتجرّع هو مرارتها وشاهد بعدها جميع الرّزايا والمصائب التي توالت على أهل بيته من قبل الحكام الطغاة، ‏الذين تنكروا للقيم والأخلاق وجميع المبادئ الإسلاميّة، وعاثوا فساداً في البلاد، ولم يتركوا رذيلة واحدة إلا مارسوها ‏بشتّى أشكالها ومظاهرها، في إسرافهم على ملذّاتهم ونواديهم القذرة الفاجرة‎.‎
في هذا الجو المشحون بالظلم والقهر والفساد عاش الإمام الباقر عليه السّلام وقد علمته الأحداث الماضية مع آبائه ‏وأجداده خذلان النّاس لهم في ساعات المحنة فقرر أن ينصرف عن السّياسة ومشاكُلّ السّياسيين ومؤامراتهم إلى خدمة ‏الإسلام ورعاية شؤون المُسلمين، عن طريق الدفاع عن أصول الدّين الحنيف ونشر تعاليمه وأحكامه، فناظر الفرق ‏التي انحرفت في تفكيرها واتجاهاتها عن الخط الإسلامي الصّحيح، كمسألة الجبر والإرجاء التي روّجها الحكام ‏لمصالحهم الشخصية. لقد فرضت عليه مصلحة الإسلام العُليا أن ينصرف إلى الدفاع عن القعيدة الإسلاميّة، فالتف ‏حوله العديد من العُلماء والكثير من طلاب العلم والحديث من الشّيعة وغيرهم‎.‎

اُمّه عليهما السلام
نحن بين يدي سيدة كريمة من سيدات نساء المُسلمين عفّة وشرفاً وطهارة، وهي السّيدة الجليلة شاه زنان، أم الإمام ‏زين العابدين عليه السّلام، وتحتل هذه السيدة الجليلة المكانة المرموقة في عالم المرأة المُسلمة، فقد كانت من سيدات ‏نساء عصرها، بل وفي الطليعة من سيدات نساء المُسلمين، وقد تحلّت بأوسمة شريفة كان من بينها‎: ‎
ألف - إنّها زوجة أبي الأحرار وسيد الشّهداء الإمام الحُسين عليه السّلام‎.‎
ب - إنّها أمّ الإمام زين العابدين وسيّد السّاجدين عليه السّلام
ت - إنّها جدّة الأئمة الطّاهرين من نسل الإمام زين العابدين عليه السّلام‎.‎
ث - إنّها الرّابطة المقدسة بين العرب والفرس، فهي حفيدة كسرى الملك العادل، ومفخرة ملوك الشرق الذي يقول فيه ‏النّبيّ صلّى الله عليه وآله - باعتزاز - ولدت في زمن الملك العادل كسرى‎..‎
وقد أكسبتها هذه الجهات شرفاً إلى شرفها، ومجداً إلى مجدها‎.‎

صفاتها النفسية
أمّا صفاتها النّفسية فكان البارز منها العفة، والطّهارة، والكمال، وسمو الآداب وحدة الذّكاء، ونظراً لما توفرت فيها من ‏النزعات الخيرة، والصفات الشّريفة، فقد بادر الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام إلى زواجها من ولده الإمام الحُسين ‏عليه السّلام، كما عهد إليه بالإحسان إليها، والبر بها‎....‎

كيفية إقتران أمّه بأبيه عليهما السّلام
روى جمع من المؤرخين والرّواة أن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام لما ولي الخلافة أرسل حريث بن جابر والياً ‏على جانب من المشرق فبعث إليه بابنتي يزدجر بن شهريار فنحل شاه زنان إلى ولده الإمام الحُسين عليه السّلام ‏فولدت له الإمام زين العابدين عليه السّلام، ونحل الأخرى إلى مُحمّد بن أبي بكر فولدت له القاسم، الفقيه‎.‎
أقوال شاذة
ذكر بعض المؤرخين أقوالاً شاذة فيما يتعلق بنسب السيدة شاه زنان وهي‎: ‎
الأوّل: إنها من بلاد السند‎.‎
الثّاني: إنها من سبي كابل‎.‎
وهذان القولان قد خالفا ما أجمع عليه الرّواة والمؤرخون من أنّها ابنة يزدجر ملك الفرس، وقد شاع ذلك حتّى في ‏عصر الإمام، وعرفه النّاس جميعاً، وفي ذلك يقول أبو الأسود الدؤلي المعاصر للإمام‎: ‎
وأن وليداً بين كسرى‎ ii‎وهاشم لأكرم من نيطت عليه‎ ii‎التّمائم
هو النّور نور الله موضع سره ومـنبع يـنبوع الإمامة‎ ii‎عالم‎ ‎
وقد أدلى الإمام زين العابدين عليه السّلام بذلك بقوله: أنا ابن الخيرتين وقد أشار عليه السّلام بذلك إلى الحديث النبوي ‏المستفيض: لله تعالى من عباده خيرتان: فخيرته من العرب قريش، ومن العجم فارس... وقال بعض المؤرخين: أن ‏عليّ بن الحُسين جمع بين النبوة والملك من ناحية أجداده‎.‎

اسمها الشّريف
وعُرفت السيدة أمّ الإمام عليه السّلام بشاه زنان، وهذا ليس اسماً لها، وإنما هو لقب لها، ومعناه في اللغة العربية ملكة ‏النساء أو سيدة النساء، أما اسمها الشريف فقد اختلف فيه المؤرخون، وفيما يلي بعض أقوالهم‎: ‎
‏1‏- ‎سلامة‎.‎
‏2‏- ‎سلافة‎.‎
‏3‏- ‎غزالة‎.‎
‏4‏- ‎سلمة‎.‎
‏5‏- ‎سادرة‎.‎
‏6‏- ‎شهربانويه‎.‎

عناية الحُسين بها عليهما السّلام
وأحاط الإمام الحُسين عليه السّلام زوجته السيدة شاه زنان بهالة من العناية والتكريم، وقدمها على بقية نسائه، وقد ‏وجدت هذه السيدة في كنف الإمام وتحت ظلاله من الاحتفاء والتكريم ما أنساها ما كانت فيه من الترف والنعيم أيام ‏ملك أبيها، وقد غذاها الإمام بتعاليم الإسلام، وروحانيته، حتّى زهدت بما كانت فيه من الملك والسّلطان، يقول السّيد ‏عبد العزيز سيّد الأهل‎: ‎
وعلّمها الحُسين عليه السّلام من تعاليم الإسلام ما أنساها قصور المدائن ومروج كابل‎....‎

وفاة أمّه عليهما السّلام
رحلت هذه السّيدة الجليلة إلى الدّار الآخرة والإمام زين العابدين عليه السّلام في المرحلة الأولى من طفولته، فقد ‏أصابتها بعد ولادتها حمّى النّفاس، وظلت ملازمة لها، واشتد بها الحال، وفتك بها المرض فتكاً ذريعاً وذبلت ‏نضارتها، وعادت كأنّها جثمان فارقته الحياة، وكانت تلقي نظرات مشفوعة بالألم والحسرات على طفلها الرّقيق الذي ‏لم ينتهل من نمير عطفها وحنانها‎.‎
واشتدت بها الحمى، وانتابتها آلام مُبرحة، وبقيت أياماً تعاني من شدة الأسقام حتّى صعدت روحها إلى السّماء كأسمى ‏روح صعدت إلى الله، وقد انطوت بموتها صفحة ناصعة من صفحات الفضيلة والعفة والحياء، وكُلّ ما تعتز به المرأة ‏من أدب وكمال... وقد رُزئت الأسرة النّبويّة بوفاة هذه السيدة الجليلة التي كانت تمثل الشرف والفضيلة، وقد جرى لها ‏تشييع حاشد ضم الإمام الحُسين وخيار المُسلمين وجماهير كثيرة من المُسلمين، وقد وارى جثمانها الشّريف في ‏الكوفة، وقد تألم الإمام الحُسين لفقد هذه السيدة التي عاشت بينهم أياماً كأيام الزّهور فلم يطل منها العهد‎.‎
لقد نكب الإمام زين العابدين عليه السّلام بوالدته وهو في أوّل مرحلة من مراحل طفولته، وكان ذلك إيذانا للمحن ‏والخطوب التي حلّت عليه‎.‎

النصّ على إمامته عليه السلام
يعتبر النّص على الإمام ضرورياً عند الشيعة الإماميّة في تعيين الإمام، ونفي الرّيب عنه، وقد تواترت النّصوص على ‏إمامة الإمام زين العابدين عليه السّلام، ونشير إلى بعضها‎: ‎
النّصّ الأوّل: إنّ الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله عيّن أوصياءه وخلفاءه الاثني عشر من بعده، وصرح بأسمائهم، ‏ومنهم الإمام زين العابدين عليه السّلام وقد تضافرت النصوص بذلك.منها: ما رواه أبو خالد الكابلي عن عليّ بن ‏الحُسين: إنّ أباه الحُسين قال له: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله فرايته مُفكراّ فقلت له: مالي أراك مفكراً؟ ‏قال: إنّ الأمين جبرائيل أتاني وقال: العلي الأعلى يُقرئك السّلام ويقول: قد قضت نبوّتك واستكملت أيّامك فاجعل الاسم ‏الأعظم وآثار النبوة عند عليّ بن أبي طالب، فإنّي لا أترك الأرض إلا وفيها عالم يعرف به طاعتي وولايتي، وإنّي لم ‏اقطع علم النّبوّة من الغيب من ذريّتك كما لم اقطعها من ذرّيات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم، ثم ذكر أسماء ‏الأئمة القائمين بالأمر بعد عليّ بن أبي طالب وهم: الحسن والحُسين ثمّ أولاد الحسين أوّلهم ابنه عليّ وآخرهم الحجة ‏بن الحسن‎. ‎
النّصّ الثّاني: إنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام قد نصّ على إمامة حفيده زين العابدين وذلك حينما حضرته الوفاة ‏فقد أوصى إلى ابنه الزّكي الإمام الحسن عليه السّلام وعيّنه من بعده، ودفع إليه مواريث الأنبياء، وأشهد على ذلك ولده ‏الإمام الحُسين ومُحمّد بن الحنفية وجميع أولاده ورؤساء شيعته، وقال للحسين: إنّك القائم بعد أخيك الحسن، وإنّ ‏رسول الله صلّى الله عليه وآله يأمرك أن تدفع المواريث من بعدك إلى ولدك زين العابدين، فإنّه الحجة من بعدك، ثمّ ‏أخذ بيد زين العابدين وكان طفلاً، وقال له: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله يأمرك أن توصي بالإمامة من بعدك إلى ‏ولدك مُحمّد الباقر، واقرأه من رسول الله ومنّي السّلام‎.‎
النّصّ الثّالث: إنّ الإمام الحُسين نصّ على إمامة ولده زين العابدين عليه السّلام، وعهد إليه بالإمامة من بعده، فقد ‏روى الزّهري قال: كنت عند الحُسين بن عليّ إذ دخل عليّ بن الحُسين الأًصغر - يعني زين العابدين - فدعاه الحُسين ‏وضمه إليه ضمّاً، وقبل ما بين عينيه، والتفت الزّهري إلى الإمام الحُسين فقال له‎: ‎
يا ابن رسول الله إن كان ما نعوذ بالله أن نراه فإلى من؟‎...‎
فقال الحُسين: عليّ ابني هذا هو الإمام أبو الأئمة‎...‎
وعن مُحمّد بن مسلم، قال: سألت الصّادق جعفر بن مُحمّد عليه السّلام عن خاتم الحُسين بن عليّ عليهما السّلام إلى من ‏صار؟ وذكرت له أني سمعت أنه اخذ من إصبعه فيما اُخذ، قال عليه السّلام: ليس كما قالوا، إنّ الحُسين عليه السّلام ‏أوصى إلى ابنه عليّ بن الحُسين عليه السّلام، وجعل خاتمه في إصبعه، وفوّض إليه أمره، كما فعله رسول الله صلّى ‏الله عليه وآله بأميرالمؤمنين عليه السّلام، وفعله أميرالمؤمنين بالحسن عليهما السّلام، وفعله الحسن بالحُسين عليهما ‏السّلام، ثمّ صار ذلك الخاتم إلى أبي عليه السّلام بعد أبيه، ومنه صار إلي فهو عندي وإنّي لالبسه كُلّ جمعة واُصلي ‏فيه، قال مُحمّد بن مُسلم: فدخلت إليه يوم الجمعة وهو يُصلّي، فلما فرغ من الصّلاة مدّ إليّ يده فرأيت في إصبعه خاتماً ‏نقشه: لا إله إلا الله عدّة للقاء الله، فقال: هذا خاتم جدّي أبي عبدالله الحُسين بن عليّ عليه السّلام‎.‎

مُدّة عُمره عليه السلام
‏57‏‎ ‎عاماً‎. ‎

مُدّة إمامته عليه السلام
‏35‏‎ ‎عاماً‎. ‎

أقوال معاصريه فيه عليه السلام
أدلى المعاصرون للإمام زين العابدين عليه السّلام من العُلماء، ومُختلف الشّخصيات بانطباعاتهم عن شخصيّته، وكُلّها ‏إكبار وتعظيم له سواء في ذلك من أخلص في الود أو أضمر له العداوة والبغضاء، وفيما يلي كُلّماتهم‏‎.‎
‏1‏- ‎جابر الأنصاري
وكان الصّحابي العظيم جابر بن عبد الله الأنصاري مُنقطعاً لأهل البيت عليهم السّلام ومن الموالين لهم، وقد أعرب ‏عن إعجابه البالغ بالإمام عليه السّلام قائلاً‎: ‎
‎ ‎ما رؤي في أولاد الأنبياء مثل عليّ بن الحُسين‎...‎
‏2‏- ‎عبد الله بن عباس
كان عبد الله بن عباس على جلالة شأنه وتقدمه في السّن يجلّ الإمام زين العابدين وينحني خضوعاً وتكريماً له، فإذا ‏رآه قام تعظيماً، ورفع صوته قائلاً: مرحباً بالحبيب الحبيب‎.‎
‏3‏- ‎الزّهري
كان مُحمّد بن مسلم القرشي الزّهري قد أدلى بمجموعة من الكُلّمات القيّمة أعرب فيها عما يتصف به عليه السّلام من ‏القيم الكريمة والمثل العظيمة، وهذه بعض كُلّماته‎: ‎
‎ ‎‏1‏- ‎ما رأيت هاشمياً مثل عليّ بن الحُسين‎...‎
‎ ‎‏2‏- ‎ما رأيت قرشياً أورع، ولا أفضل منه‎...‎
‎ ‎‏3‏- ‎ما رأيت قرشياً أفضل من عليّ بن الحُسين‎...‎
‎ ‎‏4‏- ‎لم أدرك بالمدينة أفضل منه‎.‎
‎ ‎‏5‏- ‎لم أدرك في أهل البيت رجلاً كان أفضل من عليّ بن الحُسين‎...‎
‎ ‎‏6‏- ‎ما كان أكثر مجالستي من عليّ بن الحُسين، ما رأيت أحداً أفقه منه‎.‎
‎ ‎‏7‏- ‎كان عليّ بن الحُسين أفضل أهل زمانه، وأحسنهم طاعة‎.‎
‎ ‎‏8‏- ‎ينادي مناد في القيامة ليقم سيّد العابدين في زمانه فيقوم عليّ بن الحُسين.. أشار بذلك إلى الحديث النبوي ‏المشهور: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش ليقم سيّد العابدين، فيقوم‎.‎
‎ ‎‏9‏- ‎سئل الزّهري عن أزهد النّاس في الدّنيا؟ فقال: عليّ بن الحُسين‎.‎
‎ ‎‏10‏- ‎قال سفيان بن عيينة: قلت للزّهري: لقيت عليّ بن الحُسين؟ قال: نعم لقيته، وما لقيت أحداً أفضل منه، والله ما ‏علمت له صديقاً في السّر، ولا عدواً في العلانيّة، فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: لأني لم أر أحداً، وإن كان يحبّه إلا وهو ‏لشدّة معرفته بفضله يحسده، ولا رأيت أحداً وإن كان يبغضه إلا وهو لشدّة مداراته له يداريه‎...‎
ومن المؤكد أنّ الزّهري لم يدل بهذه الكُلّمات إلا بعد اتصاله الوثيق بالإمام، ومعرفته التّامة بما اتصف به من المثل ‏العُليا والقيم الكريمة، وقد بلغ من إعجابه به أنه إذا ذكره بكى وقال: زين العابدين‎.‎
‏4‏- ‎سعيد بن المُسيب
وكان سعيد بن المسيب من الفُقهاء البارزين في يثرب، ويقول الرّواة: إنّه ليس من التّابعين من هو أوسع علماً منه، قد ‏صحب الإمام زين العابدين ووقف على ورعه، وشدة تحرجه في الدّين، وقد سجل ما رآه وبهر به من مثل الإمام بهذه ‏الكُلّمات‎: ‎
‎ ‎‏1‏- ‎ما رأيت أورع منه - أي من عليّ بن الحُسين‎ -...‎
‎ ‎‏2‏- ‎ما رأيت قط أفضل من عليّ بن الحُسين، وما رأيته قط إلا مقت نفسي، ما رأيته ضاحكاً يوماً قط‎...‎
‎ ‎‏3‏- ‎قال رجل لسعيد: ما رأيت أورع من فلان، فقال له سعيد: هل رأيت عليّ بن الحُسين؟ قال: لا. قال: ما رأيت أورع ‏منه‎...‎
‎ ‎‏4‏- ‎كان سعيد جالساً وإلى جانبه فتى من قريش فطلع الإمام زين العابدين فسأل القرشي سعيداً عنه، فأجابه سعيد‎: ‎
‎ ‎هذا سيّد العابدين عليّ بن الحُسين‎...‎
‎ ‎‏5‏- ‎ما رأيت أودع وأورع من زين العابدين عليّ بن الحُسين‎...‎
‏5‏- ‎زيد بن أسلم
كان زيد بن أسلم في طليعة فُقهاء المدينة، كما كان من المُفسرين للقرآن الكريم وقد اختصّ بالإمام زين العابدين عليه ‏السّلام، وبهر في فضله ورعه وتقواه وانطلق يعرب عن إعجابه البالغ بمثل الإمام وقيمه، وقد أدلى بعدة كُلّمات كان ‏منها ما يلي‎: ‎
‎ ‎‏1‏- ‎ما جالست في أهل القبة مثله - أي مثل عليّ بن الحُسين‎ -...‎
‎ ‎‏2‏- ‎ما رأيت مثل عليّ بن الحُسين فيهم - أي في أهل البيت‎ -...‎
‎ ‎‏3‏- ‎ما رأيت مثل عليّ بن الحُسين فهماً حافظاً‎...‎
ومعنى ذلك أنّ الإمام أفضل مُسلم، وأفضل هاشمي في عصره، كما أنه لم ير مثله في فهمه وسرعة إدراكه وحفظه، ‏وهذا مما تؤكد عليه الشّيعة من أنّ الإمام لابد أن يكون أفضل أهل عصره في العلم والعبقرية والمواهب‎.‎
‏6‏- ‎حماد بن زيد
أمّا حماد بن زيد فهو من أبرز فُقهاء البصرة، وكان من أئمة المُسلمين وقد اتصل بالإمام زين العابدين عليه السّلام، ‏وراح يبدي إعجابه بمثله قائلاً‎: ‎
‎ ‎‏1‏- ‎كان عليّ بن الحُسين أفضل هاشمي أدركته‎...‎
‏2‏- ‎لقد امتاز الإمام على جميع الهاشميين في عصره بسموّ آدابه وأخلاقه وكماله‎.‎
‏7‏- ‎يحيى بن سعيد
أما يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني فكان من كبار التابعين، ومن أفاضل الفُقهاء والعُلماء وقد صحب الإمام ‏وعرف فضله، وأدلى بحقّه هذه الكُلّمة القيمة‎: ‎
‎ ‎سمعت عليّ بن الحُسين وكان أفضل هاشمي رأيته‎...‎
لقد ساد الإمام عليه السّلام جميع الهاشميين بإيمانه وتقواه وغزارة علمه وفضله‏‎.‎
‏8‏- ‎مالك
قال مالك: لم يك في أهل البيت مثل عليّ بن الحُسين‎...‎
‏9‏- ‎أبو بكر بن البرقي
قال أبو بكر بن البرقي: كان عليّ بن الحُسين أفضل زمانه‎...‎
لقد كان الإمام أفضل أهل زمانه بعلمه وتقواه وطاعته لله، وليس أحد في عصره من يضارعه في كماله وسموّ ذاته‎.‎
‏10‏- ‎أبو زرعة
قال أبو زرعة: ما رأيت أحداً كان أفقه منه - أي من عليّ بن الحُسين‎ -.‎
‏11‏- ‎أبو حازم
قال أبو حازم: ما رأيت هاشمياً أفضل من عليّ بن الحُسين. وقال أيضاً: ما رأيت أفقه من عليّ بن الحُسين‎.‎
‏12‏- ‎أبو حاتم الأعرج
قال أبو حاتم الأعرج: ما رأيت هاشمياً أفضل من عليّ بن الحُسين‎.‎
‏13‏- ‎أبو حمزة الثمالي
قال ثابت بن أبي صفية، المشهور بأبي حمزة الثّقة المأمون: ما سمعت بأحد من النّاس كان أزهد من عليّ بن الحُسين ‏إلا ما بلغني من عليّ بن أبي طالب‎.‎
‎ ‎وقال مرة أخرى: ما سمعت بأحد قط كان أزهد من عليّ بن الحُسين إذا تكُلّم في الزهد ووعظ أبكى من بحضرته‎...‎
‏14‏- ‎الإمام الصّادق
قال حفيده الإمام الصّادق عليه السّلام: ما من ولده - أي ولد الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام- ولا أهل بيته أحد أقرب ‏شبهاً في لباسه وفقهه من عليّ بن الحُسين عليه السّلام‎.‎
‎ ‎لقد كان الإمام زين العابدين عليه السّلام أشبه النّاس بجده الإمام أمير المؤمنين في عبادته وعلمه وسائر مواهبه، فهو ‏صوره لذلك العملاق العظيم الذي أضاء سماء الدّنيا بعلومه ومعارفه‎.‎
‏15‏- ‎عمر بن عبد العزيز
وكان عمر بن عبد العزيز مُعاصراً للإمام زين العابدين عليه السّلام ويعرف سمو مكانته وقد التقى عليه السّلام به فلما ‏انصرف من عنده التفت عمر إلى أصحابه قائلاً: من أشرف النّاس؟‎.‎
فانبرى المرتزقة من أصحابه قائلين: أنتم‎...‎
فصارحهم بالحقيقة قائلاً‎: ‎
‎ ‎كلا إنّ أشرف النّاس هذا القائم - يعني الإمام زين العابدين - من عندي، من أحب النّاس أن يكونوا منه، ولم يحب أن ‏يكون من أحد‎...‎
‏16‏- ‎يزيد بن معاوية
ولم يقتصر الاعتراف بالفضل للإمام زين العابدين على شيعته، وإنما تعدى إلى أعدائه ومبغضيه، فهذا يزيد بن ‏معاوية الذي هو من ألد أعداء أهل البيت عليهم السّلام قد اعترف بمواهبه وعبقرياته وذلك حينما ألح عليه أهل الشام ‏في أن يخطب الإمام، فأبدى الطّاغية مخاوفه منه قائلاًً‎: ‎
‎ ‎إنه من أهل بيت زقوا العلم زقاً إنه لا ينزل إلا بفضيحتي، وفضيحة آل أبي سفيان‎...‎
وقد أعرب بذلك عن مقدرات الإمام العلمية ومواهبه الخطابية، وأنه يملك من قوة البيان وروعة الاستدلال ما يستطيع ‏به أن يغير الموقف في غير صالح حكومته‎.‎
‏17‏- ‎عبد الملك بن مروان
وهذا عدو آخر من أعداء أهل البيت وهو عبد الملك بن مروان قد اعترف بفضل الإمام وذلك حينما التقى به، ورأى ‏ذبوله من كثرة العبادة فقال له منبهراً‎: ‎
‎ ‎لقد بان عليك الاجتهاد، ولقد سبق لك من الله الحسنة، وأنت بضعة من رسول الله صلّى الله عليه وآله قريب النّسب، ‏وكيد السّبب، وإنّك لذو فضل عظيم على أهل بيتك وعصرك، ولقد أوتيت من الفضل والعلم، والدين والورع ما لم ‏يؤت أحد مثلك، ولا قبلك إلا من مضى من سلفك‏‎....‎
‏18‏- ‎المنصور الدوانيقي
وثمة عدو آخر لأهل البيت عليهم السّلام قد أشاد بفضل الإمام عليه السّلام وهو المنصور الدوانيقي، فقد قال في ‏رسالته التي بعثها إلى ذي النفس الزكية: ولم يولد فيكم. أي العلويين - بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله مولود ‏مثله - أي مثل زين العابدين‎.‎
‏19‏- ‎الفرزدق
وكان الفرزدق شاعر العرب الأكبر ممن غمرته قيم الإمام زين العابدين عليه السّلام وآمن بسمو ذاته وقداسته، وقد ‏انبرى في رائعته الخالدة التي ارتجلها للإشادة بمواهب الإمام وسائر نزعاته وصفاته، وذلك حينما أنكر الطّاغية هشام ‏معرفته أمام أهل الشّام لئلا يفتتنوا بمعرفته، فعرفه الفرزدق لهم بقوله‎: ‎
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والـبيت يعرفه والحل والحرم
هـذا ابـن خير عباد الله‎ ii‎كُلّهم هـذا التّقي النّقي الطّاهر‎ ii‎العلم
إذ رأتـه قـريش قـال‎ ii‎قائلها إلـى مـكارم هذا ينتهي‎ ii‎الكرم‎ ‎
إلى آخر القصيدة‎.‎
لقد كان الإمام أعظم صورة رآها الفرزدق في دنيا الشّرف والفضائل فهام بحبّه والولاء له، وسنذكر تمام هذه القصيدة ‏في البحوث الآتية‎.‎
‏20‏- ‎الحميري
أمّا السّيد الحميري فقد وقف مواهبه لأهل البيت الذين هم معدن الرحمة والفضيلة في الأرض، فلم يترك مأثرة من ‏مآثرهم، ولا فضيلة من فضائلهم إلا نظمها في البديع من شعره، وقد مدح الإمام زين العابدين عليه السّلام بهذا البيت‎: ‎
ورابعهم عليّ ذو المساعي بـه لـلدين والدّنيا‎ ii‎قوام‎ ‎
‏21‏- ‎ابن شهاب‏
قال ابن شهاب: ما رأيت قرشياً أفضل من عليّ بن الحُسين‎.‎
‏22‏- ‎ابن زيد
قال، كان أبي يقول: ما رأيت مثل عليّ بن الحُسين أعظم قط‎.‎
هؤلاء بعض المعاصرين للإمام عليه السّلام بما فيهم من محبين ومبغضين له قد أجمعوا على أنّ الإمام صرح من ‏صروح التقوى والعلم في الإسلام‎.‎

آراء العلماء من المؤرخين والمحدثين
أمّا المؤرخون على اختلاف أفكارهم وميولهم فقد اتفقوا على تبجيل الإمام عليه السّلام وتعظيمه، وأنه قد أوتي من ‏المواهب والعبقريات ما رفعته إلى قمة الشّرف التي انتهى إليها العُظماء من آبائه، وفيما يلي بعض ما قالوه‎: ‎
‏1‏- ‎ابن عساكر
قال الحافظ أبو القاسم عليّ بن الحسن الشافعي المعروف بابن عساكر في ترجمة الإمام عليه السّلام: كان عليّ بن ‏الحُسين ثقة مأموناً، كثير الحديث، عالياً رفيعاً ورعاً.. لقد اتفق ابن عساكر مع ابن سعد في إضفاء هذه الصّفات ‏الرفيعة على الإمام عليه السّلام‎.‎
‏2‏- ‎ابن حجر العسقلاني
قال ابن حجر العسقلاني: عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب، زين العابدين، ثقة ثبت، عابد، فقيه، فاضل، ‏مشهور، قال ابن عيينة عن الزّهري: ما رأيت قرشياً أفضل منه‎.‎
‏3‏- ‎ابن حجر الهيثمي
قال شهاب الدّين أحمد بن حجر الهيثمي: وزين العابدين هذا هو الذي خلف أباه علماً وزهداً وعبادة.. وأضاف يقول: ‏وكان زين العابدين عظيم التجاوز والعفو والصّفح.. لقد كان زين العابدين قد خلف أباه وورث أعز صفاته من العلم ‏والزهد والعبادة مُضافاً إلى ما كان يتمتع به من عظيم التّجاوز والعفو عمن أساء إليه‎.‎
‏4‏- ‎مُحمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي‎ ‎
قال: كانت له - أي لزين العابدين - جلالة عجيبة وحق له، والله ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى؛ لشرفه وسؤدده ‏وعلمه وتألهه وكمال عقله... في الإسلام‎.‎
‏5‏- ‎أبو الفتح
قال أبو الفتح بن صدقة: الإمام عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين المعروف بزين ‏العابدين، وهو أحد الأئمة الاثني عشر، ومن سادات التّابعين‎...‎
‏6‏- ‎أبو نعيم
قال الحافظ أبو نعيم: عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام زين العابدين، ومنار القانتين، كان عابداً ‏وفياً، وجواداً حفيّاً‎...‎
لقد تحدث أبو نعيم عن بعض الصّفات الماثلة في الإمام من العبادة والوفاء والسّخاء‎.‎
‏7‏- ‎اليعقوبي
قال أحمد بن أبي يعقوب: كان - أي الإمام زين العابدين - أفضل النّاس، وأشدهم عبادة، وكان يُسمى زين العابدين، ‏وكان يُسمى أيضاً ذا الثّفنات، لما كان في وجهه من أثر السّجود‎...‎
لقد كان الإمام زين العابدين من أفضل النّاس، وأعظمهم شأناً، وأكثرهم عبادة وطاعة لله‎.‎
‏8‏- ‎الواقدي
قال الواقدي: كان - أي زين العابدين - من أورع النّاس، وأعبدهم وأتقاهم لله عزّ وجل، وكان إذا مشى لا يخطر بيده‎...‎
‏9‏- ‎صفي الدّين
قال صفي الدّين: كان زين العابدين عظيم الهُدى والسّمت الصّالح، وقد أخرج الخطيب في جامعه عن ابن عباس: إنّ ‏النّبيّ صلّى الله عليه وآله قال: إنّ الهُدى والسّمت الصّالح، والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النّبوّة‎...‎
‏10‏- ‎النّووي
قال النّووي: وأجمعوا على جلالته - أي الإمام زين العابدين - في كُلّ شيء‎...‎
لقد أجمع المُسلمون على تعظيم الإمام وإكباره وذلك لما يتمتع به من الصّفات الرّفيعة التي هي موضع الاعتزاز ‏والفخر لجميع المُسلمين‎.‎
‏11‏- ‎عماد الدّين
قال الدّاعي عماد الدّين إدريس القرشي: كان الإمام عليّ بن الحُسين زين العابدين أفضل بيت رسول الله صلّى الله عليه ‏وآله وأشرفهم بعد الحسن والحُسين عليهم جميعاً الصّلاة والسّلام، وأكثرهم ورعاً وزهداً وعبادة‎.‎
‏12‏- ‎ابن عنبة
قال النّسابة الشّهير ابن عنبة: وفضائله - أي فضائل الإمام زين العابدين - أكثر من أن تُحصى أو يحيط بها الوصف.. ‏إنّ مآثر الإمام زين العابدين وفضائله لا يحيط بها الوصف، ولا تُحصى، فقد كانت مآثره امتداداً ذاتياً لسيرة آبائه الذين ‏أضاءت هذه الدّنيا بمآثرهم وفضائلهم‎.‎
‏13‏- ‎الشّيخ المفيد
قال الشّيخ المفيد: كان عليّ بن الحُسين أفضل خلق الله بعد أبيه علماً وعملاً وقد روى عنه فُقهاء العامّة من العُلوم ما لا ‏يحصى كثرة، وحفظ عنه من المواعظ والأدعية، وفضائل القران والحلال والحرام والمغازي والأيام ما هو مشهور ‏بين العُلماء‎....‎
لقد كان الإمام زين العابدين عليه السّلام ثروة من ثروات الفكر الإسلامي، فأشاع العُلوم والمعارف في دُنيا الإسلام، ‏وقد روى عنه العُلماء، والفُقهاء أحكام الإسلام وآداب الشّريعة وغير ذلك من مُختلف الفُنون‎.‎
‏14‏- ‎الجاحظ
قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: وأمّا عليّ بن الحُسين فلم أر الخارجي في أمره إلا كالشّيعي، ولم أر الشّيعي إلا ‏كالمُعتزلي، ولم أر المُعتزلي إلا كالعامّي ولم أر العامّي إلا كالخاصّي، ولم أجد أحداً يتمارى في تفضيله، ويشكّ في ‏تقديمه‎...‎
ومعنى ذلك أنّ المُسلمين على اختلاف أفكارهم واتجاهاتهم قد أجمعوا على تعظيم الإمام والاعتراف له بالفضل، ‏وإعلان المودة والولاء له‎.‎
‏15‏- ‎الشّراوي
قال الشّراوي: كان - أي الإمام زين العابدين - رضي الله عنه عابداً زاهداً، ورعاً، متواضعاً، حسن الأخلاق‎...‎
وهذه الصّفات هي التي رفعت الإمام إلى قمّة المجد، وجعلت النّاس قد هاموا بحبّه وبالإخلاص له‎.‎
‏16‏- ‎القليوبي
قال أحمد القليوبي الشّافعي: فضائله - أي فضائل الإمام - أكثر من أن تُحصى، أو يحيط بها الوصف‎...‎
‏17‏- ‎ابن تيمية
وحتّى ابن تيمية قد اعترف بفضل الإمام وسمو منزلته ومكانته قال: أمّا عليّ بن الحُسين، فمن كبار التّابعين وساداتهم ‏علماً وديناً.. وله من الخُشوع وصدقة السرّ وغير ذلك من الفضائل ما هو معروف‎...‎
‏18‏- ‎الشّيخاني
قال الشّيخاني القادري: سيدنا زين العابدين عليّ بن الحُسين بن أبي طالب اشتهرت أياديه ومكارمه، وطارت بالجو في ‏الجود محاسنه عظيم القدر، رحب السّاحة والصّدر، وله الكرامات الظّاهرة ما شوهد بالأعين النّاظرة، وثبت بالآثار ‏المُتواترة‎...‎
لقد تحدثت الرّكبان عن فضائل الإمام زين العابدين ومآثره ومناقبه، واشتهر بين النّاس مكارمه وفضائله، مُضافاً لذلك ‏ما منحه الله من الكرامات التي يمنحها المُخلصين من عباده‎.‎
‏19‏- ‎ابن خلكان
قال ابن خلكان: هو - أي الإمام زين العابدين - أحد الأئمة الاثني عشر، ومن سادات التّابعين، قال الزّهري: ما رأيت ‏قُرشياً أفضل منه‎.‎
‏20‏- ‎ابن شدقم
قال ابن شدقم: الإمام الحبر، الزّاهد عليّ بن الحُسين زين العابدين‎...‎
‏21‏- ‎المنوفي
قال السّيد محمود المنوفي: كان زين العابدين عابداً، وفياً، وجواداً صفياً وكان إذا مشى لا تجاوز يده فخذه‎....‎
‏22‏- ‎أبو الفتوح
قال أبو الفتوح الحُسيني: كان الذّكر الخلد، والاشتهار لعلي الأوسط زين العابدين المُلقب بالسّجاد.. وهو أوّل سبط من ‏أسباط الحُسين ورابع معصوم على رأي الاثني عشريّة، وزاهد على رأي غيرهم‎...‎
‏23‏- ‎المناوي
قال المناوي: زين العابدين إمام سند اشتهرت أياديه ومكارمه، وطارت بالجو في الوجود حمائمه، كان عظيم القدر، ‏رحب السّاحة والصّدر، رأساً لجسد الرّياسة، مؤملاً للإيالة والسّياسة‎...‎
إنّ الصّفات العظيمة التي اتصف بها الإمام عليه السّلام رشحته بإجماع المُسلمين إلى الإمامة والقيادة العامّة، وإدارة ‏شؤون المُسلمين، فليس في عصره من يدانيه أو يشابهه في نزعاته الخيرة وملكاته العظيمة‎.‎
‏24‏- ‎مُحمّد بن طلحة
قال كمال الدّين مُحمّد بن طلحة القرشي الشّافعي: هذا زين العابدين، قدوة الزّاهدين وسيد المُتقين، وإمام المؤمنين، ‏شيمته تشهد له أنّه من سلالة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وسمته يثب قربه من الله، وثفناته تسجل له كثرة صلاته ‏وتهجده، وإعراضه عن متاع الدّنيا ينطق بزهده فيها، درت له أخلاف التّقوى فتفوقها وأشرقت له أنوار التأبيد فاهتدى ‏بها، وألفته أوراد العبادة فآنس بصحبتها، وحالفته وظايف الطّاعة فتحلّى بحليتها، طالما اتخذ الليل مطية ركبها لقطع ‏طريق الآخرة، وظمأ الهواجر دليله استرشد به في منارة المُسافر، وله من الخوارق والكرامات ما شوهد بالأعين ‏الباصرة، وثبت بالآثار المُتواترة أنّه من ملوك الآخرة‎...‎
‏25‏- ‎مُحمّد بن سعد
قال مُحمّد بن سعد: كان - أي الإمام زين العابدين - ثقة مأموناً، كثير الحديث عالياً، رفيعاً، ورعاً‎...‎
‏26‏- ‎السّيد عباس الموسوي
قال السّيد عباس الموسوي: كان زين العابدين أحسن النّاس وجهاً، وأطيبهم ريحاً، وأكرمهم نفساً، وأعلاهم حسباً، ‏وأعظمهم شرفاً‎...‎
‏27‏- ‎السّيد مُحسن الأمين العاملي
قال السّيد مُحسن الأمين العاملي: كان - أي الإمام زين العابدين - أفضل أهل زمانه، وعلمهم، وأفقههم، وأورعهم، ‏وأعبدهم، وأكرمهم، وأحلمهم، وأصبرهم، وأفصحهم، وأحسنهم أخلاقاً، وأكثرهم صدقة، وأرافهم بالفقراء، وأنصحهم ‏للمُسلمين، كان مُعظّماً عند القريب والبعيد، والولي والعدو، حتّى أن يزيد بن معاوية لما أمر أن يبايعه أهل المدينة ‏على أنهم عبيد وخول لم يستثن من ذلك إلا عليّ بن الحُسين فأمر أن يبايعه على أنّه أخوه وابن عمه‎...‎
لقد اتصف الإمام عليه السّلام بجميع الصّفات العظيمة فما من فضيلة يمتاز بها الإنسان ويشرف بها إلا وهي من ‏صفاته وفضائله فهو كما قيل‎: ‎
خُلقت مُهذباً من كُلّ عيب كأنّك قد خلقت كما‎ ii‎تشاء‎ ‎
‏28‏- ‎النّويري
قال شهاب الدّين أحمد بن عبد الوهاب النّويري: كان عليّ بن الحُسين رحمه الله ثقة ورعاً، مأمونا، كثير الحديث من ‏أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة‎...‎
‏29‏- ‎الشّافعي
قال مُحمّد بن إدريس الشّافعي: إنّ عليّ بن الحُسين أفقه أهل المدينة‎...‎
‏30‏- ‎عليّ بن عيسى الأربلي
قال أبو الحسن عليّ بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي: مناقب الإمام عليّ بن الحسن تكثر النّجوم عدداً، ويجير واصفها ‏إلى حيث لا مدى، وتلوح في سماء المناقب كالنّجوم لمن بها اهتدى، وكيف لا وهو يفوق العالمين إذا عدت علياً ‏وفاطمة والحسن والحُسين ومحمداً.‏
‏31‏- ‎البُستاني
قال البُستاني: زين العابدين هو أبو الحسن عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب، ولكثرة عبادته لقلب بزين العابدين، ‏ولقب أيضاً بسيّد العابدين، والزّكي والأمين، وذي الثّفنات‎...‎
‏32‏- ‎مُحمّد فريد وجدي
قال مُحمّد فريد وجدي: زين العابدين هو أبو الحسن عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب، المعروف بزين العابدين، ‏ويقال له عليّ الأًصغر، وليس للحُسين بن عليّ عقب إلا من ولد زين العابدين.. هو أحد الأئمة الاثني عشر في مذهب ‏الإمامية، كان من سادات التّابعين ورؤسائهم‎...‎
‏33‏- ‎آغا بزرك الطّهراني
قال شيخ المُحققين الشّيخ مُحمّد حسن الشّهير بآغا بزرك الطّهراني: الإمام زين العابدين، وسيّد السّاجدين عليّ بن ‏الحُسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام رابع أئمة الشّيعة الإماميّة، الذي اتفق مؤرخو الإسلام على أنّه من أشهر ‏رجال التّقوى، والزّهد والعبادة‎... ‎
‏34‏- ‎ابن الجوزي
قال ابن الجوزي: هذا زين العابدين، وقدوة الزّاهدين، وسيّد المُتّقين، وإمام المؤمنين، شيمته تشهد له أنّه من سلالة ‏رسول الله صلّى الله عليه وآله وسمته يثبت مقام قُربه من الله زلفى، وثفناته تسجل كثرة صلاته وتهجده، وإعراضه ‏عن متاع الدّنيا ينطق بزهده‎...‎
‏35‏- ‎تاج الدّين
قال تاج الدّين بن مُحمّد بن حمزة الحُسيني نقيب حلب: كان عليّ بن الحُسين سيّد بني هاشم، وموضع علمهم، والمشار ‏إليه منهم‎...‎
‏36‏- ‎عارف تامر
قال عارف تامر: اشتهر - أي الإمام زين العابدين - بالزّهد والعبادة ولم يك يوجد من يماثله في هذه الصّفات، ولذلك ‏لقب بزين العابدين والسّجاد‎.‎
‏37‏- ‎الزّركلي
قال خير الدّين الزّركلي: عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب، الهاشمي القرشي، أبو الحسن، المُلقب بزين العابدين: ‏رابع الأئمة الاثني عشر عند الإماميّة، وأحد من كان يضرب بهم المثل في الحلم والورع، يقال له عليّ الأصغر ‏للتّمييز يبنه وبين أخيه عليّ الأكبر‎...‎
‏38‏- ‎أحمد محمود صبحي
قال الدّكتور أحمد محمود صبحي: هذا هو عليّ بن الحُسين، ورث إمامته من انتسابه إلى فاطمة الزّهراء، ورسم ‏للشّيعة طريق الإمامة الرّوحيّة، وطبع التّشيع بطابع الحزن المُقيم، والبكاء المُتصل على الحُسين، وعكف على العبادة، ‏فسمّي بالسّجاد، وكني بزين العابدين، وانتسب إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله والى كسرى فعرف بابن الخيرتين‎...‎
ولابدّ لنا من وقفة قصيرة مع الدّكتور أحمد صبحي فيما أفاده، فقد ذكر أن الإمام زين العابدين عليه السّلام قد ورث ‏الإمامة من جهة انتسابه إلى جدّته فاطمة الزّهراء سيّدة نساء العالمين فإنّ ذلك لا واقع له لأنّ الإمامة ليست خاضعة ‏لعملية المواريث، وإنّما هي خاضعة للنّص، وهي بيد الله تعالى فهو الذي يختار لهذا المنصب الرّفيع من يشاء من ‏عباده ممّن تتوفر فيه النّزعات الخيرة والصّفات العظيمة، وهذا هو ما تذهب إليه الشّيعة، وتدلل عليه في كتبهم ‏الكُلامية، كما أنّ الإمام زين العابدين عليه السّلام ليس هو الذي طبع التّشيع بطابع الحزن على الإمام الحُسين سيّد ‏شباب أهل الجنّة، وإنّما كانت رزية كربلاء التي تذوب من هولها القُلوب هي التي طبعت التّشيع بعالم الأسى والحزن، ‏وكان الإمام زين العابدين في طليعة المُتأثّرين بها؛ لأنّه شاهد فصولها الحزينة‎.‎
‏39‏- ‎أحمد فهمي
قال الشّيخ أحمد فهمي: كان - أي الإمام زين العابدين - أفضل أهل زمانه، وأعلمهم، وأفقههم، وأورعهم، وأعبدهم، ‏وأكرمهم، وأحلمهم، وأفصحهم لساناً، وأكرمهم حساباً، يحدب على الفُقراء ويعين الضّعفاء‎...‎
‏40‏- ‎حسين عليّ محفوظ
قال الدّكتور حسين عليّ محفوظ: كان زين العابدين أفضل خلق الله - بعد أبيه - علماً وعملاً، وكان أقرب أهل البيت ‏عليهم السّلام شبهاً بأمير المؤمنين في لباسه وفقهه وعبادته‎...‎

إخباره بالمغيّبات عليه السّلام
وكان من دلائل إمامته إخباره بوقوع بعض الأحداث في المستقبل، وقد تحققت بعد عشرات السّنين كما أخبر عنها، ‏وتعتبر هذه الظّاهرة - عند الشّيعة الإماميّة - من دلائل الإمامة، فإنّ الإخبار عن المغيبات من مكنونات علم الله تعالى، ‏ولا يمنحها إلا لأنبيائه وأوصيائهم، وممن خصّه بهذه الفضيلة الإمام زين العابدين عليه السّلام، فقد أخبر عن كثير من ‏الملاحم التي تحقّقت بعده، وكان من بينها‎: ‎
‏1‏- ‎إخباره بشهادة زيد
من الملاحم التي أخبر عنها الإمام عليه السّلام أنه أخبر عن شهادة ولده الشّهيد العظيم زيد، فقد روى أبو حمزة الثّمالي ‏قال: كنت أزور عليّ بن الحُسين في كُلّ سنة مرّة وقت الحج، فأتيته سنة، وكان على فخذه صبي فقام عنه، واصطدم ‏بعتبة الباب فخرج منه دم، فوثب إليه الإمام، وجعل ينشف دمه، وهو يقول له‎: ‎
‎ ‎إني أعيذك بالله أن تكون المصلوب بالكناسة‎....‎
وبادر أبو حمزة قائلاً‎: ‎
‎ ‎بأبي أنت وأمي أي كناسة؟‎...‎
‎ ‎كناسة الكوفة‎...‎
‎ ‎جعلت فداك أيكون ذلك؟‎..‎
‎ ‎أي والذي بعث مُحمّداً بالحق إن عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية الكوفة مقتولاً، مدفوناً، منبوشاً، مصلوباً ‏بالكناسة، ثمّ ينزل فيُحرق، ويدق ويذرى في البر‎...‎
وبهر أبو حمزة وراح يسأل عن اسم هذا الغلام قائلاً‎: ‎
‎ ‎جعلت فداك ما اسم هذا الغلام؟‎...‎
‎ ‎زيد‎..‎
وتحقق كُلّ ما أخبر به الإمام فلم تمض حفنة من السّنين حتّى ثار زيد الشّهيد الذي هو من ألمع الثّائرين الأحرار، فقد ‏ثار في وجه الطّغيان الأموي مطالباً بتحقيق العدالة الإسلاميّة، وتحقيق حقوق الإنسان فأجهزت عليه القوى الظّالمة ‏فأردته قتيلاً وانبرى بعض أنصاره فدفنه، إلاّ أنّ الحكومة الأمويّة أخرجته من قبره، وصلبته، في كناسة الكوفة، وبقي ‏أربع سنين مصلوباً على جذع وهو ينير للنّاس طريق الحرية والشّرف والكرامة، ثمّ أنزلوه بعد ذلك وأحرقوه، وذروا ‏قسماً من رماده في ماء الفرات ليشربه النّاس حسبما يقول الأمويون‎.‎
لقد تحقّق جميع ما أخبر به الإمام في شأن ولده العظيم، ومن المؤكد أنّ ذلك من علائم الإمامة ودلائلها‎.‎
‏2‏- ‎إخباره عن حكومة عمر بن عبد العزيز
من الملاحم التي أخبر عنها الإمام عليه السّلام أنّه أخبر عن عمر بن عبد العزيز وأنه سيلي أمور المُسلمين ولا يلبث ‏إلاّ يسيراً حتّى يموت وتحقّق ذلك فقد ولي عمر الخلافة وبقي زمناً يسيراً ووافاه الأجل المحتوم‎.‎
‏3‏- ‎إخباره عن حكومة العباسيين
وأخبر عليه السّلام عن حكومة العباسيين، وقد استشف من وراء الغيب أنّ حكمهم يقوم على الظّلم والجور وعلى ‏الفسق والفساد، وسيخرجون المُسلمين عن دينهم، وستثور عليهم كوكبة من العلويين مُطالبين بتحقيق العدل والحق بين ‏النّاس، وأنّهم سينالون الشّهادة على أيدي أولئك الطّغاة، وهذا نص حديثه: روى الإمام أبو جعفر عن أبيه أنّه قال: أمّا ‏أنّ في صُلبه - أي صُلب ابن عباس - وديعة ذريّة لنار جهنّم وسيخرجون أقواماً من دين الله أفواجاً، وستصبغ الأرض ‏من فراخ آل مُحمّد صلّى الله عليه وآله تـنهض تلك الفراخ في غير وقت، وتطلب غير مدرك، ويرابط الذين آمنوا، ‏ويصبرون حتّى يحكم الله‎.‎
لقد ثارت كوكبة من العلويين المجاهدين على طغاة بني العباس، فقد رفع علم الثورة مُحمّد وإبراهيم على المنصور ‏الدّوانيقي الذي هو أعتى ملك في تاريخ هذا الشّرق، وكذلك ثار الحُسين بن عليّ صاحب واقعة الفخ على الهادي ‏العباسي، وثار على غير هؤلاء من أبناء الرّسول صلّى الله عليه وآله وقد رفعوا راية الحرية والكرامة مُطالبين ‏بحقوق المظلومين والمُضطهدين، وقد سقوا بدمائهم الزّكيّة شجرة الإسلام التي جهد العباسيون الأقزام على قلعها‎.‎
هذه الملاحم التي أخبر الإمام زين العابدين عليه السّلام عن وقوعها، وقد تحققت كما أخبر عليه السّلام‎.‎
لقد منح الله زين العابدين العلم الذي لا يحد كما وهب آباءه، وكان عليه السّلام يكتم علومه، ولا يذيعها بين النّاس لئلا ‏يفتتن به الجهال وقد أعلن ذلك بقوله‎: ‎
إنـي لأكـتم من علمي‎ ii‎جواهره كيلا يرى الحق ذو جهل‎ ii‎فيفتتنا
يـا ربّ جوهر علم لو أبوح‎ ii‎به لـقيل لي أنت ممن يعبد‎ ii‎الوثنا
ولاسـتحل رجال مسلمون‎ ii‎دمي يـرون أقـبح مـا يأتونه‎ ii‎حسنا
وقـد تـقدم فـي هذا أبو‎ ii‎حسن إلى الحُسين وأوصى قبله الحسنا‎ ‎

إخوته وأخواته عليه السلام
كان للإمام عليّ بن الحُسين عليهما السّلام إخوة هم: عليّ الأكبر، وعبد الله الرّضيع. وقد قتل عليّ الأكبر مع أبيه في ‏كربلاء، ولا بقية له، وأمّه كانت آمنة بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، وأمها بنت أبي سفيان بن حرب‎.‎
أما عبد الله الرّضيع فأمّه الرّباب بنت امرئ القيس، وقد قُتل أيضاً مع أبيه وأخيه يوم الطّف‎.‎
وكان له أختان أيضاً: سكينة وفاطمة، فسكينة أمّها الرّباب ابنة امرئ القيس، وأمّا فاطمة فأمّها أمّ إسحاق بن طلحة بن ‏عبيد الله‎.‎
ويكفي في جلالتهما كلام الإمام الحُسين عليه السّلام مع ابن أخيه الحسن بن الإمام الحسن عليه السّلام لما جاء إليه ‏خاطباً إحدى ابنتيه: أمّا سُكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله، فلا تصلح لرجل. فأختار لك فاطمة فهي أكثر شبهاً ‏بأمّي فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله: أمّا في الدّين فتقوم الليل كُلّه وتصوم النّهار. وفاتها في المدينة سنة ‏‏117هـ عن أكثر من سبعين سنة‎.‎

نقش خاتمه عليه السلام
نقل إنّ نقش خاتمه عليه السّلام هو: و ما توفيقي إلا بالله‎.‎
وقال الكفعمي: لكُلّ غم حسبي الله‎.‎
وفي حلية الأولياء عن الباقر عليه‏السّلام: القوة لله جميعاً‎.‎
‎ ‎وفي رواية عن الباقر عليه‏السّلام: العزّة لله‎.‎
وعن الصّادق عليه‏السّلام: الحمد لله العلي‎.‎
وعن الكاظم عليه‏السّلام: خزي و شقي قاتل الحُسين بن عليّ‎.‎
و كان نقش خاتم الحُسين عليه السّلام: إنّ الله بالغ أمره. وكان عليّ بن الحُسين عليهما السّلام يتختم بخاتم أبيه الحُسين ‏عليه السّلام. و لعلّه كان له عدّة خواتيم بهذه النّقوش‎.‎

شاعره‎ عليه ‏السّلام
‎ ‎الفرزدق وكثيرعزة‎.‎

ملوك عصره عليه ‏السّلام
عاصر الإمام عليه السّلام يزيد بن معاوية، ومعاوية بن يزيد، ومروان بن الحكم، وعبد الملك بن مروان والوليد بن ‏عبد الملك‎.‎
ومن الولاة: الحجاج بن يوسف الثّقفي، وعبيد الله بن زياد، وهشام بن إسماعيل والي المدينة‎. ‎

الأئمة الذين عاصرهم عليهما ‏السّلام
عاصر الإمام عليّ عليه السّلام وله من العمر سنتان، والإمام الحسن عليه السّلام عشر سنين، ومع أبيه الإمام الحُسين ‏عليه السّلام ثلاثة وعشرون سنة‎.‎

عبادته عليه السلام
أجمع المُسلمون على أنّ الإمام زين العابدين عليه السّلام كان من أعبد النّاس، وأكثرهم طاعة لله تعالى، ولم ير النّاس ‏مثله في عظيم إنابته وعبادته، وقد بر الُمتقون والصّالحون، وحسبه أنّه وحده في تاريخ الإسلام قد لقب بزين العابدين ‏وسيّد السّاجدين‎.‎
أمّا عبادته عليه السّلام فلم تكن تقليديّة، وإنّما كانت ناشئة عن إيمانه العميق بالله تعالى، وكمال معرفته به، فقد عبده لا ‏طمعاً في جنته، ولا خوفاً من ناره وإنّما وجده أهلاً للعبادة فعبده، شأنه في ذلك شأن جدّه الإمام أمير المؤمنين وسيّد ‏العارفين وإمام المُتقين، الذي عبد الله عبادة الأحرار، وقد اقتدى به حفيده العظيم زين العابدين عليه السّلام وقد أعرب ‏عن عظيم إخلاصه في عبادته، فقال: إنّي أكره أن أعبد الله، ولا غرض لي إلا ثوابه، فأكون كالعبد الطّامع، إن طمع ‏عمل، وإلا لم يعمل، وأكره أن أعبده لخوف عذابه، فأكون كالعبد السّوء إن لم يخف لم يعمل... فانبرى إليه بعض ‏الجالسين فقال له: فبم تعبده؟‎.‎
فأجابه عن خالص إيمانه: وأعبده لما هو أهله بأياديه إنعامه‎...‎
لقد كانت عبادته عن معرفة لا يشوبها شكّ أو وهم، كما لم تك وليدة طمع أو خوف، وإنما كانت وليدة إيمان عميق، ‏وقد تحدث عليه السّلام عن أنواع العبادة بقوله: إنّ قوماً عبدوا الله عز وجل رهبة فتلك عبادة العبيد، وآخرون عبدوه ‏رغبة فتلك عبادة التّجار، وقوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار.. هذه أنواع العبادة والطّاعة، وأثقلها في الميزان، ‏وأحبها لله هي عبادة الأحرار التي لا تكون إلا شكراً للمُنعم العظيم لا طمعاً في ثوابه، ولا خوفاً من عقابه، وقد أكد ‏الإمام عليه السّلام ذلك في حديث آخر له قال: عبادة الأحرار لا تكون إلاّ شكراً لا خوفاً ولا رغبة. لقد امتزج حبّ الله ‏في قلب الإمام، وعواطفه فكان من ذاتياته وعناصره، ويقول الرّواة، أنّه كان مشغولاً بعبادة الله وطاعته في جميع ‏أوقاته. وقد سئلت جارية له عن عبادته فقالت: أطنب، أو أختصر‎...‎
فقيل: بل اختصري... قالت: ما أتيته بطعام نهاراً قط، وما فرشت له فراشاً بليل قط‎...‎
لقد قضى الإمام عليه السّلام معظم حياته صائماً نهاراً، قائماً ليله، مشغولاً تارة في الصّلاة، وأخرى في صدقة السّر.. ‏ومن المؤكّد أنّه ليس في تاريخ زهّاد المُسلمين وعبّادهم مثل الإمام عليّ بن الحُسين في عظيم إخلاصه وطاعته لله، ‏ونعرض لبعض شؤون عباداته‎.‎

وضوؤه عليه ‏السّلام
أمّا الوضوء فهو نور وطهارة من الذّنوب، والمُقدّمة الأولى للصّلاة، وكان الإمام عليه السّلام دوماً على طهارة، وقد ‏حدث الرّواة عن خشوعه لله في وضوئه، فقالوا: إنّه إن أراد الوضوء اصفرّ لونه، فيقول له أهله‎: ‎
‎ ‎ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟‎...‎
فأجابهم عن خوفه، وخشيته من الله قائلاً‎: ‎
‎ ‎أتدرون بين يدي من أقوم؟‎...‎
وبلغ من اهتمامه أنّه كان لا يعينه أحد عليه، وكان بنفسه يستقي الماء لطهوره ويخمره قبل أن ينام، فإذا قام من الليل ‏بدأ بالسّواك ثمّ شرع وضوءه وبعد الفراغ منه يقبل على صلاته‎.‎

صلاته عليه ‏السّلام
أمّا الصّلاة فمعراج المؤمن، وقربان كُلّ تقي - كما في الحديث - وكانت الصّلاة من أهم الرّغبات النّفسيّة للإمام عليه ‏السّلام فقد اتخذها معراجاً ترفعه إلى الله، وتسمو به إلى الاتصال بخالق الكون وواهب الحياة، وكانت تأخذه رعدة إذا ‏أراد الشّروع في الصّلاة فقيل له في ذلك، فقال: أتدرون بين يدي من أقوم، ومن أناجي؟‎.‎

تطيبه عليه ‏السّلام للصّلاة
وكان الإمام إذا أراد الصّلاة تطيب من قارورة كان قد جعلها في مسجد صلاته فكانت روائح المسك تعبق منه‎.‎

لباسه عليه ‏السّلام في صلاته
وكان الإمام عليه السّلام إذا أراد الصّلاة لبس الصّوف، وأغلظ الثّياب؛ مُبالغة في إذلال نفسه أمام الخالق العظيم‎.‎

خشوعه عليه ‏السّلام في صلاته
أمّا صلاة الإمام عليه السّلام فكانت تمثل الانقطاع التّام إلى الله تعالى، والتّجرّد من عالم المادّيات، فكان لا يحس ‏بشيء من حوله، بل لا يحس بنفسه، فقد تعلّق قلبه بالله، ووصفه الرّواة في حال صلاته، فقالوا: كان إذا قام إلى الصّلاة ‏غشى لونه بلون آخر، وكانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله، وكان يقف في صلاته موقف العبد الذّليل بين يدي الملك ‏الجليل، وكان يُصلي صلاة مودع يرى أنّه لا يُصلّي بعدها أبداً، وتحدث الإمام الباقر عن خشوع أبيه في صلاته فقال: ‏كان عليّ بن الحُسين إذا قام في الصّلاة كأنّه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء إلاّ ما حركت الرّيح منه ونقل أبان بن ‏تغلب إلى الإمام الصّادق عليه السّلام صلاة جدّه الإمام زين العابدين عليه السّلام فقال له‎: ‎
‎ ‎إنّي رأيت عليّ بن الحُسين إذا قام في الصّلاة غشي لونه لوناً آخر.. وبهر الإمام الصّادق عليه السّلام فقال‎: ‎
‎ ‎والله إن عليّ بن الحُسين كان يعرف الذي يقوم بين يديه.. أجل والله أنّه كان على معرفة تامّة بعظمة الخالق الحكيم، ‏فكانت عبادته له عن معرفة وطاعته له عن إيمان‎.‎
وكان من مظاهر خشوعه في صلاته أنّه إذا سجد لا يرفع رأسه حتّى يرفض عرقاً أو كأنّه غمس في الماء من كثرة ‏دموعه وبكائه ونقل الرّواة عن أبي حمزة الثّمالي أنّه رأى الإمام قد صلّى فسقط الرّداء عن أحد منكبيه فلم يسوه فسأله ‏أبو حمزة عن ذلك فقال له: ويحك أتدري بين يدي من كنت؟ إنّ العبد لا يقبل من صلاته إلا ما أقبل عليها منها بقلبه‎.‎
وبلغ من شدّة تعلقه بالله في حال صلاته أنّ ابنا له سقط في بئر ففزع أهل المدينة فأنقذوه، وكان الإمام قائماً يُصلي في ‏محرابه، ولم يشعر بذلك، ولما انتهى من صلاته قيل له في ذلك فقال: ما شعرت، إنّي كنت أناجي رباً عظيماً‎.‎
ووقع حريق في بيته، وكان مشغولاً في صلاته فلم يعن به، ولما فرغ من صلاته، قيل له في ذلك فقال: ألهتني عنها ‏النّار الكُبرى‎.‎
‎ ‎وفسر عبد الكريم القشيري هذه الظّاهرة المُذهلة التي كانت مُلازمة للإمام حال صلاته بأنّها من باب غيبة القلب عن ‏علم ما يجري من أحوال الخلق لاشتغال الحس بما ورد عليه.. إنّه قد يغيب القلب عن إحساسه بنفسه وغيره بوارد من ‏تذكر ثواب أو تفكر عقاب‎.‎
صلاته عليه ‏السّلام ألف ركعة
وأجمع المُترجمون للإمام عليه السّلام أنّه كان يُصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وأنّه كانت له خمسمئة نخلة فكان ‏يُصلي عند كُلّ نخلة ركعتين، ونظراً لكثرة صلاته فقد كانت له ثفنات في مواضع سجوده كثفنات البعير، وكان يسقط ‏منها في كُلّ سنة فكان يجمعها في كيس، ولما توفي دُفنت معه‎.‎
قضاؤه عليه ‏السّلام للنّوافل
ولم تفته نافلة من النّوافل طيلة حياته، وكان يقضي ما فاته من صلاة النّهار بالليل، وكان يوصي أبناءه بذلك، ويقول ‏لهم: يا بني ليس هذا عليكم بواجب ولكن أحبّ لمن عود نفسه مُنكم عادة من الخير أن يدوم عليها‎.‎
كثرة سجوده عليه ‏السّلام
إنّ أقرب ما يكون العبد من ربّه هو في حال سجوده - كما في الحديث - وكان الإمام زين العابدين عليه السّلام كثير ‏السّجود لله خضوعاً له، وتذليلاً أمامه، ويقول الرّواة: إنّه خرج مرة إلى الصّحراء فتبعه مولى له فوجده ساجداً على ‏حجارة خشنة فأحصى عليه ألف مرة يقول: لا إله إلا الله حقّاً حقّاً، لا إله إلا الله تعبدا ورقاً، لا إله إلا الله إيماناً وصدقاً. ‏وكان سجد سجدة الشّكر، ويقول فيها: مئة مرة الحمد لله شكراً وبعدها يقول: يا ذا المن الذي لا ينقطع أبداً، ولا يحصيه ‏غيره عدداً، ويا ذا المعروف الذي لا ينفذ أبداً، يا كريم، يا كريم، ويتضرع بعد ذلك ويذكر حاجته‎.‎
كثرة تسبيحه عليه ‏السّلام
وكان دوماً مشغولاً بذكر الله وتسبيحه وحمده، وكان يسبح الله بهذه الكُلّمات المُشرقة: سبحان من أشرق نوره كُلّ ‏ظلمة، سبحان من قدر بقدرته كُلّ قدرة، سبحان من احتجب عن العباد بطرائق نفوسهم، فلا شيء يحجبه، سبحان الله ‏وبحمده‎.‎
ملازمته عليه ‏السّلام صلاة الليل
من النّوافل التي كان لا يدعها الإمام عليه السّلام صلاة الليل، فكان مواظباً عليها في السّفر والحضرإلى أن انتقل إلى ‏الرّفيق الأعلى‎.‎
‎ ‎قال أبو جعفر مُحمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام، إنّ أبي عليّ بن الحُسين عليه السّلام ما ذكر نعمة الله عليه إلا سجد، ‏ولا قرأ آية من كتاب الله عز وجل فيها سجود إلا سجد ولا دفع الله تعالى عنه سوء يخشاه أو كيد كايد إلا سجد، ولا ‏فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد، ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد، وكان أثر السّجود في جميع مواضع جسده ‏فسمي السّجاد لذلك‎.‎

استجابة دعائه عليه ‏السّلام
قال ثابت البناني: كنت حاجّاً مع جماعة من عباد البصرة، فلمَّا دخلنا مكّة رأينا الماء ضيِّـقاً، وقد اشتدَّ بالناس العطش ‏لقلة الغيث‎. ‎
ففزع إلينا أهل مكـة والحُجَّاج يسألوننا أن نستسقي لهم، فأتينا الكعبة وطفنا بها ثمَّ سألنا الله خاضعين متضرعين بها ‏فَمُنِعْنَا الإجابة‎. ‎
فبينما نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل وقد أكربته أحزانه، وأقلقته أشجانه، فطاف بالكعبة أشواطاً ثمّ أقبل علينا فقال: يا ‏مالك بن دينار، ويا ثابت البناني، ويا أيوب السّجستاني، ويا.. ويا، حتّى عدَّنا وعدَّ من جلس معنا، فقُلنا: لبيك وسعديك ‏يا فتى‎. ‎
فقال: أما فيكم أحد يحبّه الرّحمن؟‎ ‎
فقلنا: يا فتى، علينا الدّعاء وعليه الإجابة‎. ‎
فقال: أبعدوا عن الكعبة، فلو كان فيكم أحد يحبّه الرّحمن لأجابه، ثمّ أتى الكعبة فخرَّ ساجداً فسمعته يقول - في سجوده ‏‏-: سيدي، بِحُبِّك لي إلا سقيتهم الغيث‎. ‎
قال ثابت: فما استتم كلامه حتّى أتاهم الغيث كأفواه القرب‎. ‎
قال مالك بن دينار: فقُلت: يا فتى، من أين علمت أنّه يحبّك؟‎ ‎
قال: لو لم يحبّني لم يستزرني، فلما استزارني علمت أنّه يحبني، فسألته بحبّه لي فأجابني‎. ‎
‎ ‎قال مالك: يا أهل مكة، من هذا الفتى؟‎ ‎
قالوا: عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام‏‎.‎

سيرته في حياته عليه ‏السّلام
سيرته عليه ‏السّلام في بيته
كان الإمام زين العابدين عليه السّلام من أرأف النّاس وأبرهم وأرحمهم بأهل بيته، وكان لا يتميز عليهم، بل كان ‏كأحدهم، وأثر عنه أنّه قال: لأن أدخل السّوق ومعي دراهم أبتاع بها لعيالي لحماً، وقد قرموا أحبّ إلي من أن أعتق ‏نسمة وكان يبكر في خروجه صبحاً لطلب الرّزق لعياله، فقيل له: إلى أين تذهب؟ فقال: أتصدق لعيالي من طلب ‏الحلال، فإنّه من الله عزّ وجل صدقة عليهم. وكان يعين أهله في حوائجهم البيتية، ولا يأمر أحداً منهم فيما يرجع إلى ‏أي شأن من شؤونه الخاصّة، كما كان يتولى بنفسه خدمة نفسه خصوصاً فيما يرجع إلى شؤون عبادته فإنّه لم يك ‏يستعين بها أو يعهد إلى أحد في قضائها‎.‎
لقد سار الإمام في بيته سيرة لم ير النّاس مثلها فقد تمثلت فيها الرّحمة والتّعاون والرّأفة، ونكران الذّات‎.‎
سيرته مع أبويه عليهما ‏السّلام
كان الإمام زين العابدين عليه السّلام من أبر النّاس بأبيه ومربيته، فقد خفض لهما جناح المودّة والرّحمة، ولم تبق مبرة ‏ولا خدمة إلا قدّمها لهما، وبلغ من عظيم بره لأبيه أنّه طلب من عمته زينب بطلة كربلاء في يوم الطف أن تزوده ‏بالعصا ليتوكأ عليها، وبالسّيف ليذب به عن أبيه، في حين أنّ المرض قد فتك به، فلم يتمكن أن يخطو خطوة واحدة ‏على الأرض إلا أن عمّته صدّته عن ذلك؛ لئلا تنقطع ذرّية النّبيّ صلّى الله عليه وآله فأي مبرة مثل هذه المبرة؟ ومن ‏خدماته لأبيه أنّه قام بعد شهادته بتسديد ما عليه من الدّيون الضذخمة، التي كان قد أنفقها على البؤساء والمحرومين... ‏ومن مبراته لأبويه دعاؤه لهما‎.‎
سيرته مع أبنائه عليهما ‏السّلام
أمّا سلوك الإمام زين العابدين عليه السّلام مع أبنائه فقد تميّز بالتّربية الإسلاميّة الرّفيعة لهم، فغرس في نفوسهم ‏نزعاته الخيرة، واتجاهاته الإصلاحيّة العظيمة وقد صاروا بحُكم تربيته لهم من ألمع رجال الفكر والعلم والنّضال في ‏الإسلام، فكان ولده الإمام مُحمّد الباقر عليه السّلام من أشهر أئمة المُسلمين، ومن أكثرهم عطاءً للعلم، وهو صاحب ‏المدرسة الفقهية الكُبرى التي تخرج منها كبار الفُقهاء والعُلماء أمثال أبان بن تغلب وزرارة بن أعين، وغيرهما ممن ‏أضاءوا الحياة الفكريّة في الإسلام، .. وأمّا ولده عبد الله الباهر فقد كان من أبرز عُلماء المُسلمين في فضله، وسمو ‏منزلته العلميّة، وقد روى عن أبيه عُلوماً شتى، وكتب النّاس عنه. ذلك أمّا ولده زيد فقد كان من أجل عُلماء المُسلمين ‏وقد تخصص في عُلوم كثيرة كعلم الفقه والحديث والتّفسير وعلم الكلام وغيرها وهو الذي تبنى حقوق المظلومين ‏والمُضطهدين، وقاد سيرتهم النّضاليّة، في ثورته الخالدة التي نشرت الوعي السّياسي في المُجتمع الإسلامي، وساهمت ‏مُساهمة إيجابية وفعالة في الإطاحة بالحكم الأموي‎.‎
سيرته عليه ‏السّلام مع جيرانه
و كان الإمام زين العابدين عليه السّلام من أبر النّاس بجيرانه، فكان يرعاهم كما يرعى أهله، و كان يعول ضعفاءهم ‏و فقراءهم، و يعود مرضاهم، و يشيع موتاهم، و لم يترك لوناً من ألوان البر إلا أسداه إليهم، و كان يستقي لضعفاء ‏جيرانه في غلس الليل البهيم كما روى ذلك الزّهري وليس في تاريخ الإنسانية مثل هذا اللون من المعروف والبر‎. ‎
سيرته عليه ‏السّلام مع جلسائه
أمّا سلوك الإمام عليه السّلام مع جلسائه يتميّز بالآداب الرّفيعة و الخلق الإسلامي العظيم، فكان يحترم، و يكرم كُلّ من ‏جلس معه، و قد قال عليه السّلام: ما جلس إلي أحد قط إلا عرفت له فضله و كان يوقر جلساءه، و يقابلهم بالمزيد من ‏ألطافه، و معالي أخلاقه، و قد دخل عليه نصر بن أوس الطّائي، فرحب به الإمام، و قال له‎: ‎
‎_ ‎ممن أنت؟‎.‎
‎_ ‎من طي‎...‎
‎_ ‎حياك الله، و حياً قوماً عُزِيْتَ إليهم، نعم الحي حيك‎....‎
والتفت الطّائي إلى الإمام فقال له‎: ‎
‎_ ‎من أنت؟‎...‎
‎_ ‎عليّ بن الحُسين‎...‎
‎_ ‎أولم يقتل بالعراق مع أبيه؟‎...‎
فقابله الإمام ببسمات فياضة بالبشر قائلة‎: ‎
- ‎لو قتل يا بني لم تره‎...‎
و يقول المؤرخون: إنّه كان لا يسمح لأحد من جلسائه أن يعتدي على من أساء إليه، فقد دخل عليه أحد أعدائه، فقال ‏له‎: ‎
‎ ‎هل تعرف الصّلاة؟‎...‎
فانبرى أبو حازم و هو من أصحاب الإمام فأراد الوقيعة به، فزجره الإمام، و قال لهك مهلاً يا أبا حازمن إن العُلماء ‏هم الحُلماء الرّحماء، ثمّ التفت إلى الرّجل بلطف و قال له‎: ‎
‎ ‎نعم أعرفها‎..‎
سأله الرّجل عن بعض خصوصيّات الصّلاة فأجابه الإمام عنها، فخجل الرّجل، و راح يعتذر للإمام و يقول له: ما ‏تركت لأحد حجّة. لقد كان شأن الإمام في المعالي أخلاقه مع جلسائه وغيرهم شأن جده الرّسول الأعظم الذي بُعث ‏ليتمم مكارم الأخلاق‎. ‎

بكاؤه على أبيه الحسين عليهما السلام
روى الشّيخ الصدوق بإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: البكاؤون خمسة: آدم ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت ‏مُحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وعلي بن الحُسين عليهم السّلام. فأمّا آدم فبكى على الجنّة حتّى صار في خديه أمثال ‏الأودية، وأمّا يعقوب فبكى على يوسف حتّى ذهب بصره، وحتى قيل له: تالله تفتؤا تذكر يوسف، حتّى تكون حرضاً أو ‏تكون من الهالكين. وأمّا يوسف فبكى على يعقوب حتّى تأذى به أهل السّجن فقالوا له: أما أن تبكي الليل وتسكت ‏بالنّهار وأمّا أن تبكي النّهار وتسكت بالليل، فصالحهم على واحدة منهما‎. ‎
وأمّا فاطمة فبكت على رسول الله حتّى تأذى بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك فكانت تخرج إلى مقابر ‏الشّهداء فتبكي حتّى تنقضي حاجتها ثمّ تنصرف‎.‎
وأمّا عليّ بن الحُسين فبكى على الحُسين عليه السّلام فما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى حتّى قال له مولى له: جعلت ‏فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنّما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا ‏تعلمون، إنّي ما أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة‎ ‎

كرمه عليه السلام
عن الزّمخشري في ربيع الأبرار: لما أرسل يزيدُ ين معاوية مُسلمَ بن عقبة، لقتال أهل المدينة، واستباحتها، كفل زين ‏العابدين عليه السّلام أربعمِئة امرأة، مع أولادِهن، وحَشَمَهُنَّ، وضَمَّهُنَّ إلى عياله، وقام بِنفقتهن، وإحكامِهِن، إلى أن ‏خرج جيش ابن عقبة من المدينة‎.‎
فأقسمت واحدة منهن أنّها ما رأت في دار أبيها وأمِّها من الرّاحة، والعيش الهَنِي، ما رأته في دار عليّ بن الحُسين ‏عليهما السّلام‎.‎
وفي تذكرة الخواص: عن سفيان الثّوري، قال: لمّا أراد عليّ بن الحُسين عليهما السّلام الخروج إلى الحج والعمرة، ‏اتَّخذَتْ له أختُه سُكَينة بنت الحُسين سُفرة، أنفقَتْ عليها ألف درهم، وأرسلت بها إليه، فلمّا كان عليه السّلام بِظهر الحرَّة ‏أمر بها، فَفُرِّقت في الفقراء والمساكين‎.‎

تصدّقه عليه السلام على الفقراء
كان الإمام زين العابدين عليه السّلام كثير التصدُّق على فقراء المدينة، لا سِيَّما التصدُّق في السِّر‎.‎
وجاء في كتاب الحلية: إنّ الإمام عليه السّلام كان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل، فيتصدَّق به، ويقول: إنَّ ‏صَدَقة السِّرِّ تُطفِئُ غَضَب الرَّبِّ عَزَّ وَجلَّ‎.‎
فلما توفي الإمام عليه السّلام تَبيَّن أنه كان يُعيلُ مِئة عائلة من عوائل المدينة، وكان أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صَدقَةَ ‏السر حتّى مات عليّ بن الحُسين عليهما السّلام‎.‎

طبيعة عمل الإمام عليه السلام
استخدم الإمام زين العابدين عليه السّلام الدّعاء كوسيلة تربويّة إصلاحيّة وأثار في أدعيته كُلّ القضايا التي تهم الإنسان ‏والمجتمع، وقد جمعت تلك الأدعية في كتاب عُرف فيما بعد بالصّحيفة السّجاديّة، كما كان يعقد الحلقات الدّينيّة ‏والفكريّة في مسجد الرّسول صلّى الله عليه وآله حتّى أصبحت مجالسه محجّة للعُلماء والفُقهاء وتخرج من هذه ‏المدرسة قيادات علميّة وفكريّة حملت العلم والمعرفة والإرشاد إلى كافة البلاد الإسلاميّة، ولم يترك الإمام عليه السّلام ‏بحكم كونه إماماً الجانب الإنساني والاجتماعي حيث نجد في الرّوايات أنّه كان يخرج في الليالي الظذلماء يحمل ‏الجراب على ظهره. فيقرع الأبواب ويناول أهلها من دون أن يُعرف، كما كان يشتري في كُلّ عام مئآت العبيد ‏ليحررهم في الفطر والأضحى بعد أن يربيهم التّربية الإسلاميّة المُباركة‎.‎

كراماته عليه السلام
الكرامة الأولى: إدخال الرّعب على قلب عبد الملك بن مروان‎ ‎
قال أبو شهاب الزّهري: شهدت عليّ بن الحُسين يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام فأثقله حديداً، ‏ووكُلّ به حفاظاً في عدّة وجمع فاستأذنهم في التّسليم عليه والتّوديع له فأذنوا لي فدخلت عليه وهو في قُبّة، والأقياد في ‏رجليه، والغل في يديه وفي رواية: والغل في عنقه فبكيت وقلت له: وددت أنّي مكانك وأنت سالم، فقال: يا زهري ‏أتظن أنّ هذا ممّا ترى عليّ وفي عنقي يكربني؟ أما لو شئت ما كان فإنّه وإن بلغ بك وبأمثالك ليذكر عذاب الله، ثمّ ‏أخرج يديه من الغل ورجليه من القيد، ثمّ قال: يا زهري لا جزت معهم على ذي منزلتين من المدينة، قال: فما لبثنا إلا ‏أربع ليال حتّى قدم الموكلون به يطلبونه بالمدينة فما وجدوه فكنت فيمن سألهم عنه، فقال لي بعضهم: إنّا لنراه متبوعاً ‏إنّه لنازل ونحن حوله لا ننام نرصده بعد ذلك إذا أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلا حديده، قال الزّهري: فقدمت بعد ‏ذلك على عبد الملك بن مروان فسألني عن عليّ بن الحُسين فأخبرته فقال لي: إنّه قد جاءني يوم فقده الأعوان فدخل ‏عليّ، فقال: ما أنا وأنت؟ فقلت: أقم عندي، فقال: لا أحب، ثمّ خرج فوالله فقد امتلأ ثوبي منه خيفة، قال الزّهري: فقلت: ‏يا أمير المؤمنين، ليس عليّ بن الحُسين حيث تظن إنّه مشغول بنفسه، فقال: حبذا شغل مثله فنعم ما شغل به، قال: ‏وكان الزّهري إذا ذكر عليّ بن الحُسين يبكي ويقول: زين العابدين‎. ‎
الكرامة الثانية: مشافاته لبصير وأبكم ومقعد
قال إبراهيم بن الأسود التميمي: رأيت عليّ بن الحُسين وقد أتى بطفل مكفوف فمسح عينيه فاستوى بصره، وبأبكم ‏فكُلّمه، فأجابه وتكُلّم، وبمقعد فمسح عليه فسعى ومشى‎. ‎
الكرامة الثّالثة: قضاء الحوائج بالحجر
قال أبو النمير عليّ بن يزيد: كنت مع عليّ بن الحُسين عندما انصرفت من الشّام إلى المدينة، فكنت أحسن إلى نسائه ‏أتوارى عنهم إذا نزلوا وأبعد عنهم إذا رحلوا، فلما نزلوا المدينة بعثوا إلي بشيء من الحلي فلم آخذه، وقلت: فعلت هذا ‏لله ولرسوله، فأخذ عليّ بن الحُسين حجراً أسود صماً فطبعه بخاتمه، وقال: خذه واقض كُلّ حاجة لك منه فوالله الذي ‏بعث مُحمّداً بالحق لقد كنت أجعله في البيت المظلم فيسرج لي وأضعه على الأقفال فتفتح لي وآخذه بيدي وأقف بين ‏أيدي الملوك فلا أرى إلا ما أحب‎. ‎
الكرامة الرّابعة: قضاء حاجة ضبية
قال حمران بن أعين: كنت عند عليّ بن الحُسين عليه السّلام ومعي جماعة من أصحابه فجاءت ظبية، فبصبصت ‏وضربت بذنبها، فقال: هل تدرون ما تقول هذه الظبية؟ فقلنا لا، فقال: تزعم أن رجلاً اصطاد خشفاً لها وتسألني أن ‏أكُلّمه ليرده عليها، ثمّ قام وقمنا معه حتّى جاء إلى باب الرّجل فخرج إليه والظّبية معنا، فقال له: إنّ هذه الظبية زعمت ‏كذا وكذا وأنا أسألك أن تردّه عليها، فدخل الرّجل مُسرعاً وأخرج إليه الخشف، فمضت الظّبية ومعها خشفها وهي ‏تحرك ذنبها، فقال: أتدرون ما تقول: قُلنا لا، قال: رد الله عليكم كُلّ حق غصبتم عليه، وكُلّ غائب وكُلّ سبب ترجونه ‏وغفر لعلي بن الحُسين كما رد عليّ ولدي‎.‎
الكرامة الخامسة: إخباره بحكم عمر بن عبد العزيز
عن عبدالله بن عطاء التّميمي، قال: كنت مع عليّ بن الحُسين عليهما السّلام في المسجد فمرّ عمر بن عبدالعزيز، عليه ‏شراكاً فضة وكان من أحسن النّاس وهو شاب، فنظر إليه عليّ بن الحُسين عليه السّلام فقال: يا عبد الله بن عطاء أترى ‏هذا المُترف؟ إنّه لن يموت حتّى يلي النّاس، قال: قُلت: هذا الفاسق؟ قال: نعم، فلا يلبث فيهم إلا يسيراً حتّى يموت، فإذا ‏هو مات لعنه أهل السّمآء، واستغفر له أهل الأرض‎.‎
الكرامة السّادسة: تثبيته للحجر الأسود
روي أن الحجاج بن يوسف لما خرب الكعبة بسبب مقاتلة عبدالله بن الزبير، ثم عمروها فلما اعيد البيت وأرادوا أن ‏ينصبوا الحجر الاسود فكُلّما نصبه عالم من علمائهم، أو قاض من قضاتهم، أو زاهد من زهادهم يتزلزل ويضطرب ‏ولا يستقر الحجر في مكانه، فجاءه عليّ بن الحُسين عليهما السّلام وأخذه من أيديهم وسمى الله ثم نصبه، فاستقر في ‏مكانه، وكبر النّاس‎.‎
ولقد الهم الفرزدق في قوله: يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم .‏
الكرامة السّابعة: شفائه بإذن الله تعالى لحبابة الوالبية
عن حبابة الوالبية قالت: دخلت على عليّ بن الحُسين عليه السّلام وكان بوجهي وضح فوضع يده عليه فذهب، قالت: ‏ثم قال: يا حبابة ما على ملة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا وسائر النّاس منها براء‎.‎
الكرامة الثّامنة: إخراجه ولده من قعر البئر سالماً
جاء في كتاب الأنوار: إنّه عليه السّلام كان قائماً يصلّي حتّى وقف ابنه مُحمّد عليهما السّلام وهو طفل إلى بئر في داره ‏بالمدينة بعيدة القعر فسقط فيها فنظرت إليه امه فصرخت وأقبلت نحو البئر تضرب بنفسها حذاء البئر وتستغيث ‏وتقول: يا ابن رسول الله غرق ولدك مُحمّد، وهو لا ينثني عن صلا ته، وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر فلما ‏طال عليها ذلك، قالت: حزنا على ولدها ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت رسول الله؟ فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلا ‏عن كمالها وإتمامها، ثم أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ومد يده إلى قعرها، وكانت لاتنال إلا برشاء طويل فأخرج ‏ابنه محمدا عليه السّلام على يديه يناغي ويضحك، لم يبتل له ثوب ولاجسد بالماء، فقال: هاك يا ضعيفة اليقين بالله، ‏فضحكت لسلامة ولدها وبكت لقوله عليه السلام.‏
الكرامة التّاسعة: سجود الشجر له
قال سعيد بن المسيب: كان النّاس لا يخرجون من مكة حتّى يخرج عليّ بن الحُسين، فخرج وخرجت معه فنزل في ‏بعض المنازل فصلّى ركعتين سبح في سجوده فلم يبق شجر ولا مدر إلا سبحوا معه ففزعت منه فرفع رأسه، فقال: يا ‏سعيد أفزعت؟ قلت: نعم يا ابن رسول الله، قال: هذا التّسبيح الأعظم
الكرامة العاشرة: إخباره بعلم ولده الباقر عليهما السّلام
في كتاب الكشي قال القاسم بن عوف في حديثه: قال زين العابدين عليه السّلام: وإياك أن تشد راحلة برحلها فان ماهنا ‏مطلب العلم حتّى يمضي لكم بعد موتي سبع حجج، ثمّ يُبعث لكم غلاماً من ولد فاطمة صلوات الله عليها تنبت الحكمة ‏في صدره، كما ينبت الطّل الزّرع، قال: فلما مضى عليّ بن الحُسين عليه السّلام حسبنا الأيام والجمع والشّهور ‏والسّنين، فما زادت يوماً ولا نقصت حتّى تكُلّم مُحمّد الباقرعليه السّلام‎.‎
الكرامة الحادية عشر: نطق الحجر الأسود بإمامته
قال الشّيخ جعفر بن نماء في كتاب أحوال المختار: عن أبي بجير عالم الأهواز، وكان يقول بإمامة ابن الحنفيّة، قال: ‏حججت فلقيت إمامي وكنت يوماعنده فمر به غلام شاب فسلم عليه، فقام فتلقاه وقبل ما بين عينيه وخاطبه بالسّيادة، ‏ومضى الغلام، وعاد مُحمّد إلى مكانه، فقلت له: عندالله أحتسب عناي فقال: وكيف ذاك؟ قلت: لأنا نعتقد أنّك الإمام ‏المُفترض الطّاعة تقوم تتلقى هذا الغلام وتقول له: يا سيدي؟ فقال: نعم، هو والله إمامي، فقلت: ومن هذا؟ قال: عليّ ‏ابن أخي الحُسين عليه السّلام اعلم إنّي نازعته الإمامة ونازعني، فقال لي: أترضى بالحجر الأسود حكما بيني وبينك؟ ‏فقلت: وكيف نحتكم إلى حجر جماد فقال: إنّ إماماً لايكُلّمه الجماد فليس بإمام، فاستحييت من ذلك، وقُلت: بيني وبينك ‏الحجر الأسود، فقصدنا الحجرو صلّى وصليت، وتقدم إليه وقال: أسألك بالذي أودعك مواثيق العباد لتشهد لهم ‏بالموافاة إلا أخبرتنا من الإمام منّا؟ فنطق والله الحجر وقال: يا مُحمّد سلّم الأمر إلى ابن أخيك، فهو أحقّ به منك وهو ‏إمامك وتحلحل حتّى ظننته يسقط فأذعنت بإمامته، ودنت له بفرض طاعته؟ قال أبوبجير: فانصرفت من عنده وقد ‏دنت بإمامة عليّ بن الحُسين عليهما السّلام، وتركت القول بالكيسانيّة‎.‎

احتجاجاته عليه السلام
إنّ من وظائف الإمامة إدلاء الحجج والبراهين القويمة على الحقائق النّاصعة تثبيتاً للعقائد وإقامة للبرهنة الصّادقة ‏على المعارف الألهيّة وتدعيماً للحق الجلي ودحض الأباطيل واكتساح الشُبه وقمع جذور التشكيك وقلع بذوره حتّى لا ‏تربك بهرجة الباطل وزبرجة التحوير ضعفاء الأمة فتوقعهم في مساقط الجهل وتتلاعب بهم الأهواء المردية وكُلّ ‏واحد من أئمة الهدى جاء من هذا النوع بالشيء الكثير اقتضته ظروفه والإمام السّجاد عليه السّلام مع احتفافه بسياسة ‏قاسية وسيوف بني أمية تقطر من دمائهم الزاكية جاء عنه بما فيه بلغة المسترشد وهداية المتعنت بأوضح بيان وأجلى ‏برهان، ومن احتجاجه على خصومه‎: ‎
‏1‏- ‎شاجره رجل في مسألة من الفقه فقال له لو صرت إلى منازلنا لأريناك آثار جبرائيل في رحالنا أيكون أحد أعلم ‏بالسنة منا‎.‎
‏2‏- ‎سأله رجل عما فضلوا به على النّاس وسادوهم فقال عليه السّلام النّاس كُلّهم لا يخلون من ثلاث رجل أسلم على يد ‏جدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله فهو مولانا ونحن سادته وإلينا يرجع بالولاء ورجل قاتلنا فقتلناه ومضى إلى النار ‏ورجل أخذنا منه الجزية عن يد وهو صاغر ولا رابع لهم فأي فضل لم نحزه وشرف لم نختص به‎.‎
‏3‏- ‎مر عليه السّلام على الحسن البصري وهو يعظ النّاس بمنى فقال عليه السّلام يا هذا أسألك عن الحال التي أنت ‏عليها مقيم أترضاها لنفسك فيما بينك وبين الله تعالى إذا نزل بك الموت قال لا فقال عليه السّلام أفتحدث نفسك بالتحول ‏والانتقال عن الحال التي لا ترضاها لنفسك إلى الحال التي ترضاها فأطرق الحسن البصري ملياً ثم قال إني أقول ذلك ‏بلا حقيقة فقال عليه السّلام أفترجو نبياً بعد مُحمّد صلّى الله عليه وآله تكون لك معه سابقة قال لا فقال عليه السّلام ‏أفترجو داراً غير الدار التي أنت فيها ترد إليها فتعمل فيها قال لا فقال عليه السّلام أرأيت أحداً به مسكة عقل رضي ‏لنفسه من نفسه بهذا إنك على حال لا ترضاها ولا تحدث نفسك بالانتقال إلى حال ترضاها على حقيقة ولا ترجو نبياً ‏بعد مُحمّد صلّى الله عليه وآله ولا داراً غير الدار التي أنت فيها فترد إليها وتعمل فيها وأنت تعظ النّاس ثم انصرفَ ‏عليه السّلام عنه فسأل الحسن البصري عنه قيل له أنه عليّ بن الحُسين فقال هو من أهل بيت علم وارتفع عن الوعظ
‏4‏- ‎روى عليّ بن هاشم بن البريد عن أبيه أن رجلاً سأل عليّ بن الحُسين عليه السّلام مسائل فأجابه عنها ثم عاد يسأل ‏مثلها فقال عليه السّلام له مكتوب في الإنجيل لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ولما تعلموا بما علمتم فإن العلم إذا لم يعمل ‏به لم يزدد صاحبه إلا كفراً ولم يزدد من الله بعداً‎.‎
‏5‏- ‎روى أبو عبد الله الصّادق عليه السّلام أن عباد البصري لقي عليّ بن الحُسين عليه السّلام في طريق مكة فقال له يا ‏عليّ تركت الجهاد وصعوبته وأقبلت على الحج ولينه وقد قال الله عز وجل: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ‏وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى ‏بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم فقال له عليّ بن الحُسين أتم الآية فقال التائبون ‏العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله ‏وبشر المؤمنين فقال عليّ ين الحُسين عليه السّلام إذا رأيت هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج‎.‎
‏6‏- ‎روى الإمام أبو جعفر الباقر عليه السّلام إن عليّ بن الحُسين عليه السّلام سئل عن الصمد فقال: الصمد الذي لا ‏شريك له ولا يؤده حفظ شيء ولا يعزب عنه شيء والذي لا جوف له والذي قد انتهى سؤدده والذي لا يأكُلّ ولا ‏يشرب والذي لا ينام والذي لم يزل ولا يزال وروى عاصم بن حميد أن عليّ بن الحُسين عليه السّلام سئل عن التوحيد ‏فقال أن الله عزوجل علم أنه يكون في آخر الزّمان أقوام متعمقون فأنزل الله قل هو الله أحد والآيات من سورة الحديد ‏إلى قوله عليم بذات الصدور فمن رام وراء ذلك فقد هلك‎.‎
‏7‏- ‎روى العياشي أن رجلاً جاء إلى عليّ بن الحُسين عليه السّلام فقال له أنت عليّ بن الحُسين قال نعم فقال أبوك الذي ‏قتل المؤمنين قال عليه السّلام ويلك كيف قطعت على أبي أنه قتل المؤمنين قال الرّجل بقوله إخواننا قد بغوا علينا ‏فقاتلناهم على بغيهم قال عليه السّلام ويلك أما قرأت قول الله: وإلى مدين أخاهم شعيباً وإلى ثمود أخاهم صالحاً فكانوا ‏إخوانهم في دينهم أو في عشيرتهم فقال الرّجل إنهم إخوانهم في عشيرتهم قال عليه السّلام هؤلاء كانوا إخوانهم في ‏عشيرتهم وليسوا إخوانهم في دينهم فقال الرّجل لقد فرجت عني فرج الله عنك‎. ‎
‏8‏- ‎روى الطّبرسي أن رجلاً قال لعلي بن الحُسين عليه السّلام أنكم أهل بيت مغفور لكم فغضب عليه السّلام وقال أن ‏الله تعالى يقول يا نساء النّبيّ مرتين من يأت منكم بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين إلى قوله نؤتها أجرها ‏مرتين ثم قال أنه يجري فينا كما أجرى في أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وآله لمحسننا ضعفين من الأجر ولمسيئنا ‏ضعفين من العذاب‎.‎
‏9‏- ‎روى الباقر عليه السّلام انه قيل لعلي بن الحُسين يا ابن رسول الله كيف يعاتب الله هؤلاء الأخلاف على قبائح ‏أسلافهم وهو سبحانه يقول ولا تزروا وازرة وزر أخرى فقال عليه السّلام إن القرآن نزل بلغة العرب فهو يخاطب ‏أهل اللسان فإنك ترى الرّجل التميمي يقول أغرنا على قوم كذا وإنما غار عليهم ويقول العربي نحن فعلنا بنبي فلان ‏كذا ونحن سبينا آل فلان ونحن خرجنا البلد الكذائي ولا يريد أنهم باشروا ذلك بأنفسهم وإنما يريد هؤلاء بالافتخار إن ‏قومهم فعلوا كذا وهكذا قول الله عز وجل في هذه الآيات إنما هو توبيخ لأسلافهم وتوبيخ عذل لهؤلاء الموجودين لان ‏هؤلاء الأخلاف رضوا بفعل أسلافهم ومصوبون لهم فجاز إن يقول أنتم فعلتم كذا أي أنكم رضيتم بقبيح أفعالهم‎.‎
‏10‏- ‎جيء إليه برجل يزعم أنّه قاتل أبيه وقد اعترف به ووجب عليه القصاص فسأله عليّ بن الحُسين عليه السّلام ‏العفو ليعظم ثوابه فلم تطب نفس ابن المقتول بالعفو فقال عليه السّلام إن كان لهذا القاتل عليك حق فهب له هذه الجناية ‏واغفر له ذنبه فقال يا ابن رسول الله له عليّ حق لم يبلغ العفو عن قتل أبي فقال عليه السّلام فماذا تريد منه قال أريد ‏القود فإن أراد المصالحة صالحته وتركت القود لأجل حقه فقال عليه السّلام ما حقه عليك قال أنه علمني توحيد الله ‏ونبوّة رسوله وإمامة عليّ والائمة عليهم السّلام فقال السّجاد عليه السّلام ألم تر أن هذا ليفي بدماء أهل الأرض كُلّهم ‏من الأولين والآخرين سوى الأنبياء والأئمة أن قتلوا فإنّه لا يفي بدمائهم شيء‎.‎
‏11‏- ‎كان صلوات الله عليه يذكر حال من مسخهم الله قردة من بني إسرائيل ويحكي قصتهم فلما بلغ آخرها قال إن الله ‏تعالى مسخ أولئك القوم لاصطيادهم السمك فكيف عند الله عز وجل حال من قتل أولاد رسول الله وهتك حريمه إن الله ‏وإن لم يمسخهم في الدّنيا فإن المعد لهم من عذاب الآخرة أضعاف عذاب المسخ فقيل له يا بن رسول الله فإنا قد سمعنا ‏هذا الحديث فقال لنا بعض النصاب إن كان قتل الحُسين باطلاً فهو أعظم عند الله من صيد السمك أفلا غضب الله على ‏قاتليه كما غضب على صائدي السمك فقال عليه السّلام: قل لهم معاصي إبليس أعظم من معاصي من كفر بإغوائه ‏فاهلك الله من شاء منهم كقوم نوح وفرعون ولم يهلك إبليس وهو أولى بالهلاك فما باله سبحانه وتعالى أهلك الذين ‏قصروا عن إبليس في عمل الموبقات وأمهل إبليس مع إيثاره لكشف المحرمات أما كان ربّنا سبحانه حكيماً في تدبيره ‏أهلك هؤلاء بحكمته واستبقى فكذلك هؤلاء الصائدون يوم السبت والقاتلون الحُسين عليه السّلام يفعل في الفريقين ما ‏يعلم أنه أولى بالصواب والحكمة لا يسأل عما يفعل وهم يسألون‎.‎

اجوبته عليه السلام
‏1‏- ‎سئل عليه السّلام عن العصبية فأجاب‎: ‎
العصيبة هي التي يأثم عليها صاحبها فيرى الرّجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن ‏يحب الرّجل قومه ولكن العصبية أن يعين قومه على الظلم‎.‎
‏2‏- ‎وسئل عليه السّلام: أي الأعمال افضل عند الله تعالى؟ فقال عليه السّلام: ما من عمل بعد معرفة الله ومعرفة رسوله ‏أفضل من بغض الدّنيا، وإن لذلك شعباً كثيرة وإن للمعاصي شعباً، فأول ما عصي الله به الكبر، وهو معصية إبليس ‏حتّى أبى واستكبر وكان من الكافرين‎.‎
والحسد وهو معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك حب النساء، وحب الدّنيا، وحب الرئاسة، وحب ‏الراحة، وحب الكلام، وحب العلو، وحب الثروة، فصرن سبع خصال فاجتمعن كُلّهن في حب الدّنيا، فقال الأنبياء ‏والعُلماء بعد معرفة ذلك: حب الدّنيا رأس كُلّ خطيئة، والدّنيا دنيا بلاغ ودنيا ملعونة‎.‎
‏3‏- ‎الأخذ بالجوهر وليس بحسن المنظر
سئل عن ذلك عليه السّلام فأجاب: إذا رأيتم الرّجل قد حسن سمته وهديه وتمادى في منطقة وتخاضع في حركاته ‏فرويداً لا يغرنكم فما أكثر من يعجزه تناول الدّنيا وركوب الحرام منها لضعب نيته ومهانته وجبن قلبه، فنصب الدّين ‏فخاً لها فهو لا يزال يختل النّاس بظاهره فإن تمكن من حرام اقتحمه، وإذا وجدتموه يعف عن المال الحرام فرويداً لا ‏يغرنكم فإن شهوات الخلق مختلفة فما أكثر من يتأبى عن الحرام وإن كثر ويحمل على نفسه شوهاء قبيحة فيأتي فيها ‏محرماً‎.‎
فإذا رأيتموه كذلك فرويداً لا يغرنكم حتّى تنظروا عقدة عقله فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثم لا يرجع إلى عقل متين ‏فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله‎.‎
فإذا وجدتم عقله متيناً فرويداً لا يغرنكم حتّى تنظروا أيكون هواه على عقله أم يكون عقله على هواه وكيف محبته ‏للرياسة الباطلة وزهده فيها فإن في النّاس من يترك الدّنيا للدنيا ويرى أن لذة الرياسة الباطلة أفضل من رياسة الأموال ‏والنعم المباحة المحللة، فيترك ذلك أجمع طلباً للرياسة حتّى إذا قيل له: اتق الله، أخذته العزة بالإثم! فحسبه جهنم وبئس ‏المهاد فهو يخبط خبط عشواء يقوده أول باطله إلى أبعد غايات الخسارة ويمد به بعد طلبه لما لا يقدر في طغيانه، فهو ‏يحل ما حرم الله ويحرم ما أحل الله لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له الرياسة التي شقي من أجلها فأولئك الذين ‏غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذاباً أليماً‎.‎
بعد أن حذرنا عليه السّلام من هذا النوع من الرّجال الذين أحبوا الرياسة الباطلة وأخذتهم العزة بالإثم فغضب الله ‏عليهم ولعنهم دعانا لنقتدي بالرجل الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله فقال: ولكن الرّجل كُلّ الرّجل الذي جعل هواه تبعاً ‏لأمر الله وقواه مبذولة في قضاء الله يرى الذل مع الحق أقرب إلى عز الأبد مع العز في الباطل ويعلم أن قليل ما ‏يحتمله من ضرائها يؤديه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفد وإن كثيراً ما يلحقه من سرائها إن اتبع هواه يؤديه ‏إلى العذاب‎.‎
‏4‏- ‎وسئل عليه السّلام عن يوم القيامة فقال‎: ‎
‎ ‎إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين، وجمع ما خلق في صعيد واحد، ثم نزلت ملائكة السماء الدّنيا ‏وأحاطت بهم صفاً، وضرب حولهم سرادق من النار، ثم نزلت ملائكة السماء الثانية فأحاطوا بالسرادق، ثم ضرب ‏حولهم سرادق من نار، ثم نزلت ملائكة السماء الثّالثة فأحاطوا بالسرادق، ثم ضرب حولهم سرادق من نار، حتّى عد ‏ملائكة سبع سماوات وسبع سرادقات، وصعق الرّجل فلما أفاق قيل له: يا بن رسول الله فأين عليّ وشيعته؟‏‎.‎
قال: على كثبان المسك يؤتون بالطعام والشراب، لا يحزنهم ذلك‎.‎
ولما بين عليه السّلام أهوال يوم القيامة والقصاص من الظالم للمظلوم قام رجل وقال: يا بن رسول الله إذا كان للمؤمن ‏على الكافر مظلمة فأي شيء يأخذ منه وهو من أهل النار؟ فقال عليه السّلام: يطرح عن المسلم من سيئاته بقدر ما له ‏على الكافر، فيعذب الكافر بها مع عذابه بكفره‎.‎
قال: فإن كان للمسلم على المسلم مظلمة فما يأخذ منه؟ فقال عليه السّلام: يؤخذ من حسنات الظالم ويدفع للمظلوم وإن ‏لم يكن حسنات يؤخذ من سيئات المظلوم على الظالم‎.‎
‏5‏- ‎سئل عليه السّلام: لم أوتم النّبيّ صلّى الله عليه وآله من أبويه؟ فقال عليه السّلام: لئلا يوجب عليه حقّ لمخلوق‎.‎
وقيل له: ما أشد بغض قريش لأبيك؟ فقال عليه السّلام: لأنّه أورد أولهم النّار، وألزم آخرهم العار‎.‎
‏6‏- ‎وبعد وقعة كربلاء رجع عليه السّلام إلى المدينة فوقف عليه إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله فقال متشمتاً: من ‏الغالب؟ قال عليه السّلام: إذا دخل وقت الصّلاة فأذن وأقم تعرف الغالب‎.‎
‏7‏- ‎روى الإمام الباقر عليه السّلام: إنّ الزّهري، مُحمّد بن مسلم بن شهاب، دخل على الإمام زين العابدين عليه السّلام ‏كئيباً حزيناً فقال له: ما بالك مغموماً؟ قال: يا بن رسول الله فما امتحنت من حساد نعمي والطامعين فيّ ممن أرجوه ‏ومن أحسنت إليه فيخلف ظني‎.‎ فقال عليّ بن الحُسين عليه السّلام: احفظ عليك لسانك تملك به إخوانك, قال الزّهري: إني أحسن إليهم بما يبدر من ‏كلامي‎.‎
فقال عليه السّلام: هيهات، هيهات إياك أن تعجب بذلك وإياك أن تتكلّم بما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك ‏اعتذاره فليس كُلّ ما تسمعه شراً يمكنك أن توسعه عذراً‏‎.‎
يا زهري من لم يكن عقله من أكمل ما فيه كان هلاكه من أيسر ما فيه‎.‎

مناقبه عليه السلام
قال الشّبلنجي: ومناقبه كثيرة، فعن سفيان، قال: جاء رجل إلى عليّ بن الحُسين رضي الله عنهما، فقال له: إن فلاناً ‏وقع فيك بحضوري، فقال له: انطلق بنا إليه، فانطلق معه وهو يرى أنه سينتصر لنفسه منه، فلما أتاه قال له: يا هذا إن ‏كان ما قلته فيّ حقاً فأسأل الله أن يغفر لي، وإن كان ما قلته في باطلاً فالله تعالى يغفره لك ثم ولى عنه‎.‎
وقال: خرج يوماً من المسجد فلقيه رجل فسبه وبالغ في سبه وأفرط، فعاد عليه العبيد والموالي فكفهم عنه وأقبل عليه ‏وقال له: ما ستر عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيى الرّجل، فألقى عليه حميصه وألقى إليه خمسة ‏آلاف درهم فقال: أشهد أنك من أولاد المصطفى‎.‎
وقال: ولقيه رجل فسبه فقال له: يا هذا بيني وبين جهنم عقبة، إن أنا جزتها فما أبالي بما قلت، وإن لم أجزها فأنا أكثر ‏مما تقول‎.‎
قال سالم مولى أبو جعفر: كان هشام بن إسماعيل يؤذي عليّ بن الحُسين وأهل بيته يخطب بذلك على المنبر، وينال ‏من عليّ رحمه الله فلما ولى الوليد بن عبد الملك عزله وأمر به أن يوقف للناس، قال: فكان يقول: لا والله ما كان أحد ‏من النّاس أهم إلي من عليّ بن الحُسين، كنت أقول رجل صالح يسمع قوله، فوقف للناس، قال: فجمع عليّ بن الحُسين ‏ولده وحامته ونهاهم عن التعرض، قال: وغدا عليّ بن الحُسين ماراً لحاجة فما عرض له، قال: فناداه هشام بن ‏إسماعيل: الله أعلم حيث يجعل رسالته... قال عبد الله بن عليّ بن الحُسين: قلت: يا أبت ولم والله إن أثره عندنا لسيئ ‏وما كنا نطلب إلا مثل هذا اليوم، قال عليه السّلام يا بني نكُلّه إلى الله فوالله ما عرض له أحد من آل حسين بحرف حتّى ‏تصرم أمره‎.‎

آثاره عليه السلام
من المحقق أنّ أوّل من ألف ودون في دنيا الإسلام هم أئمة أهل البيت عليهم السّلام، والعُلماء العظام من شيعتهم ، فهم ‏الرواد الأوائل الذين خططوا مسيرة الأمة الثقافية وفجروا ينابيع العلم والحكمة في الأرض‎.‎
ومن الجدير بالذكر أن مؤلفاتهم، وسائر بحوثهم لم تقتصر على علم خاص، وإنما تناولت جميع أنواع العُلوم كعلم ‏الفقه، والتفسير، والحديث، والأصول، وعلم النحو، والكُلّام، والفلسفة، بالإضافة إلى وضعهم لقواعد الأخلاق، وآداب ‏السلوك، وأصول التربية.. وكان أول من سبق في هذا المضمار عملاق هذه الأمة، ورائد نهضتها الفكرية والعلمية ‏الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، فهو الذي فتق أبواب العُلوم العقلية والنقلية وأسس أصولها، وقواعدها، يقول العقاد: ‏إن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام قد فتق أبواب اثنين وثلاثين علماً، فوضع قواعدها، وأرسى أصولها ويقول ابن ‏شهراشوب: الصحيح أن أول من صنف هو الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام ثم سلمان، ثم أبو ذر، ثم الأصبغ بن ‏نباتة، ثم عبيد الله بن أبي رافع، ثم صنفت الصّحيفة الكاملة‎.‎
وممن ألف من الأئمة الطاهرين الإمام زين العابدين عليه السّلام، فقد كانت مؤلفاته نموذجاً رائعاً لتطور الفكر ‏الإسلامي، وتقدم الحركة الثقافية والعلمية، ومن آثاره القيمة ما يلي‎: ‎
الصّحيفة السّجاديّة
أمّا الصّحيفة السّجاديّة فهي من ذخائر التُراث الإسلامي، ومن مناجم كتب البلاغة والتربية والأخلاق، والأدب في ‏الإسلام، ونظراً لأهميتها البالغة فقد سماها كبار رجال الفكر والعلم، بأخت القرآن، وإنجيل أهل البيت، وزبور آل ‏مُحمّد‎.‎
ومما زاد في أهميتها أنها جاءت في عصر طغت فيه الأحداث الرهيبة، والمشاكُلّ السياسية القائمة على حياة المُسلمين ‏فأحالتها إلى سحب مظلمة ليس فيها أي بصيص من نور الإسلام وهديه وإشراقه، فقد انشغل المسلمون بالتكتل الحزبي ‏والسياسي، سعيا وراء مصالحهم وأطماعهم، ولم يعد هناك أي ظل لروحانية الإسلام وتعاليمه، وآدابه، وحكمه‎. ‎
‎ ‎المناجيات الخمس عشرة
من الاثار القيمة للإمام زين العابدين عليه السّلام المناجيات الخمس عشرة وهي من الأرصدة الروحية في دنيا ‏الإسلام، فقد عالج بها الإمام الكثير من القضايا النفسية، كما فتح بها آفاقاً مشرقة للاتصال بالله تعالى، فقد ناجاه بقلب ‏مفعم بالأمل والرجاء، وتضرع إليه بتذلل وخشوع، وذاب أمام عظمته؛ ورجاه رجاء المخلصين والمنيبين، واتجه ‏بقلبه ومشاعره، فلم يبصر غيره، فوقف يناجيه صاغراً، ذليلاً، منكسراً، يرجو العفو، ويطلب منه الغفران، وقد ‏غمرت مناجاته قلوب المتقين والصالحين من شيعة أهل البيت عليهم السّلام فراحوا يناجون بها الله في غلس الليل ‏البهيم، وفي الأماكن المقدسة راجين منه تعالى أن تشملهم عنايته وألطافه‎.‎
‎ ‎كتاب عليّ بن الحُسين عليه السّلام
‎ ‎من اثاره عليه السّلام كتاب اسمه كتاب عليّ بن الحُسين وقد فقد هذا الكتاب كما فقد غيره من أمهات الكتب ‏الإسلامية، وقد عثرنا على قطعة يسيرة منه نقلها عنه الإمام أبو جعفر مُحمّد الباقر عليه السّلام قال: وجدنا في كتاب ‏عليّ بن الحُسين ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون إذا أدوا فرائض الله، وأخذوا سنن رسول الله صلّى ‏الله عليه وآله، وتورعوا عن محارم الله، واكتسبوا الطيب من رزق الله، لا يريدون به التفاخر، والتكاثر ثم أنفقوا في ما ‏يلزمهم من حقوق واجبة، فأولئك الذين بارك الله لهم في ما اكتسبوا، ويثابون على ما قدموا لآخرتهم‎.‎
ديوان شعر منسوب للإمام عليه السّلام
ونسب للإمام زين العابدين عليه السّلام ديوان من الشعر حافل بالنصائح والمواعظ وتوجد منه نسخة مخطوطة في ‏مكتبة الإمام أمير المؤمنين بخط السّيد أحمد بن الحُسين الجزائري، وقع الفراغ من كتابتها يوم الثلاثاء 26/رجب/ سنة ‏‏1358هـ وقد استنسخها عن نسخة بخط السّيد مُحمّد بن السّيد عبد الله الشوشتري المتوفي سنة 1283هـ‎.‎
ونشره الدكتور حسين عليّ محفوظ في مجلة البلاغ العدد الثامن من السنة الأولى ص24 وقال في تقديمه له: ينسب ‏إلى السّجاد عليه السّلام 2 بيتاً من الشعر جمعها شيخنا المرحوم مُحمّد عليّ التبريزي المدرس المتوفي سنة 1373هـ ‏من كتاب التحفة المهدية المطبوع في تبريز سنة 1357هـ وهو القسم الثاني من ديوان المعصومين الذي سماه الدر ‏المنثور‎ ‎
من آثاره المخطوطة
وذكر الدكتور حسين عليّ محفوظ: إنّ للإمام زين العابدين عليه السّلام مصاحف تنسب إلى خطه الشّريف توجد في ‏مكاتب شيرازي وقزوين وأصفهان ومشهد‎.‎

الكتب التي الّفت بالإمام عليه السلام وبآثاره
- ‎الإمام السّجاد جهاد وأمجاد، الدكتور حسين الحاج حسن، بيروت: دار المرتضى‎.‎
- ‎إثبات إمامة عليّ بن الحُسين عليه السّلام، لأبي النضر مُحمّد بن مسعود بن مُحمّد بن عياش السلمي السمرقندي، ‏المعروف بالعياشي‎.‎
انظر: رجال النجاشي: 352 معالم العُلماء 100 الذّريعة ج 1 ص85‏‎.‎
- ‎أثر القرآن في الصّحيفة السّجاديّة، لكاصد ياسر حسين الزيدي‎.‎
رسالة الإسلام بغداد س5: عليه السّلام 1 - 2 مايس 1971م ص41-57‏‎.‎
- ‎احتجاجات الإمام، مقتطفات من احتجاجات الإمام السّجاد عليه السّلام‎.‎
للسّيد عبد الرضا الشهرستاني‎.‎
- ‎أخبار عليّ بن الحُسين عليه السّلام، لأبي أحمد عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودي الأزدي البصري‎.‎
انظر: رجال النجاشي 242، الذّريعة 1/341‏‎.‎
- ‎كتاب أخبار عليّ بن الحُسين عليه السّلام، لأبي بكر مُحمّد بن عمر بن سالم بن البراء بن سبرة بن سيار التميمي ‏المعروف بالجعابي البغدادي ت355هـ صاحب أخبار آل أبي طالب‎.‎
انظر: رجال النجاشي 395، الذّريعة 1/342، إيضاح المكنون 1/44، أهل البيت في المكتبة العربية في: تراثنا ع1 ‏‏1405هـ ص17‏‎.‎
- ‎أدعية زين العابدين عليه السّلام، للسّيد ناصر بن الرضا بن مُحمّد بن عبد الله العلوي الحُسيني تلميذ الطوسي‎.‎
انظر: الفهرست لمنتجب الدّين 192، الذّريعة 1/396‏‎.‎
- ‎الأزهار اللطيفة في شرح مفردات الصّحيفة، للسّيد مُحمّد رضا بن الحسن الأعرجي الحلي، فرغ منه 1136‏‎.‎
انظر: الذّريعة 1/534، 535، 13/351‏‎.‎
- ‎أسرار حج از إمام سجاد بالفارسية، لمير حسين سديفي‎.‎
طهران: 1364 ش/1985م، ط2، 36ص، 17سم‎.‎
- ‎أم الإمام زين العابدين.. هل كانت فارسية؟‎.‎
الموسم بيروت: ع2، 3 1989م، ص627‏‎.‎
- ‎الإمام الرابع زين العابدين عليّ بن الحُسين عليه السّلام، للشّيخ مُحمّد حسن القبيس العاملي‎.‎
بيروت: 1403هـ - 1983م، 127ص، 24سم الحلقات الذهبية، 17‏‎.‎
- ‎الإمام زين العابدين عليه السّلام، للسّيد عبد الرزاق الموسوي المقرم‏‎.‎
النّجف الأشرف: مطبعة الغري الحديثة، 1374هـ، 436ص، 21سم‎.‎
بيروت: مؤسسة الوفاء، 1404هـ-1984م، 448ص، 24سم‎.‎
قم: دار الشبستري للمطبوعات، 436ص، 24سم‎.‎
- ‎الإمام زين العابدين، تأليف: لجنة التأليف في دار التوحيد‎.‎
طهران: دار التوحيد، ط2، 1401هـ، 80ص أهل البيت عليهم السّلام، 6‏‎.‎
طهران: مؤسسة البلاغ، 1408هـ=1988م، 92ص، 17 سم أهل البيت، 6‏‎.‎
- ‎الإمام زين العابدين عليه السّلام، للسّيد مُحمّد صادق القزويني‎.‎
ذكريات المعصومين عليهم السّلام كربلاء المقدسة ع6 صفر 1386هـ ص4-11‏‎.‎
- ‎الإمام زين العابدين يتحدث عن النّبيّ مُحمّد صلّى الله عليه وآله في الصّحيفة السّجاديّة، للسّيد مُحمّد حسين فضل الله‎.‎
الثقافة الإسلامية ع33 3-4/1411هـ=9-10/1990م، ص32-53‏‎.‎
- ‎الإمام السّجاد عليه السّلام، لحسين باقر.بغداد: مطبعة الحوادث، 1979م، 196ص‎.‎
- ‎الإمام السّجاد.. دراسة تحليلية، لكريم جبر الحسن‎.‎
راجعه: السّيد جعفر مرتضى العاملي، بيروت: مؤسسة البلاغ، 1989م‎.‎
- ‎الإمام السّجاد عليه السّلام قدوة وأسوة، لمُحمّد تقي المدرسي، ‏
طهران: مكتب العلامة المدرسي، 1369ش، 96ص‎.‎
- ‎الإمام عليّ بن الحُسين عليه السّلام، لعلي مُحمّد عليّ دخيل، ‏
النّجف الأشرف: 1967م‎.‎
- ‎الإمام عليّ بن الحُسين السّجاد عليه السّلام، للسّيد عبد الودود الأمين‎.‎
مراجعة وتقديم: الشّيخ عفيف النابلسي، بيروت: دار التوجيه الإسلامي، ط1، 1400هـ - 1980م، 120ص، سلسلة ‏الأئمة الأثنا عشر سيرة وجهاد - 4‏‎.‎
- ‎الإمام عليّ بن الحُسين وأموال مروان، للسّيد جعفر مرتضى‎.‎
الهادي قم س5: ع1، ص70-81‏‎.‎
- ‎الإمام عليّ بن الحُسين عليه السّلام ودوره في النضال ضد حكام عصره، ‏
للسّيد مُحمّد رضا الحُسيني الجلالي، مخطوط‎.‎
- ‎إنجيل أهل البيت، لبعض الأصحاب، توجد نسخة منه في مكتبة السّيد عليّ الايرواني نزيل تبريز‎.‎
انظر: الذّريعة 2/365‏‎.‎
‎ ‎ب
- ‎البديعية، النونية في مدح الإمام السّجاد زين العابدين عليّ بن الحُسين عليه السّلام‎.‎
لبعض أصحابنا وشرحها الناظم مستشهداً فيه بالأبيات المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام ثم بشعره ثم بشعر أبي ‏العلاء المعري‎.‎
انظر: الذّريعة 3/74‏‎.‎
- ‎بلاغة الإمام عليّ بن الحُسين عليه السّلام، للشّيخ جعفر عباس الحائري‎.‎
النّجف الأشرف: المطبعة الحيدرية، 1374هـ = 1954م، 152ص، 21سم‎.‎
‎ ‎ت‎ ‎
- ‎تاريخ سيد السّاجدين وإمام الزاهدين عليّ بن الحُسين زين العابدين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأولاده ‏المنتجبين، في: بحار الأنوار ج46: ص2-209، للشّيخ مُحمّد باقر المجلسي، بيروت: مؤسسة الوفاء، ط2، 1403هـ ‏‏- 1983م‎.‎
- ‎تحفة رضوية، في شرح الصّحيفة الكاملة السّجاديّة، لقاضي بن كاشف الدّين مُحمّد الأردكاني اليزدي، شرحها سنة ‏‏1056هـ، مخطوط في: مكتبة مجلس الشورى برقم 12246، الرضوية 9666 سنة 1057هـ، ناقص الأول‎.‎
انظر: مرآة الكتب 2/134، الغدير 11/257، الذّريعة 3/435، فهرس المجلس 4/30-31‏‎.‎
- ‎تخميس الفرزدقية، للشّيخ نور الدّين عبد الرحمن بن أحمد بن مُحمّد الجامي ت898هـ‎.‎
وهي الميمية البالغة إلى أحد وأربعين بيتاً قد ترجمها بتمامها بالنظم الفارسي مع ذكر تمام القصة بين الفرزدق وهشام‎.‎
انظر: ريحانة الأدب 1/387، الذّريعة 4/10‏‎.‎
- ‎تخميس مدح سيدنا زين العابدين، تخميس قصيدة الفرزدق، مع شرح التخميس، بالفارسية، لقطب الدّين محمود عليّ ‏حيدر آبادي، حيدر آباد دكن: 1316هـ، 160ص، 24سم، حجرية‎.‎
- ‎التذكرة، منسوبة للإمام زين العابدين عليه السّلام، مخطوط في: حاجي محمود باستنبول 3738هـ في 11 ورقة سنة ‏‏1307هـ، عاشر افندي 415/11 من ورقة 62-66.تاريخ التراث العربي لسزكين، مج1: ج1/266‏‎.‎
‏39‏- ‎ترجمة الإمام زين العابدين عليّ بن الحُسين، وابنه الباقر عليهما السّلام من تاريخ دمشق، أبي القاسم عليّ بن ‏الحسن بن هبة الله الشافعي الدمشقي، المعروف بابن عساكر 499-571هـ، يقوم بتحقيقه الشّيخ مُحمّد باقر المحمودي‎.‎
‎: ‎الذّريعة 4/156‏‎.‎
- ‎ترجمة الصّحيفة السّجاديّة، لمُحمّد باقر المجلسي‎.‎
يأتي بعنوان: الفوائد الطريفة في شرح الصّحيفة‎.‎
- ‎تسمية البكائين، لمُحمّد بن كعب‎.‎
انظر: سيرة ابن هشام 4/161، الإصابة لابن حجر 2/354، تراثنا: ع15 1409هـ، ص54‏‎.‎
- ‎تعاليق على حاشية الصّحيفة السّجاديّة للميرداماد، للشّيخ مُحمّد تقي الاستر آبادي ق14هـ.انظر: تراجم الرّجال ‏‏179‏‎.‎
- ‎التعقيبات الخمسة، للفرائض الخمسة هي خمسة أدعية يعقب المصلي بعد كُلّ فريضة بإحداها كُلّها مرويات عن ‏الإمام السّجاد عليه السّلام‎.‎
نسخة في مكتبة سبهسالار/ الجديدة بطهران في 32ص، سنة1237هـ، بخط مُحمّد عليّ النقيب الأصفهاني‎.‎
انظر: الذّريعة 4/218‏‎.‎
- ‎تعليقات على شرح الصّحيفة للسّيد عليّ خان، لبهاء الدّين مُحمّد بن مُحمّد باقر الأصفهاني النائيني الحُسيني.انظر: ‏ريحانة الأدب 1/290‏‎.‎
- ‎تعليقة الصّحيفة السّجاديّة، للسّيد مُحمّد بن عليّ بن نعمة الله بن حبيب بن نصر الله الحُسيني المعروف بالسيد ميرزا ‏الجزائري ت1099هـ‎.‎
- ‎التعليقة على الصّحيفة السّجاديّة، للسّيد حسين ابن حسن ابن مُحمّد الموسوي الكربلائي، فرغ منه سنة 959هـ‎.‎
انظر: تكملة أمل الآمل 176، الذّريعة 6/145، بعنوان: الحاشية، و13/350 بعنوان: شرح الصّحيفة‎.‎
ج
- ‎الجهاد الصامت في تحليل موقف الإمام عليّ بن الحُسين في صحيفته المعروفة بالصحيفة السّجاديّة، للسّيد مُحمّد ‏صادق الصّدر، طبع في: بغداد د.ت‎.‎
- ‎الجوشن الكبير، الدعاء المشتمل على مائة فصل وفي كُلّ فصل يدعى بعشرة أسماء من أسماء الله أورده الشّيخ ‏الكفعمي في مصباحه وذكر أنه مروي عن الإمام السّجاد عليه السّلام عن أبيه عن جده عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله ‏قد أنزله إليه جبرئيل هدية من عند الملك الجليل جل جلاله وأمره أن يخلع عنه الجوشن الثقيل ويقي نفسه عن شرور ‏الأعداء ببركة هذا الدعاء له شروح كثيرة للعلماء منها شرح المولى مُحمّد باقر المجلسي المتوفي سنة 1111هـ‎.‎
انظر: الذّريعة 5/287‏‎.‎
‎ ‎ح
- ‎حاشية الصّحيفة السّجاديّة، لميرزا رفيع الدّين مُحمّد بن حيدر الطباطبائي النائيني، كان حياً سنة 1080هـ‎.‎
انظر: ريحانة الأدب 6/128، الذّريعة 6/146، 13/357‏‎.‎
- ‎حاشية الصّحيفة الكاملة السّجاديّة، لعلي بن حجة الله بن شرف الدّين عليّ بن عبد الله بن حسين بن مُحمّد بن عبد ‏الملك الطباطبائي الشولستاني المعروف بأمير شرف الدّين المتوفى في النّجف بعد سنة 1060هـ أو بعد سنة ‏‏1063هـ‎.‎
انظر: ريحانة الأدب 3/197، الذّريعة 6: 146، 13/353‏‎.‎
- ‎الحاشية على شرح الصّحيفة الكاملة السّجاديّة، للسّيد بهاء الدّين مُحمّد المختاري النائني.توجد نسخته في مكتبة مجد ‏الدّين.انظر: الذّريعة 6/124‏‎.‎
- ‎حاشية على شرح الصّحيفة الكاملة للسّيد عليّ المدني، لملا أحمد الأعرج الكشميري ت1301هـ.انظر: مطلع أنوار ‏‏119‏‎.‎
- ‎الحاشية على شرح الصّحيفة الكاملة السّجاديّة، للسّيد عبد الله نور الدّين الجزائري التستري ت1173هـ.انظر: ‏الذّريعة 6/124‏‎.‎
- ‎الحاشية على الصّحيفة السّجاديّة، للميرزا عبد الله بن عيسى التبريزي الأصفهاني صاحب الرياض.انظر: الذّريعة ‏‏6/146، 13/353‏‎.‎
- ‎الحاشية على الصّحيفة السّجاديّة، للشّيخ عز الدّين حسين بن عبد الصمد بن شمس الدّين مُحمّد بن زين الدّين عليّ بن ‏بدر الدّين حسن بن صالح بن إسماعيل الحارثي الهمداني الجعبي والد الشّيخ البهائي ت984هـ‎.‎
انظر: الذّريعة 6/145، 13/351، الغدير 11/227، ريحانة الأدب 4/129‏‎.‎
- ‎الحاشية على الصّحيفة السّجاديّة، للمولى عبد الغفار الرشتي‎.‎
انظر: الذّريعة 6/145، 13/352‏‎.‎
- ‎الحاشية على الصّحيفة السّجاديّة، للشّيخ عليّ بن مُحمّد بن الحسن بن زين الدّين الشّهيد 1104.انظر: ريحانة الأدب ‏‏2/430، الذّريعة 6/146‏‎.‎
- ‎الحاشية على الصّحيفة السّجاديّة، للمحدث مُحمّد بن المرتضى المدعو بمحسن الفيض الكاشاني ت1091هـ.فرغ منه ‏سنة 1055هـ‎.‎
مخطوط في مكتب السّيد المرعشي بقم ضمن مجموعة برقم 1363‏‎.‎
الأوراق 122ب - 125ب، ومجموعة 3666، الأوراق 71ب - 124ب، و5784 في 55 ورقة. مجلس الشورى ‏تاريخها القرن الثاني عشر الهجري‎.‎
طبع في: طهران: 1316هـ منضماً إلى نور الأنوار للمحدث الجزائري‎.‎
قم: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث تحقيق: السّيد عليّ الخراساني‎.‎
طهران: وزارة الثقافة والتعليم العالي، 1366ش = 1987م، 132ص، 24سم‎.‎
انظر: كشف الحجب والأستار 341، الذّريعة 6/146، 13/358، فهرس المرعشي 4/137، 10/58-59، ‏‏15/170، ريحانة الأدب 4/376، فهرس المجلس 10/635‏‎.‎
- ‎حدائق الصالحين، في شرح صحيفة سيد السّاجدين عليه السّلام‎.‎
لشيخ الإسلام بهاء الدّين مُحمّد بن لاحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي بأصفهان 1031هـ‎.‎
جعل شرح كُلّ دعاء في حديثه وقد خرج شرح عدة من حدائقه وكانت تلك العدة موجودة في المشهد الرضوي في ‏عصر العلامة المجلسي كما ذكره بعض معاصريه في رسالة كتبها إليه والرسالة بصورتها مدرجة في آخر إجازات ‏البحار لكن الموجود المتداول منها اليوم هو الحديقة الهلالية فقط في شرح دعائه عند رؤية الهلال الذي هو الدعاء ‏الثالث والأربعين وقال في آخر ثم تأليف الحديقة الهلالية من كتاب حدائق الصالحين ويتلوها بعون الله الحديقة ‏الصومية وهو شرح دعائه عليه السّلام عند دخول شهر رمضان، وذكر أنه فرغ منها كتابه الهلية في بغداد في ‏‏1003هـ فظهر أن ما خرج من قلم الشّيخ البهائي لم يكن منحصراً بالحديقة الهلالية حتّى يقال أن استعمال حدائق ‏الصالحين مجاز لا حقيقة له‎.‎
انظر: كشف الحجب والأستاذ 193، 341، الذّريعة 6/288، 13/357، ريحانة الأدب 3/309-310‏‎.‎
- ‎حديث في أسرار الحج، منقول عن عليّ بن الحُسين عليه السّلام‎.‎
نسخة في مجلس الشورى بطهران.انظر: فهرس المجلس 9/432‏‎.‎
- ‎الحديقة الأخلاقية، من أجزاء حدائق الصالحين في شرح صحيفة سيد السّاجدين، للشّيخ بهاء الدّين مُحمّد العاملي‎.‎
انظر: الذّريعة 6/380‏‎.‎
- ‎الحديقة الهلالية، شرح دعاء الهلال من الصّحيفة السّجاديّة، للشّيخ البهائي: بهاء الدّين مُحمّد ابن الحُسين بن عبد ‏الصمد الحارثي 953-1030هـ‎.‎
مخطوط في: مكتبة السّيد المرعشي بقم برقم 4239، ومجموعة 7351، الأوراق 29ب - 31ب‎.‎
طبع في: 1316هـ، منضماً إلى شرح الصّحيفة للسّيد نعمة الله الجزائري‎.‎
قم: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، 1410هـ، 204ص، تحقيق: السّيد عليّ الموسوي الخراساني الكاظمي‎.‎
انظر: كشف الحجب والأستار 195، ريحانة الأدب 3/310، الذّريعة 6/391، فهرس المرعشي 19/150‏‎.‎
- ‎حرز، منسوب للإمام زين العابدين عليه السّلام‎.‎
مخطوط في: أيا صوفية 3324 من 47-64، ق11 هـ‏‎.‎
انظر: سزكين مح1: ح3/266‏‎.‎
- ‎حل لغات الصّحيفة، لمُحمّد باقر بن مُحمّد شفيع المنجم‎.‎
أوله أناديك يا من ينادي من كُلّ فج عميق بألسنة شتى ولغات مختلفة - إلى قوله‎ ‎
- ‎حواشي الصّحيفة السّجاديّة، للمولى هادي البنآبي الراوي عن الشّيخ المرتضى الأنصاري‎.‎
- ‎حياة الإمام زين العابدين عليه السّلام.. دراسة وتحليل، للشّيخ باقر شريف القرشي‎.‎
بيروت: دار الأضواء، ط1، 1409هـ-1988م، 2ج، 263+424ص، 24سم‎.‎
- ‎حياة الإمام السّجاد عليه السّلام، في: عوالم العُلوم‎.‎
للشّيخ عبد الله بن نور الله البحراني ق11هـ‎.‎
تحقيق: مدرسة الإمام المهدي‎.‎
قم: مدرسة الإمام المهدي، ط1، 1407هـ، 351ص، 24سم‎.‎
- ‎حياة الإمام عليّ بن الحُسين عليه السّلام، لكاظم جواد الساعدي‎.‎
النّجف الأشرف، مطبعة الغري، 1374هـ=1955م، 440ص، 21سم‎.‎
- ‎حياة الإمامين زين العابدين ومُحمّد الباقر، لعلي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي‎.‎
النّجف الأشرف: 1369هـ، 82ص، 21 سم‏‎.‎
‎ ‎بعناية: مُحمّد رضا الكتبي‎.‎
‎ ‎د
- ‎الدرر المنظومة المأثورة في جمع لآلئ أدعية السّجاديّة المشهورة، للشّيخ عبد الله بن عيسى بن مُحمّد صالح بن مير ‏مُحمّد بن خضر شاه التبريزي الأصفهاني المعروف بالأفندي المتوفى حدود 1130هـ‎.‎
مخطوط في مكتبة السّيد المرعشي بقم برقم 1960 في 124 ورقة‏‎.‎
طبع في: طهران 1324هـ، 251ص، 21سم، حجرية‎.‎
انظر: الذّريعة 8/138، 15/20، فهرس المرعشي 5/332، ريحانة الأدب 1/163‏‎.‎
- ‎دعاء أبي حمزة الثمالي، رواه الشّيخ أبو مُحمّد هارون بن موسى التلعكبري بإسناده إلى الحسن بن محبوب الزراد ‏عن أبي حمزة الثمالي أنه قال كان زين العابدين عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء في سحر شهر رمضان. وهو دعاء ‏كبير‎.‎
انظر: الذّريعة 8/186‏‎.‎
- ‎الدعاء أسلوب تربوي على ضوء الصّحيفة السّجاديّة، لعباس الترجمان‎.‎
النّجف س2: ع3 1/1388هـ-4/1968، ص101-108‏‎.‎
- ‎الدعاء الأول في التحميد البديع هو الخالق المخترع لا عن مثال موجود بمكتبة عباس اقبال بطهران‎.‎
انظر: الذّريعة 7/73‏‎.‎
- ‎دعاء عرفة للإمام عليّ بن الحُسين‎.‎
طهران: دار الغدير، 1351ش، 16ص، 17سم‎.‎
- ‎دعاء لزين العابدين عليّ بن الحُسين عليه السّلام، مخطوط في: الجامع الكبير بصنعاء ضمن مجموع‎.‎
انظر: المورد مح3: ع2 1974، ص296‏‎.‎
- ‎دعاء مكارم الأخلاق، للإمام زين العابدين عليه السّلام، شرح وتحقيق: عبد الأمير قبلان‎.‎
النّجف الأشرف: مطبعة النعمان، 1963م، 153ص، 21سم‎.‎
- ‎كتاب الدعوات عن زين العابدين عليه السّلام، للسّيد أبي القاسم زيد بن إسحاق الجعفري‎.‎
انظر: فهرست منتجب الدّين 80، الذّريعة 8/202‏‎.‎
- ‎الدّليل إلى موضوعات الصّحيفة السّجاديّة، للشّيخ مُحمّد حسين المظفر‎.‎
قم: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، 1362ش-1403هـ، 328ص، 24سم. دمشق: سفارة الجمهورية الإسلامية ‏الإيرانية، طبع منضماً للصّحيفة السّجاديّة التي حققها: عليّ أنصاريان‎.‎
- ‎ديوان منظومات السّجاد، للإمام زين العابدين عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام ت94هـ‎.‎
مخطوط في: خزانة مجيد موقّر في طهران، قوامها جزآن، الأول تاريخه 298هـ، والثاني 299هـ‎.‎
ذكرهما: د. حسين عليّ محفوظ في مجلة معهد المخطوطات العربية ح3 1975م ص12-13، أقدم المخطوطات ‏العربية في العالم 135، تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين مج1: ج3/266، الذّريعة 9/431‏‎.‎
‎ ‎ذ
- ‎ذكر من روى عن عليّ بن الحُسين عليه السّلام المصباح السابع من كتب المصابيح، للشّيخ الصدوق أبي جعفر ‏مُحمّد بن عليّ بن الحُسين بن موسى بن بابويه القمي ت381هـ‎.‎
انظر: رجال النجاشي 391‏‎.‎
- ‎ذكرى وفاة الإمام عليّ بن الحُسين زين العابدين عليه السّلام، تأليف: لفيف من الروحانيين‎.‎
كربلاء المقدسة: مكتب ذكريات المعصومين، 1386هـ، 32ص، 21سم ذكريات المعصمين، 6‏‎.‎
‎ ‎ر
- ‎رسالة حقوق، رواها أبو حمزة الثمالي، ثابت بن أبي صفية دينار ت150هـ، عن الإمام عليّ بن الحُسين عليه ‏السّلام‎.‎
طبعت في: بغداد: 1369هـ، 179ص، تحقيق: عبد الهادي المختار حديث الشهر، 6‏‎.‎
طهران: دار التوحيد، 1402هـ، 36ص، 17سم‎.‎
انظر: رجال النجاشي 116، إيضاح المكنون 1/562، الذّريعة 7/42، تاريخ التراث العربي لسزكين مج1: ‏ج3/263‏‎.‎
- ‎رسالة في سند الصّحيفة الكاملة، للشّيخ ميرزا أبو المعالي بن مُحمّد إبراهيم الكرباسي 1247-1315هـ‎.‎
انظر: ماضي النّجف وحاضرها 3/235، الذّريعة 12/236‏‎.‎
- ‎رسالة في شرح دعاء أبي حمزة في السحر، للسّيد أبي القاسم جعفر بن الحُسين بن قاسم بن محب الله الخوانساري ‏‏1158هـ‎.‎
انظر: الذّريعة 21/401‏‎.‎
- ‎رسالة في ملحقات الصّحيفة الكاملة، وبعض الأدعية الساقطة عنها للمولى مُحمّد باقر المجلسي.طبع مع الصّحيفة ‏مكرراً‎.‎
انظر: الذّريعة 22/200‏‎.‎
- ‎رفع الكيد عن مولانا زيد، أعني الشّهيد ابن عليّ بن الحُسين عليه السّلام في إثبات جلالة شأنه وذكر أعقابه، للسّيد ‏قاسم النسابة السبزواري المختاري‎. ‎
انظر: الذّريعة 11/244‏‎.‎
- ‎روضات المتألهين في شرح صحيفة سيد السّاجدين، للمولى عبد الرّسول المدني ابن مُحمّد الكاشاني.في خمس ‏مجلدات‎.‎
انظر: الذّريعة 6: 306‏‎.‎
- ‎روضة العارفين في شرح صحيفة سيد السّاجدين، للمولى شاه مُحمّد بن مُحمّد الدارابي الاصطهباناتي.يأتي بعنوان: ‏رياض العارفين‎.‎
- ‎رياض السالكين في شرح صحيفة سيد السّاجدين، للسّيد صدر الدّين عليّ بن أحمد بن مُحمّد بن المعصوم الحُسيني، ‏والمعروف بالسيد عليّ خان المدني ت1118هـ، شرع فيه سنة 1094هـ، فرغ منه سنة 1116هـ‎.‎
مخطوط في: مكتبة الصّدر نسخة نفيسة‎.‎
سبهسالار برقم 144‏‎.‎
مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامة في النّجف ناقصة تاريخها 1105هـ‎.‎
مكتبة الشّيخ مشكور، ناقصة تاريخها 1115هـ‎.‎
طبع في: طهران: 1271هـ، رحلي، حجرية‎.‎
طهران: 1304هـ، 587ص، رحالي، حجرية‎.‎
طهران: 1317هـ، 587ص، رحلي، حجرية‎.‎
تبريز: 1334هـ، 587ص، رحلي، حجرية‎.‎
قم: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث د.ت، 600ص، رحلي، أوفسيت‎.‎
قم: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية، ط1، 1368ش، 568ص، 24سم تحقيق: ‏السّيد مُحسن الحُسيني الأميني‎.‎
انظر: كشف الحجب والأستار 300، 341. إيضاح المكنون 1/603، الذّريعة 6/124، 9/754، 11/325، 328، ‏‏13/353، ريحانة الأدب 2/93‏‎.‎
- ‎رياض العابدين في شرح صحيفة سيد السّاجدين، للبديع الهرندي‎.‎
يأتي بعنوان: رياض العارفين في شرح صحيفة سيد السّاجدين‎.‎
- ‎رياض العارفين، في شرح صحيفة المتقين، يعني زبور آل مُحمّد صلّى الله عليه وآله الصّحيفة الكاملة، للمولى شاه ‏مُحمّد بن مُحمّد الشيرازي الاصطهباناتي الدرابي. وهو شرح طويل مزجي. فرغ من الشرح سنة 1082هـ واستنسخه ‏الحاج عناية الله الشيرازي في 1086هـ ثم وقفه المصنف للخزانة الرضوية وكتب الوقفية عليه بخطه في 1089هـ‎.‎
انظر: كشف الحجب والأستار 341، الذّريعة: 11/330، 298، 13/358‏‎.‎
‎ ‎ز
- ‎كتاب زهد عليّ بن الحُسين عليه السّلام، للشّيخ الصدوق أبي جعفر مُحمّد بن عليّ بن الحُسين بن موسى بن بابويه ‏القمي ت381هـ‎.‎
انظر: رجال النجاشي 391‏‎.‎
- ‎زين العابدين، لأحمد فهمي المصري.طبع في مصر‎.‎
- ‎زين العابدين، لبطرس البستاني، في: دائرة المعارف 9/354-357‏‎.‎
بيروت: 1887م = 1304هـ‎.‎
- ‎زين العابدين، لعبد الحليم محمود، القاهرة: دار الإسلام، 1973م، 146ص‎.‎
- ‎زين العابدين، لمُحمّد فريد وجدي، في: دائرة معارف القرن العشرين 4/793-795، بيروت: دار المعرفة، ط3، ‏د.ت‎.‎
- ‎زين العابدين عليّ بن الحُسين، في: الأعلام 4/277‏‎.‎
لخير الدّين الزركُلّي، بيروت: دار العلم للملايين، ط7، 1986م‎.‎
- ‎زين العابدين عليّ بن الحُسين عليه السّلام، لعبد العزيز سيد الأهل‎.‎
بيروت: 1953م، 96ص، 21سم، القاهرة: مكتبة وهبة، 1961م، 110ص، 21سم‎.‎
- ‎زين العابدين عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام، رابع أئمة أهل البيت الطاهر صلوات الله عليهم، ‏مولده ووفاته وعمره ومدفنه، أعيان الشيعة 1/629-650، للسّيد مُحسن الأمين، حققه وأخرجه: حسن الأمين، ‏بيروت: دار التعارف للمطبوعات، 1403هـ - 1983م‎.‎
- ‎زين العابدين عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب وقصته مع الحجاج ابن يوسف الثقفي، لمُحمّد عبد الرحيم، ‏دمشق، بيروت: دار الإيمان، 1988م، 96ص‎.‎
‎ ‎س
- ‎سند الصّحيفة السّجاديّة، لنجم الدّين مُحمّد بن الحسن الحُسيني‎.‎
انظر: الذّريعة 12/235‏‎.‎
‎ ‎ش
- ‎شاعر الله، حول الإمام السّجاد عليه السّلام، لصدر الدّين شرف الدّين‎.‎
رسالة الإسلام س3: ع1، 2 1978م، ص39-46‏‎.‎
- ‎شرافة الأعمال، في شرح دعاء مكارم الأخلاق من الصّحيفة السّجاديّة‎.‎
للشّيخ مُحمّد جواد بن مُحمّد عليّ بن جعفر التستري ت1335هـ، يوجد عند ابن أخيه الشّيخ مُحمّد تقي بن مُحمّد كاظم ‏بن مُحمّد عليّ 1321هـ‎.‎
انظر: الذّريعة 13/44‏‎.‎
- ‎شرح دعاء أبو حمزة، للسّيد حسين بن جعفر الحُسيني الموسوي الخوانساري ت1191هـ‎.‎
انظر: ريحانة الأدب 2/189، الذّريعة 13/246‏‎.‎
- ‎شرح دعاء أبي حمزة الثمالي، للشّيخ مُحمّد إبراهيم بن عبد الوهاب السبزواري 1291هـ. انظر: الذّريعة 13/246‏‎.‎
- ‎شرح دعاء أبي حمزة الثمالي، للمولى مُحمّد تقي بن حسين عليّ الهروي الأصفهاني الحائري ت1299هـ‎.‎
انظر: الذّريعة 13/246‏‎.‎
- ‎شرح دعاء أبي حمزة الثمالي، للسّيد معز الدّين بن مسيح الاصطبهاناتي ت1379هـ‎.‎
انظر: الذّريعة 13/246‏‎.‎
- ‎شرح دعاء الجوشن الكبير، للمولى حبيب بن عليّ مدد الساوجي الكاشاني ت1340هـ‎.‎
انظر: الذّريعة 13/248‏‎.‎
- ‎شرح دعاء الجوشن الكبير، للمولى مُحمّد نجف الكرماني المهشدي العارف الاخباري ت1298هـ‎.‎
انظر: الذّريعة 13/248‏‎.‎
- ‎شرح دعاء الجوشن الكبير، لملا هادي بن مهدي السبزواري ت1289هـ‎.‎
مخطوط في: كتبة السّيد المرعشي 7380 في 166 ورقة‏‎.‎
- ‎شرح دعاء السحر لأبي حمزة الثمالي، للسّيد جعفر ابن الحسن بن قاسم الموسوي ت1158هـ.انظر: مرآة الكتب ‏‏3/63‏‎.‎
- ‎شرح دعاء الصباح من الصّحيفة السّجاديّة، للشّيخ البهائي، بهاء الدّين مُحمّد بن الحُسين بن عبد الصمد الحارثي ‏‏1031‏‎.‎
استظهر المدرس في ريحانة الأدب اتحاده مع حدائق الصالحين للمؤلف‎.‎
انظر: ريحانة الأدب 3/311، الذّريعة 13/ 256‏‎.‎
- ‎شرح دعاء الصباح والمساء للإمام زين العابدين عليه السّلام، للمولى مُحمّد صادق بن زين العابدين، فرغ من سنة ‏‏1062هـ‎.‎
انظر: تراجم الرّجال 204‏‎.‎
- ‎شرح دعاء عرفة من الصّحيفة السّجاديّة، للسّيد خليفة بن مطلب بن حيدر الموسوي الحويزي المعاصر للشّيخ ‏البهائي‎.‎
انظر: كشف الحجب والأٍستار 335‏‎.‎
- ‎شرح دعاء مكارم الأخلاق، من الصّحيفة الكاملة السّجاديّة‎.‎
قطعة منه ضمن مجموعة كانت في مكتبة المولى مُحمّد عليّ الخوانساري في النّجف الأشرف مع مجاميع أخر كُلّها ‏بخط المولى مُحمّد تقي الكُلّبايكاني ت1292هـ‎.‎
انظر: الذّريعة 13/260‏‎.‎
- ‎شرح دعاء مكارم الأخلاق، للشّيخ مُحمّد جواد بن مُحمّد عليّ بن جعفر التستري.تقدم: بعنوان شرافة الأعمال‎.‎
- ‎شرح ديوان السّجاد، مخطوط في: حسين عليّ محفوظ بالكاظمية‏‎.‎
انظر: مجلة معهد المخطوطات العربية 6/37، سزكين مج1: ج3/266‏‎.‎
- ‎شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السّلام، للسّيد حسين القبانجي، النّجف الأشرف: مطبعة الآداب ‏‏1964م، 660ص، 24سم‎.‎
قم: مؤسسة إسماعيليان، 1406هـ‎.‎
بيروت: دار الأضواء، 1409هـ-1989م. 2مج، 1310ص، 17×24سم‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للميرزا إبراهيم بن مير مُحمّد معصوم بن مير فصيح بن مير أطباء الحُسيني التبريزي القزويني ‏ت1149هـ‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للسّيد أفصح الدّين مُحمّد الشيرازي‎.‎
انظر: الذّريعة 13/356‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، لبعض الأصحاب لا يعرف شخصه لنقص أوله وآخره ووسطه، كانت النسخة في مكتبة الخلاني ‏العامة في بغداد‎.‎
انظر: الذّريعة 13/349‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للسّيد جمال الدّين الكوكياني اليماني ت ببغداد 1339هـ‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للميرزا حسن بن عبد الرزاق اللاهيجي، لم يتم مع أنه كبير في ثلاث مجلدات‏‎.‎
انظر: الذّريعة 13/349‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للمولى تاجا، تاج الدّين حسن بن مُحمّد الأصفهاني‎.‎
يوجد في مكتبة الميرزا أبي الهدي الكُلّباسي في أصفهان‎.‎
انظر: الذّريعة 13/350‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للمولى حسين بن حسن الجيلاني الأصفهاني ت1129هـ‎.‎
توجد قطعة من الشرح العربي للصّحيفة إلى آخر الدعاء الخامس وفيه تعريضات كثيرة على الشارح المدني وتاريخه ‏‏112هـ بخط السّيد أبي القاسم بن الحُسين الموسوي، والنسخة عند السّيد زين العابدين اللواساني في طهران‎.‎
انظر: ريحانة الأدب 5/137، الذّريعة 13/350‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للمولى خليل بن الغازي القزويني‎.‎
نسخة منه كانت في مكتبة شيخ الشريعة الأصفهاني في النّجف‎.‎
انظر: الذّريعة 13/351‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للسّيد صدر الدّين نصير الدّين بن مُحمّد صالح الطباطبائي‎.‎
انظر: الذّريعة 13/352‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للمفتي مير عباس اللكهنوي، يوجد في مكتبة السّيد ناصر حسين الكنتوري بلكهنو.انظر: الذّريعة ‏‏13/352‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، لابن مفتاح، أبي الحسن عبد الله بن ابن القاسم ابن مفتاح الزيدي اليماني.انظر: الذّريعة 13/353‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للمولى جمال السالكين عبد الباقي الخطاط التبريزي‎.‎
مسهب مبسوط على طريقة الصوفية‎.‎
انظر: الذّريعة 13/352‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للمولى مُحمّد المدعو بعبد الباقي‎.‎
انظر: كشف الحجب والأستار 341، الذّريعة 13/357‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للمولى فتح الله الخطاط الصوفي على طريقة التصوف‎.‎
انظر: الذّريعة 13/354‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، لفخر الدّين بن مُحمّد بن عليّ الطريحي‎.‎
يأتي بعنوان: النكت اللطيفة في شرح الصّحيفة‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للفيض الكاشاني‎.‎
تقدم بعنوان: الحاشية على الصّحيفة السّجاديّة‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للميرزا قاضي، خرج منه شرح أربعة من أدعيتها‎.‎
انظر: الذّريعة 13/355‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للسّيد مُحسن بن أحمد الشامي الحُسيني اليماني الزيدي ت1251هـ‎.‎
انظر: الذّريعة 13/356‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للسّيد مُحسن بن قاسم بن إسحاق الصنعاني الزيدي من أهل القرن الثالث عشر.انظر: الذّريعة ‏‏13/356‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للسّيد مُحمّد بن الحُسين الحارثي العاملي‎.‎
تقدم بعنوان: حدائق الصالحين‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للشّيخ أبي جعفر مُحمّد بن جمال الدّين أبي منصور الحسن ابن الشّهيد الثاني ت1030هـ‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للشّيخ أبي جعفر مُحمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس العجلي الحلي ت598هـ.انظر: الذّريعة ‏‏13/358‏‎. ‎
- ‎شرح الصّحيفة، للسّيد مُحمّد باقر الحُسيني الشيرازي، انظر: الذّريعة 13/346‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، لمُحمّد باقر المجلسي، يأتي بعنوان: الفوائد الطريفة في شرح الصّحيفة‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للسّيد نعمة الله بن عبد الله بن مُحمّد الجزائري‎.‎
يأتي بعنوان: نور الأنوار في شرح كلام خير الأخيار‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للسّيد نعمة الله الجزائري، وهو غير نور الأنوار وأكبر وأقدم منه بل هو ملخص منه كما صرح به ‏سبطه السّيد عبد الله‎.‎
انظر: الذّريعة 13/358‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للشّيخ المحقق نور الدّين أبي الحسن عليّ بن عبد العالي الكركي ت940هـ‎.‎
انظر: الذّريعة 13/353‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للمولى مُحمّد طلاهر بن الحُسين الشيرازي‎.‎
يوجد عند السّيد عليّ الهمداني في النّجف‎.‎
انظر: الذّريعة 13/353‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للمولى شاه مُحمّد الدارابي الاصطهباناتي‎.‎
تقدم بعنوان: رياض العارفين‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للسّيد مُحمّد رضا الأعرجي الحلي‎.‎
تقدم بعنوان: الأزهار اللطيفة في شرح مفردات الصّحيفة‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، لمُحمّد صادق بن زين العابدين‎.‎
نسخة في مجلس الشورى بطهران برقم 12246‏‎.‎
انظر: فهرس المجلس 4/31‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة، للشّيخ يعقوب بن إبراهيم البختياري الحويزي ت1150هـ‎.‎
انظر: الذّريعة 13/359‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، مجهول المؤلف، مخطوط في: مكتبة السّيد المرعشي 7299 في 74 ورقة، من القرن ‏الحادي عشر عصر المؤلف‎.‎
أنظر: فهرسها 19/90‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، مجهول المؤلف، مخطوط في: الوزيري مجموعة 17380 الأوراق 37-270، ‏و17383 في 190 ورقة‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، لإبراهيم بن عليّ الكفعمين، يأتي بعنوان: الفوائد الطريفة‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، بقلم: الشّيخ أبو الحسن بن مُحمّد طاهر الفتوني ت1138هـ أو 1140هـ‎.‎
انظر: ماضي النّجف وحاضرها 3/46، معارف الرّجال 1/42، الذّريعة 13/346‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، في مجلدين، للشّيخ حسن بن عباس بن مُحمّد عليّ بن مُحمّد البلاغي، فرغ منه سنة ‏‏1005هـ‎.‎
انظر: ماضي النّجف وحاضرها 2/68، ريحانة الأدب 1/276، الذّريعة 13/349‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، لملا رضا عليّ الطالقاني، مخطوط في: الرضوية 8873.انظر: الذّريعة 13/351‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، لآقا سليم الرازي، انظر: تتميم أمل الآمل 177‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، لصدر الدّين مُحمّد بن صادق الحُسيني ق11هـ، مخطوط في: مكتبة فحول في قزوين، ‏ضمن مجموعة‎.‎
انظر: مخطوطات مكتبة فحول القزويني، في: تراثنا ع2 1406هـ ص88‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، في مجلدين كبيرين، للشّيخ عباس بن حسن بن عباس بن مُحمّد عليّ بن مُحمّد البلاغي، ‏كان حياً سنة 1155هـ‎.‎
انظر: تكملة أمل الآمل 251، ماضي النّجف وحاضرها 2/76، الذّريعة 13/352‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، لملا عبد النّبيّ بن أوجاق قلي أو شرف الدّين مُحمّد الطسوجي المتوفي في كربلاء سنة ‏‏1203هـ، انظر: ريحانة الأدب 4/57‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، لعز الدّين الجزائري، بيروت: دار التعارف‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، لعلي بن زين العابدين بن مُحمّد العاملي المعروف بشيخ عليّ الصغير، فرغ منها سنة ‏‏1097هـ، مخطوط في: الرضوية 10854، سنة 1097هـ، انظر: الذّريعة 13/354‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، للسّيد عليّ خان المدني، تقدم بعنوان: رياض السالكين في شرح صحيفة سيد السّاجدين‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، للسّيد مير مُحمّد، مخطوط في: مكتبة السّيد المرعشي بقم 4308 في 99 ورقة، انظر: ‏فهرسها 11/300‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، لمُحمّد بن مُحمّد رضا بن إسماعيل القمي المشهدي، فرغ منه سنة 1091هـ، مخطوط في: ‏الرضوية 10120 سنة 1090هـ، مكتبة السّيد المرعشي بقم برقم 2522 في 123 ورقة سنة 1311هـ، و4259 في ‏‏123 ورقة، و4931 في 95 ورقة سنة 1103هـ، بخط المؤلف‎.‎
مكتبة السّيد مُحمّد المحيط بطهران، مكتبة عيسى العطار في بغداد وهي ناقصة‎.‎
انظر: الذّريعة 13/356، فهرس المرعشي 7/108-109، 11/261، 13/126‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، للسّيد بن مهدي الحُسيني الشيرازي‎.‎
طبع في: النّجف الأشرف - مطبعة النعمان، 1385هـ - 1966م، 24سم‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، للشّيخ مُحمّد حسن بن عيسى بن مال الله الدكسن 1296هـ - 1368هـ، انظر: شعراء ‏الغري 7/525‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، لمُحمّد سليم الرازي، فرغ منه سنة 1059هـ‎.‎
مخطوط في: الرضوية 3198 سنة 1071هـ، مجلس الشورى برقم 13177 في 469ص، المرعشي 2306 في ‏‏282 ورقة، سنة 1068هـ، و3471 في 273 ورقة، و3642 في 263 ورقة، انظر: فهرس المجلس 4/28، الذّريعة ‏‏13/351، فهرس المرعشي 6/289 - 290، 9/270، 10/41‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، لمُحمّد عليّ بن مسعود الجشي الخطي‎.‎
انظر: الموسم مج3: ع9، 10 1411هـ، ص434، الذّريعة 13/354‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، لميرزا نصير الدّين بن جمال الدّين المرعشي ت1110هـ، مخطوط في: مكتبة السّيد ‏المرعشي بقم مجموعة 211 من 1ب- 109ب‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة السّجاديّة، للسّيد قوام الدّين بن نصير الدّين المرعشي ق12هـ، مخطوط في: مكتبة السّيد المرعشي ‏بقم مجموعة 211 من 110 لا - 144 لا‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة الكاملة السّجاديّة، للشّيخ مُحمّد تقي بن مقصود عليّ المجلسي 1070هـ، مخطوط في: مكتبة السّيد ‏حسن الصّدر بالكاظمية، كتابتها 1073هـ، انظر: كشف الحجب والأستار 342، الذّريعة 6/145، 13/348‏‎.‎
- ‎شرح الصّحيفة الكاملة السّجاديّة، للسّيد مُحمّد باقر بن شمس الدّين الحُسيني الاسترآبادي الأصفهاني المعروف ‏بالميرداماد ت1041هـ‎.‎
طبع في: تبريز: 1316هـ، حجرية، طهران: 1317هـ، 298ص، 24سم، حجرية في هامش نور الأنوار، للسّيد نعمة ‏الله الجزائري، أصفهان: مهدية الميرداماد، 1366ش، 460ص، 24سم تحقيق: السّيد مهدي الرجائي‎.‎
انظر: كشف الحجب والأستار 183، الذّريعة 6/145، 13/347، فهرس مكتبة السّيد المرعشي 19/327، فهرس ‏مشار العربي 285‏‎.‎
- ‎شرح غريب الصّحيفة، للسّيد مُحسن بن عبد الكريم بن عليّ الأمين 1282هـ - 1371هـ، انظر: شعراء الغري ‏‏7/260‏‎.‎
- ‎شرح قصيدة الفرزدق، مجهول المؤلف، نسخة في مكتبة مجلس الشورى بطهران، انظر: فهرس المجلس ‏‏10/1534‏‎.‎
- ‎شرح قصيدة الفرزدق الميمية، للميرزا أبي الحسن بن الحُسين بن نقي الجيلاني المتوفى بعد سنة 1313هـ، انظر: ‏تراجم الرّجال 10‏‎.‎
- ‎شرح قصيدة الفرزدق، للسّيد عليّ خان المدني‎.‎
أنظر: الذّريعة 14/14‏‎.‎
- ‎شرح قصيدة الفرزدق، للفاضل عليّ رضا تبيان الملك الملقب في شعره برضائي، فرغ منه سنة 1306، انظر: ‏الذّريعة 14/14‏‎.‎
- ‎شرح قصيدة الفرزدق، للملا عليّ القاربوز القزويني الزنجاني ت 1290هـ، انظر: ريحانة الأدب 2/388‏‎.‎
- ‎شرح قصيدة الفرزدق، للميرزا مُحمّد بن سليمان التنكايني‎.‎
انظر: الذّريعة 14/14‏‎.‎
- ‎شرح قصيدة الفرزدق، شرح مبسوط، لمُحمّد شفيع ابن مُحمّد عليّ ابن أحمد بن الحُسين الاسترابادي، فرغ منه سنة ‏‏1075هـ‎.‎
مخطوط في: مكتبة المرعشي بقم‎.‎
تتميم أمل الآمل 180، الذّريعة 14/13‏‎.‎
- ‎شرح قصيدة الفرزدق، لمُحمّد طاهر السماوي، يأتي بعنوان: الكواكب السماوية في شرح العلوية الميمية الفرزدقية‎.‎
- ‎شرح لواقح الصّحيفة ولواحقها، للميراداماد، وجد بخط بعض أسباطه‎.‎
انظر: الذّريعة 14/51‏‎.‎
‏201‏- ‎شرح ملحقات الصّحيفة السّجاديّة، للمحدث السّيد نعمة الله بن عبد الله الحُسيني الجزائري ت112هـ‎.‎
فرغ منه سنة 1102هـ، طبع في: طهران: 1306هـ في آخر نور الأنوار، للمؤلف، انظر: الذّريعة 14/87‏‎.‎
- ‎شرح مناجاة الإمام زين العابدين، لصفي بن ويل القزويني، ألفه بالهند سنة 1090هـ، انظر: تراجم الرّجال 69‏‎.‎
- ‎شرح ميمية أبي فراس، للسّيد عليّ بن الحُسين الهاشمي النجفي‎.‎
النّجف الأشرف: مطبعة الحيدرية، 1357هـ، 96ص‎.‎
- ‎شرح ميمية الفرزدق، للشّيخ عليّ بن مُحمّد السبيتي العاملي الكفراوي 1236-1303هـ، انظر: أمل الآمل 308، ‏الذّريعة 14/14‏‎.‎
- ‎الشّمعة، في أحوال الحُسين ذي الدمعة ابن زيد الشّهيد عليه السّلام‎.‎
للسّيد هبة الدّين مُحمّد عليّ بن الحُسين الحُسيني المعروف بالشّهرستاني، فرغ منه سنة 1335هـ، انظر: الذّريعة ‏‏14/233‏‎.‎
‎ ‎ص
- ‎الصّحيفة الثّالثة السّجاديّة، لعبد الله بن عيسى الأفندي، تقدم بعنوان: الدّرر المنظومة المأثورة‎.‎
- ‎الصّحيفة الثّانية السّجاديّة، من أدعية الإمام زين العابدين عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام، ‏لمُحمّد بن الحسن بن عليّ العاملي 1023-1104هـ، طبع في: إيران، وبمبمي، القاهرة: مطبعة النّيل، 1904م، ‏‏222ص‎.‎
انظر: كشف الحجب والأستار 366، الذّريعة 15/19، إيضاح المكنون 2/65، الغدير 11/337‏‎.‎
- ‎الصّحيفة الرّابعة السّجاديّة، للميرزا حسين بن مُحمّد تقي بن ميرزا مُحمّد عليّ النّوري الطّبرسي المتوفى في النّجف ‏الأشرف سنة 1320هـ‎.‎
طهران: 1322هـ، 152ص، حجرية‎.‎
انظر: ريحانة الأدب 3/390، إيضاح المكنون 2/65، الذّريعة 15/20، معارف الرّجال 1/272‏‎.‎
- ‎الصّحيفة السّجاديّة انجليزي - عربي، ترجمة: السّيد أحمد موهاني، طهران: سازمان تبليغات إسلامي، ‏‏1363ش/1984م، 632ص، 21سم‎.‎
- ‎الصّحيفة السّجاديّة، للإمام زين العابدين عليّ بن الحُسين عليه السّلام‎.‎
توجد لها مخطوطات كثيرة في مكتبات العالم، منها في: الرضوية بمشهد مجموعة 12405، سة 416هـ، صائب ‏بأنقره 1280، سنة 602هـ‎.‎
أيا صوفيه 1946 في 123 ورقة، سنة 698هـ‎.‎
الرضوية بمشهد 8878، حوالي سنة 1000هـ، و3222، سنة 1014هـ، و3391، سنة 1017هـ، و12526، سنة ‏‏1024هـ، و3394، سنة 1040هـ، و12536، سنة 1041هـ، و3226، سنة 1045هـ، و3223، سنة 1052هـ‎.‎
مجلس الشورى بطهران الفهرس 10/1925، سنة 1053هـ‎.‎
الرضوية 3232، سنة 1070هـ، و3213، سنة 1071هـ، و12050، سنة 1072هـ، و11201، سنة 1073هـ، ‏و10606، سنة 1073هـ، و3219، سنة 1077هـ، و11953، سنة 1078‏‎.‎
البنغال 988 في 96 ورقة، سنة 1079هـ. برلين 3796 في 230 ورقة، سنة 1081هـ‎.‎
إمبروزيانا 309د في 75 ورقة، سنة 1082هـ‎.‎
الرضوية 8743، سنة 1083هـ، و3207، سنة 1084هـ، و8389، سنة 1084هـ، و9593، سنة 1084هـ، ‏و3214، سنة 1084 هـ، و3216، سنة 1086 هـ، و10265، سنة 1088 هـ، ، و3209، سنة 1089هـ، ‏و8502، سنة 1089هـ، و3228، سنة 1090هـ، و3235، سنة 1093هـ، و3218، سنة 1094هـ، و3227، سنة ‏‏1095هـ‎.‎
المتحف البريطاني، المُلحق 247 مخطوطات شرقيّة 3954 في 281 ورقة، سنة 1085هـ‎.‎
هيدلبرج 242 في 186 ورقة، سنة 1096هـ‎.‎
كما طبعت في‎: ‎
تبريز: 1262هـ، 21 سم، حجرية مع ترجمة بين السطور‏‎.‎
بمبي: 1265هـ، 232ص، 21سم، حجرية مع ترجمة بين السطور‎.‎
الهند: 1269هـ‎.‎
بمبي: 1271هـ، 21سم، حجرية باهتمام: زين العابدين تاجر شيرازي‎.‎
تبريز: 1273هـ، 220ص، 21سم، حجرية‎.‎
طهران: 1287هـ، 290ص، 17سم، حجرية‎.‎
الهند: 1290هـ‎.‎
كرمان: 1299هـ، 363ص، 17 سم، حجرية‏‎.‎
تبريز: 1303هـ، حجرية‎.‎
طهران: 1313هـ، 332ص، 24سم، حجرية‎.‎
طهران: 1315هـ، 309ص، 21سم، حجرية مع ترجمة‎.‎
طهران: 1316هـ، 332ص، 17 سم، حجرية‏‎.‎
دلهي: 1910م، حجرية‎.‎
لكهنو: 13204هـ، 592ص، حجرية في هامش: راحة الأرواح‎.‎
تبريز: 1329هـ، 417ص، 21سم، حجرية‎.‎
بمبي: د.ت256ص، 21سم، حجرية مع ترجمة بين السطور‎.‎
طهران: علمي، د. ت 288، 17سم‎.‎
النّجف الأشرف: المطبعة العلوية، 1352هـ، 320ص، حجرية‎.‎
طهران: علمي، 1360هـ، 288ص، 21سم، حجرية‎.‎
لكهنو: 1941م، مع ترجمة: بالأردية بين السطور‎.‎
بغداد: 1967 نشرها: د. حسين عليّ محفوظ‎.‎
طهران: إسلامية، 1350ش، 27، 322ص، 17سم‎.‎
طهران: حسينية الإرشاد، 1976م، 322ص‎.‎
طهران: 1354ش، 162ص‎.‎
بيروت: دار التعارف للمطبوعات، -197م، تقديم: السّيد الشّهيد مُحمّد باقر الصّدر‎.‎
القاهرة: مطبعة الكيلاني، 1987م، 16، 140ص، 24سم‎.‎
بيروت: دار الأضواء، 1409هـ-1989م، 432ص، 17سم‎.‎
دمشق: سفارة الجمهورية الإسلامية في إيران، 1989م تحقيق: عليّ أنصاريان طبع بذيلها كتابين هما‎: ‎
‏1‏- ‎الدّليل إلى موضوعات الصّحيفة السّجاديّة، للشّيخ مُحمّد حسين المظفر‎.‎
‏2‏- ‎المعجم المفهرس لألفاظ الصّحيفة السّجاديّة، للسّيد عليّ أكبر القرشي‎.‎
طهران: دار الكتب الإسلامية، 1367ش، 376ص، 17سم تصحيح: مُحمّد الآخوندي‎.‎
قم: مدرسة الإمام المهدي، 1411هـ وهي تشتمل على الصّحيفة الأولى الكاملة، والثانية والثالثة، والرّابعة، والخامسة‎.‎
طهران: مكتب قرآن، 1369ش، 293ص‎.‎
قم: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، 1369ش، 313ص‎.‎
دمشق: دار طلاس، ط1، 1411هـ، 236ص، 21سم حققها وقدّم لها: السّيد أحمد الفهري‎.‎
انظر: كشف الحجب والأستار 368، الذّريعة 15/18، فهرس مشار العربي 588-589، تاريخ التراث العربي ‏لسزكين مج1: ج3/263-265، البلاغ بغداد: الكاظمية س1: ع6، فهرست ألفبائي كتب خطي كتابخانه مركزي ‏آستان قدس رضوي 380-382‏‎.‎
- ‎الصّحيفة السّجاديّة، وهي تضم الصّحيفة الثّالثة والرّابعة والخامسة وزيادة، ومجموع أدعيتها 182 دعاء، جمع: ‏السّيد مُحسن الأمين، فرغ منها سنة 1323هـ، طبع في: صيدا: 1330هـ، بيروت: دار الزهراء‎.‎
انظر: شعراء الغري 7/260، الذّريعة 15/20‏‎.‎
- ‎الصّحيفة السّجاديّة السّادسة، للشّيخ مُحمّد صالح بن فضل الله المازندراني الحائري 1297-، انظر: الذّريعة ‏‏15/21‏‎.‎
- ‎صحيفة العابدين، في حياة الإمام زين العابدين وسيد السّاجدين عليه السّلام باللغة الأردية، للسّيد أولاد حسين ‏البلگرامي، مطبوع، انظر: الذّريعة 15/22‏‎.‎
‏214‏- ‎الصّحيفة في الزّهد، منسوبة إلى الإمام زين العابدين عليه السّلام، انظر: الكافي للكُلّيني 8/14-17، تاريخ ‏التراث العربي لسزكين مج1: ج3/266‏‎.‎
- ‎صحيفة كامله سجاديه‎.‎
‎ ‎متن عربي مع ترجمة فارسية‎.‎
ترجمة: جواد فاضل‎.‎
طهران: 1374هـ، 298ص، 21سم، حجرية‎.‎
طهران: أمير كبير، 1340ش، 498ص، 21سم‎.‎
طهران: ط4 498ص، 21سم‎.‎
طهران: أمير كبير، ط5، 1348ش، 498، 21سم‎.‎
طهران: أمير كبير، ط7، 1977م، 498ص، 21سم‎.‎
‎ ‎ط
- ‎طريق رواية الصّحيفة الكاملة، مبسوط في آخر البحار، انظر: الذّريعة 15/166‏‎.‎
‏217‏- ‎طريق رواية الصّحيفة الكاملة، متوسطة موجودة في آخر البحار‎.‎
انظر: الذّريعة 15/166‏‎. ‎
- ‎طريق رواية الصّحيفة الكاملة، للشّيخ زين الدّين الشّهيد الثاني، تاريخه 930هـ‎.‎
مدرج في طريق رواية المجلسي في إجازات البحار، انظر: الذّريعة 15/166‏‎.‎
- ‎طريق رواية الصّحيفة الكاملة، للمجلسي الأول كما وجد بخطه أدرجه ولده في آخر إجازات البحار ذكر أنه يرويها ‏مناولة عن الحجة ووجادة عن خط شمس الدّين الجبعي عن خط الشّهيد وإجازة عن الشّيخ البهائي وتاريخ خطه هذا ‏‏1064هـ، انظر: الذّريعة 15/166‏‎.‎
- ‎طريق رواية الصّحيفة الكاملة، للمولى مُحمّد باقر المجلسي، انظر: الذّريعة 15/166‏‎.‎
- ‎طريق الهداية من خلال الصّحيفة السّجاديّة، لجودت كاظم القزويني‎.‎
رسالة الإسلام س6: ع1، 2 1972م، ص144-159‏‎.‎
- ‎عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام، في: صفوة الصفوة 2/93 - 101، لأبي الفرج ابن الجوزي ‏‏510-597هـ، حققه وعلق عليه: محمود فاخوري، خرج أحاديثه: د. مُحمّد رواس قلعجي، بيروت: دار المعرفة، ‏ط4/ 1406هـ‎.‎
- ‎عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب، في: الطبقات الكبرى 5/ 211-221، لابن سعد 168-230هـ، بيروت: دار ‏مادر، 1405هـ - 1985م‎.‎
‏224‏- ‎عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب، أبو الحسن، في: رجال صحيح مسلم، رقم الترجمة 1130، لأبي بكر ‏أحمد بن عليّ بن منجويه الاصبهاني 347-428هـ، تحقيق: عبد الله الليثي، بيروت: دار المعرفة، ط1، 1407هـ = ‏‏1987م‎.‎
- ‎عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب، أبو الحسن، في: رجال صحيح البخاري، رقم الترجمة 817، لأبي نصر ‏أحمد بن مُحمّد بن الحُسين البخاري الكُلّاباذي 323-398هـ، تحقيق: عبد الله الليثي، بيروت: دار المعرفة، ط1، ‏‏1407هـ-1987م‎.‎
- ‎عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب، أبو الحسن المعروف بزين العابدين، في: وفيات العيان 3/266-269، لأبي ‏العباس شمس الدّين أحمد بن مُحمّد بن أبي بكر بن خلكان 608-681هـ، تحقيق: د. إحسان عباس، قم: منشورات ‏الرضي، ط2، 1985م‎.‎
- ‎عليّ بن الحُسين بن أبي طالب، زين العابدين، في: فوات الوفيات مج4: ص332، لمُحمّد بن شاكر الكتبي ‏ت764هـ، تحقيق: د. إحسان عباس، بيروت - دار صادر‎.‎
- ‎عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب الهاشمي..في: تهذيب التهذيب 7/268، لشهاب الدّين أحمد بن عليّ بن حجر ‏العسقلاني ت582هـ‎.‎
بيروت: دار الفكر، ط1، 1404هـ - 1984م‎.‎
- ‎عليّ بن الحُسين بن أبي طالب الهاشمي العلوي، زين العابدين، في: سير أعلام النبلاء 4/386، لشمس الدّين مُحمّد ‏بن أحمد بن عثمان الذهبي ت748هـ‎.‎
تحقيق: مأمون الصّاغرجي، إشراف: شعيب الأرنؤوط، بيروت: مؤسّسة الرّسالة، ط3، 1405هـ - 1985م‎.‎
- ‎عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب الهاشمي المدني، أبو الحسن‎.‎
في: كتاب الثّقات 5/159، لأبي حاتم مُحمّد بن حبان بن أحمد التّميمي البستي ت354هـ‎.‎
حيدر آباد الدكن: دائرة المعارف العثمانية، ط1، 1403هـ - 1983م‎.‎
- ‎عليّ بن الحُسين سيد السّاجدين عليه السّلام بالفارسية، لجواد فاضل‎.‎
طهران: عليّ أكبر علمي، د. ت، 432ص، 21سم‎.‎
- ‎العناوين الأبجدية للصّحيفة السّجاديّة، للدّكتور السّيد جواد مصطفوي‎.‎
‎ ‎ف
- ‎فائدة في معنى التّابعين، الذين صلّى عليهم الإمام السّجاد عليه السّلام في دعاء الصّحيفة، اللهم وصل على التّابعين ‏من يومنا هذا..، وهو بخط السّيد مُحمّد بن مُحمّد المدعو بصادق الحائري كتبه في صحن النّجف الأشرف‎.‎
كان عند السّيد عبد الحُسين الحجة بكربلاء‎.‎
انظر: الذّريعة 16/89‏‎.‎
- ‎فوائد حلول الصّحيفة السّجاديّة، للسّيد شهاب الدّين المرعشي النجفي‎.‎
طبع مع الصّحيفة السّجاديّة في طهران‎.‎
- ‎الفوائد الشّريفة في شرح الصّحيفة، لتقي الدّين إبراهيم الكفعمي‎.‎
يأتي بعنوان: الفوائد الطريفة في شرح الصّحيفة‎.‎
- ‎الفوائد الطّريفة في شرح الصّحيفة، لتقي الدّين إبراهيم الكفعمي ت905هـ‎.‎
مخطوط في: الرّضويّة 7834سنة 1220هـ‎.‎
اُنظر: كشف الحجب والأستار 342، إيضاح المكنون 2/207، الغدير 11/213، ريحانة الأدب 5/69، الذّريعة ‏‏13/346، 16/343، 346‏‎.‎
- ‎الفوائد الطّريفة في شرح الصّحيفة، للمولى مُحمّد باقر بن مُحمّد تقي المجلسي، مخطوط في: مكتبة السّيد المرعشي ‏بقم رقم 3025 في 105 ورقة، و5359 في 100 ورقة، طبع في: أصفهان: مكتبة العلامة المجلسي، 1407هـ، ‏‏343ص تحقيق: السّيد مهدي الرجائي‎.‎
انظر: كشف الحجب والأستار 342، 404، إيضاح المكنون 2/207، الذّريعة 13/347، 16/138، 347، ‏‏26/199، فهرس المرعشي 8/211-212، 14/142‏‎.‎
- ‎في ذكرى السّجاد عليه السّلام، قصيدة، للسّيد سلمان هادي آل طعمة‎.‎
ذكريات المعصومين عليهم السّلام كربلاء المقدسة ع6 صفر 1386هـ ص17‏‎.‎
- ‎في رحاب الإمام زين العابدين، لنافع الخفاجي، بغداد: دار الأنوار، 1978م‎.‎
- ‎في رحاب الصّحيفة، لعبد الأمير الورد 1933-، بغداد: 1966م‎.‎
- ‎في رحاب الصّحيفة السّجاديّة، للسّيد عباس الموسوي، بيروت: دار المرتضى، 1411هـ، 24سم‎.‎
- ‎في ظلال الصّحيفة السّجاديّة، للشّيخ مُحمّد جواد مغنية، بيروت: دار التعارف، 1979م‎.‎
‎ ‎ق
- ‎قاموس الصّحيفة السّجاديّة، للسّيد أبي الفضل الحُسيني‎.‎
‏246‏- ‎قصيدة الفرزدق، في مدح الإمام عليّ بن الحُسين عليه السّلام، حققها المستشرق هل‎ J.Hell ‎ونشرها في: ‏برلين، 1915م، 6ص‎.‎
كما طبعت في: النّجف الأشرف: 1360هـ مع: الكواكب السماوية.. للشّيخ مُحمّد السماوي‎.‎
انظر: تاريخ التّراث العربي لسزكين مج2: ج3/79، الذّريعة 17/123‏‎.‎
‎ ‎ك
‏247‏- ‎كتاب في أدعية زين العابدين عليّ بن الحُسين عليهما السّلام‎.‎
للسّيد أبي ابراهيم ناصر بن الرضا بن مُحمّد بن عبد الله العلوي الحُسيني‎.‎
انظر: فهرست منتجب الدّين 192‏‎.‎
- ‎الكواكب السّماوية في شرح العلويّة الميميّة الفرزدقيّة، للشّيخ مُحمّد بن طاهر بن حبيب الفضلي السماوي، فرغ من ‏أصله في 1317هـ وجدد النظر فيه في 1359هـ، النّجف الأشرف: 1360هـ، 272ص، 21سم، تعليق: مُحمّد صادق ‏بحر العُلوم، انظر: الذّريعة 4/11، 14، 18/180‏‎.‎
‎ ‎ل
- ‎لوامع الأنوار العرشيّة، في شرح الصّحيفة السّجاديّة، للسّيد مُحمّد باقر مُحمّد الموسوي الشيرازي المعروف بملا ‏باشي ت1240هـ، مخطوط في: مكتبة السّيد المرعشي برقم 5054 في 462ورقة‎.‎
مكتبة أحفاد المؤلف في شيراز وعنها مصورة في مكتبة السّيد المرعشي برقم 183 و184‏‎.‎
انظر: الذّريعة 18/362، ريحانة الأدب 1/303، فهرس المخطوطات المصورة في مكتبة السّيد المرعشي 1/166-‏‏167، فهرس مكتبة السّيد المرعشي 13/251-252‏‎.‎
‎ ‎م
- ‎مجموع، فيه أدعية مُختلفة للإمام زين العابدين عليه السّلام، مخطوط في: المدرسة الشبرية في النّجف الأشرف‎.‎
- ‎مجموعة الزيارات، وبعض أدعية الصّحيفة الكاملة، طبع سنة 1296هـ‎.‎
انظر: الذّريعة 20/87‏‎.‎
- ‎المحاورة بين الإمام عليّ بن الحُسين عليه السّلام وبين الحجاج بن يوسف الثقفي، لمحمود عبد الله الكاظمي الكتبي، ‏مطبوع‎.‎
انظر: المطبوع من مؤلفات الكاظميين 67‏‎.‎
- ‎المخمسات، شعر منسوب للإمام عليّ بن الحُسين السّجاد عليه السّلام، مخطوط في: مكتبة السّيد المرعشي بقم ‏‏5557 في 20 ورقة سنة 903هـ‎.‎
انظر: فهرسها 14/39‏‎.‎
- ‎مدخل إلى صحيفة الإمام السّجاد عليه السّلام، لإبراهيم رفاعة، مجلة سروش للعالم العربي س10: ع115-116 ‏ربيع الأول والثاني 1411هـ، ص64-65‏‎.‎
- ‎مراسلة القارات حول زبور آل مُحمّد عليه السّلام.. وحلول المشكُلّات العصري، لأسعد عليّ، الثقافة الإسلامية ع34 ‏‏5-6/1411هـ = 11-12/1990م ص65-75‏‎.‎
- ‎مع الإمام زين العابدين عليه السّلام في استقبال شهر رمضان ووداعه، للسّيد مُحمّد حسين فضل الله، الثقافة ‏الإسلامية ع24 9، 10/1409هـ ص90-115‏‎.‎
- ‎مع الإمام زين العابدين عليه السّلام في وداع شهر رمضان، للسّيد مُحمّد حسين فضل الله‎.‎
الثقافة الإسلامية ع30 9-10/1410هـ = 4-5/1990م ص59-92‏‎.‎
- ‎المعاني الجليلة في شرح الصّحيفة السّجاديّة، لنبيل شعبان، طهران: الهدى، 1369ش، 421ص‎.‎
- ‎معجم ما كتب عن الإمام عليّ بن الحُسين زين العابدين عليه السّلام، ‏
‎ ‎وهو القسم السادس من معجم ما كتب عن الرّسول وأهل بيته عليهم السّلام، ‏
لعبد الجبار الرفاعي القحطاني‎.‎
- ‎المعجم المفهرس لألفاظ الصّحيفة السّجاديّة، للسّيد عليّ أكبر القرشي، قم: دار التبليغ الإسلامي، 1391هـ، ‏‏823ص، 24سم، دمشق: سفارة الجمهورية الإسلامية في إيران طبع منضماً للصّحيفة السّجاديّة التي حققها: عليّ ‏أنصاريان‎.‎
- ‎المعجم المفهرس لألفاظ الصّحيفة السّجاديّة، لعلي أنصاريان، بيروت: دار التعارف‎.‎
- ‎المعصومة، نسخة من الصّحيفة السّجاديّة كانت في العراق وكانت مقابلة بسائر النسخ من نسخة ابن اشتاس ونسخة ‏ابن السكون وابن إدريس والشّيخ الشّهيد والشهيد الثاني وغيرهم، وكانت مصححة في الغاية ولذا سميت بالمعصومة ‏لعصمتها عن الغلط‎.‎
- ‎المعصومة، نسخة أخرى من الصّحيفة السّجاديّة كانت للشّيخ النّوري صححها بالنسخ الصحيحةوقابلها بتمامها أربع ‏مرات ومرة خامسة إلى الدعاء الرابع عشر وهذه النسخة من موقوفة السّيد مُحمّد الخامنه أي في مكتبة الحسينية ‏الشوشترية بالنجف الأشرف‎.‎
- ‎مقتل عليّ بن الحُسين عليه السّلام، للشّيخ حسين القديحي‎.‎
انظر: الذّريعة 22/34‏‎.‎
- ‎مقدمة الصّحيفة، ترجمة لما كتبه المشكاة والمترجم هو السّيد صدر الدّين البلاغي، مطبوع، انظر: الذّريعة 22/86‏‎.‎
- ‎مكارم أخلاق الإمام السّجاد عليه السّلام، للسّيد مجتبى الحُسيني، ذكريات المعصومين عليهم السّلام كربلاء المقدسة ‏ع6 صفر1386هـ ص18-25‏‎.‎
- ‎ملحقات الصّحيفة السّجاديّة عربي وفارسي، مخطوط في: الرضوية 13173، انظر: الذّريعة 22/200‏‎.‎
- ‎ملحقات الصّحيفة السّجاديّة، لملا مُحمّد باقر بن مُحمّد تقي المجلسي ت1110هـ‎.‎
مخطوط في: مكتبة السّيد المرعشي بقم مجموعة 5444 من 125ر - 132ب‎.‎
انظر: فهرسها 14/228‏‎.‎
- ‎ملحقات الصّحيفة الكاملة، للمولى مُحمّد تقي القزويني، انظر: الغدير 11/259‏‎.‎
- ‎كتاب من روى عن عليّ بن الحُسين عليه السّلام، لأحمد بن مُحمّد بن سعيد بن عبد الرحمن الكوفي الزيدي ‏الجارودي ت333هـ‎.‎
انظر: رجال النجاشي 94، معالم العُلماء 17، الذّريعة 22/227‏‎.‎
- ‎من وحي سيرة الإمام عليه السّلام، حول سيرة الإمام السّجاد عليه السّلام، للسّيد مُحمّد تقي المدرسي، ذكريات ‏المعصومين عليهم السّلام كربلاء المقدسة ع6 صفر 1386هـ ص29-32‏‎.‎
- ‎مناجاة منسوبة للإمام السّجاد عليه السّلام، نسخة في مجلس الشورى بطهران من القرن الثاني عشر، انظر: فهرس ‏المجلس 10/963‏‎.‎
- ‎المناجاة الإنجيلية المروية عن سيد السّاجدين عليه السّلام، طبعت مع الصّحيفة الكاملة وفي كتاب الدعاء من البحار ‏ذكر المجلس الثاني المناجاة الإنجيلية الكبيرة نقلاً عن كتاب أنيس العابدين لبعض القدماء‎.‎
انظر: الذّريعة 22/239‏‎.‎
- ‎المناجاة الخمسة عشر، المطبوعة مع الصّحيفة الكاملة، طبعت مستقل في: بيروت 1960م، نشرها: عفيف ‏عسيران، انظر: الذّريعة 22/239‏‎.‎
- ‎مناجاة منسوبة للإمام السّجاد عليه السّلام، مخطوط في: الرضوية 3266، 8313، 10417، 12432، 12595‏‎.‎
- ‎المناجاة منسوبة للإمام السّجاد عليه السّلام، مخطوط في: كوبريلي 1602/3 من 72-91، حاجي محمود باستنبول ‏‏4233 من 8-9، وكذلك 58 مع ترجمة فارسية، انظر: سزكين مج1: ج3/265، بروكُلّمان ملحق 1/938، فهرس ‏معهد المخطوطات العربية 1/185‏‎.‎
- ‎كتاب المناسك، عن عليّ بن الحُسين عليه السّلام، ليحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحُسين بن عليّ بن ‏الحُسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، انظر: فهرست الشّيخ الطوسي 179‏‎.‎
- ‎منتخب شرح الصّحيفة السّجاديّة، لملا مصطفى بن مُحمّد بن مُحمّد الخوئي الترك ت بعد 1252هـ‎.‎
مخطوط في: مكتبة الوزيري برقم 4129 في 164ورقة، سنة 1250هـ‎.‎
- ‎منهاج التحرك عند الإمام السّجاد عليه السّلام، المهندس عليه السّلام. نجف‎.‎
دراسات وبحوث طهران ع3 1402هـ ص146-269‏‎.‎
- ‎منهج التربية عند الإمام السّجاد عليه السّلام، لمحسن الباقري‎.‎
البصائر لندن ع6 شتاء 1987، ص28-72‏‎.‎
- ‎مواعظ، منسوبة إلى زين العابدين عليّ بن الحُسين السّجاد عليه السّلام‎.‎
مخطوط في: جستر بتي بضمن مجموعة برقم 3489 ق8هـ‎.‎
انظر: المورد مج1: ع1 1971م ص171‏‎.‎
- ‎الموعظة، منسوبة للإمام السّجاد عليه السّلام، مخطوط في: الفاتح 4445/5 من 177-185، انظر: سزكين مج1: ‏ج3/265‏‎.‎
‎ ‎ن
- ‎النّدبة الأولى، المنسوبة إلى السّجاد برواية الزّهري، كانت نسخة منها بخط عبد الله بن ناصر بن مُحمّد بن سالم بن ‏حسين بن سالم الخطي الأجامي الجارودي الحسائي ونسخة بخط مُحمّد بن أحمد بن مُحمّد الشمشطاوي 868هـ عند ‏فخر الدّين نصيري، وقد أدرجه سليمان ابن الحسن الإسماعيلي في الباب 6 من كتابخ النخب الملتقطة، انظر: فهرست ‏المجدوع 82، الذّريعة 24/103‏‎.‎
- ‎النّدبة الثّانية، المنسوبة إلى السجاد أيضاً برواية سفيان ابن عيينة عن الزّهري، أوردهما الكفعمي في البلد الأمين، ‏انظر: الذّريعة 24/103‏‎.‎
- ‎الندبة الثّالثة، المنسوبة إلى السّجاد أيضاً برواية أبي طفيل عامر ابن وائلة عن عليّ بن الحُسين السّجاد عند قرائته، ‏أوردها الأربلي في كشف الغمة والمجلسي الثاني في البحار، انظر: الذّريعة 24/103‏‎.‎
- ‎النّدب الثّلاث، أورد جميعها ابن شهر آشوب في المناقب وأورد من كُلّ واحدة قطعة وقال: كفاك من زهده أي ‏السّجاد الصّحيفة السّجاديّة والندب الثلاث وهي التي رواها لزهري.. وما رواها سفيان.. ومنها ما روي عن الصّادق ‏عليه السّلام، انظر: الذّريعة 24/104‏‎.‎
- ‎نزهة المتنزهين خلاصة رياض السالكين، للسّيد مُحمّد رضا الأعرجي، ‏
تقدم بعنوان: الأزهار اللطيفة في شرح مفردات الصّحيفة‎.‎
- ‎نسخة السّجاد عليه السّلام، رواها: عبد الله بن إبراهيم بن الحُسين بن عليّ بن الحُسين الشّهيد عليه السّلام قال ‏النجائي: يرويها عن آبائه، انظر: رجال النجاشي 224، الذّريعة 24/150‏‎.‎
- ‎نسخة عن عليّ بن الحُسين عليه السّلام، رواها: ثابت بن هرمز أبي المقدام الحداد، انظر: رجال النجاشي 116، ‏الذّريعة 24/150‏‎.‎
‏297‏- ‎نفحة من كُلّمة للإمام عليّ بن الحُسين السّجاد عليه السّلام: وزن النّور ووزن الظّلمة، بقلم: لبيب بيضون، ‏الثقافة الإسلامية سفارة إيران بدمشق ع17 1408هـ=1988م ص245-249‏‎.‎
- ‎النكت اللطيفة في شرح الصّحيفة، للشّيخ فخر الدّين الطريحي 979-1087هـ، مخطوط في: مكتبة الحسينية في ‏النّجف الأشرف بخط شمس الدّين الطريحي‎.‎
انظر: إيضاح المكنون 2/677، ماضي النّجف وحاضرها 2/457، شعراء الغري 7/70، ريحانة الأدب 4/55، ‏الذّريعة 3/355، 24/306‏‎.‎
- ‎نهج الحق في إثبات ميمية الفرزدق، للشّيخ سلمان الأنباري، طبع في: بغداد 1968م‎.‎
- ‎النهجين في شرح رسالة الحقوق للإمام عليّ عليه السّلام، للشّيخ صالح بن مهدي الساعدي المعروف بصحين ‏‏1322هـ - انظر: شعراء الغري 4/351‏‎.‎
- ‎النهضة الهاشمية، في حياة الشّهيد زيد بن عليّ، للسّيد عبد الرزاق المقرم‎.‎
انظر: الذّريعة 24/430‏‎.‎
- ‎نور الأنوار، في إيضاح كلام خير الأخيار، في شرح الصّحيفة السّجاديّة‎.‎
للسّيد نعمة الله بن عبد الله بن مُحمّد الجزائري الموسوي ت1112هـ‎.‎
مخطط في: الرضوية 3300، سنة 1116هـ، 12581، سنة 1147هـ، و3299، و9139 ناقص الأول، و9605، ‏طبع في: طهران 1288هـ، و15-1317هـ، و1330هـ مع ملحقات متعددة كشرح الميرداماد، والفيض الكاشاني‎...‎
انظر: كشف الحجب والأستار 342، الذّريعة 13/113، 24/359، ريحانة الأدب 3/113، فهرس مشار 969‏‎.‎
و
- ‎وفاة الإمام السّجاد، للشّيخ حسين بن عليّ البلادي البحراني القطيفي‎.‎
النّجف الأشرف: المطبعة الحيدرية 1373هـ، 56ص، 21سم‎.‎
انظر: الذّريعة 25/120‏‎.‎
- ‎وفاة زين العابدين، للحسين بن مُحمّد بن أحمد بن إبراهيم آل عصفور البحراني ابن أخ الشّيخ يوسف صاحب ‏الحدائق، انظر: الذّريعة 25/119‏‎.‎
‎ ‎ي
- ‎كتاب يحيى بن زيد، لأبي مخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي، انظر: الفهرست لابن النديم ‏‏106‏‎.‎

ما قيل فيه من الشعر
‏1‏‎ ‎ـ الفرزدق
قال ابن خلكان: لمّا حجّ هشام بن عبد الملك في أيام أبيه، فطاف وجهد ان يصل إلى الحجر ليستلمه فلم يقدر عليه ‏لكثرة الزحام، فنُصب له منبر وجلس عليه ينظر إلى النّاس، ومعه جماعة من أعيان أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ ‏أقبل زين العابدين عليّ بن الحُسين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم وكان من أحسن النّاس وجهاً، وأطيبهم أرجاً، ‏فطاف بالبيت، فلما انتهى إلى الحجر تنحى له النّاس حتّى استلم، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي قد هابه النّاس ‏هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه، فقال الشامي: من هذا يا أبا فراس؟ فقال‎: ‎
هـذا الـذي تـعرف البطحاء وطأته والـبيت يـعرفه والـحل والـحرمُ
هـذا ابـن خـير عـباد الله‎ ii‎كُـلّهم هـذا الـتقيّ الـنقيّ الـطاهر‎ ii‎العلمُ
إذا رأتــه قـريش قـال‎ ii‎قـائلها: إلـى مـكارم هـذا يـنتهي‎ ii‎الـكرمُ
يـنمى إلـى ذروة العزّ التي‎ ii‎قصُرت عـن نـيلها عـرب الإسلام‎ ii‎والعجمُ
يـكـاد يـمـسكه عـرفان‎ ii‎راحـته ركـن الـحطيم إذا ما جاء يستلمُ‎ ii‎‏3‏
فـي كـفّه خـيزران ريـحه‎ ii‎عبقُ مـن كـفّ اروع في عرنينه شممُ‎ ii‎‏4‏
يُـغضي حـياءً ويُغضى من‎ ii‎مهابته فـمـا يُـكُـلّم إلاّ حـين يـبتسمُ‎ ii‎‏5‏
يـنشق نـور الهدى عن نور‎ ii‎غرّته كالشمس ينجاب عن إشراقها القتمُ‎ ii‎‏6‏
مـشـتقة مـن رسـول الله‎ ii‎نـبعته طـابت عـناصره والخيم والشيمُ‎ ii‎‏7‏
هـذا ابـن فـاطمةٍ إن كنت‎ ii‎جاهله بـجـدّه أنـبـياء الله قـد‎ ii‎خـتموا
الله شــرّفـه قـدمـاً‎ ii‎وعـظّـمه جـرى بـذاك لـه فـي لوحه‎ ii‎القلمُ
فـليس قـولك مـن هـذا بـضائره الـعربُ تعرف من انكرت والعجمُ‎ ii‎‏8‏
كُـلّتا يـديه غـياث عـمّ‎ ii‎نـفعهما تـستوكفان ولا يـعروهما عـدمُ‏‎ ii‎‏9‏
سـهل الـخليقة لا تُـخشى‎ ii‎بـوادره يـزينه اثنان حسن الخلق والشيمُ‎ ii‎‏10‏
حـمّـال أثـقال أقـوام إذا‎ ii‎فـدحوا حـلو الـشمائل تحلو عنده نعمُ‎ ii‎‏11‏
مـا قـال لا قـط إلاّ فـي‎ ii‎تـشهده لـولا الـتشهد كـانت لاءه نعمُ‎ ii‏12‏
لا يُـخلف الـوعد مـأمون نـقيبته رحـب الـغناء اريـب حين‎ ii‎يغترم
عـمّ الـبرية بـالإحسان‎ ii‎فـانقشعت عـنها الـغيابة والأملاق والعدمُ 13‏
مـن مـعشر حـبّهم ديـن‎ ii‎وبغضهم كـفـر وقـربهم مـنجى‎ ii‎ومـعتصمُ
إن عـدّ أهـل الـتقى كـانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل‎ ii‎همُ
لا يـسـتطيع جـواد بـعد غـايتهم ولا يـدانـيهم قــوم وإن كـرموا
هـم الـغيوث إذا مـا أزمـة‎ ii‎أزمت والأسد أسد الشرى والبأس محتدمُ 14‏
لا يـنقص الـعسر بـسطاً من أكفّهم سـيّان ذلـك ان اثـروا وإن‎ ii‎عدموا
مـقـدّم بـعـذ ذكـر الله‎ ii‎ذكـرهم مـن كُـلّ بـدء ومـختوم به‎ ii‎الكُلّمُ
يـأبى لـهم ان يـحلّ الـذمّ‎ ii‎ساحتهم خـير كـريم وأيـد بـالندى‎ ii‎هضمُ
أيّ الـخلائق لـيست فـي‎ ii‎رقـابهم لأولــيـة هــذا أولــه‎ ii‎نـعـمُ
مـن يـعرف الله يـعرف أوّلـية‎ ii‎ذا والـدين مـن بـيت هـذا ناله الأممُ‎ ‎
فلما سمع هشام هذه القصيدة غضب وحبس الفرزدق، وانفذ إليه زين العابدين اثني عشر ألف درهم، فردها وقال: ‏مدحته لله تعالى لا للعطاء، فقال: إنا أهل بيت إذا وهبنا شيئاً لا نستعيده، فقبلها‎.‎
‏2‏- ‎السّيد الحميري
عـجبت لكرّ صروف الزّمان وأمـر أبـي خالد ذي‏‎ ii‎البيان
ومـن ردّه الأمـر لا‎ ii‎ينثني إلى الطيب الطهر نور الجنان
عـليّ ومـا كـان من‎ ii‎عمّه بـردّ الأمـانة عطف‎ ii‎البيان
وتـحـكيمه حـجراً‎ ii‎أسـود ومـا كان من نطقه‎ ii‎المستبان
بـتسليم عـمّ بـغير‎ ii‎امتراء إلـى ابـن أخ منطقاً‎ ii‎باللسان
شـهـدت بـذلك حـقاً‎ ii‎كـم شـهدت بتصديق آي القرآن
عـليّ إمـامي ولا‎ ii‎أمـتري وخلّيت قولي بكان وكان‎ ii‎‏17‏‎ ‎
‏3‏- ‎بشاربن برد
أقـول لـسجاد عـليه‎ ii‎جـلالة غـداً أريـحياً عـاشقاً‎ ii‎للمكارم
من الفاطميين الدعاة إلى‎ ii‎الهدى جهاراً ومن يهديك مثل ابن فاطم
سـراج لعين المستضيء‎ ii‎وتارة يكون ظلاماً للعدو المزاحم‎ ii‎‏19‏‎ ‎
‏4‏- ‎ابن حماد
‎ ‎وراهب أهل البيت كان ولم يزل يـلقب بـالسجاد حـسن التعبد
يقضي بطول الصوم طول نهاره مـنيباً ويـفني ليله بالتهجد‎ ii‎‏20‏‎ ‎
‏5‏- ‎القاضي ابن قادوس
أنت الإمام الآمر العدل‎ ii‎الذي خـبب الـبراق لجدّه‎ ii‎جبريل
الفاضل الأطراف لم يرد فيهم إلا إمــام طـاهر‎ ii‎وبـتول
أنتم خزائن غامضات علومه وإلـيكم الـتحريم‎ ii‎والتحليل
فعلى الملائك أن تؤدي‎ ii‎وحيه وعـليكم التبين والتأويل‎ ii‎‏22‏‎ ‎
‏6‏- ‎الأربلي
إمـام هـدى فـاق الـبرية‎ ii‎كُلّه بـأبنائه خـير الـورى‎ ii‎وجدوده
فـطارفه فـي فـضله‎ ii‎وعـلائه وســؤدده مـن مـجده‎ ii‎كـتليده
لـه شـرف فـوق النجوم محله أقـرَّ بـه حـتّى لـسان‎ ii‎حسوده
ونعمى يد لو قيس بالغيث‎ ii‎بعضه تـبينت بخلا في السحاب‎ ii‎وجوده
وأصل كريم طاب فرعاً فأصبحت تـحار الـعقول من نضارة‎ ii‎عوده
ونـفس براها الله من نور‎ ii‎قدسه فأدركت المكنون قبل وجوده‎ ii‎‏23‏‎ ‎
‏7‏- ‎الشّيخ الفتوني
هـذا الذي ضمّن الفرقان‎ ii‎مدحته هـذا الذي ترهب الآساد‎ ii‎صولته
هـذا الذي تحسد الأمطار‎ ii‎منحته هذا الذي تعرف البطحاء‎ ii‎وطأته
‎ ‎والـبيت يـعرفه والحل‎ ii‎والحرم
هذا ابن من زينوا الدّنيا‎ ii‎بفخرهم وأوضحوا ديننا في صبح‎ ii‎علمهم
واخصبوا عيشنا في قطر جودهم هـذا ابـن خـير عباد الله كُلّهم
‎ ‎هـذا الـتقي النقي الطاهر‎ ii‎العلم‎ ‎
‏8‏- ‎الشّيخ أحمد النّحوي
يـا رب كـاتم فـضل ليس‎ ii‎ينكتم والـشمس لـم تـمحها غيم ولا‎ ii‎قتم
والـحاسدون لـمن زادت عـنايته عقباهم الخزي في الدّنيا وإن عظموا
أمـا رأيت هشاماً إذ أتى الحجر‎ ii‎ال سـامي لـيلثمه والـناس‎ ii‎تـزدحم
أقـام كـرسيّه كـيما يـخف‎ ii‎لـه بـعض الـزحام عسى يدنو فيستلم
فـلم يـفده وقـد سـدت‎ ii‎مـذاهبه فـلم يـكن يـستطع يخطو له‎ ii‎قدم
فـمذ أتـى الحبر زين العابدين‎ ii‎إم م الـتابعين الـذي دانـت له‎ ii‎الأمم
فـاخرج الـنّاس إجـلالاً‎ ii‎لـهيبته حـتّى كـأن لـم يكن منهم بها‎ ii‎إرم
تـجاهلاً قـال مـن هـذا فقال‎ ii‎له: أهـل الـمعارف مـن أقوالهم‎ ii‎حكم
‎ ‎‎ ‎هـذا الذي تعرف البطحاء‎ ii‎وطأته‎ ‎
وله أيضاً
بـأبي أبـيَّ الضيم لا يعطي‎ ii‎العدى حـذر الـمنية مـنه فـضل‏‎ ii‎قـياد
بـأبي فـريداً أسـلمته يـد‎ ii‎الردى فـي دار غـربته لـجمع‎ ii‎أعـادي
حـتّى هوى ثبت الجنان إلى‎ ii‎الثرى مـن فـوق مـفتول الـذراع جواد
يا رأس مفترس الضياغم من الوغى كـيف انـثنيت فـريسة‎ ii‎الأوغـاد
ما إن بقيت من الهوان على‎ ii‎الثرى مـلقىً ثـلاثاً فـي ربـى‎ ii‎ووهـاد
إلا لـكي تـقضي عـليك‎ ii‎صلاته زمـر الـملائك فـوق سـبع شداد
لـهفي لـرأسك وهو يرفع‎ ii‎مشرق كـالـبدر فــوق الـذابل‎ ii‎الـمياد
يـتلو الـكتاب وما سمعت‎ ii‎بواعظٍ تـخذ الـقنا بـدلاً عـن‎ ii‎الأعـواد
والـهفتاه على خزانة علمك‎ ii‎السّجاد وهــو يـقـاد فــي‎ ii‎الأصـفاد
مـا لـي أراك ودع عـينك‎ ii‎جامدٌ أو مـا سـمعت بـمحنة‎ ii‎الـسّجاد
قـلبوه عـن نـطع مـسجىً فوقه فـبكت لـه أمـلاك سـبع‎ ii‎شـداد
ويـصـيح واذلاّه أيـن‎ ii‎عـشيرتي وسـراة قـومي أيـن أهل‎ ii‎ودادي
مـنهم خـلت تـلك الديار‎ ii‎وبعدهم نـعـب الـغرائب بـفرقةٍ‎ ii‎وبـعاد
أتـرى يـعود لـنا الزّمان‎ ii‎بقربكم هـيهات مـا لـلقرب مـن‎ ii‎ميعاد‎ ‎
‏9‏- ‎الشّيخ إبراهيم بن يحيى العاملي الطيبي‎ ‎
حسب الفتى من حطام الدهر والنشب مـا صـان مـاء محياه عن‎ ii‎الطلب
هـبني حـويت كـنوز المال‎ ii‎قاطبة ألـيس غـاية حـاويها إلى العطب
خـفض عـليك فـإن العيش معركة والـناس مـا بين مسلوب‎ ii‎ومستلب
لا خـير فـي هذه الدّنيا وإن‎ ii‎سلمت ولا سـلامة مـن هـمّ ومن‎ ii‎نصب
بـينا تـرى المرء طليقاً في‎ ii‎أعنته إذ راح يـحجل فـي قيد من‎ ii‎النوب
إلـيك عـن حية الوادي فقد‎ ii‎كمنت لـو كـنت تعلم بين الماء‎ ii‎والعشب
فـكم تـرشفت سـماً مـن‎ ii‎مراشفها وأنـت تـحسبه ضرباً من‎ ii‎الضرب
وطـالما جـرّدت مـن مـلكه‎ ii‎ملكاً قـد كـان من قبل في أثوابه‎ ii‎القشب
وكـم لـها مـن قـتيل في عشيرته صـبراً عـلى رغـم أم بـرّة‎ ii‎وأب
وحـسبنا عـبرة عـبراء ما‎ ii‎فعلت بـأنجم الدهر أهل الفضل‎ ii‎والحسب
أودت بـأحمد خـير الخلق ثم‎ ii‎رمت وصـيّه بـسهام الـغدر مـن‎ ii‎كثب
وبـزّت الـبضعة الـزهراء‎ ii‎نحلتها وارثـها بـعد ردّ الـصدق‎ ii‎بالكذب
وأفـرغت سـمّها في المجتبى حسنٍ ومـزّقت صـنه بـالسمر‎ ii‎والقضب
وصـار فـي أسرها السّجاد مرتهناً وأركـبته عـلى عـار مـن‎ ii‎القتب
زيـن العباد عليّ الشأن من‎ ii‎شهدت بـفضله ألـسن الأقـلام‎ ii‎والـكتب
بـدر الـتمام الـذي مـولاه‎ ii‎كـوّنه مـن نوره قبل خلق السبعة‎ ii‎الشهب
أغــر أبـلـج لا تـعزى‎ ii‎نـقيبته يـوماً لـغير نبي أو وصي نبي 25‏‎ ‎
‏10‏- ‎السّيد ميرزا صالح القزويني
بنفسي كماة من لؤي بن‎ ii‎غالب تعادى عليها للعداة‎ ii‎كتائب
وكم حاربتهم آل حرب وما‎ ii‎اكتفوا بحرب رسول الله عن أن‎ ii‎يحاربوا
هم غصبوهم إرثهم من‎ ii‎أبيهم وقد نصبوا البغضاء بغياً‎ ii‎وناصبوا
ومن عجب إن خضبت من‎ ii‎دمائهم ضباها بيوم الطف وهي الخواضب
فيا لعليل في القيود‎ ii‎مغلّل ترامى به نحو الشئام‎ ii‎الركائب
وكُلّ الرزايا دون أرزائك التي بها انهمرت من مقلتيك‎ ii‎السحائب
وأنت أمين الله وابن‎ ii‎أمينه على خلقه العافي به‎ ii‎والمعاقب
كظمت على بلواك غيضك شاكراً وقد زُلزلت منها الجبال‎ ii‎الشناخب
ودسّ إليك السم غدراً‎ ii‎بمشرب هشام فلا ساغت لديه‎ ii‎المشارب
فيا لإمام محكم الذكر بعده قد انطمست علامه‎ ii‎والأخاشب
ويا لسقيم غاله السم‎ ii‎بعدما على سقمه قد أنحلته المصائب
ويا لفقيد قد أقامت‎ ii‎مآتماً عليه المعالي وهي ثكُلّى‎ ii‎نوادب
وقد قرّح الأجفان فهي‎ ii‎سوارب وبرّح الأحشاء فهن‎ ii‎لواهب
ومات قوام للعلى‎ ii‎ومقوّم وجبّ سنام للفخار‎ ii‎وغارب
ولله أكناف البقيع فكم‏‎ ii‎بها كواكب من آل النّبيّ‎ ii‎غوارب
حوت منهم ما ليس تحويه‎ ii‎بقعة ونالت بهم ما لم تنله‎ ii‎الكواكب
فبوركت أرضاً كُلّ يوم‎ ii‎وليلة تطوف من الأملاك فيك‎ ii‎كتائب
وفيك الجبال الشم حلماً‎ ii‎هوامد وفيك البحور الفعم جوداً‎ ii‎نواضب
وهم صفوة الباري وهم خير‎ ii‎عترةٍ بها يرحم الباري الورى ويعاقب 27‏‎ ‎
‏11‏- ‎الشّيخ عبد المنعم الفرطوسي
قرحت جفونك من قذى‎ ii‎وسهاد إن لم تفض لمصيبة‎ ii‎السّجاد
فأسل فؤادك من جفونك‎ ii‎أدمعاً وأقدح حشاك من الأسى‎ ii‎بزناد
واندب إماماً طاهراً هو‎ ii‎سيد للساجدين وزينة‎ ii‎العبّاد
ما أبقت البلوى ضناً من‎ ii‎جسمه وهو العليل سوى خيال بادي
ملقى على النطع الذي فوق الثرى القوة منه بقسوة‎ ii‎وعناد
يرنو لأيتام تضج‎ ii‎أمامه وتعج إعوالاً وراء‎ ii‎الحادي
ولصبية تدمي السياط‎ ii‎متونها فتصاغ أطواقاً على‎ ii‎الأجياد
ولنسوة فوق النياق‎ ii‎حواسر تسبى بأسر أراذلٍ‎ ii‎وأعادي
ويرى جبين السبط بدراً كاملاً يزهو بأفق الذابل‎ ii‎الميّاد
والنار يلهب في الخيام سعيرها حتّى استحال ضرامها‎ ii‎لرماد
لهفي عليه يئن في‎ ii‎أغلاله بين العدى ويقاد‎ ii‎بالأصفاد
مضنى وجامعة الحديد بنحره غلّ يعاني منه شر‎ ii‎قياد
تحدوا به الأضغان من بلدٍ‎ ii‎إلى بلدٍ وتسلمه إلى‎ ii‎الأحقاد
والشام إن الشام أفنى‎ ii‎قلبه ألما وآل بصبره‎ ii‎لنفاد
لم يلق فيه سوى القطيعة‎ ii‎والعدى وشماتة الأعداء‎ ii‎والحساد
سل عنه طيبة هل بها طابت‎ ii‎له بعد الحُسين نواظر برقاد
هل ذاق طعم الزاد طول حياته إلا ويمزج دمعه‎ ii‎بالزاد
أودى به فجنى وليد‎ ii‎أميةٍ وهو الخبث على وليد‎ ii‎الهادي
حتّى قضى سماً وملأ فؤاده ألمٌ تحزّ مداه كُلّ‎ ii‎فؤاد‎ ‎
‏12‏- ‎السّيد مُحمّد جمال الهاشمي
مرج البحران فخراً وعلاء والتقى النجمان زهواً وسناءا‏
وارتمى الدهر على‎ ii‎ظلّيهما خائراً، قد هدّه الجري‎ ii‎عياءا
ها هو الإيمان في موكبه يسبق التاريخ حكماً‎ ii‎وقضاءا
حرث الصحراء حتّى‎ ii‎أصبحت تغمر الدّنيا رفاها‎ ii‎ورخاءا
قرّب الإيمان من‎ ii‎أبعادها فدنا للحق ما عنه‎ ii‎تناءى
صهر الأفكار في‎ ii‎بوتقةٍ أخرجتها في المعاني‎ ii‎كيمياءا
وحدّ الإنسان في‎ ii‎ناموسه فمشى الناعل والحافي سواءا
فارس قد خمدت‎ ii‎نيرانها وتلاشى عهدها الزاهي‏‎ ii‎هباءا
أين كسرى أين عنه‎ ii‎تاجه؟ أين - ايوان - به يزهو ادّعاءا؟
مزّق الحق بساطاً‎ ii‎فوقه كم مشى الباطل يزهو‎ ii‎خيلاءا
يثرب يا مطلع الفجر‎ ii‎الذي بسناه عادت الأرض‎ ii‎سماءا
لكِ ذكر كُلّما مر‎ ii‎على مسمع الدّنيا له اهتزت‎ ii‎ثناءا
إن تاريخك في‎ ii‎أحداثه غمر الأجيال سحر‎ ii‎ورواءا
قاد جيش الله في‎ ii‎إيمانه يهزم الكفر اقتحاماً‎ ii‎وافتداءا
ومشت يثرب في‎ ii‎أفراحها نحوه تستقبل النصر‎ ii‎انتشاءا
ها هو الديوان في‎ ii‎أعضائه يملأ العين جلالاً وبهاءا
والسبايا وقفت خاشعة تسأل الأفق رجالاً‎ ii‎ونساءا
وفتاتين وما‎ ii‎أبهاهما يرمقان الحفل كبراً وازدراءا
وهبّ الحق امتيازاً لهما فتعالى اسمهما فيه‏‎ ii‎ارتقاءا
وتسامت - بنت كسرى‎ - iiشرفاً - بابن طه وتملّت كبرياءا
وتغنّى الوحي لما‎ ii‎التقيا مرج البحران فخراً‎ ii‎وعلاءا
أدرتْ بنت الأساطير بما أسبغ الله عليها‎ ii‎وأفاءا
أدرت أن علياً‎ ii‎شبلها سيهز الدهر صبراً‎ ii‎وابتلاءا
ولدته كوكباً من‎ ii‎نوره تكسب الشمس شعاعاً‎ ii‎وضياءا
سيد تاه به كسرى‎ ii‎عُلىً وبه باهى النّبيّ‎ ii‎الأنبياءا
ورث التاجين عدلاً‎ ii‎وهدى واعتلى العرشين تقوى ومضاءا
هام بالله خشوعاً‎ ii‎فذوى عوده في الحب خوفاً‎ ii‎ورجاءا
ساجد لله لا‎ ii‎يشغله عنه ما سرّ بني الدّنيا‎ ii‎وساءا
عرف الغاية من‎ ii‎إيجاده فسعى أن يصهر الداء‎ ii‎دواءا
أفرغ الروح مناجاة لها يهتف الخلد احتفالا‎ ii‎واحتفاءا
صور حار بها الفن، ‏iiفما حد دنياها ابتداء وانتهاءا
زينة العبّاد في سيرته يهتدي الدهر إذا مال‎ ii‎التواءا
آه كم قاسى من الدهر‎ ii‎وكم صارع الأحداث صبراً‎ ii‎وعناءا
صاحب السبط أباه‎ ii‎حينما ثار للدين ووافى‎ ii‎كربلاءا
فرأى مصرعه في‎ ii‎فتية غنموا الخلد، وعاشوا‎ ii‎شهداءا
عيد ميلاد ابن سبط‎ ii‎المصطفى غمر الدّنيا سروراً وهناءا
جدّدت تاريخه‎ ii‎مسرورة أمةٌ فاضت ولاء ووفاءا‏
تنطوي الأجيال في‎ ii‎أحداثها وهي تزداد انتشاراً‎ ii‎وانتشاءا
رامت الأحداث في‎ ii‎ألعابها أن يجف الحب عوداً‎ ii‎ونماءا
هدمت أضرحة‎ ii‎قدسية ضمت الفجر جلالا‎ ii‎وجلاءا
فاستحال الحبّ نوحاً‎ ii‎ملهباً واغتدى الحق دموعاً‏‎ ii‎ودماءا
وذكت شعلتها تحرق‎ ii‎ما شاده الجهل غروراً‎ ii‎وغباءا
وازدهت ثانية في‎ ii‎معرض يبهر التاريخ وضعا‎ ii‎وبناءا
فجزى الله الأحاسيس‎ ii‎التي لم ترد إلا من الله الجزاءا‎ ‎
الرجوع الى الأعلى‏

أصحابه وتلامذته عليه السّلام
‎ ‎تخرج في مدرسة الإمام مجموعة كبيرة من كبار العُلماء والفُقهاء الذين نشروا العلم والعرفان في العالم الإسلامي، ‏ونعرض اسمائهم، كما يأتي‎: ‎
‎ ‎أ
‏1‏- ‎أبان بن أبي عياش‎.‎
‏2‏- ‎أبان بن تغلب
‏3‏- ‎إبراهيم بن أبي حفصة
‏4‏- ‎إبراهيم بن بشير
‏5‏- ‎إبراهيم بن عبد الله
‏6‏- ‎إبراهيم بن مُحمّد
‏7‏- ‎إبراهيم بن يزيد
‏8‏- ‎أحمد بن حمويه
‏9‏- ‎إسحاق بن عبد الله
‏10‏- ‎إسحاق بن عبد الله
‏11‏- ‎إسحاق بن يسار
‏12‏- ‎إسماعيل بن أمية
‏13‏- ‎إسماعيل بن رافع
‏14‏- ‎إسماعيل بن عبد الخالق
‏15‏- ‎إسماعيل بن عبد الرحمن‎ ‎
‏16‏- ‎إسماعيل بن عبد الله
‏17‏- ‎أفلح بن حميد
‏18‏- ‎أيوب بن الحسن
‏19‏- ‎أيوب بن عايذ
‎ ‎ب
‏20‏- ‎برد الاسكاف
‏21‏- ‎بشر بن غالب
‏22‏- ‎بكر بن أوس
‏23‏- ‎بكير بن عبد الله‎ ‎
‎ ‎ث
‏24‏- ‎ثابت بن أسلم
‏25‏- ‎ثابت بن أبي صفية
‏26‏- ‎ثابت بن عبد الله
‏27‏- ‎ثابت بن هرمز
‏28‏- ‎ثوير بن أبي فاختة
‏29‏- ‎ثوير بن يزيد
‎ ‎ج
‏30‏- ‎جابر بن مُحمّد
‏31‏- ‎جعفر بن إبراهيم
‏32‏- ‎جعفر بن إياس
‏33‏- ‎جعفر بن مُحمّد
‏34‏- ‎جعيد همران
‏35‏- ‎جهم الهلالي‎ ‎
‎ ‎ح
‏36‏- ‎الحارث بن جارود
‏37‏- ‎الحارث بن الفضيل
‏38‏- ‎حبيب بن أبي ثابت
‏39‏- ‎حبيب بن حسان
‏40‏- ‎حبيب بن المعلى
‏41‏- ‎خديم بن سفيان
‏42‏- ‎خديم بن شريك
‏43‏- ‎الحر بن كعب
‏44‏- ‎حسان العامري
‏45‏- ‎الحسن بن رواج
‏46‏- ‎الحسن بن عليّ
‏47‏- ‎الحسن بن عمارة
‏48‏- ‎الحسن بن مُحمّد
‏49‏- ‎الحُسين بن عليّ
‏50‏- ‎الحصين بن عمرو
‏51‏- ‎حطان بن خفان
‏52‏- ‎حفص بن عمر
‏53‏- ‎الحكم بن عتيبة
‏54‏- ‎حكيم بن جبير
‏55‏- ‎حكيم بن حكم
‏56‏- ‎حكيم بن صهيب
‏57‏- ‎حميد بن نافع
‏58‏- ‎حميد بن مسلم‎ ‎
‎ ‎خ
‏59‏- ‎خشرم بن بسار‎ ‎
‎ ‎د
‏60‏- ‎داود‎ ‎
‎ ‎ر
‏61‏- ‎رباح بن عبيدة
‏62‏- ‎ربيعة بن أبي عبد الرحمن
‏63‏- ‎ربيعة بن عثمان
‏64‏- ‎رزين بن عبيد
‏65‏- ‎رشيد الهجري
ز
‏66‏- ‎زياد بن سوقة
‏67‏- ‎زيد بن أسلم
‏61‏- ‎زيد بن الحسن
‏69‏- ‎زيد بن عليّ
‏70‏- ‎زيد العمى‎ ‎
‎ ‎س
‏71‏- ‎سالم بن أبي الجعد
‏72‏- ‎سالم بن أبي حفصة
‏73‏- ‎سالم مولى عمر
‏74‏- ‎سدير بن حكيم
‏75‏- ‎السري بن عبد الله
‏76‏- ‎سعد بن حكيم
‏77‏- ‎سعد بن أبي سعيد
‏78‏- ‎سعد بن طريف
‏79‏- ‎سعيد بن جبير
‏80‏- ‎سعيد بن الحارث
‏81‏- ‎سعيد بن عثمان
‏82‏- ‎سعيد بن مرجانة
‏83‏- ‎سعيد بن المرزبان
‏84‏- ‎سعيد بن المسيب
‏85‏- ‎سلام بن المستنير
‏86‏- ‎سلمة بن ثبيط
‏87‏- ‎سلمة بن دينار
‏88‏- ‎سلمة بن كهيل
‏89‏- ‎سليم بن قيس
‏91‏- ‎سليمان أبو عبد الله
‏92‏- ‎سماك بن حرب
‎ ‎ش
‏93‏- ‎شرحبيل بن سعد
‏94‏- ‎شيبة بن نعامة
‎ ‎ص
‏95‏- ‎صالح بن أبي حسان
‏96‏- ‎صالح بن خوان
‏97‏- ‎صالح بن كيسان
‏98‏- ‎صفوان بن سليم
‏99‏- ‎صهيب أبو حكيم
‎ ‎ض
‏100‏- ‎الضحاك بن عبد الله
‏101‏- ‎الضحاك بن مزاحم
‎ ‎ط
‏102‏- ‎طارق بن عبد الرحمن
‏103‏- ‎طاووس بن كيسان
‏104‏- ‎طلحة بن عمرو
‏105‏- ‎طلحة بن النضر‎ ‎
‎ ‎ظ
‏106‏- ‎ظالم بن عمرو
ع
‏107‏- ‎عامر بن السمط
‏108‏- ‎عامر بن وائلة
‏109‏- ‎عبد الغفار بن القاسم
‏110‏- ‎عائذ الأحمسي‎ ‎
‏111‏- ‎العباس بن عيسى
‏112‏- ‎عبد الرحمن بن القصير
‏113‏- ‎عبد الله البرقي
‏114‏- ‎عبد الله بن أبي بكر
‏115‏- ‎عبد الله بن أبي مليكة
‏116‏- ‎عبد الله بن جعفر
‏117‏- عبد الله بن حارث
‏118‏- ‎عبد الله بن دينار
‏119‏- ‎عبد الله بن ذكوان
‏120‏- ‎عبد الله بن زبيد
‏121‏- ‎عبد الله بن سعيد
‏122‏- ‎عبد الله بن شبرمة
‏123‏- ‎عبد الله بن شريك
‏124‏- ‎عبد الله بن عطاء
‏125‏- ‎عبد الله بن عليّ
‏126‏- ‎عبد الله بن عبيدة
‏127‏- ‎عبد الله بن المستورد
‏128‏- ‎عبد الله بن مُحمّد
‏129‏- ‎عبد الله بن مُحمّد
‏130‏- ‎عبد الله بن هرمز
‏131‏- ‎عبد المؤمن بن القاسم
‏132‏- ‎عبد الله بن عطاء
‏133‏- ‎عبيد الله بن أبي الجعد
‏134‏- ‎عبيد الله بن أبي الوشيم
‏135‏- ‎عبيد الله بن عبد الرحمن
‏136‏- ‎عبيد الله بن مسلم
‏137‏- ‎عبيد الله بن المغيرة
‏138‏- ‎عقبة بن بشير
‏139‏- ‎عليّ بن ثابت
‏140‏- ‎عمران بن ميثم
‏141‏- ‎عيسى بن عليّ‎ ‎
‎ ‎ف
‏142‏- ‎فرات بن الأحنف
‏143‏- ‎الفرزدق
‏144‏- ‎فليح بن أبي بكر‎ ‎
‎ ‎ق
‏145‏- ‎القاسم بن عبد الرحمن
‏146‏- ‎القاسم بن عوف
‏147‏- ‎القاسم بن مُحمّد
‎ ‎ك
‏148‏- ‎كنكر
‏149‏- ‎كيسان بن كُلّيب
‎ ‎م
‏150‏- ‎مالك بن عطية
‏151‏- ‎مُحمّد بن جبير
‏152‏- ‎مُحمّد بن شهاب
‏153‏- ‎مُحمّد بن عليّ
‏154‏- ‎مُحمّد بن عمر
‏155‏- ‎مُحمّد بن قيس
‏156‏- ‎مسلم بن عليّ
‏157‏- ‎معروف بن خربوذ
‏158‏- ‎منذر الثوري
‏159‏- ‎المنهال بن عمرو
‏160‏- ‎المنهال بن عمرو
‏161‏- ‎ميمون البان
‏162‏- ‎ميمون القداح
‎ ‎ي
‏163‏- ‎يحيى بن أم الطويل
‎ ‎الكُنى
‏164‏- ‎أبو مريم
‎ ‎ومن النساء
‏165‏- ‎أم البر
من النساء التي روت عن الإمام زين العابدين عليه السّلام السيدة الفاضلة أم البر أو قيل هي حبابة الوالبية

خُطبه عليه السلام
خطبة الإمام السّجاد عليه السّلام في الكوفة
بعد أن خطبت أم كُلّثوم عليها السّلام، أومأ الإمام زين العابدين عليه السّلام إلى النّاس، أن اسكتوا ! فسكتوا، فقام قائماً، ‏فحمد الله وأثنى عليه، وذكر النّبيّ صلّى الله عليه وآله، ثمّ قال‎: ‎
‎ ‎أيّها النّاس: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم، أنا ‏ابن المذبوح بشط الفرات، من غير ذحل ولا ترات , أنا ابن من انتهك حريمه، وسلب نعيمه، وانتهب ماله، وسبي ‏عياله، أنا ابن من قتل صبراً، وكفى بذلك فخراً‎.‎
أيّها النّاس: ناشدتكم بالله، هل تعلمون إنّكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة، ثمّ ‏قاتلتموه وخذلتموه، فتباً لكم لما قدّمتم لأنفسكم، وسوأة لرأيكم، بأية عين تنظرون إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، إذ ‏يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من أمّتي‎.‎
فارتفعت أصوات النّاس بالبكاء من كُلّ ناحية، ويقول بعضهم لبعض: هلكتم وما تعلمون؟
فقال عليه السّلام: رحم الله امرأ قبل نصيحتي، وحفظ وصيتي في الله، وفي رسوله وأهل بيته، فإن لنا في رسول الله ‏أسوة حسنة‎.‎
فقالوا بأجمعهم: نحن كُلّنا يا ابن رسول الله سامعون مطيعون، حافظون لذمامك، غير زاهدين فيك، ولا راغبين عنك، ‏فمُرنا بأمرك يرحمك الله، فإنّا حرب لحربك، وسلم لسلمك، لنأخذن يزيد ونبرآ ممّن ظلمك وظلمنا‎.‎
فقال عليه السّلام: هيهات هيهات، أيّها الغدرة المكرة، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم ‏إلى آبائي من قبل؟ كلاّ وربّ الرّاقصات إلى منى، فإنّ الجرح لمّا يندمل، قتل أبي بالأمس وأهل بيته ومن معه، ولم ‏ينسني ثكل رسول الله، وثكل أبي وبني أبي، ووجده بين لهاتي، ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصصه تجري في ‏فراش صدري، ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا‎.‎
خطبة الإمام السّجاد عليه السّلام في المدينة المنوّرة‏
ألقى الإمام زين العابدين عليه السّلام خطاباً في أهل المدينة المنوّرة لدى عودته من الشام والعراق، حيث جمع النّاس ‏خارج المدينة قبل دخوله اليها، وخطب فيهم قائلاً‎: ‎
‎ ‎الحمد لله ربّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدّين، بارئ الخلائق أجمعين، الذي بَعُد فارتفع في السماوات ‏العُلى، وقَرُب فشهد النجوى، نحمده على عظائم الأمور، وفجائع الدهور، وألم الفجائع، ومضاضة اللواذع، وجليل ‏الرزء، وعظيم المصائب الفاظعة الكاظّة الفادحة الجائحة‎.‎
أيّها القوم: إنّ الله وله الحمد، ابتلانا بمصائب جليلة، وثلمة في الإسلام عظيمة، قُتل أبو عبد الله الحُسين عليه السّلام، ‏وسُبي نساؤه وصبيته، وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان، وهذه الرزية التي لا مثلها رزيّة‎.‎
أيّها النّاس: فأي رجالات منكم يسرّون بعد قتله؟! أم أيّ فؤاد لا يحزن مِن أجله؟! أم أيّة عين منكم تحبس دمعها وتضنّ ‏عن انْهمالِها؟! فلقد بكت السبع الشداد لقتله، وبكت البحار بأمواجها، والسماوات بأركانها، والأرض بأرجائها، ‏والأشجار بأغصانها، والحيتان ولجج البحار، والملائكة المقرّبون وأهل السماوات أجمعون‎. ‎
يا أيّها النّاس: أيّ قلب لا ينصدع لقتله؟! أم أيّ فؤاد لا يحنّ إليه؟! أم أيّ سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام ‏ولا يصمّ؟‎! ‎
أيّها النّاس: أصبحنا مطرودين مشرّدين مذودين وشاسعين عن الأمصار، كأنّا أولاد ترك وكابل، من غير جرم ‏اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين، إنْ هذا إلاّ اختلاق‎.‎
والله، لو أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله تقدّم اليهم في قتالنا، كما تقدّم اليهم في الوصاية بنا، لما زادوا على ما فعلوا بنا، ‏فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها، وأوجعها وأفجعها، وأكظّها وأفظعها، وأمرّها وأفدحها، فعند الله ‏نحتسب فيما أصابنا، وأبلغ بنا، فإنّه عزيز ذو انتقام‎.‎
خطبة الإمام السّجاد عليه السّلام في مسجد دمشق‏
ورد في كتاب فتوح ابن اعثم 5 / 247، ومقتل الخوارزمي 2 / 69: إنّ يزيد أمر الخطيب أن يرقى المنبر، ويثني ‏على معاوية ويزيد، وينال من الإمام عليّ والإمام الحُسين، فصعد الخطيب المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وأكثر ‏الوقيعة في عليّ والحُسين، وأطنب في تقريض معاوية ويزيد، فصاح به عليّ بن الحُسين: ويلك أيها الخاطب، اشتريت ‏رضا المخلوق بسخط الخالق؟ فتبوأ مقعدك من النار‎. ‎
ثمّ قال: يا يزيد ائذن لي حتّى أصعد هذه الأعواد، فأتكُلّم بكُلّمات فيهن لله رضا، ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب، فأبى ‏يزيد، فقال النّاس: يا أمير المؤمنين ائذن له ليصعد، فعلنا نسمع منه شيئاً، فقال لهم: إن صعد المنبر هذا، لم ينزل إلا ‏بفضيحتي، وفضيحة آل أبي سفيان، فقالوا: وما قدر ما يحسن هذا؟ فقال: إنّه من أهل بيت قد زقوا العلم زقا‎. ‎
ولم يزالوا به حتّى أذن له بالصعود، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أيها النّاس، أعطينا ستاً، وفضلنا بسبع: ‏أعطينا العلم، والحلم، والسماحة والفصاحة، والشجاعة، والمحبة في قلوب المؤمنين، وفضلنا بأن منا النّبيّ المختار ‏مُحمّد صلّى الله عليه وآله، ومنا الصدّيق، ومنا الطيار، ومنا أسد الله وأسد الرّسول، ومنا سيدة نساء العالمين فاطمة ‏البتول، ومنا سبطا هذه الأمّة، وسيدا شباب أهل الجنة، فمن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي: ‏أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الرداء، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى، أنا ‏ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من طاف وسعى، أنا ابن خير من حج ولبّى، أنا ابن من حمل على البراق في ‏الهواء، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فسبحان من أسرى، أنا ابن من بلغ به جبرائيل ‏إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن من ‏أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن مُحمّد المصطفى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق، حتّى قالوا لا اله إلا الله، أنا ‏ابن من بايع البيعتين، وصلّى القبلتين، وقاتل ببدر وحنين، ولم يكفر بالله طرفة عين، يعسوب المُسلمين، وقاتل الناكثين ‏والقاسطين والمارقين، سمح سخي، بهلول زكي، ليث الحجاز، وكبش العراق، مكّي مدني، أبطحي تهامي، خيفى ‏عقبي، بدري أحدي، شجري مهاجري، أبو السبطين، الحسن والحُسين، عليّ بن أبي طالب، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ‏ابن سيدة النساء، أنا ابن بضعة الرّسول‎....‎
قال: ولم يزل يقول: أنا أنا، حتّى ضج النّاس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة، فأمر المؤذّن يؤذّن، فقطع ‏عليه الكلام وسكت، فلمّا قال المؤذّن: الله أكبر‎. ‎
قال عليّ بن الحُسين: كبرت كبيراً لا يقاس، ولا يدرك بالحواس، ولا شيء أكبر من الله، فلمّا قال: أشهد أن لا اله إلا ‏الله، قال عليّ: شهد بها شعري وبشري، ولحمي ودمي، ومخي وعظمي، فلمّا قال: أشهد أن محمداً رسول الله، التفت ‏عليّ من أعلا المنبر إلى يزيد، وقال: يا يزيد مُحمّد هذا جدّي أم جدّك؟ فإن زعمت أنه جدّك فقد كذبت، وان قلت أنه ‏جدّي، فلم قتلت عترته؟‎.‎
قال: وفرغ المؤذّن من الأذان والإقامة، فتقدّم يزيد، وصلّى الظهر، فلمّا فرغ من صلاته، أمر بعلي بن الحُسين، ‏وأخواته وعماته رضوان الله عليهم، ففرغ لهم دار فنزلوها، وأقاموا أياماً يبكون، وينوحون على الحُسين عليه السّلام‎.‎
خطبة الإمام السّجاد عليه السّلام يحذر فيها من الدّنيا
بعدما حمد الله تعالى، وأثنى عليه، وذكر جدّه فصلّى عليه، ثمّ قال‎: ‎
‎ ‎أيّها النّاس أحذّركم من الدّنيا وما فيها، فإنّها دار زوال وانتقال تنتقل بأهلها من حال إلى حال، وهي قد أفنت القرون ‏الخالية والأمم الماضية، وهم الذين كانوا أكثر منكم مالاً، وأطول اعماراً، وأكثر آثاراً، أفنتهم أيدي الزّمان، وأحتوت ‏عليهم الأفاعي والديان، أفنتهم الدّنيا فكأنّهم لا كانوا لها أهلاً ولا سكّاناً، وقد أكُلّ التراب لحومهم، وأزال محاسنهم، ‏وبدّد أوصالهم وشمائلهم، وغيّر ألوانهم، وطحنتهم أيدي الزّمان، أفتطمعون بعدهم بالبقاء؟
هيهات هيهات فلابد من الملتقى، فتدبّروا ما مضى من عمركم وما بقى، ما فعلوا فيه ما سوف يلتقى عليكم بالأعمال ‏الصالحة قبل انقضاء الأجل، وفروغ الأمل، فعن قريب تؤخذون من القصور إلى القبور، حزينين غير مسرورين، فكم ‏والله من فاجر قد استكملت عليه الحسرات، وكم من عزيز وقع في مسالك الهلكات، حيث لا ينفعه الندم، ولا يغاث من ‏ظلم، وقد وجدوا ما أسلفوا، واحذروا ما تزوّدوا، ووجدوا ما عملوا حاضراً، ولا يظلم ربّك أحداً، فهم في منازل البلوى ‏همود، وفي عسكر الموتى خمود، ينتظرون صيحة القيامة، وحلول يوم الطامّة، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَجْزِيَ الَّذِينَ ‏أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى‎.‎

مواعظه عليه السلام
اهتم الإمام زين العابدين عليه السّلام كأشد ما يكون الاهتمام بوعظ النّاس، وقد أثرت عنه كثير من المواعظ وعظ بها ‏أصحابه، وأهل عصره وهي لا تزال حية تضع العبر أمام النّاس، وتحذرهم من الغرور والطيش، وتدعوهم إلى سبيل ‏الحق والصواب، كما أثرت عنه بعض الحكم الخالدة التي تهدف إلى توازن الإنسان في سلوكه، وازدهار شخصيته، ‏ونعرض لبعض ما روي عنه في ذلك‎.‎
‏1‏- ‎قال عليه السّلام في ذم الدّنيا، والتحذير من شرورها وفتنتها: إن الدّنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت ‏مقبلة، ولكُلّ واحد منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدّنيا، الراغبين في الآخرة، ألا أن ‏الزاهدين في الدّنيا اتخذوا الأرض بساطاً، والتراب فراشاً، والماء طيباً، وقرضوا من الدّنيا تقريضا، ألا ومن اشتاق ‏إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدّنيا هانت عليه المصائب، ألا ‏أن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين، وكمن رأى أهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم ‏محزونة، أنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، صبروا أياما قليلة فصاروا بعقبى راحة طويلة، أما الليل فصافون أقدامهم، ‏تجري دموعهم على خدودهم، وهم يجأرون إلى ربهم، يسعون في فكاك رقابهم، وأما النهار فحلماء عُلماء بررة، ‏أتقياء كأنهم القداح قد براهم الخوف من العبادة ينظر إليهم الناظر فيقول: مرضى، وما بالقوم من مرض أم خولطوا، ‏فقد خالط القوم أمر عظيم من ذكر النار، وما فيها‎...‎
‏2‏- ‎وقال عليه السّلام: يا ابن آدم لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همك، وما كان لك ‏الخوف شعاراً، والحزن لك دثاراً، يا ابن آدم إنك ميت ومبعوث، وموقوف بين يدي الله عز وجل، ومسؤول، فأعد ‏جواباً‎...‎
‏3‏- ‎روى الزّهري قال: سمعت علياً بن الحُسين يقول: من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدّنيا حسرات، والله ما ‏الدّنيا والآخرة إلا ككفتي ميزان، فأيهما رجح ذهب بالآخر، ثم تلا قوله تعالى: إذا وقعت الواقعة - يعني القيامة - ليس ‏لوقعتها كاذبة. خافضة - خفضت والله بأعداء الله إلى النار - رافعة - رفعت والله أولياء الله إلى الجنة-...‎
ثمّ خاطب رجلاً من جلسائه، - والذي يظهر من فحوى كلام الإمام عليه السّلام أنه كان متهالكاً في طلب الدّنيا، فقال ‏عليه السّلام يعظه‎: ‎
‎ ‎اتق الله، واجمل في الطلب، ولا تطلب ما لم يخلق، فإن من طلب ما لم يخلق تقطعت نفسه، ولم ينل ما طلب، وكيف ‏ينال ما لم يخلق‎...‎
وأسرع الرّجل قائلاً‎: ‎
‎ ‎كيف يطلب ما لم يخلق؟‎...‎
فأجابه الإمام عليه السّلام قائلاً‎: ‎
‎ ‎من طلب الغنى والأموال والسّعة في الدّنيا فإنّما يطلب ذلك للرّاحة في الدّنيا، والرّاحة لم تخلق في الدّنيا، ولا لأهل ‏الدّنيا، إنما خلقت الرّاحة في الجنّة، والتّعب والنّصب خلقا في الدّنيا، ولأهل الدّنيا، وما أعطي أحد منها حفنة إلا أعطي ‏من الحرص مثلها، ومن أصاب من الدّنيا أكثر كان فيها أشد فقراً لأنّه يفتقر إلى النّاس لحفظ أمواله، ويفتقر إلى كُلّ آلة ‏من آلات الدّنيا، فليس في غنى الدّنيا راحة، ولكن الشيطان يوسوس إلى ابن آدم أن له في جمع ذلك المال راحة، وإنما ‏يسوقه إلى التعب في الدّنيا، والحساب عليه في الآخرة‎.‎
وأضاف الإمام قائلاً‎: ‎
كُلّا ما تعب أولياء الله في الدّنيا للدنيا، بل تعبوا في الدّنيا للآخرة.. ألا ومن اهتم لرزقه كتب عليه حفظه، كذلك قال ‏المسيح عيسى عليه السّلام للحواريين: إنما الدّنيا قنطرة فاعبروها، ولا تعمروها.. وفي هذه الموعظة دعوة إلى الزهد ‏في الدّنيا، والإجمال في طلبها، فإن السعي وراء المادية سببه الحصول على الراحة، ولكن لا راحة في الدّنيا وذلك ‏لكثرة همومها وآلامها، وقد خلقت الراحة في الجنة التي أعدها الله للمتقين من عباده، فالطلب ينبغي أن يكون لها، لا ‏للدنيا‎.‎
‏4‏- ‎سأل شخص الإمام زين العابدين عليه السّلام فقال له: كيف أصبحت يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله؟ فقال ‏عليه السّلام: أصبحت مطلوباً بثمان: الله يطالبني بالفرائض، والنبي يطالبني بالسنة، والعيال بالقوت، والنفس بالشهوة، ‏والشيطان باتباعه، والحافظان بصدق في العمل، وملك الموت بالروح، والقبر بالجسد، فأنا بين هذه الخصال مطلوب‎.‎
لقد نظر الإمام إلى أبعاد الحياة الدّنيا فرآها محاطة بهذه الأمور الثمانية فصمم على الزهد فيها، وعدم الاحتفاء بأي ‏شيء من زينتها ومباهجها‎.‎
‏5‏- ‎جاء رجل متسول يشكو حاله إلى الإمام عليه السّلام، فأنكر عليه ذلك قائلاً‎: ‎
‎ ‎مسكين ابن آدم، له في كُلّ يوم ثلاث مصائب، لا يعتبر بواحدة منهن، ولو اعتبر لهانت عليه المصائب، وأمر الدّنيا: ‏فأما المصيبة الأولى فاليوم الذي ينقص من عمره.. وإن ناله نقصان في ماله اغتم به، والدرهم يخلف عنه، والعمر لا ‏يرده، والثانية أنه يستوفي رزقه فإن كان حلالاً حوسب عليه، وإن كان حراماً عوقب عليه، والثالثة أعظم من ذلك، ‏فقيل له: وما هي؟ قال: ما من يوم يمسي إلا ودنا من الآخرة رحله لا يدري أعلى الجنة أم على النار‎...‎
‏6‏- ‎قال عليه السّلام: لو كان النّاس يعرفون جملة الحال في فضل الاستبانة، وجملة الحال في صواب التبيين، لأعربوا ‏عن كُلّ ما يتلجلج في صدورهم، ولوجدوا من برد اليقين ما يغنيهم عن المنازعة إلى كُلّ حال سوى حالهم، وعلى أن ‏إدراك ذلك كان لا يعدمهم في الأيام القليلة العدة، والفكرة القصيرة المدة، ولكنهم من بني مغمور بالجهل، ومفتون ‏بالعجب، ومعدول بالهوى من باب التثبت، ومصروف بسوء العادة عن فضل التعلم‎...‎
‏7‏- ‎ومن مواعظه القيمة التي وجهها لأصحابه وشيعته، وهي من أجل ما أثر عنه من المواعظ، قال عليه السّلام‎: ‎
‎ ‎أيها النّاس، اتقوا الله، واعلموا أنكم إليه راجعون، فتجد كُلّ نفس ما عملت من خير محضراً، وما عملت من سوء تود ‏لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً، ويحذركم الله نفسه ويحك ابن آدم الغافل، وليس مغفولاً عنه، إن أجلك أسرع شيء إليك، ‏قد أقبل نحوك حثيثاً يطلبك، ويوشك أن يدركك، فكأن قد وفيت أجلك، وقد قبض الملك روحك، وصيرت إلى قبرك ‏وحيداً، فرد إليك روحك، واقتحم عليك ملكان منكر ونكير لمسألتك، وشديد امتحانك، ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك ‏الذي كنت تعبده، وعن نبيك الذي أرسل إليك، وعن دينك الذي كنت تدين به، وعن كتابك الذي كنت تتلوه، وعن أمامك ‏الذي كنت تتولاه، وعن عمرك فيما أفنيته، وعن مالك من أين اكتسبته، وفيما أنفقته، فخذ حذرك، وانظر لنفسك، واعد ‏الجواب قبل الامتحان، والمساءلة والاختبار، فإن تكن مؤمناً عارفاً بدينك، متبعاً للصادقين، موالياً لأولياء الله لقنك الله ‏حجتك وأنطق لسانك بالصواب، فأحسنت الجواب، وبشرت بالجنة، والرضوان من الله، واستقبلتك الملائكة بالروح ‏والريحان، وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك، ودحضت حجتك، وعييت عن الجواب وبشرت بالنار، واستقبلت ملائكة ‏العذاب بنزل من حميم، وتصلية جحيم‎.‎
واعلم يا ابن آدم أن ما وراء هذا - يعني السؤال في القبر - أعظم، وأفظع، أوجع للقلوب يوم القيامة، ذلك يوم مجموع ‏له النّاس، وذلك يوم مشهود، يجمع الله فيه الأولين والآخرين، يوم ينفخ في الصور، ويبعثر فيه القبور، ذلك يوم الآزفة ‏إذ القلوب لدى الحناجر، كاظمين، ذلك يوم لا تقال فيه عثرة، ولا تؤخذ من أحد فدية، ولا تقبل من أحد معذرة، ولا ‏لأحد فيه مستقيل توبة، ليس إلا الجزاء بالحسنات، والجزاء بالسيئات، فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدّنيا مثقال ‏ذرة من خير وجده، ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدّنيا مثقال ذرة من شر وجده‎.‎
فاحذروا أيها النّاس من الذنوب والمعاصي ما قد نهاكم عنها، وحذركموها في الكتاب الصّادق، والبيان الناطق، ولا ‏تأمنوا مكر الله وتدميره عندما يدعوكم الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدّنيا، فإن الله يقول: ‏إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وأشعروا قلوبكم خوف الله، وتذكروا ما قد ‏وعدكم في مرجعكم إليه من حسن ثوابه، كما قد خوفكم من شديد عقابه، فإنه من خاف شيئاً حذره، ومن حذر شيئاً ‏تركه، ولا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدّنيا، الذين مكروا السيئات، وقد قال الله تعالى: أفأمن الذين ‏مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم ‏بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف فاحذروا ما حذركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه، ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما ‏توعد به القوم الظالمين، في كتابه، لقد وعظكم الله بغيركم، وإن السعيد من وعظ بغيره، ولقد أسمعكم الله في كتابه ما ‏فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال: وأنشأنا بعدها قوماً آخرين وقال: فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها ‏يركضون يعني يهربون. قال: لا تركضوا وارجعوا إلى ما ترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون فلما أتاهم العذاب قالوا يا ‏ويلنا إنا كنا ظالمين فإن قلتم أيها النّاس: إن الله إنما عنى بهذا أهل الشرك، فكيف ذاك؟ وهو يقول: ونضع الموازين ‏القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين‎.‎
اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين، ولا تنشر لهم الدواوين، وإنما يحشرون إلى جهنم زمراً، وإنما ‏تنصب الموازين، وتنشر الدواوين لأهل الإسلام، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله تعالى لم يحبب زهرة الدّنيا لأحد ‏من أوليائه، ولم يرغبهم فيها، وفي عاجل زهرتها، وظاهر بهجتها، فإنما خلق الدّنيا، وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم ‏أحسن عملاً لآخرته، وأيم الله لقد ضربت لكم فيه الأمثال، وضربت الآيات لقوم يعقلون، فكونوا أيها المؤمنون من ‏القوم الذين يعقلون، ولا قوة إلا بالله، وازهدوا فيها، زهدكم الله في من عاجل الحياة الدّنيا، فإن الله يقول: - وقوله الحق ‏‏- إنما مثل الحيوة الدّنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكُلّ النّاس والأنعام، حتّى إذا أخذت ‏الأرض زخرفها، وازينّت، وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن ‏بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ولا تركنوا إلى الدّنيا، فإن الله قال لمُحمّد صلّى الله عليه وآله: ولا تركنوا ‏إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ولا تركنوا إلى هذه الدّنيا وما فيها ركون من اتخذها قراراً، ومنزل استيطان. فإنها قُلعة، ‏ومنزل بُلغة، ودار عمل، فتزودوا الأعمال الصالحة، قبل تفرق أيامها، وقبل الأذن من الله في خرابها، فكان قد أخربها ‏الذي عمرها، أول مرة، وابتدأها، وهو ولي ميراثها، واسأل الله لنا ولكم العون على تزود التقوى، والزهد في الدّنيا، ‏جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل هذه الحياة الدّنيا، الراغبين في جل ثواب الآخرة فإنما نحن له وبه، والسلام ‏عليكم ورحمة الله وبركاته‎.‎
‏8‏- ‎ومن مواعظه القيمة هذه الموعظة المؤثرة، وهذا نصها‎: ‎
‎ ‎كفانا الله، وإياكم الظالمين، وبغي الحاسدين، وبطش الجبارين، أيها المؤمنون لا يفتتنكم الطواغيت وأتباعهم من أهل ‏الرغبة في الدّنيا، المائلون إليها، المفتونون بها، المقبلون عليها، وعلى حطامها الهامد وهشيمها البائد غداً، واحذروا ما ‏حذركم الله منها، وازهدوا فيث ما زهدك الله فيه منها، ولا تركنوا إلى ما في هذه الدّنيا ركون من أعدها داراً وقراراً، ‏وبالله إن لكم مما فيها دليلاً من زينتها وتصريف أيامها، وتغييراً نقلاً بها، ومثلاتها، وتلاعبها بأهلها، إنها لترفع ‏الخميل، وتضع الشريف، وتورد النار أقواماً غداً، ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه، وإن الأمور الواردة عليكم ‏في كُلّ يوم وليلة من مظلمات الفتن، وحوادث البدع، وسنن الجور، وبوائق الزّمان، وهيبة السلطان ووسوسة ‏الشيطان، لتثبط القلوب عن نيتها، وتذهلها عن موجود الهدى، ومعرفة أهل الحق إلا قليلاً ممن عصم الله، ونهج سبيل ‏الرشاد، وسلك طريق القصد، ثم استعان على ذلك بالزهد، فكرر الفكر، واتعظ بالعبر، وازدجر، فزهد في عاجل بهجة ‏الدّنيا، وتجافى عن لذاتها، ورغب في دائم نعيم الآخرة، وسعى لها سعيها، وراقب الموت، وشنأ الحياة مع القوم ‏الظالمين، فعند ذلك نظر إلى ما في الدّنيا بعين نيرة، حديدة النظر، وأبصر حوادث الفتن، وضلال البدع، وجور ‏الملوك الظلمة، فقد - لعمري - استدبرتم من الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة، والانهماك فيها، ما ‏تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي والفساد في الأرض بغير الحق، فاستعينوا بالله، وارجعوا إلى ‏طاعته، وطاعة من هو أولى بالطاعة من طاعة من اتبع وأطيع‎.‎
فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة، والقدوم على الله، والوقوف بين يديه، وتالله ما صدر قوم قط عن معصية الله ‏إلا إلى عذابه، وما آثر قوم قط الدّنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم، وساء مصيرهم، وما العلم بالله والعمل بطاعته إلا ‏إلفان مؤتلفان، فمن عرف الله خافه، فحثه الخوف على العمل بطاعة الله، وإن أرباب العلم وأتباعهم، الذين عرفوا الله ‏فعملوا له، ورغبوا إليه وقد قال الله: إنما يخشى الله من عباده العُلماء فلا تلتمسوا شيئاً في هذه الدّنيا بمعصية الله، ‏واشتغلوا في هذه الدّنيا بطاعة الله، واغتنموا أيامها، واسعوا لما فيه نجاتم غداً من عذاب الله، فإن ذلك أقل للتبعة، ‏وأدنى من الغدر، وأرجى للنجاة، فقدموا مر الله وطاعته وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الأمور كُلّها، ولا ‏تقدموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت، وفتنة زهرة الدّنيا بين يدي أمر الله، وطاعته، وطاعة أولي الأمر ‏منكم، واعلموا أنكم عبيد الله، ونحن معكم، يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غداً، وهو موقفكم، ومسائلكم، فأعدوا ‏الجواب، قبل الوقوف والمساءلة والعرض على رب العالمين، يومئذٍ لا تكُلّم نفس إلا بإذنه، واعلموا أن الله لا يصدق ‏كاذباً، ولا يكذب صادقاً، ولا يرد عذر مستحق، ولا يعذر غير معذور، بل لله الحجة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد ‏الرسل، فاتقوا الله واستقبلوا من إصلاح أنفسكم، وطاعة الله وطاعة من تولونه فيها، لعل نادماً قد ندم على ما فرط ‏بالأمس في جنب الله، وضيّع من حق الله، واستغفروا الله وتوبوا إليه فإنه يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، ويعلم ما ‏تفعلون، وإياكم وصحبة العاصين، ومعونة الظالمين، ومجاورة الفاسقين، احذروا فتنتهم وتباعدوا من ساحتهم، ‏واعلموا أنه من خالف أولياء الله، ودان بغير دين الله، واستبد بأمره دون أمر ولي الله، في نار تلتهب، تأكُلّ أبداناً، قد ‏غابت عنها أرواحها، غلبت عليها شقوتها، فهم موتى لا يجدون حر النار، فاعتبروا يا أولي الأبصار، واحمدوا الله ‏على ما هداكم، واعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته، وسيرى الله عملكم ثم إليه تحشرون، فانتفعوا ‏بالعظة، وتأدبوا بآداب الصالحين‎..‎
‏9‏- ‎من مواعظه القيمة التي تحدث فيها عن صفات الزاهدين وقد جاء فيها‎: ‎
‎ ‎إن علامة الزاهدين في الدّنيا، الراغبين في الآخرة، تركهم كُلّ خليط، وخليل، ورفضهم كُلّ صاحب لا يريد ما ‏يريدون، إلا وأن العامل لثواب الآخرة هو الزاهد في عاجل زهرة الدّنيا، الآخذ للموت أهبته، الحاث على العمل قبل ‏فناء الأجل، ونزول ما لابد من لقائه، وتقديم الحذر قبل الحين فإن الله عز وجل يقول: حتّى إذا جاء أحدهم الموت قال ‏رب ارجعوني لعلي أعمل صالحا فيما تركت فلينزلن أحدكم اليوم نفسه في هذه الدّنيا كمنزلة المكرور إلى الدّنيا، النادم ‏على ما فرط فيها من العمل الصالح ليوم فاقته، واعلموا، عباد الله، أنه من خاف البيات تجافى عن الوساد، وامتنع من ‏الرقاد، وأمسك عن بعض الطعام والشراب، من خوف سلطان أهل الدّنيا، فكيف، ويحك يا ابن آدم، من خوف بيات ‏سلطان رب العزة، وأخذه الأليم وبياته لأهل المعاصي والذنوب، مع طوارق المنايا بالليل والنهار فذلك البيات الذي ‏ليس فيه منجى، ولا دونه ملتجأ، ولا منه مهرب، فخافوا الله، أيها المؤمنون من البيات، خوف أهل التقوى فإن الله ‏يقول ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد فاحذروا زهرة الحياة الدّنيا وغرورها وشرورها، وتذكروا عاقبة الميل إليها ‏فإن زينتها فتنة، وحبها خطيئة‎.‎
واعلم ويحك يا ابن آدم أن قسوة البطنة، وفطرة الميلة، وسكر الشبع، وعزة الملك مما يثبط، ويبطئ عن العمل، ‏وينسي الذكر، ويلهي عن اقتراب الأجل، حتّى كأن المبتلى بحب الدّنيا به خبل من سكر الشراب، وإن العاقل عن الله، ‏الخائف منه، ليمرن نفسه، ويعودها الجوع حتّى ما تشتاق إلى الشبع، وكذلك تضمير الخيل لسبق الرهان‎.‎
فاتقوا الله عباد الله تقوى مؤمل ثوابه، وخائف عقابه، فقد أعذر الله تعالى وأنذر، وشوق، وخوّف، فلا أنتم إلى ما ‏شوقكم إليه من كريم ثوابه تشتاقون فتعملون، ولا أنتم مما خوفكم من شديد عقابه، وأليم عذابه، ترهبون، فتنكُلّون، وقد ‏نبأكم الله في كتابه أنه من يعمل من الصالحات، وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون ثم ضرب لكم الأمثال في ‏كتابه، وصرف الآيات لتحذروا عاجل زهرة الحياة الدّنيا، فقال: إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم فاتقوا ‏الله ما استطعتم، واسمعوا، وأطيعوا.. فاتقوا الله واتعظوا بمواعظ الله، وما أعلم إلا كثيراً منكم قد نهكته عواقب ‏المعاصي فما حذرها، وأضربت بدينه فما مقتها، أما تسمعون النداء من الله بعينها وتصغيرها حيث قال: اعلموا إنما ‏الحياة الدّنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه ‏مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت ‏للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وقال: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر ‏نفس إلى ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم ‏الفاسقون فاتقوا الله عباد الله، وتفكروا واعملوا لما خلقتم له، فإن الله لم يخلقكم عبثاً ولم يترككم سدى، قد عرفكم نفسه، ‏وبعث إليكم رسوله، وأنزل عليكم كتابه فيه حلال وحرامه، وحججه وأمثاله، فاتقوا الله فقد احتج عليكم ربكم فقال: ألم ‏نجعل له عينين * ولساناً وشفتين * وهديناه النجدين فهذه حجة عليكم، فاتقوا الله ما استطعتم فإنه لا قوة إلا بالله، ولا ‏تتكُلّوا إلا عليه وصلى الله على مُحمّد وآله‎...‎
‏10‏- ‎ومن مواعظه القيمة التي كان يعظ بها أصحابه هذه الموعظة‎: ‎
‎ ‎أحبكم إلى الله أحسنكم عملاً، وإن أعظمكم عند الله عملاً أعظمكم فيما عند الله رغبة، وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم ‏خشية لله، وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقاً، وإن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله، وإن أكرمكم على الله أتقاكم لله ‏تعالى‎...‎
‏11‏- ‎ومما وعظ به الإمام أصحابه قوله: إن بين الليل والنهار روضة يرتع في رياضها الأبرار، ويتنعم في حدائقها ‏المتقون، فادأبوا رحمكم الله في سهر هذا الليل بتلاوة القرآن في صدره، وبالتضرع والاستغفار في آخره، وإذا ورد ‏النهار فأحسنوا قراه بترك التعرض لما يرد لكم من محقرات الذنوب فإنها مشرفة بكم على قباح العيوب، وكأن الرحلة ‏قد أظلتكم، وكأن الحادي قد حدا بكم، جعلنا وإياكم من أغبطه فهمه، ونفعه علمه‎...‎
‏12‏- ‎ومن مواعظه هذه الموعظة القيمة التي حذر فيها من الدّنيا قال عليه السّلام: أحذركم من الدّنيا، وما فيها، فإنها ‏دار زوال وانتقال، تنتقل بأهلها من حال إلى حال، وهي قد أفنت القرون الخالية، والأمم الماضية وهم الذين كانوا أكثر ‏منكم مالاً، وأطول أعماراً، وأكثر آثاراً، أفنتهم الدّنيا، فكأنهم لا كانوا أهلاً، ولا سكانا، قد أكُلّ التراب لحومهم، وأزال ‏محاسنهم، وبدد أوصالهم، وشمائلهم، وغير ألوانهم، وطحنتهم أيدي الزّمان أفتطمعون بعدهم بالبقاء؟ هيهات!! ‏هيهات!! فلابد من الملتقى، فقد بدد ما مضى من عمركم، وما بقي فافعلوا فيه ما سوف يلتقي عليكم بالأعمال الصالحة ‏قبل انقضاء الأجل، وفروغ الأمل، فعن قريب تؤخذون من القصور إلى القبور حزينين غير مسرورين، فكم والله من ‏فاجر قد استكملت عليه الحسرات، وكم من عزيز وقع في مسالك الهلكات حيث لا ينفعه الندم، ولا يغاث من ظلم، وقد ‏وجدوا ما أسلفوا وأخذوا ما تزودوا، ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً فهم في منازل همود وفي عسكر ‏الموتى خمود، ينتظرون صيحة القيامة وحلول يوم الطامة ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا ‏بالحسنى‎.‎

حِكَمه عليه السلام
لقد أدلى الإمام زين العابدين عليه السّلام بكثير من الحكم القيمة، والتعاليم الرفيعة التي انبعثت عن خبرته الكاملة لواقع ‏الحياة، وتعمقه في شؤونها الاجتماعية، وخبرته بأحوال النّاس، وأمورهم، وفيما يلي بعض ما أثر عنه‎: ‎
إنّ للإمام السّجاد عليه السّلام عدّة حكم، نذكر منها‎: ‎
‏1ـ قال عليه السّلام: التَارِكُ للأمْرِ بالمَعرُوفِ والنَّهي عَنِ المُنْكَر كَالنَّابِذِ لِكِتَابِ اللهِ وَرَاء ظَهْرِه، إلاَّ أنْ يَتَّقي تُقَاةً‎.‎
قيل له: وما يتَّقي تُقاة؟
فقال عليه السّلام: يَخَافُ جَبَّاراً عنيداً أنْ يفرطَ عَلَيهِ أوْ أنْ يَطْغَى‎.‎
‏2ـ قال عليه السّلام: لا يَقلُّ عَمَلٌ مَعَ تَقْوى، وكَيفَ يَقلُّ مَا يُتَقَبَّلُ؟‎!.‎
‏3ـ قال عليه السّلام: أبْغَضُ النّاس إلى اللهِ مَنْ يَقْتَدِي بِسُنَّةِ إِمامٍ ولا يَقْتَدِي بِأعْمَالِه‎.‎
‏4ـ قال عليه السّلام: كَمْ مِن مَفْتونٍ بِحُسْنِ القَولِ فَيه، وكَمْ مِنْ مَغرُورٍ بِحُسنِ السِّترِ عَلَيه، وكَمْ مِن مُسْتَدْرَجٍ بالإحْسَانِ ‏إِلَيه‎.‎
‏5ـ قال عليه السّلام: كَمَالُ دِينِ المُسلِمِ تَرْكُه الكلام فِيمَا لا يَعْنِيه، وَقِلَّةَ مرَائِهِ، وَحِلْمِهِ، وصَبْرِهِ، وَحُسْنِ خُلقِهِ‎.‎
‏6ـ قال عليه السّلام: الرِّضَى بِمَكرُوهِ القَضَاء أرْفَعُ دَرَجَات اليَقينِ‎.‎
‏7ـ قال عليه السّلام: مَن كَرُمَتْ عَليهِ نَفسُه هَانَتِ عَليهِ الدّنيا‎.‎
‏8ـ قيل للإمام السّجاد عليه السّلام: مَنْ أعظم النّاس خطراً؟ قال عليه السّلام: مَنْ لَمْ يَرَ الدّنيا خَطَراً لِنَفسِهِ‎.‎
‏9ـ قال رجلٌ كان بحضرة الإمام السّجاد عليه السّلام: اللَّهم أغنِنِي عن خلقِك، فقال عليه السّلام: لَيْسَ هَكَذا، إِنَّما النّاس ‏بالنَّاسِ، ولكنْ قُلْ: اللَّهُمَّ أغْنِنِي عَنْ شِرَارِ خَلقِكَ‎.‎
‏10ـ قال عليه السّلام: مَنْ قَنع بِمَا قَسَم اللهُ لَهُ فَهْو مِنْ أغنَى النّاس‎.‎
‏11ـ قال عليه السّلام: لا يقلُّ عَمَلٌ مَع تَقوىً، وَكيفَ يَقلُّ مَا يُتقبَّل‎.‎
‏12ـ قال عليه السّلام: اتَّقُوا الكَذِبَ، الصَّغِير مِنْهُ والكَبير، مِن كُلّ جِدٍّ وهَزَلٍ، فإنَّ الرّجل إِذا كَذِبَ في الصَّغيرِ اجْتَرأ ‏عَلَى الكَبير‎.‎
‏13ـ قال عليه السّلام: كَفَى بِنَصْرِ اللهِ لَكَ أنْ تَرَى عَدوَّكَ يَعمَلُ بِمَعاصي اللهِ فِيكَ‎.‎
‏14ـ قال عليه السّلام: الخَيرُ كُلّهُ صِيانَةُ الإنْسانِ نَفسَهُ‎.‎
‏15ـ قال عليه السّلام لبعض بَنيه: يَا بُنيَّ إنَّ اللهَ رَضِيَني لَكَ وَلم يرْضِكَ لِي، فَأوْصَاكَ بِي، وَلَم يُوصِنِي بِكَ، عَليكَ بِالبِرِّ ‏تُحفَة يَسيرة‎.‎
‏16ـ قيل للإمام السّجاد عليه السّلام: مَا الزُّهد؟
فقال عليه السّلام: الزُّهْدُ عَشرَةُ أجْزَاء: فأعْلَى دَرَجَاتِ الزُّهْدِ أدْنَى دَرَجَاتِ الوَرَع، وأعْلَى دَرَجَاتِ الوَرَع أدْنَى دَرَجَاتِ ‏اليَقِين، وَأعْلَى دَرَجَاتِ اليَقينِ أدْنَى دَرَجَاتِ الرِّضَى، وإنَّ الزُّهْدَ في آيَةٍ مِن كِتَابِ اللهِ: لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا ‏تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ الحديد: 23‏‎.‎
‏17ـ قال عليه السّلام: طَلَبُ الحَوائِجِ إلى النّاس مَذَلَّةً للحَيَاةِ، وَمُذهِبَةً للحَيَاء، واسْتِخْفَافٌ بالوقَار، وهو الفَقْرُ الحَاضِرُ، ‏وقِلَّةِ طَلَب الحَوائِجِ مِن النّاس هُو الغِنَى الحَاضِرُ‎.‎
‏18ـ قال عليه السّلام: إنَّ أحَبَّكُمْ إلَى اللهِ أحْسَنُكُم عَمَلاً، وإنَّ أعْظَمَكُمْ عِندَ اللهِ عَمَلاً أعْظَمُكُمْ فِيمَا عِنْدَ اللهِ رَغْبَةً، وَإنَّ ‏أنْجَاكُم مِنَ عَذَابِ اللهِ أشدُّكُم خَشْيَةً للهِ، وَإنَّ أقْرَبُكُم مِنَ اللهِ أوْسَعكُم خَلقاً، وَإنَّ أرْضَاكُم عِنْدَ اللهِ أسْبَغكُمْ عَلى عِيَالِهِ، وَإنَّ ‏أكْرَمكُمْ عَلَى اللهِ أتْقَاكُم لله‎.‎
‏19ـ قال عليه السّلام لبعض بَنيه: يَا بُنيَّ، اُنظُر خَمْسَةً فلا تُصاحِبْهُم ولا تُحَادِثْهُم ولا ترافِقْهُم فِي طَريق‎.‎
فقال بعض بَنيه: يَا أبَتِ، مَنْ هُم؟
قال عليه السّلام: إِيَّاكَ وَمُصَاحَبَةِ الكذَّابِ، فَإنَّه بِمَنزِلَة السَّرَاب، يُقرِّبُ لَكَ البَعيدَ، وَيبعِّد لَكَ القَريبَ، وَإيَّاكَ ومُصَاحَبَةِ ‏الفاسِقِ، فإنَّه بَايَعَكَ بِأكُلّةٍ، أو أقَلّ مِن ذَلِك‎.‎
وَإيَّاكَ وَمُصاحَبَةِ البَخيلِ، فَإنَّه يَخذُلُك في مَالِه أحْوج مَا تَكُونُ إِلَيهِ، وَإيَّاكَ وَمُصاحَبَةِ الأحْمَقِ، فَإنَّه يُريدُ أنْ يَنْفعَكَ ‏فَيَضُرَّك، وَإيَّاكَ وَمُصاحَبَةِ القَاطِعِ لِرَحِمِهِ، فَإنِّي وَجَدتُه مَلعُوناً فِي كِتَابِ اللهِ‎.‎ ‏20ـ قال عليه السّلام: إنَّ المَعْرِفَةَ وَكَمَالُ دِينِ المُسلِم تَركُه الكلام فِيمَا لا يَعنِيهِ، وَقِلَّة مِرائِهِ وَحِلْمِهِ، وصَبْرِهِ وَحُسن ‏خُلُقِهِ‎.‎
‏21ـ قال عليه السّلام: ابْنَ آدَم، إنَّكَ لا تَزَالُ بِخَيرٍ مَا كَانَ لَكَ وَاعِظٌ مِن نَفسِكَ، وَمَا كَانَتِ المُحَاسَبَةُ مِن هَمِّكَ، وَمَا كَانَ ‏الخَوفُ لَكَ شِعاراً، وَالحَذَرُ لَكَ دثَاراً، ابنَ آدم، إِنَّك ميِّتٌ، وَمَبعوثٌ، وَمَوقُوفٌ بَينَ يَدَي اللهِ جَلَّ وعزَّ، فَأعِدَّ لَهُ جَواباً‎.‎
‏22ـ قال عليه السّلام: لا حَسَبَ لِقرَشِيٍّ وَلا لِعَربيٍّ إلاَّ بِتَوَاضُع، وَلا كَرَمَ إلاَّ بِتَقوَى، وَلا عَمَلَ إلاَّ بِنِيَّةٍ، وَلا عِبَادَةَ إلاَّ ‏بالتَّفَقُّهِ، ألاَ وَإنَّ أبغَضَ النّاس إلى اللهِ مَنْ يَقتَدِي بِسُنَّةِ إمَامٍ وَلا يَقْتَدي بِأعْمَالِهِ‎.‎
‏23ـ قال عليه السّلام: المؤمِنُ مَنْ دُعَائُهُ عَلَى ثَلاث: إَمَّا أنْ يَدَّخِرَ لَهُ، وَإمَّا أنْ يُعَجِّلَ لَهُ، وَإمَّا أنْ يَدفَعَ عَنهُ بَلاءً يُريدُ أنْ ‏يُصيبَهُ‎.‎

حديثه عليه السلام
قد روى عليه السّلام مجموعة كبيرة من الأحاديث عن جديه الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله والإمام أمير ‏المؤمنين عليه السّلام، وعن أبيه الإمام الحُسين عليه السّلام وغيرهم‎.‎
بعض أحاديثه عليه السّلام عن النّبيّ‎ ‎ صلّى الله عليه وآله
روى الإمام زين العابدين عليه السّلام كوكبة مشرقة من الأحاديث بسنده عن جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وهذه ‏بعضها‎: ‎
‏1‏- ‎روى عليه السّلام بسنده عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: انتظار الفرج عبادة، وأن من رضي بالقليل ‏من الرزق رضي الله منه القليل من العمل‎.‎
‏2‏- ‎روى الإمام عليه السّلام أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: والذي نفسي بيده ما جمع شيء إلى شيء أفضل ‏من حلم إلى علم‎..‎
‏3‏- ‎روى الإمام عليه السّلام عن أبيه الإمام الحُسين عليه السّلام أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: رأس العقل بعد ‏الإيمان بالله عز وجل التحبب إلى النّاس‎..‎
‏4‏- ‎روى الإمام عليه السّلام أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: الإيمان قول وعمل
‏5‏- ‎روى عليه السّلام أن النّبيّ صلّى الله عليه وآله قال: الإيمان إقرار باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالأركان
‏6‏- ‎روى الزّهري عن الإمام عليّ بن الحُسين عليه السّلام أن النّبيّ صلّى الله عليه وآله قال: لا يتوارث أهل ملتين، ولا ‏يرث مسلم كافراً، ولا كافر مسلماً.. وقرأ عليه السّلام: الذين كفروا بعضهم أولياء بعض
‏7‏- ‎روى الإمام عليه السّلام عن أبي عن جده أمير المؤمنين عليه السّلام أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: لا ‏تزول قدم عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، ‏وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت‎..‎
‎ ‎‏8‏- ‎قال عليه السّلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن ‏الخلق‎..‎
‏10‏- ‎قال عليه السّلام كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول في آخر خطبته: طوبى لمن طاب خلقه، وطهرت ‏سجيته، وصلحت سريرته، وحسنت علانيته، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، وأنصف النّاس من ‏نفسه‎...‎
بعض أحاديثه عن أمير المؤمنين‎ عليهما السّلام ‎
‏1‏- ‎قال عليه السّلام: للمسرف ثلاث علامات: يأكُلّ ما ليس له، ويلبس ما ليس له ويشتري ما ليس له‎..‎
‏2‏- ‎قال عليه السّلام: حدثني أبي الحُسين عليه السّلام قال: سمعت أبي علياً يقول: الأعمال على ثلاثة أحوال: فرائض، ‏وفضائل، ومعاصٍ، فأما الفرائض فبأمر الله، وبرضى الله، وبقضاء الله، وتقديره، ومشيئته، وعلمه عز وجل، وأما ‏المعاصي فليست بأمر الله، ولكن بقضاء الله، وتقدير الله وبمشيئته وعلمه، ثم يعاقب عليها 40‏‎.‎
وألقى الإمام الأضواء على أفعال الإنسان، وارتباطها بالقضاء والقدر، فكُلّ ما يصدر من الإنسان من عمل يعلم به الله ‏الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولكن لا شيء من أعمال الخير أو الشر قد أجبر عليه ‏العباد، وإنما فوض ذلك لإرادتهم واختيارهم، وقد دلل على ذلك عُلماء الإمامية في كتبهم الكُلّامية‎.‎
‏3‏- ‎روى عليه السّلام عن أبيه أن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام قال: إن الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة: ‏أخفى رضاه في طاعته، فلا تستصغرن شيئاً من طاعته، فربما وافق رضاه وأنت لا تعلم، وأخفى سخطه في معصيته، ‏فلا تستصغرن شيئاً من معصيته فربما وافق سخطه وأنت لا تعلم، وأخفى إجابته في دعوته، فلا تستصغرن شيئاً من ‏دعائه، فربما وافق إجابته وأنت لا تعلم، وأخفى وليه في عباده فلا تستصغرن عبداً من عبيد اله فربما يكون وليه وأنت ‏لا تعلم‎..‎
‏8‏- ‎قال عليه السّلام: قال أمير المؤمنين: أيها النّاس أتدرون من يتبع الرّجل بعد موته؟ فسكتو، فقال: يتبعه الولد يتركه، ‏فيدعو له بعد موته، ويستغفر له وتتبعه الصدقة يوقفها في حياته، فيتبعه أجرها بعد موته، وتتبعه السنة الصالحة يعمل ‏بها بعده فيتبعه أجرها، وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء‎...‎
‏9‏- ‎قال عليه السّلام: صلّى أمير المؤمنين عليه السّلام، ثم لم يزل في موضعه حتّى صارت الشمس على قيد رمح، ثم ‏أقبل على النّاس بوجهه، فقال: والله لقد أدركنا اقواماً كانوا يبيتون لربهم سجداً وقياما، يراوحون بين جباههم وركبهم ‏كأن زفير النار في آذانهم إذا ذكر الله عندهم مادوا كما يميد الشجر، كأن القوم باتوا غافلين، ثم قام عليه السّلام، وما ‏رؤي ضاحكاً حتّى قبض0‏

ما نُسب إليه من الشعر
الإمام السّجاد قال الشعر صادراً عن عقله وشعوره معاً ونابعاً من تجاربه ومعاناته في الحياة، وكُلّ ما نسب اليه من الشعر جاء في ‏المناجاة والأخلاق والدعوة إلى الخير والفخر، والنهي عن الشر والأمر بمكارم الأخلاق. ولا غرو فالإمام زين ‏العابدين عليه السّلام من الذين كرسوا حياتهم من أجل الحق والفضيلة وتقويم الانحراف والجهاد من اجل إعلاء كُلّمة ‏الإسلام. وهذه مقتطفات من شعره‎: ‎
قال في إحدى مناجاته التي ترتعد منها الفرائص‎: ‎
يا نفس حتّى م إلى الدّنيا سكونك، وإلى عمارتها ركونك أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك، ومن رواته الأرض من ‏ألاّفك؟ ومن فجعت به من إخوانك؟‎!!.‎
خلت دورهم منهم وأقوت‎ ii‎عراصهم وساقتهم نحو المنايا‏‎ ii‎المقابر
فهم في بطون الأرض بعد ظهورها محاسنهم فيها بوال‎ ii‎دوائر
وخلوا عن الدّنيا وما جمعوا‎ ii‎لها وضمتهم تحت التراب‎ ii‎الحفائر‎ ‎
فكم خرمت أيدي المنون من قرون، وكم غيرت الأرض ببلائها وغيبت في ترابها ممن عاشرت من البشر وشيعتهم ‏إلى البور ثم رجعت عنهم إلى عمل أهل الإفلاس‎.‎
ثم يتابع في نصحه لأهل الدّنيا‎: ‎
وأن على الدّنيا مكب‎ ii‎منافسٍ لخطابها فيها حريص‎ ii‎مكائر
على خطر تمسي وتصبح لاهياً أتدري بماذا لو عقلت‎ ii‎تخاطر
وإن امرءاً يسعى لدنياه‎ ii‎جاهداً ويذهل عن أخراه لا شك خاسر‎ ‎
فحتى على الدّنيا إقبالك؟ وبمغرياتها اشتغالك؟ وقد أسرع إلى قذالك الشيب البشير، وأنذرك النذير، وأنت ساه عما ‏يراد بك ولاه عن غدك وقد رأيت بأم عينك انقلاب أهل الشهوات، وعاينت ما حل بهم من المصائب والنكبات‎.‎
وفي ذكر هول الموت والقبر والبلى عــن اللهو والـلـذات‎ ii‎زاجـر
أبـعد اقـتراب الأربـعين‎ ii‎تربص وشـيب قـذال مـنذ ذلـك‎ ii‎ذاعر
كـأنك مـعني بـما هـو‎ ii‎صـائر لـنفسك عـمداً أو عن الرشد‎ ii‎حائر‎ ‎
فحول نظرك إلى الأمم الماضية والقرون الخالية كيف اختطفتهم عوادي الأيام فأفناهم الحمام، فامحت من الدّنيا آثارهم ‏وأصبحوا رمماً تحت التراب إلى يوم الحشر والحساب‎.‎
وأضحوا رميماً في التراب وأقفرت مـجالس مـنهم عطلت‎ ii‎ومقاصر
وحـلوا بـدار لا تـزاور‎ ii‎بـينهم وأنـى لـسكان الـقبور الـتزاور
فـما أن تـرى إلا قبوراً ثووا‎ ii‎بها مـسطحة تـسفي عليها الأعاصر‎ ‎
ثم يحذر عليه السّلام المتكبرين ويعظ الملوك الجبارين الذين نزل بهم ما لا يصد فتعالى العزيز القهار، مبيد المتكبرين ‏وقاصم الجبارين الذي ذل لعزه كُلّ سلطان، وباد بقوته كُلّ ديان‎: ‎
مـليك عـزيز لا يـرد‎ ii‎قـضاؤه حـكيم عـليم نـافذ الأمر‏‎ ii‎قاهر
عـنا كُـلّ ذي عـز لعزة‎ ii‎وجهه فـكم مـن عزيز للمهيمن‎ ii‎صاغر
لقد خضعت واستسلمت وتضاءلت لـعزة ذي العرش الملوك‎ ii‎الجبابر‎ ‎
ويتابع عليه السّلام تحذيره للناس عامة من الدّنيا ومكائدها، وما نصبت للناس من مصائبها، وتحلت لهم من زينتها ‏وأظهرت لهم من بهجتها ومن شهواتها وأخفت عنهم من مكائدها وقواتلها‎: ‎
وفي دون ما عينت من فجعاتها إلـى دفـعها داع وبالزهد آمر
فـجد ولا تـغفل وكن متيقظاً فـعما قـليل يترك الدار عامر
فـشمّر ولا تفتر فعمرك زائل وأنـت إلى دار الإقامة صائر
ولا تـطلب الـدّنيا فإن نعيمها وإن نـلت منها غبه لك‎ ii‎ضائر‎ ‎
وما دام اللبيب على ثقة من زوال الدّنيا وفنائها، فلماذا يحرص عليها ويطمع في بقائها، وكيف تنام عينه وتسكن نفسه ‏وهو يتوقع الممات في جميع أموره‎!!.‎
إلا لـه ولـكنا نـغر‎ ii‎نفوسنا وتـشغلنا الـلذات عما نحاذر
وكيف يلذ العيش من هو‎ ii‎موقن بموقف عدل يوم تبلى‎ ii‎السرائر
كـأنا نرى أن لا نشور، ‏iiوإنما سدى ما لنا بعد الممات مصادر‎ ‎
وبعد الوقوع في الخطايا وانغماسه في الرزايا يبكي على ما سلف ويتحسر على ما فاته من الدّنيا، فيشرع بالاستغفار ‏حين لا ينجيه لا استغفار ولا اعتذار من هول المنية ونزول البلية‎: ‎
أحـاطت بـه أحزانه وهمومه وأبـلس لـما أعجزته‎ ii‎المقادر
فليس له من كربة الموت فارج ولـيس لـه مما يحاذر‎ ii‎ناصر
وقد جشأت خوف المنية‎ ii‎نفسه تـرددها مـنه اللها‎ ii‎والحناجر‎ ‎
فتذكر أيها الإنسان الحالة التي أنت صائر إليها لا محالة، فإنك منقول إلى دار البلى ومدفوع إلى هول ما ترى‎: ‎
ثـوى مـفرداً فـي لحده‎ ii‎وتوزعت مـواريـثـه أولاده‎ ii‎والأصـاهـر
واحـنوا عـلى أمـواله‎ ii‎يقسمونها فـلا حـامد مـنهم عـليها وشاكر
فـيا عـامر الـدّنيا ويا ساعياً‎ ii‎لها ويـا آمـناً مـن أن تدور‎ ii‎الدوائر
ولـم تـتزود لـلرحيل وقـد‎ ii‎دنـا وأنـت عـلى حـال وشيك‎ ii‎مسافر
فـيا لـهف نفسي كم أسوف‎ ii‎توبتي وعـمري فـان والـردى لي‎ ii‎ناظر
وكُلّ الذي أسلفت في الصحف مثبت يـجازي عـليه عـادل الحكم‎ ii‎قادر
تـخرب مـا يـبقى وتـعمر‎ ii‎فانياً فـلا ذاك مـوفور ولا ذاك‎ ii‎عـامر
وهـل لـك إن وافـاك حتفك‎ ii‎بغتة ولـم تـكتسب خيراً لدى الله عاذر
أتـرضى بأن تفنى الحياة وتنقضي وديـنك مـنقوص ومـالك‎ ii‎وافـر‎ ‎
روى الزّهري قال: كان عليّ بن الحُسين عليه السّلام يناجي ربه تعالى ويقول: قل لمن قل عزاؤه، وطال بكاؤه، ودام ‏عناؤه، وبان صبره، وتقسم فكره، والتبس عليه أمره، من فقد الأولاد، ومفارقة الآباء والأجداد، ألم تر كيف فعل ربك ‏بعاد إرم ذات العماد؟‎.‎
تـعـز فـكُلّ لـلمنية ذائـق وكُـلّ ابن أنثى للحياة مفارق
فـعمر الفتى للحادثات‎ ii‎دريئة تـناهبه سـاعاتها‎ ii‎والـدقائق
كـذا نـتفانا واحدا بعد‎ ii‎واحد وتـطرقنا بالحادثات‎ ii‎الطوارق
وفيم وحتى م الشكاية‎ ii‎والردى جـموح لآجـال البرية‎ ii‎لاحق
فكُلّ ابن أنثى هالك وابن هالك لمن ضمنته غربها‎ ii‎والمشارق
فـلابد من إدراك ما هو‎ ii‎كائن ولابـد من إتيان ما هو‎ ii‎سابق‎ ‎
فما للإنسان والخلود إلى دار الأحزان والهوان، وقد نطق القرآن بالبيان الواضح في سورة الرحمن كُلّ من عليها فان ‏ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام‎.‎
فالشباب للهرم، والصحة إلى السقم، والوجود إلى العدم، فلماذا التلهف والندم وقد خلت من قبلنا الأمم‎: ‎
أتـرجو نـجاة من حياة‎ ii‎سقيمة وسـهم الـمنايا للخليقة‎ ii‎راشق
سـرورك موصول بفقدان‎ ii‎لذة ومن دون ما تهواه تأتي العوائق
وحـبك لـلدنيا غرور‎ ii‎وباطل وفـي ضمنها للراغبين‎ ii‎البوائق‎ ‎
فأين السلف الماضون وأين الأهلون والأقربون وأين الأنبياء المرسلون فقد طحنتهم المنون، وفقدتهم العيون وإنا إليهم ‏صائرون. فإنا لله وإنا إليه راجعون‎.‎
إذا كـان هـذا نـهج من كان‎ ii‎قبلنا فـإنـا عـلـى آثـارهم‎ ii‎نـتلاحق
فكن عالما أن سوف تدرك من مضى ولـو عـصمتك الراسيات‎ ii‎الشواهق
فـما هـذه دار الـمقامة‎ ii‎فـاعلمن ولـو عـمر الإنـسان ما ذر‎ ii‎شارق‎ ‎
فتأمل وتبصر واسأل أين من بنى القصور وهزم الجيوش وجمع الأموال، أين ملك الفراعنة والأكاسرة والغساسنة؟
كـأن لـم يكونا أهل عز‎ ii‎ومنع ولا رفـعت أعـلامهم‎ ii‎والمناجق
ولا سكنوا تلك القصور التي بنوا ولا أخـذت مـنهم بعهد‎ ii‎مواثق‎ ‎
وروى طاووس الفقيه قال: رأيت زين العابدين عليه السّلام يطوف بالبيت من العشاء إلى السحر ويتعبد ثم قال: .. إذا ‏قيل للمخفين جوزوا وللمثقلين حطوا أمع المخفين أجوز أم مع المثقلين أحط؟ ويلي كُلّما طال عمري كثرت خطاياي ‏ولم أتب أما آن لي أن أستحي من ربي؟ ثم أنشأ يقول‎: ‎
أتـحرقني بـالنّار يا غاية المنى فـأين رجـائي ثـم أين‎ ii‎محبتي
أتـيـت بـأعمال قـباح‎ ii‎رديـة وما في الورى خلق جنى كجنايتي‎ ‎
وحدث عبد الله بن المُبارك أنه كان في بعض السنين يساير الحاج إذ رأى صبياً سباعياً أو ثمانياً يسير في ناحية الحاج ‏بلا زاد ولا راحلة فقال له: مع من قطعت البر؟ فقال: مع الباري جل شأنه، فسأله عن راحلته وزاده فأجابه: بأن زاده ‏تقواه وراحلته رجلاه وقصده إلى مولاه سبحانه وتعالى، فكبر في عينه وازداد تعجبه فتشوق إلى استكشاف نسبه فقال: ‏هاشمي علوي فاطمي. وكان هذا يفسر مواهبه الأدبية فسأله عن معرفته بالشعر فاستنشده من شعره فقال‎: ‎
لنحن على الحوض‏‎ ii‎رواد نــذود ونـسـقي وراده
ومـا فـاز من فاز إلا‎ ii‎بنا ومـا خاب من حبنا‎ ii‎زاده
ومن سرنا نال منا السرور ومـن سـاءنا ساء‎ ii‎ميلاده
ومـن كـان غاصبنا حقنا فـيـوم الـقيامة‎ ii‎مـيعاده‎ ‎
ثم فارقه ولم يشاهده إلا بالأبطح، فرآه جالساً وحوله جماعة يسألونه عما أبهم عليهم من الحلال والحرام وما أشكُلّ ‏عليه فإذا هو زين العابدين عليه السّلام ومما يروى له صلوات الله عليه قوله‎: ‎
نحن بنو المصطفى ذوو غصص يـجرعها فـي الأنـام كـاظمنا
عـظيمة فـي الأنـام‎ ii‎مـحنتنا أولــنـا مـبـتلى وآخـرنـا
يـفرح هـذا الـورى‎ ii‎بـعيدهم ونـحـن أعـيـادنا‎ ii‎مـآتـمنا
والناس في الأمن والسرور‎ ii‎وما يـأمن طـول الـزّمان‎ ii‎خـائفنا
ومـا خـصنا به من الشرف‎ ii‎ال طـائـل بـيـن الأنـام‎ ii‎آفـتنا
يـحكم فـينا والـحكم فـيه لنا جـاحـدنا حـقـنا‎ ii‎وغـاصبنا‎ ‎
ذكر الألوسي في روح المعاني عند قوله تعالى: يا أيها الرّسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت ‏رسالته والله يعصمك من النّاس إن الله لا يهدي القوم الكافرين 2. علم الأسرار والحقيقة ثم قال أشار إلى هذا رئيس ‏العارفين عليّ زين العابدين حيث قال‎: ‎
إنـي لأكـتم من علمي‎ ii‎جواهره كيلا يرى الحق ذو جهل‎ ii‎فيفتننا
وقـد تـقدم فـي هذا أبو‎ ii‎حسن إلى الحُسين وأوصى قبله الحسنا
فـرب جـوهر علم لو أبوح‎ ii‎به لـقيل لي أنت ممن يعبد‎ ii‎الوثنا
ولاسـتحال رجال مسلمون‎ ii‎دمي يـرون أقـبح مـا يأتونه‎ ii‎حسنا‎ ‎
وذكر ابن شهر آشوب في المناقب أن الأصمعي قال: كنت أطوف ليلة بالبيت الحرام فإذا شاب ظريف عليه ذؤابتان ‏وهو متعلق بأستار الكعبة ويقول نامت العيون إلى أن قال‎: ‎
يا من يجيب دعاء المضطر في الظلم يـا كاشف الضر والبلوى مع‎ ii‎السقم
قـد نـام وفـدك حول البيت قاطبة وأنـت وحـدك يـا قـيوم لـم‎ ii‎تنم
أدعـوك ربـي دعـاء قد أمرت‎ ii‎به فـارحم بـكائي بحق البيت‎ ii‎والحرم
إن كـان عفوك لا يرجوه ذو‎ ii‎سرف فـمن يـجود عـلى العاصين‎ ii‎بالنعم‎ ‎
وقال عليه السّلام مخاطباً الحكام الظالمين‎: ‎
لـكم مـا تدعون بغير‎ ii‎حق إذ ميز الصحاح من‎ ii‎المراض
عـرفتم حـقنا‎ ii‎فـجحدتمونا كما عرف السواد من البياض
كـتاب الله شـاهدنا‎ ii‎عـليكم وقـاضياً الإلـه فنعم‎ ii‎قاض‎ ‎
وقال عليه السّلام ليزيد بن معاوية‎: ‎
لا تطمعوا أن تهينونا‎ ii‎فنكرمكم وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا
والله يـعـلم إنـا لا‎ ii‎نـحبكم ولا نـلـومكم أن لا‎ ii‎تـحبونا‎ ‎
قال: صدقت يا غلام، ولكن أراد أبوك وجدك أن يكونا أميرين، والحمد لله الذي قتلهما وسفك دماهما‎.‎
فقال عليه السّلام: لم تزل النبوة والأمرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد‎. ‎

مكاتيبه عليه السلام
إن من يتصفح هذه الرسائل يجدها طافحة بالتعاليم الإسلامية، مملوءة بالمواعظ والحكم والأخلاق‎.‎
نذكر بعض ما ورد من كتب الإمام زين العابدين عليه السّلام‎: ‎
‏1‏- ‎من كتاب له عليه السّلام إلى عبد الملك بن مروان جواباً عن كتاب كتبه إليه: ‎
أما بعد فقد بلغني كتابك تعنفني بتزويجي مولاتي، وتزعم أنه كان في نساء قريش من أمجد به في الصهر، واستنجبه ‏في الولد، وأنه ليس فوق رسول الله صلّى الله عليه وآله مرتقى في مجد، ولا مستزاداً في كرم، وإنما كانت ملك يميني ‏خرجت مني بأمر أراده الله عز وجل التمست فيه ثوابه، ثم ارتجعها على سنته، ومن كان زكياً في دين الله فليس يخل ‏به شيء من أمره، وقد رفع الله بالإسلام الخسيسة، وتمم به القضية، وأذهب اللوم، فلا لوم على امرئ مسلم، إنما اللوم ‏لوم الجاهلية والسلام‎.‎
فلما قرأ عبد الملك الكتاب رمى به إلى ابنه سليمان فقرأه ثم قال: يا أمير المؤمنين: لشد ما فخر عليك عليّ بن الحُسين‎.‎
قال عبد الملك: لا تقل ذلك يا بني، فإنها ألسن بني هاشم، وإن عليّ بن الحُسين يا بني يرتفع من حيث يتضع النّاس‎.‎
ثم التفت عبد الملك لجلسائه فقال: أخبروني عن رجل إذا أتى منا يضع النّاس لم يزده إلا شرفاً‎.‎
قالوا: ذاك أمير المؤمنين‎.‎
قال: لا والله‎.‎
قالوا: ما نعرف إلا أمير المؤمنين‎.‎
فقال عبد الملك: فلا والله، ما هو بأمير المؤمنين، ولكنه عليّ بن الحُسين‎.‎
‏2‏- ‎بلغ عبد الملك أن سيف رسول الله صلّى الله عليه وآله عند عليّ بن الحُسين فبعث يستوهبه منه ويسأله الحاجة، ‏فأبى عليه، فكتب إليه عبد الملك يهدده، وأنه يقطع رزقه من بيت المال‎.‎
فأجابه عليه السّلام: أما بعد: فإن الله ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون. والرزق من حيث لا يحتسبون وقال ‏جل ذكره: إن الله لا يحب كُلّ خوان فخور، فانظر أيّنا أولى بهذه الآية‎.‎
‏3‏- ‎من كتاب له عليه السّلام إلى مُحمّد بن مسلم الزّهري يعظه به‎: ‎
كفانا الله وإياك من الفتن، ورحمك من النار، نعم الله بما أصح من بدنك، وأطال من عمرك، وقامت عليك حجج الله بما ‏حمّلك من كتابه، وفقهك فيه من دينه، وعرّفك من سنة نبيه مُحمّد صلّى الله عليه وآله، فرض لك في كُلّ نعمة أنعم بها ‏عليك، وفي كُلّ حجة أحتج بها عليك الفرض فما قضى إلى ابتلى شكرك في ذلك، وأبدى فيه فضله عليك فقال: لئن ‏شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد‎.‎
فانظر أيَّ رجل تكون غداً إذا وقفت بين يدي الله فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها، وعن حججه عليك كيف ‏قضيتها، ولا تحسبن الله قابلاً منك بالتعذير، ولا راضياً منك بالتقصير، هيهات هيهات ليس كذلك، أخذ على العُلماء ‏في كتابه إذ قال: لتبيننه للناس ولا تكتمونه‎.‎
واعلم أن أدنى ما كتمت، أخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم وسهلت له طريق الغي بدنوك منه حين دنوت، ‏وأجابتك له حين دُعيت، فما أخوفني أن تكون تبوء بإثمك غداً مع الخونة، وأن تُسأل عما أخذت بإعانتك على ظلم ‏الظلمة، إنك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك، ودنوت ممن لم يردَّ على أحد حقاً، ولم تردَّ باطلاً حين أدناك، وأحببت من ‏حادَّ الله، أوليس بدعائه إياك حين دعاك، جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم، ‏وسلماً إلى ضلالتهم، داعياً إلى غيهم، سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشك على العُلماء، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، ‏فلم يبلغ أخص وزرائهم، ولا أقوى أعوانهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما ‏أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمرو لك، فكيف ما خربوا عليك، فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها ‏غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول‎.‎
وانظر كيف شكرك لمن غذّاك بنعمه صغيراً وكبيراً، فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه: فخلف من بعدهم ‏خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا‎.‎
إنك لست في دار مقام، أنت في دار قد آذنت برحيل، فما بقاء المرء بعد قرنائه، طوبى لمن كان في الدّنيا على وجل، ‏يا بؤس لمن يموت وتبقى ذنوبه من بعده‎.‎
أحذر فقد نبئت، وبادر فقد أجلت، إنك تعامل من لا يجهل، وإن الذي يحفظ عليك لا يغفل، تجهز فقد دنا منك سفر بعيد ‏وداوِ ذنبك فقد دخله سقم شديد، ولا تحسب أني أردت توبيخك وتعنيفك وتعبيرك، لكني أردت أن ينعش، الله ما فات ‏من أريك، ويردَّ إليك ما عزب من دينك، وذكرت قول الله تعالى في كتابه: وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين‎.‎
أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك، وبقيت بعدهم كقرن أعضب، انظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت، أم هل وقعوا ‏في مثل ما وقعت فيه، أم هل تراهم ذكرت خيراً علموه، وعلمت شيئاً جهلوه، بل حظيت بما حلَّ من حالك في صدور ‏العامة وكُلّفهم بك، إذا صاروا يقتدون برأيك، ويعملون بأمرك إن أحللت أحلوا، وإن حرمت حرموا وليس ذلك عندك ‏ولكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك، ذهاب علمائهم وغلبة الجهل عليك وعليهم، وحب الرئاسة، وطلب الدّنيا منك ‏منهم، أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة وما النّاس فيه من البلاء والفتنة، قد ابتليتهم وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم ‏مما رأوا، فتاقت نفوسهم إلى أن يبلغوا من العلم ما بلغت، أو يدركوا به مثل الذين أدركت، فوقعوا منك في بحر لا ‏يدرك عمقه، وفي بلاء لا يقدر قدره، فالله لنا ولك وهو المستمعان‎.‎
أما بعد فاعرض عن كُلّ ما أنت فيه حتّى تلحق بالصالحين الذين دفنوا في اسما لهم لاصقة بطونهم بظورهم، ليس ‏بينهم وبين الله حجاب، ولا تفتنهم الدّنيا ولا يفتنون بها، رغبوا فطلبوا، فما لبثوا أن لحقوا، فإذا كانت الدّنيا تبلغ من ‏مثلك هذا المبلغ مع كبر سنك، ورسوخ علمك، وحضور أجلك، فكيف يسلم الحدث في سنة، الجاهل في علمه، المأفون ‏في رأيه، المدخول في عقله، إنا لله وإنا إليه راجعون على من المعول، وعند من المستعتب؟ نشكو إلى الله بثّنا وما ‏نرى فيك، ونحتسب عند الله مصيبتنا بك‎.‎
فانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيراً وكبيراً وكيف إعظامك لمن جعلك بدينه في النّاس جميلاً، وكيف صيانتك ‏لكسوة من جعلك بكسوته في النّاس ستيراً، وكيف قربك أو بعدك ممن أمرك أن تكون منه قريباً ذليلاً، مالك لا تنتبه ‏من نعستك، وتستقيل من عثرتك: والله ما قمت لله مقاماً واحداً أحييت له ديناً، أو أمت له فيه باطلاً فهذا شكرك من ‏استحملك وما أخوفني أن تكون كمن قال الله تعالى في كتابه: أضاعوا الصّلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً ما ‏استحملك كتابه، واستودعك علمه فأضعتها، فنحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به والسلام‎. ‎

بعض وصاياه عليه السلام
ومن الوسائل التي اتبعها أئمتنا عليهم السّلام للنهوض بالمجتمع هي وصاياهم الكثيرة، الحافلة بالإرشاد والتوجيه‎.‎
وفي هذه الصفحات بعض ما ورد من وصايا الإمام عليّ بن الحُسين عليهما السّلام‎: ‎
‏1‏- ‎من وصيّة له عليه السّلام لابنه الإمام الباقر عليه السّلام‎: ‎
يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق. فقال: يا أبت من هم عرفنيهم؟
قال: إياك ومصاحبة الكذاب، فإنه بمنزلة السراب، يقرب البعيد، ويبعد لك القريب، وإياك ومصاحبة الفاسق، فإنه ‏بايعك بأكُلّة أو أقل من ذلك، وإياك ومصاحبة البخيل، فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصاحبة ‏الأحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله عز وجل في ‏ثلاثة مواضع، قال الله عز وجل: فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم وتقطعوا أولئك الذين ‏لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم وقال عز وجل: الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن ‏يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار وقال في سورة البقرة: الذين ينقضون عهد الله من بعد ‏ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون0‏
‏2‏- ‎من وصية له عليه السّلام لبعض أصحابه‎: ‎
قال أبو حمزة الثمالي: كان عليّ بن الحُسين يقول لأصحابه: أحبكم إلى الله أحسنكم عملاً، وإن أعظمكم فيما عند الله ‏رغبة، وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله، وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقاً، وإن أرضاكم عند الله أسبغكم على ‏عياله، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم لله تعالى0‏
‏3‏- ‎من وصية له عليه السّلام أوصى بها الزّهري‎: ‎
قال الإمام الباقر عليه السّلام: دخل مُحمّد بن مسلم بن شهاب الزّهري على عليّ بن الحُسين عليه السّلام وهو كئيب ‏حزين، فقال له: ما لك مغموماً؟
قال: يا ابن رسول الله هموم وغموم تتوالى عليّ لما امتحنت به من جهة حساد نعمي، والطامعين فيَّ، وممن أرجوه، ‏وممن أحسنت إليه فيختلف ظني‎.‎
فقال له عليّ بن الحُسين عليه السّلام: أحفظ عليك لسانك تملك به إخوانك‎.‎
فقال الزّهري: يا ابن رسول الله إني أحسن إليهم بما يبدر من كلامي‎.‎
فقال عليه السّلام: هيهات هيهات، إياك أن تعجب من نفسك بذلك، وإياك أن تتكلّم بما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان ‏عندك اعتذاره، فليس كُلّ ما تسمعه شراً يمكنك أن توسعه عذراًَ‎.‎
ثم قال: يا زهري من لم يكن عقله من أكمل ما فيه كان هلاكه من أيسر ما فيه، يا زهري أما عليك أن تجعل المُسلمين ‏منك بمنزلة أهل بيتك، فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك، وتجعل صغيرهم بمنزلة ولدك، وتجعل تربك منهم بمنزلة أخيك ‏فأي هؤلاء تحب أن تظلم. وأيَّ هؤلاء تحب أن تدعو عليه، وأيَّ هؤلاء تحب أن تنتهك ستره، وإن عرض لك إبليس ‏لعنه الله فضلاً على أحد من أهل القبلة، فانظر إن كان أكبر منك فقل: قد سبقني بالإيمان والعمل الصالح فهو خير ‏مني، وإن كان أصغر منك فقل: قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير مني، وإن كان تربك فقل: أنا على يقين من ‏ذنبي ومن شك من أمره، فما لي أدع يقيني لشكي، وإن رأيت المُسلمين يعظمونك ويوقرونك ويبجلونك فقل: هذا فضل ‏اخذوا به، وإن رأيت منهم جفاءً وانقباضاً فقل: هذا لذنب أحدثته، فإنك إن فعلت ذلك سهل الله عليك عيشك، وكثر ‏أصدقاؤك، وقل أعداؤك، وفرحت بما يكون من برهم، ولم تأسف على ما يكون من جفائهم‎.‎
وأعلم أن أكرم النّاس على النّاس من كان خيره عليهم فائضاً، وكان عنهم مستغنياً متعففاً، وأكرم النّاس بعده عليهم من ‏كان مستعففاً وإن كان إليهم محتاجاً، فإنما أهل الدّنيا يتعقبون الأموال، فمن لم يزدحمهم فيما يتعقبونه كرم عليهم، ومن ‏لم يزاحمهم فيها ومكنهم من بعضها كان أعز وأكرم0‏
‏4‏- ‎من وصية له عليه السّلام لأصحابه‎: ‎
عن أبي حمزة الثمالي قال: قال عليّ بن الحُسين عليهما السّلام لأصحابه: أوصيكم إخواني بالدار الآخرة ولا أوصيكم ‏بدار الدّنيا فإنكم عليها حريصون، وبها متمسكون، أما بلغكم ما قال عيسى بن مريم عليه السّلام للحواريين؟ فانه قال: ‏الدّنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها. وقال: أيكم يبني على موج البحر داراً، تلكم دار الدّنيا فلا تتخذوها قرارا‎.‎
‏5‏- ‎قال الإمام الباقر عليه السّلام: كان عليّ بن الحُسين عليهما السّلام يقول لولده: اتقوا الكذب، الصغير منه والكبير، ‏في كُلّ جد وهزل، فإن الرّجل إذا كذب في الصغير اجترئ على الكبير، أما علمتم أن رسول الله صلّى الله عليه وآله ‏قال: لا يزال العبد يصدق حتّى يكتبه الله عز وجل صادقاً، ولا يزال العبد يكذب حتّى يكتبه الله كاذبا0‏

شهادته عليه السلام
كان الإمام يتمتع بشعبية هائلة، فقد تحدث النّاس - بإعجاب - عن علمه وفقهه وعبادته، وعجبت الأندية بالتحدث عن ‏صبره، وسائر ملكاته، وقد احتل قلوب النّاس وعواطفهم، فكان السعيد من يحظى برؤيته، والسعيد من يتشرف بمقابلته ‏والاستماع إلى حديثه، وقد شق ذلك على الأمويين، وأقضّ مضاجعهم وكان من أعظم الحاقدين عليه الوليد بن عبد ‏الملك، فقد روى الزّهري أنه قال: لا راحة لي، وعلي بن الحُسين موجود في دار الدّنيا وأجمع رأي هذا الخبيث الدنس ‏على اغتيال الإمام حينما آل إليه الملك والسلطان، فبعث سماً قاتلاً إلى عامله على يثرب، وأمره أن يدسه للإمام ونفذ ‏عامله ذلك، وقد تفاعل السم في بدن الإمام، فأخذ يعاني أشد الآلام وأقساها، وبقي حفنة من الأيام على فراش المرض ‏يبث شكواه إلى الله تعالى، ويدعو لنفسه بالمغفرة والرضوان، وقد تزاحم النّاس على عيادته، وهو عليه السّلام يحمد ‏الله، ويثني عليه أحسن الثناء على ما رزقه من الشهادة على يد شر البرية‎.‎

وصاياه لولده الباقر عليهما السّلام
وعهد الإمام زين العابدين إلى ولده الإمام مُحمّد الباقر عليهما السّلام بوصاياه، وكان مما أوصاه به ما يلي‎: ‎
‏1‏- ‎أنه أوصاه بناقته، فقال له: إني حججت على ناقتي هذه عشرين حجة لم أقرعها بسوط، فإذا نفقت فادفنها، لا تأكُلّ ‏لحمها السباع، فإن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: ما من بعير يوقف عليه موقف عرفة سبع حجج إلا جعله الله ‏من نعم الجنة، وبارك في نسله ونفذ الإمام الباقر ذلك‎.‎
‏2‏- ‎أنه أوصاه بهذه الوصية القيمة التي تكشف عن الجوانب المشرقة من نزعات أهل البيت عليهم السّلام فقد قال له: يا ‏بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، فقد قال لي: يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله‎.‎
‏3‏- ‎أنه أوصاه أن يتولى بنفسه غسله وتكفينه وسائر شؤونه حتّى يواريه في مقره الأخير‎.‎
إلى جنّة المأوى‎ ‎
وثقل حال الإمام، واشتد به المرض، وأخذ يعاني آلاماً مرهقة، فقد تفاعل السم مع جميع أجزاء بدنه، وأخبر الإمام ‏أهله أنه في غلس الليل البهيم سوف ينتقل إلى الفردوس الأعلى، وأغمي عليه ثلاث مرات، فلما أفاق قرأ سورة الفاتحة ‏وسورة إنا فتحنا ثم قال عليه السّلام: الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الجنة نتبوأ منها حيث نشاء فنعم أجر ‏العاملين‎.‎
وارتفعت روحه العظيمة إلى خالقها كما ترتفع أرواح الأنبياء والمرسلين، تحفها بإجلال وإكبار ملائكة الله، وألطاف ‏الله وتحياته‎.‎
لقد سمت تلك الروح العظيمة إلى خالقها بعد أن أضاءت آفاق هذه الدّنيا بعلومها وعبادتها وتجردها من كُلّ نزعة من ‏نزعات الهوى‎.‎

تجهيزه عليه السّلام
وقام الإمام أبو جعفر الباقر بتجهيز جثمان أبيه، فغسل جسده الطاهر، وقد رأى النّاس مواضع سجوده كأنها مبارك ‏الإبل من كثرة سجوده لله تعالى، ونظروا إلى عاتقه كأنه مبارك الإبل، فسألوا الباقر عن ذلك، فقال أنه من أثر الجراب ‏الذي كان يحمله على عاتقه، ويضع فيه الطعام، ويوزعه على الفقراء والمحرومين وبعد الفراغ من غسله أدرجه في ‏أكفانه، وصلى عليه الصّلاة المكتوبة‎.‎

تشييعه عليه السّلام
وجرى للإمام تشييع حافل لم تشهد يثرب له نظيراً فقد شيعه البر والفاجر، والتفت الجماهير حول النعش العظيم ‏والهين جازعين في بكاء وخشوع، وإحساس عميق بالخسارة الكبرى، فقد فقدوا بموته الخير الكثير، وفقدوا تلك ‏الروحانية التي لم يخلق لها مثيل لقد عقلت الألسنة، وطاشت العقول بموت الإمام، فازدحم أهالي يثرب على الجثمان ‏المقدس فالسعيد من يحظى بحمله، ومن الغريب أن سعيد بن المسيب أحد الفُقهاء السبعة في المدينة لم يفز بتشييع ‏الإمام والصلاة عليه، وقد أنكر عليه ذلك حشرم مولى أشجع، فأجابه سعيد: أصلي ركعتين في المسجد أحب إلي من ‏أن أصلي على هذا الرّجل الصالح في البيت الصالح. وهو اعتذار مهلهل فإن حضور تشييع جنازة الإمام عليه السّلام ‏الذي يحمل هدي الأنبياء من أفضل الطاعات وأحبها عند الله تعالى‎.‎

في مثواه الأخير
وجيء بالجثمان الطاهر وسط هالة من التكبير والتحميد إلى بقيع الغرقد، فحفروا له قبراً بجوار قبر عمه الزكي الإمام ‏الحسن سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله صلّى الله عليه وآله وأنزل الإمام الباقر عليه السّلام جثمان أبيه ‏فواراه في مقره الأخير، وقد وارى معه العلم والبر والتقوى، ووارى معه روحانية الأنبياء والمتقين‎.‎
وبعد الفراغ من دفنه هرع النّاس نحو الإمام الباقر، وهم يرفعون إليه تعازيهم الحارة، ويشاركونه في لوعته وأساه، ‏والإمام مع أخوته وسائر بني هاشم يشكرونهم على مشاركتهم في الخطب الفادح الجلل، والمصاب العظيم‎!!.‎

زيارته عليه السلام
زيارة أئمة البقيع
أئمة البقيع عليهم السّلام هم: الإمام الحسن المجتبى والإمام زين العابدين والإمام مُحمّد الباقر والإمام جعفر الصّادق ‏عليهم السّلام إذا أردت زيارتهم فاعمل بما سبق من آداب الزيارة من الغسل والكون على الطهارة ولبس الثياب ‏الطاهرة النظيفة والتطيب والاستئذان للدخول ونحو ذلك وقل أيضاً‎:
يا مواليّ يا أبناء رسول الله عبدكم وابن أمتكم الذليل بين أيديكم والمضعف في علو قدركم والمعترف بحقكم جاءكم ‏مستجيراً بكم قاصداً إلى حرمكم متقرباً إلى مقامكم متوسلاً إلى الله تعالى بكم. أأدخل يا موالي أأدخل يا أولياء الله ‏أأدخل يا ملائكة الله المحدقين بهذا الحرم المقيمين بهذا المشهد.
وادخل بعد الخشوع والخضوع ورقة القلب وقدّم رجلك اليمنى وقل‎: ‎
الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً والحمد لله الفرد الصمد الماجد الأحد المتفضل المنان ‏المتطوّل الحنان الذي منّ بطوله وسهل زيارة ساداتي بإحسانه ولم يجعلني عن زيارتهم ممنوعاً بل تطوّل ومنح.
ثم اقترب من قبورهم المقدسة واستقبلها واستدبر القبلة وقل:
السّلام عليكم أئمة الهدى السّلام عليكم أهل التقوى السّلام عليكم أيها الحجج على أهل الدّنيا السّلام عليكم أيها القوّام ‏في البرية بالقسط السّلام عليكم أهل الصفوة السّلام عليكم آل رسول الله السّلام عليكم أهل النجوى أشهد أنكم قد بلغتم ‏ونصحتم وصبرتم في ذات الله وكُذِّبتم وأُسيء إليكم فغفرتم وأشهد أنكم الأئمة الراشدون المهتدون وأن طاعتكم ‏مفروضةٌ وأن قولكم الصدق وأنكم دعوتم فلم تُجابوا وأمرتم فلم تُطاعوا وأنكم دعائم الدّين وأركان الأرض لم تزالوا ‏بعين الله ينسخكم من أصلاب كُلّ مطهرٍ وينقلكم من أرحام المطهرات لم تدنسكم الجاهلية الجهلاء ولم تشرك فيكم فتن ‏الأهواء طبتم وطاب منبتكم مَنّ بكم علينا ديان الدّين فجعلكم في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وجعل صلاتنا ‏عليكم رحمةً لنا وكفارةً لذنوبنا إذ اختاركم الله لنا وطيب خلقنا بما مَنّ علينا من ولايتكم وكنا عنده مسمّين بعلمكم ‏معترفين بتصديقنا إياكم وهذا مقام من أسرف وأخطأ واستكان وأقرّ بما جنى ورجا بمقامه الخلاص وأن يستنقذه بكم ‏مستنقذ الهلكى من الردى فكونوا لي شفعاء فقد وفدت إليكم إذ رغب عنكم أهل الدّنيا واتخذوا آيات الله هزواً واستكبروا ‏عنها يا من هو قائمٌ لا يسهو ودائمٌ لا يلهو ومحيطٌ بكُلّ شيء لك المن بما وفقتني وعرّفتني بما أقمتني عليه إذ صد عنه ‏عبادك وجهلوا معرفته واستخفوا بحقه ومالوا إلى سواه فكانت المِنّة منك عليّ مع أقوامٍ خصصتهم بما خصصتني به ‏فلك الحمد إذ كنت عندك في مقامي هذا مذكوراً مكتوباً فلا تحرمني ما رجوت ولا تخيبني فيما دعوت بحرمة مُحمّد ‏وآله الطاهرين وصلى الله على مُحمّد وآل مُحمّد‎.
ثم ادع لنفسك بما تريد‎.‎
وقال الطوسي رضي الله عنه في التهذيب: ثم صلِّ صلاة الزيارة ثمان ركعات، أي صلِّ لكُلّ إمام ركعتين.
والحمد لله رب العالمين
السلام عليك يا زين العُبّاد يوم ولدت ويوم أستشهدت ويوم تُبعث حيّاً

   

 

نسبه الشّريف عليه السلام
الإمام مُحمّد بن عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المُطلب بن هشام بن عبد مناف بن قُصي بن كلاب بن ‏مُرة بن كعب بن مرة بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خُزيمة مدرك بن مُضر بن نزار بن ‏معد بن عدنان عليهم السّلام‎.‎

ولادته عليه السلام
ولد عليه السّلام بالمدينة يوم الثلاثاء، وقيل: يوم الجمعة، لثلاث ليال خلون من صفر سنة سبع وخمسين من الهجرة، ‏وقيل: يوم الاثنين ثالث صفر، سنة تسع وخمسين، وقيل: في الأول من شهر رجب المبارك، في سنة 57 هـ0‏
وابتهج الإمام السّجاد عليه السّلام بهذا الوليد المبارك، الذي بَشَّر به جدّه الأعظم صلّى الله عليه وآله، وأعلن غير مَرَّة ‏أنه وارث علوم آل مُحمّد عليهم السّلام‎.‎

اسمه وألقابه وكناه عليه السلام
يبدوا أنّ الإمام الباقر عليه السّلام قد استأثر جدُّه رسول الله صلّى الله عليه وآله بأمر تحديد اسمه وكناه بالباقر قبل أن ‏يخلق، كما في رواية الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله عليه، حيث يقول: قال لي رسول الله ‏صلّى الله عليه وآله: يوشك أن تبقى حتى تلقى وَلداً لي من الحُسين يقال له مُحمّد، يبقر علم الدين بَقْراً، فاذا لقيتَه، ‏فأقرِئْه مِنِّي السّلام‎.‎


كنيته عليه السلام
وكنيته أبو جعفر، كنى بولده الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام‎.‎
ألقابه عليه السّلام
أما ألقابه عليه السّلام فهي كثيرة، منها:باقر العلم، والشاكر لله، والهادي، والأمين، والشّبيه؛ لأنّه عليه السّلام كان ‏يشبه رسول الله صلّى الله عليه وآله‎.‎
وقال الأربلي: وأشهرها الباقر وسمي بذلك لتبقره في العلم وهو توسعه فيه‎. ‎
العلة التي من أجلها سمي بالباقر عليه السّلام
عن عمرو بن شمر، قال: سألت جابر بن يزيد الجعفي، فقلت له: لم سمي الباقر باقراً؟ قال: لأنّه بقر العلم بقراً أي شقه ‏شقاً وأظهره إظهاراً ولقد حدثني جابر بن عبد الله الأنصاري أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: يا ‏جابر إنك ستبقى حتّى تلقى ولدي مُحمّد بن عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب المعروف في التوراة بباقر فإذا ‏لقيته فأقرأه مني السّلام، فلقيه جابر بن عبد الله الأنصاري في بعض سكك المدينة فقال له: يا غلام من أنت؟ قال: أنا ‏مُحمّد بن عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب، قال له جابر يابني إقبل فأقبل، ثم قال له: ادبر فأدبر: شمائل رسول ‏الله وربّ الكعبة، ثم قال: يابني رسول الله يقرؤك السّلام فقال: على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم السّلام ما ‏دامت السّماوات والأرض وعليك ياجابر بما بلغت السّلام. فقال له جابر: يا باقر يا باقر أنت الباقر حقاً أنت الذي تبقر ‏العلم بقراً، ثم كان جابر يأتيه فيجلس بين يديه فيعلمه وربما غلط جابر فيما يحدث به عن رسول الله صلّى الله عليه ‏وآله وسلّم فيرد عليه ويذكره فيقبل ذلك منه ويرجع إلى قوله وكان يقول يا باقر يا باقر يا باقر أشهد بالله أنك قد أوتيت ‏الحكم صبياً‎.‎

صفاته عليه السلام
كان يشبه رسول الله صلّى الله عليه وآله لذا لقب بالشبيه، كان ربع القامة، رقيق البشرة، جعد الشعر، أسمر، له خال ‏على جسده، ضامر الكشح، حسن الصوت، مطرق الرأس‎. ‎

زوجاته عليه السلام
تزوج الإمام الباقر عليه السّلام بعدة زوجات نذكر منهنّ‎:‎
‏1ـ فاطمة بنت القاسم بن مُحمّد بن أبي بكر " أم فروة " أم الإمام الصّادق عليه السّلام‎. ‎
قال المسعودي في إثبات الوصية: وكان أبوها القاسم من ثقات أصحاب عليّ بن الحُسين عليه السّلام، وكانت من أتقى ‏نساء زمانها، وروت عن عليّ بن الحُسين عليه السّلام أحاديث منها‎:‎
قوله لها: يا أم فروة إنّي لأدعو لمذنبي شيعتنا في اليوم والليلة مئة مرة، يعني الاستغفار، لإنّا نصبر على ما نعلم، ‏وهم يصبرون على ما لا يعلمون‎.‎
ونقل المحدث الكبير الشيخ المازندراني في كتابه نور الأبصار:" عن أم الإمام الصّادق عليه السّلام، النجيبة الجليلة ‏المكرمة، فاطمة المعروفة بأم فروة، بنت القاسم بن مُحمّد بن أبي بكر، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن ابن أبي بكر‎".‎
وفي أعيان الشيعة: أم فروة وقيل أم القاسم واسمها قريبة أو فاطمة بنت القاسم بن مُحمّد بن أبي بكر وأمها أسماء بنت ‏عبد الرحمن بن أبي بكر، وهذا معنى قول الصّادق عليه السّلام:" أن أبا بكر ولدني مرتين‎"‎
وفي ذلك يقول الشّريف الرضي‎:‎
وفـرناً عتــيقاً كان غاية فخركم *** بمـولد بنت القاسم بـن مُحمّد
وروى الكليني في الكافي بسنده عن عبد الأعلى: "رأيت أم فروة تطوف بالكعبة عليها كساء متنكرة، فاستلمت الحجر ‏بيدها اليسرى، فقال لها رجل ممن يطوف: يا أمة الله أخطأت السّنة، فقالت: إنا لأغنياء عن علمك‎".‎
‏2ـ أم حكيم بنت أسيد بن المغيرة بن الأخنس الثقفي‎.‎

أبناؤه عليه السلام
أما أبناء الإمام الباقر عليه السّلام، فكانوا من حسنات الأسرة النبوية، ومن مفاخر أبناء المُسلمين في هديهم وصلاحهم ‏وابتعادهم عن مآثم هذه الحياة، قد رباهم الإمام بمكارم أخلاقه، وغرس في نفوسهم نزعاته الكريمة، ومثله العليا فكانوا ‏امتداداً مشرقاً لذاته العظيمة التي طبق شذاها العالم..أمّا ذريته الطاهرة من الذكور فهم‎: ‎
‏1‏‎- ‎الإمام جعفر عليه السّلام
هو سيد ولد أبيه، ووصيّه، والإمام القائم من بعده وكان من مفاخر هذه الدنيا، وفي طليعة عباقرة العالم، ولا يعرف ‏التاريخ الإنساني من هو أعظم منه علماً وفضلاً عدا آبائه عليهم السّلام أما الحديث عن نواحي شخصيته مفصلاً فإنه ‏يستدعي موسوعة كبيرة‎.‎
‏2‏‎- ‎إبراهيم
أمّه أم حكيم بنت أسيد بن المغيرة بن الأخنس الثقفي‎.‎
‏3‏‎- ‎عبد الله
أمّه أم فروة بنت القاسم بن مُحمّد بن أبي بكر‎ ‎
‏4‏‎-‎عليّ
عاش في كنف أبيه، وتربى على هديه، وسلوكه فنشأ مثالاً للفضل والكمال، لقلب بالطاهر لطهارة نفسه وعظيم شأنه ‏توفي بالقرب من بغداد في قرية من أعمال الخالص‎.‎
ونقل عن صاحب رياض العلماء أن قبره في كاشان وعليه قبة رفيعة عظيمة وله كرامات ظاهرة‎.‎
‏5‏‎- ‎عبد الله
وأمّه أم حكيم بنت أسيد بن المغيرة الثقفية توفي في حياة أبيه ولم نعثر له على ترجمة وافية‎.‎
السيدات من بناته
أمّا السيدات من بناته فهن‎:‎
‏1ـ السيدة زينب، وأمّها أم ولد‎.‎
‏2ـ السيدة أم سلمة وأمّها أم ولد، وهي أم إسماعيل بن الأرقط وقد مرض ولدها إسماعيل فهرعت إلى الإمام الصّادق ‏فزعة، فأمرها أن تصعد فوق البيت، وتصلّي ركعتين، وتدعو الله بهذا الدّعاء‎:‎
اللهم إنك وهبته لي، ولم يك شيئاً، اللهم إني استوهبكه فاعرنيه‎...‎
ففعلت ذلك فعافاه الله‎.‎

أخوته عليه السلام
لقد توفرت في أخوة الإمام عليه السّلام جميع النزعات الكريمة من الورع والتقوى، والصلاح، قد غذاهم أبوهم الإمام ‏زين العابدين عليه السّلام بهديه، وأفاض عليهم أشعة من روحه فأنارت قلوبهم بجوهر الإسلام وواقع الإيمان، ونقدم ‏عرضاً موجزاً لهم0‏
زيد الشّهيد
أمّا زيد الشّهيد فهو ملئ فم الدنيا في فضله وعلمه وشممه وإبائه، وهو أحد أعلام الأسرة النبوية الذين رفعوا كلمة الله ‏عالية في الأرض، وقدموا أرواحهم قرابين خالصة لوجه الله ليحققوا العدالة الإسلامية، ويعيدوا بين الناس حكم ‏القرآن، ويقضوا على معالم الظلم الاجتماعي التي أوجدها الحكم الأموي بين الناس0‏
لقد تنبأ الإمام عليه السّلام بشهادة ولده وأحاط أصحابه علماً بها، فلم يخامرهم شك في ذلك‎.‎
وقال عليه السّلام فيه: إنّ زيداً أعطي من العلم بسطة وقد تحدث زيد عن سعة علومه ومعارفه حينما أعد نفسه لقيادة ‏الأمة، والثورة على الحكم الأموي، يقول‎:‎
والله ما خرجت، ولا قمت مقامي، هذا، حتى قرأت القُرآن، وأتقنت الفرائض وأحكمت السّنة والآداب، وعرفت التأويل ‏كما عرفت التّنزيل، وفهمت النّاسخ والمنسوخ والمُحكم والمُتشابه، والخاصّ والعام، وما تحتاج إليه الأمّة في دينها ممّا ‏لابد لها منه، ولا غنى عنه وإنّي لعلى بينة من ربّي‎...‎
لقد كان زيد من أعلام الفُقهاء ومن كبار رواة الحديث، وقد أخذ علومه من أبيه الإمام زين العابدين عليه السّلام ومن ‏أخيه الإمام الباقر عليه السّلام الذي بقر العلم حسبما أخبره عنه جده الرّسول صلّى الله عليه وآله وقد غذياه بأنواع ‏العلوم وأخذ عنهما أصول الاعتقاد والفروع والتفسير، فكان من الطراز الأول في فضله وعلمه‎.. ‎
الحُسين الأصغر
الحُسين الأصغر ابن الإمام زين العابدين، أمه أم ولد وكان من مفاخر الأسرة النبوية في فضله وتقواه، وسائر ‏مواهبه0‏
عبد الله الباهر
ابن الإمام زين العابدين عليه السّلام وهو أخو الإمام الباقر لأمّه وأبيه، وهو من مفاخر أبناء الأئمة الطّاهرين في علمه ‏وورعه وتقواه‎.‎
عمر الأشرف
ابن الإمام زين العابدين عليه السّلام وأمّه أمة اشتراها المُختار بمئة ألف درهم، وبعث بها إلى الإمام زين العابدين ‏فأولدت له عمراً وزيداً وعليّاً0‏
عليّ
ابن الإمام زين العابدين، توفي بينبع ودفن بها، وعمره ثلاثون سنة 0‏
مزاياه
والذي من مزاياه أنه ملتقى ورابط بين أسرة الإمام الحُسين عليه السّلام وأسرة الإمام الحسن عليه السّلام‎.‎
فهو أول هاشمي علوي، يولد من جهة الحسن والحسين عليهما السّلام، لأن أباه عليّ بن الحُسين عليه السّلام، وأمُّه ‏فاطمة بنت الحسن0‏

نقش خاتمه عليه السلام
عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: كان نقش خاتم أبي: العزة لله‎.‎
و عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: كان نقش خاتم أبي: العزة لله جميعاً‎.‎
وعن الرّضا، عن أبيه، عن جعفر بن مُحمّد عليهم السّلام قال: كان على خاتم مُحمّد بن عليّ عليهما السّلام‎:‎
ظني بالله حسن * وبالنّبي المؤتمن وبالوصي ذي المنن * وبالحُسين والحسن0‏

النصّ على إمامته عليه السلام
احتاط النبي صلّى الله عليه وآله كأشد ما يكون الاحتياط في شأن أمّته، وأهاب بها من أن تكون في ذيل قافلة الأمم ‏والشّعوب، فقد أراد لها العزة والكرامة، وأراد أن تكون خير أمّة أخرجت للناس، فأولى الخلافة والإمامة المزيد من ‏اهتمامه، ونادى بها أكثر مما نادى بأي فرض من الفروض الدينية لأنّها القاعدة الصلبة لتطور أمته في مجالاتها ‏الفكرية والاجتماعية والسياسية، وقد خصها بالأئمة الطاهرين من أهل بيته الذين لم يخضعوا بأي حال من الأحوال ‏لأية نزعة مادية، وإنما آثروا طاعة الله ومصلحة الأمة على كل شيء‎.‎
وقد تحدث الإمام الباقر عليه السّلام عن الإمامة بصورة موضوعية وشاملة بشكل مستفيض، أما إمامته فقد دلت عليها ‏النصوص العامة والخاصة، والتي كان منها‎:‎
‏1ـ النصوص المروية من النبي صلّى الله عليه وآله في جملة الإثني عشر وهي كثيرة،مثل ما روي أن الله تعالى ‏أنزل إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم كتاباً مختوماً بإثني عشر خاتماً وأمره أن يدفعه إلى أمير المؤمنين عليه ‏السّلام ويأمره أن يفض الخاتم الأول فيه فيعمل بما تحته، ثم يدفعه عند وفاته إلى الحسن عليه السّلام ويأمره بفض ‏الخاتم الثاني، ويعمل بما تحته، ثم يدفعه عند حضور وفاته إلى الحُسين فيفض الخاتم الثالث ويعمل بما تحته، ثم يدفعه ‏عند وفاته إلى ابنه عليّ بن الحُسين ويأمره بمثل ذلك ثم يدفعه إلى ابنه مُحمّد بن عليّ ويأمره بمثل ذلك ثم يدفعه إلى ‏ولده حتى ينتهي إلى آخر الأئمة عليهم السّلام
‏2‏‎ ‎الأحاديث الواردة في إمامته خاصة بعد أبيه عليّ بن الحُسين عليهما السّلام‎:‎
روي عن أبي خالد قال: قلت لعلي بن الحُسين: من الإمام بعدك ؟ قال: مُحمّد ابني يبقر العلم بقرا 0‏
‎ ‎وعن عثمان بن عثمان بن خالد، عن أبيه قال: مرض عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبيطالب عليه السّلام في مرضه ‏الذي توفي فيه، فجمع أولاده محمدا والحسن وعبدالله وعمر وزيدا والحسين، وأوصى إلى ابنه مُحمّد بن عليّ،وكناه ‏الباقر، وجعل أمرهم إليه، وكان فيما وعظه في وصيته أن قال: يا بني إن العقل رائد الروح والعلم رائد العقل، ‏والعقل00الحديث0‏
و عن مالك ابن أعين الجهني قال: أوصى عليّ بن الحُسين عليه السّلام ابنه مُحمّد بن عليّ عليه السّلام فقال: بني إني ‏جعلتك خليفتي من بعدي لايعدي فيما بيني وبينك أحد إلا قلده الله يوم القيامة طوقا من نار، فاحمدالله على ذلك ‏واشكره00الحديث0‏
و عن الزهري قال: دخلت على عليّ بن الحُسين عليه السّلام في المرض الذي توفي فيه، إذ 000 دخل عليه مُحمّد ‏ابنه فحدثه طويلا بالسر فسمعته يقول فيما يقول: عليك بحسن الخلق قلت: يا ابن رسول الله إن كان من أمر الله ما ‏لابدلنا منه ووقع في نفسي أنه قد نعى نفسه فإلى من يتخلف بعدك ؟ قال: يا باعبدالله إلى ابني هذا وأشار إلى مُحمّد ابنه ‏إنه وصيي ووارثي وعيبة علمي، معدن العلم، وباقر العلم، قلت:00 يا ابن رسول الله هلا أوصيت إلى أكبر أولادك ؟ ‏قال: يا أبا عبدالله ليست الامامة بالصغر والكبر، هكذا عهد إلينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وهكذا وجدناه مكتوبا ‏في اللوح والصحيفة، قلت: يا ابن رسول الله فكم عهد إليكم نبيكم أن يكون الاوصياء من بعده ؟ قال: وجدنا في ‏الصحيفة واللوح اثنا عشر أسامي مكتوبة بإمامتهم وأسامي آبائهم وامهاتهم ثم قال: يخرج من صلب مُحمّد ابني سبعة ‏من الاوصياء فيهم المهدي صلوات الله عليهم‎.‎
وروى عن أبي خالد الكابلي، قال: دخلت على عليّ بن الحُسين عليهما السّلام وهو جالس في محرابه، فجلست حتى ‏انثنى وأقبل عليّ بوجهه يمسح يده على لحيته، فقلت: يا مولاي أخبرني كم يكون الأئمة بعدك؟ قال: ثمانية قلت: وكيف ‏ذلك؟ قال: لأن الأئمة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم اثنا عشر عدد الأسباط، ثلاثة من الماضين، وأنا الرابع، ‏وثمان من ولدي أئمة أبرار، من أحبنا وعمل بأمرنا كان معنا في السنام الأعلى، ومن أبغضنا وردنا أو رد واحداً منا ‏فهو كافر بالله وبآياته0‏
وعن أبي عبيدة الحذاء، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول وهو ساجد: أسألك بحق حبيبك مُحمّد إلا بدلت سيئاتي ‏حسنات وحاسبتني حساباً يسيراً، ثم قال في الثانية: أسألك بحق حبيبك مُحمّد إلا كفيتني مؤونة الدنيا وكل هو دون ‏الجنة، وقال في الثالثة: أسألك بحق حبيبك مُحمّد لما غفرت لي الكثير من الذنوب والقليل، وقبلت مني عملي اليسير، ‏ثم قال في الرابعة: أسألك بحق حبيبك مُحمّد لما أدخلتني الجنة وجعلتني من سكانها ولما نجيتني من صفعات النار ‏برحمتك وصلّى الله على مُحمّد وآله‎. ‎

عبادته عليه السلام
أما مظاهر عبادته عليه السّلام فكثيرة نذكرمنها‎:‎
أولاً: ذكره عليه السّلام لله عزَّ وجلّ
كان إمامنا الباقر عليه السّلام دائم الذكر لله، يلهج بذكر الله في أكثر أوقاته، يمشي ويذكر الله، ويتحدث مع الناس ‏ويذكر الله، ولا يشغله عن ذكره تعالى أي شاغل‎.‎
وكان أبو جعفر عليه السّلام يناجي الله تعالى في غَلَس الليل البهيم، وكان مما قاله في مناجاته: أمرتَني فلم أئْتَمِر، ‏وزَجَرْتَني فلم أنزجر، ها أنذا عبدك بين يديك‎. ‎
ثانياً: صلاته عليه السّلام
كان عليه السّلام كثير الصلاة، كثير الدعاء، كان يصلي في اليوم والليلة مِائة وخمسين ركعة‎. ‎
قال أبو نعيم: قال عبد الله بن يحيى: رأيت على أبي جعفر مُحمّد بن عليّ إزاراً أصفر، وكان يصلي كل يوم وليلة ‏خمسين ركعة بالمكتوبة
ولم تشغله مَرجعيَّته العامَّة للأمّة، وشؤونه العلمية، عن كثرة الصلاة، فكانت الصلاة بالنسبة إليه أعَزُّ شيء عنده، ‏وقُرَّة عينه، لأنها الصلَة بينه وبين الله تعالى‎.‎
وعن إسحاق بن عمار قال: قال لي أبو عبد الله عليه السّلام: إني كنت أمهد لأبي فراشه فأنتظره حتى يأتي فإذا أوى ‏إلى فراشه ونام قمت إلى فراشي، وإنه أبطأ عليّ ذات ليلة فأتيت في طلبه بعد ما هدأ الناس فإذا هو في المسجد ساجد ‏وليس في المسجد غيره فسمعت حنينه وهو يقول: سبحانك اللهم أنت ربي حقاً حقاً، سجدت لك يارب تعبداً ورقاً، اللهم ‏إن عملي ضعيف فضاعفه لي، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم‎.‎
ثالثاً: حَجُّه عليه السّلام
روى عن مولاه أفلح: حججْت مع أبي جعفر مُحمّد الباقر عليه السّلام، فلما دخل إلى المسجد رفع صوته بالبكاء.فقلت ‏له: بأبي أنت وأمي، إن الناس ينظرونك، فلو خَفضتَ صوتك قليلاً‎.‎
فلم يعن به الإمام عليه السّلام وقال له: ويْحَك يا أفلح، إنِّي أرفع صوتي بالبكاء لَعلَّ الله ينظر إليَّ برحمة، فأفوز بها ‏غداً‎.‎
ثم طاف عليه السّلام بالبيت، وركع خلف المقام، ولما فرغ وإذا بموضع سجوده قد ابتلَّ من دموع عينيه‎.‎
وحج عليه السّلام مَرَّة أخرى، فازدحم الحُجَّاج عليه، وأخذوا يستفتونه عن مناسكهم ويسألونه عن أمور دينهم، والإمام ‏عليه السّلام يجيبهم‎. ‎
رابعاً: زهده عليه السّلام
نظر عليه السّلام نظرة عميقة في جميع شؤون الحياة، فزهد في ملاذِّها، واتجه نحو الله تعالى بقلب منيب‎.‎
يقول جابر بن يزيد الجعفي: قال لي مُحمّد بن عليّ عليه السّلام: يا جابر، إنِّي لَمَحزون، وإني لمشتغل القلب‎.‎
فانبرى إليه جابر قائلاً: ما حزنك، وما شغل قلبك ؟
فأجابه عليه السّلام بما أحزنه وزهده في هذه الحياة قائلاً: جابر، إنَّه من دخل قلبه صافي ويذكر الله عزَّ وجلَّ شغله ‏عما سواه‎.‎
يا جابر، ما الدنيا ؟، وما عسى أن تكون، هل هي إلا مركب ركبته، أو ثوب لبسته، أو امرأة أصبتها ؟‎. ‎
خامساً: أدعيته عليه السّلام
ومن أدعيته عليه السّلام كان يتجه بقلبه وعقله نحو الله رب العالمين، ليناجيه بانقطاع تام، وإخلاص شفاف. ومضافاً ‏لما تحمله هذه الأدعية من الحمد لله تعالى، والتقديس له جل شأنه، والشكر على نعمائه، وتنزيهه عن أوصاف ‏المشبهين، وأوهام المجسمين، فهي تفيض بالتعاليم الأخلاقية، والمعارف السامية، والآداب العالية‎.‎
نذكر في هذه الصفحات بعض ما ورد من أدعيته عليه السّلام‎:‎
‏1ـ من دعاء له عليه السّلام كان يدعو به عند خروجه من الدار
أعوذ بما عاذت به ملائكة الله من شر هذا اليوم الجديد، الذي إن غابت شمسه لم تعد، من شر نفسي، ومن شر غيري، ‏ومن شر الشيطان، ومن شر من نصب لأولياء الله، ومن شر الجن والإنس، ومن شر السباع والهوام، ومن شر ركوب ‏المحارم كلها، أجير نفسي بالله من كل سوء‎. ‎، قال في"عدة الداعي: 210": من قالها غفر الله له، وتاب عليه، وكفاه المهم، وحجزه عن السوء، وعصمه من الشر‎.‎
‏2ـ من دعاء له عليه السّلام علّمه مُحمّد بن مسلم
قال له: حافظاً عليه كما تحافظ على عينيك‎:‎
سبحان الله، ولا إله إلا الله، والحمد لله الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، ‏وكبره تكبيراً‎. ‎
‏3ـ من دعاء له عليه السّلام بعد صلاة العشاء
اللّهم بحق مُحمّد وآل مُحمّد، صلِّ على مُحمّد وآل مُحمّد، ولا تؤمنا مكرك، ولا تنسنا ذكرك، ولا تكشف عنا سترك، ‏ولا تحرمنا فضلك، ولا تحل علينا غضبك، ولا تباعدنا من جوارك، ولا تنقصنا من رحمتك، ولا تنزع عنا بركاتك، ‏ولا تمنعنا عافيتك، وأصلح لنا ما أعطيتنا، وزدنا من فضلك المبارك الطيب الحسن الجميل، ولا تُغيّر ما بنا من ‏نعمتك، ولا تؤيسنا من روحك، ولا تهنا بكرامتك، ولا تضلنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ‏اللّهم اجعل قلوبنا سالمة وأرواحنا طيبة، وألسنتنا صادقة، وإيماننا دائماً ويقيننا صادقاً، وتجارتنا لا تبور، ربنا آتنا في ‏الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار‎.‎
‏4ـ من دعاء له عليه السّلام عند النوم
‎"‎بسم الله، اللّهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، توكلت ‏عليك رهبة منك ورغبة إليك، لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبرسولك الذي أرسلت" ثم ‏يسبح تسبيح الزهراء عليها السّلام‎.‎
‏5ـ من دعاء له عليه السّلام كان يدعو به بعد صلاة الليل
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، ويميت يحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو ‏على كل شيء قدير، اللّهم لك الحمد يا رب، أنت نور السماوات والأرض فلك الحمد وأنت قوام السماوات والأرض ‏فلك الحمد، وأنت جمال السماوات والأرض فلك الحمد، وأنت صريخ المستصرخين فلك الحمد، وأنت غياث ‏المستغيثين فلك الحمد، وأنت تجيب دعوة المضطرين فلك الحمد، وأنت أرحم الراحمين فلك الحمد، اللّهم بك تنزل كل ‏حاجة فلك الحمد، وبك يا إلهي أنزلت حوائجي الليلة فاقضها لي يا قاضي الحوائج، اللّهم أنت الحق، وقولك الحق، ‏ووعدك الحق، وأنت ملك الحق، أشهد أن لقاءك الحق، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّك تبعث من في القبور، اللّهم ‏لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وأخرت وأسررت ‏وأعلنت، إنك الحي الذي لا إله إلا أنت‎.‎

علمه عليه السلام
قال الشيخ المفيد رضوان الله عليه: لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحُسين عليهما السّلام في عِلم الدين، والآثار، ‏والسُّنَّة، وعلم القرآن، والسيرة، وفنون الآداب، ما ظهر من أبي جعفر الباقر عليه السّلام‎.‎
قال ابن حجر: صفا قلبه، وزكا علمه وعمله، وطهُرت نفسه، وشرُف خُلُقه، وعمُرت أوقاته بطاعة الله، وله من ‏السجايا في مقامات العارفين ما تكلُّ عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف، لا تحتملها هذه ‏العجالة‎.‎
قال عبد الله بن عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكم عنده كأنه متعلم‎. ‎
قال ابن أبي الحديد: كان مُحمّد بن عليّ بن الحُسين سيد فقهاء الحجاز، ومنه ومن ابنه جعفر تعلم الناس الفقه، وهو ‏الملقب بالباقر باقر العلم لقبه به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم‎.‎
جعل الله علم الإمام عليه السّلام بحر لا ينفذ، وجبل لا يرقى إليه الطير، طأطأ كل عالم لعلمه، وخضع له كل شريف. ‏يتفجر بين جوانبه بغزارة، فلا يتوقف حَدُّه، ولا يَقلُّ مَدَاه‎. ‎
وللإمام الباقر عليه السّلام مواقف كثيرة تَدلُّ على سعة علمه، وغزارة معرفته‎.‎
منها حينما اجتمع القسيسون والرهبان، وكان لهم عالم يقعد لهم كل سنة مرة يوماً واحداً يستفتونه فَيُفتيهم‎.‎
عند ذلك لَفَّ الإمام الباقر عليه السّلام نفسه بفاضل ردائه، ثم أقبل نحو العالِم وقعد 000‏
، وأحاط به أصحابه والإمام عليه السّلام بينهم، وكان مع الإمام ولده الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام‎. ‎
فأدار العالِم نظره وقال للإمام عليه السّلام: أمِنَّا أم من هذه الأمة المرحومة ؟ فقال عليه السّلام: من هذه الأمة ‏المرحومة‎.‎
فقال العالِم: من أين أنت، أَمِنْ علماءها أم من جهالها ؟ فقال الإمام عليه السّلام: لَستُ من جُهَّالها‎.‎
فاضطرب اضطراباً شديداً، ثم قال للإمام عليه السّلام: أسألك ؟ فقال عليه السّلام: اِسأل‎.‎
فقال: من أين ادَّعَيتم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون، ولا يُحدِثون ولا يبولون ؟ وما الدليل على ذلك من شاهدٍِ لا يجهل ‏؟
فقال الإمام عليه السّلام: الجَنِين في بطن أمه يأكل ولا يحدث. فاضطرب النصراني اضطراباً شديداً، ثم قال: هلا ‏زَعمتَ أنَّك لست من علمائها ؟
فقال عليه السّلام: وَلستُ من جُهَّالها. وأصحاب هشام يسمعون ذلك. ثم قال: أسألك مسألة أخرى‎.‎
فقال عليه السّلام: اِسأل. فقال النصراني: من أين ادَّعيتم أن فاكهة الجنة غضَّة، طريَّة، موجودة غير معدومة عند أهل ‏الجنة ؟ وما الدليل عليه من شاهد لا يجهل؟
فقال عليه السّلام: دَليلُ ما نَدَّعيه أن السِّراج أبداً يكون غضاً، طرياً، موجوداً غير معدوم عند أهل الدنيا، لا ينقطع أبداً‎.‎
فاضطرب اضطراباً شديداً، ثم قال: هَلاَّ زعمتَ أنَّك لستَ من علماءها ؟ فقال عليه السّلام: ولستُ من جُهَّالها. فقال ‏النصراني: أسألك مسألة أخرى. فقال عليه السّلام: اِسأل. فقال: أخبرني عن سَاعَة لا من ساعات اللَّيل ولا من ساعات ‏النهار؟
فقال الإمام عليه السّلام: هي الساعة التي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، يَهدَأ فيها المُبتَلى، ويرقد فيها السَّاهر، ‏ويَفيقُ المغمى عليه، جعلها الله في الدنيا دليلاً للراغبين، وفي الآخرة دليلاً للعالمين، لها دلائل واضحة، وحجة بالغة ‏على الجاحدين المتكبرين الناكرين لها‎.‎
فصاح النصراني صيحة عظيمة، ثم قال: بقيت مسألة واحدة، والله لأسألنَّكَ مسألة لا تهتدي إلى رَدِّها أبداً. قال الإمام ‏عليه السّلام: سَل ما شِئت، فإنَّك حانِثٌ في يمينك‎.‎
فقال: أخبرني عن مولودين، وُلِدا في يوم واحد، وماتا في يوم واحد، عُمْر أحدهما خمسين سنة، والآخر عُمرُه مِائة ‏وخمسين سنة‎.‎
فقال الإمام عليه السّلام: ذلك عُزير وعُزيرة، وُلِدا في يوم واحد، فلمَّا بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين سنة مَرَّ عُزير ‏على حماره وهو راكبه على بلد اسمُهَا انطاكية، وهي خاوية على عروشها‎.‎
فقال: أنَّى يحيي هذه الله بعد موتها، فأماته الله مِائة عام، ثم بعثه على حماره بعينه، وطعامه وشرابه لم يتغير، وعاد ‏إلى داره، وأخوه عُزيرة وَوِلْدَه قد شاخوا، وعُزير شاب في سِن خمسة وعشرين سنة، فلم يزل يذكر أخاه وولده وهم ‏يذكرون ما يذكره، ويقولون: ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنين والشهور. وعُزيرة يقول له وهو شيخ كبير ابن ‏مِائَة وخمسة وعشرين سنة: ما رأيت شاباً، أعلم بما كان بيني وبين أخي عُزير أيام شبابي منك، فمن أهل السماء أنت ‏أم من أهل الأرض ؟ فقال يا عُزيرة: أنا عُزير أخوك، قد سخط الله عليّ بقول قلتُهُ بعد أن اصْطفاني الله وهداني، ‏فأماتني مِائة سنة ثم بعثني بعد ذلك لتزدادوا بذلك يقيناً، أن الله تعالى على كل شيء قدير، وهذا حماري، وطعامي، ‏وشرابي، الذي خرجت به من عندكم، أعاده الله تعالى كما كان، فعند ذلك أيقنوا، فأعاشه الله بينهم خمسة وعشرين ‏سنة، ثم قبضه الله تعالى وأخاه في يوم واحد‎.‎

تفسيره للقرآن الكريم
وروى عنه المفسرون الشيء الكثير من تفسير آيات القرآن الكريم، وهذه بعضها‎:‎
‏1‏‎- ‎قوله تعالى: "أولئك يجزون الغرفة بما صبروا"، قال عليه السّلام: الغرفة هي الجنة وهي جزاء لهم بما صبروا ‏على الفقر في الدنيا‎.‎
‏2‏‎- ‎قوله تعالى: "ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى "، سئل أبو جعفر عليه السّلام عن غضب الله؟ فقال عليه السّلام: ‏طرده وعقابه‎.‎
‏3‏‎- ‎قوله تعالى: "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى"، فسر عليه السّلام الهداية بالولاية لأئمة أهل ‏البيت وقال: فوالله لو أن رجلاً عبد الله عمره ما بين الركن والمقام، ولم يجيء بولايتنا إلا أكبه الله في النار على ‏وجهه‎.‎
‏4‏‎- ‎قوله تعالى: "يا أيها الرّسول بلغ ما أنزل إليك من ربك"، قال عليه السّلام: يعني بذلك تبليغ ما أنزل إلى الرّسول ‏صلّى الله عليه وآله في فضل عليّ وقد روى عليه السّلام أن الله أوحى إلى نبيه أن يستخلف علياً فكان يخاف أن يشق ‏ذلك على جماعة من أصحابه فأنزل الله تعالى هذه الآية تشجيعاً له على القيام بما أمره الله بأدائه‎.‎
‏5‏‎- ‎قوله تعالى:" ذرني ومن خلقت وحيداً"، نزلت هذه الآية في الوليد بن المغيرة المخزومي الذي اتهم النبي صلّى الله ‏عليه وآله بالسحر، وكان الوليد يسمى في قومه الوحيد، والآية سيقت على وجه التهديد له، وقد روى مُحمّد بن مسلم ‏عن أبي جعفر أنه قال: الوحيد ولد الزنا، وقال زرارة ذكر لأبي جعفر أن أحد بني هشام قال في خطبته أنا ابن الوحيد، ‏فقال: ويله لو علم ما الوحيد ما فخر بها! فقلنا له: وما هو؟ قال: من لا يعرف له أب‎.‎

ما قيل فيه عليه السلام
ما قاله الأعلام في فضائل مُحمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام
قال الذهبي: مُحمّد بن عليّ بن الحُسين، الإمام الثبت الهاشمي العلوي المدني أحد الأعلام‎.‎
وقال مُحمّد بن طلحة الشافعي: هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، ومنفق دره وراضعه، ومنمق دره ‏وواضعه، صفا قلبه وزكا عمله، وطهرت نفسه، وشرفت أخلاقه، وعمرت بالطاعة أوقاته، ورسخت في مقام التقوى ‏قدمه وظهرت عليه سمات الازدلاف وطهارة الاجتباء، فالمناقب تسبق إليه والصفات تشرق به...وأما اسمه فمحمد ‏وكنيته أبو جعفر وه ألقاب ثلاثة باقر العلم، والشاكر والهادي وأشهرها الباقر سمي بذلك لتبقره العلم وهو توسعه فيه، ‏وأما مناقبه الحميدة و وصفاته الجميلة فكثيرة‎.‎
قال ابن منظور: التبقر: التوسع في العلم والمال، وكان يقال لمحمد بن عليّ بن الحُسين بن عليّ الباقر رضوان الله ‏عليهم، لأنه بقر العلم وعرف أصله، واستنبط فرعه وتبقر في العلم‎.‎
قال الفيروز آبادي: والباقر مُحمّد بن عليّ بن الحُسين لتبحره في العلم‎.‎
قال ابن حجر: وارث عليّ بن الحُسين من ولده، عبادة وعلماً وزهادة: أبو جعفر مُحمّد الباقر، سمي بذلك من بقر ‏الأرض أي شقها وآثار مخبآتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم ‏واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم وجامعه، ‏وشاهر علمه ورافعه، صفا قلبه، وزكا علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله، وله ‏من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه ‏العجالة وكفاه شرفاً أن ابن المديني روى عن جابر أنه قال له ـ وهو صغير ـ: رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ‏يسلم عليك فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: كنت جالساً عنده والحسين في حجره، وهو يداعبه فقال: يا جابر يولد له مولود ‏اسمه عليّ إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: ليقم سيد العابدين، فيقوم ولده ثم يولد له مولود اسمه مُحمّد فإن أدركته يا ‏جابر فأقرأه مني السّلام‎. ‎

شعراؤه عليه السلام
‏1ـ كثير عزة
‏2ـ الكميت
‏3ـ الورد الأسدي
‏4ـ أخو الكميت‎ ‎
‏5ـ السيد الحميري

بوابه عليه السلام
جابر الجعفي‎.‎

شعره عليه السلام
نذكر بعض ما ينسب إليه من الشعر‎: ‎
‏1‏‎- ‎ قال عليه السّلام في أهل البيت‎:‎
نـــــذود ويــسـعـد وراده *** فـنـحن عـلـى الـحوض‎ ‎ذواده
فـمـا فــاز مـن فـاز إلا‎ ‎بـنا *** ومــا خــاب مـن حـبنا‎ ‎زاده
فـمن سـرنا نـال مـنا الـسرور *** ومــن سـاءنـا سـاء‎ ‎مـيلاده
ومــن كــان غـاصبنا‎ ‎حـقنا *** فــيـوم الـقـيامة مـيـعاده‏‎ ‎
‏2‏‎- ‎ولـه عـليه السّلام في *** العجب
عـجبت مـن مـعجب‎ ‎بـصورته *** وكـان مـن قـبل نـطفة‎ ‎مـذرة
وفـي غـد بـعد خـسف‎ ‎صورته *** يـصير فـي الـقبر جـيفة‎ ‎قذرة
وهــو عـلى عـجبه‎ ‎ونـخوته *** مـا بـين جـنبيه يـحمل‎ ‎العذرة
‏3‏‎- ‎وله عليه السّلام مخاطباً *** العصاة
تـعصي الالـه وأنـت تظهر‎ ‎حبه *** هـذا لـعمرك فـي الفعال بديع‎ ‎
لـو كـان حـبك صـادقاً‎ ‎لاطعته *** إن الـمحب لـمن أحـب‎ ‎مـطيع
‏4‏‎- ‎ونـقـش عـلـى‎ ‎خـاتـمه
ظـــنــي بالله‎ ‎حـــســن *** وبــالـنـبـي الــمـؤتـمـن
وبــالـوصـي ذي‎ ‎الــمـنـن *** وبـالـحـسـين‎ ‎والــحـسـن‎ ‎

كراماته عليه السلام
يتميّز الأئمّة عليهم السّلام بارتباطٍ خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب، بسبَبِ مقامِ العصمة والإمامة، ولَهُم - مثل الأنبياء - ‏معاجزٌ وكرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى، وكونَهم أئمّة‎.‎
وللإمام الباقر عليه السّلام معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ، سجَّلَتْها كتبُ التاريخ، و هي أكثر من أن تذكر في هذا المختصر، ‏و نكتفي بما يلي‎: ‎
الكرامة الأولى
عن عباد بن كثير البصري قال: قلت للباقر عليه السّلام: ما حق المؤمن على الله؟ فصرف وجهه، فسألته عنه ثلاثاً، ‏فقال: من حق المؤمن على الله أن لو قال لتلك النخلة أقبلي لأقبلت‎.‎
قال عباد: فنظرت والله إلى النخلة التي كانت هناك قد تحرّكت مقبلة، فأشار إليها: قري فلم أعنك‎. ‎
الكرامة الثانية‏
عن أبي الصباح الكناني قال: صرت يوماً إلى باب أبي جعفر الباقر عليه السّلام، فقرعت الباب، فخرجت إليّ وصيفة ‏ناهد، فضربت بيدي إلى رأس ثديها، وقلت لها: قولي لمولاك إنّي بالباب، فصاح من آخر الدار: أدخل لا أم لك، ‏فدخلت وقلت: والله ما قصدت ريبة ولا أردت إلاّ زيادة في يقيني، فقال: صدقت لئن ظننتم أنّ هذه الجدران تحجب ‏أبصارنا كما تحجب أبصاركم، إذن لا فرق بيننا وبينكم، فإيّاك أن تعاود لمثلها‎. ‎
الكرامة الثالثة
أنّ حبابة الوالبية دخلت على الإمام الباقر عليه السّلام، فقال لها: ما الذي أبطأ بك عنّي، قالت بياض عرض في مفرق ‏رأسي شغل قلبي، قال: أرينيه، فوضع عليه السّلام يده عليه، ثمّ رفع يده فإذا هو أسود، ثمّ قال: هاتوا لها المرآة، ‏فنظرت وقد أسودّ ذلك الشعر‎. ‎
الكرامة الرابعة
عن أبي بصير قال: كنت مع الإمام الباقر عليه السّلام في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله قاعداً، حدّثنا ما مات ‏عليّ بن الحُسين عليهما السّلام إذ دخل الدوانيقي، وداود بن سليمان قبل أن أفضي الملك إلى ولد العباس، وما قعد إلى ‏الباقر عليه السّلام إلاّ داود، فقال عليه السّلام: ما منع الدوانيقي أن يأتي ؟ قال: فيه جفاء‎.‎
قال الإمام الباقر عليه السّلام: لا تذهب الأيام حتّى يلي أمر هذا الخلق، فيطأ أعناق الرجال، ويملك شرقها وغربها، ‏ويطول عمره فيها، حتّى يجمع من كنوز الأموال ما لم يجمع لأحد قبله، فقام داود وأخبر الدوانيقي بذلك، فأقبل إليه ‏الدوانيقي وقال: ما منعني من الجلوس إليك إلاّ إجلالاً لك، فما الذي أخبرني به داود ؟ فقال: هو كائن‎.‎
فقال: وملكنا قبل ملككم ؟ قال: نعم، قال: ويملك بعدي أحد من ولدي، قال:نعم، قال: فمدّة بني أميّة أكثر أم مدّتنا ؟ قال: ‏مدّتكم أطول، وليتلقفن هذا الملك صبيانكم، ويلعبون به كما يلعبون بالكرة، هذا ما عهده إليّ أبي، فلمّا ملك الدوانيقي ‏تعجّب من قول الباقر عليه السّلام‎. ‎
الكرامة الخامسة‎ ‎
عن أبي بصير قال: قلت يوماً للباقر عليه السّلام: أنتم ذرّية رسول الله ؟ قال: نعم، قلت: ورسول الله وارث الأنبياء ‏كلّهم ؟ قال: نعم، ورث جميع علومهم، قلت: وأنتم ورثتم جميع علم رسول الله ؟ قال: نعم، قلت: وأنتم تقدرون أن ‏تحيوا الموتى، وتبرءوا الأكمة والأبرص، وتخبروا الناس بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم ؟ قال: نعم، بإذن الله‎.‎
ثمّ قال: أدن منّي يا أبا بصير، فدنوت منه، فمسح يده على وجهي، فأبصرت السهل والجبل والسماء والأرض، ثمّ مسح ‏يده على وجهي، فعدت كما كنت لا أبصر شيئاً، قال: ثمّ قال لي الباقر عليه السّلام: إن أحببت أن تكون هكذا كما ‏أبصرت، وحسابك على الله، وإن أحببت أن تكون كما كنت وثوابك الجنّة، فقلت: أكون كما كنت والجنّة أحب إليّ‎. ‎
الكرامة السادسة
عن جابر الجعفي قال: كنا عند الإمام الباقر عليه السّلام نحواً من خمسين رجلاً، إذ دخل عليه كثير النواء، وكان من ‏المغيرية فسلّم وجلس، ثمّ قال: إنّ المغيرة بن عمران عندنا بالكوفة، يزعم أنّ معك ملكاً يعرّفك الكافر من المؤمن، ‏وشيعتك من أعدائك، قال: ما حرفتك ؟ قال: أبيع الحنطة، قال: كذبت‎.‎
قال: وربما أبيع الشعير، قال: ليس كما قلت، بل تبيع النوى، قال: من أخبرك بهذا ؟ قال: الملك الذي يعرّفني شيعتي ‏من عدوّي، لست تموت إلاّ تائها‎.‎
قال جابر الجعفي: فلمّا انصرفنا إلى الكوفة، ذهبت في جماعة نسأل عن كثير، فدللنا على عجوز، فقالت: مات تائها ‏منذ ثلاثة أيّام‎. ‎
الكرامة السابعة
عن أبي بصير قال: كنت مع الإمام الباقر عليه السّلام في المسجد، إذ دخل عليه عمر بن عبد العزيز، عليه ثوبان ‏ممصران متكئاً على مولى له، فقال عليه السّلام: ليلين هذا الغلام، فيظهر العدل، ويعيش أربع سنين، ثمّ يموت، فيبكي ‏عليه أهل الأرض، ويلعنه أهل السماء، فقلنا: يا ابن رسول الله، أليس ذكرت عدله وإنصافه ؟ قال: يجلس في مجلسنا، ‏ولا حق له فيه، ثمّ ملك وأظهر العدل جهده‎. ‎
الكرامة الثامنة‎ ‎
عن عاصم بن أبي حمزة قال: ركب الإمام الباقر عليه السّلام يوماً إلى حائط له، وكنت أنا وسليمان بن خالد معه، فما ‏سرنا إلاّ قليلاً، فاستقبلنا رجلان، فقال عليه السّلام: هما سارقان خذوهما، فأخذناهما، وقال لغلمانه: استوثقوا منهما، ‏وقال لسليمان: انطلق إلى ذلك الجبل مع هذا الغلام إلى رأسه، فإنّك تجد في أعلاه كهفاً فادخله، وصر إلى وسطه ‏فاستخرج ما فيه، وادفعه إلى هذا الغلام يحمله بين يديك، فإنّ فيه لرجل سرقة، ولآخر سرقة‎.‎
فخرج واستخرج عيبتين، وحملهما على ظهر الغلام، فأتى بهما الباقر عليه السّلام، فقال: هما لرجل حاضر، وهناك ‏عيبة أخرى لرجل غائب سيحضر بعد، فذهب واستخرج العيبة الأخرى من موضع آخر من الكهف، فلمّا دخل الباقر ‏عليه السّلام المدينة، فإذا صاحب العيبتين ادعى على قوم، وأراد الوالي أن يعاقبهم، فقال الباقر عليه السّلام: لا ‏تعاقبهم، ورد العيبتين إلى الرجل‎.‎
ثمّ قطع السارقين، فقال أحدهما: لقد قطعتنا بحق، والحمد لله الذي أجرى قطعي وتوبتي على يدي ابن رسول الله، فقال ‏الباقر عليه السّلام: لقد سبقتك يدك التي قطعت إلى الجنّة بعشرين سنة، فعاش الرجل عشرين سنة، ثمّ مات‎.‎
قال: فما لبثنا إلاّ ثلاثة أيّام حتّى حضر صاحب العيبة الأخرى، فجاء إلى الباقر عليه السّلام، فقال له: أخبرك بما في ‏عيبتك وهي بختمك ؟ فيها ألف دينار لك، وألف أخرى لغيرك، وفيها من الثياب كذا وكذا‎.‎
قال: فإن أخبرتني بصاحب الألف دينار من هو ؟ وما اسمه ؟ وأين هو ؟ علمت أنّك الإمام المنصوص عليه المفترض ‏الطاعة، قال: هو مُحمّد بن عبد الرحمن، وهو صالح كثير الصدقة، كثير الصلاة، وهو الآن على الباب ينتظرك، فقال ‏الرجل ـ وهو بربري نصراني ـ: آمنت بالله الذي لا إله إلاّ هو، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّك الإمام المفترض ‏الطاعة، وأسلم‎. ‎
الكرامة التاسعة
عن مُحمّد بن أبي حازم قال: كنت عند أبي جعفر عليه السّلام، فمر بنا زيد بن عليّ، فقال أبو جعفر: أمّا والله ليخرجن ‏بالكوفة، وليقتلن وليطافن برأسه، ثمّ يؤتى به، فينصب على قصبة في هذا الموضع، وأشار إلى الموضع الذي قتل فيه، ‏قال: سمع أذناي منه، ثمّ رأت عيني بعد ذلك، فبلغنا خروجه وقتله، ثمّ مكثنا ما شاء الله، فرأينا يطاف برأسه، فنصب ‏في ذلك الموضع على قصبة فتعجّبنا‎. ‎
الكرامة العاشرة
إنّ الإمام الباقر عليه السّلام جعل يحدّث أصحابه بأحاديث شداد، وقد دخل عليه رجل يقال له النضر بن قرواش، ‏فاغتم أصحابه لمكان الرجل ممّا يستمع حتّى نهض، فقالوا: قد سمع ما سمع وهو خبيث، قال: لو سألتموه عمّا تكلّمت ‏به اليوم ما حفظ منه شيئاً‎.‎
قال بعضهم: فلقيته بعد ذلك، فقلت: الأحاديث التي سمعتها من أبي جعفر أحب أن أعرفها، فقال: والله ما فهمت منها ‏قليلاً ولا كثيراً‎. ‎
الكرامة الحادي عشر
عن مُحمّد ابن سليمان، عن أبيه قال: كان رجل من أهل الشام يختلف إلى أبي جعفر عليه السّلام وكان مركزه بالمدينة، ‏يختلف إلى مجلس أبي جعفر يقول له: يا مُحمّد ألا تري أني إنما أغشى مجلسك حياء مني منك ولا أقول إن أحدا في ‏الارض أبغض إلي منكم أهل البيت، وأعلم أن طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أميرالمؤمنين في بغضكم ولكن أراك ‏رجلا فصيحا لك أدب وحسن لفظ، فانما اختلافي إليك لحسن أدبك وكان أبوجعفر يقول له خيرا ويقول: لن تخفى على ‏الله خافية، فلم يلبث الشامي إلا قليلا حتى مرض واشتد وجعه فلما ثقل دعا وليه وقال له: إذا أنت مددت عليّ الثوب ‏فائت مُحمّد بن عليّ عليه السّلام وسله أن يصلي عليّ، وأعلمه أني أنا الذي أمرتك بذلك، قال: فلما أن كان في نصف ‏الليل ظنوا أنه قد برد وسجوه، فلما أن أصبح الناس خرج وليه إلى المسجد، فلما أن صلّى مُحمّد بن عليّ عليه السّلام ‏وتورك وكان إذا صلّى عقب في مجلسه، قال له: يا أبا جعفر إن فلان الشامي قد هلك وهو يسألك أن تصلي عليه، فقال ‏أبوجعفر: كلا إن بلاد الشام بلاد صرد والحجاز‎ ‎
بلاد حر ولهبها شديد، فانطلق فلا تعجلن على صاحبك حتى آتيكم، ثم قام عليه السّلام من مجلسه فأخذ عليه السّلام ‏وضوءا ثم عاد فصلّى ركعتين، ثم مديده تلقاء وجهه ما شاء الله، ثم خر ساجدا حتى طلعت الشمس، ثم نهض عليه ‏السّلام فانتهى إلى منزل الشامي فدخل عليه فدعاه فأجابه، ثم أجلسه وأسنده ودعا له بسويق فسقاه وقال لاهله: املؤا ‏جوفه وبردوا صدره بالطعام البارد، ثم انصرف عليه السّلام فلم يلبث إلا قليلا حتى عوفي الشامي فأتى أبا جعفر عليه ‏السّلام، فقال: أخلني فأخلاه فقال: أشهد أنك حجة الله على خلقه‎.‎
الكرامة الثاني عشر
عن ليث المرادي أنه حدثه، عن سدير بحديث فأتيته فقلت: إن ليثا المرادي حدثني عنك بحديث فقال: وما هو ؟ قلت: ‏جعلت فداك حديث اليماني قال: كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فمر بنا رجل من أهل اليمن فسأله أبوجعفر عن ‏اليمن، فأقبل يحدث فقال له أبوجعفر عليه السّلام: هل تعرف دار كذا وكذا ؟ قال: نعم ورأيتها قال: فقال له أبوجعفر ‏عليه السّلام: هل تعرف صخرة عندها في موضع كذا وكذا ؟ قال: نعم ورأيتها فقال الرجل: ما رأيت رجلا أعرف ‏بالبلاد منك، فلما قام الرجل قال لي أبوجعفر عليه السّلام: يا أبا الفضل تلك الصخرة التي غضب موسى فألقى الالواح ‏فما ذهب من التوراة التقمته الصخرة فلما بعث الله رسوله أدته إليه وهي عندنا‎.‎

ملوك عصره عليه السلام
الوليد بن عبد الملك، سليمان بن عبد الملك، عمر بن عبد العزيز، يزيد بن عبد الملك، هشام بن عبد الملك‎.‎

مُدّة عمره وإمامته عليه السلام
عمّر عليه السّلام 57 عاماً منها 19 عاماً مُدّة إمامته‏‎.‎

مُناظراته عليه السلام
سأل نافع بن الأزرق أبا جعفر قال: أخبرني عن الله عز وجل متى كان؟ قالعليه السّلام: متى لم يكن حتى أخبرك متى ‏كان؟ سبحان من لم يزل ولا يزال فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً0‏
روى عبد الله بن سنان عن أبيه قال: حضرت أبا جعفر عليه السّلام وقد دخل عليه رجل من الخوارج فقال له: يا أبا ‏جعفر أي شيء تعبد؟ قال: الله، قال: رأيته؟ قال: بلى، لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق ‏الإيمان لا يعرف بالقياس، ولا يدرك بالحواس، موصوف بالآيات، معروف بالدلالات لا يجور في حكمه، ذلك الله لا ‏إله إلا هو، قال: فخرج الرجل وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته‎.‎
عن عيسى بن عبدالله العلوي قال: وحدثني الاسيدي ومحمد بن مبشر أن عبدالله بن نافع الازرق كان يقول: لو أني ‏علمت أن بين قطريها أحدا تبلغني إليه المطايا يخصمني أن عليا عليه السّلام قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم ‏لرحلت إليه، فقيل له ولا ولده ؟ فقال: أفي ولده عالم ؟ فقيل له: هذا أول جهلك، وهم يخلون من عالم ؟ قال: فمن ‏عالمهم اليوم ؟ قيل: مُحمّد بن عليّ بن الحُسين بن على عليهم السّلام قال: فرحل إليه في صناديد أصحابه حتى أتى ‏المدينة فاستأذن على أبي جعفر عليه السّلام فقيل له: هذا عبدالله بن نافع فقال: وما يصنع بي ؟ وهو يبرأ مني ومن أبي ‏طرفي النهار‎.‎
فقال له أبوبصير الكوفي: جعلت فداك إن هذا يزعم أنه لو علم أن بين قطريها أحدا تبلغه المطايا إليه يخصمه أن عليا ‏عليه السّلام قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحل إليه، فقال له أبوجعفر عليه السّلام: أتراه جاءني مناظرا ؟ ‏قال: نعم قال: يا غلام اخرج فحط رحله وقل له: إذا كان الغد فأتنا قال: فلما أصبح عبدالله بن نافع غدا في صناديد ‏أصحابه، وبعث أبوجعفر عليه السّلام إلى جميع أبناء المهاجرين والانصار فجمعهم ثم خرج إلى الناس في ثوبين ‏ممغرين وأقبل على الناس كأنه فلقة قمر فقال: الحمدلله محيث الحيث، ومكيف الكيف، ومؤين الاين الحمدلله الذي ‏لاتأخذه سنة ولا نوم، له ما في السموات وما في الارض إلى آخر‎ ‎
الآية وأشهد ان لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا صلّى الله عليه وآله عبده ورسوله، اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم، ‏الحمدلله الذي أكرمنا بنبوته، واختصنا بولايته، يا معشر أبناء المهاجرين والانصار ! من كانت عنده منقبة لعلي بن ‏أبي طالب ؟ فليقم وليتحدث‎.‎
قال: فقام الناس فسردوا تلك المناقب فقال عبدالله: أنا أروى لهذه المناقب من هؤلاء، وإنما أحدث عليّ الكفر بعد ‏تحكيمه الحكمين، حتى انتهوا في المناقب إلى حديث خيبر: لاعطين الراية غدا رجلايحب الله ورسوله، ويحبه الله ‏ورسوله، كرارا غير فرار، حتى لا يرجع يفتح الله على يديه فقال أبوجعفر عليه السّلام: ما تقول في هذا الحديث ؟ ‏فقال: هو حق لاشك فيه، ولكن أحدث الكفر بعد فقال له أبوجعفر عليه السّلام: ثكلتك امك أخبرني عن الله عزوجل ‏أحب عليّ بن أبي طالب يوم أحبه، وهو يعلم أنه يقتل أهل النهروان، أم لم يعلم ؟ قال: فإن قلت: لاكفرت قال: فقال: قد ‏علم، قال: فأحبه الله على أن يعمل بطاعته أو على أن يعمل بمعصيته ؟ فقال: على أن يعمل بطاعته، فقال له أبوجعفر ‏عليه السّلام: فقم مخصوما، فقام وهو يقول: حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر، الله أعلم حيث ‏يجعل رسالته

حِكَمِه عليه السلام
لقد جاءت روائع الحكم القصار الحافلة بالقيم الكريمة والحكم الصائبة والتجارب النافعة، وهذه بعضها‎:‎
‏1‏‎- ‎قال عليه السّلام: إن استطعت أن لا تعامل أحداً إلا ولك الفضل عليه فافعل‎...‎
‏2‏‎- ‎قال عليه السّلام: صانع المنافق بلسانك، واخلص مودتك للمؤمن، وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته.00‏
‏3‏‎- ‎قال عليه السّلام: ما شيب شيء بشيء أحسن من حلم بعلم‎...‎
‏4‏‎- ‎قال عليه السّلام: قم بالحق، واعتزل ما لا يعنيك، وتجنب عدوك، وأحذر صديقك من الأقوام، إلا الأمين من خشي ‏الله، ولا تصحب الفاجر، ولا تطلعه على سرك، واستشر في أمرك الذين يخشون الله‎...‎
‏5‏‎- ‎قال عليه السّلام: صحبة عشرين سنة قرابة‎...‎
‏6‏‎- ‎قال عليه السّلام: في كل قضاء الله خير للمؤمن‎..‎
‏7ـ قال عليه السّلام: اِعرف الموَدَّة في قلب أخيك بما له في قلبك‎.‎
‏8ـ قال عليه السّلام: مَا دَخل قلبَ امرئٍ شيءٌ من الكِبَر إلا نقص من عقله مثل ذلك‎.‎
‏9ـ قال عليه السّلام: لَمَوت عَالِمٍ أحبُّ إلى إبليس من موت سبعين عابداً‎.‎
‏10ـ قال عليه السّلام: لا يُقبل عَمَل إلا بمعرفة، ولا معرفة إلا بِعَمل، ومن عَرَف دَلَّتْهُ معرفته على العمل، ومن لم ‏يعرف فلا عَمَل له‎.‎
‏11ـ قال عليه السّلام: ليس شيء مُميِّل الإخوان إليك مثل الإحسان إليهم‎.‎
‏12‏‎- ‎قال عليه السّلام: أربع من كنوز البر: كتمان الحاجة، وكتمان الصدقة، وكتمان الوجع، وكتمان المصيبة‎...‎
‏13‏‎- ‎قال عليه السّلام: من صدق لسانه زكى عمله، ومن حسنت نيته زيد في رزقه، ومن حسن بره في أهله زيد في ‏عمره‎...‎

مواعظه عليه السلام
ووجه الإمام أبو جعفر عليه السّلام إلى شيعته المواعظ التي وعظ بها الأوصياء أممهم فحذرهم من غرور الدنيا ‏وفتنها، ودعاهم إلى التفكر والتبصر فيما يصيرون إليه من العمل الصالح، وهذه بعض مواعظه‎:‎
‏1ـ عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا أردت أن تعلم أن فيك خيرا فانظر إلى قلبك، فإن كان يحب ‏أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبك وإن كان يغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته فليس ‏فيك خير والله يبغضك، والمرء مع من أحب‎. ‎
‏2ـ عن أبي عبيدة الحذاء قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: حدثني بما أنتفع به فقال: يا أبا عبيدة أكثر ذكر الموت، ‏فإنه لم يكثر إنسان ذكر الموت إلا زهد في الدنيا‎. ‎
‏3ـ عن عمر وبن هلال قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: إياك أن تطمح بصرك إلى من هو فوقك، فكفى بما قال الله عز ‏وجل لنبيه صلّى الله عليه وآله: {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ }.وقال: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا ‏مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا‎ }.‎
فإن دخلك من ذلك شئ فاذكر عيش رسول الله صلّى الله عليه وآله، فإنما كان قوته الشعير وحلواه التمر ووقوده ‏السعف إذا وجده‎.‎
‏4ـ عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ينبغي للمؤمنين إذا توارى أحدهما عن صاحبه بشجرة ثم التقيا أن يتصافحا‎. ‎
‏5ـ عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إذا التقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح وإذا تفرقتم ‏فتفرقوا بالاستغفار‎. ‎
‏6ـ عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: تبسم الرجل في وجه أخيه حسنة، وصرف القذى عنه حسنة، وما عبد ‏الله بشيء أحب إلى الله من إدخال السرور على المؤمن‎. ‎
‏7ـ عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة‎. ‎
‏8ـ عن أبي جعفر عليه السّلام: قال: سلامة الدين وصحة البدن خير من المال و المال زينة من زينة الدنيا حسنة‎. ‎
‏9ـ عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: يا سليمان أتدري من المسلم ؟ ‏قلت: جعلت فداك أنت أعلم، قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ثم قال: وتدري من المؤمن ؟ قال: قلت: ‏أنت أعلم ; قال: إن المؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم، والمسلم حرام على المسلم أن يظلمه أو يخذله‎.‎
‏10ـ عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: الذنوب كلها شديدة و أشدها ما نبت عليه اللحم والدم، لأنه إما ‏مرحوم وإما معذب والجنة لا يدخلها إلا طيب‏‎. ‎
‏11ـ عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يعمل الشئ من الخير فيراه إنسان فيسره ذلك ؟ ‏فقال: لا بأس، ما من أحد إلا وهو يحب أن يظهر له في الناس الخير، إذا لم يكن صنع ذلك لذلك‎. ‎
‏12ـ عن ميسر قال: ذكر الغضب عند أبي جعفر عليه السّلام فقال: إن الرجل ليغضب فما يرضى أبدا حتى يدخل ‏النار، فأيما رجل غضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك، فإنه سيذهب عنه رجز الشيطان، وإيما رجل ‏غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه، فإن الرحم إذا مست سكنت‎.‎

خطبه عليه السلام
تأسف ابن عباس أشد الأسف لأن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام لم يتم خطبته الشقشقية، في حين أنه سمع منه عليه ‏السّلام مئات الخطب والوصايا، والحكم؛ وليت الزمن امتد بابن عباس ليشاهد حياة الأئمة عليهم السّلام وما رافقها من ‏ضيق واضطهاد، فهم لا يستطيعون أن يتكلموا فضلاً من أن يخطبوا، وقد يُسمعهم ولاة الجور سب آبائهم من فوق ‏منبر جدهم فلا يستطيعون الرد عليهم، والإنكار في وجوههم‎.‎
إن ما حفظ للأئمة عليهم السّلام من أحاديث وتعاليم وسير وفضائل، كان بطريق المعجز، وبعناية من الله سبحانه، وإذا ‏كان أمير المؤمنين عليه السّلام وقد أسر أولياؤه مناقبه خوفاً، وكتمها أعداؤه حقداً ـ كما يقول الشافعي ـ فما هو الحال ‏في أولاده عليهم السّلام‎.‎
ومع هذا كله نسجل بعض ما وجدناه من خطب الإمام أبي جعفر عليه السّلام‎:‎
‏1ـ من خطبة له عليه السّلام في الشام
قال الإمام الصّادق عليه السّلام: لما أشخص أبي مُحمّد بن عليّ إلى دمشق سمع الناس يقولون: هذا ابن أبي تراب!! ‏قال: فأسند ظهره إلى جدار القبلة ثم حمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبي صلّى الله عليه وآله ثم قال: اجتنبوا أهل ‏الشقاق، وذرية النفاق، وحشو النار، وحصب جهنم عن البدر الزاهر، والبحر الزاخر والشهب الثاقب، وشهاب ‏المؤمنين، والصراط المستقيم، من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو يلعنوا كما لعن أصحاب السبت وكان ‏أمر الله مفعولاً، ثم قال بعد كلام: أبصنو رسول الله تستهزئون، أم بيعسوب الدين تلمزون؛ وأي سبل بعده تسلكون، ‏وأي حزن بعده تدفعون؟! هيهات هيهات، برز والله بالسبق، وفاز بالخصل، واستوى على الغاية، وأحرز على ‏الخطاب فانحسرت عنه الأبصار، وخضعت دونه الرقاب، وقرع الذروة العليا، فكذب من رام من نفسه السعي، وأعياه ‏الطلب، فأنى لهم التناوش من مكان بعيد‎.‎ وقال‎: ‎
مـن الـلوم أوسـدوا الذي‎ ii‎سدوا وإن عاهدوا وفوا وإن عقدوا شدوا
اقـلـوا عـليهم لا أبـاً‎ ii‎لأبـيكم أولـئك قوم إن بنوا أحسنوا‎ ii‎البنا‎ ‎
فأنى يسد ثلمة أخي رسول الله صلّى الله عليه وآله إذ شفعوا، وشقيقه إذ نسبوا، ونديده إذ فشلوا، وذي قربى كنزها إذ ‏فتحوا، ومصلي القبلتين إذ تحرفوا، والمشهود له بالإيمان إذ كفروا، والمدعي لنبذ عهد المشركين إذ نكلوا، والخليفة ‏على المهاد ليلة الحصار إذ جزعوا، والمستودع لأسرار ساعة الوداع. إلى آخر كلامه‎. ‎
‏2ـ خطبة له عليه السّلام في مجلس هشام بن عبد الملك
لما حمل أبو جعفر إلى الشام إلى هشام بن عبد الملك وصار ببابه، قال هشام لأصحابه: إذا سكتُّ من توبيخ مُحمّد بن ‏عليّ فلتوبخوه، ثم أمر أن يؤذن له فلما دخل عليه أبو جعفر قال بيده: السّلام عليكم، فعمهم بالسلام جميعاً ثم جلس، ‏فازداد هشام عليه حنقاً بتركه السّلام بالخلافة وجلوسه بغير إذن، فقال: يا مُحمّد بن عليّ لا يزال الرجل منكم قد شق ‏عصا المسلمين، ودعا إلى نفسه، وزعم أنه الإمام سفهاً وقلة علم. وجعل يوبخه، فلما سكت أقبل القوم عليه رجل بعد ‏رجل يوبخه. فلما سكت القوم نهض قائماً ثم قال‎:‎
أيها الناس أين تذهبون وأين يراد بكم، بنا هدى الله أولكم، وبنا ختم آخركم، فإن يكن لكم ملك معجل فإن لنا ملكاً ‏مؤجلاً، وليس بعد ملكنا ملك لأنا أهل العاقبة، يقول الله عز وجل: وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ‎.‎
فأمر به إلى الحبس، فلم يبق في الحبس رجل إلا ترشفه كناية عن القيام بخدمته وحسن عليه، فجاء صاحب الحبس إلى ‏هشام وأخبره بخبره، فأمر به فحمل على البريد هو وأصحابه يردوا إلى المدينة‎. ‎
‏3ـ خطبة له عليه السّلام في جمع من أهل الغفلة
حضر عند الإمام الباقر عليه السّلام جمع من الشيعة، وقد لاحظ أنّهم من أهل الغفلة، فخطبهم قائلاً‎:‎
إنّ كلامي لو وقع طرف منه في قلب أحدكم لصار ميّتاً، ألاَ يا أشباحاً بلا أرواح، وذباباً بلا مصباح، كأنّكم خشب ‏مسندة، وأصنام مريدة، ألاَ تأخذون الذهب من الحجر، ألاَ تقتبسون الضياء من النور الأزهر، ألا تأخذون اللؤلؤ من ‏البحر ؟ خذوا الكلمة الطيّبة ممّن قالها، وإن لم يعمل بها، فإنّ الله تعالى يقول: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ‎.‎
ويحك يا مغرور: ألاَ تحمد من تعطيه فانياً ؟ ويعطيك باقياً، درهم يفنى بعشرة تبقى إلى سبعمائة ضعف مضاعفة من ‏جواد كريم‎.‎
آتاك الله عند مكافأة هو مطعمك وساقيك، وكاسيك، ومعافيك، وكافيك، وساترك ممّن يراعيك، من حفظك في ليلك ‏ونهارك، وأجابك عند اضطرارك، وعزم لك على الرشد في اختبارك، كأنّك قد نسيت ليالي أوجاعك وخوفك، دعوته ‏فاستجاب لك، فاستوجب بجميل صنيعه الشكر، فنسيته فيمن ذكر، وخالفته فيما أمر‎.‎
ويلك إنّما أنت لص من لصوص الذنوب، كلّما عرضت شهوة أو ارتكاب ذَنْب سارعت إليه، وأقدمت بجهلك عليه، ‏فارتكبته كأنّك لست بعين الله، أو كأنّ الله ليس لك بالمرصاد‎.‎
يا طالب الجنة: ما أطول نومك، وأكلّ مطيّتك، وأوهى همّتك، فلله أنت من طالب ومطلوب، ويا هارباً من النار، ما ‏أحثّ مطيّتك إليها، وما أكسبك لما يوقعك فيها‎ !‎
انظروا إلى هذه القبور، سطوراً بأفناء الدور، تدانوا في خططهم، وقربوا في فرارهم، وبُعدوا في لقائهم، عمَّروا ‏فخرّبوا، وأنسوا فأوحشوا، وسكنوا فأزعجوا، وقنطوا فرحلوا، فمن سمع بدانٍ بعيد، وشاحط قريب، وعامر مخرّب، ‏وآنس موحش، وساكن مزعج، وقاطن مرحل غير أهل القبور‎.‎
يا ابن الأيام الثلاثة: يومك الذي ولدت فيه، ويومك الذي تنزل فيه قبرك، ويومك الذي تخرج فيه إلى ربّك، فيا له من ‏يوم عظيم‎.‎
يا ذي الهيئة المعجبة، والهيم المعطنة: ما لي أراكم أجسامكم عامرة، وقلوبكم دامرة، أمّا والله لو عاينتم ما أنتم ملاقوه، ‏وأنتم إليه صائرون، لقلتم: يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‎.‎

مدرسته عليه السلام
مدرسة أهل البيت عليهم السّلام هي أول مدرسة فكرية أُنشِأت في الإسلام، وقد عَملت بِكُلِّ طاقاتها على تقدّم حياة ‏المسلمين وتطويرها‎.‎
ولم تقتصر علومها على التشريع الإسلامي، وإنما تناولت جميع العلوم والمعارف من الإدارة، إلى الاقتصاد، إلى ‏الطبِّ والكيمياء، إلى الحكمة والفلسفة، إلى علم الكلام، وإلى العلوم السياسية، وقد تخرَّج من هذه المدرسة مجموعة ‏كبيرة من الرواة، والمحدِّثين، والعلماء الثقات، فتَلقّوا علوماً كثيرة في شتى المجالات، نذكر نموذجاً منهم: زرارة بن ‏اعين، مُحمّد بن مسلم، ابان ابن تغلب، عطاء بن أبي رباح، عمرو بن دينار، الزهري، ربيعة الرأي، ابن جريج، ‏الاوزاعي، بسام الصيرفي، أبو حنيفة، جابر بن حيان الكوفي‎.‎
مُميِّزات مدرسة أهل البيت عليهم السّلام
تميزت مدرسة أهل البيت عليهم السّلام بما يأتي‎:‎
أولاً: الاتصال بالنبي صلّى الله عليه وآله
قال عليه السّلام: لو إِنَّنا حَدَّثنا برأينا ضَلَلْنا، كما ضَلَّ من قبلنا، ولكِنَّا حَدَّثنا بِبَيِّنَة من رَبِّنا بَيَّنها لنبِيِّه صلّى الله عليه ‏وآله، فَبَيَّنَها لَنا‎.‎
ثانياً: المُرُونة‎ ‎
إنَّ فِقه أهل البيت يساير الحياة، ويواكب التطوُّر، ولا يَشُذُّ عن الفطرة، ويتمشَّى مع جميع مُتطلَّبات الحياة، فَلَيس فيه ‏حرج ولا ضيق، ولا ضرر ولا إضرار، وإنما فيه الصالح العام0‏
ثالثاً: فتح باب الاجتهاد
إنَّ من أهم ما تَميَّز به فقه أهل البيت عليهم السّلام هو فتح باب الاجتهاد، فقد دلَّ ذلك على حَيَويَّة فقه أهل البيت عليهم ‏السّلام، وتفاعله مع الحياة، واستمراره في العطاء لجميع شؤون الإنسان‎.‎
رابعاً: الرجوع إلى حكم العقل
اِنفرد فقهاء الإمامية عن بقيَّة المذاهب الإسلامية فَجَعلوا العقل واحداً من المصادر الأربعة لاستنباط الاحكام الشرعية، ‏وقد أضفوا عليه أسمى ألوان التقديس فاعتبروه رسول الله الباطني0‏
خامساً: تنوع علوم المدرسة‎ ‎
وأخيراً: نقول: إزدهرت هذه المدرسة في عهد الإمام الباقر عليه السّلام، لأنه قام برعايتها خير قيام، حتى باتَتْ ‏معروفة على صعيد العالم الإسلامي، مما جعل العلماء يلتفُّون حوله، من كل حدب وصوب، وينهلون من نَمِير علومه، ‏ومعارفه، وحكمه، وتفسيراته‎.‎

ذكاؤه عليه السلام
يقول المؤرخون: إن الإمام مُحمّد الباقر عليه السّلام سُئل عن أدَقِّ المسائل فأجاب عنها، وكان له من العمر تسع سنين‎.‎
كما روى المؤرخون: أن رجلاً سأل عبد الله بن عمر عن مسألة، فلم يقف على جوانبها، فقال للرجل: اِذهب إلى ذلك ‏الغلام - مشيراً إلى الإمام الباقر عليه السّلام - فاسأله، وأعلمني بما يجيبك‎.‎
فبادر الرجل نحو الإمام وسأله، فأجابه عليه السّلام عن مسألته، ثم خَفَّ إلى ابن عمر وأخبره بجواب الإمام عليه ‏السّلام‎.‎
عندها أبدى إعجابه بذكاء الإمام عليه السّلام المبكر، وقال: إنَّهم أهلُ بَيتٍ مفهمون‎.‎

أصحابه ورواة حديثه عليه السّلام
قد جهد الإمام الباقر عليه السّلام على تربية جماعة فغذاهم بفقهه وعلومه، فكانوا من مراجع الفتيا في العالم الإسلامي، ‏ومن مفاخر هذه الأمة، وقد عهد إلى ولده الإمام الصّادق عليه السّلام القيام بنفقاتهم ليتفرغوا إلى تدوين الحديث الذي ‏سمعوه منه، وتعد الكوكبة من العلماء التي تخرجت على يده من خيار أصحاب الأئمة عليهم السّلام من عيون الفُقهاء ‏والعلماء
ونلمح فيما يلي إلى ذكرهم‎.‎
‎(أ)‎
‏1ـ أبان بن تغلب: أبان بن تغلب الربعي الكوفي من ألمع علماء الإسلام، ومن أبرز فقهاء المسلمين0‏
‏2ـ أبان بن أبي عياش فيروز‎.‎
‏3ـ إبراهيم بن الأزرق‎.‎
‏4ـ إبراهيم بن أبي البلاد‎.‎
‏5ـ إبراهيم بن جميل‎.‎
‏6ـ إبراهيم بن حنان‎.‎
‏7ـ إبراهيم بن صالح الأنماطي‎.‎
‏8ـ إبراهيم بن عبد الله‎.‎
‏9ـ إبراهيم بن عبيد‎.‎
‏10ـ إبراهيم بن عمر‎.‎
‏11ـ إبراهيم بن مُحمّد‎.‎
‏12ـ إبراهيم بن مرثد‎.‎
‏13ـ إبراهيم بن معاذ‎.‎
‏14ـ إبراهيم بن معرض‎.‎
‏15ـ إبراهيم بن نعيم‎.‎
‏16ـ أبيض بن أبان‎.‎
‏17ـ أحمد بن عائذ بن حبيب‎.‎
‏18ـ أحمد بن عمران‎.‎
‏19ـ إسحاق بن عبد الله‎.‎
‏20ـ إسحاق بن بشير‎.‎
‏21ـ إسحاق بن جعفر‎.‎
‏22ـ إسحاق بن نوح‎.‎
‏23ـ إسحاق بن الفضل‎.‎
‏24ـ إسحاق بن يسار‎.‎
‏25ـ إسحاق بن يزيد‎.‎
‏26ـ إسحاق بن واصل‎.‎
‏27ـ إسحاق الفمي‎.‎
‏28ـ إسرائيل بن غياث‎.‎
‏29ـ إسماعيل بن زياد‎.‎
‏30ـ إسماعيل بن جابر,د
‏31ـ إسماعيل بن عبد الله‎.‎
‏32ـ إسماعيل بن عبد الرحمن‎.‎
‏33ـ إسماعيل بن سلمان‎.‎
‏34ـ إسماعيل الكاتب‎.‎
‏35ـ أسلم بن أيمن‎.‎
‏36ـ أسلم القواص‎.‎
‏37ـ أسيد بن القاسم‎.‎
‏38ـ إسماعيل بن عبد الخالق‎.‎
‏39ـ إسماعيل بن عبد العزيز‎.‎
‏40ـ إسماعيل بن عبد الرحمن‎.‎
‏41ـ إسماعيل بن الفضل‎.‎
‏42ـ إسماعيل أعين الرازي‎.‎
‏43ـ أنس بن تغلب‎.‎
‏44ـ أنس بن عمرو‎.‎
‏45ـ أيوب بن بكر‎.‎
‏46ـ أيوب بن أبي تميمة‎.‎
‏47ـ أيوب بن شهاب‎.‎
‏48ـ أيوب وشيكة‎.‎
‎(‎ب‎)‎
‏49ـ بدر بن الخليل‎.‎
‏50ـ برد الأسكاف‎.‎
‏51ـ برد الخياط‎.‎
‏52ـ بريد الخياط‎.‎
‏53ـ بريد الكناسي‎.‎
‏54ـ بريد بن معاوية‎:‎
‏55ـ بسام بن عبد الله‎.‎
‏56ـ بشار الأسلمي‎.‎
‏57ـ بشر بن جعفر‎.‎
‏58ـ بشر بن خثعم‎.‎
‏59ـ بشر بن أبي عقبة‎.‎
‏60ـ بشر بن عبد الله‎.‎
‏61ـ بشر بن ميمون‎.‎
‏62ـ بشر بن يسار‎.‎
‏63ـ بشر بياع الزطي
‏64ـ بشر الرحال‎.‎
65ـ بشير الجعفي‎.‎
‏66ـ بشير أبو عبد الصمد‎.‎
‏67ـ بشير بن سليمان‎.‎
‏68ـ بكر بن حبيب‎.‎
‏69ـ بكر بن خالد‎.‎
‏70ـ بكر بن صالح‎.‎
71ـ بكرب بن كرب‎.‎
‏72ـ بكرويه الكندي‎.‎
‏73ـ بكير بن أعين‎.‎
‏74ـ بكير بن جندب‎.‎
‏75ـ بكير بن حبيب‎.‎
‎(‎ت‎)‎
‏76ـ تميم بن زياد‎.‎
‎(‎ث‎)‎
‏77ـ ثابت بن أبي ثابت‎.‎
‏78ـ ثابت بن دينار‎.‎
‏79ـ ثابت بن زائدة‎.‎
‏80ـ ثابت بن هرمز‎.‎
‏81ـ ثوير بن أبي فاخت
‎(‎ج‎)‎
‏82ـ جابر بن عبد الله‎:‎
‏83ـ جابر بن يزيد‎.‎
‏84ـ الجار ود بن السري‎.‎
‏85ـ الجار ود بن المنذر‎.‎
‏86ـ الجراح المدائني‎.‎
‏87ـ جعفر الأحمسي‎.‎
‏88ـ جعفر بن إبراهيم‎.‎
‏89ـ جعفر بن إبراهيم‎.‎
‏90ـ جعفر بن الحكيم‎.‎
‏91ـ جعفر بن عمرو‎.‎
‏92ـ جعده‎.‎
‎(‎ح‎)
‏93ـ الحسن بن أبي سارة‎.‎
‏94ـ الحسن بن حبيش‎.‎
‏95ـ الحسن بن الحسن‎.‎
‏96ـ الحسن بن زياد‎.‎
‏97ـ الحسن بن السري‎.‎
‏98ـ الحسن بن شهاب‎.‎
‏99ـ الحسن بن صالح‎.‎
‏100ـ الحسن بن عليّ‎.‎
‏101ـ الحسن بن عمار‎.‎
‏102ـ الحسن بن عمارة‎.‎
‏103ـ الحسن بن كثير‎.‎
‏104ـ الحسن بن المنذر‎.‎
‏105ـ الحسن بن يوسف‎.‎
‏106ـ الحسن الجعفي‎.‎
‏107ـ الحسن الزيات‎.‎
‏108ـ الحُسين بن أبتر‎.‎
‏109ـ الحُسين بن أبي العلاء‎.‎
‏110ـ الحُسين بن ثوير‎.‎
‏111ـ الحُسين بن حماد‎.‎
‏112ـ الحُسين بن عبد الله‎.‎
‏113ـ الحُسين ابن عبد الله‎.‎
‏114ـ الحُسين بن مصعب‎.‎
‏115ـ الحُسين بن المنذر‎.‎
‏116ـ حفص بن غياث‎.‎
‏117ـ الحكم بن الصلت‎.‎
‏118ـ الحكم بن أبي نعيم‎.‎
‏119ـ الحكم بن عبد الرحمن‎.‎
‏120ـ الحكم بن عتيبة‎.‎
‏121ـ الحكم بن علباء‎.‎
‏122ـ الحكم بن القتات‎.‎
123ـ الحكم بن المختار‎.‎
‏124ـ حكيم بن حكم‎.‎
‏125ـ حكيم بن مهيب‎.‎
‏126ـ حكيم بن معاوية‎.‎
‏127ـ حماد بن أبي سليمان‎.‎
‏128ـ حماد بن أبي المطارد‎.‎
‏129ـ حماد بن بشير‎.‎
‏130ـ حماد بن راشد‎.‎
‏131ـ حماد بن المغيرة‎.‎
‏132ـ حمران بن أعين‎:‎
‏133ـ حمزة بن عطاء‎.‎
‏134ـ حمزة بن عمارة‎.‎
‏135ـ حمزة الطيار‎.‎
‎(‎خ‎)‎
‏136ـ خازم الأشل‎.‎
‏137ـ خالد بن أبي كريمة‎.‎
‏138ـ خالد بن أوفى‎.‎
‏139ـ خالد بن بكار‎.‎
‏140ـ خالد بن طهمان‎.‎
‏141ـ خيثمة بن عبد الرحمن‎.‎
‏142ـ خيثمة بن أبي خيثمة‎.‎
‎(‎د)‎
‏143ـ داود الأبزاري‎.‎
‏144ـ داود بن أبي هند‎.‎
‏145ـ داود بن حبيب‎.‎
‏146ـ داود بن حرة‎.‎
‏147ـ داود بن زيد‎.‎
‏148ـ داود بن الدجاجي‎.‎
‏149ـ دلهم بن صالح‎.‎
‎(‎ر‎)‎
‏150ـ رائع بن مسلمة‎.‎
‏151ـ الربيع العبسي‎.‎
‏152ـ ربيع بن سعد‎.‎
‏153ـ ربيعه بن أبي عبد الرحمن‎.‎
‏154ـ ربيعة بن ناجذ‎.‎
‏155ـ رزي الأبزاري‎.‎
‏156ـ رزين الأنماطي‎.‎
‏157ـ رشد بن سعد‎.‎
‏158ـ رفيد مولى بني هبيرة‎.‎
‏159ـ رقبة بن مصقلة‎.‎
‎(‎ز)‎
‏160ـ زائدة بن قدامة‎.‎
‏161ـ زحر بن عبد الله‎.‎
‏162ـ زرارة بن أعين‎:‎
‏163ـ زكريا بن عبد الله‎.‎
‏164ـ زهير المدايني‎.‎
‏165ـ زياد الأحلام‎.‎
‏166ـ زياد الأسود‎.‎
‏167ـ زياد بن أبي هلال‎.‎
‏168ـ زياد بن أبي رجاء‎.‎
‏169ـ زياد بن أبي زياد‎.‎
‏170ـ زياد بن الأسود‎.‎
‏171ـ زياد بن سوقة‎.‎
‏172ـ زياد بن صالح‎.‎
‏173ـ زياد بن عيسى‎.‎
‏174ـ زياد بن عيسى‎.‎
‏175ـ زياد بن المنذر‎.‎
‏176ـ زياد مولى أبي جعفر‎.‎
‏177ـ زياد الهاشمي‎.‎
‏178ـ زيد الأجري‎.‎
‏179ـ زيد بن سليط‎.‎
‏180ـ زيد الشحام‎.‎
‏181ـ زيد بن قدامة‎.‎
‎(‎س‎)
‏182ـ سالم بن أبي حفصة‎.‎
‏183ـ سالم الأشل‎.‎
‏184ـ سالم الجعفر‎.‎
‏185ـ سدير بن حكيم‎.‎
‏186ـ سد يف المكي‎:‎
‏187ـ سعد بن أبي عمرو‎.‎
‏188ـ سعد الحداد‎.‎
‏189ـ سعد بن الحسن‎.‎
‏190ـ سعد بن طريف‎.‎
‏191ـ سعد بن عبد الملك‎.‎
‏192ـ سكين الجعدي‎.‎
‏193ـ سكين المعدني‎.‎
‏194ـ سلام بن أبي عمرة‎.‎
‏195ـ سلام بن سعد‎.‎
‏196ـ سلام بن المستنير‎.‎
‏197ـ سلام الجعفي‎.‎
‏198ـ سلام المكي‎.‎
‏199ـ سلم بن بشر‎.‎
‏200ـ سلمان بن خالد‎.‎
‏201ـ سلمان الكناني‎.‎
‏202ـ سلمة بن الأهتم‎.‎
‏203ـ سليمان بن خالد‎.‎
‏204ـ سلمة بن محرز‎.‎
‏205ـ سليمان مولى طر بال‎.‎
‏206ـ سليمان بن هارون‎.‎
‏207ـ سنان بن سنان‎.‎
‏208ـ سورة بن كليب‎.‎
‎(‎ش)‎
‏209ـ شجرة بن ميمون‎.‎
‏210ـ شريس الوابشي‎.‎
‏211ـ شعيب بن بكر‎.‎
‏212ـ شعيب الحداد‎.‎
‏213ـ شهاب بن عبد ربه‎.‎
‏214ـ شهر بن حوشب‎.‎
‎(‎ص‎) ‎
‏215ـ صالح بن سهل‎.‎
‏216ـ صالح بن عقبة‎.‎
‏217ـ صالح بن ميثم‎.‎
‏218ـ صامت بياع الهروي‎.‎
‏219ـ صباح بن يحيى‎.‎
‏120ـ صفي الأعور‎.‎
‏221ـ الصلت بن الحجاج‎.‎
‎(‎ض‎)‎
‏222ـ ضريس بن عبد الملك‎.‎
‏223ـ ضريس بياع الغزل‎.‎
‏224ـ ضريس الكناني‎.‎
‎(‎ط‎)
‏225ـ طاهر مولى أبي جعفر‎.‎
‏226ـ طربال بن رجاء‎.‎
‎(‎ظ‎)‎
‏227ـ ظريف بن ناصح‎.‎
‎(‎ع‎) ‎
‏228ـ عاصم بن عمر‎.‎
‏229ـ عامر بن أبي الأحوص‎.‎
‏230ـ عباد البصري‎.‎
‏231ـ عباد بن جريح‎.‎
‏232ـ عباد بن صهيب‎.‎
‏233ـ عبد الجبار بن أعين‎.‎
‏234ـ عبد الحميد بن أبي جعفر‎.‎
‏235ـ عبد الحميد بن أبي الديلم‎.‎
‏236ـ عبد الحميد بن عواض‎.‎
‏237ـ عبد الحميد الو اسطي‎.‎
‏238ـ عبد الخالق بن عبد ربه‎.‎
‏239ـ عبد الخالق بن عواض‎.‎
‏240ـ عبد الرحمن‎.‎
‏241ـ عبد الرحمن بن أعين‎.‎
‏242ـ عبد الرحمن بن زرعة‎.‎
‏243ـ عبد الرحمن بن سالم‎.‎
‏244ـ عبد الرحمن بن سليمان‎.‎
‏245ـ عبد الرحمن بن عجلان‎.‎
‏246ـ عبد الرحيم‎.‎
‏247ـ عبد الرحيم بن روح‎.‎
‏248ـ عبد الرحيم بن سليم‎.‎
‏249ـ عبد السّلام بن كثير‎.‎
‏250ـ عبد العزيز‎.‎
‏251ـ عبد الغفار بن القاسم‎.‎
‏252ـ عبد الكريم بن أبي يعفور‎.‎
‏253ـ عبد الكريم بن مهران‎.‎
‏254ـ عبد الله بن بكير‎.‎
‏255ـ عبد الله بن الجار ود‎.‎
‏256ـ عبد الله بن جريح‎.‎
‏257ـ عبد الله بن الحسن‎.‎
‏258ـ عبد الله بن ذبيان‎.‎
‏259ـ عبد الله بن زرعة‎.‎
‏260ـ عبد الله بن سليمان‎.‎
‏261ـ عبد الله بن سليمان‎.‎
‏262ـ عبد الله بن شريك‎.‎
‏263ـ عبد بن صالح‎.‎
‏264ـ عبد الله بن عبد الرحمن‎.‎
‏265ـ عبد الله بن عجلان‎.‎
‏266ـ عبد الله بن عطاء‎.‎
‏267ـ عبد الله بن عطاء‎.‎
‏268ـ عبد الله بن عطاء‎.‎
‏269ـ عبد الله بن عمرو‎.‎
‏270ـ عبد الله بن غالب‎.‎
‏271ـ عبد الله بن كيان‎.‎
‏272ـ عبد الله بن محرز‎.‎
‏273ـ عبد الله بن مُحمّد‎.‎
‏274ـ عبد الله بن مُحمّد‎.‎
‏275ـ عبد الله بن مُحمّد‎.‎
‏276ـ عبد الله بن مُحمّد‎.‎
‏277ـ عبد الله بن المختار‎.‎
‏278ـ عبد الله بن الوليد‎.‎
‏279ـ عبد الله الهاشمي‎.‎
‏280ـ عبد المؤمن الأنصاري‎.‎
‏281ـ عبد الرحمن بن القاسم‎.‎
‏282ـ عبد المؤمن بن الهيثم‎.‎
‏283ـ عبد الملك بن أعين‎.‎
‏284ـ عبد الملك بن عتبة‎.‎
‏285ـ عبد الملك بن عطاء‎.‎
‏286ـ عبد الملك بن عمرو‎.‎
‏287ـ عبد الواحد بن المختار‎.‎
‏288ـ عبيد بن كثير‎.‎
‏289ـ عبيد الله بن مُحمّد‎.‎
‏290ـ عبيد الله بن الوليد‎.‎
‏291ـ عبيد الله الوصافي‎.‎
‏292ـ عبيدة‎.‎
‏293ـ عبيدة الخثعمي‎.‎
‏294ـ عبيدة السكسكي‎.‎
‏295ـ عثمان بن جبلة‎.‎
‏296ـ عثمان بن زياد‎.‎
‏297ـ عثمان بن زياد‎.‎
‏298ـ عذ افر‎.‎
‏299ـ عذ افر بن عبد الله‎.‎
‏300ـ عروة بن عبد الله‎.‎
‏301ـ العطاء‎.‎
‏302ـ عطاء بن يسار‎.‎
‏303ـ عطية‎.‎
‏304ـ عطية‎.‎
‏305ـ عطية بن ذكران‎.‎
‏306ـ عطية بن مزار‎.‎
‏307ـ عطية العوفي‎.‎
‏308ـ عقبة‎.‎
‏309ـ عقبة بن شيبة‎.‎
‏310ـ عقبة بن قيس‎.‎
‏311ـ عكرمة‎.‎
‏312ـ العلاء بن الحسن‎.‎
‏313ـ العلاء بن الحُسين‎.‎
‏314ـ العلاء بن عبد الكريم‎.‎
‏315ـ علباء بن دراع‎.‎
‏316ـ علقمة بن مُحمّد‎.‎
‏317ـ عليّ بن الأحمسى‎.‎
‏318ـ عليّ بن أبي حمزة‎.‎
‏319ـ عليّ بن أبي المغيرة‎.‎
‏320ـ عليّ بن حنظلة‎.‎
‏321ـ عليّ بن سعيد‎.‎
‏322ـ عليّ بن عبد العزيز‎.‎
‏323ـ عليّ بن عبد الله‎.‎
‏324ـ عليّ بن عطية‎.‎
‏325ـ عليّ بن عقبة‎.‎
‏326ـ عليّ بن ميمون‎.‎
‏327ـ عمار بن أبي الأحوص‎.‎
‏328ـ عمار بن مروان‎.‎
‏329ـ عمر بن أبان‎.‎
‏330ـ عمرن بن أبان‎.‎
‏331ـ عمر ابن أبي شيبة‎.‎
‏332ـ عمر بن ثابت‎.‎
‏333ـ عمر بن حنظلة‎.‎
‏334ـ عمر بن قيس‎.‎
‏335ـ عمر بن قيس‎.‎
‏336ـ عمر بن معمر‎.‎
‏337ـ عمر بن هلال‎.‎
‏338ـ عمر بن يحيى‎.‎
‏339ـ عمرو بن أبي‎.‎
‏340ـ عمرو بن أبي المقدام‎.‎
‏341ـ عمرو بن جميع‎.‎
‏342ـ عمرو بن خالد‎.‎
‏343ـ عمرو بن خالد‎.‎
‏344ـ عمرو بن دينار‎.‎
‏345ـ عمرو بن رشيد‎.‎
‏346ـ عمرو بن سعيد‎.‎
‏347ـ عمرو بن شمر‎.‎
‏348ـ عمرو بن عبد الله‎.‎
‏349ـ عمرو بن عثمان‎.‎
‏350ـ عمرو بن معمر‎.‎
‏351ـ عمران‎.‎
‏352ـ عمران بن أبي خالد‎.‎
‏353ـ عمران بن أعين‎.‎
‏354ـ عنبة بن مصعب‎.‎
‏355ـ عنبة العابد‎.‎
‏356ـ عيسى بن أبي منصور‎.‎
‏357ـ عيسى بن أعين‎.‎
‏358ـ عيسى بن بكر‎.‎
‏359ـ عيسى بن الضحاك‎.‎
‏360ـ عيسى بن الطحان‎.‎
‎(‎غ‎)‎
‏361ـ غلب أبو الهذيل‎.‎
‎(‎ف)‎
‏362ـ فائد الجمال‎.‎
‏363ـ فرات بن الأحنف‎.‎
‏364ـ فروة‎.‎
‏365ـ الفضل بن الزبير‎.‎
‏366ـ الفضل بن عثمان‎.‎
‏367ـ الفضل النوفلي‎.‎
‏368ـ الفضيل‎.‎
‏369ـ الضيل بن خيثم‎.‎
‏370ـ الفضيل بن الزبير‎.‎
‏371ـ الفضيل بن سعدان‎.‎
‏372ـ الفضيل بن شريح‎.‎
‏373ـ الفضيل بن عثمان‎.‎
‏374ـ الفضيل بن غياث‎.‎
‏375ـ الفضيل بن يسار‎.‎
‏376ـ فطر بن خليفة‎.‎
‏377ـ فليح بن أبي بكر‎.‎
‏378ـ الفيض بن المختار‎.‎
‎(‎ق)‎
‏379ـ القاسم بن عبد الرحمن‎.‎
‏380ـ قاسم بن عبد الملك‎.‎
‏381ـ قدامة بن زائدة‎.‎
‏382ـ قيس بن أبي مسلم‎.‎
‏383ـ قيس بن الربيع‎.‎
‎(‎ك‎)‎
‏384ـ كامل بن العلاء‎.‎
‏385ـ كامل إلصاقي‎.‎
‏386ـ كامل صاحب السابري‎.‎
‏387ـ كامل النجار‎.‎
‏388ـ كثير بن كلثم‎.‎
‏389ـ كثير النوا‎.‎
‏390ـ كليب بن معاوية‎.‎
‏391ـ الكميت بن زيد‎.‎
‏392ـ كنكر‎.‎
‎(‎ل)‎
‏393ـ ليث بن أبي سليم‎.‎
‏394ـ ليث بن البختري‎.‎
‎(‎م‎)‎
‏395ـ مالك بن أعين‎.‎
‏396ـ مالك بن عطية‎.‎
‏397ـ مُحمّد بن إبراهيم‎.‎
‏398ـ مُحمّد بن أبي سارة‎.‎
‏399ـمحمد بن أبي منصور‎.‎
‏400ـ مُحمّد بن إسحاق‎.‎
‏401ـ مُحمّد بن‎.‎
‏402ـ مُحمّد بن الحسن‎.‎
‏403ـ مُحمّد بن حميد‎.‎
‏404ـ مُحمّد بن رستم‎.‎
‏405ـ مُحمّد بن يزيد‎.‎
‏406ـ مُحمّد بن سالم‎.‎
‏407ـ مُحمّد بن سليمان‎.‎
‏408ـ مُحمّد بن سوقة‎.‎
‏409ـ مُحمّد بن صاحب‎.‎
‏410ـمحمد بن عبد الله‎.‎
‏411ـ مُحمّد بن عجلان‎.‎
‏412ـ مُحمّد بن عجلان‎.‎
‏413ـ مُحمّد بن عطية‎.‎
‏414ـ مُحمّد بن عليّ‎.‎
‏415ـ مُحمّد بن عون‎.‎
‏416ـ مُحمّد بن الفرات‎.‎
‏417ـ مُحمّد بن الفضل‎.‎
‏418ـ مُحمّد بن الفيض‎.‎
‏419ـ مُحمّد بن قيس‎.‎
‏420ـ مُحمّد بن قيس‎.‎
‏421ـ مُحمّد بن مروان‎.‎
‏422ـ مُحمّد بن مروان‎.‎
‏423ـمحمد بن مروان‎.‎
‏424ـ مُحمّد بن مسلم‎:‎
‏425ـ مُحمّد بن مسلم‎.‎
‏426ـ مُحمّد بن المنكدر‎.‎
‏427ـ المسهّل بن عطاء‎.‎
‏428ـ مسعدة بن زياد‎.‎
‏429ـ مسعدة بن صدقة‎.‎
‏430ـ مسكين‎.‎
‏431ـ مسكين بن عبد‎.‎
‏432ـ مسمع بن عبد الملك‎.‎
‏433ـ معروف بن خربوه‎.‎
‏434ـ معمر بن رشيد‎.‎
‏435ـ معمر بن عطاء‎.‎
‏436ـ معمر بن يحيى‎.‎
‏437ـ معمر بن يحيى‎.‎
‏438ـ معمر بن يحيى‎.‎
‏439ـ المغيرة بن سعيد‎.‎
‏440ـ المفضل بن زيد‎.‎
‏441ـ المفضل بن قيس‎.‎
‏442ـ مقاتل بن سليمان‎.‎
‏443ـ مقرن السراج‎.‎
‏444ـ منذر بن أبي طريفة‎.‎
‏445ـ منصور بن المعتمر‎.‎
‏446ـ منصور بن الوليد‎.‎
‏447ـ موسى الأشعري‎.‎
‏448ـ موسى بن أشيم‎.‎
‏449ـ موسى الخياط‎.‎
‏450ـ موسى بن زياد‎.‎
‏451ـ موسى بن عبد الله‎.‎
‏452ـ مهزم بن أبي بردة‎.‎
‏453ـ ميسر بن عبد العزيز‎.‎
‏454ـ ميمون البان‎.‎
‏455ـ ميمون القداح‎.‎
‎(‎ن‎)‎
‏456ـ نجم بن الحطيم‎.‎
‏457ـ نحم الطائي‎.‎
‏458ـ نجح بن مسلم‎.‎
‏459ـ النضر بن قر واش‎.‎
‏460ـ نعمان الأحمسي‎.‎
‎(‎و)‎
‏461ـ الورد بن زيد‎.‎
‏462ـ الوليد بن بشير‎.‎
‏463ـ الوليد بن عروة‎.‎
‏464ـ الوليد بن القاسم‎.‎
‎(‎هـ)‎
‏465ـ هارون الجبلي‎.‎
‏466ـ هارون بن حمزة‎.‎
‏467ـ هاشم بن أبي هاشم‎.‎
‏468ـ هاشم الرهاني‎.‎
‎(‎ي‎)‎
‏469ـ يحيى بن أبي العلاء‎.‎
‏470ـيحيى بن أبي القاسم‎.‎
‏471ـ يحيى بن السابق‎.‎
‏472ـ يزيد أبو خالد‎.‎
‏473ـ يزيد بن عبد الملك‎.‎
‏474ـ يزيد بن عبد الملك‎.‎
‏475ـ يزيد بن مُحمّد‎.‎
‏476ـ يزيد مولى الحكم‎.‎
‏477ـ يعقوب بن شعيب‎.‎
‏478ـ يعقوب بن شعيب‎.‎
‏479ـ يونس بن أبي يعفور‎.‎
‏480ـ يونس بن خباب‎.‎
‏481ـ يونس بن المغيرة‎.‎

وصاياه عليه السلام
من أنفس ما تركه الأئمة عليهم السّلام للمسلمين هو وصاياهم الكثيرة، الحافلة بالتوجيه والأخلاق والحكم والمعارف ‏والآداب، فلم يعرف التاريخ الإسلامي مثل هذه الوصايا لمن سبقهم أو تأخر عنهم من العلماء والحكماء والفلاسفة ‏والمفكرين، وما ذلك إلا لحرصهم على توجيه المجتمع، وإصلاح الأمة، وبث الأخلاق بين الناس، وليس هذا بكثير ‏عليهم، فهم يعتبرون أنفسهم ـ كما يقول الأستاذ عبد القادر أحمد اليوسف ـ هم المكلفون بعد الرّسول صلّى الله عليه ‏وآله بنشر الإسلام، والمحافظة على السنن، والشرائع المحمدية‎.‎
وهنا نسجل بعض ما ورد من وصاياه عليه السّلام‎:‎
‏1ـ من وصية له عليه السّلام لعمر بن عبد العزيز
دخل أبو جعفر مُحمّد بن عليّ بن الحُسين على عمر بن العزيز فقال: يا أبا جعفر أوصني‎.‎
قال أوصيك أن تتخذ صغير المسلمين ولداً، وأوسطهم أخاً، وكبيرهم أباً، فارحم ولدك، وصل أخاك، وبر أباك، وإذا ‏صنعت معروفاً فربِّه. ( أي أدمه حتى يستمر)‎. ‎
‏2ـ من وصيته عليه السّلام أوصى بها جابر بن يزيد الجعفي‏
عن جابر الجعفي قال: قال لي مُحمّد بن عليّ: يا جابر إنه من دخل قلبه صافي دين الله أشغله عما سواه، يا جابر ما ‏الدنيا وما عسى أن تكون، هل هي إلا ثوب لبسته، أو لقمة أكلتها، أو مركب ركبته، أو امرأة أصبتها‎.‎
يا جابر: إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا لبقاءٍ فيها، ولم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم، ولم يصمهم عن ذكر الله ما ‏سمعوا بآذانهم من الفتنة، ولم يعمهم من نور الله ما رأوا بأعينهم من الزينة، ففازوا بثواب الأبرار، إنّ أهل التقوى ‏أيسر أهل الدنيا مؤونة، وأكثرهم لك معونة، إن نسيت ذكروك، وإن ذكرت أعانوك، قوالين بحق الله، قوامين بأمر الله‎. ‎
‏3ـ من وصية له عليه السّلام لعمر بن عبد العزيز
لما دخل المدينة عمر بن عبد العزيز قال مناديه: من كانت له مظلمة أو ظلامة فليحضر، فأتاه أبو جعفر عليه السّلام ‏فلما رآه استقبله واقعده مقعده، فقال عليه السّلام: إنّما الدنيا سوق من الأسواق يبتاع فيها الناس ما ينفعهم وما يضرهم، ‏وكم قوم ابتاعوا ما ضرهم فلم يصبحوا حتى أتاهم الموت، فخرجوا من الدنيا ملومين لما لم يأخذوا ما ينفعهم في ‏الآخرة، فقُسّم ما جمعوا لمن لم يحمدهم، وصاروا إلى من لا يعذرهم، فنحن والله حقيقون أن ننظر إلى تلك الأعمال ‏التي نتخوف عليهم منها، فكف عنها واتق الله، واجعل في نفسك اثنتين: انظر إلى ما تحب أن يكون معك إذا قدمت ‏على ربك فقدمه بين يديك، وانظر إلى ما تكره أن يكون معك إذا قدمت على ربك فارمه ورائك، ولا ترغبنّ في سلعة ‏بارت على من كان قبلك فترجو أن يجوز عنك، وافتح الأبواب، وسهل الحجاب، وأنصف المظلوم، ورد الظالم‏‎.‎
‏4ـ من وصية له عليه السّلام لجابر بن يزيد الجعفي
يا جابر: أنزل الدنيا كمنزل نزلت به وارتحلت منه، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شيء؛ إنما ‏هي مع أهل اللب والعالمين بالله تعالى كفيء الظلال فاحفظ ما استرعاك الله تعالى من دينه وحكمته‏‎.‎
‏5ـ من وصية له عليه السّلام
عليكم بالورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم عليها براً كان أو فاجراً، فلو أنّ قاتل عليّ بن ‏أبي طالب ائتمنني على أمانة لأديتها إليه‎. ‎
‏6ـ من وصية له عليه السّلام لبعض أصحابه
قم بالحق، واعزل ما لا يعنيك، وتجنب عدوك، وأحذر صديقك من الأقوام إلا الأمين من خشي الله، ولا تصحب ‏الفاجر، ولا تطلعه على سرك، واستشر في أمرك الذين يخشون الله‎. ‎
‏7ـ من وصية له عليه السّلام لبعض أصحابه
قال جابر: دخلنا على أبي جعفر عليه السّلام ونحن جماعة بعد ما قضينا نسكنا فودعناه وقلنا له: أوصنا يا بن رسول ‏الله‎.‎
فقال: ليُعِنْ قويُكم ضعيفَكم، وليعطف غنيكم على فقيركم، ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه، واكتموا أسرارنا، ولا ‏تحملوا الناس على أعناقنا، وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا، فإن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقاً ‏فردوه، وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا، فإذا كنتم كما أوصيناكم لم ‏تعدوا إلى غيره، فمات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيداً، وإن أدرك قائمنا فقتل معه، كان له أجر شهيدين، ‏ومن قتل بين يديه عدواً لنا كان له أجر عشرين شهيداً‎.‎
‏8ـ من وصية له عليه السّلام أوصى بها بني هاشم
واجتمع عنده ناس من بني هاشم فقال عليه السّلام: اتقوا الله شيعة آل مُحمّد، وكونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم ‏الغالي ويلحق بكم التالي‎.‎
قالوا له: وما الغالي؟
قال: الذي يقول فينا ما لا نقوله في أنفسنا‎.‎
قالوا: فما التالي؟
قال: الذي يطلب الخير فيزيد به خيراً، والله ما بيننا وبين الله قرابة، ولا لنا على الله من حجة، ولا نتقرب إليه إلا ‏بالطاعة، فمن كان منكم طيعاً لله، يعمل بطاعته، نفعته ولايتنا أهل البيت، ومن كان منكم عاصياً لله، يعمل معاصيه لم ‏تنفعه ولايتنا، ويحكم لا تغتروا - ثلاثاً‎ -. ‎
‏9ـ من وصية له عليه السّلام أوصى بها بعض أولاده
يا بني إذا أنعم الله عليك بنعمة فقل: الحمد لله، وإذا أحزنك أمر فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا أبطأ عنك رزق فقل: ‏استغفر الله‎. ‎
‏10ـ من وصية له عليه السّلام أوصى بها شيعته في الحث على طلب العلم
تعلموا العلم، فإن تعلمه حسنة، وطلبه عبادة، والمذاكرة له تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه صدقة، وبذله لأهله ‏قربة، والعلم ثمار الجنة، وأنس في الوحشة، وصاحب في الغربة، ورفيق في الخلوة، ودليل على السراء، وعون على ‏الضراء، ودين عند الأخلاء، وسلاح عند الأعداء، يرفع الله به قوماً فيجعلهم في الخير سادة، وللناس أئمة يقتدي ‏بفعالهم، ويقتص آثارهم، ويصلي عليهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه‎. ‎
‏11ـ وصيته لبعض أصحابه
وأراد بعض أصحاب الإمام عليه السّلام السفر فزوده عليه السّلام بهذه الوصية القيمة، قال له‎:‎
لا تسيرن سيراً وأنت حافي، ولا تنزلن عن دابتك ليلاً لقضاء حاجة إلا ورجلك في خف، ولا تبولن في نفق، ولا ‏تذوقن بقلة ولا تشمها حتى تعلم ما هي، ولا تشرب من سقاء حتى تعرف ما فيه، واحذر من تعرف ولا تصحب من لا ‏تعرف‎..‎
‏12ـ وصيته لجابر الجعفي
أوصيك بخمس: إن ظُلمت فلا تظلم، وإن خانوك فلا تخن، وإن كُذبت فلا تغضب، وإن مدحت فلا تفرح، وإن ذُممت ‏فلا تجزع، وفكر فيما قيل فيك، فإن عرفت من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين الله عز وجل عند غضبك من الحق ‏أعظم عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس، وإن كنت على خلاف ما قيل فيك: فثواب اكتسبته من غير ‏أن يتعب بدنك‎.‎
واعلم بأنك لن تكون لنا ولياً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك، وقالوا: إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك، ولو قالوا: إنك ‏رجل صالح لم يسرك ذلك، ولكن أعرض نفسك على كتاب الله فإن كنت سالكاً سبيله، زاهداً في تزهيده راغباً في ‏ترغيبه، خائفاً من تخويفه فأثبت وابشر، فإنه لا يضرك ما قيل فيك، وإن كنت مبائناً للقرآن، فماذا الذي يغرك من ‏نفسك، إن المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها، فمرة يقيم أودها ويخالف هواها في محبة الله ومرة تصرعه ‏نفسه فيتبع هواها فينعشه الله، فينتعش، ويقيل الله عثرته فيتذكر، ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما ‏زيد فيه من الخوف وذلك بأن الله يقول: إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون 000الخ
‏13ـ وصيته لبعض أبنائه
قال له: يا بني إذا أنعم الله عليك نعمة فقل: الحمد لله، وإذا أحزنك أمر فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا أبطأ عنك ‏رزقك فقل: استغفر الله‎...‎
‏14ـ وصيته لرجل
وفد عليه رجل من المسلمين وطلب منه أن يمنحه بوصية يسير على ضوئها فقال عليه السّلام له‎:‎
هيئ جهازك، وقدم زادك، وكن وصي نفسك‎.‎
‏15ـ وصاياه لولده الصّادق عليهما السّلام
أوصى الإمام مُحمّد الباقر عليه السّلام إلى ولده الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام بعدة وصايا كان من بينها ما يلي‎:‎
‏1‏‎- ‎قال عليه السّلام: يا بني إن الله خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء: خبأ رضاه في طاعته، فلا تحقرن من الطاعة شيئاً ‏فلعل رضاءه فيه، وخبأ سخطه في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئاً فلعل سخطه فيه، وخبأ أولياءه في خلقه فلا ‏تحقرن أحداً فلعله ذلك الولي..0‏
‏2‏‎- ‎حكى الإمام الصّادق عليه السّلام إحدى وصايا أبيه إلى سفيان الثوري فقد قال له: يا سفيان أمرني أبي بثلاث، ‏ونهاني عن ثلاث، فكان فيما قال لي: يا بني من يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يدخل مداخل السوء يتهم، ومن ‏لا يملك لسانه يندم، ثم أنشدني‎:‎
عـود لسانك قول الخير تحظ‎ ii‎به *** إن الـلسان لـما عـودت‎ ii‎يعتاد
مـوكل بـتقاضي مـا سننت‎ ii‎له *** في الخير والشر فانظر كيف تعتاد‎ ‎
‏3ـ أنه عليه السّلام قال له: يا جعفر أوصيك بأصحابي خيراً‎.‎
فقال له الإمام الصّادق عليه السّلام: جُعلتُ فداك، والله لأدَعَنَّهم، والرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحداً‎.‎
‏4ـ أوصى ولده الصّادق عليه السّلام أن يكفِّنَه في قميصه الذي كان يصلي فيه، ليكون شاهد صِدقٍ عند الله على عظيم ‏عبادته، وطاعته له‎.‎
إنه أوقف بعض أمواله على نوادب تندبه عشر سنين في منى، ولعلَّ السبب في ذلك يعود إلى أن مِنى أعظم مركز ‏للتجمع الإسلامي‎.‎
ووجود النوادب فيه مما يبعث المسلمين إلى السؤال عن سَبَبه، فيخبرون بما جرى على الإمام أبي جعفر عليه السّلام ‏من صنوف التنكيل من قبل الأمويين واغتيالهم له، حتى لا يضيع ما جرى عليه منهم، ولا تخفيه أجهزة الإعلام ‏الأموي‎.‎

شهادته عليه السلام
بعد أن فشلت السياسة الأموية في الحَدِّ من تحرك الإمام عليه السّلام فقد رأت السياسة المنحرفة أنه ليس عن اغتياله ‏عليه السّلام بديل‎.‎
وهكذا دُسَّ إليه السُّمَّ في زمن الخليفة هشام، فرحل عليه السّلام إلى رَبِّه الأعلى في السابع من ذي الحجة، عام 114 ‏هـ صابراً، محتسباً، شهيداً، فَسَلامٌ عليه يوم وُلِدَ، ويوم رَحَلَ إلى ربه، ويوم يُبعَثُ حَيّاً‎.‎

دفنه عليه السلام
وقام ولده الإمام الصّادق عليه السّلام بتجهيز الجثمان المقدس، فغسَّله وكفَّنه، وهو يذرف أحَرَّ الدموع على فقد أبيه ‏عليه السّلام، الذي ما أظَلَّت على مثلِهِ سماء الدنيا في عصره عِلماً وفَضلاً وحَرِيجة في الدين‎.‎
ونقل الجثمان العظيم- محفوفاً بإجلال وتكريم بالغين من قبل الجماهير- إلى بقيع الغرقد المدينة المنورة‎.‎
فحفر له قبراً بجوار الإمام الأعظم أبيه زين العابدين عليه السّلام، وبجوار عم أبيه الإمام الحسن سيد شاب أهل الجنة ‏عليه السّلام‎.‎
وأنزل الإمام الصّادق أباه عليهما السّلام في مقرّه الأخير فواراه فيه، وقد وارى معه العلم والحلم، والمعروف والبر ‏بالناس‎.‎
وقد انطوت بِرَحيله عليه السّلام أروع صفحة من صفحات الرسالة الإسلامية، التي أمدَّت المجتمع الإسلامي بعناصر ‏الوعي والازدهار‎.‎
هدم قبره
في الثامن من شوال 1344هـ هدم الوهابيون قبره، وقبور بقية الأئمة عليهم السّلام‎.‎

أشعار متفرقة في رثائه عليه السلام
قال السيد صالح النجفي الشهير بالقزويني رحمه الله‎: ‎
يـا زعيماً لكل قاص ودان *** وعـليماً بكل خاف‎ ‎وبادي
طـالما قد أريتهم‎ ‎معجزات *** مـرغمات معاطس‎ ‎الحساد
يـا إمـاماً آيـاته‎ ‎كرزاياه *** جـسام لا تـنتهي‎ ‎بـعداد
وفقيداً أجرى العيون وأورى *** أبـداً في القلوب قدح‎ ‎زناد
ومـقيماً لـلعلم سوق‎ ‎رواج *** بـان عنه فسوقه في‎ ‎كساد
عـجباً للردى عليك‎ ‎تعدى *** بـعد مـا كان ملقي‎ ‎الأنقياد
عـجباً لـلبلاد بعدك‎ ‎قرت *** وبـها انـهد شامخ‎ ‎الأطواد
عـجباً لـلبحار فاضت‎ ‎بمدِّ *** بـعدما غـاض دائم‎ ‎الأمداد
عجباً للورى وقد غبت‎ ‎عنها *** للهدى تهتدي وأنت‎ ‎الهادي
عـجباً للصباح أسفر لم‎ ‎لا *** شـق وجـداً عموده‎ ‎بسواد
عـجباً لـلوجود بعدك‎ ‎باق *** ولـه كـنت عـلة الإيجاد‎ ‎
وقال عليّ بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي صاحب كشف الغمة‎:‎
يـا راكـباً يقطع جوز‎ ‎الفلا *** عـلى أمـون جسرة‎ ‎ضامر
عرج على طيبة وأنزل‎ ‎بها *** وقف مقام الضارع‎ ‎الصاغر
وقـبّل الأرض وسف‎ ‎تربها *** واسـجد عـلى ذلك‎ ‎الطاهر
وعِج على أرض البقيع الذي *** تـرابه يـجلو قذى‎ ‎الناظر
وبـلـغن عـنـي‎ ‎سـكانه *** تـحـية كـالمَثل‎ ‎الـسائر
قـوم هـم الغية في فضلهم *** فـالأول الـسابق كـالآخر
وأشرقت في المجد‎ ‎أحسابهم *** إشـراق نـور القمر‎ ‎الباهر
وبـخلوا الغيث ويوم‎ ‎الوغى *** راعـوا جنان الأسد‎ ‎الخادر
بـدا بهم نور الهدى‎ ‎مشرقاً *** ومـيز الـبر مـن‎ ‎الفاجر‎ ‎
وقال عليّ بن عيسى الأربلي أيضاً‎:‎
إمـام حـق فاق في‎ ‎فضله *** الـعالم من باد ومن حاضر
مـا ضر قوماً غصبوا حقه *** والـظلم من شنشنة‏‎ ‎الجائر
لـو حـكموه فقضى‎ ‎بينهم *** أبـلج مـثل الـقمر الزاهر
جـرى عـلى سـنة‎ ‎آبائه *** جري الجواد السابق الضامر
وجـاء مـن بعد بنوه على *** آثـاره الـوارد كـالصادر‎ ‎
وقال السيد محسن الأمين رحمه الله‎:‎
واذر دمـوع الـعين فيها‎ ‎دماً *** عـلى ضـريح السيد‎ ‎الباقر
عـلى إمـام مـا جرى ذكره *** في خاطري إلا جرى‎ ‎ناظري
عـليّ إمـام لـم يدع‎ ‎رزؤه *** صبراً لجلد في الورى صابر
عـلى إمـام هدَّ ركن‎ ‎الهدى *** مـصـابه بـالقاصم‎ ‎الـفاقر
وبـدر تـم في الثرى‎ ‎غائب *** ونـحر علم في الثرى‎ ‎غائر
يـا أقبراً منها البقيع‎ ‎اغتدى *** يـسمو سـنام الـفلك الدائر
سـقاك يـا أقـبر رب‎ ‎السما *** مـن الـحيا بالصيب‎ ‎الماطر
لا ينقضى وجدي ولا حسرتي *** لـساكني مـربعك‎ ‎الـعاطر‎ ‎
وقال الشيخ إبراهيم بن يحيى العاملي الطيبي رحمه الله من قصيدة
سـرعان مـا زال الـشباب‎ ‎وظله *** عـني وكـيف يـدوم ظل الطائر
وا شـقوتاه لـقد مـلأت‎ ‎صحيفتي *** بـجـرائر وصـغـائر‎ ‎وكـبائر
لـكن رجـائي بـالمهيمن‎ ‎محوها *** ووسـيلتي حـب الإمـام‎ ‎الـباقر
الطاهر ابن الطاهر ابن الطاهر اب‍ن *** الـطاهر ابـن الطاهر ابن‎ ‎الطاهر
خـير الـمحاتد مـحتد يـفتر‎ ‎عن *** سـلف تـتابع كـابرا عـن‎ ‎كابر
هــو حـجة الله الإمـام‎ ‎مُـحمّد *** وأبـر بـاد فـي الأنـام‎ ‎وحاضر
هـو ذلك المولى الذي أهدى له *** ال‍هـادي شـريف سـلامه مع‎ ‎جابر
هـو ذلـك الـنور الإلـهي‎ ‎الذي *** يـغنيك عـن نور الصباح‎ ‎السافر
فـضل كـمنبلج الـصباح وهـمة *** أوفـت عـلى فـلك النجوم‎ ‎الدائر
ويـد إذا انـتجع الـمؤمل‎ ‎رفدها *** حـشدت عـليه بـكل نوء‎ ‎ماطر
جـل الـذي أولاه مـستن‎ ‎الـعلى *** فـالنجم يـرمقه بـطرف‏‎ ‎حـاسر
مـولى أعـاد العدل وهو‎ ‎مصوع *** غـضا عـلى رغم الزمان‎ ‎الجائر‎ ‎
السيد مُحمّد جمال الهاشمي
لـذكراك يـضطرب‎ ‎المنبرُ *** ويـبكي لـتاريخك‎ ‎الـمزبرُ
أبـا جـعفر يا سليل‎ ‎النجوم *** بـها الـحق مـنكشف نـير
ويـا أمـل الدين سارت‎ ‎إليه *** مـواكـبه وهـي‎ ‎تـستبشر
ذكرتُكَ والعصر‎ ‎معصوصبٌ *** وتـاريـخ أمـتـنا‎ ‎مـقفر
ونـاجيت سرك، ‏والحادثات *** بـأوسـاطنا نـارها‎ ‎تـسعر
فـأبصرت وجهك، ‏والنائبات *** بـها إلـتاث مشرقة‎ ‎المقمر
وأبصرت خصمك في‎ ‎حكمه *** مــدلاً لـدنـياك‏‎ ‎يـستعمر
فقاضت لك النفس في شجوها *** وجـن بـه قـلبي‎ ‎الـموغر
وهـل أنـت إلا الإمام‎ ‎الذي *** بـألـطافه حـقـلنا مـزهر
بـغـير ولائـك لا تـعتلي *** صـلاةٌ، ولا عـمل‎ ‎يـؤجر
فـمن فـاز فـي حبه‎ ‎مؤمن *** ومـن شـذَّ عـن حبه‎ ‎يكفر
لأنـك جـسدت ديـن‎ ‎النبي *** بـسير بـه الـفكر يستبصر
وأنـك عـبدت نـهجاً‎ ‎عليه *** يـسـير مـوكـبه‎ ‎جـعفر
فـمـذهبها بــك‎ ‎أعـلامه *** أقـيمت لتهدى بها‎ ‎الأعصر
فـأنـت حـقـيقة‎ ‎إيـماننا *** وفـيك انطوى سنا‎ ‎المضمر
وأنـت شـفيع الورى يوم لا *** شـفـيع، ولا عـمل‎ ‎يـثمر
فديتك من صامد في‎ ‎الخطوب *** يـقاسي من الصبر ما‎ ‎يوقر
يرى الشمس يكسف‎ ‎أنوارها *** ضـبابٌ عـلى أفـقها‎ ‎ينشر
ويـبصر أحـكام دين‎ ‎النبي *** يـغـيرها الـجشع‎ ‎الـمنكر
وعـدلُ الكتاب، وثقل‎ ‎النبي *** بـعيد عـن الوضع‎ ‎مستنفر‎ ‎
الشيخ عبد المنعم الفرطوسي
أُدمي الحشا ألماً وكحِّلَ‎ ‎ناظري *** بالحزن يوم عرى مصابُ الباقر
هـو بـاقرٌ لـلعلم تـعظيماً‎ ‎له *** يـهدي سـلامُ مُحمّد من‎ ‎جابر
زاكي الأرومة طاهرٌ كرماً‎ ‎وهل *** تـلد الـزكية غير زاكٍ‎ ‎طاهر
وإمـامُ حـق مـبتلى كأبيه‎ ‎في *** مـحن بـهن يبين أجرُ‎ ‎الصابر
لاقـي الـذي أبـوه من‎ ‎الأذى *** بـمصائب لـيست تعدُّ‎ ‎لحاصر
من قتل أنصار وحرق‎ ‎مضارب *** وضـجيج أيـتام وسبي‎ ‎حرائر
ورأى بيوم الطف مصرع‎ ‎جده *** مـتضرجاً بـدم الوريد‎ ‎الزاخر
وشـجاه مـن شهداء آل مُحمّد *** خيرُ الضحايا فوق شر‎ ‎مجازرِ
والـهفتاه عـلى إمـامٍ‎ ‎عـادل *** لاقـى المصائب من إمام جائر
أخـنى عـليه هشام في طغيانه *** والـبغي شـيمة كل باغٍ‎ ‎ماكر
وسـقاه سـماً قـاتلاً من‎ ‎غدره *** أودى بـه من كف طاغ‎ ‎غادر
حتى قضى والحمد ملءُ‎ ‎ركابه تـطويه طـيباً منه خيرُ‎ ‎مآزر‎ ‎

تاريخ شهادته عليه السلام
وقبض عليه السّلام سنة أربع عشرة ومائة في ذي الحجة وقيل: في شهر ربيع الاول، وقد تم عمره سبعا وخمسين ‏سنة‎.‎
فعاش مع جده الحُسين عليه السّلام أربع سنين، ومع أبيه تسعا وثلاثين سنة وكانت مدة إمامته ثماني عشرة سنة‎.‎
وكان في أيام إمامته بقية ملك الوليد بن عبدالملك، وملك سليمان بن عبدالملك، وعمر بن عبدالعزيز، ويزيد بن ‏عبدالملك، وهشام بن عبدالملك، وتوفى في ملكه‎.‎

زيارته عليه السلام
ضمن زيارة أئمة البقيع عليهم السّلام
أئمة البقيع عليهم السّلام هم: الإمام الحسن المجتبى والإمام زين العابدين والإمام مُحمّد الباقر والإمام جعفر الصّادق ‏عليهم السّلام إذا أردت زيارتهم فاعمل بما سبق من آداب الزيارة من الغسل والكون على الطهارة ولبس الثياب ‏الطاهرة‎ ‎
النظيفة والتطيب والاستئذان للدخول ونحو ذلك وقل أيضاً‎:‎
يا مواليّ يا أبناء رسول الله عبدكم وابن أمتكم الذليل بين أيديكم والمضعف في علو قدركم والمعترف بحقكم جاءكم ‏مستجيراً بكم قاصداً إلى حرمكم متقرباً إلى مقامكم متوسلاً إلى الله تعالى بكم. أأدخل يا موالي أأدخل يا أولياء الله ‏أأدخل يا ملائكة الله المحدقين بهذا الحرم المقيمين بهذا المشهد‎.‎
وادخل بعد الخشوع والخضوع ورقة القلب وقدّم رجلك اليمنى وقل‎:‎
الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً والحمد لله الفرد الصمد الماجد الأحد المتفضل المنان ‏المتطوّل الحنان الذي منّ بطوله وسهل زيارة ساداتي بإحسانه ولم يجعلني عن زيارتهم ممنوعاً بل تطوّل ومنح‎.‎
ثم اقترب من قبورهم المقدسة واستقبلها واستدبر القبلة وقل‎:‎
السّلام عليكم أئمة الهدى السّلام عليكم أهل التقوى السّلام عليكم أيها الحجج على أهل الدنيا السّلام عليكم أيها القوّام في ‏البرية بالقسط السّلام عليكم أهل الصفوة السّلام عليكم آل رسول الله السّلام عليكم أهل النجوى أشهد أنكم قد بلغتم ‏ونصحتم وصبرتم في ذات الله وكُذِّبتم وأُسيء إليكم فغفرتم وأشهد أنكم الأئمة الراشدون المهتدون وأن طاعتكم ‏مفروضةٌ وأن قولكم الصدق وأنكم دعوتم فلم تُجابوا وأمرتم فلم تُطاعوا وأنكم دعائم الدين وأركان الأرض لم تزالوا ‏بعين الله ينسخكم من أصلاب كل مطهرٍ وينقلكم من أرحام المطهرات لم تدنسكم الجاهلية الجهلاء ولم تشرك فيكم فتن ‏الأهواء طبتم وطاب منبتكم مَنّ بكم علينا ديان الدين فجعلكم في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وجعل صلاتنا ‏عليكم رحمةً لنا وكفارةً لذنوبنا إذ اختاركم الله لنا وطيب خلقنا بما مَنّ علينا من ولايتكم وكنا عنده مسمّين بعلمكم ‏معترفين بتصديقنا إياكم وهذا مقام من أسرف وأخطأ واستكان وأقرّ بما جنى ورجا بمقامه الخلاص وأن يستنقذه بكم ‏مستنقذ الهلكى من الردى فكونوا لي شفعاء فقد وفدت إليكم إذ رغب عنكم أهل الدنيا واتخذوا آيات الله هزواً واستكبروا ‏عنها يا من هو قائمٌ لا يسهو ودائمٌ لا يلهو ومحيطٌ بكل شيء لك المن بما وفقتني وعرّفتني بما أقمتني عليه إذ صد عنه ‏عبادك وجهلوا معرفته واستخفوا بحقه ومالوا إلى سواه فكانت المِنّة منك عليّ مع أقوامٍ خصصتهم بما خصصتني به ‏فلك الحمد إذ كنت عندك في مقامي هذا مذكوراً مكتوباً فلا تحرمني ما رجوت ولا تخيبني فيما دعوت بحرمة مُحمّد ‏وآله الطاهرين وصلّى الله على مُحمّد وآل مُحمّد‎.‎
ثم ادع لنفسك بما تريد‎.‎
وقال الشيخ الطوسي رضي الله عنه في التهذيب: ثم صلِّ صلاة الزيارة ثمان ركعات، أي صلِّ لكل إمام ركعتين‎.‎
والحمد لله رب العالمين‎.‎

   

 

نسبه الشّريف عليه السّلام
هو الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصّادق بن مُحمّد الباقر بن عليّ السّجاد بن الحُسين سيّد الشّهداء بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام.


أُمّه عليه السّلام
أُمّه أُم ولد يُقال لها: حميدة البربرية، ويُقال لها: حميدة المصفاة.


تأريخ ومحل ولادته عليه السّلام
ولد عليه السّلام بالأبواء - منزل بين مكّة والمدينة - في السّابع من صفر سنة 128هـ.
عن أبي بصير قال: كنت مع أبي عبد الله في السّنة التي ولد فيها ابنه موسى فلمّا نزلنا الأبواء

وضع لنا أبو عبد الله الغداء ولأصحابه وأكثره وأطابه، فبينا نحن نتغدى إذ أتاه رسول حميدة أن الطّلق قد ضربني، وقد أمرتني أن لا أسبقك بابنك هذا, فقام أبو عبد الله فرحا مسرورا، فلم يلبث أن عاد إلينا، حاسرا عن ذراعيه ضاحكا سنّه فقلنا: أضحك الله سنّك، وأقرّ عينك، ما صنعت حميدة ؟ فقال: وهب الله لي غلاما، وهو خير من برأ الله، ولقد خبرتني عنه بأمر كنت أعلم به منها, قلت: جعلت فداك وما خبرتك عنه حميدة ؟ قال: ذكرت أنه لما وقع من بطنها وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء، فأخبرتها أن تلك أمارة رسول الله وأمارة الامام من بعده.
فقلت: جعلت فداك وما تلك من علامة الامام ؟ فقال: إنه لما كان في الليلة التي علق بجدي فيها، أتى آت جد أبي وهو راقد، فأتاه بكأس فيها شربة أرق من الماء، وأبيض من اللبن، وألين من الزبد، وأحلى من الشهد، وأبرد من الثلج, فسقاه إياه وأمره بالجماع، فقام فرحا مسرورا فجامع فعلق فيها بجدي، ولما كان في الليلة التي علق فيها بأبي أتى آت جدي فسقاه كما سقا جد أبي وأمره بالجماع فقام فرحا مسرورا فجامع فعلق بأبي، ولما كان في الليلة التي علق بي فيها، أتى آت أبي فسقاه وأمره كما أمرهم، فقام فرحا مسرورا فجامع فعلق بي، ولما كان في الليلة التي علق فيها بابني هذا، أتاني آت كما أتى جد أبي وجدي وأبي فسقاني كما سقاهم، وأمرني كما أمرهم، فقمت فرحا مسرورا بعلم الله بما وهب لي، فجامعت فعلق بابني هذا المولود، فدونكم فهو والله صاحبكم من بعدي.
عن منهال القصاب قال: خرجت من مكّة وأنا أريد المدينة، فمررت بالأبواء وقد ولد لأبي عبد الله فسبقته إلى المدينة، ودخل بعدي فأطعم الناس ثلاثا، فكنت آكل فيمن يأكل، فما آكل شيئا إلى الغد حتى أعود فآكل فمكثت بذلك ثلاثا أطعم حتى أرتفق ثم لا أطعم شيئا إلى الغد.


ألقابه وكُناه عليه السّلام
أوّلاً: كُناه عليه السّلام: أبو إبراهيم، وأبو الحسن، وأبو علي.

ثانياً: ألقابه عليه السّلام: الكاظم وهو أشهرها، (وسمّي الكاظم لما كظمه من الغيظ، وغضّ بصره عمّا فعله الظّالمون به حتى مضى قتيلاً في حبسهم) والوفي, والزاهر، والصابر، والأمين, والعبد الصالح، والنفس الزكية، وزين المجتهدين.


نقش خاتمه عليه السّلام
حسبي الله, وقيل: المُلك لله وحده.


أولاد الإمام الكاظم عليه السّلام
كان لأبي الحسن سبعة وثلاثون ولدا ذكرا وأنثى منهم:
الذكور: علي بن موسى الرضا, وإبراهيم , والعباس, والقاسم , وإسماعيل, وجعفر , وهارون, والحسن, وأحمد , ومحمد , وحمزة , وعبد الله, وإسحاق, وعبيد الله , وزيد , والحسين, والفضل , وسليمان.
الأُناث: فاطمة الكبرى, وفاطمة الصغرى، ورقية، وحكيمة، وأم أبيها، ورقية الصغرى، وكلثم وأم جعفر، ولبانة، وزينب، وخديجة، وعلية، وآمنة، وحسنة، وبريهة، وعائشة, وأم سلمة، وميمونة، وأم كلثوم.
وورد في مناقب ابن شهرآشوب: أولاده ثلاثون فقط، ويُقال: سبعة وثلاثون, فأبناؤه ثمانية عشر.
وفي كشف الغمّة: قال ابن الخشاب: ولد له عشرون ابنا وثمانية عشر بنتا.
وفي عمدة الطالب: ولد ستين ولدا, سبعا وثلاثين بنتا وثلاث وعشرين ابنا.


إخوة وأخوات الإمام الكاظم عليه السّلام
كان له ستة إخوة وثلاثة أخوات وهم: إسماعيل، وعبد الله الأفطح، وأُم فروة: اسمها عالية أمهم فاطمة بنت الحُسين بن علي بن الحسين (ونقل عن ابن إدريس رحمه الله أنه قال أم إسماعيل فاطمة بنت الحُسين الأثرم ابن الحُسين بن أبي طالب) وإسحاق لام ولد, والعبّاس وعليّ ومُحمّد وأسماء وفاطمة لأمهات أولاد شتى.


عِلم الإمام الكاظم عليه السّلام
1 - هارون يسأل موسى بن جعفر عليه السّلام عن حقّهم من الخمس
كتاب الاستدراك: عن التلعكبري بإسناده عن الكاظم قال: قال لي هارون: أتقولون أن الخمس لكم ؟ قلت: نعم قال: إنه لكثير، قال: قلت: إن الذي أعطاناه علم أنه لنا غير كثير.
2 - قول موسى بن جعفر عليه السلام لأبرهة النصراني: كيف علمك بكتابك ؟
مناقب ابن شهرآشوب: هشام بن الحكم قال موسى بن جعفر لأبرهة النصراني: كيف علمك بكتابك ؟ قال: أنا عالم به وبتأويله قال: فابتدأ موسى يقرأ الإنجيل فقال أبرهة: والمسيح لقد كان يقرأها هكذا، وما قرأ هكذا إلا المسيح، وأنا كنت أطلبه منذ خمسين سنة، فأسلم على يديه.
3 - قال أبو حنيفة لموسى عليه السلام: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم ؟
الكافي: علي بن إبراهيم رفعه قال: خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله وأبو الحسن موسى عليهما السلام قائم وهو غلام، فقال له أبو حنيفة: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم ؟ فقال: اجتنب أفنية المساجد، وشطوط الأنهار، ومساقط الثمار ومنازل النزال، ولا تستقبل القبلة بغائط، ولا بول، وارفع ثوبك، وضع حيث شئت.
4 - جواب موسى بن جعفر عليه السلام لعبد الصمد بن علي لركوبه البغلة
الكافي: علي بن إبراهيم أو غيره رفعه قال: خرج عبد الصمد بن علي ومعه جماعة فبصر بأبي الحسن مقبلا راكبا بغلا فقال لمن معه: مكانكم حتى أضحككم من موسى بن جعفر، فلما دنا منه قال له: ما هذه الدابة التي لا تدرك عليها الثأر، ولا تصلح عند النزال ؟ فقال له أبو الحسن: تطأطأت عن سمو الخيل وتجاوزت قموء العير، وخير الأمور أوسطها. فأفحم عبد الصمد فما أحار جوابا.
5 - قول نفيع الأنصاري لموسى بن جعفر عليه السّلام: مَن أنت ؟
الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة: قال: قال نفيع الأنصاري لموسى بن جعفر ـ وكان مع عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز فمنعه من كلامه فأبى ـ: من أنت ؟ فقال: إن كنت تريد النسب فأنا ابن محمد حبيب الله، ابن إسماعيل ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله، وإن كنت تريد البلد فهو الذي فرض الله على المسلمين وعليك إن كنت منهم الحج إليه، وإن كنت تريد المناظرة في الرتبة فما رضي مشركوا قومي مسلمي قومك أكفاءا لهم حين قالوا: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش، فانصرف مخزيا.
6 - سؤال أبو يوسف موسى بن جعفر عليه السّلام في المحرم
- الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن جعفر بن المثنى الخطيب عن محمد بن الفضيل وبشير بن إسماعيل قال: قال لي محمد: ألا أسرك يا ابن المثنى ؟ قال: قلت: بلى، وقمت إليه قال: دخل هذا الفاسق آنفا فجلس قبالة أبي الحسن الكاظم، ثم أقبل عليه فقال له: يا أبا الحسن ما تقول في المحرم أيستظل على المحمل ؟ فقال له: لا قال: فيستظل في الخباء ؟ فقال له: نعم، فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك فقال: يا أبا الحسن فما فرق بين هذا وهذا فقال: يا أبا يوسف إن الدين ليس بقياس كقياسك، أنتم تلعبون بالدين، إنا صنعنا كما صنع رسول الله ، وقلنا كما قال رسول الله ، كان رسول الله يركب راحلته فلا يستظل عليها وتؤذيه الشمس، فيستر جسده بعضه ببعض، وربما ستر وجهه بيده وإذا نزل استظل بالخباء، وفي البيت وفي الجدار.
7 - المهدي وسؤاله موسى عليه السلام عن الهواء الذي يخرج من البئر
الخرائج: روي أن المهدي أمر بحفر بئر بقرب قبر العبادي، لعطش الحاج هناك فحفرا أكثر من مائة قامة فبينما هم يحفرون إذ خرقوا خرقا فإذا تحته هواء لا يدرى قعره، وهو مظلم، وللريح فيه دوي، فأدخلوا رجلين فلما خرجا تغيرت ألوانهما فقالا: رأينا هواءا ورأينا بيوتا قائمة، ورجالا، ونساءا، وإبلا، وبقرا وغنما، كلما مسسنا شيئا منها رأيناه هباءا، فسألنا الفقهاء عن ذلك فلم يدر أحد ما هو، فقدم أبو الحسن موسى على المهدي فسأله عنه فقال: أولئك أصحاب الأحقاف هم بقية من قوم عاد، ساخت بهم منازلهم وذكر على مثل قول الرجلين.
8 - عيسى شلقان وسؤاله موسى عليه السلام عن موالات والتبرأ من أبي الخطاب
الكافي، علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري وغيره عن عيسى شلقان قال: كنت قاعدا فمر أبو الحسن موسى عليه السلام ومعه بهيمة قال: فقلت: يا غلام ما ترى ما يصنع أبوك ؟ يأمرنا بالشئ ثم ينهانا عنه: أمرنا أن نتولى أبا الخطاب ثم أمرنا أن نلعنه ونتبرأ منه ؟ فقال أبو الحسن عليه السلام وهو غلام: إن الله خلق خلقا للايمان لا زوال له، وخلق خلقا للكفر لا زوال له، وخلق خلقا بين ذلك أعارهم الله الايمان يسمون المعارين إذا شاء سلبهم، وكان أبو الخطاب ممن أعير الايمان، قال: فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته ما قلت لأبي الحسن عليه السلام وما قال لي، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنه نبعة نبوة.
9 - موسى بن جعفر عليه السلام و راهب الشام
دخل موسى بن جعفر عليه السلام بعض قرى الشام متنكرا هاربا فوقع في غار وفيه راهب يعظ في كل سنة يوما فلما رآه الراهب دخله منه هيبة فقال: يا هذا أنت غريب ؟ قال: نعم قال: منا ؟ أو علينا ؟ قال: لست منكم قال: أنت من الأمة المرحومة ؟ قال: نعم قال: أفمن علمائهم أنت أم من جهالهم ؟ قال: لست من جهالهم فقال: كيف طوبى أصلها في دار عيسى وعندكم في دار محمد وأغصانها في كل دار ؟.
فقال : الشمس قد وصل ضوؤها إلى كل مكان وكل موضع، وهي في السماء قال: وفي الجنة لا ينفد طعامها وإن أكلوا منه ولا ينقص منه شئ ؟ قال: السراج في الدنيا يقتبس منه ولا ينقص منه شئ، قال: وفي الجنة ظل ممدود ؟ فقال: الوقت الذي قبل طلوع الشمس كلها ظل ممدود قوله " ألم تر إلى ربك كيف مد الظل " قال: ما يؤكل ويشرب في الجنة لا يكون بولا ولا غائطا ؟ قال: الجنين في بطن أمه قال: أهل الجنة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا بلا أمر ؟ فقال: إذا احتاج الانسان إلى شئ عرفت أعضاؤه ذلك، ويفعلون بمراده من غير أمر قال: مفاتيح الجنة من ذهب ؟ أو فضة ؟ قال: مفتاح الجنة لسان العبد لا إله إلا الله قال: صدقت، وأسلم والجماعة معه.
10 - فيما سئله أبو حنيفة موسى عليه السّلام في أفعال العباد اعلام الدين للديلمي: روي عن أبي حنيفة أنه قال: أتيت الصادق لأسأله عن مسائل فقيل لي: إنه نائم، فجلست أنتظر انتباهه فرأيت غلاما خماسيا أو سداسيا جميل المنظر ذا هيبة وحسن سمت فسألت عنه فقالوا: هذا موسى بن جعفر فسلمت عليه وقلت له: يا ابن رسول الله ما تقول في أفعال العباد ممن هي ؟ فجلس ثم تربع وجعل كمه الأيمن على الأيسر وقال: يا نعمان قد سألت فاسمع، وإذا سمعت فعه، وإذا وعيت فاعمل، إن أفعال العباد لا تعدو من ثلاث خصال: إما من الله على انفراده، أو من الله والعبد شركة، أو من العبد بانفراده, فان كانت من الله على انفراده فما باله سبحانه يعذب عبده على ما لم يفعله مع عدله ورحمته وحكمته، وإن كانت من الله والعبد شركة فما بال الشريك القوي يعذب شريكه على ما قد شركه فيه وأعانه عليه، قال: استحال الوجهان يا نعمان ؟ فقال: نعم، فقال له: فلم يبق إلا أن يكون من العبد على انفراده. ثم أنشأ يقول:
لم تخل أفعالنا التي نذم بها إحدى ثلاث خصال حين نبديها
إما تفرد بارينا بصنعتها فيسقط اللوم عنا حين نأتيها
أو كان يشركنا فيها فيلحقه ما كان يلحقنا من لائم فيها
أو لم يكن لألهي في جنايتها ذنب فما الذنب إلا ذنب جانيها
11 - فيما سأل به المهدي أبا الحسن عن الخمر: هل هي محرمة في كتاب الله ؟
الكافي: أبو علي الأشعري، عن بعض أصحابنا وعلي، عن أبيه جميعا، عن ابن البطائني، عن أبيه، عن علي بن يقطين قال: سأل المهدي أبا الحسن عن الخمر هل هي محرمة في كتاب الله عز وجل ؟ فان الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها، فقال له أبو الحسن: بل هي محرمة في كتاب الله عز وجل يا أمير المؤمنين، فقال له: في أي موضع هي محرمة في كتاب الله عز وجل يا أبا الحسن ؟ فقال: قول الله عز وجل " إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق".
فأما قوله ما ظهر منها يعني الزنا المعلن، ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية، وأما قوله عز وجل " وما بطن " يعني ما نكح الآباء لان الناس كانوا قبل أن يبعث النبي إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوجها ابنه من بعده إذا لم تكن أمه، فحرم الله عز وجل ذلك.
وأما الاثم فإنها الخمرة بعينها، وقد قال الله تبارك وتعالى في موضع آخر " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس" فأما الاثم في كتاب الله فهي الخمر والميسر وإثمهما كبير كما قال الله عز وجل.
12 - حديث بريه وموسى بن جعفر عليهما السلام
الكافي: علي، عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس، عن هشام ابن الحكم في حديث بريه أنه لما جاء معه إلى أبي عبد الله فلقي أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام فحكى له هشام الحكاية فلما فرغ قال أبو الحسن لبرية: يا برية كيف علمك بكتابك ؟ قال: أنابه عالم ثم قال: كيف ثقتك بتأويله ؟ قال: ما أوثقني بعلمي فيه ! قال: فابتدأ أبو الحسن يقرأ الإنجيل، فقال بريه: إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك قال: فقال: فآمن بريه وحسن إيمانه، وآمنت المرأة التي كانت معه, فدخل هشام وبرية والمرأة على أبي عبد الله عليه السلام فحكى له هشام الكلام الذي جرى بين أبي الحسن موسى عليه السلام وبين بريه فقال أبو عبد الله عليه السلام: " ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ", فقال بريه: أنى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء ؟ قال: هي عندنا وراثة من عندهم، نقرأها كما قرؤوها ونقولها كما قالوا، إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شئ فيقول لا أدري.
13 - نفيع الأنصاري وموسى بن جعفر عليه السلام
الشريف المرتضى في الغرر والديلمي في أعلام الدين عن أبي عبد الله بإسناده عن أيوب الهاشمي أنه حضر باب الرشيد رجل يقال له: نفيع الأنصاري وحضر موسى بن جعفر على حمار له، فتلقاه الحاجب بالإكرام، وعجل له بالاذن فسأل نفيع عبد العزيز بن عمر: من هذا الشيخ ؟ قال: شيخ آل أبي طالب شيخ آل محمد، هذا موسى بن جعفر قال: ما رأيت أعجز من هؤلاء القوم يفعلون هذا برجل يقدر أن يزيلهم عن السرير أما إن خرج لأسوءنه.
فقال له عبد العزيز: لا تفعل، فإن هؤلاء أهل بيت قل ما تعرض لهم أحد في الخطاب إلا وسموه في الجواب سمة يبقي عارها عليه مدى الدهر قال: وخرج موسى وأخذ نفيع بلجام حماره وقال: من أنت يا هذا ؟.
قال: يا هذا إن كنت تريد النسب أنا ابن محمد حبيب الله ابن إسماعيل ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله، وإن كنت تريد البلد فهو الذي فرض الله على المسلمين، و عليك إن كنت منهم الحج إليه، وإن كنت تريد المفاخرة فوالله ما رضوا مشركوا قومي مسلمي قومك أكفاءا لهم حتى قالوا: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش، و إن كنت تريد الصيت والاسم فنحن الذين أمر الله بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة تقول: اللهم صل على محمد وآل محمد، فنحن آل محمد، خل عن الحمار, فخلى عنه ويده ترعد، وانصرف مخزيا فقال له عبد العزيز: ألم أقل لك ؟ !.

14 - رجل تزوج جارية معصرة لم تطمث فلمّا افتضّها سال الدم
- الكافي: علي، عن أبيه، والعدة، عن البرقي جميعا، عن محمد بن خالد، عن خلف بن حماد، ورواه أحمد أيضا عن محمد بن أسلم، عن خلف بن حماد الكوفي قال: تزوج بعض أصحابنا جارية معصرا لم تطمث فلما افتضها سال الدم فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام قال: فأروها القوابل، ومن ظنوا أنه يبصر ذلك من النساء، فاختلفن فقال بعض: هذا من دم الحيض وقال بعض: هو من دم العذرة, فسألوا عن ذلك فقهاءهم مثل أبي حنيفة وغيره من فقهائهم فقالوا: هذا شئ قد أشكل والصلاة فريضة واجبة، فلتتوضأ ولتصل، وليمسك عنها زوجها، حتى ترى البياض، فإن كان دم الحيض لم تضرها الصلاة، وإن كان دم العذرة كانت قد أدت الفريضة، ففعلت الجارية ذلك, وحججت في تلك السنة، فلما صرنا بمنى بعثت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام فقلت: جعلت فداك إن لنا مسألة قد ضقنا بها ذرعا فان رأيت أن تأذن لي فأتيك فأسألك عنها فبعث إلي: إذا هدأت الرجل، وانقطع الطريق، فأقبل إن شاء الله قال خلف: فرعيت الليل حتى إذا رأيت الناس قد قل اختلافهم بمنى توجهت إلى مضربه , فلما كنت قريبا إذا أنا بأسود قاعد على الطريق فقال: من الرجل ؟ فقلت: رجل من الحاج فقال: ما اسمك ؟ قلت: خلف بن حماد فقال: ادخل بغير إذن فقد أمرني أن أقعد ههنا، فإذا أتيت أذنت لك، فدخلت فسلمت فرد علي السلام وهو جالس على فراشه وحده ما في الفسطاط غيره، فلما صرت بين يديه سألني و سألته عن حاله,. فقلت له: إن رجلا من مواليك تزوج جارية معصرا لم تطمث، فلما افتضها فافترعها سال الدم، فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام، وإن القوابل اختلفن في ذلك فقال بعضهن: دم الحيض وقال بعضهن: دم العذرة، فما ينبغي لها أن تصنع ؟ قال: فلتتق الله، فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر، وليمسك عنها بعلها، وإن كان من العذرة فلتتق الله ولتتوضأ ولتصل ويأتيها بعلها إن أحب ذلك، فقلت له: وكيف لهم أن يعلموا مما هي ؟ حتى يفعلوا ما ينبغي ؟ قال: فالتفت يمينا وشمالا في الفسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد قال: ثم نهد إلي فقال: يا خلف سر الله، فلا تذيعوه، ولا تعلموا هذا الخلق أصول دين الله، بل ارضوا لهم ما رضي الله لهم من ضلال قال: ثم عقد بيده اليسرى تسعين ثم قال: تستدخل القطنة ثم تدعها مليا ثم تخرجها إخراجا رفيقا فإن كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة، وإن كان مستنقعا في القطنة فهو من الحيض. قال خلف: فاستخفني الفرح، فبكيت فلما سكن بكائي فقال: ما أبكاك ؟ قلت: جعلت فداك من كان يحسن هذا غيرك قال: فرفع يده إلى السماء وقال: والله إني ما أخبرك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عن الله عز وجل.
15 - قصّة الرشيد وموسى بن جعفر عليه السّلام في الحج
- مناقب ابن شهرآشوب: الفضل بن الربيع ورجل آخر قالا: حج هارون الرشيد وابتدأ بالطواف، ومنعت العامة من ذلك، لينفرد وحده، فبينما هو في ذلك إذ ابتدر أعرابي البيت، وجعل يطوف معه.
فقال الحاجب: تنح يا هذا عن وجه الخليفة، فانتهرهم الأعرابي وقال: إن الله ساوى بين الناس في هذا الموضع فقال " سواءا العاكف فيه والباد " فأمر الحاجب بالكف عنه، فكلما طاف الرشيد طاف الأعرابي أمامه، فنهض إلى الحجر الأسود ليقبله فسبقه الأعرابي إليه والتثمه، ثم صار الرشيد إلى المقام ليصلي فيه فصلى الأعرابي أمامه.
فلما فرغ هارون من صلاته، استدعى الأعرابي فقال الحجاب: أجب أمير المؤمنين فقال: مالي إليه حاجة فأقوم إليه بل إن كانت الحاجة له فهو بالقيام إلي أولى قال: صدق فمشى إليه وسلم عليه فرد فقال هارون: أجلس يا أعرابي ؟ فقال: ما الموضع لي فتستأذنني فيه بالجلوس، إنما هو بيت الله نصبه لعباده، فان أحببت أن تجلس فاجلس، وإن أحببت أن تنصرف فانصرف. فجلس هارون وقال: ويحك يا أعرابي مثلك من يزاحم الملوك ؟ قال: نعم وفي مستمع قال: فاني سائلك فان عجزت آذيتك قال: سؤالك هذا سؤال متعلم أو سؤال متعنت ؟ قال: بل سؤال متعلم قال: اجلس مكان السائل من المسؤول وسل وأنت مسؤول.
فقال هارون: أخبرني ما فرضك ؟ قال: إن الفرض رحمك الله واحد وخمسة وسبعة عشر، وأربع وثلاثون، وأربع وتسعون، ومائة وثلاثة وخمسون، على سبعة عشر، ومن اثني عشر واحد، ومن أربعين واحد، ومن مأتين خمس، ومن الدهر كله واحد، وواحد بواحد.
قال: فضحك الرشيد وقال: ويحك أسألك عن فرضك، وأنت تعد علي الحساب ! ؟ قال: أما علمت أن الدين كله حساب، ولو لم يكن الدين حسابا لما اتخذ الله للخلائق حسابا، ثم قرأ " وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها و كفى بنا حاسبين " قال: فبين لي ما قلت ؟ وإلا أمرت بقتلك بين الصفا والمروة.
فقال الحاجب: تهبه لله ولهذا المقام قال: فضحك الأعرابي من قوله، فقال الرشيد: مما ضحكت يا أعرابي ؟ قال: تعجبا منكما، إذ لا أدري من الأجهل منكما، الذي يستوهب أجلا قد حضر، أو الذي استعجل أجلا لم يحضر.
فقال الرشيد: فسر ما قلت ؟ قال: أما قولي الفرض واحد: فدين الاسلام كله واحد، وعليه خمس صلوات، وهي سبع عشر ركعة وأربع وثلاثون سجدة وأربع وتسعون تكبيرة، ومائة وثلاث وخمسون تسبيحة، وأما قولي من اثني عشر واحد: فصيام شهر رمضان من اثني عشر شهرا، وأما قولي: من الأربعين واحد فمن ملك أربعين دينار أوجب الله عليه دينارا، وأما قولي: من مائتين خمسة فمن ملك مائتي درهم أوجب الله عليه خمسة دراهم. وأما قولي فمن الدهر كله واحد فحجة الاسلام، وأما قولي واحد من واحد فمن أهرق دما من غير حق وجب إهراق دمه قال الله تعالى: " النفس بالنفس " فقال الرشيد: لله درك، وأعطاه بدرة فقال: فبم استوجبت منك هذه البدرة يا هارون بالكلام ؟ أو بالمسألة ؟ قال: بالكلام قال: فإني سائلك عن مسألة فان أتيت بها كانت البدرة لك تصدق بها في هذا الموضع الشريف، وإن لم تجبني عنها أضفت إلى البدرة بدرة أخرى لأتصدق بها على فقراء الحي من قومي، فأمر بإيراد أخرى وقال: سل عما بدا لك. فقال: أخبرني عن الخنفساء تزق ؟ أم ترضع ولدها ؟ فحرد هارون و قال: ويحك يا أعرابي مثلي من يسأل عن هذه المسألة ؟ ! فقال: سمعت ممن سمع من رسول الله يقول: من ولي أقواما وهب له من العقل كعقولهم، وأنت إمام هذه الأمة يجب أن لا تسأل عن شئ من أمر دينك، ومن الفرايض، إلا أجبت عنها، فهل عندك له الجواب ؟.
قال هارون: رحمك الله لا فبين لي ما قلته، وخذ البدرتين فقال: إن الله تعالى لما خلق الأرض خلق دبابات الأرض الذي من غير فرث، ولا دم، خلقها من التراب، وجعل رزقها وعيشها منه، فإذا فارق الجنين أمه لم تزقه ولم ترضعه وكان عيشها من التراب.
فقال هارون: والله ما ابتلى أحد بمثل هذه المسألة، وأخذ الأعرابي البدرتين وخرج، فتبعه بعض الناس، وسأله عن اسمه فإذا هو موسى بن جعفر بن محمد فأخبر هارون بذلك فقال: والله لقد كان ينبغي أن تكون هذه الورقة من تلك الشجرة.
16 - سؤال هارون موسى بن جعفر عن علمهم بعلم النجوم ومسائل اُخر
روي أن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر فأحضره، فلما حضر عنده قال: إن الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم، وإن معرفتكم بها معرفة جيدة، وفقهاء العامة يقولون: إن رسول الله قال: إذا ذكرني أصحابي فاسكتوا، وإذا ذكروا القدر فاسكتوا، وإذا ذكروا النجوم فاسكتوا وأمير المؤمنين كان أعلم الخلائق بعلم النجوم وأولاده وذريته الذين يقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها.
فقال له الكاظم : هذا حديث ضعيف، وأسناده مطعون فيه والله تبارك وتعالى قد مدح النجوم، ولولا أن النجوم صحيحة ما مدحها الله عز وجل والأنبياء كانوا عالمين بها، وقد قال الله تعالى في حق إبراهيم خليل الرحمن " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ".
وقال في موضع آخر " فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم " فلو لم يكن عالما بعلم النجوم ما نظر فيها، وما قال إني سقيم، وإدريس كان أعلم أهل زمانه بالنجوم، والله تعالى قد أقسم بمواقع النجوم " وإنه لقسم لو تعلمون عظيم " وقال في موضع " والنازغات غرقا " إلى قوله " فالمدبرات أمرا " يعني بذلك اثني عشر برجا، وسبعة سيارات، والذي يظهر بالليل والنهار بأمر الله عز وجل، و بعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم، وهو علم الأنبياء والأوصياء، و ورثة الأنبياء الذين قال الله عز وجل " وعلامات وبالنجم هم يهتدون " ونحن نعرف هذا العلم وما نذكره.
فقال له هارون: بالله عليك يا موسى هذا العلم لا تظهره عند الجهال وعوام الناس، حتى لا يشنعوا عليك وأنفس عن العوام به، وغط هذا العلم، وارجع إلى حرم جدك.
ثم قال له هارون وقد بقي مسألة أخرى بالله عليك أخبرني بها قال له: سل فقال: بحق القبر والمنبر، وبحق قرابتك من رسول الله أخبرني أنت تموت قبلي ؟ أو أنا أموت قبلك ؟ لأنك تعرف هذا من علم النجوم فقال له موسى: آمني حتى أخبرك فقال: لك الأمان فقال: أنا أموت قبلك، وما كذبت ولا أكذب، ووفاتي قريب.
فقال له هارون: قد بقي مسألة تخبرني بها ولا تضجر فقال له: سل فقال: خبروني أنكم تقولون إن جميع المسلمين عبيدنا، و جوارينا، وأنكم تقولون من يكون لنا عليه حق ولا يوصله إلينا فليس بمسلم ؟ فقال له موسى ؟ كذب الذين زعموا أننا نقول ذلك، وإذا كان الامر كذلك، فكيف يصح البيع والشراء عليهم، ونحن نشتري عبيدا وجواري ونعتقهم ونقعد معهم، ونأكل معهم، ونشتري المملوك، ونقول له: يا بني وللجارية يا بنتي، ونقعدهم يأكلون معنا تقربا إلى الله سبحانه فلو أنهم عبيدنا وجوارينا، ما صح البيع والشراء وقد قال النبي لما حضرته الوفاة: الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم، يعني: صلوا وأكرموا مماليككم، وجواريكم، ونحن نعتقهم وهذا الذي سمعته غلط من قائله، ودعوى باطلة، ولكن نحن ندعي أن ولاء جميع الخلائق لنا، يعني ولاء الدين، وهؤلاء الجهال يظنونه ولاء الملك، حملوا دعواهم على ذلك، ونحن ندعي ذلك لقول النبي يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، وما كان يطلب بذلك إلا ولاء الدين، والذي يوصلونه إلينا من الزكاة والصدقة، فهو حرام علينا مثل الميتة والدم ولحم الخنزير.
وأما الغنائم والخمس من بعد موت رسول الله صلى الله عليه وآله فقد منعونا ذلك ونحن محتاجون إلى ما في يد بني آدم، الذين لنا ولاؤهم بولاء الدين ليس بولاء الملك فإن نفذ إلينا أحد هدية ولا يقول إنها صدقة نقبلها لقول النبي لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي لي كراع لقبلت - والكراع اسم القرية، والكراع يد الشاة - وذلك سنة إلى يوم القيامة، ولو حملوا إلينا زكاة وعلمنا أنها زكاة رددناها، وإن كانت هدية قبلناها، ثم إن هارون أذن له في الانصراف فتوجه إلى الرقة ثم تقولوا عليه أشياء فاستعاده هارون وأطعمه السم فتوفي .
17 - ما جرى بين موسى عليه السلام وبين هارون حول مسائل عدّة عيون أخبار الرضا: أبو أحمد هاني بن محمد بن محمود العبدي رضي الله عنه عن أبيه باسناده رفعه إلى موسى بن جعفر قال: لما أُدخلت على الرشيد سلمت عليه فرد علي السلام ثم قال: يا موسى بن جعفر خليفتين يجبى إليهما الخراج ؟ !
فقلت: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تبوء بإثمي وإثمك، وتقبل الباطل من أعدائنا علينا، فقد علمت أنه قد كذب علينا منذ قبض رسول الله بما علم ذلك عندك، فان رأيت بقرابتك من رسول الله أن تأذن لي أحدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جدي رسول الله ؟ فقال: قد أذنت لك.
فقلت: أخبرني أبي عن آبائه عن جدي رسول الله قال: إن الرحم إذا مست الرحم تحركت واضطربت، فناولني يدك جعلني الله فداك فقال: ادن فدنوت منه، فأخذ بيدي، ثم جذبني إلى نفسه وعانقني طويلا، ثم تركني وقال: اجلس يا موسى فليس عليك بأس، فنظرت إليه فإذا أنه قد دمعت عيناه، فرجعت إلى نفسي فقال: صدقت وصدق جدك لقد تحرك دمي، واضطربت عروقي حتى غلبت علي الرقة وفاضت عيناي، وأنا أريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين، لم أسأل عنها أحدا فان أنت أجبتني عنها خليت عنك، ولم أقبل قول أحد فيك، وقد بلغني أنك لم تكذب قط فأصدقني عما أسألك مما في قلبي فقلت: ما كان علمه عندي فإني مخبرك به إن أنت آمنتني ؟ قال: لك الأمان إن صدقتني وتركت التقية التي تعرفون بها معشر بني فاطمة، فقلت ليسأل أمير المؤمنين عما شاء
قال: أخبرني لم فضلتم علينا ونحن وأنتم من شجرة واحدة وبنو عبد المطلب ونحن وأنتم واحد، إنا بنو العباس وأنتم ولد أبي طالب، وهما عما رسول الله وقرابتهما منه سواء ؟
فقلت: نحن أقرب قال: وكيف ذلك ؟ قلت: لان عبد الله وأبا طالب لأب وأم، وأبوكم العباس ليس هو من أم عبد الله، ولا من أم أبي طالب قال: فلم ادعيتم أنكم ورثتم النبي ؟ والعم يحجب ابن العم، وقبض رسول الله وقد توفي أبو طالب قبله، والعباس عمه حي ؟
فقلت له: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة ويسألني عن كل باب سواه يريده فقال: لا أو تجيب فقلت: فآمني ؟ قال: قد آمنتك قبل الكلام فقلت: إن في قول علي بن أبي طالب إذ ليس مع ولد الصلب ذكرا كان أو أنثى لاحد سهم إلا للأبوين والزوج والزوجة، ولم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث، ولم ينطق به الكتاب، إلا أن تيما وعديا وبني أمية قالوا: العم والد رأيا منهم بلا حقيقة، ولا أثر عن النبي,
ومن قال بقول علي من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء، هذا نوح بن دراج يقول: في هذه المسألة بقول علي وقد حكم به، وقد ولاه أمير المؤمنين المصرين الكوفة والبصرة، وقد قضى به فأنهي إلى أمير المؤمنين فأمر باحضاره وإحضار من يقول بخلاف قوله منهم سفيان الثوري، وإبراهيم المدني والفضيل بن عياض فشهدوا أنه قول علي في هذه المسألة فقال لهم - فيما أبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز: فلم لا تفتون به وقد قضى به نوح بن دراج ؟ فقالوا جسر نوح وجبنا وقد أمضى أمير المؤمنين قضيته بقول قدماء العامة عن النبي أنه قال: علي أقضاكم، وكذلك قال عمر بن الخطاب علي أقضانا، وهو اسم جامع لان جميع ما مدح به النبي أصحابه من القراءة والفرائض والعلم داخل في القضاء.
قال: زدني يا موسى، قلت: المجالس بالأمانات وخاصة مجلسك ؟ فقال: لا بأس عليك فقلت: إن النبي لم يورث من لم يهاجر، ولا أثبت له ولاية حتى يهاجر فقال: ما حجتك فيه ؟ قلت: قول الله تبارك وتعالى: " والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا " وإن عمي العباس لم يهاجر، فقال لي: أسألك يا موسى هل أفتيت بذلك أحدا من أعدائنا ؟ أم أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشئ ؟ فقلت: اللهم لا، وما سألني عنها إلا أمير المؤمنين.
ثم قال: لم جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله و يقولون لكم: يا بني رسول الله، وأنتم بنو علي وإنما ينسب المرء إلى أبيه وفاطمة إنما هي وعاء، والنبي جدكم من قبل أمكم ؟ فقلت: يا أمير المؤمنين لو أن النبي نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه ؟ فقال: سبحان الله ولم لا أجيبه ؟ ! بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك، فقلت: لكنه لا يخطب إلي ولا أزوجه فقال: ولم ؟ فقلت: لأنه ولدني ولم يلدك فقال: أحسنت يا موسى.
ثم قال: كيف قلتم إنا ذرية النبي، والنبي لم يعقب ؟ وإنما العقب للذكر لا للأنثى، وأنتم ولد الابنة، ولا يكون لها عقب ؟
فقلت: أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه إلا ما أعفيتني عن هذه المسألة فقال: لا أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي، وأنت يا موسى يعسوبهم، وإمام زمانهم، كذا أنهي إلي، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه، حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله، فأنتم تدعون معشر ولد علي أنه لا يسقط عنكم منه شئ ألف ولا واو، إلا وتأويله عندكم، واحتججتم بقوله عز وجل، " ما فرطنا في الكتاب من شئ " وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم فقلت: تأذن لي في الجواب ؟
قال: هات فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم " ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف و موسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى " من أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟
فقال: ليس لعيسى أب فقلت: إنما ألحقناه بذراري الأنبياء من طريق مريم ، وكذلك ألحقنا بذراري النبي من قبل امنا فاطمة.
أزيدك يا أمير المؤمنين ؟ قال: هات، قلت: قول الله عز وجل " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا و نساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " ولم يدع أحد أنه أدخل النبي تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلا علي بن أبي طالب وفاطمة، والحسن، والحسين فكان تأويل قوله عز وجل أبناءنا الحسن والحسين ونساءنا فاطمة، وأنفسنا علي بن أبي طالب، إن العلماء قد أجمعوا على أن جبرئيل قال يوم أحد: يا محمد إن هذه لهي المواساة من علي قال: لأنه مني وأنا منه فقال جبرئيل: وأنا منكما يا رسول الله ثم قال: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، فكان كما مدح الله عز وجل به خليله إذ يقول: " فتى يذكرهم يقال له إبراهيم " إنا معشر بني عمك نفتخر بقول جبرئيل إنه منا.
فقال: أحسنت يا موسى، ارفع إلينا حوائجك فقلت له: أول حاجة أن تأذن لابن عمك أن يرجع إلى حرم جده وإلى عياله فقال: ننظر إن شاء الله.
فروي أنه أنزله عند السندي بن شاهك فزعم أنه توفي عنده والله أعلم.
18 - موسى عليه السلام وقول هارون: لمَ لا تنهون شيعتكم عن قولهم لكم يا ابن رسول الله, وغيرها من المسائل ؟
الاختصاص: ابن الوليد، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن محمد ابن إسماعيل العلوي قال: حدثني محمد بن الزبرقان الدامغاني قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر : لما أمر هارون الرشيد بحملي، دخلت عليه فسلمت فلم يرد السلام ورأيته مغضبا، فرمى إلي بطومار,
فقال: لم لا تنهون شيعتكم عن قولهم لكم يا ابن رسول الله وأنتم ولد علي وفاطمة إنما هي وعاء، والولد ينسب إلى الأب لا إلى الأم ؟
فقلت: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة فعل ؟
فقال: لست أفعل أو أجبت
فقلت: فأنا في أمانك أن لا يصيبني من آفة السلطان شئ ؟
فقال: لك الأمان
قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم" ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى، وعيسى " فمن أبو عيسى ؟
فقال: ليس له أب إنما خلق من كلام الله عز وجل وروح القدس
فقلت: إنما الحق عيسى بذراري الأنبياء من قبل مريم، وألحقنا بذراري الأنبياء من قبل فاطمة لا من قبل علي
فقال: أحسنت أحسنت يا موسى زدني من مثله.
فقلت: اجتمعت الأمّة برها وفاجرها أن حديث النجراني حين دعاه النبي إلى المباهلة لم يكن في الكساء إلا النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين فقال الله تبارك وتعالى " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم " فكان تأويل أبناءنا الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة، وأنفسنا علي بن أبي طالب
فقال: أحسنت.
ثم قال: أخبرني عن قولكم: ليس للعم مع ولد الصلب ميراث ؟
فقلت: أسألك يا أمير المؤمنين بحق الله وبحق رسوله أن تعفيني من تأويل هذه الآية وكشفها، وهي عند العلماء مستورة.
فقال: إنك قد ضمنت لي أن تجيب فيما أسألك ولست أعفيك.
فقلت: فجدد لي الأمان ؟
فقال: قد أمنتك.
فقلت: إن النبي لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر، وإن عمي العباس قدر على الهجرة فلم يهاجر، وإنما كان في عدد الأسارى عند النبي، وجحد أن يكون له الفداء فأنزل الله تبارك وتعالى على النبي يخبره بدفين له من ذهب، فبعث عليا فأخرجه من عند أم الفضل، وأخبر العباس بما أخبره جبرئيل عن الله تبارك وتعالى فأذن لعلي وأعطاه علامة الذي دفن فيه،
فقال العباس عند ذلك: يا ابن أخي ما فاتني منك أكثر، وأشهد أنك رسول رب العالمين.
فلما أحضر علي الذهب فقال العباس: أفقرتني يا ابن أخي فأنزل الله تبارك وتعالى: " إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما اخذ منكم ويغفر لكم " وقوله: "والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا " ثم قال: " وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر " فرأيته قد اغتم.
ثم قال: أخبرني من أين قلتم إن الانسان يدخله الفساد من قبل النساء لحال الخمس الذي لم يدفع إلى أهله ؟
فقلت: أخبرك يا أمير المؤمنين بشرط أن لا تكشف هذا الباب لاحد ما دمت حيا، وعن قريب يفرق الله بيننا وبين من ظلمنا، وهذه مسألة لم يسألها أحدا من السلاطين غير أمير المؤمنين.
قال: ولا تيم ولا عدي ولا بنو أمية ولا أحد من آبائنا ؟
قلت: ما سئلت ولا سئل أبو عبد الله جعفر ابن محمد عنها
قال: فإن بلغني عنك أو عن أحد من أهل بيتك كشف ما أخبرتني به رجعت عما آمنتك.
فقلت: لك على ذلك.
فقال: أحببت أن تكتب لي كلاما موجزا له أصول وفروع، يفهم تفسيره و يكون ذلك سماعك من أبي عبد الله؟
فقلت: نعم وعلى عيني يا أمير المؤمنين.
قال: فإذا فرغت فارفع حوائجك، وقام، ووكل بي من يحفظني، وبعث إلي في كل يوم بمائة سرية, فكتبت: بسم الله الرحمن الرحيم أمور الدنيا أمران: أمر لا اختلاف فيه، وهو إجماع الأمة على الضرورة التي يضطرون إليها والاخبار المجتمع عليها المعروض عليها شبهة، والمستنبط منها كل حادثة، وأمر يحتمل الشك والانكار، وسبيل استنصاح أهله الحجة عليه، فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع على تأويله، أو سنة عن النبي لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله، ضاق على من استوضح تلك الحجة ردها، ووجب عليه قبولها، والاقرار والديانة بها، وما لم يثبت لمنتحليه به حجة من كتاب مستجمع على تأويله، أو سنة عن النبي لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله، وسع خاص الأمة وعامها الشك فيه، والانكار له، كذلك. هذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه إلى أرش الخدش, فما دونه فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته، وما غمض عنك ضوؤه نفيته، ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله، ونعم الوكيل. فأخبرت الموكل بي أني قد فرغت من حاجته، فأخبره فخرج، وعرضت عليه
فقال: أحسنت هو كلام موجز جامع، ... .


مناظرات الإمام الكاظم عليه السلام
1 - مناظرة الاِمام الكاظم عليه السلام مع عبدالله بن نافع
في مسألة قتال أميرالمؤمنين عليه السلام لاَهل النهروان
الكليني : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن الحسين بن يزيد النوفليّ ، عن عليّ بن داود اليعقوبي ، عن عيسى بن عبدالله العلوي ، قال : وحدّثني الاُسيديّ ومحمد بن مبشّر أنّ عبدالله بن نافع الاَزرق كان يقول : لو أنّي علمت أنّ بين قطريها أحداً تبلغني إليه المطايا ، يخصمني أنّ علياً قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم ، لرحلت إليه.
فقيل له : ولا ولده ؟
فقال : أفي ولده عالم ؟
فقيل له : هذا أوّل جهلك ، وهم يخلون من عالم ؟ !
قال : فمن عالمهم اليوم ؟
قيل : محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ عليهم السلام.
قال : فرحل إليه في صناديد أصحابه حتى أتى المدينة ، فاستأذن على أبي جعفر عليه السلام.
فقيل له : هذا عبدالله بن نافع.
فقال : وما يصنع بي وهو يبرء منّي ومن أبي طرفي النهار.
فقال له أبو بصير الكوفي : جعلت فداك إنَّ هذا يزعم أنّه لو علم أنّ بين قطريها أحداً تبلغه المطايا إليه يخصمه أنّ عليّاً عليه السلام قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحل إليه.
فقال له أبو جعفر عليه السلام : أتراه جاءني مناظراً ؟
قال : نعم.
قال : يا غلام اخرج فحطّ رحله وقل له : إذا كان الغد فأتنا.
قال : فلمّا أصبح عبدالله بن نافع غدا في صناديد أصحابه ، وبعث أبوجعفر عليه السلام إلى جميع أبناء المهاجرين والاَنصار فجمعهم ، ثمَّ خرج إلى الناس في ثوبين ممغّرين ، وأقبل على الناس كأنّه فلقة قمر ، فقال : الحمد لله محيّث الحيث ، ومكيّف الكيف ، ومؤيّن الاَين ، الحمد لله الّذي ( لاَ تَأخذه سنّة وَلاَ نَوم لَه مَا في السموات وَمَا في الاَرض ) إلى آخر الآية ـ وأشهد أن لا إله إلاّ الله [ وحده لا شريك له ] وأشهد أنّ محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله ، اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ، الحمد لله الّذي أكرمنا بنبوّته ، واختصّنا بولايته ، يا معشر أبناء المهاجرين والاَنصار من كانت عنده منقبة في عليّ بن أبي طالب عليه السلام فليقم وليتحدَّث ؟
قال : فقام الناس فسردوا تلك المناقب.
فقال عبدالله : أنا أروي لهذه المناقب من هؤلاء ، وإنّما أحدث عليٌّ الكفر بعد تحكيمه الحكمين ـ حتى انتهوا في المناقب إلى حديث خيبر لاَعطينَّ الرَّاية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله، كرّاراً غير فرّار ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه. فقال أبو جعفر عليه السلام : ما تقول في هذا الحديث ؟
فقال : هو حقٌّ لا شكّ فيه ، ولكن أحدث الكفر بعد.
فقال له أبو جعفر عليه السلام : أخبرني عن الله عزّ وجلّ أحبَّ عليّ بن أبي طالب يوم أحبّه وهو يعلم أنّه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم ؟
قال ابن نافع : أعد عليَّ ؟!
فقال له أبو جعفر عليه السلام : أخبرني عن الله جلّ ذكره أحبَّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام يوم أحبّه ، وهو يعلم أنّه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم ؟
قال : إن قلت : لا ، كفرت. قال : فقال : قد علم.
قال : فأحبّه الله على أن يعمل بطاعته أو على أن يعمل بمعصيته ؟
فقال : على أن يعمل بطاعته.
فقال له أبو جعفر عليه السلام : فقم مخصوماً.
فقام وهو يقول : ( حتّى يتبيّن لَكُم الخيط الاَبيض من الخيط الاَسود من الفجر ) والله أعلم حيث يجعل رسالته.
2 - مناظرة الإمام الكاظم عليه السلام مع أبي حنيفة في أنّ المعصية من فعل العبد
قال الشيخ الصدوق ـ عليه الرحمة ـ : وأخبرني الشيخ أيده الله أيضاً قال: قال أبو حنيفة: دخلت المدينة فأتيت جعفر بن محمد عليه السلام فسلّمت عليه وخرجت من عنده فرأيت ابنه موسى عليه السلام في دهليز قاعداً في مكتب له وهو صبي صغير السن فقلت له : يا غلام ، أين يحدث الغريب عندكم إذا أراد ذلك ؟
فنظر إليَّ ثمّ قال : يا شيخ اجتنب شطوط الاَنهار ، ومسقط الثمار ، وفيىء النزَّال ، وأفنية الدور ، والطرق النافذة ، والمساجد ، وارفع وضع بعد ذلك حيث شئت.
قال : فلمّا سمعت هذا القول منه ، نَبُل في عيني وعظم في قلبي، فقلت له: جعلت فداك ، ممّن المعصية ؟
فنظر إليَّ نظراً ازدراني به ثمّ قال : اجلس حتى أخبرك ، فجلست بين يديه.
فقال: إنَّ المعصية لا بدَّ من أن تكون من العبد أو من خالقه أو منهما جميعاً، فإن كانت من الله تعالى فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله، وإن كانت منهما فهو شريكه والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الاَمر ، وإليه توجّه النهي ، وله حق الثواب ، وعليه العقاب ، ووجبت له الجنّة والنار.
قال أبو حنيفة : فلمّا سمعت ذلك ، قلت : ( ذُرِّيَّةٌ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ).
قال الشيخ أيّده الله : وفي ذلك يقول الشاعر :
لم تخـل أفعالنــا اللاّتي يـُذمُّ بهـا *** إحدى ثلاث معانٍ حيـن نأتيهــــا
إمــا تفــرد بارينـا بصنعتهــا *** فيسقط اللوم عنّا حيـن ننشيهــــا
أو كـان يشركنــا فيهـا فيلحقــه *** ما سوف يلحقنا من لائـم فيهــــا
أو لـم يكـن لاِلهي فـي جنايتهــا *** ذنب فما الذنب إلاّ ذنب ‌جانيهــا

3 - مناظرة الإمام الكاظم مع هارون الرشيد في أنهم ورثة النبي صلى الله عليه وآله وأولاده
قال الشيخ الطبرسي عليه الرحمة : وحدث أبو أحمد هاني بن محمد العبدي، قال : حدّثني أبو محمد ، رفعه إلى موسى بن جعفر عليهما السلام قال : لما أدخلت على الرشيد سلمت عليه فرد عليَّ السلام ثمّ قال : يا موسى بن جعفر ، خليفتان يُجبى إليهما الخراج ؟
فقلت : يا أمير المؤمنين ! أُعيذك بالله أن تبوء بإثمي وإثمك ، وتقبل الباطل من أعدائنا علينا ، فقد علمت بأنه قد كذب علينا منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ، كما علم ذلك عندك ، فإن رأيت بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله أن تأذن لي أُحدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
فقال : قد أذنت لك .
فقلت : أخبرني أبي عن آبائه عن جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال : إنّ الرحم إذا مست الرحم تحركت واضطربت ، فناولني يدك جعلني الله فداك .
قال : ادن مني ! فدنوت منه ، فأخذ بيدي ثمّ جذبني إلى نفسه وعانقني طويلاً ثمّ تركني وقال : اجلس يا موسى ! فليس عليك بأس ، فنظرت إليه فإذا به قد دمعت عيناه ، فرجعت إليَّ نفسي ، فقال : صدقت وصدق جدّك صلى الله عليه وآله لقد تحرك دمي واضطربت عروقي حتى غلبت عليَّ الرقة وفاضت عيناي ، وأنا أريد أن اسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين ، لم أسأل عنها أحداً ، فإن أنت أجبتني عنها خليت عنك ولم أقبل قول أحد فيك ، وقد بلغني عنك أنّك لم تكذب قطّ ، فأصدقني فيما أسألك ممّا في قلبي .
فقلت : ما كان علمه عندي فإني مخبرك به إن أنت أمنتني .
قال : لك الاَمان إن أصدقتني ، وتركت التقية التي تعرفون بها معشر بني فاطمة.
فقلت : ليسأل أمير المؤمنين عمّا يشاء .
قال : أخبرني لِمَ فُضّلتم علينا ، ونحن وأنتم من شجرة واحدة ، وبنو عبد المطّلب ونحن وأنت واحد ، إنّا بنو عبّاس وأنتم ولد أبي طالب ، وهما عمّا رسول الله صلى الله عليه وآله وقرابتهما منه سواء ؟
فقلت : نحن أقرب .
قال : وكيف ذلك ؟
قلت : لاَنّ عبدالله وأبا طالب لاَب واُمّ ، وأبوكم العباس ليس هو من اُم عبدالله ولا من اُمّ أبي طالب .
قال : فلم ادّعيتم أنّكم ورثتم النبي صلى الله عليه وآله والعم يحجب ابن العم وقبض رسول الله صلى الله عليه وآله وقد توفي أبو طالب قبله والعباس عمّه حي ؟
فقلت له : إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني عن هذه المسألة ، ويسألني عن كل باب سواه يريده .
فقال : لا ، أو تجيب .
فقلت : فآمني .
قال : قد آمنتك قبل الكلام .
فقلت : إنَّ في قول عليّ بن أبي طالب عليه السلام : إنّه ليس مع ولد الصلب ذكراً كان أو اُنثى لاَحد سهم إلاّ الاَبوين والزوج والزوجة ، ولم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث ، ولم ينطق به الكتاب العزيز والسنّة ، إلاّ أنّ تيماً وعدياً وبني اُميّة قالوا : العم والدٌ ، رأياً منهم بلا حقيقة ولا أثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومن قال بقول علي عليه السلام من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء ، هذا نوح بن دراج يقول في هذه المسألة بقول علي عليه السلام ، وقد حكم به ، وقد ولاّه أمير المؤمنين فأمر بإحضاره وإحضار من يقول بخلاف قوله ، منهم : سفيان الثوري ، وإبراهيم المدني ، والفضيل بن عياض ، فشهدوا أنّه قول علي عليه السلام في هذه المسألة ، فقال لهم فيما أبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز : لم لا تفتون وقد قضى به نوح بن دراج ؟
فقالوا : جسر وجبنّا ، وقد أمضى أمير المؤمنين عليه السلام قضيته بقول قدماء العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال : أقضاكم علي (2) وكذلك عمر بن الخطاب قال : عليّ أقضانا وهو اسم جامع ، لاَنّ جميع ما مدح به النبي صلى الله عليه وآله أصحابه من القرابة والفرائض والعلم داخل في القضاء .
قال : زدني يا موسى !
قلت : المجالس بالاَمانات وخاصة مجلسك ؟
فقال : لا بأس به .
فقلت : إنَّ النبي صلى الله عليه وآله لم يورث من لم يهاجر ، ولا أثبت له ولاية حتى يهاجر.
فقال : ما حجّتك فيه ؟
قلت : قول الله تبارك وتعالى : ( وَالّذين آمنُوا وَلَم يُهاجِرُوا ما لَكُم مِنْ ولايَتِهِم مِن شيءٍ حتى يُهاجِرُوا ) وإنّ عمّي العباس لم يهاجر .
فقال لي : إنّي أسألك يا موسى هل أفتيت بذلك أحداً من أعدائنا ، أم أخبرت أحداً من الفقهاء في هذه المسألة بشيء ؟
فقلت : اللّهم لا ، وما سألني عنها إلاّ أمير المؤمنين .
ثمّ قال لي : لِمَ جوّزتم للعامّة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ويقولوا لكم : يا بني رسول الله ! وأنتم بنو علي ، وإنّما ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنّما هي وعاء ، والنبي صلى الله عليه وآله جدّكم من قبل اُمّكم؟
فقلت : يا أمير المؤمنين ! لو أنَّ النبي صلى الله عليه وآله نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه ؟
فقال : سبحان الله ! ولِمَ لا اُجيبه بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك .
فقلت له : لكنّه لا يخطب إليَّ ولا أُزوجه .
فقال : ولِمَ ؟
فقلت : لاَنّه ولدني ولم يلدك .
فقال : أحسنت يا موسى ! ثمّ قال : كيف قلتم إنّا ذرّية النبي صلى الله عليه وآله والنبي لم يعقب ، وإنّما العقب للذكر لا للاُنثى ، وأنت ولد الابنة ولا يكون لها عقب له .
قلت : أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه ، إلاّ أعفيتني عن هذه المسألة .
فقال : لا ، أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي ! وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم ، كذا اُنهي إليَّ ، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله ، وأنتم تدعون معشر ولد عليّ أنّه لا يسقط عنكم منه شيء ألف ولا واو إلاّ تأويله عندكم ، واحتججتم بقوله عزّ وجلّ : ( ما فَرَّطنا في الكتاب مِن شيءٍ ) واستغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم .
فقلت : تأذن لي في الجواب ؟
قال : هات .
فقلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ( وَمِن ذُريَّتهِ داوُد وسُليمان وأيُّوبَ وَموسى وَهارُون وَكذلِكَ نَجزِي المُحسنينَ وَزَكريا وَيحيى وَعيسى وإلياس كُلُّ مِنَ الصالحينَ ) من أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟
فقال : ليس لعيسى أب .
فقلت : إنّما ألحقناه بذراري الاَنبياء : من طريق مريم عليها السلام ، وكذلك اُلحقنا بذراري النبي عليهم السلام من قبل اُمنا فاطمة عليها السلام ، أزيدك يا أمير المؤمنين ؟
قال : هات .
قلت : قول الله عزّ وجلّ : ( فَمن حاجَّكَ فيهِ مِن بَعدِ ما جاءَكَ مِنَ العلم فقُل تَعالُوا نَدعُ أبناءَنا وَأَبناءَكُم وَنِساءَنا وَنِساءَكُم وَأَنفُسنا وأنفُسكُم ثُمَّ نَبتَهِلُ فَنجعل لَعنةَ اللهِ عَلى الكاذبين ) ولم يدّع أحد أنّه أدخل النبي صلى الله عليه وآله تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلاّ علي بن أبي طالب ، وفاطمة ، والحسن والحسين ، فأبناءنا الحسن والحسين ، ونساءنا فاطمة ، وأنفسنا عليّ بن أبي طالب: ، على أنّ العلماء قد أجمعوا على أنّ جبرئيل قال يوم أحد : يا محمد ! إنَّ هذه لهي المواساة من علي قال : لاَنّه مني وأنا منه .
فقال جبرئيل : "وأنا منكما يا رسول الله" ثمّ قال :
لا سيف إلاّ ذو الفقار *** ولا فتى إلاّ علي
فكان كما مدح الله عزّ وجلّ به خليله عليه السلام إذ يقول : ( قالُوا سَمِعنا فَتىً يَذكُرُهُم يُقال لَهُ إبراهيمُ ) إنّا نفتخر بقول جبرئيل أنّه منّا .
فقال : أحسنت يا موسى ! إرفع إلينا حوائجك .
فقلت له : إنَّ أول حاجة لي أن تأذن لابن عمّك أن يرجع إلى حرم جده صلى الله عليه وآله وإلى عياله .
فقال : ننظر إن شاء الله.
وروي أنه لما حج الرشيد ونزل في المدينة ، اجتمع إليه بنو هاشم وبقايا المهاجرين والاَنصار ووجوه الناس ، وكان في الناس الاِمام أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام .
فقال لهم الرشيد : قوموا إلى زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال : ثمّ نهض معتمداً على يد أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام حتى انتهى إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فوقف ثمّ قال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا بن عم ، افتخاراً ! على قبائل العرب الذين حضروا معه ، واستطالةً عليهم بالنسب ؟!
قال : فنزع أبو الحسن موسى عليه السلام يده من يده ثمّ تقدم ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبة .
قال : فتغيّر لون الرشيد ثمّ قال : يا أبا الحسن ، إن هذا لهو الفخر الجسيم.


كرامات الإمام الكاظم عليه السّلام
1 - عن سليمان بن عبد الله قال: كنت عند أبي الحسن موسى قاعدا فاتي بامرأة قد صار وجهها قفاها فوضع يده اليمنى في جبينها ويده اليسرى من خلف ذلك، ثم عصر وجهها عن اليمين ثم قال: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "
فرجع وجهها فقال: احذري أن تفعلين كما فعلت قالوا: يا ابن رسول الله وما فعلت ؟ فقال: ذلك مستور إلا أن تتكلم به، فسألوها فقالت: كانت لي ضرة فقمت أصلي فظننت أن زوجي معها، فالتفت إليها فرأيتها قاعدة وليس هو معها، فرجع وجهها على ما كان.
2 - عن علي بن جعفر قال: أخبرتني جارية لأبي الحسن موسى وكانت توضئه، وكانت خادما صادقا قالت: وضأته بقديد وهو على منبر وأنا أصب عليه الماء، فجرى الماء على الميزاب فإذا قرطان من ذهب فيهما در ما رأيت أحسن منه فرفع رأسه إلي فقال: هل رأيت ؟ فقلت: نعم، فقال: خمريه بالتراب ولا تخبرين به أحدا، قالت: ففعلت وما أخبرت به أحدا حتى مات وعلى آبائه والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته.
3 - عن عثمان بن عيسى قال: قلت لأبي الحسن الأول إن الحسن بن محمد له إخوة من أبيه، وليس يولد له ولد إلا مات، فادع الله له فقال: قضيت حاجته، فولد له غلامان.
4 - عن الوشاء قال: حججت أيام خالي إسماعيل بن إلياس فكتبنا إلى أبي الحسن الأول فكتب خالي: إن لي بنات وليس لي ذكر وقد قل رجالنا، وقد خلفت امرأتي وهي حامل فادع الله أن يجعله غلاما وسمه، فوقع في الكتاب: قد قضى الله تبارك وتعالى حاجتك وسمه محمدا. فقدمنا الكوفة وقد ولد لي غلام قبل دخولي الكوفة بستة أيام، ودخلنا يوم سابعه قال أبو محمد: فهو والله اليوم رجل له أولاد.
5 - عن علي بن جعفر بن ناجية أنه كان اشترى طيلسانا طرازيا أزرق بمائة درهم، وحمله معه إلى أبي الحسن الأول ولم يعلم به أحد، وكنت أخرج أنا مع عبد الرحمان بن الحجاج، وكان هو إذ ذاك قيما لأبي الحسن الأول فبعث بما كان معه فكتب: اطلبوا لي ساجا طرازيا أزرق فطلبوه بالمدينة فلم يوجد عند أحد فقلت له: هو ذا هو معي، وما جئت به إلا له فبعثوا به إليه، وقالوا له: أصبناه مع علي بن جعفر، ولما كان من قابل اشتريت طيلسانا مثله وحملته معي، ولم يعلم به أحد، فلما قدمنا المدينة أرسل إليهم: اطلبوا لي طيلسانا مثله مع ذلك الرجل، فسألوني فقلت: هو ذا هو معي، فبعثوا به إليه.
6 - عن عبد الرحمان ابن الحجاج قال: استقرضت من غالب مولى الربيع ستة آلاف درهم تمت بها بضاعتي ودفع إلي شيئا أدفعه إلى أبي الحسن الأول وقال: إذا قضيت من الستة آلاف درهم حاجتك فادفعها أيضا إلى أبي الحسن، فلما قدمت المدينة بعثت إليه بما كان معي والذي من قبل غالب، فأرسل إلي: فأين الستة آلاف درهم ؟ فقلت: استقرضتها منه، وأمرني أن أدفعها إليك، فإذا بعت متاعي بعثت بها إليك، فأرسل إلي عجلها لنا وإنا نحتاج إليها، فبعثت بها إليه.
7 - عن موسى بن بكر قال: دفع إلي أبو الحسن الأول عليه السلام رقعة فيها حوائج وقال لي: اعمل بما فيها فوضعتها تحت المصلى، وتوانيت عنها، فمررت فإذا الرقعة في يده، فسألني عن الرقعة فقلت: في البيت فقال: يا موسى إذا أمرتك بالشئ فاعمله، وإلا غضبت عليك، فعلمت أن الذي دفعها إليه بعض صبيان الجن.
8 - عن عثمان ابن عيسى قال: رأيت أبا الحسن الماضي في حوض من حياض ما بين مكة والمدينة عليه إزار، وهو في الماء فجعل يأخذ الماء في فيه ثم يمجه، وهو يصفر فقلت: هذا خير من خلق الله في زمانه ويفعل هذا ؟ ! ثم دخلت عليه بالمدينة فقال لي: أين نزلت ؟ فقلت له: نزلت أنا ورفيق لي في دار فلان فقال: بادروا وحولوا ثيابكم واخرجوا منها الساعة قال: فبادرت وأخذت ثيابنا وخرجنا فلما صرنا خارجا من الدار انهارت الدار.
9 - عن مرازم قال: دخلت المدينة فرأيت جارية في الدار التي نزلتها فعجبتني فأردت أن أتمتع منها فأبت أن تزوجني نفسها، قال: فجئت بعد العتمة فقرعت الباب فكانت هي التي فتحت لي فوضعت يدي على صدرها، فبادرتني حتى دخلت، فلما أصبحت دخلت على أبي الحسن فقال: يا مرازم ليس من شيعتنا من خلا ثم لم يرع قلبه.
10 - عن علي بن أبي حمزة قال: سمعت أبا الحسن موسى يقول: لا والله لا يرى أبو جعفر بيت الله أبدا فقدمت الكوفة فأخبرت أصحابنا، فلم نلبث أن خرج فلما بلغ الكوفة قال لي أصحابنا في ذلك فقلت: لا والله لا يرى بيت الله أبدا، فلما صار إلى البستان اجتمعوا أيضا إلي فقالوا: بقي بعد هذا شئ ؟ ! قلت: لا والله لا يرى بيت الله أبدا فلما نزل بئر ميمون أتيت أبا الحسن فوجدته في المحراب قد سجد فأطال السجود، ثم رفع رأسه إلي فقال: اخرج فانظر ما يقول الناس، فخرجت فسمعت الواعية على أبي جعفر فرجعت فأخبرته قال: الله أكبر ما كان ليرى بيت الله أبدا.
11 - عن إبراهيم ابن عبد الحميد قال: كتب إلي أبو الحسن قال عثمان بن عيسى وكنت حاضرا بالمدينة: تحول عن منزلك، فاغتم بذلك، وكان منزله منزلا وسطا بين المسجد والسوق، فلم يتحول، فعاد إليه الرسول: تحول عن منزلك، فبقي ثم عاد إليه الثالثة: تحول عن منزلك، فذهب وطلب منزلا، وكنت في المسجد ولم يجئ إلى المسجد إلا عتمة فقلت له: ما خلفك ؟ فقال: ما تدري ما أصابني اليوم ؟ قلت: لا قال: ذهبت أستقي الماء من البئر لأتوضأ فخرج الدلو مملوءا خرؤا وقد عجنا خبزنا بذلك الماء، فطرحنا خبزنا وغسلنا ثيابنا، فشغلني عن المجئ ونقلت متاعي إلى البيت الذي اكتريته، فليس بالمنزل إلا الجارية، الساعة أنصرف وآخذ بيدها، فقلت: بارك الله لك، ثم افترقنا، فلما كان سحرا خرجنا إلى المسجد فجاء فقال: ما ترون ما حدث في هذه الليلة ؟ قلت: لا، قال: سقط والله منزلي، السفلى والعليا.
12 - عن عثمان بن عيسى قال: قال أبو الحسن لإبراهيم بن عبد الحميد، ولقيه سحرا وإبراهيم ذاهب إلى قبا، وأبو الحسن داخل إلى المدينة فقال: يا إبراهيم فقلت: لبيك قال: إلى أين ؟ قلت: إلى قبا فقال: في أي شئ ؟ فقلت: إنا كنا نشتري في كل سنة هذا التمر فأردت أن آتي رجلا من الأنصار فأشتري منه من الثمار، فقال: وقد أمنتم الجراد ؟ ! ثم دخل ومضيت أنا فأخبرت أبا العز فقال: لا والله لا أشتري العام نخلة، فما مرت بنا خامسة، حتى بعث الله جرادا فأكل عامة ما في النخل.
13 - عن عثمان بن عيسى قال: وهب رجل جارية لابنه، فولدت أولادا فقالت الجارية بعد ذلك: قد كان أبوك وطأني قبل أن يهبني لك، فسئل أبو الحسن عنها فقال: لا تصدق إنما تفر من سوء خلقه، فقيل ذلك للجارية فقالت: صدق والله ما هربت إلا من سوء خلقه.
14 - قال الحافظ عبد العزيز: حدث عيسى بن محمد بن مغيث القرطي وبلغ تسعين سنة قال: زرعت بطيخا وقثاءا وقرعا في موضع بالجوانية على بئر يقال لها أم عظام، فلما قرب الخير واستوى الزرع، بيتني الجراد وأتى على الزرع كله، وكنت غرمت على الزرع ثمن جملين ومائة وعشرين دينارا فبينا أنا جالس إذ طلع موسى بن جعفر بن محمد فسلم ثم قال: أيش حالك ؟ قلت: أصبحت كالصريم، بيتني الجراد، فأكل زرعي قال: وكم غرمت ؟ قلت: مائة وعشرين دينارا مع ثمن الجملين قال: فقال: يا عرفة إن لأبي الغيث مائة وخمسين دينارا فربحك ثلاثون دينارا والجملان فقلت: يا مبارك ادع لي فيها بالبركة، فدخل ودعا، وحدثني عن رسول الله أنه قال: تمسكوا ببقاء المصائب ثم علقت عليه الجملين وسقيته فجعل الله فيه البركة وزكت فبعت منها بعشرة آلاف.
15 - قال أبو الوضاح: وأخبرني أبي قال: لما قتل الحسين بن علي صاحب فخ وهو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن [ بن الحسن ] بفخ وتفرق الناس عنه حمل رأسه والأسرى من أصحابه إلى موسى بن المهدي فلما بصر بهم أنشأ يقول متمثلا:
بني عمنا لا تنطقوا الشعر بعد ما دفنتم بصحراء الغميم القوافيا
فلسنا كمن كنتم تصيبون نيله فنقبل ضيما أو نحكم قاضيا
ولكن حكم السيف فينا مسلط فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا
وقد ساءني ما جرت الحرب بيننا بني عمنا لو كان أمرا مدانيا
فان قلتم إنا ظلمنا فلم نكن ظلمنا ولكن قد أسأنا التقاضيا
ثم أمر برجل من الأسرى فوبخه ثم قتله ثم صنع مثل ذلك بجماعة من ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وأخذ من الطالبيين، وجعل ينال منهم إلى أن ذكر موسى بن جعفر فنال منه قال: والله ما خرج حسين إلا عن أمره ولا اتبع إلا محبته لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت قتلني الله إن أبقيت عليه.
فقال له أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي وكان جريئا عليه: يا أمير المؤمنين أقول أم أسكت ؟ فقال: قتلني الله إن عفوت عن موسى بن جعفر، ولولا ما سمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور بما كان به جعفر من الفضل المبرز عن أهله في دينه وعلمه وفضله، وما بلغني عن السفاح فيه من تقريظه وتفضيله لنبشت قبره وأحرقته بالنار إحراقا، فقال أبو يوسف: نساؤه طوالق، وعتق جميع ما يملك من الرقيق، وتصدق بجميع ما يملك من المال، وحبس دوابه، وعليه المشي إلى بيت الله الحرام إن كان مذهب موسى بن جعفر الخروج لا يذهب إليه ولا مذهب أحد من ولده، ولا ينبغي أن يكون هذا منهم، ثم ذكر الزيدية وما ينتحلون.
فقال: وما كان بقي من الزيدية إلا هذه العصابة الذين كانوا قد خرجوا مع حسين وقد ظفر أمير المؤمنين بهم، ولم يزل يرفق به حتى سكن غضبه.
قال: وكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى بن جعفر بصورة الامر فورد الكتاب، فلما أصبح أحضر أهل بيته وشيعته فأطلعهم أبو الحسن على ما ورد عليه من الخبر وقال لهم: ما تشيرون في هذا ؟ فقالوا: نشير عليك أصلحك الله وعلينا معك أن تباعد شخصك عن هذا الجبار، وتغيب شخصك دونه فإنه لا يؤمن شره وعاديته وغشمه، سيما وقد توعدك وإيانا معك، فتبسم موسى ثم تمثل ببيت كعب بن مالك أخي بني سلمة وهو: زعمت سخينة أن ستغلب ربها * فليغلبن مغالب الغلاب ثم أقبل على من حضره من مواليه وأهل بيته فقال: ليفرخ روعكم إنه لا يرد أول كتاب من العراق إلا بموت موسى بن المهدي وهلاكه فقال: وما ذلك أصلحك الله ؟ قال: قد - وحرمة هذا القبر - مات في يومه هذا، والله " إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون " سأخبركم بذلك.
بينما أنا جالس في مصلاي بعد فراغي من وردي وقد تنومت عيناي إذا سنح جدي رسول الله في منامي فشكوت إليه موسى بن المهدي، وذكرت ما جرى منه في أهل بيته وأنا مشفق من غوائله، فقال لي: لتطب نفسك يا موسى، فما جعل الله لموسى عليك سبيلا، فبينما هو يحدثني إذ أخذ بيدي وقال لي: قد أهلك الله آنفا عدوك فليحسن لله شكرك.
قال: ثم استقبل أبو الحسن القبلة ورفع يديه إلى السماء يدعو، فقال أبو الوضاح: فحدثني أبي قال: كان جماعة من خاصة أبي الحسن من أهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال فإذا نطق أبو الحسن بكلمة وأفتى في نازلة أثبت القوم ما سمعوا منه في ذلك، قال: فسمعناه وهو يقول في دعائه شكرا لله جلت عظمته، ثم ذكر الدعاء.
وقال: ثم أقبل علينا مولانا أبو الحسن ثم قال: سمعت من أبي جعفر بن محمد يحدث عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده أمير المؤمنين أنه قد سمع رسول الله يقول: اعترفوا بنعمة الله ربكم عز وجل وتوبوا إليه من جميع ذنوبكم، فإن الله يحب الشاكرين من عباده، قال: ثم قمنا إلى الصلاة وتفرق القوم فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد بموت موسى بن المهدي والبيعة لهارون الرشيد.
16 - قال الفضل بن الربيع: لما اصطبح الرشيد يوما استدعا حاجبه فقال له: امض إلى علي بن موسى العلوي وأخرجه من الحبس، وألقه في بركة السباع، فما زلت ألطف به وأرفق، ولا يزداد إلا غضبا وقال: والله لئن لم تلقه إلى السباع لألقينك عوضه.
قال: فمضيت إلى علي بن موسى الرضا، فقلت له: إن أمير المؤمنين أمرني بكذا وبكذا، قال: افعل ما أمرت به فإني مستعين بالله تعالى عليه، وأقبل بهذه العوذة وهو يمشي معي إلى أن انتهيت إلى البركة ففتحت بابها وأدخلته فيها، و فيها أربعون سبعا وعندي من الغم والقلق أن يكون قتل مثله على يدي، وعدت إلى موضعي.
فلما انتصف الليل أتاني خادم فقال لي: إن أمير المؤمنين يدعوك فصرت إليه فقال: لعلي أخطأت البارحة بخطيئة أو أتيت منكرا فاني رأيت البارحة مناما هالني، وذلك أني رأيت جماعة من الرجال دخلوا علي وبأيديهم سائر السلاح وفي وسطهم رجل كأنه القمر ودخل إلى قلبي هيبته فقال لي قائل: هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعلى أبنائه فتقدمت إليه لأقبل قدميه فصرفني عنه، فقال: " هل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " ثم حول وجهه فدخل بابا. فانتبهت مذعورا لذلك ! فقلت: يا أمير المؤمنين أمرتني أن القي علي بن موسى للسباع فقال: ويلك ألقيته ؟ فقلت: إي والله، فقال: امض وانظر ما حاله فأخذت الشمع بين يدي وطالعته فإذا هو قائم يصلي، والسباع حوله، فعدت إليه فأخبرته فلم يصدقني، ونهض واطلع إليه فشاهده في تلك الحال: فقال: السلام عليك يا ابن عم، فلم يجبه حتى فرغ من صلاته، ثم قال: وعليك السلام يا ابن عم قد كنت أرجو أن لا تسلم علي في مثل هذا الموضع فقال: أقلني فاني معتذر إليك فقال له: قد نجانا الله تعالى بلطفه فله الحمد، ثم أمر باخراجه فاخرج فقال: فلا والله ما تبعه سبع.
فلما حضر بين يدي الرشيد عانقه، ثم حمله إلى مجلسه ورفعه فوق سريره وقال: يا ابن عم إن أردت المقام عندنا ففي الرحب والسعة، وقد أمرنا لك ولأهلك بمال وثياب، فقال له: لا حاجة لي في المال ولا الثياب، ولكن في قريش نفر يفرق ذلك عليهم، وذكر له قوما فأمر له بصلة وكسوة.
ثم سأله أن ركبه على بغال البريد إلى الموضع الذي يحب فأجابه إلى ذلك، وقال لي: شيعه فشيعته إلى بعض الطريق، وقلت له يا سيدي إن رأيت أن تطول علي بالعوذة فقال: منعنا أن ندفع عوذنا وتسبيحنا إلى كل أحد، ولكن لك علي حق الصحبة والخدمة فاحتفظ بها فكتبتها في دفتر وشددتها في منديل في كمي فما دخلت إلى أمير المؤمنين إلا ضحك إلي وقضى حوائجي، ولا سافرت إلا كانت حرزا وأمانا من كل مخوف، ولا وقعت في الشدة إلا دعوت بها، ففرج عني ثم ذكرها.


معاجز الإمام الكاظم عليه السّلام
1 - عن محمد بن الفضل قال: اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء هو من الأصابع إلى الكعبين ؟ أم هو من الكعبين إلى الأصابع ؟ فكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى: إن أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين فان رأيت أن تكتب إلي بخطك ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء الله. فكتب إليه أبو الحسن: فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء، والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثا وتستنشق ثلاثا، وتغسل وجهك ثلاثا وتخلل شعر لحيتك وتمسح رأسك كله وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا ولا تخالف ذلك إلى غيره.
فلما وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجب بما رسم فيه، مما أجمع العصابة على خلافه، ثم قال: مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره، وكان يعمل في وضوئه على هذا الحد، ويخالف ما عليه جميع الشيعة، امتثالا لأمر أبي الحسن، وسعى بعلي بن يقطين إلى الرشيد، وقيل: إنه رافضي مخالف لك.
فقال الرشيد لبعض خاصته: قد كثر عندي القول في علي بن يقطين والقرف له بخلافنا وميله إلى الرفض ولست أرى في خدمته لي تقصيرا، وقد امتحنته مرارا فما ظهرت منه على ما يقرف به وأحب أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك، فيتحرز مني.
فقيل له: إن الرافضة يا أمير المؤمنين تخالف الجماعة في الوضوء فتخففه ولا ترى غسل الرجلين فامتحنه يا أمير المؤمنين من حيث لا يعلم، بالوقوف على وضوئه، فقال: أجل إن هذا الوجه يظهر به أمره، ثم تركه مدة وناطه بشئ من الشغل في الدار، حتى دخل وقت الصلاة، وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته، فلما دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين، ولا يراه هو، فدعا بالماء للوضوء، فتمضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، وخلل شعر لحيته، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا، ومسح رأسه وأذنيه، وغسل رجليه والرشيد ينظر إليه.
فلما رآه وقد فعل ذلك لم يملك نفسه حتى أشرف عليه بحيث يراه، ثم ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم أنك من الرافضة.
وصلحت حاله عنده، وورد عليه كتاب أبي الحسن : ابتداءا: من الآن يا علي بن يقطين فتوض كما أمر الله، واغسل وجهك مرة فريضة، وأخرى إسباغا، واغسل يديك من المرفقين كذلك وامسح مقدم رأسك، وظاهر قدميك بفضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كان يخاف عليك والسلام.
2 - عن الحسن، عن أخيه، عن أبيه علي بن يقطين قال: استدعى الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر ويقطعه ويخجله في المجلس فانتدب له رجل معزم، فلما أحضرت المائدة عمل ناموسا على الخبز، فكان كلما رام خادم أبي الحسن تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه واستفز هارون الفرح والضحك لذلك، فلم يلبث أبو الحسن أن رفع رأسه إلى أسد مصور على بعض الستور فقال له: يا أسد الله خذ عدو الله قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع، فافترست ذلك المعزم فخر هارون وندماؤه على وجوههم مغشيا عليهم، وطارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه، فلما أفاقوا من ذلك بعد حين، قال هارون لأبي الحسن: أسألك بحقي عليك لما سألت الصورة أن ترد الرجل فقال: إن كانت عصا موسى ردت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيهم، فان هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل، فكان ذلك أعمل الأشياء في إفاقة نفسه.
3 - الخرائج: روي عن ابن أبي حمزة قال: كنت عند أبي الحسن موسى إذ دخل عليه ثلاثون مملوكا من الحبشة اشتروا له، فتكلم غلام منهم فكان جميلا بكلام فأجابه موسى بلغته، فتعجب الغلام وتعجبوا جميعا وظنوا أنه لا يفهم كلامهم، فقال له موسى: إني لأدفع إليك مالا فادفع إلى كل منهم ثلاثين درهما فخرجوا وبعضهم يقول لبعض: إنه أفصح منا بلغاتنا، وهذه نعمة من الله عليناقال علي بن أبي حمزة: فلما خرجوا قلت: يا ابن رسول الله رأيتك تكلم هؤلاء الحبشيين بلغاتهم ؟ ! قال: نعم، قال: وأمرت ذلك الغلام من بينهم بشئ دونهم ؟ قال: نعم أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا وأن يعطي كل واحد منهم في كل شهر ثلاثين درهما، لأنه لما تكلم كان أعلمهم فإنه من أبناء ملوكهم، فجعلته عليهم وأوصيته بما يحتاجون إليه، وهو مع هذا غلام صدق، ثم قال: لعلك عجبت من كلامي إياهم بالحبشة ؟ قلت: إي والله قال: لا تعجب فما خفي عليك من أمري أعجب وأعجب، وما الذي سمعته مني إلا كطائر أخذ بمنقاره من البحر قطرة، أفترى هذا الذي يأخذه بمنقاره ينقص من البحر ؟ ! والامام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده وعجائبه أكثر من عجائب البحر.
4 - قرب الإسناد: محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن علي بن فضال، عن علي بن أبي حمزة قال: كنت عند أبي الحسن إذ دخل عليه ثلاثون مملوكا من الحبش وقد اشتروهم له، فكلم غلاما منهم، وكان من الحبش جميل، فكلمه بكلام ساعة حتى أتى على جميع ما يريد، وأعطاه درهما فقال: أعط أصحابك هؤلاء كل غلام منهم كل هلال ثلاثين درهما، ثم خرجوا فقلت: جعلت فداك لقد رأيتك تكلم هذا الغلام بالحبشية، فماذا أمرته ؟ قال: أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا ويعطيهم في كل هلال ثلاثين درهما، وذلك أني لما نظرت إليه علمت أنه غلام عاقل من أبناء ملكهم فأوصيته بجميع ما أحتاج إليه، فقبل وصيتي، ومع هذا غلام صدق.
ثم قال: لعلك عجبت من كلامي إياه بالحبشية ؟ لا تعجب فما خفي عليك من أمر الامام أعجب وأكثر، وما هذا من الامام في علمه إلا كطير أخذ بمنقاره من البحر قطرة من ماء أفترى الذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئا ؟ قال: فإن الامام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده، وعجائبه أكثر من ذلك، والطير حين أخذ من البحر قطرة بمنقاره لم ينقص من البحر شيئا، كذلك العالم لا ينقصه علمه شيئا، ولا تنفد عجائبه.
5 - خالد السمان في خبر أنه دعا الرشيد رجلا يقال له علي بن صالح الطالقاني وقال له: أنت الذي تقول: إن السحاب حملتك من بلد الصين إلى طالقان ؟ فقال: نعم قال: فحدثنا كيف كان ؟ قال: كسر مركبي في لجج البحر فبقيت ثلاثة أيام على لوح تضربني الأمواج، فألقتني الأمواج إلى البر فإذا أنا بأنهار وأشجار، فنمت تحت ظل شجرة، فبينا أنا نائم إذ سمعت صوتا هائلا، فانتبهت فزعا مذعورا فإذا أنا بدابتين يقتتلان على هيئة الفرس، لا أحسن أن أصفهما، فلما بصرا بي دخلتا في البحر، فبينما أنا كذلك إذ رأيت طائرا عظيم الخلق، فوقع قريبا مني بقرب كهف في جبل، فقمت مستترا في الشجر حتى دنوت منه لأتأمله فلما رآني طار وجعلت أقفو أثره, فلما قمت بقرب الكهف سمعت تسبيحا وتهليلا وتكبيرا وتلاوة القرآن، و دنوت من الكهف فناداني مناد من الكهف: ادخل يا علي بن صالح الطالقاني، رحمك الله، فدخلت وسلمت فإذا رجل فخم ضخم غليظ الكراديس عظيم الجثة أنزع أعين، فرد علي السلام وقال: يا علي بن صالح الطالقاني أنت من معدن الكنوز لقد أقمت ممتحنا بالجوع والعطش والخوف، لولا أن الله رحمك في هذا اليوم فأنجاك وسقاك شرابا طيبا، ولقد علمت الساعة التي ركبت فيها، وكم أقمت في البحر، وحين كسر بك المركب، وكم لبثت تضربك الأمواج، وما هممت به من طرح نفسك في البحر لتموت اختيارا للموت، لعظيم ما نزل بك، والساعة التي نجوت فيها، ورؤيتك لما رأيت من الصورتين الحسنتين، واتباعك للطائر الذي رأيته واقعا، فلما رآك صعد طائرا إلى السماء، فهلم فاقعد رحمك الله.
فلما سمعت كلامه قلت: سألتك بالله من أعلمك بحالي ؟ فقال: عالم الغيب والشهادة، والذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين، ثم قال: أنت جائع فتكلم بكلام تململت به شفتاه، فإذا بمائدة عليها منديل، فكشفه وقال: هلم إلى ما رزقك الله فكل، فأكلت طعاما ما رأيت أطيب منه، ثم سقاني ماءا ما رأيت ألذ منه ولا أعذب، ثم صلى ركعتين ثم قال: يا علي أتحب الرجوع إلى بلدك ؟ فقلت: ومن لي بذلك ؟ ! فقال: وكرامة لأوليائنا أن نفعل بهم ذلك، ثم دعا بدعوات ورفع يده إلى السماء وقال: الساعة الساعة، فإذا سحاب قد أظلت باب الكهف قطعا قطعا، وكلما وافت سحابة قالت: سلام عليك يا ولي الله وحجته فيقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته أيتها السحابة السامعة المطيعة، ثم يقول لها: أين تريدين ؟ فتقول: أرض كذا فيقول: الرحمة ؟ أو سخط ؟ فنقول: لرحمة أو سخط وتمضي، حتى جاءت سحابة حسنة مضيئة فقالت: السلام عليك يا ولي الله وحجته قال: وعليك السلام أيتها السحابة السامعة المطيعة، أين تريدين ؟ فقالت: أرض طالقان فقال: لرحمة أو سخط ؟ فقالت: لرحمة فقال لها: احملي ما حملت مودعا في الله فقالت: سمعا وطاعة قال لها: فاستقري بإذن الله على وجه الأرض فاستقرت، فأخذ بعض عضدي فأجلسني عليها.
فعند ذلك قلت له: سألتك بالله العظيم وبحق محمد خاتم النبيين وعلي سيد الوصيين والأئمة الطاهرين من أنت ؟ فقد أعطيت والله أمرا عظيما فقال: ويحك يا علي بن صالح إن الله لا يخلي أرضه من حجة طرفة عين، إما باطن وإما ظاهر، أنا حجة الله الظاهرة، وحجته الباطنة، أنا حجة الله يوم الوقت المعلوم، وأنا المؤدي الناطق عن الرسول أنا في وقتي هذا، موسى بن جعفر، فذكرت إمامته وإمامة آبائه وأمر السحاب بالطيران، فطارت، فوالله ما وجدت ألما ولا فزعت فما كان بأسرع من طرفة العين حتى ألقتني بالطالقان في شارعي الذي فيه أهلي وعقاري سالما في عافية فقتله الرشيد وقال لا يسمع بهذا أحد.
6 - عن أبي بصير عن أبي الحسن الماضي قال: دخلت عليه فقلت له: جعلت فداك بم يعرف الامام ؟ فقال: بخصال أما أولهن فشئ تقدم من أبيه فيه، وعرفه الناس، ونصبه لهم علما، حتى يكون حجة عليهم، لان رسول الله صلى الله عليه وآله نصب عليا علما وعرفه الناس، وكذلك الأئمة يعرفونهم الناس، وينصبونهم لهم حتى يعرفوه ويسأل فيجيب، ويسكت عنه فيبتدي ويخبر الناس بما في غد، ويكلم الناس بكل لسان، فقال لي: يا أبا محمد الساعة قبل أن تقوم أعطيك علامة تطمئن إليها, فوالله ما لبثت أن دخل علينا رجل من أهل خراسان فتكلم الخراساني بالعربية فأجابه هو بالفارسية، فقال له الخراساني: أصلحك الله ما منعني أن أكلمك بكلامي إلا أني ظننت أنك لا تحسن، فقال: سبحان الله إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك، ثم قال: يا أبا محمد إن الامام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة، ولا شئ فيه روح، بهذا يعرف الامام، فإن لم يكن فيه هذه الخصال فليس هو بإمام.
7 - عن حماد بن عيسى قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر بالبصرة فقلت له: جعلت فداك ادع الله تعالى أن يرزقني دارا، وزوجة، وولدا، وخادما، والحج في كل سنة، قال: فرفع يده ثم قال: اللهم صل على محمد وآل محمد وارزق حماد بن عيسى دارا وزوجة وولدا وخادما والحج خمسين سنة قال حماد: فلما اشترط خمسين سنة علمت أني لا أحج أكثر من خمسين سنة، قال حماد: وقد حججت ثمانية وأربعين سنة، وهذه داري قد رزقتها، وهذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي، وهذا ابني، وهذه خادمي وقد رزقت كل ذلك، فحج بعد هذا الكلام حجتين تمام الخمسين، ثم خرج بعد الخمسين حاجا فزامل أبا العباس النوفلي فلما صار في موضع الاحرام دخل يغتسل فجاء الوادي فحمله فغرق، فمات رحمنا الله وإياه قبل أن يحج زيادة على الخمسين وقبره بسيالة.

8 - عن أمية بن علي القيسي قال: دخلت أنا وحماد ابن عيسى على أبي جعفر بالمدينة لنودعه فقال لنا: لا تخرجا أقيما إلى غد قال: فلما خرجنا من عنده، قال حماد: أنا أخرج فقد خرج ثقلي قلت: أما أنا فأقيم قال: فخرج حماد فجرى الوادي تلك الليلة فغرق فيه وقبره بسيالة.

9 - بصائر الدرجات: أحمد بن محمد، عن القاسم، عن جده، عن يعقوب بن إبراهيم الجعفري قال: سمعت إبراهيم بن وهب وهو يقول: خرجت وأنا أريد أبا الحسن بالعريض فانطلقت حتى أشرفت على قصر بني سراة ثم انحدرت الوادي فسمعت صوتا لا أرى شخصه وهو يقول: يا أبا جعفر صاحبك خلف القصر عند السدة فاقرأه مني السلام، فالتفت فلم أر أحدا ثم رد على الصوت باللفظ الذي كان، ثم فعل ذلك ثلاثا فاقشعر جلدي ثم انحدرت في الوادي حتى أتيت قصد الطريق الذي خلف القصر، ولم أطأ في القصر، ثم أتيت السد نحو السمرات ثم انطلقت قصد الغدير، فوجدت خمسين حياة روافع من عند الغدير.
ثم استمعت فسمعت كلاما ومراجعة فطفقت بنعلي ليسمع وطئي، فسمعت أبا الحسن يتنحنح، فتنحنحت وأجبته، ثم هجمت فإذا حية متعلقة بساق شجرة فقال: لا تخشي ولا ضائر، فرمت بنفسها، ثم نهضت على منكبه، ثم أدخلت رأسها في اذنه فأكثرت من الصفير، فأجاب: بلى قد فصلت بينكم، ولا يبغي خلاف ما أقول إلا ظالم، ومن ظلم في دنياه فله عذاب النار في آخرته، مع عقاب شديد، أعاقبه إياه وآخذ ماله إن كان له حتى يتوب، فقلت: بأبي أنت وأمي ألكم عليهم طاعة ؟ فقال: نعم والذي أكرم محمدا صلى الله عليه وآله بالنبوة، وأعز عليا عليه السلام بالوصية والولاية إنهم لأطوع لنا منكم، يا معشر الانس وقليل ما هم.
10 - عن علي بن يقطين قال: أردت أن أكتب إليه أسأله يتنور الرجل وهو جنب ؟ قال: فكتب إلي ابتداءا: النورة تزيد الجنب نظافة، ولكن لا يجامع الرجل مختضبا ولا تجامع مرأة مختضبة.


حِكم الإمام الكاظم عليه السّلام
1 - مناقب ابن شهرآشوب: موسى بن جعفر قال: دخلت ذات يوم من المكتب ومعي لوحي قال: فأجلسني أبي بين يديه وقال: يا بني اكتب: تنح عن القبيح ولا ترده ثم قال: أجزه، فقلت: ومن أوليته حسنا فزده.
ثم قال: ستلقى من عدوك كل كيد, فقلت: إذا كاد العدو فلا تكده قال: فقال: ذرية بعضها من بعض.
2 - عن عمر بن يزيد قال: كنت عند أبي الحسن فذكر محمد فقال: إني جعلت على أن لا يظلني وإياه سقف بيت، فقلت في نفسي: هذا يأمر بالبر والصلة ويقول هذا لعمه قال: فنظر إلي فقال: هذا من البر والصلة إنه متى يأتيني ويدخل علي، فيقول ويصدقه الناس وإذا لم يدخل علي، لم يقبل قوله إذا قال.
3 - عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن موسى قال: قلت له: إني قد أشفقت من دعوة أبي عبد الله على ابن يقطين وما ولد فقال: يا أبا الحسن ليس حيث تذهب إنما المؤمن في صلب الكافر بمنزلة الحصاة في اللبنة، يجئ المطر فيغسل اللبنة فلا يضر الحصاة شيئا.
4 - عن إبراهيم بن المفضل بن قيس، قال: سمعت أبا الحسن الأول وهو يحلف أن لا يكلم محمد بن عبد الله الأرقط أبدا، فقلت في نفسي: هذا يأمر بالبر والصلة ويحلف أن لا يكلم ابن عمه أبدا، قال: فقال: هذا من بري به، هو لا يصبر أن يذكرني ويعينني فإذا علم الناس ألا أكلمه لم يقبلوا منه وأمسك عن ذكري فكان خيرا له.
5 - عن صفوان قال: سألني أبو الحسن ومحمد بن خلف جالس فقال لي: مات يحيى بن القاسم الحذاء ؟ فقلت له: نعم، ومات زرعة فقال: كان جعفر يقول: فمستقر ومستودع، فالمستقر قوم يعطون الايمان ومستقر في قلوبهم والمستودع قوم يعطون الايمان ثم يسلبونه.
6 - لقي الرشيد موسى بن جعفر على بغلة فاستنكر ذلك وقال : أتركب دابة إن طلبت عليها لم تلحق وإن طلبت له لم تسبق، فقال: لست بحيث أحتاج أن أطلب أو أطلب، فإنها دابة تنحط عن خيلاء وترتفع عن ذلة الحمير وخير الأمور أوساطها.


عبادة الإمام الكاظم عليه السّلام
1 - الحسين بن سعيد أو النوادر: إبراهيم بن أبي البلاد قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: إني أستغفر الله في كل يوم خمسة آلاف مرة.
2 - عن حفص قال: ما رأيت أحدا أشد خوفا على نفسه من موسى بن جعفر ولا أرجى للناس منه وكانت قراءته حزنا فإذا قرأ فكأنه يخاطب إنسانا.
3 - اليوناني كانت لموسى بن جعفر - بضع عشرة سنة - كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال، وكان أحسن الناس صوتا بالقرآن فكان إذا قرأ يحزن، وبكى السامعون لتلاوته، وكان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع.
4 - عن هشام ابن أحمر قال: كنت أسير مع أبي الحسن عليه السلام في بعض أطراف المدينة إذ ثنى رجله عن دابته فخر ساجدا فأطال وأطال، ثم رفع رأسه وركب دابته فقلت: جعلت فداك قد أطلت السجود ؟ ! فقال: إنني ذكرت نعمة أنعم الله بها علي فأحببت أن أشكر ربي.
5 - عن أبي الوضاح محمد ابن عبد الله النهشلي، عن أبيه قال: سمعت الامام أبا الحسن موسى بن جعفر يقول: التحدث بنعم الله شكر، وترك ذلك كفر، فارتبطوا نعم ربكم تعالى بالشكر وحصنوا أموالكم بالزكاة، وادفعوا البلاء بالدعاء، فإن الدعاء جنة منجية ترد البلاء وقد أبرم إبراما.
6 - أحمد بن عبد الله، عن أبيه قال: دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال لي: أشرف على هذا البيت وانظر ما ترى ؟ فقلت: ثوبا مطروحا فقال: انظر حسنا فتأملت فقلت: رجل ساجد، فقال لي تعرفه ؟ هو موسى بن جعفر، أتفقده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الأوقات إلا على هذه الحالة إنه يصلي الفجر فيعقب إلى أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة، فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس وقد وكل من يترصد أوقات الصلاة، فإذا أخبره وثب يصلي من غير تجديد وضوء، وهو دأبه، فإذا صلى العتمة أفطر، ثم يجدد الوضوء ثم يسجد فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر، وقال بعض عيونه: كنت أسمعه كثيرا يقول في دعائه " اللهم إنك تعلم أنني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم وقد فعلت فلك الحمد ".
وكان يقول في سجوده " قبح الذنب من عبدك فليحسن العفو والتجاوز من عندك ".
ومن دعائه " اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب.


أدعية الإمام موسى الكاظم عليه السلام
1- دعاؤه لطلب الرزق:
قال: يا الله، أسألك بحقّ من حقّه عليك عظيم، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن ترزقني العمل بما علّمتني من معرفة حقّك، وأن تبسط عليّ ما حظرت من رزقك.
2 - دعاؤه لطلب العافية:
قال: توكّلت على الحيّ الذي لا يموت، وتحصّنت بذي العزّة والجبروت، واستعنت بذي الكبرياء والملكوت، مولاي استسلمت إليك فلا تسلّمني، وتوكّلت عليك فلا تخذلني، ولجأت إلى ظلّك البسيط فلا تطرحني، أنت المطلب، واليك المهرب، تعلم ما أخفي وما أعلن، وتعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فامسك عنّي اللَّهمَّ أيدي الظالمين من الجنّ والإنس أجمعين، واشفني يا أرحم الراحمين .
3 - دعاؤه في الأخلاق:
قال: السر عندك علانية، والغيب عندك شهادة، تعلم وهم القلوب، ورجم الغيوب، ورجع الألسن، وخائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنت رجاؤنا عند كل شدّة، وغياثنا عند كل محل، وسيّدنا في كل كريهة، وناصرنا عند كل ظلم، وقوّتنا عند كل ضعف، وبلاغنا في كل عجز, كم من كريهة وشدّة ضعفت فيها القوّة، وقلّت فيها الحيلة، أسلمنا فيها الرفيق، وخذلنا فيها الشفيق، أنزلتها بك يا رب، ولم نرج غيرك، ففرّجتها وخففت ثقلها، وكشفت غمرتها، وكفيتنا إيّاها عمّن سواك.
4 - دعاؤه لوفاء الدين:
قال: اللّهم اردد على جميع خلقك مظالمهم التي قِبَلِي، صغيرها وكبيرها في يسر منك وعافية، وما لم تبلغه قوّتي، ولم تسعه ذات يدي، ولم يقوَ عليه بدني ويقيني ونفسي، فأدّه عنّي من جزيل ما عندك من فضلك، ثمّ لا تخلف عليّ منه شيئاً تقضيه من حسناتي، يا أرحم الراحمين، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله.
5 - دعاؤه في القنوت:
قال : يا مفزع الفازع، ويا مأمن الهالع، ومطمع الطامع، وملجأ الضارع، يا غوث اللهفان، ومأوى الحيوان، ومروي الظمآن، ومشبع الجوعان، وكاسي العريان، وحاضر كل مكان، بلا درك ولا عيان، ولا صفة ولا بطان، عجزت الأفهام، وضلّت الأوهام عن موافقة صفة دابة من الهوام، فضلاً عن الأجرام العظام، ممّا أنشأت حجاباً لعظمتك، وأنّى يتغلغل إلى ما وراء ذلك بما لا يرام.
تقدّست يا قدّوس عن الظنون والحدوس، وأنت الملك القدوس، بارئ الأجسام والنفوس، ومنخر العظام، ومميت الأنام، ومعيدها بعد الفناء والتطميس.
أسألك يا ذا القدرة والعلاء، والعز والثناء، أن تصلّي على محمّد وآله أولي النهى، والمحل الأوفى، والمقام الأعلى، وأن تعجّل ما قد تأجّل، وتقدّم ما تأخّر، وتأتي بما قد أوجبت إثباته، وتقرّب ما قد تأخّر في النفوس الحصرة أوانه، وتكشف البأس وسوء البأس، وعوارض الوسواس الخنّاس في صدور الناس، وتكفينا ما قد رهقنا، وتصرف عنّا ما قد ركبنا، وتبادر اصطلام الظالمين، ونصر المؤمنين، والادالة من المعاندين، آمين رب العالمين.
6 - دعاؤه لطلب الحاجة:
قال: يا سابق كل فوت، يا سامعاً لكل صوت قوي أو خفي، يا محيي النفوس بعد الموت، لا تغشاك الظلمات الحندسية، ولا تشابه عليك اللغات المختلفة، ولا يشغلك شيء عن شيء، يا من لا يشغله دعوة داع دعاه من السماء، يا من له عند كل شيء من خلقه سمع سامع، وبصر نافذ، يا من لا تغلظه كثرة المسائل، ولا يبره إلحاح الملحّين، يا حيّ حين لا حيّ في ديمومة ملكه وبقائه، يا من سكن العلى، واحتجب عن خلقه بنوره، يا من أشرقت لنوره دجا الظلم، أسألك باسمك الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي هو من جميع أركانك، صلّ على محمّد وأهل بيته. ثمّ يسأل حاجته.


أدعية الإمام موسى الكاظم عليه السلام لأيام الأسبوع
دعاؤه ليوم الجمعة قال: مرحباً بخلق الله الجديد، وبكما من كاتبين وشاهدين اكتبا: بسم الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ الإسلام كما وصف، والدين كما شرع، وأنّ الكتاب كما أنزل، والقول كما حدث، وإنّ الله هو الحق المبين، وصلوات الله وبركاته وشرايف تحياته وسلامه على محمّد وآله.
أصبحت في أمان الله الذي لا يستباح، وفي ذمّة الله التي لا تخفر، وفي جوار الله الذي لا يُضام، وكنفه الذي لا يرام، وجار الله آمن محفوظ، ما شاء الله، كل نعمة فمن الله، ما شاء الله، لا يأتي الخير إلاّ الله، ما شاء الله، نعم القادر الله، ما شاء الله، توكّلت على الله.
أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير.
اللّهم اغفر لي كل ذنب يحبس رزقي، ويحجب مسألتي، أو يقصر بي عن بلوغ مسألتي، أو يصد بوجهك الكريم عنّي.
اللّهم اغفر لي، وارزقني، وارحمني، وأجبرني، وعافني، واعف عنّي، وارفعني، واهدني، وانصرني، والق قلبي الصبر، والنصر يا مالك الملك، فإنّه لا يملك ذلك غيرك.
اللّهم وما كتبت عليّ من خير فوفّقني واهدني له، ومُنَّ عليّ به، وأعنّي وثبّتني عليه، واجعله أحب إليّ من غيره، وأثر عندي ممّا سواه، وزدني من فضلك.
اللّهم إنّي أسألك رضوانك والجنّة، وأعوذ بك من سخطك والنار، وأسألك النصيب الأوفر في جنّات النعيم.
اللّهم طهّر لساني من الكذب، وقلبي من النفاق، وعملي من الرياء، وبصري من الخيانة، فإنّك تعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور.
اللّهم إن كنت عندك محروماً مقتراً عليّ رزقي فامح حرماني، وتقتير رزقي، واكتبني عندك مرزوقاً موفّقاً للخيرات، فإنّك قلت تباركت وتعاليت: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ. صلّى الله على محمّد وآله، إنّك حميد مجيد.

دعاؤه ليوم السبت قال: مرحباً بخلق الله الجديد، وبكما من كاتبين وشاهدين اكتبا: بسم الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأشهد أنّ الإسلام كما وصف، وإنّ الدين كما شرع، وإنّ الكتاب كما أنزل، والقول كما حدث، وإنّ الله هو الحق المبين، وصلوات الله وسلامه على محمّد وآله.
أصبحت اللّهم في أمانك، أسلمت إليك نفسي، ووجّهت إليك وجهي، وفوّضت إليك أمري، وألجأت إليك ظهري، رهبة منك، ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلاّ إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ورسولك الذي أرسلت.
اللّهم إنّي فقير إليك فارزقني بغير حساب، إنّك ترزق من تشاء بغير حساب، اللّهم إنّي أسألك الطيّبات من الرزق، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تتوب عليّ.
اللّهم إنّي أسألك بكرامتك التي أنت أهلها، أن تتجاوز عن سوء ما عندي، بحسن ما عندك يا الله، وأن تعطيني من جزيل عطائك، أفضل ما أعطيته أحداً من عبادك.
اللّهم إنّي أعوذ بك من مال يكون عليّ فتنة، ومن ولد يكون لي عدواً، اللّهم قد ترى مكاني، وتسمع ندائي وكلامي، وتعلم حاجتي، أسألك بجميع أسمائك أن تقضي لي كل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة.
اللّهم إنّي أدعوك دعاء عبد ضعفت قوّته، واشتدت فاقته، وعظم جرمه، وقلّ عدده، وضعف عمله، دعاء من لا يجد لفاقته ساداً غيرك، ولا لضعفه عوناً سواك، أسألك جوامع الخير وخواتمه وسوابقه وفوائده، وجميع ذلك بدوام فضلك وإحسانك، ويمنك ورحمتك، فارحمني واعتقني من النار.
يا من كبس الأرض على الماء، يا من سمك السماء في الهواء، ويا واحداً قبل كل أحد، ويا واحداً بعد كل شيء، ويا من لا يعلم ولا يدري كيف هو إلاّ هو، ويا من لا يقدّر قدرته إلاّ هو، ويا من كل يوم هو في شأن، يا من لا يشغله شأن عن شأن، ويا غوث المستغيثين، ويا صريخ المكروبين، يا مجيب دعوة المضطرّين، ويا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما.
رب ارحمني رحمة لا تضلّني ولا تشقني بعدها أبداً، إنّك حميد مجيد، وصلّى الله على محمّد وآله.

دعاؤه ليوم الأحد قال: مرحباً بخلق الله الجديد، وبكما من كاتبين وشاهدين، اكتبا: باسم الله، اشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، واشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ الإسلام كما وصف، والدين كما شرع، وأنّ الكتاب كما أنزل، والقول كما حدث، وأنّ الله هو الحق المبين، حيّا الله محمّداً بالسلام، وصلى عليه كما هو أهله وعلى آله.
أصبحت وأصبح الملك والكبرياء والعظمة، والخلق والأمر، والليل والنهار، وما يكون فيهما لله وحده لا شريك له.
اللهم اجعل أوّل هذا النهار صلاحاً، وأوسطه نجاحاً، وآخره فلاحاً، وأسألك خير الدنيا والآخرة.
اللّهم لا تدع لي ذنباً إلاّ غفرته، ولا همّاً إلاّ فرّجته، ولا ديناً إلاّ قضيته، ولا غائباً إلاّ حفظته، وأدّيته، ولا مريضاً إلاّ شفيته، وعافيته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضى، ولي فيها صلاح إلاّ قضيتها.
اللّهم تمّ نورك فهديت، وعظم حلمك فعفوت، وبسطت يدك فأعطيت، فلك الحمد، وجهك خير الوجوه، وعطيّتك أنفع العطية، فلك الحمد تطاع ربّنا فتشكر، وتعصى ربّنا فتغفر، تجيب المضطرّ وتكشف الضر، وتشفي السقم، وتنجي من الكرب العظيم ؛ لا تجزي بآلائك، ولا يحصي نعمائك أحدٌ، رحمتك وسعت كل شيء فارحمني، ومن الخيرات فارزقني.
تقبّل صلاتي، واسمع دعائي، ولا تعرض عنّي يا مولاي حين أدعوك، ولا تحرمني الهي حين أسألك من أجل خطاياي ؛ الهي لا تحرمني لقاءك، واجعل محبّتي وإرادتي محبّتك وإرادتك، واكفني هول المطلع.
اللّهم إنّي أسألك إيماناً لا يرتد، ونعيماً لا ينفذ، ومرافقة محمّد في أعلى جنّة الخلد.
اللّهم وأسألك العفاف والتقى، والعمل بما تحب وترضى، والرضا بالقضاء، والنظر إلى وجهك، اللّهم لقّني حجّتي عند الممات، ولا ترني عملي حسرات.
اللّهم اكفني طلب ما لم تقدر لي من الرزق، وما قسمت لي فاتني به يا الله في يسر منك وعافية.
اللّهم إنّي أسألك توبة نصوحاً تقبلها منّي، تبقي عليّ بركتها، وتغفر بها ما مضى من ذنوبي، وتعصمني بها فيما مضى من عمري، يا أهل التقوى والمغفرة، وصلّى الله على محمّد وآل محمّد، إنّك حميد مجيد.

دعاؤه ليوم الاثنين قال: مرحباً بخلق الله الجديد، وبكما من كاتبين وشاهدين، اكتبا: بسم الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأشهد أنّ الإسلام كما وصف، وأنّ الدين كما شرع، وأنّ القول كما حدث، وأنّ الكتاب كما أنزل، وأنّ الله هو الحق المبين، حيّا الله محمّداً بالسلام، وصلى عليه وعلى آله.
اللّهم ما أصبحت فيه من عافية في ديني ودنياي، فأنت الذي أعطيتني ورزقتني ووفّقتني له، وسترتني، ولا حمد لي يا الهي في ما كان منّي من خير، ولا عذر لي منه.
اللهم إنّه لا حول ولا قوّة لي على جميع ذلك إلاّ بك، يا من بلغ أهل الخير وأعانهم عليه، بلّغني الخير وأعنّي عليه.
اللّهم أحسن عاقبتي في الأمور كلّها، وأجرني من مواقف الخزي في الدنيا والآخرة، إنّك على كل شيء قدير.
اللّهم إنّي أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، وأسألك الغنيمة من كل برّ، والسلامة من كل إثم، وأسألك الفوز بالجنّة، والنجاة من النار.
اللّهم رضّني بقضائك حتّى لا أحب تعجيل ما أخّرت، ولا تأخير ما عجّلت عليّ، اللّهم اعطني ما أحببت، واجعله خيراً لي، اللّهم ما أنسيتني فلا تنسني ذكرك، وما أحببت فلا أحب معصيتك.
اللّهم امكر لي ولا تمكر عليّ، واعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، واهدني ويسّر لي الهدى، واعنّي على من ظلمني حتّى أبلغ فيه ثأري، اللّهم اجعلني لك شاكراً ذاكراً لك، محبّاً لك، راهباً، واختم لي منك بخير.
اللّهم إنّي أسألك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أن تحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وإن تتوفّاني إذا كانت الوفاة خيراً لي، وأسألك خشيتك في السر والعلانية، والعدل في الرضى والغضب، والقصد في الغنى والفقر، وأن تحبّب إليّ لقاءك في غير ضرّاء مضرّة، ولا فتنةٍ مضلّة، واختم لي بما ختمت به لعبادك الصالحين، إنّك حميد مجيد.

دعاؤه ليوم الثلاثاء قال: مرحباً بخلق الله الجديد، وبكما من كاتبين وشاهدين، اكتبا: بسم الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأشهد أنّ الإسلام كما وصف، وأنّ الدين كما شرع، وأنّ القول كما حدث، وأنّ الكتاب كما أنزل، وأنّ الله هو الحق المبين، حيّا الله محمّداً بالسلام، وصلّى عليه وعلى آله.
وأصبحت أسألك يا الله، والعافية في ديني ودنياي وآخرتي، وأهلي ومالي وولدي، اللّهم استر عوراتي، وأجب دعواتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، اللّهم إن رفعتني فمن ذا الذي يضعني، وإن تضعني فمن ذا الذي يرفعني.
اللّهم لا تجعلني للبلاء عرضاً، ولا للفتنة نصباً، ولا تتبعني ببلاء على أثر بلاء، فقد ترى ضعفي وقلّة حيلتي وتضرّعي، أعوذ بك من جميع غضبك فأعذني، واستجير بك فأعنّي، وأتوكّل عليك فاكفني، واستهديك فاهدني، واستعصمك فاعصمني، واستغفرك فاغفر لي، واسترحمك فارحمني، واسترزقك فارزقني ؛ سبحانك من ذا يعلم ما أنت ولا يخافك، ومن يعرف قدرتك ولا يهابك، سبحانك ربّنا.
اللّهم إنّي أسألك إيماناً دائماً، وقلباً خاشعاً، وعلماً نافعاً، ويقيناً صادقاً، وأسألك ديناً قيّماً، وأسألك رزقاً واسعاً.
اللّهم لا تقطع رجاءنا، ولا تخيّب دعاءنا، ولا تجهد بلاءنا، وأسألك العافية والشكر على العافية، وأسألك الغنى عن الناس أجمعين، يا ارحم الراحمين، ويا منتهى همّة الراغبين، والمفرّج عن المغمومين، ويا من إذا أراد شيئاً فحسبه أن يقول له كن فيكون.
اللّهم إنّ كل شيء لك، وكل شيء بيدك، وكل شيء إليك يصير، وأنت على كل شيء قدير ؛ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ميسّر لما عسّرت، ولا معقّب لما حكمت، ولا ينفع ذا الجد منك الجدّ، ولا قوّة إلاّ بك، ما شئت كان، وما لم تشأ لم يكن.
اللّهم فما قصر عنه عملي ورأيي، ولم تبلغه مسألتي من خير وعدته أحداً من خلقك، وخير أنت معطيه أحداً من خلقك، فإنّي أسألك وأرغب إليك فيه، يا أرحم الراحمين، اللّهم صل على محمّد وآله، إنّك حميد مجيد.

دعاؤه ليوم الأربعاء قال: مرحباً بخلق الله الجديد، وبكما من كاتبين وشاهدين، اكتبا: بسم الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأشهد أنّ الإسلام كما وصف، والدين كما شرع، وأنّ الكتاب كما أنزل، وأنّ القول كما حدث، وأنّ الله هو الحق المبين، حيّا الله محمّداً بالسلام، وصلّى عليه وعلى آله.
اللّهم اجعلني من أفضل عبادك نصيباً في كل خير تقسمه في هذا اليوم، من نور تهدي به، أو رزق تبسطه، أو ضرّ تكشفه، أو بلاء تصرفه، أو شرّ تدفعه، أو رحمة تنشرها، أو معصية تصرفها.
اللّهم اغفر لي ما قد سلف من ذنوبي، واعصمني فيما بقي من عمري، وارزقني عملاً ترضى به عنّي.
اللّهم إنّي أسألك بكل اسم هو لك سمّيت به نفسك، أو أنزلته في شيء من كتبك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أو علّمته أحداً من خلقك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، وشفاء صدري، ونور بصري، وذهاب همّي وحزني إنّه لا حول ولا قوّة إلاّ بك.
اللّهم رب الأرواح الفانية، ورب الأجساد البالية، أسألك بطاعة الأرواح البالغة إلى عروجها، وبطاعة القبور المشتقّة عن أهلها، وبدعوتك الصادقة فيهم، وأخذك الحق بينهم وبين الخلائق مثلاً ينطقون من مخافتك، يرجون رحمتك، ويخافون عذابك، أسألك النور في بصري، واليقين في قلبي، والإخلاص في عملي، وذكرك على لساني أبداً ما أبقيتني.
اللّهم ما فتحت لي من باب طاعة فلا تغلقه عنّي أبداً، وما أغلقت عنّي من باب معصية فلا تفتحه عليّ أبداً، اللّهم ارزقني حلاوة الإيمان، وطعم المغفرة، ولذّة الإسلام، وبرد العيش بعد الموت، إنّه لا يملك ذلك غيرك.
اللّهم إنّي أعوذ بك أن أضل أو أذل، أو أظلم أو آمر، أو أجهل أو يجهل عليّ، أو أجور أو يجار عليّ، أخرجني من الدنيا مغفوراً لي ذنبي، ومقبولاً عملي، واعطني كتابي بيميني، واحشرني في زمرة النبي محمّد وآله.

دعاؤه ليوم الخميس قال: مرحباً بخلق الله الجديد، وبكما من كاتبين وشاهدين، اكتبا: بسم الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، واشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأشهد أنّ الإسلام كما وصف، وأنّ الدين كما شرع، والقول كما حدث، والكتاب كما أنزل، وإنّ الله هو الحق المبين ؛ حيّا الله محمّداً بالسلام، وصلّى عليه وعلى آله.
أصبحت أعوذ بوجه الله الكريم، واسمه العظيم، وكلماته التامّة، من شر السامّة والهامّة، والعين اللامة، ومن شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر كل دابّة ربّي أخذ بناصيتها، إنّ ربّي على صراط مستقيم.
اللّهم إنّي أعوذ بك من جميع خلقك، وأتوكّل عليك في جميع أموري، فاحفظني من بين يدي ومن خلفي، ومن فوقي ومن تحتي، ولا تكلني في حوائجي إلى عبد من عبادك فيخذلني، أنت مولاي وسيّدي فلا تخيّبني من رحمتك.
اللّهم إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحويل عافيتك، استعنت بحول الله وقوّته من حول خلقه وقوّتهم، وأعوذ برب الفلق من شر ما خلق، حسبي الله ونعم الوكيل.
اللّهم أعزّني بطاعتك، وأذلّ أعدائي بمعصيتك، واقصمهم يا قاصم كل جبّار عنيد، يا من لا يخيب من دعاه، ويا من إذا توكّل العبد عليه كفاه، اكفني كل مهم من أمر الدنيا والآخرة.
اللّهم إنّي أسألك عمل الخائفين، وخوف العاملين، وخشوع العابدين، وعبادة المتّقين، وإخبات المؤمنين، وإنابة المخبتين، وتوكّل الموقنين، ويسر المتوكّلين، وألحقنا بالأحياء المرزوقين، وأدخلنا الجنّة، واعتقنا من النار، واصلح لنا شأننا كلّه.
اللّهم إنّي أسألك إيماناً صادقاً، يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمير الصامتين، إنّك بكل خير عالم غير معلّم، أن تقضي لي حوائجي، وأن تغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله، إنّك حميد مجيد.


استجابة دعاء الإمام موسى الكاظم عليه السلام
1ـ قال عبد الله بن صالح: حدّثنا صاحب الفضل بن الربيع، قال: كنت ذات ليلة في فراشي، مع بعض جواري، فلمّا كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة، فراعني ذلك، فقالت الجارية: لعلّ هذا من الهواء، فلم يمض إلاّ يسير حتّى رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح، وإذا مسرور الكبير قد دخل عليّ, فقال: أجب الرشيد، ولم يسلّم عليّ، فيئست من نفسي، وقلت: هذا مسرور، ويدخل بلا إذن ولم يسلّم، ما هو إلاّ القتل ؛ فقالت الجارية لمّا رأت تحيّري: ثق بالله عزّ وجلّ وانهض، فنهضت ولبست ثيابي، وخرجت معه حتّى أتيت الدار، فسلّمت على أمير المؤمنين ـ وهو في مرقده ـ فردّ عليّ السلام، فسقطت, فقال: تداخلك رعب ! قلت: نعم يا أمير المؤمنين, فتركني ساعة حتّى سكنت، ثمّ قال: صر إلى حبسنا فاخرج موسى بن جعفر بن محمّد، وادفع إليه ثلاثين ألف درهم، واخلع عليه خمس خلع، واحمله على ثلاثة مراكب، وخيّره بين المقام معنا، أو الرحيل عنّا إلى أي بلاد أحب, فقلت له: يا أمير المؤمنين ! تأمر بإطلاق موسى بن جعفر ؟! قال: نعم، فكررت ثلاث مرّات، فقال: نعم، ويلك ! أتريد أن أنكث العهد ؟! فقلت: يا أمير المؤمنين ! وما العهد ؟!
قال: بينا أنا في مرقدي هذا، إذ ساورني أسد، ما رأيت من الأسود أعظم منه، فقعد على صدري، وقبض على حلقي، وقال لي: حبست موسى بن جعفر ظالماً له, فقلت: وأنا أطلقه، وأهب له، وأخلع عليه، فأخذ عليّ عهد الله عزّ وجلّ وميثاقه، وقام عن صدري، وقد كادت نفسي أن تخرج، فقال: فخرجت من عنده، ووافيت موسى بن جعفر وهو في حبسه، فرأيته قائماً يصلّي، فجلست حتّى سلّم، ثمّ أبلغته سلام أمير المؤمنين، وأعلمته بالذي أمرني به في أمره، وإنّي قد أحضرت ما وصله به, فقال: إن كنت أمرت بشيء غير هذا، فأفعله, فقلت: لا، وحق جدّك رسول الله، ما أمرت إلاّ بهذا, فقال: لا حاجة لي في الخلع والحملان والمال، إذا كانت فيه حقوق الأمّة, فقلت: ناشدتك الله أن لا تردّه فيغتاظ، فقال: اعمل به ما أحببت.
وأخذت بيده ، وأخرجته من السجن، ثمّ قلت له: يا ابن رسول الله، أخبرني ما السبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل، فقد وجب حقّي عليك لبشارتي إيّاك، ولما أجراه الله تعالى من هذا الأمر ؟
فقال: رأيت النبي ليلة الأربعاء في النوم، فقال لي: يا موسى أنت محبوس مظلوم، فقلت: نعم يا رسول الله محبوس مظلوم، فكرّر عليّ ثلاثاً، ثمّ قال: لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ, الأنبياء:
أصبح غداً صائماً، واتبعه بصيام الخميس والجمعة، فإذا كان وقت الإفطار فصل اثنتي عشرة ركعة، تقرأ في كل ركعة: الحمد واثنتي عشرة قل هو الله أحد، فإذا صليت منها أربع ركعات فاسجد.
ثمّ قل: يا سابق الفوت، يا سامع كل صوت، ويا محي العظام وهي رميم بعد الموت، أسألك باسمك العظيم الأعظم، أن تصلّي على محمّد عبدك ورسولك، وعلى أهل بيته الطاهرين، وأن تعجّل لي الفرج ممّا أنا فيه، ففعلت فكان الذي رأيت.
2ـ نقل صاحب كتاب نثر الدرر: أنّ الإمام موسى الكاظم ذكر له، أنّ الهادي قد هم بك، قال لأهل بيته ومن يليه: ما تشيرون به عليّ من الرأي ؟.
فقالوا: نرى أن تتباعد عنه، وأن تغيّب شخصك عنه، فإنّه لا يؤمن عليك من شرّه، فتبسّم، ثمّ قال:
زعمت سخينة أن ستغلب ** ربّها وليغلبن مغالب الغلاب.
ثمّ رفع يده إلى السماء، فقال: الهي كم من عدو شحذ لي ظبة مديته، وأرهف لي شبا حدّه، وداف لي قواتل سمومه، ولم تنم عنّي عين حراسته، فلمّا رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح، وعجزي عن ملمّات الحوائج، صرفت ذلك عنّي بحولك وقوّتك، لا بحلوي وقوّتي، وألقيته في الحفيرة التي احتفرها لي، خائباً ممّا أمله في دنياه، متباعداً عمّا يرجوه في أخراه, فلك الحمد على قدر ما عممتني فيه نعمك، وما توليتني من جودك وكرمك، اللّهم فخذه بقوّتك، وافلل حدّه عنّي بقدرتك، واجعل له شغلاً فيما يليه، وعجزاً به عما ينويه.
اللَّهُمَّ واعدني عليه عدوة حاضرة، تكون من غيظي شفاءً، ومن حنقي عليه وفاءً، وصل اللّهم دعائي بالإجابة، وانظم شايتي بالتغيير، وعرفه عمّا قليل ما وعدت به من الإجابة لعبيدك المضطرين، إنّك ذو الفضل العظيم، والمن الجسيم.
ثمّ إنّ أهل بيته انصرفوا عنه، فلمّا كان بعد مدّة يسيرة، اجتمعوا لقراءة الكتاب الوارد على موسى الكاظم بموت الهادي.
3ـ عن ابن أبي عمير قال: حدّثني أبو جعفر الشامي، قال: حدّثني رجل بالشام يقال له هلقام، قال: أتيت أبا إبراهيم، فقلت له: جعلت فداك علّمني دعاء جامعاً للدنيا والآخرة وأوجز.
فقال: قل في دبر الفجر إلى أن تطلع الشمس: سبحان الله العظيم وبحمده، استغفر الله، وأسأله من فضله, قال هلقام: لقد كنت من أسوء أهل بيتي حالاً، فما علمت حتّى أتاني ميراث من قبل رجل ما ظننت أنّ بيني وبينه قرابة، وإنّي اليوم من أيسر أهل بيتي، وما ذلك إلاّ بما علّمني مولاي العبد الصالح .
4ـ قال داود بن زربي: سمعت أبا الحسن الأوّل يقول: اللّهم إنّي أسألك العافية، وأسألك جميل العافية، وأسألك شكر العافية، وأسألك شكر شكر العافية. وكان النبي يدعو ويقول: أسألك تمام العافية، ثمّ قال: تمام العافية الفوز بالجنّة، والنجاة من النار. ولا ريب أنّ الدعاء من قلب العبد الصالح المؤمن، التقي، الورع، يستجاب من الله العزيز القدير، وجاء ذلك في القرآن الكريم: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ.
5 - مناقب ابن شهرآشوب: حكي أنه مغص بعض الخلفاء فعجز بختيشوع النصراني عن دوائه وأخذ جليدا فأذابه بدواء، ثم أخذ ماءا وعقده بدواء وقال: هذا الطب إلا أن يكون مستجاب دعاء ذا منزلة عند الله يدعو لك فقال الخليفة: علي بموسى بن جعفر فاتي به فسمع في الطريق أنينه، فدعا الله سبحانه، وزال مغص الخليفة فقال له: بحق جدك المصطفى أن تقول بم دعوت لي ؟ فقال قلت: اللهم كما رأيته ذل معصيته، فأره عز طاعتي، فشفاه الله من ساعته.
6 - عن عبد الله بن الفضل، عن أبيه الفضل قال: كنت أحجب للرشيد فأقبل علي يوما غضبانا وبيده سيف يقلبه فقال لي: يا فضل بقرابتي من رسول الله لئن لم تأتني بابن عمي لآخذن الذي فيه عيناك، فقلت: بمن أجيئك ؟ فقال: بهذا الحجازي قلت: وأي الحجازيين ؟ قال موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب.
قال الفضل: فخفت من الله عز وجل إن جئت به إليه ثم فكرت في النقمة فقلت له: أفعل فقال: ائتني بسواطين وهبنازين وجلادين قال: فأتيته بذلك ومضيت إلى منزل أبي إبراهيم موسى بن جعفر, فأتيت إلى خربة فيها كوخ من جرائد النخل فإذا أنا بغلام أسود فقلت له: استأذن لي على مولاك يرحمك الله فقال لي: لج ليس له حاجب ولا بواب، فولجت إليه، فإذا أنا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة سجوده فقلت له: السلام عليك يا ابن رسول الله أجب الرشيد فقال: ما للرشيد و مالي ؟ أما تشغله نعمته عني ؟ ثم قام مسرعا، وهو يقول: لولا أني سمعت في خبر عن جدي رسول الله : أن طاعة السلطان للتقية واجبة إذا ما جئت.
فقلت له: استعد للعقوبة يا أبا إبراهيم رحمك الله فقال : أليس معي من يملك الدنيا والآخرة، ولن يقدر اليوم على سوء بي إنشاء الله قال الفضل بن الربيع: فرأيته وقد أدار يده يلوح على رأسه ثلاث مرات فدخلت إلى الرشيد فإذا هو كأنه امرأة ثكلى قائم حيران فلما رآني قال لي: يا فضل فقلت: لبيك فقال: جئتني بابن عمي ؟ قلت: نعم قال: لا تكون أزعجته ؟ فقلت: لا قال: لا تكون أعلمته أني عليه غضبان ؟ فاني قد هيجت على نفسي ما لم أرده ائذن له بالدخول فأذنت له.
فلما رآه وثب إليه قائما وعانقه وقال له: مرحبا بابن عمي وأخي، ووارث نعمتي، ثم أجلسه على فخذه وقال له: ما الذي قطعك عن زيارتنا ؟ فقال: سعة ملكك وحبك للدنيا فقال: ائتوني بحقة الغالية، فاتي بها فغلفه بيده ثم أمره أن يحمل بين يديه خلع وبدرتان دنانير فقال موسى بن جعفر: والله لولا أني أرى من أزوجه بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله أبدا ما قبلتها ثم تولى عليه السلام وهو يقول: الحمد لله رب العالمين.
فقال الفضل: يا أمير المؤمنين أردت أن تعاقبه فخلعت عليه وأكرمته ؟ فقال لي: يا فضل إنك لما مضيت لتجيئني به رأيت أقواما قد أحدقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون: إن آذى ابن رسول الله خسفنا به وإن أحسن إليه انصرفنا عنه وتركناه.
فتبعته فقلت له: ما الذي قلت حتى كفيت أمر الرشيد ؟ فقال: دعاء جدي علي بن أبي طالب كان إذا دعا به ما برز إلى عسكر إلا هزمه، ولا إلى فارس إلا قهره، وهو دعاء كفاية البلاء قلت: وما هو ؟ قال: قلت: اللهم بك أساور، وبك أحاول، وبك أحاور، وبك أصول، وبك أنتصر، وبك أموت، وبك أحيى أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اللهم إنك خلقتني ورزقتني وسترتني، وعن العباد بلطف ما خولتني أغنيتني، وإذا هويت رددتني، وإذا عثرت قومتني، وإذا مرضت شفيتني، وإذا دعوت أجبتني يا سيدي ارض عني فقد أرضيتني.
7 - عن علي بن يقطين قال: أنهي الخبر إلى أبي الحسن موسى بن جعفر وعنده جماعة من أهل بيته، بما عزم عليه موسى ابن المهدي في أمره فقال لأهل بيته: ما تشيرون ؟ قالوا: نرى أن تتباعد عنه، وأن تغيب شخصك منه، فإنه لا يؤمن شره، فتبسم أبو الحسن ثم قال:
زعمت سخينة أن ستغلب ربها * وليغلبن مغلب الغلاب.
ثم رفع يده إلى السماء فقال: اللهم كم من عدو شحذ لي ظبة مديته، وأرهف لي شبا حده وداف لي قواتل سمومه، ولم تنم عني عين حراسته فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح، وعجزي عن ملمات الجوايح صرفت عني ذلك بحولك وقوتك، لا بحولي وقوتي، فألقيته في الحفير الذي احتفره لي خائبا مما أمله في دنياه متباعدا مما رجاه في آخرته فلك الحمد على ذلك قدر استحقاقك سيدي, اللهم فخذه بعزتك وافلل حده عني بقدرتك، واجعل له شغلا فيما يليه وعجزا عمن يناويه، اللهم وأعدني عليه عدوى حاضرة تكون من غيظي شفاءا ومن حقي عليه وفاءا وصل اللهم دعائي بالإجابة، وانظم شكايتي بالتغيير، وعرفه عما قليل ما وعدت الظالمين، وعرفني ما وعدت في إجابة المضطرين، إنك ذو الفضل العظيم، والمن الكريم ".
قال: ثم تفرق القوم فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد عليه بموت موسى بن المهدي، ففي ذلك يقول بعض من حضر موسى من أهل بيته:
وسارية لم تسر في الأرض تبتغي محلا ولم يقطع بها البعد قاطع
سرت حيث لم تحد الركاب ولم تنخ لورد ولم يقصر لها البعد مانع
تمر وراء الليل والليل ضارب بجثمانه فيه سمير وهاجع
تفتح أبواب السماء ودونها إذا قرع الأبواب منهن قارع
إذا وردت لم يردد الله وفدها على أهلها والله راء وسامع
وإني لأرجو الله حتى كأنما أرى بجميل الظن ما الله صانع.
8 - ماجيلويه، عن علي، عن أبيه قال: سمعت رجلا من أصحابنا يقول: لما حبس الرشيد موسى بن جعفر جن عليه الليل فخاف ناحية هارون أن يقتله، فجدد موسى طهوره واستقبل بوجهه القبلة وصلى لله عز وجل أربع ركعات ثم دعا بهذه الدعوات فقال: يا سيدي نجني من حبس هارون، وخلصني من يده، يا مخلص الشجر من بين رمل وطين وماء، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم، ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم، ويا مخلص النار من بين الحديد والحجر، ويا مخلص الروح من بين الأحشاء والأمعاء، خلصني من يدي هارون.
قال: فلما دعا موسى بهذه الدعوات أتى هارون رجل أسود في منامه وبيده سيف قد سله، فوقف على رأس هارون وهو يقول: يا هارون أطلق عن موسى بن جعفر وإلا ضربت علاوتك بسيفي هذا، فخاف هارون من هيبته ثم دعا الحاجب فجاء الحاجب فقال له: اذهب إلى السجن فأطلق عن موسى بن جعفر قال: فخرج الحاجب فقرع باب السجن فأجابه صاحب السجن فقال: من ذا ؟ قال: إن الخليفة يدعو موسى بن جعفر فأخرجه من سجنك، وأطلق عنه، فصاح السجان يا موسى: إن الخليفة يدعوك.
فقام موسى مذعورا فزعا وهو يقول: لا يدعوني في جوف هذا الليل إلا لشر يريد بي، ... فجاء إلى هارون وهو ترتعد فرائصه فقال: سلام على هارون فرد ثم قال له هارون: ناشدتك بالله هل دعوت في جوف هذه الليلة بدعوات ؟ فقال: نعم، قال: وما هن ؟ قال: جددت طهورا وصليت لله عز وجل أربع ركعات، ورفعت طرفي إلى السماء و قلت: يا سيدي خلصني من يد هارون وذكره وشره، وذكر له ما كان من دعائه فقال هارون قد استجاب الله دعوتك يا حاجب أطلق عن هذا، ثم دعا بخلع فخلع عليه ثلاثا وحمله على فرسه وأكرمه وصيره نديما لنفسه، ثم قال: هات الكلمات فعلمه فأطلق عنه وسلمه إلى الحاجب ليسلمه إلى الدار ويكون معه، فصار موسى بن جعفر كريما شريفا عند هارون، وكان يدخل عليه في كل خميس إلى أن حبسه الثانية فلم يطلق عنه حتى سلمه إلى السندي بن شاهك وقتله بالسم.


جود وكرم الإمام الكاظم عليه السلام
1 - عن محمد بن عبد الله البكري قال: قدمت المدينة أطلب بها دينا فأعياني فقلت لو ذهبت إلى أبي الحسن فشكوت إليه، فأتيته بنقمي في ضيعته، فخرج إلي ومعه غلام ومعه منسف فيه قديد مجزع، ليس معه غيره، فأكل فأكلت معه، ثم سألني عن حاجتي فذكرت له قصتي فدخل ولم يقم إلا يسيرا حتى خرج إلي فقال لغلامه: اذهب ثم مد يده إلي فناولني صرة فيها ثلاثمائة دينار ثم قام فولى فقمت فركبت دابتي وانصرفت.

2 - الحسن بن محمد، عن جده، عن غير واحد من أصحابه ومشايخه أن رجلا من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذي أبا الحسن موسى ويسبه إذا رآه، ويشتم عليا فقال له بعض حاشيته يوما: دعنا نقتل هذا الفاجر، فنهاهم عن ذلك أشد النهي، وزجرهم، وسأل عن العمري فذكر أنه يزرع بناحية من نواحي المدينة، فركب إليه، فوجده في مزرعة له، فدخل المزرعة بحماره فصاح به العمري: لا توطئ زرعنا، فتوطأه بالحمار حتى وصل إليه، ونزل وجلس عنده، وباسطه وضاحكه، وقال له: كم غرمت على زرعك هذا ؟ قال: مائة دينار، قال: فكم ترجو أن تصيب ؟ قال: لست أعلم الغيب قال له: إنما قلت كم ترجو أن يجيئك فيه ؟ قال: أرجو أن يجئ مائتا دينار.
قال: فأخرج له أبو الحسن صرة فيها ثلاثمائة دينار، وقال هذا زرعك على حاله، والله يرزقك فيه ما ترجو قال: فقام العمري فقبل رأسه وسأله أن يصفح عن فارطه فتبسم إليه أبو الحسن وانصرف، قال: وراح إلى المسجد فوجد العمري جالسا فلما نظر إليه قال: الله أعلم حيث يجعل رسالاته قال: فوثب أصحابه إليه فقالوا له: ما قضيتك ؟ قد كنت تقول غير هذا قال: فقال لهم: قد سمعتم ما قلت الآن، وجعل يدعو لأبي الحسن عليه السلام فخاصموه وخاصمهم، فلما رجع أبو الحسن إلى داره قال لجلسائه الذين سألوه في قتل العمري: أيما كان خيرا ما أردتم ؟ أم ما أردت ؟ إنني أصلحت أمره بالمقدار الذي عرفتم، وكفيت به شره.
3 - حُكي أن المنصور تقدم إلى موسى بن جعفر بالجلوس للتهنية في يوم النيروز وقبض ما يحمل إليه فقال: إني قد فتشت الاخبار عن جدي رسول الله فلم أجد لهذا العيد خبرا وإنه سنة للفرس ومحاها الاسلام، ومعاذ الله أن نحيي ما محاه الاسلام.
فقال المنصور: إنما نفعل هذا سياسة للجند، فسألتك بالله العظيم إلا جلست, فجلس ودخلت عليه الملوك والأمراء والأجناد يهنؤونه، ويحملون إليه الهدايا والتحف، وعلى رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل، فدخل في آخر الناس رجل شيخ كبير السن فقال له: يا ابن بنت رسول الله إنني رجل صعلوك لا مال لي أتحفك ولكن أتحفك بثلاثة أبيات قالها جدي في جدك الحسين بن علي :
عجبت لمصقول علاك فرنده يوم الهياج وقد علاك غبار
ولأسهم نفذتك دون حرائر يدعون جدك والدموع غزار
ألا تغضغضت السهام وعاقها عن جسمك الاجلال والاكبار
قال: قبلت هديتك، اجلس بارك الله فيك، ورفع رأسه إلى الخادم وقال: امض إلى أمير المؤمنين وعرفه بهذا المال، وما يصنع به، فمضى الخادم وعاد وهو يقول: كلها هبة مني له، يفعل به ما أراد فقال موسى للشيخ: اقبض جميع هذا المال فهو هبة مني لك.
4 - عن يحيى بن الحسن، قال: كان موسى بن جعفر إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرة دنانير، وكانت صراره ما بين الثلاثمائة إلى المائتين دينار فكانت صرار موسى مثلا.


زهد وحلم الإمام الكاظم عليه السلام
1 - عن موسى بن بكر قال: ما أحصى ما سمعت أبا الحسن موسى صلوات الله عليه ينشد:
فان يك يا أميم علي دين * فعمران بن موسى يستدين.
2 - عن إبراهيم بن عبد الحميد قال: دخلت على أبي الحسن الأول في بيته الذي كان يصلي فيه، فإذا ليس في البيت شئ إلا خصفة وسيف معلق، ومصحف.
3 - عن ربيع بن عبد الرحمان قال: كان والله موسى بن جعفر من المتوسمين يعلم من يقف عليه بعد موته، ويجحد الامام بعده إمامته، فكان يكظم غيظه عليهم، ولا يبدي لهم ما يعرفه منهم، فسمي الكاظم لذلك.
4 - علي بن جعفر قال: خرجنا مع أخي موسى بن جعفر في أربع عمر يمشي فيها إلى مكة بعياله وأهله، واحدة منهن مشى فيها ستة وعشرين يوما، وأخرى خمسة وعشرين يوما، وأخرى أربعة وعشرين يوما وأخرى أحدا وعشرين يوما.
5 - ذكر ابن عمارة وغيره من الرواة أنه لما خرج الرشيد إلى الحج وقرب من المدينة استقبله الوجوه من أهلها يقدمهم موسى بن جعفر على بغلة، فقال له الربيع: ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤمنين ؟ وأنت إن تطلب عليها لم تلحق وإن طلبت عليها لم تفت فقال: إنها تطأطأت عن خيلاء الخيل، وارتفعت عن ذلة العير، وخير الأمور أوساطها.
6 - عن حماد بن عثمان قال: بينا موسى بن عيسى في داره التي في المسعى تشرف على المسعى إذ رأى أبا الحسن موسى مقبلا من المروة على بغلة، فأمر ابن هياج - رجلا من همدان منقطعا إليه - أن يتعلق بلجامه ويدعي البغلة، فأتاه فتعلق باللجام وادعى البغلة، فثنى أبو الحسن رجله فنزل عنها وقال لغلمانه: خذوا سرجها وادفعوها إليه، فقال: والسرج أيضا لي، فقال له أبو الحسن: كذبت عندنا البينة بأنه سرج محمد بن علي، وأما البغلة فأنا اشتريتها منذ قريب وأنت أعلم وما قلت.
7 - عن معتب قال: كان أبو الحسن موسى عليه السلام في حائط له يصرم, فنظرت إلى غلام له قد أخذ كارة من تمر فرمى بها وراء الحائط، فأتيته فأخذته وذهبت به إليه فقلت له: جعلت فداك إني وجدت هذا وهذه الكارة فقال للغلام: فلان ! قال: لبيك قال: أتجوع ؟ قال: لا يا سيدي قال: فتعرى ؟ قال: لا يا سيدي قال: فلأي شئ أخذت هذه ؟ قال: اشتهيت ذلك قال: اذهب فهي لك وقال: خلوا عنه.
8 - عن محمد بن جعفر العاصمي، عن أبيه، عن جده قال: حججت ومعي جماعة من أصحابنا فأتيت المدينة، فقصدنا مكانا ننزله فاستقبلنا أبو الحسن موسى عليه السلام على حمار أخضر يتبعه طعام، ونزلنا بين النخل وجاء ونزل واتي بالطست والماء والأشنان، فبدأ بغسل يديه، وأدير الطست عن يمينه حتى بلغ آخرنا، ثم أعيد إلى من على يساره حتى أتى إلى آخرنا، ثم قدم الطعام، فبدأ بالملح، ثم قال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم، ثم ثنى بالخل ثم اتي بكتف مشوي فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم اتي بالخل والزيت فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجب فاطمة عليها السلام، ثم أتي بسكباج فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فهذا طعام كان يعجب أمير المؤمنين عليه السلام, ثم اتي بلحم مقلو فيه باذنجان فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا الطعام كان يعجب الحسن بن علي عليه السلام, ثم اتي بلبن حامض قد ثرد فيه فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجب الحسين بن علي عليه السلام, ثم اتي بجبن مبزر فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجب محمد بن علي عليهما السلام ثم أتي بتور فيه بيض كالعجة فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجب أبي جعفر عليه السلام ثم اتي بحلواء فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجبني، ورفعت المائدة فذهب أحدنا ليلقط ما كان تحتها فقال عليه السلام: إنما ذلك في المنازل تحت السقوف، فأما في مثل هذا الموضع فهو لعافية الطير والبهائم, ثم اتي بالخلال فقال: من حق الخلال أن تدير لسانك في فمك، فما أجابك ابتلعته وما امتنع ثم بالخلال تخرجه فتلفظه، واتي بالطست والماء فابتدئ بأول من على يساره حتى انتهى إليه فغسل ثم غسل من على يمينه حتى أتى على آخرهم ثم قال: يا عاصم كيف أنتم في التواصل والتبار؟ فقال: على أفضل ما كان عليه أحد فقال: أيأتي أحدكم عند الضيقة منزل أخيه فلا يجده، فيأمر باخراج كيسه فيخرج فيفض ختمه فيأخذ من ذلك حاجته، فلا ينكر عليه؟ ! قال: لا، قال: لستم على ما أحب من التواصل والضيقة والفقر.


سعيه عليه السلام لقضاء حوائج الناس
1 - مناقب ابن شهرآشوب: حكي أنه مغص بعض الخلفاء فعجز بختيشوع النصراني عن دوائه وأخذ جليدا فأذابه بدواء، ثم أخذ ماءا وعقده بدواء وقال: هذا الطب إلا أن يكون مستجاب دعاء ذا منزلة عند الله يدعو لك فقال الخليفة: علي بموسى بن جعفر فاتي به فسمع في الطريق أنينه، فدعا الله سبحانه، وزال مغص الخليفة فقال له: بحق جدك المصطفى أن تقول بم دعوت لي ؟ فقال قلت: اللهم كما رأيته ذل معصيته، فأره عز طاعتي، فشفاه الله من ساعته.
2 - عن محمد بن سالم قال: لما حمل سيدي موسى بن جعفر إلى هارون جاء إليه هشام بن إبراهيم العباسي فقال له: يا سيدي قد كتب لي صك إلى الفضل بن يونس تسأله أن يروح أمري قال: فركب إليه أبو الحسن فدخل عليه حاجبه فقال: يا سيدي أبو الحسن موسى بالباب فقال: فان كنت صادقا فأنت حر ولك كذا وكذا فخرج الفضل بن يونس حافيا يعدو حتى خرج إليه, فوقع على قدميه يقبلهما ثم سأله أن يدخل فدخل فقال له: اقض حاجة هشام بن إبراهيم، فقضاها ثم قال: يا سيدي قد حضر الغداء فتكرمني أن تتغدى عندي فقال: هات فجاء بالمائدة وعليها البوارد، فأجال يده في البارد ثم قال: البارد تجال اليد فيه، فلما رفع البارد وجاء بالحار فقال أبو الحسن: الحار حمى.
3 - يقول الرواة: إن شخصاً من أهالي الري كانت عليه أموال طائلة لحكومة الري، وقد عَجز عن تَسديدها، وخاف من الحكومة أن تصادر أمواله، وتُنزِل به العقوبة الصارمة.
فسأل عن الحاكم فأخبروه أنه من شيعة الإمام الكاظم ، فسافر إلى المدينة.
فلما انتهى إليها تَشرّف بمقابلة الإمام وشكا إليه حالَه وَضِيقَ مجالِه.
فاستجاب بالوقت له، وكتب إلى حاكم الري رسالة جاء فيها بعد البسملة:
اِعلَم أن لله تحت عرشه ظِلالاً يسكنه إلا من أسدَى إلى أخيه معروفاً، أو نَفّس عنه كُربة، أو أدخل على قلبه سروراً، وهذا أخوك والسلام.
وأخذ الرسالة، وبعد أدائه لفريضة الحج اتجهَ صَوبَ وطنه، فلما انتهى إليه مضى إلى الحاكم ليلاً، فطرق باب بيته، فخرج غلامه فقال له: من أنت ؟
فقال: رسولُ الصابر موسى بن جعفر .
فَهرع إلى مولاه فأخبره بذلك، فخرج حافي القدمين مستقبلاً له، فعانقه وَقبَّل ما بين عَينيه، وطفق يسأله بلهفة عن حال الإمام عليه السلام وهو يجيبه.
ثم ناوله رسالة الإمام ، فأخذها بإكبارٍ وقَبّلَها، فلما قرأها استدعى بأمواله وثيابه فقاسمه في جميعها، وأعطاه قيمة ما لا يَقبلُ القسمة، وهو يقول له: يا أخي، هل سَرَرتُك ؟
وسارع الرجل قائلاً: أي والله، وزدتَ على ذلك.
ثم استدعى الحاكم السجِل، فَشَطب على جميع الديون التي على الرجل وأعطاه براءة منها.
فخرج وقد غَمَرَتْهُ موجات من الفرح والسرور، ورأى أن يجازي إحسانه بإحسان، فيمضي إلى بيت الله الحرام ويدعوا له، ويخبر الإمام بما أسداه عليه من المعروف.
ولما أقبل مَوسم الحج سافر إلى بيت الله الحرام، ولما انتهى إليه دعا للرجل بإخلاص، وأخبر الإمام بما أسداه حاكم الري من الإحسان إليه.
فَسُرَّ الإمام بذلك سروراً بالغاً، والتفت إليه الرجل قائلاً: يا مولاي، هل سَرَّكَ ذلك ؟
فقال الإمام : أي والله، لقد سَرَّني، وسَرَّ أمير المؤمنين، والله لقد سَرَّ جَدي رسول الله، ولقد سر الله تعالى.
4 - من كتاب قضاء حقوق المؤمنين لأبي علي بن طاهر الصوري بإسناده عن رجل من أهل الري قال: ولي علينا بعض كتاب يحيى بن خالد، و كان علي بقايا يطالبني بها، وخفت من إلزامي إياها خروجا عن نعمتي، وقيل لي: إنه ينتحل هذا المذهب، فخفت أن أمضي إليه فلا يكون كذلك فأقع فيما لا أحب، فاجتمع رأي على أني هربت إلى الله تعالى وحججت ولقيت مولاي الصابر - يعني موسى بن جعفر - فشكوت حالي إليه فأصحبني مكتوبا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم اعلم أن الله تحت عرشه ظلا لا يسكنه إلا من أسدى إلى أخيه معروفا أو نفس عنه كربة، أو أدخل على قلبه سرورا، وهذا أخوك والسلام.
قال: فعدت من الحج إلى بلدي، ومضيت إلى الرجل ليلا، واستأذنت عليه وقلت: رسول الصابر فخرج إلي حافيا ماشيا، ففتح لي بابه، وقبلني وضمني إليه، وجعل يقبل بين عيني، ويكرر ذلك كلما سألني عن رؤيته م وكلما أخبرته بسلامته، وصلاح أحواله، استبشر، وشكر الله، ثم أدخلني داره وصدرني في مجلسه وجلس بين يدي، فأخرجت إليه كتابه فقبله قائما وقرأه ثم استدعى بماله وثيابه، فقاسمني دينارا دينارا، ودرهما درهما، وثوبا ثوبا، و أعطاني قيمة ما لم يمكن قسمته، وفي كل شئ من ذلك يقول: يا أخي هل سررتك ؟ فأقول: إي والله، وزدت على السرور، ثم استدعى العمل فأسقط ما كان باسمي وأعطاني براءة مما يتوجه علي منه، وودعته، وانصرفت عنه.
فقلت: لا أقدر على مكافاة هذا الرجل إلا بأن أحج في قابل وأدعو له وألقى الصابر عليه السلام واعرفه فعله، ففعلت ولقيت مولاي الصابر وجعلت أحدثه ووجهه يتهلل فرحا، فقلت: يا مولاي هل سرك ذلك ؟ فقال: إي والله لقد سرني وسر أمير المؤمنين، والله لقد سر جدي رسول الله ، ولقد سر الله تعالى.


شعر الإمام الكاظم عليه السلام
الإمام الكاظم لم يكن شاعراً محترفاً، بل كان نظمه للشعر قليلاً جدّاً، ومن شعره:
1 - قوله عليه السلام في اللجوء إلى الله تعالى:
أنت ربّي إذ ظمئت إلى الماء وقوّتي إذا أردت الطعاما

2 - قوله عليه السلام في أفعال العباد:
لم تخل أفعالنا التـي نذم بها إحـدى ثلاث حيـن نبديـها
إمّا تفرّد باريـنا بصـنعتها فيسقط اللوم عنا حيـن نأتيها
أو كان يشـركنا فيها فيلحقه ما كان يلحقنا من لائـم فيها
أو لم يكن لإلهي في جنايتها ذنب فما الذنب إلاّ ذنب جانيها

3 - ذكر الشيخ المفيد أبياتاً له تلاها الإمام الرضا عليه السلام على المأمون، ونسبها إلى أبيه:
كـن للمكاره بالعزاء مدافعـا فلعل يوماً لا ترى ما تكره
فلربما استتر الفتى فتنافسـت فيه العيـون وإنّه لممـوه
ولربما ابتسم الوقور من الأذى وضـميره من حرّه يتأوّه


4 - ذكر ذو النون المصري: أنّه اجتاز أثناء سياحته على قرية تسمّى بتدصر، فرأى جداراً قد كتبت عليه هذه الأبيات:
أنا ابن منى والمشـعرين وزمزم ومكّة والبيـت العتيـق المعظّـم
وجدّي النبي المصطفى وأبي الذي ولايتـه فرض على كلّ مسـلم
وأمّـي البتول المسـتضاء بنورها إذا مـا عددناها عديلـة مريـم
وسبطا رسـول الله عمّي ووالدي وأولاده الأطهـار تسـعة أنجـم
متى نعتلق منهـم بحبـل ولايـة تفز يـوم يجزى الفائزون وتنعم
أئمّـة هـذا الخلق بعـد نبيّهـم فإن كنـت لـم تعلـم بذلك فاعلم
أنا العلوي الفاطمـي الذي ارتمى به الخوف والأيّام بالمرء ترتمـي
فلممـت بالدار التـي أنا كاتـب عليها بشعري فأقر إن شئت والمم
وسـلّم لأمر الله فـي كل حالـة فليس أخو الإسـلام من لم يسـلّم
قال ذو النون: فعلمت أنّه علوي قد تخفى عن السلطة في خلافة هارون، واحتمل العلاّمة المجلسي أن تكون هذه الأبيات للإمام الكاظم عليه السلام ذهب إلى ذلك المكان، وكتبها لإتمام الحجّة على أعدائه.


ظلم الحكام للإمام الكاظم عليه السّلام وسلب حقه
1 - قال الحافظ عبد العزيز: حدث أحمد بن إسماعيل قال: بعث موسى بن جعفر إلى الرشيد من الحبس برسالة كانت: إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء، حتى نقضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون .
2 - الإحتجاج: قيل: لما دخل هارون الرشيد المدينة توجه لزيارة النبي ومعه الناس فتقدم إلى قبر النبي فقال: السلام عليك يا ابن عم، مفتخرا بذلك على غيره فتقدم أبو الحسن موسى بن جعفر الكاظم إلى القبر فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبة، فتغير وجه الرشيد، وتبين الغيظ فيه.
3 - عن حماد بن عثمان قال: بينا موسى بن عيسى في داره التي في المسعى تشرف على المسعى إذ رأى أبا الحسن موسى مقبلا من المروة على بغلة، فأمر ابن هياج - رجلا من همدان منقطعا إليه - أن يتعلق بلجامه ويدعي البغلة، فأتاه فتعلق باللجام وادعى البغلة، فثنى أبو الحسن رجله فنزل عنها وقال لغلمانه: خذوا سرجها وادفعوها إليه، فقال: والسرج أيضا لي، فقال له أبو الحسن: كذبت عندنا البينة بأنه سرج محمد بن علي، وأما البغلة فأنا اشتريتها منذ قريب وأنت أعلم وما قلت.
4 - كامل الزيارة: الكليني العدة من أصحابه، عن سهل، عن علي بن حسان، عن بعض أصحابنا، قال: حضرت أبا الحسن الأول وهارون الخليفة، وعيسى بن جعفر، وجعفر بن يحيى، بالمدينة، وقد جاؤوا إلى قبر النبي فقال هارون لأبي الحسن: تقدم فأبى، فتقدم هارون فسلم وقام ناحية، فقال عيسى ابن جعفر لأبي الحسن: تقدم فأبى، فتقدم عيسى فسلم ووقف مع هارون وتقدم أبو الحسن فقال: السلام عليك يا أبه أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك أن يصلي عليك، فقال هارون لعيسى: سمعت ما قال ؟ قال: نعم قال هارون: أشهد أنه أبوه حقا.
5 - مناقب ابن شهرآشوب: لما بويع محمد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل وقال: إن إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهر من الشمس، وحالك عندي موقوف فقال: أفديك بالمال والنفس فقال: هذا لسائر الناس قال: أفديك بالروح والمال والأهل والولد، فلم يجبه المهدي فقال: أفديك بالمال والنفس والأهل والولد والدين فقال: لله درك، فعاهده على ذلك، وأمره أن يقتل الكاظم في السحرة بغتة فنام فرأى في منامه عليا يشير إليه ويقرأ " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " فانتبه مذعورا، ونهى حميدا عما أمره، وأكرم الكاظم ووصله.
6 - عن محمد بن سابق بن طلحة الأنصاري قال: كان مما قال هارون لأبي الحسن حين ادخل عليه: ما هذه الدار ؟ فقال: هذه دار الفاسقين قال الله تعالى " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا " الآية.
فقال له هارون: فدار من هي ؟ قال: هي لشيعتنا فترة ولغيرهم فتنة، قال فما بال صاحب الدار لا يأخذها ؟ فقال: اخذت منه عامرة ولا يأخذها إلا معمورة قال: فأين شيعتك فقرأ أبو الحسن " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة " قال: فقال له فنحن كفار ؟ قال: لا ولكن كما قال الله " الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار " فغضب عند ذلك وغلظ عليه، فقد لقيه أبو الحسن بمثل هذه المقالة وما رهبه وهذا خلاف قول من زعم أنه هرب منه من الخوف.
7 - قال محمد بن طلحة: نقل عن الفضل بن الربيع أنه أخبر عن أبيه أن المهدي لما حبس موسى بن جعفر ففي بعض الليالي رأى المهدي في منامه علي بن أبي طالب وهو يقول له: يا محمد " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " قال الربيع: فأرسل إلي ليلا فراعني وخفت من ذلك وجئت إليه، وإذا هو يقرأ هذه الآية وكان أحسن الناس صوتا فقال: علي الآن بموسى بن جعفر ! فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال: يا أبا الحسن رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم فقرأ علي كذا فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي، فقال: والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني، قال: صدقت يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار وزوده إلى أهله إلى المدينة. قال الربيع: فأحكمت أمره ليلا فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف العوايق.
8 - عن عبد الله بن بحر الشيباني قال: حدثني الخرزي أبو العباس بالكوفة قال: حدثني الثوباني قال: كانت لأبي الحسن موسى بن جعفر - بضع عشرة سنة - كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال قال: فكان هارون ربما صعد سطحا يشرف منه على الحبس الذي حبس فيه أبا الحسن فكان يرى أبا الحسن عليه السلام ساجدا فقال للربيع: ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع ؟ قال: يا أمير المؤمنين ما ذاك بثوب وإنما هو موسى بن جعفر، له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال قال الربيع: فقال لي هارون: أما إن هذا من رهبان بني هاشم، قلت: فما لك فقد ضيقت عليه في الحبس ! ؟ قال: هيهات لا بد من ذلك.
9 - عن علي بن أسباط قال: لما ورد أبو الحسن موسى على المهدي رآه يرد المظالم فقال: يا أمير المؤمنين ما بال مظلمتنا لا ترد ؟ فقال له: وما ذاك يا أبا الحسن ؟ قال: إن الله تبارك وتعالى لما فتح على نبيه فدك وما والاها لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فأنزل الله على نبيه " وآت ذا القربى حقه " فلم يدر رسول الله من هم، فراجع في ذلك جبرئيل، وراجع جبرئيل ربه، فأوحى الله إليه أن ادفع فدك إلى فاطمة, فدعاها رسول الله فقال لها: يا فاطمة إن الله أمرني أن أدفع إليك فدك فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك، فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله فلما ولى أبو بكر أخرج عنها وكلاءها فأتته فسألته أن يردها عليها فقال لها: ايتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك، فجاءت بأمير المؤمنين وأم أيمن فشهدا لها، فكتب لها بترك التعرض، فخرجت والكتاب معها.
فلقيها عمر فقال: ما هذا معك يا بنت محمد ؟ قالت: كتاب كتب لي ابن أبي قحافة قال: أرينيه فأبت، فانتزعه من يدها ونظر فيه، ثم تفل فيه ومحاه وخرقه فقال لها: هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل ولا ركاب فضعي الجبال في رقابنا.
فقال له المهدي: يا أبا الحسن حدها إلي فقال: حد منها جبل أحد وحد منها عريش مصر، وحد منها سيف البحر، وحد منها دومة الجندل، فقال له: كل هذا ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين هذا كله إن هذا كله مما لم يوجف أهله على رسول الله بخيل ولا ركاب فقال: كثير وأنظر فيه.
10 - عن الريان بن شبيب قال: سمعت المأمون يقول: ما زلت أحب أهل البيت وأظهر للرشيد بغضهم تقربا إليه فلما حج الرشيد وكنت أنا ومحمد والقاسم معه، فلما كان بالمدينة استأذن عليه الناس فكان آخر من أذن له موسى بن جعفر فدخل فلما نظر إليه الرشيد تحرك، ومد بصره وعنقه إليه حتى دخل البيت الذي كان فيه.
فلما قرب منه جثا الرشيد على ركبتيه وعانقه، ثم أقبل عليه فقال له: كيف أنت يا أبا الحسن ؟ كيف عيالك وعيال أبيك ؟ كيف أنتم ؟ ما حالكم ؟ فما زال يسأله عن هذا، وأبو الحسن يقول: خير خير، فلما قام أراد الرشيد أن ينهض فأقسم عليه أبو الحسن فقعد، وعانقه، وسلم عليه وودعه، قال المأمون: وكنت أجرأ ولد أبي عليه.
فلما خرج أبو الحسن موسى بن جعفر قلت لأبي: يا أمير المؤمنين لقد رأيتك عملت بهذا الرجل شيئا ما رأيتك فعلته بأحد من أبناء المهاجرين والأنصار، ولا ببني هاشم، فمن هذا الرجل ؟ فقال: يا بني هذا وارث علم النبيين هذا موسى بن جعفر بن محمد، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا، قال المأمون: فحينئذ انغرس في قلبي حبهم.
11 - عن سفيان بن نزار قال: كنت يوما على رأس المأمون فقال: أتدرون من علمني التشيع ؟ فقال القوم جميعا: لا والله ما نعلم قال: علمنيه الرشيد قيل له: وكيف ذلك ؟ والرشيد كان يقتل أهل هذا البيت ؟ قال: كان يقتلهم على الملك، لان الملك عقيم، ولقد حججت معه سنة، فلما صار إلى المدينة تقدم إلى حجابه وقال: لا يدخلن علي رجل من أهل المدينة ومكة من أبناء المهاجرين والأنصار وبني هاشم وسائر بطون قريش إلا نسب نفسه، فكان الرجل إذا دخل عليه قال: أنا فلان بن فلان حتى ينتهي إلى جده من هاشمي أو قرشي أو مهاجري أو أنصاري، فيصله من المائة بخمسة آلاف درهم وما دونها إلى مائتي دينار، على قدر شرفه، وهجرة آبائه.
فأنا ذات يوم واقف إذ دخل الفضل بن الربيع فقال: يا أمير المؤمنين على الباب رجل زعم أنه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فأقبل علينا ونحن قيام على رأسه، والأمين والمؤتمن وسائر القواد فقال: احفظوا على أنفسكم، ثم قال لآذنه ائذن له، ولا ينزل إلا على بساطي.
فأنا كذلك إذ دخل شيخ مسخد قد أنهكته العبادة، كأنه شن بال، قد كلم السجود وجهه وأنفه، فلما رأى الرشيد رمى بنفسه عن حمار كان راكبه فصاح الرشيد: لا والله إلا على بساطي فمنعه الحجاب من الترجل ونظرنا إليه بأجمعنا بالاجلال والاعظام، فما زال يسير على حماره حتى سار إلى البساط، و الحجاب والقواد محدقون به، فنزل فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط وقبل وجهه، وعينيه، وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس، وأجلسه معه فيه، و جعل يحدثه ويقبل بوجهه عليه، ويسأله عن أحواله.
ثم قال: يا أبا الحسن ما عليك من العيال ؟ فقال: يزيدون على الخمسمائة قال: أولاد كلهم ؟ قال: لا، أكثرهم موالي وحشم، فأما الولد فلي نيف وثلاثون الذكران منهم كذا، والنسوان منهم كذا، قال: فلم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن ؟ قال: اليد تقصر عن ذلك قال: فما حال الضيعة ؟ قال: تعطي في وقت وتمنع في آخر، قال: فهل عليك دين ؟ قال: نعم قال: كم ؟ قال: نحو من عشرة آلاف دينار.
فقال الرشيد: يا ابن عم أنا أعطيك من المال ما تزوج به الذكران والنسوان وتعمر الضياع فقال له: وصلتك رحم يا ابن عم، وشكر الله لك هذه النية الجميلة والرحم ماسة، والقرابة واشجة، والنسب واحد، والعباس عم النبي ، و صنو أبيه، وعم علي بن أبي طالب وصنو أبيه، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك وقد بسط يدك، وأكرم عنصرك، وأعلى محتدك فقال: أفعل ذلك يا أبا الحسن وكرامة
فقال: يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قد فرض على ولاة عهده، أن ينعشوا فقراء الأمة، ويقضوا عن الغارمين، ويؤدوا عن المثقل، ويكسوا العاري ويحسنوا إلى العاني، وأنت أولى من يفعل ذلك فقال: أفعل يا أبا الحسن، ثم قام، فقام الرشيد لقيامه، وقبل عينيه ووجهه، ثم أقبل علي وعلى الأمين و المؤتمن فقال: يا عبد الله ويا محمد ويا إبراهيم بين يدي عمكم وسيدكم، خذوا بركابه، وسووا عليه ثيابه، وشيعوه إلى منزله، فأقبل أبو الحسن موسى بن جعفر سرا بيني وبينه فبشرني بالخلافة وقال لي: إذا ملكت هذا الامر فأحسن إلى ولدي، ثم انصرفنا، وكنت أجرأ ولد أبي عليه.
فلما خلا المجلس قلت: يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد عظمته وأجللته، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له ؟ قال: هذا إمام الناس، وحجة الله على خلقه، وخليفته على عباده فقلت: يا أمير المؤمنين أو ليست هذه الصفات كلها لك وفيك ؟ ! فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنه لاحق بمقام رسول الله مني، ومن الخلق جميعا، ووالله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فان الملك عقيم.
فلما أراد الرحيل من المدينة إلى مكة أمر بصرة سوداء، فيها مائتا دينار ثم أقبل على الفضل بن الربيع فقال له: اذهب بهذه إلى موسى بن جعفر وقل له: يقول لك أمير المؤمنين: نحن في ضيقة وسيأتيك برنا بعد هذا الوقت.
فقمت في صدره فقلت: يا أمير المؤمنين تعطي أبناء المهاجرين والأنصار و سائر قريش، وبني هاشم، ومن لا يعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار إلى ما دونها وتعطي موسى بن جعفر وقد أعظمته وأجللته مائتي دينار ؟ ! أخس عطية أعطيتها أحدا من الناس ؟ فقال: اسكت لا أم لك، فإني لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه وكتب الموت على جميع خلقه، وجعلهم أسوة فيه، عدلا منه عليهم عزيزا، وقدرة منه عليهم، لا مدفع لاحد منهم، ولا محيص له عنه، حتى يجمع الله تبارك وتعالى بذلك إلى دار البقاء خلقه، ويرث به أرضه ومن عليها، وإليه يرجعون.
بلغنا أطال الله بقاك ما كان من قضاء الله الغالب في وفاة أمير المؤمنين موسى صلوات الله عليه، ورحمته، ومغفرته، ورضوانه، وإنا لله وإنا إليه راجعون إعظاما لمصيبته، وإجلالا لرزئه وفقده.
ثم إنا لله وإنا إليه راجعون، صبرا لأمر الله عز وجل، وتسليما لقضائه، ثم إنا لله وإنا إليه راجعون لشدة مصيبتك علينا خاصة، وبلوغها من حر قلوبنا، ونشوز أنفسنا، نسأل الله أن يصلي على أمير المؤمنين وأن يرحمه، ويلحقه بنبيه ، ويصالح سلفه، وأن يجعل ما نقله إليه خيرا مما أخرجه منه, ونسأل الله أن يعظم أجرك أمتع الله بك، وأن يحسن عقباك، وأن يعوضك من المصيبة بأمير المؤمنين أفضل ما وعد الصابرين، من صلواته ورحمته وهداه، و نسأل الله أن يربط على قلبك، ويحسن عزاك وسلوتك، والخلف عليك، ولا يريك بعده مكروها في نفسك، ولا في شئ من نعمته. وأسأل الله أن يهنيك خلافة أمير المؤمنين أمتع الله به، وأطال بقاه، ومد في عمره، وأنسأ في أجله، وأن يسوغكما بأتم النعمة، وأفضل الكرامة، وأطول العمر وأحسن الكفاية، وأن يمتعك وإيانا خاصة، والمسلمين عامة بأمير المؤمنين حتى نبلغ به أفضل الامل فيه لنفسه ومنك أطال الله بقاه ومنا له. أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم، من بسط أيديهم وأعينهم.
فلما نظر إلى ذلك مخارق المغني دخله في ذلك غيظ، فقام إلى الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين قد دخلت المدينة وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبين لهم تفضل أمير المؤمنين علي، ومنزلتي عنده، فأمر له بعشرة آلاف دينار فقال له: يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة، وعلي دين أحتاج أن أقضيه فأمر له بعشرة آلاف دينار أخرى.
فقال له: يا أمير المؤمنين بناتي أريد أن أزوجهن وأنا محتاج إلى جهازهن فأمر له بعشرة آلاف دينار أخرى فقال له: يا أمير المؤمنين لا بد من غلة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي وأزواجهن القوت، فأمر له بأقطاع ما يبلغ غلته في السنة عشرة آلاف دينار، وأمر أن يعجل ذلك له من ساعته.
ثم قام مخارق من فوره وقصد موسى بن جعفر وقال له: قد وقفت على ما عاملك به هذا الملعون، وما أمر لك به، وقد احتلت عليه لك، وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار، وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار، ولا والله يا سيدي ما أحتاج إلى شئ من ذلك، وما أخذته إلا لك، وأنا أشهد لك بهذه الاقطاع، وقد حملت المال إليك.
فقال: بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاك ما كنت لآخذ منه درهما واحدا ولا من هذه الاقطاع شيئا، وقد قبلت صلتك وبرك، فانصرف راشدا، ولا تراجعني في ذلك، فقبل يده وانصرف.


النّصّ على إمامة الإمام الكاظم عليه السّلام
1 - الكافي: محمد بن يحيى والحسين بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن علي بن الحسين بن علي، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي جميلة، عن معاذ بن كثير, عن أبي عبد الله قال: إن الوصية نزلت من السماء على محمد كتابا لم ينزل على محمد كتاب مختوم إلا الوصية، فقال جبرئيل: يا محمد هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك، فقال رسول الله: أي أهل بيتي يا جبرئيل ؟ قال: نجيب الله منهم وذريته ليرثك علم النبوة كما ورثه إبراهيم وميراثه لعلي وذريتك من صلبه
فقال: وكان عليها خواتيم قال: ففتح علي الخاتم الأول ومضى لما فيها ثم فتح الحسن الخاتم الثاني ومضى لما امر به فيها.
فلما توفي الحسن ومضى فتح الحسين الخاتم الثالث فوجد فيها أن قاتل فاقتل وتقتل، واخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلا معك قال: ففعل فلما مضى دفعها إلى علي بن الحسين قبل ذلك
ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها أن اصمت وأطرق لما حجب العلم، فلما توفي ومضى دفعها إلى محمد بن علي ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها: أن فسر كتاب الله، وصدق أباك، وورث ابنك واصطنع الأمة وقم بحق الله عز وجل، وقل الحق في الخوف والأمن ولا تخش إلا الله ففعل ثم دفعها إلى الذي يليه قال: قلت له: جعلت فداك فأنت هو ؟ قال: فقال: ما بي إلا أن تذهب يا معاذ فتروي علي قال: فقلت: أسأل الله الذي رزقك من آبائك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات قال: قد فعل الله ذلك يا معاذ قال: فقلت: فمن هو جعلت فداك ؟ قال: هذا الراقد، فأشار بيده إلى العبد الصالح وهو راقد.
2 - الإرشاد: فممن روى صريح النص بالإمامة من أبي عبد الله الصادق على ابنه أبي الحسن موسى ، من شيوخ أصحاب أبي عبد الله وخاصته وبطانته، وثقاته الفقهاء الصالحين رحمة الله عليهم أجمعين: المفضل بن عمر الجعفي ومعاذ بن كثير، وعبد الرحمان بن الحجاج، والفيض بن المختار، ويعقوب السراج وسليمان بن خالد، وصفوان الجمال، وغيرهم ممن يطول بذكرهم الكتاب، وقد روى ذلك من إخوته إسحاق وعلي ابنا جعفر بن محمد، وكانا من الفضل والورع على مالا يختلف فيه اثنان.
3 - عن سليمان بن خالد قال: دعا أبو عبد الله أبا الحسن يوما، ونحن عنده فقال لنا: عليكم بهذا بعدي فهو والله صاحبكم بعدي.
4 - عن الفيض بن المختار قال: قلت لأبي عبد الله: خذ بيدي من النار، من لنا بعدك ؟ قال: فدخل أبو إبراهيم، وهو يومئذ غلام، فقال: هذا صاحبكم، فتمسك به.
5 - عن المفضل بن عمر قال: كنت عند أبي عبد الله فدخل أبو إبراهيم موسى وهو غلام، فقال لي أبو عبد الله: استوص به، وضع أمره عند من تثق به من أصحابك.
6 - عن المفضل بن عمر قال: دخلت على سيدي جعفر بن محمد فقلت: يا سيدي لو عهدت إلينا في الخلف من بعدك ؟ فقال لي: يا مفضل الامام من بعدي ابني موسى، والخلف المأمول المنتظر محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى.
7 - عن صفوان الجمال قال: سألت أبا عبد الله عن صاحب هذا الامر، قال: صاحب هذا الامر لا يلهو ولا يلعب، وأقبل أبو الحسن وهو صغير ومعه بهمة عناق مكية ويقول لها: اسجدي لربك، فأخذه أبو عبد الله وضمه إليه وقال: بأبي أنت وأمي من لا يلهو ولا يلعب.
8 - عن ابن حازم قال: قلت لأبي عبد الله: بأبي أنت وأمي إن الأنفس يغدي عليها ويراح، فإذا كان ذلك فمن ؟ قال أبو عبد الله: إذا كان ذلك، فهذا صاحبكم، وضرب بيده على منكب أبي الحسن الأيمن، وهو فيما أعلم يومئذ خماسي وعبد الله بن جعفر جالس معنا.
9 - عن معاذ بن كثير، عن أبي عبد الله قال: قلت: أسأل الله الذي رزق أباك منك هذه المنزلة، أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها فقال: قد فعل الله ذلك، قلت: من هو جعلت فداك ؟ فأشار إلى العبد الصالح، وهو راقد، فقال: هذا الراقد، وهو يومئذ غلام.
10 - عن طاهر بن محمد، عن أبي عبد الله قال: رأيته يلوم عبد الله ولده ويعظه ويقول له: ما يمنعك أن تكون مثل أخيك، فوالله إني لأعرف النور في وجهه فقال عبد الله: وكيف أليس أبي وأبوه واحدا ؟ وأصلي وأصله واحدا ؟ فقال له أبو عبد الله: إنه من نفسي وأنت ابني.
11 - عن داود بن كثير قال: قلت لأبي عبد الله : جعلت فداك وقدمني للموت قبلك، إن كان كون، فإلى من ؟ قال: إلى ابني موسى، فكان ذلك الكون فوالله ما شككت في موسى طرفة عين قط، ثم مكثت نحوا من ثلاثين سنة ثم أتيت أبا الحسن موسى فقلت له: جعلت فداك إن كان كون فإلى من ؟ قال: فإلى علي ابني قال: فكان ذلك الكون فوالله ما شككت في علي طرفة عين قط.
12 - عن يعقوب السراج قال: دخلت على أبي عبد الله وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى، وهو في المهد فجعل يساره طويلا فجلست حتى فرغ فقمت إليه فقال: ادن إلى مولاك فسلم عليه فدنوت فسلمت عليه، فرد علي بلسان فصيح ثم قال لي: اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها أمس، فإنه اسم يبغضه الله، وكانت ولدت لي بنت، وسميتها بالحميراء فقال أبو عبد الله: انته إلى أمره ترشد، فغيرت اسمها.
13 - عن عبد الرحمان بن الحجاج قال: دخلت على جعفر بن محمد في منزله، وهو في بيت كذا من داره، في مسجد له، وهو يدعو، وعلى يمينه موسى بن جعفر يؤمن على دعائه، فقلت له: جعلني الله فداك، قد عرفت انقطاعي إليك، وخدمتي لك، فمن ولي الأمر بعدك ؟ قال: يا عبد الرحمان إن موسى قد لبس الدرع فاستوت عليه، فقلت له: لا أحتاج بعدها إلى شئ.
14 - عن عيسى بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب, عن خاله الصادق جعفر بن محمد قال: قلت له: إن كان كون، ولا أراني الله يومك فبمن أئتم فأومأ إلى موسى فقلت له: فان مضى فإلى من ؟ قال: فإلى ولده قلت: فان مضى ولده وترك أخا كبيرا وابنا صغيرا فبمن أئتم ؟ قال: بولده، ثم هكذا أبدا فقلت: فان أنا لم أعرفه ولم أعرفه موضعه فما أصنع ؟ قال: تقول: اللهم إني أتولى من بقي من حججك من ولد الامام الماضي, فان ذلك يجزيك.
15 - روى يعقوب بن جعفر الحميري، عن إسحاق بن جعفر الصادق قال: كنت عند أبي يوما فسأله علي بن عمر بن علي فقال: جعلت فداك إلى من نفزع ويفزع الناس بعدك ؟ فقال: إلى صاحب هذين الثوبين الأصفرين والغديرتين، وهو الطالع عليك من الباب، فما لبثنا أن طلع علينا كفان آخذتان بالباب بالبابين، حتى انفتحتا ودخل علينا أبو إبراهيم موسى بن جعفر، وهو صبي وعليه ثوبان أصفران.
16 - عن الحسين بن أبي العرندس قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام بمنى وعليه نقبة ورداء وهو متكئ على جواليق سود متكئ على يمينه، فأتاه غلام أسود بصحفة فيها رطب فجعل يتناول بيساره فيأكل وهو متكئ على يمينه، فحدثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا قال: فقال لي: أنت رأيته يأكل بيساره ؟ قال: قلت: نعم قال: أما والله لحدثني سليمان بن خالد أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: صاحب هذا الامر كلتا يديه يمين.
17 - روى محمد بن الوليد قال: سمعت علي بن جعفر بن محمد الصادق يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول لجماعة من خاصته وأصحابه: استوصوا بموسى ابني خيرا فإنه أفضل ولدي، ومن أخلف من بعدي وهو القائم مقامي والحجة لله عز وجل على كافة خلقه من بعدي، وكان علي بن جعفر شديد التمسك بأخيه موسى والانقطاع إليه، والتوفر على أخذ معالم الدين منه، وله مسائل مشهورة عنه، وجوابات رواها سماعا منه، والاخبار فيما ذكرناه أكثر من أن تحصى على ما بيناه ووصفناه.
18 - يزيد بن أسباط قال: دخلت على أبي عبد الله في مرضته التي مات فيها فقال: يا يزيد أترى هذا الصبي ؟ إذا رأيت الناس قد اختلفوا فيه، فاشهد علي بأني أخبرتك أن يوسف إنما كان ذنبه عند إخوته حتى طرحوه في الجب الحسد له، حين أخبرهم أنه رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر وهم له ساجدون وكذلك لابد لهذا الغلام من أن يحسد، ثم دعا موسى، وعبد الله، وإسحاق، ومحمد والعباس وقال لهم: هذا وصي الأوصياء وعالم علم العلماء، وشهيد على الأموات والاحياء ثم قال: يا يزيد " ستكتب شهادتهم ويسألون ".
19 - عن الفيض بن المختار في حديث له طويل في أمر أبي الحسن حتى قال له: هو صاحبك الذي سألت عنه، فقم فأقر له بحقه، فقمت حتى قبلت رأسه ويده، ودعوت الله له قال أبو عبد الله: أما إنه لم يؤذن له في ذلك، فقلت: جعلت فداك فأخبر به أحدا ؟ فقال: نعم، أهلك وولدك ورفقاءك، وكان معي أهلي وولدي، وكان يونس بن ظبيان من رفقائي، فلما أخبرتهم حمدوا الله على ذلك، وقال يونس: لا والله حتى نسمع ذلك منه، وكانت به عجلة، فخرج فاتبعته، فلما انتهيت إلى الباب سمعت أبا عبد الله يقول له وقد سبقني: يا يونس الامر كما قال لك فيض زرقه، قال: فقلت: قد فعلت والزرقة بالنبطية أي خذه إليك.
20 - عن إبراهيم الكرخي قال: دخلت على أبي عبد الله فاني لجالس عنده، إذ دخل أبو الحسن موسى ابن جعفر وهو غلام، فقمت إليه فقبلته وجلست فقال أبو عبد الله: يا إبراهيم أما إنه صاحبك من بعدي، أما ليهلكن فيه قوم، ويسعد آخرون، فلعن الله قاتله وضاعف على روحه العذاب، أما ليخرجن الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه سمي جده، ووارث علمه، وأحكامه وفضائله، معدن الإمامة، ورأس الحكمة يقتله جبار بني فلان، بعد عجائب طريفة، حسدا له، ولكن الله بالغ أمره، ولو كره المشركون، يخرج الله من صلبه تمام اثني عشر مهديا، اختصهم الله بكرامته وأحلهم دار قدسه، المقر بالثاني عشر منهم كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله يذب عنه.
قال: فدخل رجل من موالي بني أمية فانقطع الكلام، فعدت إلى أبي عبد الله أحد عشر مرة أريد منه أن يستتم الكلام، فما قدرت على ذلك، فلما كان قابل السنة الثانية دخلت عليه وهو جالس فقال: يا إبراهيم هو المفرج للكرب عن شيعته، بعد ضنك شديد، وبلاء طويل وجزع وخوف، فطوبى لمن أدرك ذلك الزمان، حسبك يا إبراهيم ! فما رجعت بشئ أسر من هذا لقلبي، ولا أقر لعيني.
21 - عن يزيد بن سليط الزيدي قال: لقينا أبا عبد الله في طريق مكة ونحن جماعة فقلت له: بأبي أنت وأمي أنتم الأئمة المطهرون، والموت لا يعرى منه أحد، فأحدث إلي شيئا ألقيه إلى من يخلفني.
فقال لي: نعم هؤلاء ولدي وهذا سيدهم، وأشار إلى ابنه موسى، وفيه علم الحكم، والفهم، والسخاء، والمعرفة بما يحتاج الناس إليه، فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم، وفيه حسن الخلق، وحسن الجوار، وهو باب من أبواب الله عز وجل وفيه أخرى هي خير من هذا كله فقال له أبي: وما هي بأبي أنت وأمي ؟ قال: يخرج الله تعالى منه غوث هذه الأمة، وغياثها، وعلمها، ونورها وفهمها، وحكمها خير مولود وخير ناشئ، يحقن الله به الدماء، ويصلح به ذات البين، ويلم به الشعث، ويشعب به الصدع، ويكسو به العاري، ويشبع به الجائع ويؤمن به الخائف، وينزل به القطر، ويأتمر له العباد، خير كهل، وخيرنا شئ يبشر به عشيرته قبل أوان حلمه، قوله حكم، وصمته علم، يبين للناس ما يختلفون فيه. قال: فقال أبي: بأبي أنت وأمي فيكون له ولد بعده ؟ قال: نعم، ثم قطع الكلام..
قال يزيد: ثم لقيت أبا الحسن يعني موسى بن جعفر بعد فقلت له: بأبي أنت وأمي إني أريد أن تخبرني بمثل ما أخبر به أبوك قال: فقال: كان أبي في زمن ليس هذا مثله قال يزيد: فقلت: من يرضى منك بهذا فعليه لعنة الله قال: فضحك ثم قال: أخبرك يا أبا عمارة إني خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر إلى بني وأشركتهم مع علي ابني، وأفردته بوصيتي في الباطن.
ولقد رأيت رسول الله في المنام وأمير المؤمنين معه، ومعه خاتم، وسيف، وعصا، وكتاب، وعمامة، فقلت له: ما هذا ؟ فقال: أما العمامة: فسلطان الله عز وجل، وأما السيف: فعزة الله عز وجل، وأما الكتاب: فنور الله عز وجل، وأما العصا: فقوة الله عز وجل، وأما الخاتم: فجامع هذه الأمور، ثم قال رسول الله: والامر يخرج إلى علي ابنك، قال: ثم قال: يا يزيد إنها وديعة عندك، فلا تخبر بها إلا عاقلا أو عبدا امتحن الله قلبه للايمان، أو صادقا، ولا تكفر نعم الله تعالى، وإن سئلت عن الشهادة فأدها، فان الله تبارك وتعالى يقول: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " وقال عز وجل: " ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " فقلت: والله ما كنت لأفعل هذا أبدا قال: ثم قال أبو الحسن : ثم وصفه لي رسول الله فقال: علي ابنك الذي ينظر بنور الله، ويسمع بتفهيمه وينطق بحكمته، يصيب ولا يخطئ، ويعلم ولا يجهل، قد ملئ حكما وعلما، وما أقل مقامك معه، إنما هو شئ كأن لم يكن، فإذا رجعت من سفرك فأصلح أمرك، وافرغ مما أردت فإنك منتقل عنه، ومجاور غيره، فاجمع ولدك، وأشهد الله عليهم جميعا، وكفى بالله شهيدا.
ثم قال: يا يزيد إني أؤخذ في هذه السنة، وعلي ابني سمي علي بن أبي طالب، وسمي علي بن الحسين أعطي فهم الأول وعلمه، ونصره ورداءه، وليس له أن يتكلم إلا بعد هارون بأربع سنين فإذا مضت أربع سنين فسله عما شئت يجبك إن شاء الله تعالى.
22 - عن المفضل بن عمر قال: لما قضي الصادق كانت وصيته في الإمامة إلى موسى الكاظم فادعى أخوه عبد الله الإمامة، وكان أكبر ولد جعفر في وقته ذلك، وهو المعروف بالأفطح فأمر موسى بجمع حطب كثير في وسط داره فأرسل إلى أخيه عبد الله يسأله أن يصير إليه، فلما صار عنده ومع موسى جماعة من وجوه الامامية، وجلس إليه أخوه عبد الله، أمر موسى أن يجعل النار في ذلك الحطب كله فاحترق كله، ولا يعلم الناس السبب فيه، حتى صار الحطب كله جمرا ثم قام موسى وجلس بثيابه في وسط النار وأقبل يحدث الناس ساعة، ثم قام فنفض ثوبه ورجع إلى المجلس فقال لأخيه عبد الله: إن كنت تزعم أنك الامام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس، فقالوا: فرأينا عبد الله قد تغير لونه فقام يجر رداءه حتى خرج من دار موسى.


أصحاب وروات الإمام الكاظم عليه السّلام
وسنذكر في هذا الباب بعض الثُّقات من أصحابه "عليه السّلام" ممّن كان عليهم المعوّل في نقل أحاديثه وأخباره, وهُم:
1 - إبراهيم بن عيسى الخزاز.
2 - إبراهيم بن مُحمّد الأشعري القمّي.
3 - إبراهيم بن أبي محمود الخراساني.
4 - إبراهيم بن مهزم الأسدي الكوفي.
5 - إبراهيم بن نصر بن القعقاع الجعفي.
6 - إبراهيم بن نعيم العبدي.
7 - إبراهيم بن أبي البلاد.
8 - إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم الكندي الطّحان.
9 - أحمد بن عمر بن أبي شعبة الحلبي.
10- أحمد بن مُحمّد البزنطي.
11 - أحمد بن موسى الكاظم "عليه السّلام" الهاشمي العلوي.
12 - أُسامة بن حفص.
13 - إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري القمّي.
14 - إسماعيل بن جابر بن يزيد الجعفي الكوفي.
15 - إسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربّه الكوفي.
16 - إسماعيل بن الفضل الهاشمي.
17 - إسماعيل بن موسى الكاظم "عليه السّلام" القرشي الهاشمي العلوي.
18 - إسماعيل بن همام الكندي.
19 - أيّوب بن الحر الجعفي.
20 - أبو الحسن بسطام بن سابور الواسطي.
21 - بشر بن يسار العجلي.
22 - بشر بن مسلمة الكوفي.
23 - بكر بن الأشعث الكوفي.
24 - بكر بن مُحمّد بن عبد الرّحمن الأزدي الكوفي الغامدي.
25 - أبو حمزة الثّمالي ثابت بن دينار الأزدي الكوفي.
26 - ثعلبة بن ميمون الأسدي الكوفي.
27 - جعفر بن إبراهيم بن مُحمّد بن عليّ بن عبد الله بن جعفر الطّيار ابن أبي طالب القرشي
28 - جميل بن صالح الأسدي الكوفي.
29 - جهم بن أبي جهم الكوفي.
30- الحارث بن المغيرة النّصري البصري, المعروف ببيّاع الزّطي.
31 - حبيب بن المعلل الخثعمي بالولاء الكوفي.
32 - حديد بن حكيم الأزدي المدايني.
33 - حذيفة بن منصور الكوفي, المعروف ببيّاع السّابري.
34 - حسان بن مهران الجمّال.
35 - الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين الشّيباني.
36 - الحسن بن زياد الضّبي الكوفي الصّيقل.
37 - الحسن بن صدقة المدايني الأزدي.
38 - الحسن بن عليّ بن زياد الوشاء
39 - الحسن بن عليّ بن فضال الكوفي.
40 - الحسن بن عليّ بن يقطين.
41 - الحسن بن محبوب بن وهب السّراد الكوفي.
42 - الحُسين بن عمر بن يزيد.
43 - حفص بن البختري الكوفي البغدادي.
44 - حفص بن سابور الواسطي، أخو بسطام.
45 - حفص بن سوقة العمري الكوفي.
46 - حمّاد بن عثمان بن زياد الرّؤاسي, المعروف بالنّاب.
47 - حمّاد بن عيسى الجهني.
48 - حمدان بن المعافى الصّبيحي.
49 - حميد بن المثنى العجلي أبو المغرا.
50- خالد بن زياد القلانسي الكوفي.
51 - خالد بن سعيد القمّاط الكوفي.
52 - خالد بن يزيد بن جبل الكوفي.
53 - خلف بن حمّاد بن ياسر الأسدي الكوفي.
54 - داود بن زربي البندار الكوفي.
55 - داود بن سرحان العطار الكوفي.
56 - داود بن سُليمان.
57 - داود بن عليّ اليعقوبي الهاشمي.
58 - داود بن فرقد الأسدي الكوفي.
59 - داود بن كثير الرّقي.
60- داود بن النّعمان الأنباري, بياع الأنماط.
61 - دعبل بن عليّ الخزاعي.
62 - ذريح بن مُحمّد بن يزيد المحاربي.
63 - ربعي بن عبد الله بن الجارود الهذلي البصري.
64 - رفاعة بن موسى الأسدي النّخاس.
65 - رومي بن زرارة بن أعيُن الشّيباني.
66 - زرارة بن أعيُن الشّيباني.
67 - زكريا بن سابور الأزدي الواسطي.
68 - زكريا بن عبد الصّمد القمّي.
69 - زياد بن سابور الواسطي.
70 - زيد بن مُحمّد بن يونس الشّحام.
71 - سالم بن مكرم بن عبد الله الكناسي.
72 - سعد بن أبي خلف الزّهري بالولاء الكوفي.
73 - سعدان بن مُسلم بن عبد الرّحمن العامري.
74 - سعيد بن عبد الرّحمن الأعرج.
75 - سعيد بن يسار الضّبعي الحناط.
76 - سلمة بن مُحمّد بن عبد الله الخزاعي الكوفي.
77 - سليم بن عمران الغراء الكوفي.
78 - سُليمان بن جعفر الجعفري.
79 - سماعة بن مهران الحضرمي الكوفي.
80 - سندي بن الرّبيع البغدادي.
81 - سهل بن اليسع بن عبد الله بن سعد الأشعري القمّي.
82 - سيف بن عميرة النّخعي الكوفي.
83 - شُعيب بن يعقوب العقرقوفي.
84 - صالح بن خالد المحاملي.
85 - صفوان بن مهران الجمّال.
86 - صفوان بن يحيى البجلي.
87 - الضّحاك الحضرمي الكوفي.
88 - العبّاس بن عامر بن رباح القصّباني.
89 - عبد الحميد بن سالم العطار الكوفي.
90 - عبد الحميد بن عواض الطّائي الكسائي
91 - عبد الرّحمن بن الحجاج البجلي الكوفي.
92 - عبد العزيز بن المُهتدي الأشعري القمّي.
93 - عبد الكريم بن عتبة القرشي الهاشمي اللهبي الكوفي.
94 - عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي الكوفي الملقب ب‍ "كرام".
95 - عبد الله بن إبراهيم بن مُحمّد الجعفري الهاشمي.
96 - عبد الله بن جُندب البجلي الكوفي.
97 - عبد الله بن الحارث المخزومي.
98 - عبد الله بن حمّاد الأنصاري.
99 - عبد الله بن سنان الكوفي.
100 - عبد الله بن غالب الأسدي.
101 - عبد الله بن مسكان الكوفي.
102 - عبد الله بن المغيرة النّوفلي الخزاز.
103 - عبد الله بن الوضّاح الكوفي.
104 - عبد الله بن يحيى الكاهلي.
105 - عبد الله بن حكيم الخثعمي الكوفي.
106 - عبد الملك بن عتبة الصّيرفي.
107 - عليّ بن جعفر الصّادق "عليه السّلام", المعروف بالعريضي.
108 - عليّ بن حمزة بن الحسن القرشي الهاشمي.
109 - عليّ بن رئاب الطّحان.
110 - عليّ بن سويد السّائي.
111 - عليّ بن شجرة الشّيباني.
112 - عليّ بن عُبيد الله القرشي الهاشمي.
113 - عليّ بن عطية السّلمي.
114 - عليّ بن يقطين الكوفي البغدادي.
115 - عمّار بن موسى السّاباطي.
116 - عمرو بن أُذينة الكوفي.
117 - عمرو بن مُحمّد بن يزيد الثّقفي, المعروف ببيّاع السّابري.
118 - عمرو بن المنهال بن مقلاص القيسي.
119 - عيسى بن عبد الله الأشعري.
120 - عيص بن القاسم البجلي.
121 - فضالة بن أيّوب الأزدي.
122 - الفضل بن يونس الكاتب.
123 - الفيض بن المُختار الجُعفي.
124 - القاسم بن بُريد بن معاوية العجلي.
125 - الليث بن البختري المرادي.
126 - مُثنى الحناط.
127 - مُحمّد بن إسحاق الصّيرفي.
128 - مُحمّد بن إسماعيل بن بزيع الكوفي.
129 - مُحمّد بن بكر بن جناح.
130 - مُحمّد بن أبي عُمير الأزدي.
131 - مُحمّد بن الصّباح الكوفي.
132 - مُحمّد بن عذافر بن عثيم.
133 - مُحمّد بن عليّ بن النّعمان, مؤمن الطّاق.
134 - مُحمّد بن الفرج الرّخجي.
135 - مُحمّد بن الفضيل الأزدي.
136 - مُحمّد بن القاسم بن الفضيل بن يسار النّهدي.
137 - مُحمّد بن مرازم بن حكيم السّاباطي.
138 - مُحمّد بن مسعود الطّائي الكوفي.
139 - مُحمّد بن مُسلم بن رباح الثّقفي الكوفي.
140 - مُحمّد بن يونس.
141 - مرازم بن حكيم الأزدي.
142 - مسمع بن عبد الملك البصري, المعروف بكردين.
143 - معاوية بن عمّار.
144 - معاوية بن وهب البجلي.
145 - معتب المدني.
146 - المغيرة بن توبة المخزومي الكوفي.
147 - منصور بن حازم البجلي.
148 - منصور بن يونس بزرج.
149 - نشيط بن صالح العجلي.
150 - نصر بن قابوس اللخمي.
151 - النّضر بن سويد الصّيرفي.
152 - نعيم القابوسي.
153 - هُشام بن الحكم.
154 - هُشام بن سالم الجواليقي.
155 - يحيى بن عبد الرّحمن الأزرق.
156 - يحيى بن عُمران الحلبي.
157 - يحيى بن القاسم.
158 - يعقوب بن شُعيب.
159 - يعقوب بن يقطين بن موسى الكوفي.
160 - يونس بن عبد الرّحمن القمّي.
161 - يونس بن يعقوب البجلي.
162 - أبو عامر بن جناح.
163 - أبو المحتمل الكوفي.
164 - أبو مُصعب الزّيدي.


سبب شهادة الإمام موسى الكاظم عليه السلام
1 - مناقب ابن شهرآشوب: في كتاب أخبار الخلفاء أن هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر: خذ فدكا حتى أردها إليك، فيأبى حتى ألح عليه فقال لا آخذها إلا بحدودها قال: وما حدودها ؟ قال: إن حددتها لم تردها قال: بحق جدك إلا فعلت ؟ قال: أما الحد الأول فعدن، فتغير وجه الرشيد وقال: أيها، قال: والحد الثاني سمرقند، فأربد وجهه قال: والحد الثالث إفريقية فاسود وجهه وقال: هيه قال: والرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينية قال الرشيد: فلم يبق لنا شئ، فتحول إلى مجلسي، قال موسى: قد أعلمتك أنني إن حددتها لم تردها فعند ذلك عزم على قتله.
وفي رواية ابن أسباط أنه قال: أما الحد الأول: فعريش مصر، والثاني دومة الجندل، والثالث: أحد والرابع: سيف البحر، فقال هذا كله، هذه الدنيا فقال هذا كان في أيدي اليهود بعد موت أبي هالة فأفاءه الله على رسوله، بلا خيل ولا ركاب، فأمره الله أن يدفعه إلى فاطمة .
2 - مناقب ابن شهرآشوب: لما بويع محمد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل وقال: إن إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهر من الشمس، وحالك عندي موقوف فقال: أفديك بالمال والنفس فقال: هذا لسائر الناس قال: أفديك بالروح والمال والأهل والولد، فلم يجبه المهدي فقال: أفديك بالمال والنفس والأهل والولد والدين فقال: لله درك، فعاهده على ذلك، وأمره أن يقتل الكاظم في السحرة بغتة فنام فرأى في منامه عليا يشير إليه ويقرأ " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " فانتبه مذعورا، ونهى حميدا عما أمره، وأكرم الكاظم ووصله.
3 - مناقب ابن شهرآشوب: علي بن أبي حمزة قال: كان يتقدم الرشيد إلى خدمه إذا خرج موسى بن جعفر من عنده أن يقتلوه، فكانوا يهمون به فيتداخلهم من الهيبة والزمع فلما طال ذلك أمر بتمثال من خشب وجعل له وجها مثل وجه موسى بن جعفر وكانوا إذا سكروا أمرهم أن يذبحوها بالسكاكين، وكانوا يفعلون ذلك أبدا، فلما كان في بعض الأيام جمعهم في الموضع، وهم سكارى، وأخرج سيدي إليهم فلما بصروا به هموا به على رسم الصورة. فلما علم منهم ما يريدون كلمهم بالخزرية والتركية، فرموا من أيديهم السكاكين، ووثبوا إلى قدميه فقبلوهما، وتضرعوا إليه، وتبعوه إلى أن شيعوه إلى المنزل الذي كان ينزل فيه فسألهم الترجمان عن حالهم فقالوا: إن هذا الرجل يصير إلينا في كل عام، فيقضي أحكامنا، ويرضي بعضا من بعض، ونستسقي به إذا قحط بلدنا، وإذا نزلت بنا نازلة فزعنا إليه، فعاهدهم أنه لا يأمرهم بذلك فرجعوا.
4 - عيون أخبار الرضا : الطالقاني، عن محمد بن يحيى الصولي، عن أبي العباس أحمد بن عبد الله عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي، عن صالح بن علي بن عطية قال: كان السبب في وقوع موسى بن جعفر إلى بغداد أن هارون الرشيد أراد أن يعقد الامر لابنه محمد بن زبيدة، وكان له من البنين أربعة عشر ابنا فاختار منهم ثلاثة: محمد بن زبيدة، وجعله ولي عهده، وعبد الله المأمون، وجعل الامر له بعد ابن زبيدة، والقاسم المؤتمن، وجعل الامر له بعد المأمون، فأراد أن يحكم الامر في ذلك، و يشهره شهرة يقف عليها الخاص والعام.
فحج في سنة تسع وسبعين ومائة وكتب إلى جميع الآفاق يأمر الفقهاء والعلماء والقراء والأمراء أن يحضروا مكة أيام الموسم، فأخذ هو طريق المدينة قال علي ابن محمد النوفلي: فحدثني أبي أنه كان سبب سعاية يحيى بن خالد بموسى بن جعفر وضع الرشيد ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث، فساء ذلك يحيى، وقال: إذا مات الرشيد وأفضى الامر إلى محمد انقضت دولتي ودولة ولدي وتحول الامر إلى جعفر بن محمد بن الأشعث وولده، وكان قد عرف مذهب جعفر في التشيع، فأظهر له أنه على مذهبه فسر به جعفر وأفضى إليه بجميع أموره وذكر له ما هو عليه في موسى بن جعفر .
فلما وقف على مذهبه سعى به إلى الرشيد، فكان الرشيد يرعى له موضعه و موضع أبيه من نصرة الخلافة فكان يقدم في أمره ويؤخر، ويحيى لا يألو أن يخطب عليه، إلى أن دخل يوما إلى الرشيد فأظهر له إكراما، وجرى بينهما كلام مت به جعفر بحرمته وحرمة أبيه، فأمر له الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار، فأمسك يحيى عن أن يقول فيه شيئا حتى أمسى، ثم قال للرشيد: يا أمير المؤمنين قد كنت أخبرك عن جعفر ومذهبه فتكذب عنه، وههنا أمر فيه الفيصل قال: وما هو ؟ قال: إنه لا يصل إليه مال من جهة من الجهات إلا أخرج خمسه فوجه به إلى موسى بن جعفر، ولست أشك أنه قد فعل ذلك في العشرين الألف الدينار التي أمرت بها له فقال هارون: إن في هذا لفيصلا.
فأرسل إلى جعفر ليلا، وقد كان عرف سعاية يحيى به، فتباينا وأظهر كل واحد فيهما لصاحبه العداوة، فلما طرق جعفرا رسول الرشيد بالليل خشي أن يكون قد سمع فيه قول يحيى، وأنه إنما دعاه ليقتله، فأفاض عليه ماءا ودعا بمسك وكافور فتحنط بهما، ولبس بردة فوق ثيابه، وأقبل إلى الرشيد، فلما وقعت عليه عينه وشم رائحة الكافور، ورأي البردة عليه، قال: يا جعفر ما هذا ! ؟.
فقال: يا أمير المؤمنين قد علمت أنه قد سعي بي عندك، فلما جاءني رسولك في هذه الساعة لم آمن أن يكون قد قدح في قلبك ما يقال علي فأرسلت إلي لتقتلني.
فقال: كلا، ولكن قد خبرت أنك تبعث إلى موسى بن جعفر من كل ما يصير إليك بخمسه: وأنك قد فعلت ذلك في العشرين الألف الدينار، فأحببت أن أعلم ذلك، فقال جعفر: الله أكبر يا أمير المؤمنين تأمر بعض خدمك يذهب فيأتيك بها بخواتيمها.
فقال الرشيد لخادم له: خذ خاتم جعفر وانطلق به حتى تأتيني بهذا المال وسمى له جعفر جاريته التي عندها المال فدفعت إليه البدر بخواتيمها فأتى بها الرشيد فقال له جعفر: هذا أول ما تعرف به كذب من سعى بي إليك قال: صدقت يا جعفر انصرف آمنا فإني لا أقبل فيك قول أحد، قال: وجعل يحيى يحتال في اسقاط جعفر.
5 - غيبة الشيخ الطوسي: أخبرنا أحمد بن عبدون سماعا وقراءة عليه قال: أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني قال: حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثنا علي بن محمد النوفلي، عن أبيه، قال الأصبهاني: وحدثني أحمد بن سعيد قال: حدثني محمد بن الحسن العلوي وحدثني غيرهما ببعض قصته، وجمعت ذلك بعضه إلى بعض قالوا: كان السبب في أخذ موسى بن جعفر أن الرشيد جعل ابنه في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث فحسده يحيى بن خالد البرمكي وقال: إن أفضت الخلافة إليه زالت دولتي، ودولة ولدي. فاحتال على جعفر بن محمد - وكان يقول بالإمامة - حتى داخله وآنس إليه وكان يكثر غشيانه في منزله، فيقف على أمره، فيرفعه إلى الرشيد، ويزيد عليه بما يقدح في قلبه ثم قال يوما لبعض ثقاته: أتعرفون لي رجلا من آل أبي طالب ليس بواسع الحال يعرفني ما أحتاج إليه فدل على علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد فحمل إليه يحيى بن خالد مالا وكان موسى يأنس إليه ويصله، وربما أفضى إليه بأسراره كلها، فكتب ليشخص به فأحس موسى بذلك فدعاه فقال: إلى أين يا بن أخي ؟ قال: إلى بغداد قال: وما تصنع ؟ قال: علي دين وأنا مملق قال: فأنا أقضي دينك، وأفعل بك وأصنع، فلم يلتفت إلى ذلك فقال له: انظر يا بن أخي لا تؤتم أولادي، وأمر له بثلاثمائة دينار، وأربعة آلاف درهم.
فلما قام من بين يديه قال أبو الحسن موسى لمن حضره: والله ليسعين في دمي، ويؤتمن أولادي فقالوا له: جعلنا الله فداك فأنت تعلم هذا من حاله و تعطيه وتصله ؟ ! فقال لهم: نعم حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله أن الرحم إذا قطعت فوصلت قطعها الله.
فخرج علي بن إسماعيل حتى أتى إلى يحيى بن خالد فتعرف منه خبر موسى ابن جعفر، ورفعه إلى الرشيد، وزاد عليه وقال له: إن الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب، وإن له بيوت أموال وإنه اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار فسماها اليسيرة، وقال له صاحبها وقد أحضر المال: لا آخذ هذا النقد، ولا آخذ إلا نقد كذا فأمر بذلك المال فرد وأعطاه ثلاثين ألف دينار من النقد الذي سأل بعينه، فرفع ذلك كله إلى الرشيد، فأمر له بمائتي ألف درهم يسبب له على بعض النواحي فاختار كور المشرق، ومضت رسله ليقبض المال ودخل هو في بعض الأيام إلى الخلاء فزحر زحرة خرجت منها حشوته كلها فسقط، وجهدوا في ردها فلم يقدروا، فوقع لما به، وجاءه المال وهو ينزع فقال: ما أصنع به وأنا في الموت.
6 - كتاب النجوم: من كتاب نزهة الكرام وبستان العوام تأليف محمد بن الحسين ابن الحسن الرازي وهذا الكتاب خطه بالعجمية تكلفنا من نقله إلى العربية فذكر في أواخر المجلد الثاني منه ما هذا لفظ من أعربه.
وروي أن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر فأحضره، فلما حضر عنده قال: إن الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم، وإن معرفتكم بها معرفة جيدة، وفقهاء العامة يقولون: إن رسول الله قال: إذا ذكرني أصحابي فاسكتوا، وإذا ذكروا القدر فاسكتوا، وإذا ذكروا النجوم فاسكتوا وأمير المؤمنين كان أعلم الخلائق بعلم النجوم وأولاده وذريته الذين يقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها.
فقال له الكاظم: هذا حديث ضعيف، وأسناده مطعون فيه والله تبارك وتعالى قد مدح النجوم، ولولا أن النجوم صحيحة ما مدحها الله عز وجل والأنبياء كانوا عالمين بها، وقد قال الله تعالى في حق إبراهيم خليل الرحمن" وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ".
وقال في موضع آخر " فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم" فلو لم يكن عالما بعلم النجوم ما نظر فيها، وما قال إني سقيم، وإدريس كان أعلم أهل زمانه بالنجوم، والله تعالى قد أقسم بمواقع النجوم" وإنه لقسم لو تعلمون عظيم" وقال في موضع" والنازغات غرقا " إلى قوله " فالمدبرات أمرا " يعني بذلك اثني عشر برجا، وسبعة سيارات، والذي يظهر بالليل والنهار بأمر الله عز وجل، و بعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم، وهو علم الأنبياء والأوصياء، وورثة الأنبياء الذين قال الله عز وجل " وعلامات وبالنجم هم يهتدون " ونحن نعرف هذا العلم وما نذكره.
فقال له هارون: بالله عليك يا موسى هذا العلم لا تظهره عند الجهال وعوام الناس، حتى لا يشنعوا عليك وأنفس عن العوام به، وغط هذا العلم، وارجع إلى حرم جدك.
ثم قال له هارون وقد بقي مسألة أخرى بالله عليك أخبرني بها قال له: سل فقال: بحق القبر والمنبر، وبحق قرابتك من رسول الله أخبرني أنت تموت قبلي ؟ أو أنا أموت قبلك ؟ لأنك تعرف هذا من علم النجوم فقال له موسى: آمني حتى أخبرك فقال: لك الأمان فقال: أنا أموت قبلك، وما كذبت ولا أكذب، ووفاتي قريب، فقال له هارون: قد بقي مسألة تخبرني بها ولا تضجر فقال له: سل فقال: خبروني أنكم تقولون إن جميع المسلمين عبيدنا، وجوارينا، وأنكم تقولون من يكون لنا عليه حق ولا يوصله إلينا فليس بمسلم ؟ فقال له موسى ؟ كذب الذين زعموا أننا نقول ذلك، وإذا كان الامر كذلك، فكيف يصح البيع والشراء عليهم، ونحن نشتري عبيدا وجواري ونعتقهم ونقعد معهم، ونأكل معهم، ونشتري المملوك، ونقول له: يا بني وللجارية يا بنتي، ونقعدهم يأكلون معنا تقربا إلى الله سبحانه فلو أنهم عبيدنا وجوارينا، ما صح البيع والشراء وقد قال النبي لما حضرته الوفاة: الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم، يعني: صلوا وأكرموا مماليككم، وجواريكم، ونحن نعتقهم وهذا الذي سمعته غلط من قائله، ودعوى باطلة، ولكن نحن ندعي أن ولاء جميع الخلائق لنا، يعني ولاء الدين، وهؤلاء الجهال يظنونه ولاء الملك، حملوا دعواهم على ذلك، ونحن ندعي ذلك لقول النبي يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، وما كان يطلب بذلك إلا ولاء الدين، والذي يوصلونه إلينا من الزكاة والصدقة، فهو حرام علينا مثل الميتة والدم ولحم الخنزير.
وأما الغنائم والخمس من بعد موت رسول الله صلى الله عليه وآله فقد منعونا ذلك ونحن محتاجون إلى ما في يد بني آدم، الذين لنا ولاؤهم بولاء الدين ليس بولاء الملك فإن نفذ إلينا أحد هدية ولا يقول إنها صدقة نقبلها لقول النبي لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي لي كراع لقبلت - والكراع اسم القرية، والكراع يد الشاة - وذلك سنة إلى يوم القيامة، ولو حملوا إلينا زكاة وعلمنا أنها زكاة رددناها، وإن كانت هدية قبلناها، ثم إن هارون أذن له في الانصراف فتوجه إلى الرقة ثم تقولوا عليه أشياء فاستعاده هارون وأطعمه السم فتوفي.


السندي يسقي الامام الكاظم عليه السلام السم ويشهد عليه
الحسن بن محمد بن بشار قال: حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة ممن كان يقبل قوله قال: قال لي: قد رأيت بعض من يقرون بفضله من أهل هذا البيت فما رأيت مثله قط في نسكه وفضله قال: قلت: من ؟ وكيف رأيته ؟ قال: جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه ممن ينسب إلى الخير، فأدخلنا على موسى بن جعفر فقال لنا السندي: يا هؤلاء انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث ؟ فإن الناس يزعمون أنه قد فعل مكروه به، ويكثرون في ذلك، وهذا منزله وفرشه موسع عليه غير مضيق ولم يرد به أمير المؤمنين سوءا، وإنما ينتظره أن يقدم فيناظره أمير المؤمنين، وها هو ذا صحيح، موسع عليه في جميع أمره فاسألوه.
قال: ونحن ليس لنا هم إلا النظر إلى الرجل، وإلى فضله وسمته فقال: أما ما ذكر من التوسعة وما أشبه ذلك فهو على ما ذكر غير أني أخبركم أيها النفر أني قد سقيت السم في تسع تمرات وإني أخضر غدا وبعد غد أموت.
قال: فنظرت إلى السندي بن شاهك يرتعد ويضطرب مثل السعفة، قال الحسن: وكان هذا الشيخ من خيار العامة شيخ صديق، مقبول القول، ثقة ثقة جدا عند الناس.


شهادته ودفنه عليه السلام
1 - عن علي بن سويد السائي قال: كتب إلي أبو الحسن الأول في كتاب إن أول ما أنعى إليك نفسي في ليالي هذه، غير جازع، ولا نادم، ولا شاك فيما هو كائن، مما قضى الله وحتم، فاستمسك بعروة الدين آل محمد والعروة الوثقى الوصي بعد الوصي، والمسالمة والرضا بما قالوا.
2 - عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال: سمعت أبي يقول: لما قبض الرشيد على موسى ابن جعفر وهو عند رأس النبي قائما يصلي فقطع عليه صلاته وحمل ... ويقول: إليك أشكو يا رسول الله ما القى وأقبل الناس من كل جانب يبكون ويضجون فلما حمل إلى بين يدي الرشيد شتمه وجفاه، فلما جن عليه الليل أمر ببيتين فهيئا له فحمل موسى بن جعفر إلى أحدهما في خفاء ودفعه إلى حسان السروي وأمره أن يصير به في قبة إلى البصرة فيسلمه إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر، وهو أميرها، ووجه قبة أخرى علانية نهارا إلى الكوفة معها جماعة ليعمي على الناس أمر موسى بن جعفر .
فقدم حسان البصرة قبل التروية بيوم، فدفعه إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر نهارا علانية حتى عرف ذلك، وشاع أمره، فحبسه عيسى في بيت من بيوت المحبس الذي كان يحبس فيه، وأقفل عليه وشغله عنه العيد فكان لا يفتح عنه الباب إلا في حالتين حال يخرج فيها إلى الطهور، وحال يدخل إليه فيها الطعام.
قال أبي: فقال لي الفيض بن أبي صالح: - وكان نصرانيا ثم أظهر الاسلام وكان زنديقا، وكان يكتب لعيسى بن جعفر، وكان بي خاصا - فقال: يا أبا عبد الله لقد سمع هذا الرجل الصالح في أيامه هذه في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش والمناكير ما أعلم ولا أشك أنه لم يخطر بباله قال أبي: وسعي بي في تلك الأيام إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر علي بن يعقوب بن عون بن العباس ابن ربيعة في رقعة دفعها إليه أحمد بن أسيد حاجب عيسى قال: وكان علي بن يعقوب من مشايخ بني هاشم، وكان أكبرهم سنا، وكان مع سنه يشرب الشراب ويدعو أحمد بن أسيد إلى منزله فيحتفل له ويأتيه بالمغنين والمغنيات، ويطمع في أن يذكره لعيسى فكان في رقعته التي دفعها إليه إنك تقدم علينا محمد بن سليمان في إذنك وإكرامك وتخصه بالمسك، وفينا من هو أسن منه، وهو يدين بطاعة موسى بن جعفر المحبوس عندك.
قال أبي: فإني لقائل في يوم قائظ إذ حركت حلقة الباب علي فقلت: ما هذا ؟ فقال لي الغلام: قعنب بن يحيى على الباب يقول: لا بد من لقائك الساعة فقلت: ما جاء إلا لأمر ائذنوا له، فدخل فخبرني عن الفيض بن أبي صالح بهذه القصة والرقعة، وقد كان قال لي الفيض بعد ما أخبرني: لا تخبر أبا عبد الله فتخوفه فإن الرافع عند الأمير لم يجد فيه مساغا وقد قلت للأمير: أفي نفسك من هذا شئ حتى أخبر أبا عبد الله فيأتيك فيحلف على كذبه ؟ فقال: لا تخبره فتغمه فإن ابن عمه إنما حمله على هذا لحسد له فقلت له: أيها الأمير أنت تعلم إنك لا تخلو بأحد خلوتك به، فهل حملك على أحد قط ؟ قال: معاذ الله قلت: فلو كان له مذهب يخالف فيه الناس لأحب أن يحملك عليه قال: أجل ومعرفتي به أكثر. قال أبي: فدعوت بدابتي وركبت إلى الفيض من ساعتي فصرت إليه ومعي قعنب في الظهيرة فاستأذنت عليه، فأرسل إلي: جعلت فداك قد جلست مجلسا أرفع قدرك عنه، وإذا هو جالس على شرابه فأرسلت إليه لا بد من لقائك فخرج إلي في قميص دقيق وإزار مورد فأخبرته بما بلغني فقال لقعنب: لا جزيت خيرا ألم أتقدم إليك أن لا تخبر أبا عبد الله فتغمه ثم قال: لا بأس فليس في قلب الأمير من ذلك شئ قال: فما مضت بعد ذلك إلا أيام يسيرة حتى حمل موسى بن جعفر سرا إلى بغداد وحبس ثم أطلق، ثم حبس وسلم إلى السندي بن شاهك، فحبسه وضيق عليه ثم بعث إليه الرشيد بسم في رطب وأمره أن يقدمه إليه ويحتم عليه في تناوله منه ففعل، فمات .
3 - عن عمر بن واقد قال: إن هارون الرشيد لما ضاق صدره مما كان يظهر له من فضل موسى بن جعفر، وما كان يبلغه عنه من قول الشيعة بإمامته، واختلافهم في السر إليه بالليل والنهار خشية على نفسه وملكه، ففكر في قتله بالسم فدعا برطب فأكل منه ثم أخذ صينية فوضع فيها عشرين رطبة، وأخذ سلكا فعركه في السم، وأدخله في سم الخياط، وأخذ رطبة من ذلك الرطب فأقبل يردد إليها ذلك السم بذلك الخيط، حتى علم أنه قد حصل السم فيها فاستكثر منه ثم ردها في ذلك الرطب وقال لخادم له: احمل هذه الصينية إلى موسى بن جعفر وقل له: إن أمير المؤمنين أكل من هذا الرطب وتنغص لك به، وهو يقسم عليك بحقه لما أكلتها عن آخر رطبة فإني اخترتها لك بيدي، ولا تتركه يبقي منها شيئا ولا يطعم منها أحدا. فأتاه بها الخادم وأبلغه الرسالة فقال له: ائتني بخلال فناوله خلالا، وقام بإزائه وهو يأكل من الرطب وكانت للرشيد كلبة تعز عليه فجذبت نفسها وخرجت تجر سلاسلها من ذهب وجوهر حتى حاذت موسى بن جعفر فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة ورمى بها إلى الكلبة فأكلتها فلم تلبث أن ضربت بنفسها الأرض وعوت وتهرت قطعة قطعة واستوفى عليه السلام باقي الرطب، وحمل الغلام الصينية حتى صار بها إلى الرشيد.
فقال له: قد أكل الرطب عن آخره ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين قال: فكيف رأيته ؟ قال: ما أنكرت منه شيئا يا أمير المؤمنين قال: ثم ورد عليه خبر الكلبة وأنها قد تهرت وماتت، فقلق الرشيد لذلك قلقا شديدا، واستعظمه، ووقف على الكلبة فوجدها متهرئة بالسم فأحضر الخادم ودعا له بسيف ونطع وقال له: لتصدقني عن خبر الرطب أو لأقتلنك فقال: يا أمير المؤمنين إني حملت الرطب إلى موسى بن جعفر وأبلغته سلامك، وقمت بإزائه فطلب مني خلالا فدفعته إليه فأقبل يغرز في الرطبة بعد الرطبة ويأكلها حتى مرت الكلبة فغرز الخلال في رطبة من ذلك الرطب فرمى بها فأكلتها الكلبة وأكل هو باقي الرطب، فكان ما ترى يا أمير المؤمنين.
فقال الرشيد: ما ربحنا من موسى إلا أنا أطعمناه جيد الرطب، وضيعنا سمنا، وقتل كلبتنا ما في موسى حيلة. ثم إن سيدنا موسى دعا بالمسيب وذلك قبل وفاته بثلاثة أيام وكان موكلا به فقال له: يا مسيب فقال: لبيك يا مولاي قال: إني ظاعن في هذه الليلة إلى المدينة، مدينة جدي رسول الله لأعهد إلى علي ابني ما عهده إلي أبي وأجعله وصيي وخليفتي، وآمره بأمري قال المسيب: فقلت: يا مولاي كيف تأمرني أن أفتح لك الأبواب وأقفالها، والحرس معي على الأبواب ؟ فقال: يا مسيب ضعف يقينك في الله عز وجل وفينا ؟ فقلت: لا يا سيدي قال: فمه ؟ قلت: يا سيدي ادع الله أن يثبتني فقال: اللهم ثبته.
ثم قال: إني أدعو الله عز وجل باسمه العظيم الذي دعا به آصف حتى جاء بسرير بلقيس فوضعه بين يدي سليمان قبل ارتداد طرفه إليه حتى يجمع بيني وبين ابني علي بالمدينة، قال المسيب: فسمعته يدعو ففقدته عن مصلاه، فلم أزل قائما على قدمي حتى رأيته قد عاد إلى مكانه وأحاد الحديد إلى رجليه فخررت لله ساجدا لوجهي شكرا على ما أنعم به علي من معرفته.
فقال لي: ارفع رأسك يا مسيب واعلم أني راحل إلى الله عز وجل في ثالث هذا اليوم قال: فبكيت فقال لي: لا تبك يا مسيب فان عليا ابني هو إمامك، و مولاك بعدي فاستمسك بولايته، فإنك لا تضل ما لزمته فقلت: الحمد لله.
قال: ثم إن سيدي دعاني في ليلة اليوم الثالث فقال لي: إني على ما عرفتك من الرحيل إلى الله عز وجل فإذا دعوت بشربة من ماء فشربتها، ورأيتني قد انتفخت وارتفع بطني، واصفر لوني، واحمر واخضر، وتلون ألوانا فخبر الطاغية بوفاتي، فإذا رأيت بي هذا الحدث فإياك أن تظهر عليه أحدا، ولا على من عندي إلا بعد وفاتي.
قال المسيب بن زهير: فلم أزل أرقب وعده حتى دعا بالشربة فشربها ثم دعاني فقال لي: يا مسيب إن هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنه يتولى غسلي، ودفني، وهيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها ولا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات ولا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به، فان كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن علي فان الله عز وجل جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا.
قال: ثم رأيت شخصا أشبه الاشخاص به جالسا إلى جانبه، وكان عهدي بسيدي الرضا وهو غلام فأردت سؤاله فصاح بي سيدي موسى وقال لي: أليس قد نهيتك يا مسيب ؟ فلم أزل صابرا حتى مضى، وغاب الشخص ثم أنهيت الخبر إلى الرشيد فوافى السندي بن شاهك فوالله لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم إليه، ويظنون أنهم يحنطونه ويكفنونه و أراهم لا يصنعون به شيئا، ورأيت ذلك الشخص يتولى غسله وتحنيطه وتكفينه وهو يظهر المعاونة لهم، وهم لا يعرفونه.
فلما فرغ من أمره قال لي ذلك الشخص: يا مسيب مهما شككت فيه فلا تشكن في فاني إمامك ومولاك، وحجة الله عليك بعد أبي يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق ومثلهم مثل إخوته حين دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون، ثم حمل عليه السلام حتى دفن في مقابر قريش، ولم يرفع قبره أكثر مما أمر به ثم رفعوا قبره بعد ذلك وبنوا عليه.
4 - عن عمر بن واقد قال: أرسل إلى السندي بن شاهك في بعض الليل وأنا ببغداد يستحضرني فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي فأوصيت عيالي بما احتجت إليه وقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم ركبت إليه. فلما رآني مقبلا قال: يا أبا حفص لعلنا أرعبناك وأفزعناك ؟ قلت: نعم قال: فليس هنا إلا خير قلت: فرسول تبعثه إلى منزلي يخبرهم خبري فقال: نعم ثم قال: يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك ؟ فقلت: لا فقال: أتعرف موسى بن جعفر ؟ فقلت: إي والله إني لأعرفه، وبيني وبينه صداقة منذ دهر فقال: من ههنا ببغداد يعرفه ممن يقبل قوله ؟ فسميت له أقواما، ووقع في نفسي أنه قد مات قال: فبعث وجاء بهم كما جاء بي فقال: هل تعرفون قوما يعرفون موسى بن جعفر ؟ فسموا له قوما فجاء بهم فأصبحنا ونحن في الدار نيف وخمسون رجلا ممن يعرف موسى بن جعفر عليه السلام وقد صحبه.
قال: ثم قام فدخل وصلينا، فخرج كاتبه ومعه طومار فكتب أسماءنا ومنازلنا وأعمالنا وحلانا ثم دخل إلى السندي قال: فخرج السندي فضرب يده إلي فقال لي: قم يا أبا حفص فنهضت ونهض أصحابنا، ودخلنا فقال لي: يا أبا حفص اكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر، فكشفته فرأيته ميتا فبكيت واسترجعت ثم قال للقوم: انظروا إليه فدنا واحد بعد واحد فنظروا إليه ثم قال: تشهدون كلكم أن هذا موسى بن جعفر بن محمد ؟ فقلنا: نعم نشهد أنه موسى بن جعفر بن محمد ثم قال: يا غلام اطرح على عورته منديلا واكشفه قال: ففعل فقال: أترون به أثرا تنكرونه ؟ فقلنا: لا ما نرى به شيئا ولا نراه إلا ميتا قال: فلا تبرحوا حتى تغسلوه وأكفنه وأدفنه قال: فلم نبرح حتى غسل وكفن وحمل فصلى عليه السندي بن شاهك ودفناه ورجعنا فكان عمر بن واقد يقول: ما أحد هو أعلم بموسى بن جعفر مني كيف يقولون إنه حي وأنا دفنته.
5 - عن الحسن بن عبد الله الصيرفي، عن أبيه قال: توفي موسى بن جعفر عليه السلام في يدي السندي ابن شاهك، فحمل على نعش ونودي عليه هذا إمام الرافضة فاعرفوه.
فلما اتي به مجلس الشرطة أقام أربعة نفر فنادوا ألا من أراد أن يرى الخبيث ابن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج، وخرج سليمان بن أبي جعفر من قصره إلى الشط، فسمع الصياح والضوضاء فقال لولده وغلمانه: ما هذا ؟ قالوا: السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر على نعش فقال لولده وغلمانه: يوشك أن يفعل هذا به في الجانب الغربي، فإذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم فإن مانعوكم فاضربوهم وخرقوا ما عليهم من السواد.
فلما عبروا به نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم وضربوهم، وخرقوا عليهم سوادهم، ووضعوه في مفرق أربعة طرق وأقام المنادين ينادون ألا من أراد الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر فليخرج، وحضر الخلق وغسل وحنط بحنوط فاخر، و كفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين وخمسمائة دينار، عليها القرآن كله، واحتفى ومشى في جنازته متسلبا مشقوق الجيب إلى مقابر قريش، فدفنه هناك وكتب بخبره إلى الرشيد فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر: وصلتك رحم يا عم، و أحسن الله جزاءك، والله ما فعل السندي بن شاهك لعنه الله ما فعله عن أمرنا.
6 - يونس بن عبد الرحمن قال: حضر الحسين بن علي الرواسي جنازة أبي إبراهيم فلما وضع على شفير القبر إذا رسول من السندي بن شاهك قد أتى أبا المضا خليفته - وكان مع الجنازة - أن اكشف وجهه للناس قبل أن تدفنه حتى يروه صحيحا لم يحدث به حدث، قال: فكشف عن وجه مولاي حتى رأيته وعرفته ثم غطى وجهه وادخل قبره .
7 - عن محمد بن غياث المهلبي قال: لما حبس هارون الرشيد أبا إبراهيم موسى عليه السلام وأظهر الدلائل والمعجزات وهو في الحبس تحير الرشيد، فدعا يحيى بن خالد البرمكي فقال له: يا أبا على أما ترى ما نحن فيه من هذه العجائب ألا تدبر في أمر هذا الرجل تدبيرا تريحنا من غمه. فقال له يحيى بن خالد: الذي أراه لك يا أمير المؤمنين أن تمتن عليه، و تصل رحمه فقد والله أفسد علينا قلوب شيعتنا، وكان يحيى يتولاه، وهارون لا يعلم ذلك، فقال هارون: انطلق إليه وأطلق عنه الحديد وأبلغه عني السلام وقل له: يقول لك ابن عمك إنه قد سبق مني فيك يمين أني لا أخليك حتى تقر لي بالإساءة وتسألني العفو عما سلف منك، وليس عليك في إقرارك عار ولا في مسألتك إياي منقصة. وهذا يحيى بن خالد هو ثقتي ووزيري وصاحب أمري فسله بقدر ما أخرج من يميني وانصرف راشدا. قال محمد بن غياث: فأخبرني موسى بن يحيى بن خالد أن أبا إبراهيم قال ليحيى: يا أبا علي أنا ميت، وإنما بقي من أجلي أسبوع، اكتم موتي وائتني يوم الجمعة عند الزوال، وصل علي أنت وأوليائي فرادى وانظر إذا سار هذا الطاغية إلى الرقة وعاد إلى العراق لا يراك ولا تراه لنفسك، فاني رأيت في نجمك ونجم ولدك ونجمه أنه يأتي عليكم فاحذروه، ثم قال: يا أبا علي أبلغه عني يقول لك موسى بن جعفر: رسولي يأتيك يوم الجمعة فيخبرك بما ترى، وستعلم غدا إذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم والمعتدي على صاحبه والسلام. فخرج يحيى من عنده واحمرت عيناه من البكاء حتى دخل على هارون فأخبره بقصته وما ورد عليه فقال هارون: إن لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا فلما كان يوم الجمعة توفي أبو إبراهيم وقد خرج هارون إلى المدائن قبل ذلك فاخرج إلى الناس حتى نظروا إليه، ثم دفن عليه السلام ورجع الناس، فافترقوا فرقتين فرقة تقول: مات، وفرقة تقول: لم يمت.


يوم شهادته عليه السلام
1 - الكافي: قبض لست خلون من رجب من سنة ثلاث وثمانين ومائة، وهو ابن أربع أو خمس وخمسين سنة، وقبض ببغداد في حبس السندي بن شاهك، وكان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال سنة تسع وسبعين ومائة، وقد قدم هارون المدينة منصرفه من عمرة شهر رمضان، ثم شخص هارون إلى الحج وحمله معه ثم انصرف على طريق البصرة، فحبسه عند عيسى بن جعفر ثم أشخصه إلى بغداد فحبسه عند السندي بن شاهك، فتوفي في حبسه، ودفن ببغداد في مقبرة قريش.
2 - الكافي: سعد والحميري معا، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: قبض موسى ابن جعفر وهو ابن أربع وخمسين سنة في عام ثلاث وثمانين ومائة، وعاش بعد جعفر خمسا وثلاثين سنة.
روضة الواعظين: وفاته كانت ببغداد يوم الجمعة لست بقين من رجب، وقيل لخمس خلون منه سنة ثلاث وثمانين ومائة.
3 - إقبال الأعمال: محمد بن علي الطرازي باسناده إلى أبي علي بن إسماعيل بن يسار قال: لما حمل موسى إلى بغداد، وكان ذلك في رجب سنة تسع وسبعين و مائة دعا بهذا الدعاء، كان ذلك يوم السابع والعشرين منه يوم المبعث.
4- الدروس: قبض مسموما ببغداد في حبس السندي بن شاهك لست بقين من رجب، سنة ثلاث وثمانين ومائة، وقيل: يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة إحدى وثمانين ومائة.
5 - عيون أخبار الرضا : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن سليمان بن حفص قال : إن هارون الرشيد قبض على موسى بن جعفر سنة تسع وسبعين ومائة ، وتوفي في حبسه ببغداد لخمس ليال بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وهو ابن سبع و أربعين سنة ، ودفن في مقابر قريش ، وكانت إمامته خمسا وثلاثين سنة وأشهرا ، وأمه أم ولد يقال لها حميدة وهي أم أخويه إسحاق ومحمد ابني جعفر، ونص على ابنه علي بن موسى الرضا بالإمامة بعده
6 - عيون أخبار الرضا: الطالقاني، عن الحسن بن علي بن زكريا ، عن محمد بن خليلان قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن عتاب بن أسيد ، عن جماعة ، عن مشايخ أهل المدينة قالوا : لما مضى خمس عشرة سنة من ملك الرشيد استشهد ولي الله موسى ابن جعفر مسموما سمه السندي بن شاهك بأمر الرشيد في الحبس المعروف بدار المسيب بباب الكوفة ، وفيه السدرة ، ومضى إلى رضوان الله وكرامته يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة من الهجرة ، وقد تم عمره أربعا وخمسين سنة ، وتربته بمدينة السلام في الجانب الغربي بباب التين في المقبرة المعروفة بمقابر قريش


القاتل
الحاكم العباسي هارون


مدة سجنه عليه السلام
أمضى الامام الكاظم عليه السّلام في سجون هارون الرشيد سبع سنوات، وفي رواية 13 سنة حتى أعيت هارون فيه الحيلة ويئس منه فقرر قتله، وذلك بأن أمر بدس السم له في الرطب فاستشهد سلام الله عليه في 25 من شهر رجب عام 183هـ.


مكان الدفن
دفن في العراق / بغداد / الكاظمية مدينة السلام, في المقبرة المعروفة بمقابر قريش.


مدة الإمامة
مدة إمامته عليه السلام 35 سنة


كلمات في الإمام الكاظم عليه السّلام
1 - كان أحمد بن حنبل مع انحرافه عن أهل البيت لما روى عنه قال: حدثني موسى بن جعفر قال: حدثني أبي جعفر بن محمد وهكذا إلى النبي ثم قال أحمد: وهذا إسناد لو قرئ على المجنون أفاق

2 - لقيه أبو نواس فقال:

إذا أبصرتك العين من غير ريبة *** وعارض فيك الشك أثبتك القلب
ولو أن ركبا أمموك لقادهم *** نسيمك حتى يستدل بك الركب
جعلتك حسبي في أموري كلها *** وما خاب من أضحى وأنت له حسب



زيارة الإمام موسى الكاظم عليه السّلام

آداب الزيارة
لقداسة أمر زيارة الأنبياء والأولياء الأوصياء عليهم أفضل الصلاة والسّلام.. وردت الأخبار الوفيرة في آدابها وسننها وأحكامها، ما دعا العلماءَ إلى تخصيص فصول لها في كتبهم. وقد أوردوا في صدر ذلك الآيتين الكريمتين التاليتين:
" فاخلَعْ نَعَليكَ إنّك بالوادِ المقدَّسِ طُوى ".
" يا أيّها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتَكم فوقَ صوتِ النبيِّ ولا تَجْهَروا له بالقولِ كجَهْرِ بعضِكم لبعضٍ أن تَحْبَطَ أعمالُكم وأنتم لا تشعرون * إنّ الذين يَغُضّون أصواتَهم عندَ رسولِ اللهِ أولئك الذين امتحَنَ اللهُ قلوبَهم للتقوى لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيم ".
ذلك أنّ الآية الأُولى تُومئ إلى إكرام الروضات المقدّسة، وخلع النعلين فيها بل عند الاقتراب منها، لا سيّما في الطفّ بكربلاء والغريّ بالنجف الأشرف.. والآية الثانية تدلّ على لزوم خفض الصوت عند قبر النبيّ صلّى الله عليه وآله وعدم جهر الصوت، خلال الزيارة وغيرها؛ لما رُوي من أن حرمة الأنبياء والأئمّة عليهم السّلام بعد وفاتهم كحرمتهم في حياتهم.
ومن الأحكام والآداب الواردة في الزيارة:
1 - أنّه لا ينبغي للجُنب والحائض والنُّفَساء دخول مراقد الأنبياء والأئمّة عليهم السّلام.
2 - وأنّه يستحبّ غُسلُ الزيارة والدعاء خلاله: اللهمّ طهّرْني من كلّ ذنب، وجنّبْني من كلّ كَرْب، وذلّلْ لي كلَّ صعب، إنّك نعم المولى ونعم الربّ، ربُّ كلّ يابسٍ ورطب ". وقد ورد في ظلّ قوله تعالى: " خُذوا زينتَكم عندَ كلِّ مسجد " أنّ من تفاسيرها: الغُسل عند لقاء كلّ إمام.
3 - الوقوف على باب المَزور والدعاء والاستئذان بالمأثور، فإن وجد الزائر رقّة دخل.
4 - استقبال وجه المزور، والدعاء بتضرّع بعد وضع الخدّ الأيمن، ثمّ الدعاء عند وضع الخد الأيسر، سائلاً من الله تعالى بحقّ صاحب القبر أن يجعله من أهل شفاعته.
5 - الزيارة بالمأثور.
6 - صلاة ركعتين للزيارة، ثمّ الدعاء بعد الركعتين بما نُقل، وإلاّ بما سَنَح للزائر في أمور دينه ودنياه، وليعمّم الدعاء؛ فإنّه أقرب إلى الإجابة.
7 - تلاوة شيء من القرآن عند الضريح وإهداؤه إلى المزور، والمنتفع بذلك هو الزائر، وفيه تعظيم للمزور.
8 - إحضار القلب في جميع الأحوال ما استطاع الزائر ذلك، والتوبة من الذنب، والاستغفار، والإقلاع عن الآثام.
9 - استحباب العود إلى الزيارة ما دام الزائر مقيماً، فإن حان الخروج ودّع وداعاً بالمأثور، وسأل اللهَ تعالى العودة إليه.
10 - أن يكون الزائر بعد الزيارة خيراً منه قبلَها؛ فإنّ الزيارة ينبغي أن تحطّ الأوزار إذا صادفت القبول، وأن تصرف عن الذنوب والموبقات، كالصلاة التي قال الله تعالى فيها: " إنّ الصلاةَ تَنهى عنِ الفحشاءِ والمُنْكَر، ولَذِكْرُ اللهِ أكبر.. ".
11 - تعجيل الخروج عند قضاء الوطر من الزيارة؛ تعظيماً لحرمة المكان، وليشتدّ الشوق.. ورُوي أنّ الخارج من الروضة يمشي القهقري حتّى يتوارى.
12- التصدّق على المحتاجين في تلك البقعة، فإنّ الصدقة مضاعفة فيها لا سيّما الهديّة إلى الذريّة الطاهرة.
13 - يستحبّ الزيارة في المواسم المشهورة قصداً.
14 - من السُّنّة تقبيل الأضرحة المقدّسة؛ تعبيراً عن المودّة والإجلال، ولو سجد الزائر على الأعتاب ونوى الشكر لله تعالى على بلوغه تلك البقعة كان أَولى.

فضل زيارة الإمام موسى الكاظم عليه السّلام
وفي خصوص هذا أيضاً وردت روايات كثيرة، اخترنا منها هذه الباقة العاطرة:
1 - عن محمّد بن سنان قال: قلت للرضا عليه السّلام: ما لمَن زار أباك ؟
قال: الجنّة، فزُرْه.
أجل، مع الاعتقاد الحقّ وحسن التولّي والتمسّك بحجزة آل الله عليهم السّلام، والقبول.
2 - وعن الحسين بن محمّد الأشعريّ قال: قال الرضا عليه السّلام: مَن زار قبر أبي ببغداد كان كمَن زار رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وقبر أمير المؤمنين عليه السّلام، إلاّ أنّ لرسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السّلام فضلَهما.
قال الشيخ المجلسيّ: يعني كونهما أفضل من الإمام موسى الكاظم عليه السّلام لا ينافي مساواتَهم في فضل الزيارة، ويُحتمل أن يكون المعنى أنّهم مشتركون في أنّ لزيارتهم فضلاً عظيماً، لكن زيارتهما أفضل؛ لفضلهما، والرأي الأوّل أظهر.
3 - وذكر الخطيب البغداديّ في ( تاريخ بغداد 120:1 ) بإسناده عن عليّ بن الخلاّل قال: ما همّني أمرٌ فقصدتُ قبر موسى بن جعفر عليه السّلام وتوسّلتُ به إلاّ سهّل اللهُ لي ما أُحبّ . كما ذكر أنّه رأى في بغداد امرأة تهرول، فقيل لها: إلى أين ؟ قالت: إلى موسى بن جعفر؛ فإنّه حُبِس ابني. فقال لها حنبليّ: إنّه قد مات في الحبس ( أي الإمام مات محبوساً فكيف يُتَوسَّل به لنجاة محبوس! وكان في قوله هذا لهجة استهزاء ) فقالت المرأة: بحقّ المقتول في الحبس، أن تُريَني القدرة. فإذا بابنِها قد أُطلق، وأُخذ ابن المستهزئ بجنايته.
4 - وفي ( الكتاب العتيق ) للغرويّ، عن أبي عليّ بن همّام، عن الحسن بن محمّد بن جمهور العميّ قال: رأيت في سنة ستّ وتسعين ومئتين ـ وهي السنة التي تقلّد فيها عليّ بن محمّد بن موسى بن الفرات وزارةَ المقتدر ـ أحمدَ بن ربيعة الأنباريّ الكاتب، وقد اعتلّتْ يدُه العلّة الخبيثة، وعظم أمرها حتّى راحت واسودّت، وأشار يزيد المتطبّب بقطعها، ولم يشكّ أحدٌ ممّن رآه في تلفه.
فرأى في منامه مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فقال له: يا أمير المؤمنين، أما تستوهب لي يدي ؟ فقال: أنا مشغول عنك، ولكنِ آمضِ إلى موسى بن جعفر؛ فإنّه يستوهبها لك. فأصبح فقال: إئتوني بمَحمل ووطّئوا تحتي واحملوني إلى مقابر قريش. ففعلوا به ذلك بعد أن غسّلوه وطيّبوه وطرحوا عليه ثوباً، وحملوه إلى قبر موسى بن جعفر صلوات الله عليه.. فلاذ به ودعا، وأخذ من تربته وطلى به يده إلى الكتف وشدَّها.
فلمّا كان من الغد حلّها وقد سقط كلُّ لحمٍ وجلدٍ عليها حتّى بقيت عظاماً وعروقاً وأعصاباً مشبّكة، وانقطعت الرائحة. وبلغ خبرُه الوزير فحُمل إليه، حتّى نظر إليه، ثمّ عُولج فرجع إلى الديوان وكتب بها كما كان، وفيه يقول صالح الديلميّ:
وموسى قد شفى الكفـ ـفَ مِن الكاتب إذْ زارا.

كيفيّة زيارة الإمام موسى الكاظم عليه السّلام
وردت نصوص كثيرة وصيغ وفيرة في زيارة الإمام الكاظم سلام الله عليه، بعضها تُفرده في السلام عليه والبعض الآخر تشفعه بالزيارة مع حفيده الإمام محمّد الجواد عليه السّلام المدفون إلى جنبه وفي روضته المنوّرة المطهّرة:

الزيارة الأولى:
يستحبّ أن تغتسل للزِّيارة مندوباً، ثمّ تقصد المشهد الشريف، وتدخل إلى الضريح الطاهر بسكينة ووقارٍ وتقول:
بِسْمِ اللهِ وَباللهِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَعَلى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله، وَالسَّلاَمُ عَلَى أوْلِياءِ اللهِ.
فإذا وقفت عليه فقل:
السَّلامُ عَلَيْكَ يَا نُورَ اللهِ فِي ظُلُماتِ الأرْضِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بَابَ اللهِ.
أشْهَدُ أنَّكَ قَد أَقَمْتَ الصَّلاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكاةَ، وَأمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَلَوْتَ الكِتابَ حَقَّ تِلاوَتِهِ، وَجاهَدْتَ فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ، وَصَبرْتَ عَلَى اَلأذى فِي جَنْبِهِ مُحْتَسِباً، وَعَبَدْتَهُ مُخْلِصاً حَتّى أتَاكَ الْيَقِينُ.
أشْهَدُ أنَّكَ أوْلى بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأنَّكَ ابْنُ رَسُولِ اللهِ حَقّاً، أبْرَأُ إلى اللهِ مِنْ أعْدائِكَ، وَأتَقَرَّبُ إلى اللهِ بِمُوالاتِكَ، أتَيْتُكَ يَا مَوْلايَ عارِفاً بِحَقِّكَ، مُوالِياً لأِوْلِيائِكَ، مُعادِياً لأِعْدائِكَ، فَاشْفَعْ لِي عِنْدَ رَبِّكَ.
ثمّ تنكبّ على القبر وتقبِّله، وتضع خدَّيك عليه، وتحوَّلْ إلى عند الرّاس وقف وقُل:
السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، أشْهَدُ أنَّكَ صادِقٌ صِدِّيقٌ، أدَّيْتَ ناصِحاً، وَقُلْتَ أمِيناً، وَمَضَيْتَ شَهِيداً، لَمْ تُؤْثِرْ عَمىً عَلَى هُدىً، وَلَمْ تمِلْ مِن حَقٍّ إلى باطِلٍ، صَلّى الله عَلَيْكَ وَعَلَى آبائِكَ وَأبْنائِكَ الطَّاهِرِينَ.
ثمّ قبِّل القبر وصلِّ ركعتين عند الرأس، وصلِّ بعدها ما أحببت واسجُد وقُل:
اللّهُمَّ إلَيْكَ اعْتَمَدْتُ، وَإلَيْكَ قَصَدْتُ، وَلِفَضْلِك رَجَوْتُ، وَقَبْرَ إمامِي الَّذِي أوْجَبْتَ عَلَيَّ طاعَتَهُ زُرْتُ، وَبِهِ إلَيْكَ تَوَسَّلْتُ، وَبِحَقِّهِمُ الَّذِي أوْجَبْتَ على نَفْسِكَ اغْفِرْ لِي وَلِوالِديَّ وَلِلْمؤْمِنِينَ يَا كَرِيمُ.
ثمّ تُقلِّبُ خدَّك الأيمن وتقول:
اللّهُمَّ قَدْ عَلِمْتَ حَوائِجِي، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاقْضِها.
ثمّ تقلّب خدَّك الأيسر فتقول:
اللّهُمَّ قَدْ أحْصَيْتَ ذُنُوبِي، فَبِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاغْفِرْها، وَتَصَدَّقْ عَلَيَّ بِما أنْت أهْلُهُ.
ثمّ عُدْ إلى السُّجود وقُل:
شكراً شُكراً.. مائة مرَّة.
ثمَّ ارفعْ رأسَك من السُّجود وادعُ بما شئت.

الزيارة الثانية:
بعد أنْ تغتسل تأتي المشهد المقدَّس وعليك السكينة والوقار، فإذا أتيته فقف على بابه وقل:
اللهُ أكبَرُ اللهُ أكبَرُ، لا إلهَ إلاّ اللهُ وَاللهُ أكبَرُ، الحَمدُ للهِ على هِدايَتِهِ لِدينِهِ، وَالتَّوفيقِ لِما دَعا إليه مِنْ سَبيلِهِ.
اللّهُمَّ إنَّكَ أكرَمُ مَقصودٍ، وَأكرَمُ مَأتيٍ، وَقَدْ أتَيتُكَ مُتَقَرِّباً إليكَ بِابنِ بِنتِ نَبيِّكَ صَلواتُكَ عَليهِ وَعلى آبائِهِ الطّاهِرينِ، وَأبنائِهِ الطَيِّبينَ.
اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ وَلا تُخَيِّب سَعيي، وَلا تَقطَع رَجائي، وَاجعَلني عِندَكَ وَجيهاً في الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبينَ.
ثم تُقدّم رجلك اليمنى عند الدخول وتقول:
بِسمِ اللهِ وباللهِ، وفي سَبيلِ الله، وعلى مِلَّةِ رَسولِ الله صلّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ، اللّهُمَّ اغفِر لي ولِوالدَيّ ولِجَميع المؤمنينَ والمؤمِناتِ.
فإذا وصلت إلى باب القبَّة فقف عليه واستأذن وقل:
أأدخُلُ يا رَسولَ اللهِ، أأدخُلُ يا نَبيَّ اللهِ، أأدخُلُ يا مُحَمّدَ بنَ عَبدِ اللهِ، أأدخُلُ يا أميرَ المؤمِنينَ، أأدخُلُ يا أبا مُحَمّدٍ الحَسَن، أأدخُلُ يا أبا عَبدِاللهِ الحُسين، أأدخُلُ يا أبا مُحَمَّدٍ عَليَّ بن الحُسَينِ، أأدخُلُ يا أبا جَعفَرٍ مُحَمّدَ بن عَلي، أأدخُلُ يا أبا عَبدِاللهِ جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ، أأدخُلُ يا مَولايَ يا أبا الحَسَنِ موسى بنَ جَعفَرٍ، أأدخُلُ يا مَولايَ يا أبا جَعفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلي.
فإذا دخلتَ فكبِّر الله ( أربعاً ) ثم تقف مستقبل القبر بوجهك والقبلة بين كتفيك وتقول:
السَّلامُ عَلَيكَ يا وَليَّ اللهِ وَابنَ وَليِّهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا حُجَّةَ اللهِ وَابنَ حُجَّتِهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا صَفيَّ اللهِ وَابنَ صَفيِّهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا أمينَ اللهِ وَابنَ أمينِهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا نورَ اللهِ في ظُلماتِ الأرضِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا إمامَ الهُدى، السَّلامُ عَلَيكَ يا عَلَمَ الدِّينِ وَالتُّقى، السَّلامُ عَلَيكَ يا خازنَ عِلْمِ النَبيينَ، السَّلامُ عَلَيكَ يا خازِنَ عِلمِ المُرسَلينَ، السَّلامُ عَلَيكَ يا نائِبَ الأوصياءِ السّابِقينَ، السَّلامُ عَلَيكَ يا مَعدِنَ الوَحي المُبينِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا صاحِبَ العِلْمِ اليَقينِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا عَيبَةَ عِلْمِ المُرسَلينَ.
السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها الإِمامُ الصّالحُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها الإِمامُ الزّاهِدُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها الإِمامُ السَيِّدُ الرَّشيدُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها المقتولُ الشَّهيدُ، السَّلامُ عَلَيكَ يا ابنَ رَسولِ اللهِ وَابنَ وَصيِّهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا مَولايَ يا موسى بن جَعفرٍ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.
أشهَدُ أنَّكَ قَدْ بَلَّغتَ عَنِ اللهِ ما حَمَّلَكَ، وَحَفِظَتَ ما استَودَعَكَ، وَحَلَّلتَ حَلالَ اللهِ، وَحَرَّمتَ حَرامَ اللهِ، وَأقمتَ أحكامَ اللهِ، وَتَلَوتَ كِتابَ اللهِ، وَصَبرتَ على الأذى في جَنبِ اللهِ، وَجاهَدتَ في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ حتى أتاكَ اليَقينَ. وَأشهَدُ أنَّكَ مَضيتَ على ما مَضى عَليهِ آباؤُكَ الطّاهِرونَ، وَأجدادُكَ الطَيِّبونَ، الأوصياءُ الهادونَ، الأئمّةُ المَهديُّونَ، لَمْ تُؤثِر عَمى على هُدى، وَلَمْ تَمِلْ مَنْ حَقٍ إلى باطِلٍ. وَأشهَدُ أنَّكَ نَصَحتَ للهِ وَلِرسولِهِ وَلأميرِ المؤمِنينَ، وَأنَّكَ أدَّيتَ الأمانَةَ، وَاجتَنَبتَ الخيانَةَ، وَأقمتَ الصَّلاةَ وآتيتَ الزكاة، وأمرتَ بالمعروف ونهيتَ عن المنكر، وعبدتَ اللهَ مخلصاً مجتهداً مُحتَسِباً حتى أتاكَ اليَقينُ، فَجَزاكَ اللهُ عَنِ الإِسلامِ وَأهلِهِ أفضَلَ الجَزاء وَأشرَفَ الجَزاءِ.
أتَيتُكَ يا ابنَ رسولِ اللهِ زائِراً عارِفاً بِحَقِّكَ، مُقِرَّاً بِفَضلِكَ، مُحتَمِلاً لِعِلمكَ، مُحتَجِباً بِذِمَّتِكَ، عائِذاً بِقَبرِكَ، لائِذاً بِضَريحكَ، مُستَشفِعاً بِكَ إلى اللهِ، موالياً لأوليائِكَ، مُعادياً لأِعدائِكَ، مُستَبصِراً بِشَأنِكَ وَبالهدى الذي أنتَ عَليهِ، عالِماً بِضَلالَةِ مَنْ خالَفَكَ وَبِالعَمى الذي هم عَليهِ.
بأبي أنتَ وَأُمِّي وَنَفسي وَأهلي وَمالي وَوِلْدي يا ابنَ رَسولِ اللهِ، أتَيتُكَ مُتَقَرِّباً بزِيارَتِكَ إلى اللهِ تَعالى، وَمُستَشفِعاً بِكَ إليهِ، فَاشفَع لي عِندَ رَبِّكَ لِيَغفِرَ لي ذنوبي، وَيَعفوَ عَنْ جُرمي، وَيَتَجاوَزَ عَنْ سَيّئاتي، وَيَمحوَ عَنِّي خَطيئاتي، ويَدُخِلَني الجَنَّةَ، وَيَتَفَضَّلَ عَلَيَّ بِما هو أهلُهُ، وَيَغفِرَ ليْ وَلآِبائي وَلإِخواني وَأخواتي وَلِجَميعِ المؤمِنينَ وَالمؤمناتِ في مَشارِقِ الأرضِ وَمَغارِبِها بِفَضلِهِ وَجودِهِ وَمَنِّهِ.
ثمّ تنكبُّ على القبر وتقبِّله، وتعفِّر خدَّيك عليه، وتدعو بما تريد.
ثمّ تتحول إلى الرأس وتقول:
السَّلامُ عَلَيكَ يا مَولايَ يا موسى بنَ جَعفرٍ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، أشهَدُ أنَّكَ الإمامُ الهادي، وَالوَليُّ المُرشِدُ، وَأنَّكَ مَعدِنُ التَّنزيلِ، وَصاحِبُ التَّأويلِ، وَحامِلُ التَّوراةِ وَالإنجيلِ، وَالعالِمُ العادِلُ، وَالصّادِقُ العامِلُ.
يا مَولايَ أنا أبرَأُ إلى اللهِ مِنْ أعدائِكَ، وَأتَقَرَّبُ إلى اللهِ بِموالاتِكَ، فَصَلّى اللهُ عَليكَ وَعلى آبائِكَ وَأجدادِكَ وَأبنائِكَ وَشيعَتِكَ وَمُحِبِّيكَ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُه.
ثمّ تصلي ركعتَي الزيارة، تقرأ فيهما سورة يس والرحمن أو ما تيسَّر من القرآن، ثمّ تدعو بما تريد.

الزيارة الثالثة:
تستأذن بما تقدَّم، ثمّ تدخل مقدِّماً رجلك اليمنى، فإذا دخلت فكبِّر الله تعالى مائة تكبيرة، وتقف مستقبل الضريح وتقول:
السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها العَبدُ الصّالحُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها النُّورُ السّاطِعُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها القَمرُ الطالعُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيها الغَيثُ النافِعُ، السَّلامُ عَلَيكَ يا وَليَّ اللهِ وَحُجَّتَهُ، السَّلامُ عَلَيكَ يا نورَ اللهِ في الظُّلماتِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا آلَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا بَهاءَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا بابَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا صِفوَةَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا خاصَّةَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا سِرَّ اللهِ المُستودَع، السَّلامُ عَلَيكَ يا صِراطَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا زَينَ الأبرارِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا سَليلَ الأطهار، السَّلام عَلَيكَ يا عُنصرَ الأخيارِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا مِحنَةَ الخَلقِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا مَزيدَ اللهِ في شَأنِهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ عِلْمِ النَبيينَ، وَسُلالَةَ الوَصيِّينَ، وَشاهِدَ يَومِ الدِّينِ.
أشهَدُ أنَّكَ وآباءَك الذينَ كانوا مِنْ قَبِلكَ، وَأبناءَكَ مِنْ بَعدِكَ، مَواليَّ وَأوليائي وَأئِمِّتي.
أشهَدُ أنَّكُم أصفياءُ اللهِ وَخِيرَتُهُ، وَحُجَّتُهُ البالِغَةُ، انَتَجَبَكُم بِعِلمِهِ، وَجَعَلَكُم أنصاراً لِدينِهِ، وَقُوّاماً بِأمرِهِ، وُخُزّاناً لِحِكمِهِ، وَحَفَظَةً لِسِرِِّهِ، وَأركانِاً لِتَوحيدِهِ، وَمعادِنَ لِكَلِماتِهِ، وَتَراجِمَةً لِوَحْيهِ، وَشُهوداً على عِبادِهِ.
استَرعاكُم خَلقَهُ، وَآتاكُم كِتابَهُ، وَخَصَّكُم بِكَرائِمِ التَّنزيلِ، وَأعطاكُم فَضيلَةَ التَّأويلِ، وَجَعَلَكُم تابوتَ حِكمَتِهِ، وَعَصا عِزِّه، وَمَناراً في بِلادِهِ، وَأعلاماً لِعِبادِهِ، وَأجرى فيكُم مِنْ روحِهِ، وَعَصَمَكُم مِنَ الزَّلَلِ، وَطَهَّرَكُم مِنَ الدَّنَسِ وَأذهَبَ عَنكُمُ الرّجسَ، وَآمَنَكُم مِنَ الفِتَنِ.
بِكُم تَمَّتِ النِّعمَةُ، وَاجتَمَعَتِ الفُرقَةُ، وَائتَلَفَتِ الكَلَمَةُ، وَلَكُمُ الطَّاعَةُ المُفتَرَضَةُ، وَالمَودَّةُ الواجِبَةُ، وَأنتُم أولياءُ اللهِ النُّجَباءُ، وَعِبادُهُ المُكَرَّمونَ.
أتَيتُكَ يا ابنَ رَسولِ اللهِ عارِفاً بِحَقِّكَ مُستَبصراً بِشَأنِكَ، مُوالياً لاِوليائِكَ، مُعادياً لأعدائِكَ، بِأبي أنت وَأُمِّي صَلّى اللهُ عَليكَ وَسَلَّمَ تَسليماً.

الصلاة عليه (سلام الله عليه):
اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَأهلِ بَيتِهِ، وَصَلِّ على موسى بنِ جَعفَرٍ وَصيِّ الأبرارِ، وَإمامِ الأخيارِ، وَعَيبَةِ الأنوارِ، وَوارِثِ السَّكينَةِ وَالوَقارِ، وَالحِكمِ وَالآثارِ، الذي كانَ يُحيي اللَّيلَ بِالسَّهَرِ إلى السَّحَرِ بِمواصَلَةِ الاستِغفار، حَليفِ السَّجدَةِ الطَّويلَةِ، وَالدُّموعِ الغَزيرَةِ وَالمناجاةِ الكَثيرَةِ، وَالضَّراعاتِ المُتَّصِلَةِ، وَمَقَرِّ النُّهى وَالعَدلِ، وَالخيرِ وَالفَضلِ، وَالنَّدى وَالبَذلِ، وَمألِفِ البَلوى وَالصَّبرِ، وَالمُضطَهَدِ بِالظُّلمِ، وَالمَقبورِ بالجَور، وَالمُعَذَّبِ في قَعرِ السُّجونِ وَظُلَمِ المَطامير، ذي السّاقِ المَرضوضِ بِحَلَقِ القُيودِ، وَالجَنازَةِ المُنادى عَلَيها بِذُلِّ الاستِخفافِ، وَالوارِدِ على جَدِّهِ المُصطفى، وَأبيهِ المَرتَضى، وَأُمِّهِ سَيِّدَةِ النِّساءِ، بإرثٍ مَغصوبٍ، وَوَلاءٍ مَسلوبٍ، وَأمرٍ مَغلوبٍ، وَدَمٍ مَطلوبٍ، وَسَمٍ مَشروبٍ.
اللّهُمَّ وَكَما صَبَرَ على غَليظِ المِحَنِ، وَتَجَرَّعَ غُصَصَ الكُربِ، وَاستَسلَمَ لِرضاكَ، وَأخلَصَ الطَّاعَةَ، وَمَحَضَ الخُشوعَ، وَاستَشعَرَ الخُضوعَ، وَعادى البِدعَةَ وَأهلَها، وَلَمْ يَلحَقه في شَيءٍ مِنْ أوامِرِكَ وَنَواهيكَ لَومَةُ لائِمٍ، صَلِّ عَلَيهِ صَلاةً ناميَةً مُنيفَةً زاكيَةً، توجِبُ لَهُ بها شَفاعَةَ أُمَمٍ مِنْ خَلقِكَ، وَقُرونٍ مِنْ بَراياكَ، وَبَلِّغْه عَنّا تَحيَّةً وَسَلاماً، وَآتِنا مِنْ لَدنكَ في موالاتِهِ فَضلاً وَإحسانا،ً وَمَغفِرةً وَرِضواناً، إنَّكَ ذو الفَضلِ العَميمِ، وَالتَّجاوزِ العَظيمِ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ.
ثمّ تصلِّي ركعتي الزيارة، وتقول عقبها وأنت قائم:
اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ بِحُرمَةِ مَنْ عاذَ بِكَ مِنكَ، وَلَجَأ إلى عِزِّكَ، واستَظَلَّ بِفَيئِكَ، وَاعتَصَمَ بِحَبلِكَ، وَلْمْ يَثِقْ إلاّ بِكَ، يا جَزيلَ العَطايا، يا فَكّاكَ الأُسارى، يا مَنْ سَمّى نَفسَهُ مِنْ جودِهِ وَهّاباً، أنْ تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَلا تَرُدَّني مِنْ هذا المَقامِ خائِباً، فَإنَّ هذا مَقامٌ تَغِفرُ فيهِ الذُّنوبَ العِظامَ، وَتُرجى فيهِ الرَّحمَةُ مِن الكَريمِ العَلاّمِ. مَقامٌ لا يَخيبُ فيهِ السّائِلونَ، وَلا يُجْبَهُ بِالرَّدِ الرّاغِبونَ. مَقامُ مَنْ لاذَ بِمولاهُ رَغبَةً، وَتَبَتَّلَ إليهِ رَهبَةً. مَقامُ الخائِفِ مِنْ يَومٍ يَقومُ فيهِ النّاسُ لِرَبِّ العالَمينَ، وَلا تَنفَعُ فيهِ شَفاعَةُ الشّافِعين، إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرَّحمنُ وَكانَ مِنَ الفائِزين، ذلِكَ يَومٌ لا يَنفَعُ فيهِ مالٌ وَلا بَنون إلاّ مَنْ اتى اللهَ بِقَلبٍ سَليمٍ، وَأُزِلَفتِ الجَنَةُ لِلمُتَقينَ، وَقيلَ هذا ما كُنتُم تُوعَدونَ، لِكُلِّ أوّابٍ حَفيظٍ، مَنْ خَشيَ الرَّحمنَ بِالغَيبِ وَجاءَ بِقَلبٍ مُنيبٍ، أُدخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَومُ الخُلود.
اللَّهُمَّ فَاجعَلني مِنَ المُخلصينَ الفائِزينَ، وَاجعَلني مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعيمِ، وَاغفِر لي وَلِوالِدَيّ وَلِولْدي يومَ الدِّينِ، وَألحِقني بِالصَالحِينَ، وَاخلِف على أهلي وَولْدي في الغابِرينَ، وَاجمَع بَينَنا جَميعاً في مُستَقَرِّ رَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرَّاحمينَ.
وَسَلِّمني مِنْ أهوالِ ما بَيني وَبينَ لِقائِكَ، حتّى تُبَلِّغَني الدَّرَجَةَ التي فيها مُرافَقَةِ أحبّائِك،َ الذينَ عَليهِم دَلَلْتَ، وَبِالاقتِداءِ بِهِم أمَرتَ، وَاسقِني مَنْ حَوضِهِم مَشرَباً رَويّاً سائِغاً هَنيئاً، لا أظمَأ بَعَدَهُ وَلا أُحَلّى عَنهُ أبَداً، وَاحشُرني في زُمرَتِهِم، وَتَوَفَّني على مِلَّتِهِم، وَاجعَلني في حِزبِهِم، وَعَرِّفني وجُوهَهُم في رِضوانِكَ وَالجَنَّةِ، فَإنِّي رَضيتُ بِهِم أئِمَةً وَهُداةً وَولاةً، فَاجعَلهُم أئِمَتي وَهُداتي وَوُلاتي في الدُّنيا وَالآخِرَةِ، وَلا تُفَرِّقْ بَيني وَبَينَهُم طَرْفَةَ عَينٍ يا أرحَمَ الرَّاحِمين، آمينَ يا رَبَّ العالَمينَ.
وصلِّ ما تختار، وادع بما تريد.

الزيارة الرابعة:
تستأذن بما تقدَّم، وتقف على ضريحه وتقول:
السَّلامُ عَلَيكَ يا وَليَّ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا صِفوَةَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا حُجَّةَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا نورَ اللهِ في ظُلُماتِ الأرضِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا إمامَ المُتَّقينَ، وَوارِثَ عِلْمِ الأوَّلينَ وَالآخِرينَ، السَّلامُ عَلَيكَ يا سُلالَةَ الوَصَيِّينَ، السَّلامُ عَلَيكَ يا شاهِدَ يَومِ الدِّينِ.
أشهَدُ أنَّك وَآباءَكَ الذينَ كانوا مِنْ قَبِلكَ، وَأبناءَكَ الذينَ يَكونونَ مِنْ بَعدِكَ، مَواليّ وَأوليائي وَأئِمّتي وَقادَتي في الدُّنيا وَالآخِرَةِ، وَأشهَدُ أنَّكُم أصفياءُ اللهِ وَخيرَتُهُ مِنْ خَلقِهِ، وَحُجَّتُهُ البالِغَةُ، انتَجَبَكُم لِعلمِهِ، وَجَعَلَكُم خَزَنَةً لِسِرِّهِ، وَأركاناً لِتَوحيدِهِ، وَتَراجِمَةً لِوَحيهِ، وَمَعادِنَ لِكَلِماتِهِ، وَشُهوداً لَهُ على عِبادِهِ، وَاستَرعاكُم أمرَ خَلقِهِ، وَخَصَّكُم بِكَرائِمِ التَّنزيلِ، وَأعطاكُمُ التَّأويلَ، وَجَعَلَكُم أبواباً لِحِكمَتِهِ، وَمَناراً في بِلادِهِ، وَأعلاماً لِعبادِهِ، وَضَرَبَ لَكُم مَثَلاً مِنْ نورِهِ، وَعَصَمَكُم مِنَ الزَّلَلِ، وَطَهَّرَكُم مِنَ الدَّنَسِ، وَآمَنَكُم مِنَ الفِتَنِ.
فَبِكُم تَمَّتِ النِّعمَةَ، وَاجتَمَعَتْ بِكُم الفُرقَةُ، وَبِكُمُ انتَظَمَتِ الكَلِمَةُ، وَلَكُمُ الطَّاعَةُ المُفتَرَضَةُ، وَالمَودّةُ الواجِبَةُ الموَظَّفَةُ، وَأنتُم أولياءُ اللهِ النُّجَباءُ، أحيا بِكُمُ الصِّدقَ، فَنَصَحتُم لِعبادِهِ، وَدَعَوتُم إلى كِتابِ اللهِ وَطاعَتِهِ، وَنهَيتُم عَنْ مَعاصي اللهِ، وَذَبَبتُم عَنْ دينِ اللهِ.
أتَيتُكَ يا مَولايَ يا أبا إبراهيمَ موسى بنَ جَعفَرٍ، يا ابنَ خاتَمِ النَّبيينَ، وَابنَ سَيِّدِ الوَصيينَ، وَابنَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمينَ، عارِفاً بِحَقِّكَ وَبِولايَتِكَ، مُصَدِّقاً بِوَعدِكَ، موالياً لأِوليائِكَ، مُعادياً لأعدائِكَ، فَعَلَيكَ يا مَولايَ مِنِّي أفضَلُ التَّحيَّةِ وَالسَّلام.
ثم تقول:
اللَّهُمَّ صَلِّ على حُجّتكَ مِنْ خَلِقكَ، وَأمِينِكَ في عِبادِكَ، وَلِسانِ حِكمَتِكَ، وَمَنهَجِ حَقِّكَ، وَمَقصَدِ سَبيلِكَ، وَالسَّبَبِ إلى طاعَتِكَ، وَصِراطِكَ المُستَقيمِ، وَخازِنِكَ، وَالطَّريقِ إليكَ.. مُوسى بنِ جَعفَرٍ، فَرطِ أنبيائِكَ، وَسُلالَةِ أصفيائِكَ، داعي الحِكمَةِ، وَخازِنِ العِلْمِ، كاظِمِ الغَيظِ، وَصائِمِ القَيظِ، وَإمامِ المؤمِنينَ، وَزينِ المُهتَدينَ، الحاكِمِ الرَّضيّ، وَالامامِ الزَّكي الوَفيّ الوَصيّ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيهِ وَعَلى الأئمّةِ مِنْ آبائِهِ وَولْدهِ، وَاحشُرني في زُمرَتِهِ، وَاجعَلني في حِزبِهِ، وَلا تحْرِمني مُشاهَدَتَهُ.
اللَّهُمَّ فَكَما مَنَنتَ عَلَيَّ بِولايَتِهِ، وَبَصَّرتَني طاعَتَهُ، وَهَدَيتَني لِمودَّتِهِ، وَرَزقتَني البَراءةَ مِنْ عَدوِّهِ، فَأسألُكَ أنْ تجعَلَني مَعَهُ وَمَعَ الأئِمَةِ مِنْ آبائِهِ وَوِلدِهِ بِرَحمَتِكَ، وَمَعَ مَنِ ارتَضيتَ مِنَ المؤمِنينَ بِولايَتِهِ يا رَبَّ العالَمينَ، وَخَيرَ النّاصِرينَ.
ثمّ تصلي عليه بما تقدم في الزيارة الثانية، وتصلي صلاة الزيارة، وتدعو بعدها بالدعاء الذي تقدّم عُقيب صلاة تلك الزيارة.

وداع أبي الحسن موسى عليه السّلام
ذكر الشيّخ الطوسيّ في (تهذيب الأحكام) في وداع أبي الحسن موسى عليه السّلام: تقف على القبر كوقوفك أوَّل مرّة للزِّيارة وتقول:
السّلام عليك يا مولاي يا أبا الحسن ورحمة الله وبركاته، أستودعك الله وأقرأ عليك السّلام، آمنّا بالله وبالرَّسول وبما جئتَ به ودللتَ عليه، اللّهمَّ فاكتبنا مع الشّاهدين.
قال في وداع أبي جعفر عليه السّلام: تقف عليه كوقوفك عليه حين بدأت بزيارته وتقول:
السّلام عليك يا مولاي يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته، أستودعك الله وأقرأ عليك السّلام، آمنّا بالله وبرسوله وبما جئت به ودللت عليه، اللّهمَّ اكتبنا مع الشاهدين.
ثمَّ تسأله أن لا يجعله آخر العهد منك، وادعُ بما شئت، وقبّل القبر وضع خديّك عليه إن شاء الله.



الزيارة المشتركة للإمامين الكاظم والجواد عليهم السلام
الزيارة الأولى:
* محمّد بن جعفر الرزّاز، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عمّن ذكره عن أبي الحسن عليه السّلام قال: تقول [ ببغداد ]:
السّلام عليك يا وليَّ الله، السّلام عليك يا حجّةَ الله، السّلام عليك يا نورَ الله في ظلمات الأرض، السّلام عليك يا من بدا لله في شأنه، أتيتك زائراً عارفاً بحقّك، معادياً لأعدائك، فاشفع لي عند ربّك يا مولاي.
قال: وادعُ اللهَ واسألْ حاجتك، قال: وسلّمْ بهذا على أبي جعفر محمّد بن علي ( الجواد )، وقال: قل: إذا أردت زيارة موسى بن جعفر ومحمد بن عليّ عليهما السّلام فاغتسل وتنظّف والبس ثوبيك الطّاهرين، وزر قبر أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام ومحمّد بن عليِّ بن موسى عليهم السّلام، وقل حين تصير عند قبر أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام:
السّلام عليك يا وليَّ الله، السّلام عليك يا حجّة الله، السّلام عليك يا نور الله في ظلمات الأرض، السّلام عليك يا من بدا اللهِ في شأنه، أتيتك زائراً عارفاً بحقّك، معادياً لأعدائك، موالياً لأوليائك، اشفع لي عند ربّك يا مولاي.
ثمّ سل حاجتك، ثمّ سلّم على أبي جعفر محمّد بن علي عليهما السّلام بهذه الأحرف وابدأ بالغسل وقل:
اللّهمَّ صلِّ على محمّد بن عليّ، الإمام البَرِّ التّقيّ، الرّضيّ المرضيّ، وحجّتك على مَن فوق الأرضين ومن تحت الثّرى، صلاة كثيرة نامية زاكية مباركة متواصلة مترادفة، كأفضلِ ما صلّيت على أحد من أوليائك.
السّلام عليك يا وليَّ الله، السّلام عليك يا نور الله، السّلام عليك يا حجّة الله، السّلام عليك يا إمام المؤمنين، ووارث النبيّين، وسُلالةَ الوصيّين، السّلام عليك يا نور الله في ظلمات الرض، أتيتك زائراً عارفاً بحقّك، معادياً لأعدائك، موالياً لأوليائك، فاشفع لي عند ربّك يا مولاي.
ثمّ سلْ حاجتك تُقضى إن شاء الله تعالى.
قال: وتقول عند قبر أبي الحسن عليه السّلام ببغداد، ويجزي في المواطن كلّها أن تقول:
السّلام على أولياء الله وأصفيائه، السّلام على أُمناء الله وأحبّائِه، السّلام على أنصار الله وخلفائِه، السّلام على محالِّ معرفة الله، السّلام على مساكن ذِكْرِ الله، السّلام على مظاهر أمر الله ونهيه، السّلام على الدعاة إلى الله، السّلام على المستقرّين في مرضاة الله، السّلام على الممحّصين في طاعة الله، السّلام على الأدلاّء على الله، السّلام على الّذين مَن والاهم فقد والى الله، ومَن عاداهم فقد عادى الله، ومن عرفهم فقد عرف الله، ومن جَهلهم فقد جَهِل الله، ومن اعتصم بهم فقد اعتصم بالله، ومن تخلّى منهم فقد تخلّى من الله. أُشهد الله أنّي سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، مؤمن بسرِّكم وعلانيتكم، مفوِّضٌ في ذلك كلّه إليكم، لعن الله عدوَّ آل محمّد مِن الجنّ والإنس، وأبرأ إلى الله منهم، وصلّى الله على محمّد وآله.
وهذا يجزي في الزيارات [ المشاهد ] كلّها، وتُكثر من الصّلاة على محمّد وآله وتُسمّي واحداً واحداً بأسمائهم، وتبرأ إلى الله من أعاديهم، وتَخَيّر لنفسك من الدّعاء وللمؤمنين والمؤمنات.

* * *
* وروى مؤلّف المزار الكبير الشيخ المشهديّ، عن محمد بن جعفر الرزّاز قوله: وسلّم بهذا على أبي جعفر عليه السّلام ثمَّ قال: ثمَّ تصلّي صلاة الزيّارة، فإذا فرغت منها سبّحت تسبيح الزَّهراء عليها السّلام وتقول:
اللّهمَّ إليك نصبتُ يدي، وفيما عندك عَظُمت رغبتي، فاقبل يا سيّدي توبتي، واغفر لي وارحمني واجعل لي في كلّ خير نصيباً، وإلى كلِّ خير سبيلا.
اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد واسمع دعائى، وارحم تضرّعي وتذلّلي واستكانتي وتوكّلي عليك، فأنا لك سِلم، لا أرجو نجاحاً ولا معافاة ولا تشريفاً إلاّ بك ومنك، فامنن علَيّ بتبليغي هذا المكان الشريف مِن قابل، وأنا مُعافى من كلّ مكروه ومحذور، وأعنّي على طاعتك وطاعة أوليائك الّذين اصطفيتَهم من خَلْقك.
اللّهمَّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد، وسلّمني في ديني، وامددْ لي في أجَلي، وأصلح لي جسمي، يا من رحمني وأعطاني، وبفضله أغناني، اغفر لي ذنبي، وأتممْ لي نعمتك فيما بقيَ مِن عمري، حتّى توفّاني وأنت عنّي راض. اللّهم صلِّ على محمّد وآل محمّد ولا تخرجني من ملّة الإسلام فانّي اعتصمت بحبلك، فلا تَكِلْني إلى غيرك.
اللّهمَّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعلّمني ما ينفعني، وانفعني بما علّمتَني، واملأ قلبي علماً وخوفاً من سطواتك ونقماتك. اللّهمَّ إنّي أسألك مسألةَ المضطرّ إليك المشفق من عذابك، الخائف من عقوبتك، أن تغفر لي، وتغمّدني وتحنّن عليَّ برحمتك، وتعود عليّ بمغفرتك، وتؤدِّي عنّي فريضتك، وتغنيني بفضلك عن سؤال أحد من خلقك، وتجيرني من النّار برحمتك.
اللّهمَّ صلِّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرج وليّك وابن وليّك، وافتح له فتحاً يسيراً، وانصره نصراً عزيزاً. اللّهمَّ صلِّ على محمّد وآل محمّد وأظهر حجّته بوليّك، وأحيِ سنّته بظهوره، حتّى يستقيمَ بظهوره جميعُ عبادك وبلادك، ولا يستخفيَ أحدٌ بشيء من الحقّ.
اللّهمَّ إني أرغب إليه في دولته الشريفة الكريمة، الّتي تُعِزّ بها الإسلامَ وأهله، وتُذلُّ بها النّفاق وأهله. اللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد، واجعلنا فيها من الدّاعين إلى طاعتك، والفائزين في سبيلك، وارزقنا كرامةَ الدُّنيا والآخرة.
اللّهمَّ ما أنكرنا من الحقِّ فعرِّفناه، وما قَصُرْنا عنه فبلِّغْناه، اللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد واستجب لنا جميع ما دعوناك، وأعطِنا جميع ما سألناك، واجعلنا لأنعُمِك من الشّاكرين، ولآلائك من الذَّاكرين، واغفر لنا يا خير الغافرين، وافعل بنا وبالمؤمنين ما أنت أهله يا أرحم الرّاحمين.
ثمّ اسجد وعفّر خدّيك وامض في دعةِ الله.

الزيارة الثانية:
السّلام عليكما يا وليّيِ الله، السّلام عليكما يا حجّتَيِ الله، السّلام عليكما يا نورَيِ الله في ظلمات الأرض، أشهد أنكما قد بلّغتما عن الله ما حمّلكُما، وحفِظْتُما ما استوُدِعتما، وحَلّلتُما حلالَ الله، وحرّمتُما حرامَ الله، وأقمتُما حدودَ الله، وتلوتما كتاب الله، وصبرتما على الأذى في جَنْبِ الله محتسبَين، حتّى أتاكما اليقين. أبرأ إلى الله من أعدائكما، واتقرَّبُ إلى الله بولايتكما، أتيتكما زائراً عارفاً بحقكما موالياً لأوليائكما، معادياً لأعدائكما، مستبصراً بالهدى الّذي أنتما عليه، عارفاً بضلالةِ مَن خالفكما، فاشفعا لي عند ربّكما، فانَّ لكما عند الله جاهاً عظيماً ومقاماً محموداً.
ثمّ قبّل التربة وضع خدّك الأيمن عليها، وتحوَّل إلى عند الرأس فقل:
السّلام عليكما يا حجّتَيِ الله في أرضه وسمائه، عبدُكما ووليُّكما زائركما متقرِّباً إلى الله بزيارتكما، اللّهمَّ اجعل لي لسان صدق في أوليائك المصطفَين، وحبِّب إليَّ مشاهدهم، واجعلني معهم في الدُّنيا والآخرة يا أرحم الرّاحمين.
ثمَّ صلِّ لكلِّ إمام ركعتين للزّيارة وادع بما أحببت، فإذا أردت الانصراف فودّعهما عليهما السّلام وقل بعد أن وقفت مثل ما وقفت أولاً:
السّلام عليكما يا ولييِ الله، أستودعكما الله وأقرأ عليكما السّلام، آمنّا بالله وبالرَّسول وبما جئتما به ودَلَلْتما عليه، اللّهمَّ اكتبنا مع الشّاهدين. اللّهمَ لا تجعله آخرَ العهدِ من زيارتي إيّاهما، وارزقني مرافقتهما واحشرني معهما، وانفعني بحبّهما، والسّلام عليكما ورحمة الله وبركاته.


باب مختصر زيارة أبي الحسن موسى ومحمّد بن عليّ عليهما السّلام
تقف على قبر أبي الحسن موسى عليه السّلام، وتستقبله بوجهك، وتقول:
السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَليَّ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ اللهِ في ظُلُمَاتِ الأرْضِ.
أشْهَدُ أنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ عَن اللهِ ما حُمِّلْتَ، وَحَفِظْتَ ما اسْتُودِعْتَ، وَحَلَّلْتَ حَلالَ اللهِ، وَحَرَّمْتَ حَرامَ اللهِ، وَأقَمْتَ حُدُودَ اللهِ، وَتَلَوْتَ كِتابَ اللهِ، وَصَبَرْتَ عَلى الأذى فيِ جَنْبِ اللهِ مُحْتَسِباً، وَعَبَدْتَهُ مُخْلِصاً حَتّى أتاكَ اليَقينُ.
أبْرَأُ إلى اللهِ وَإلَيْكَ مِنْ أعْدائِكَ، مُسْتَبْصِراً بِالهُدى الَّذِي أنْتَ عَلَيْهِ، عارِفاً بِضَلالَةِ مَنْ خالَفَكَ، اشْفَعْ ليِ عِنْدَ رَبِّكَ.
ثمّ قبّل التربة، وضع خدّك الأيمن عليها، وتحوّل إلى عند الرأس وقل:
" السّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ فيِ أرْضِهِ وَسَمائِهِ "
وتصلّي ركعتين، ثمّ تحوّل إلى عند الرجلين، فتدعو بما أحببت، وتزور أبا جعفر عليه السّلام بهذه الزيارة.
فإذا أردت الانصراف، فودّعهما عليهما السّلام، وتقف على قبر كلّ واحد منهما، وتقول:
السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَليَّ اللهِ، أسْتَوْدِعُكَ الله، وَأقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ، آمَنَّا بِاللهِ وبِالرَّسُولِ وَبِما جِئْتُمْ بِهِ وَدَللْتُمْ عَلَيْهِ، اللّهُمَّ فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ.

زيارة يوم الأربعاء
زيارة يوم الأربعاء وهو باسم موسى بن جعفر، وعليِّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ، وعليِّ بن محمّد صلوات الله عليهم أجمعين.
( زيارتهم عليهم السّلام ):
السّلام عليكم يا أولياءَ الله، السّلام عليكم يا حُججَ الله، السّلام عليكم يا نورَ الله في ظلمات الأرض، السّلام عليكم صلوات الله عليكم وعلى آل بيتكم الطيّبين الطّاهرين. بأبي أنتم وأُمّي، لقد عبدتم اللهَ مخلصين، وجاهدتُم في الله حقّ جهاده حتّى أتاكمُ اليقين، فلعن اللهُ أعداءَكم من الجنِّ والإنس أجمعين، وأنا أبرأ إلى الله وإليكم منهم، يا مولاي يا أبا إبراهيم موسى بنَ جعفر، يا مولاي يا أبا الحسن عليَّ بنَ موسى، يا مولاي يا أبا جعفر محمّدَ بنَ عليّ، يا مولاي يا أبا الحسن عليَّ بنَ محمّد، أنا مَولىً لكم، مؤمنٌ بسرِّكم وجَهْرِكم، متضيّفٌ بكم في يومكم هذا، وهو يوم الأربعاء، ومستجير بكم فأضيفوني وأجيروني، بآل بيتكمُ الطيّبين الطّاهرين.


ذكر وداع موسى بن جعفر ومحمّد بن عليّ عليهما السّلام
اللّهمَّ صلِّ على محمّد، وآل محمّد واجعلني ممن ينقلب مُفلِحاً منجحاً، سالماً غانماً، بأفضل ما ينقلب به أحد من زوّاره ومواليه ومحبّيه، بأبي أنت واُمّي ونفسي وأهلي ومالي يا موسى بن جعفر ويا محمّد بن عليّ، إجعلاني في همّكما، وصيّراني في حزبكما، وأدخلاني في شفاعتكما، واذكُراني عند ربّكما، صلّى الله عليكما وعلى أهلكما، ولا فرَّق الله بيني وبينكما، ولا قطع عنّي بركتَكما، وغفر لي ولوالديَّ ولجميع المؤمنين والمؤمنات إنه حميد مجيد.
ثمَّ تدعو بما تحبّ، ثمَّ تخرج ولا تجعل ظهرك إلى الضريح، وامض كذلك حتّى تغيب عن معاينتك.

   

 

نسبه الشّريف عليه السلام
الإمام جعفر بن مُحمّد بن عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المُطلب بن هشام بن‎ ‎
عبد مُناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن مرة بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن ‏خزيمة مدرك بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان عليهم السّلام‎. ‎
أمّه فاطمة المُكناة بأم فروة بنت القاسم بن مُحمّد بن أبي بكر. والقاسم أبوها هو من ثقاة الإمام زين العابدين وأحد ‏الفقهاء السّبعة بالمدينة وجدها مُحمّد بن أبي بكر0قال الإمام الصّادق عن والدته: كانت أمّي ممّن آمنتْ واتّقت وأحسنتْ ‏واللهُ يحبّ المُحسنين‎.‎

ولادته عليه السلام
وُلد عليه السّلام بالمدينة المنورة، في السّابع عشر من ربيع الأوّل 83 هـ‏‎.‎
وكانَتْ ولادَتُه عليه السّلام في زمن الحاكم الأموي عبد الملك بن مَرْوان، وتربَّى في أحضان أبيه الإمام الباقر وجَدِّه ‏الإمام السّجاد عليهم السّلام، وعنهما أخذَ عليه السّلام علوم الشّريعةِ ومعارِفَ الإسلام‎.‎
تاريخ ولادته عليه السلام
كانت تسير في بيت الرّسالة موجة كريمة من السّرور والابتهاج، ترتقب مجداً يهبط في تلك الليلة، وفي ذلك الجو ‏الميمون ولد الإمام الصّادق عليه السّلام في 17 ربيع الأوّل سنة 80 هجرية في المدينة المنورة. وكان شعلة نور ‏بازغة سخت بها إرادة السّماء لتضيء لأهل الأرض، وتنير سبلها إلى الخير والسّلام‎.‎


كنيته عليه السلام
الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام، هو سادس أئمة أهل البيت عليهم السّلام‎ ‎
كان عليه السّلام يُكنَّى بأبي عبد الله، وأبي إِسماعيل، وأبي موسى، وأوّلها أشهرها‎.‎

ألقابه عليه السلام
ألقاب الإمام عليه السّلام عديدة ؛ منها: الصّادق، والفاضل، والقائم، والكافل، والمنجي، والطّاهر، والصّابر، وأوّلها ‏أشهرها‎.‎
لقَّبه بالصّادق جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله، حيث قال: ويخرج الله من صُلبه - أي صُلب مُحمّد الباقر - كلمة ‏الحق، ولسان الصّدق، فقال له ابن مسعود: فما اسمه يا نبي الله؟‎ ‎
قال: يقال له: جعفر، صادق في قوله وفعله، الطّاعن عليه كالطّاعن عليّ، والرادّ عليه كالرادّ عليّ‎....‎
وبلغ من شهرته بهذا اللقب أنّه صار كالاسم له، حتّى أنّه ليُستغنى به عن ذكر اسمه، ويُعرف به إذا أُطلق، وكذلك ‏كنيته بأبي عبد الله، صارت كالاسم له يُستغنى بها عن اسمه ولقبه، لا سيّما في الأحاديث الشّريفة‎.‎

نشأته عليه السلام
حيث كانت حياة الإمام ما بين عام 83 و148 هـ فقد قارنت شطراً من حياة الإمام السّجاد وأيام إمامته، حيث كانت ‏إمامته ما بين عام 61 و95 هـ، فقد عاش مع جدّه السّجاد 15 سنة ومع أبيه الباقر عليه السّلام 34 سنة‏‎. ‎

زوجاته عليه السلام
تزوج الإمام الصّادق عليه السّلام من فاطمة بنت الحُسين بن عليّ بن الحُسين عليهم السّلام فأنجب منها إسماعيل الذي ‏تنسب إليه الفرقة الاسماعيلية وعبد الله الأفطح الذي تنسب إليه الفرقة الفطحية وأم فروة أم الإمام موسى بن جعفر ‏عليهما السّلام، وله من زوجاته الأخريات العباس، وعليّ وأسماء وفاطمة‎.‎

أولاده عليه السلام
‏1‏‎ - ‎إسماعيل‎.‎
‏2‏‎ - ‎عبد الله‎.‎
‏3‏‎ - ‎موسى الكاظم‎.‎
‏4‏‎ - ‎إسحاق‎.‎
‏5‏‎ - ‎مُحمّد‎.‎
‏6‏‎ - ‎العباس‎.‎
‏7‏‎ - ‎عليّ‎.‎
‏8‏‎ - ‎أم فروة‎.‎
‏9‏‎ - ‎أسماء‎.‎
‏10‏‎ - ‎فاطمة‎.‎

نقش خاتمه عليه السلام
اللهُ وَلِيِّي وَعِصمَتِي مِن خَلْقِه‎.‎

مُدّة عمره وإمامته عليه السلام
‏65‏‎ ‎سنة منها 34 سنة مُدّة إمامته عليه السّلام‏‎.‎

الأزمة التي عاصرها عليه السلام وحُكّام عصره
عاصر الإمام الصّادق ظلم بني أميّة أكثر من أربعين سنة، وعاش في زمن بني العباس أكثر من عشرين سنة. وظل ‏بعيداً عن السّياسة منصرفاً إلى تثبيت دعائم الدّين في نفوس النّاس، ونشر أخلاق الإسلام وعقائده في زمن راجت فيه ‏العقائدُ الإلحاديّة والمنحرفة‎.‎
تصدّى الإمام الصّادق إلى محاربة الإلحاد والزّندقة. وفي عهده انتشر مذهب أهل البيت عليهم السّلام‎.‎
‎ ‎لقد عايش الإمام جعفر بن مُحمّد الصّادق عليهما السّلام الظّلم والارهاب للحكام الأمويين والعباسيين ضد أبناء الأمة ‏بصورة عامّة والعلويين بصورة خاصّة‎. ‎
أمّا الأمويون فهم‎:‎
‏1‏‎ - ‎هشام بن عبد الملك‎.‎
‏2‏‎ - ‎إبراهيم بن الوليد‎.‎
‏3‏‎ - ‎مروان الحمار‎.‎
وأمّا العباسيون فهم‎:‎
‏1‏‎ - ‎أبو العباس السفاح‎.‎
‏2‏‎ - ‎أبو جعفر المنصور الدوَانِيقي‎.‎

أقوال العلماء فيه عليه السلام
شهد القاصي والدّاني، والمُؤالف والمخالف، أنَّ الإمام الصّادق عليه السّلام هو صاحب المقام العلميِّ الرّفيع، الذي لا ‏ينازعه فيه أحد‎.‎
حتّى توافدت كلمات الثّناء، والإكبار، والإعجاب عليه عليه السّلام، من قِبَل الحكَّام، وأئمَّة المذاهب، والعُلماء، ‏والمؤرِّخين، وأصحاب السِيَر، وتراجم الرّجال، ما تزدحم، فلا يجمعها إلاَّ كتاب‎.‎
نكتفي من تلك الكلمات بإشارات، منها‎:‎
قال أبو حنيفة: ما رأيت أفقهَ مِن جعفر بن مُحمّد، لمَّا أقدمه المنصور بعث إليَّ فقال: يا أبا حنيفة، إنَّ النّاس قد افتُتِنُوا ‏بجعفر، فهيِّئ له من المسائل الشِّداد‎.‎
فهيَّأتُ له أربعين مسألة، فلمَّا أبصرتُ به دخلَتْني من الهيبة لجعفر الصّادق ما لم يدخلني لأبي جعفر المنصور‎.‎
فجعلتُ أُلقي عليه فيُجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربَّما تابعناهم، وربَّما ‏خالفنا جميعاً‎.‎
حتى أتيت على الأربعين مسألة، ثمّ قال: ألَسْنا رَوينا أنَّ أعلم النّاس، أعلمُهم باختلاف النّاس؟‎.‎
واعترف أبو جعفر المنصور، وأقرَّ بفضله حين قال: إنَّ جعفراً كان ممَّن قال اللهُ فيه: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا ‏مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ. فاطر: 32‏‎.‎
وكان ممَّن اصطفاه الله، وكان من السّابقين في الخيرات‎.‎
و قال أحمد بن حجر الهيثمي: جعفر الصّادق نقل النّاس عنه من العُلوم ما سارت به الرّكبان وأنتشر صيته في جميع ‏البُلدان‎.‎
‎ ‎وقال أبو الفتح الأربلي: وقف الصّادق نفسه على العبادة وحبسها على الطّاعة والزّهادة واشتغل بأوراده وتهجده ‏وصلاته وتعبده‎.‎
‎ ‎قال زيد بن عليّ بن الحُسين الثّائر المعروف: في كُلّ زمان رجلٌ منّا أهلَ البيت يحتجّ اللهُ به على خلْقه، وحجّة زماننا ‏إبن أخي جعفرُ بن مُحمّد.. لا يضلّ من تبعَه ولا يهتدي من خالفه‎.‎
وقال فيه مالك بن أنس إمام المذهب المالكي: اختلفت إلى الصّادق زماناً، فما كنت أراه إلاّ على إحدى خصال ثلاث: ‏إمّا مصلّ، وإمّا صائم، وإمّا يقرأ القُرآن‎..‎
‎ ‎والله ما رأت عيني أفضلَ من جعفر بن مُحمّد زهداً وفضلاً وعبادةً وورعاً، وكنت أقصده فيكرمني ويُقبل عليّ‎.‎
وتتلمذ على يديه أبو حنيفة إمام المذهب الحنفي مدّة عامين، وكان يقول: لولا السّنتان لهلك النّعمان‎.‎
وروى أحد أصحابه: كنت مع أبي عبد الله عليه السّلام بالمدينة وهو راكب حماره، فلمّا وصلنا قريب السّوق، نزل ‏الإمام فسجد لله وأطال السّجود وأنا أنتظره، ثمّ رفع رأسه، فقلت: جُعلتُ فداك رأيتك نزلت فسجدت؟
قال الإمام: إنّي ذكرت نعمة الله عليّ فسجدتُ شاكراً‎.‎
وقال آخر: رأيتُ أبا عبد الله عليه السّلام وبيده مسحاة وعليه إزارٌ غليظ يعمل في بستان له، والعرق يتصبّب منه، ‏فقلت: جُعلت فداك: أعطني المسحاة أكفِك العمل فقال لي: إني أحبّ أن يتأذّى الرّجل بحرّ الشّمس في طلب المعيشة‎.‎

عبادته عليه السلام
أمّا الإقبال على عبادة الله تعالى وطاعته فإنّه من أبرز صفات الإمام، فقد كان من أعبد النّاس لله في عصره، وقد ‏أخلص في طاعته لله كأعظم ما يكون الإخلاص، وإليك صورة موجزة عن عباداته‎:‎
صلاته‎ عليه السّلام
إنّ الصّلاة من أفضل العبادات وأهمها في الإسلام، وقد أشاد بها الإمام الصّادق عليه السّلام في كثير من أحاديثه‎:‎
قائلاً عليه السّلام: "ما تقرب العبد إلى الله بعد المعرفة أفضل من الصّلاة‎".‎
وقال عليه السّلام: "إنّ أفضل الأعمال عند الله يوم القيامة الصّلاة، وما أحسن من عبد توضأ فأحسن الوضوء‎".‎
وقال عليه السّلام: الصّلاة قُربان كُلّ تقي‎.
وقال عليه السّلام: "أحب الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ الصّلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء، فما أحسن الرّجل يغتسل أو ‏يتوضأ فيسبغ الوضوء ثمّ يتنحى حيث لا يراه أنيس فيشرف الله عليه وهو راكع أو ساجد إنّ العبد إذا سجد فأطال ‏السّجود نادى إبليس: يا ويله أطاعوا وعصيت، وسجدوا وأبيت‎".‎
وقال أبو بصير: دخلت على اُم حميدة ـ زوجة الإمام الصّادق عليه السّلام ـ اُعزّيها بأبي عبد الله عليه السّلام فبكت ‏وبكيت لبكائها، ثمّ قالت: يا أبا مُحمّد لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجباً فتح عينيه ثمّ قال: اجمعوا كُلّ من ‏بيني وبينه قرابة. قالت: فما تركنا أحداً إلاَّ جمعناه، فنظر إليهم ثمَّ قال: "إنّ شفاعتنا لا تنال مُستخفاً بالصّلاة‎".‎
ومن الجدير بالذكر أنّ الإمام عليه السّلام لم يدع نافلة من نوافل الصّلاة إلاّ أتى بها بخشوع وإقبال نحو الله. وكان عليه ‏السّلام إذا أراد التّوجه إلى الصّلاة اصْفَرَّ لونه، وارتعدت فرائصه خوفاً من الله تعالى ورهبة وخشية منه. وقد أثرت ‏عنه مجموعة من الأدعية في حال وضوئه، وتوجهه إلى الصّلاة وفي قنوته، وبعد الفراغ من صلاته‎.‎
صومه عليه السّلام
إنّ الصّوم من العبادات المُهمة في الإسلام، وذلك لما يترتب عليه من الفوائد الاجتماعية والصّحية والأخلاقيّة، "وهو ‏جُنّة من النّار"كما قال الإمام الصّادق عليه السّلام. وقد حث الإمام الصّادق عليه السّلام الصّائم على التّحلّي بالأخلاق ‏والآداب التّالية، قال عليه السّلام: "وإذا صمت فليصم سمعك، وبصرك، ولسانك من القبيح والحرام، ودع المراء، ‏وأذى الخادم، وليكن عليك وقار الصّيام، ولا تجعل يوم صومك مثل يوم فطرك سواء‎..".‎
وكان عليه السّلام صائماً في أغلب أيامه تقرباً إلى الله تعالى. أمّا شهر رمضان المُبارك فكان يستقبله بشوق بالغ، وقد ‏أثرت عنه بعض الأدعية المُهمة عند رؤيته لهلاله، كما أثرت عنه بعض الأدعية في سائر أيامه وفي ليالي القدر ‏المُباركة وفي يوم عيد الأضحى الأغرّ‎.‎
أخذ أهل البيت عليهم السّلام كثرة العبادة عن جدهم الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، فقد تورمت قدماه صلّى الله ‏عليه وآله من كثرة الصّلاة، حتّى خاطبه الجليل تعالى: طه ما أنزلنا عليك القُرآن لتشقى‎.‎
وسئل صلّى الله عليه وآله: ألم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟
فقال: نعم، ولكن أليس ينبغي أن أكون عبداً شكوراً‎.‎
وعلى هذا النّهج سار أمير المؤمنين عليه السّلام، فكان يُصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة، وشوهد في صفين يُصلّي ‏ورده بين الصّفين، والنّبال تمر على صماخيه كأنّها المطر فلا يرتاع لذلك‎.‎
ولئن فاتت الإمام الصّادق عليه السّلام معاينة عبادة جدّيه الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه ‏السّلام، فقد شاهد عبادة جدّه عليّ بن الحُسين عليه السّلام، الذي أخذت ألقابه من عبادته فصار لا يعرف إلاّ بزين ‏العابدين، السّجاد، ذي الثّفنات. وقد تواتر النّقل: بأنّه كان يُصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة‎.‎
والإمام الصّادق عليه السّلام غصن من هذه الشّجرة المُباركة، وفرع لهذه الدّوحة العلويّة، فلا غرو إن كانت عبادته ‏كعبادتهم عليهم السّلام‎.‎
‎ ‎وقد تحدث أهل التّاريخ والسّير عن عبادته عليه السّلام، وكتبوا في ذلك الكثير‎.‎
قال كمال الدّين مُحمّد بن طلحة الشّافعي‎:‎
هو من عُظماء أهل البيت وساداتهم، ذو علوم جمة، وعبادة موفرة، وأوراد متواصلة، وزهادة بينة، وتلاوة كثيرة، ‏يتبع معاني القُرآن الكريم، ويستخرج من بحر جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسم أوقاته على الطّاعات بحيث يحاسب ‏نفسه. رؤيته تُذكّر الآخرة، واستماع كلامه يزهد في الدّنيا، والاقتداء بهديه يورث الجنة‏‎. ‎
‎ ‎وقال أبو نعيم الأصبهاني: أقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع‎. ‎
وقال سبط ابن الجوزي: قال عُلماء السّير: كان قد اشتغل بالعبادة عن طلب الرّئاسة‎.‎
‎ ‎وقال الأستاذ سيّد الأهل في صفته: يُعلّم الزّهاد زهداً... الخ‎. ‎
‎ ‎قال منصور الصّيقل: رأيت أبا عبد الله عليه السّلام ساجداً في مسجد النّبيّ صلّى الله عليه وآله، فجلست حتّى أطلت، ‏ثمّ قلت: لأسبّحن ما دام ساجداً، فقلت: سبحان ربّي وبحمده، استغفر الله ربّي وأتوب إليه ثلاثمئة ونيفاً وستين مرة، ‏فرفع رأسه‎. ‎
ويجب على أمّة فيها مثل جعفر بن مُحمّد الصّادق، عبادةً وورعاً، ينبغي لكل فرد منها أن يُقيم الفرائض ـ على الأقل ـ ‏ويؤدي ما افترضه الله تعالى عليه من العبادة‎.‎
وكان الله في عوننا على اتخاذ هذه السّيرة الغراء دليلاً ومرشداً‎.‎

علمه عليه السلام
فرض الإمام الصّادق عليه السّلام إمامته ومرجعيته القيادية من النّاحية العلميَّة والفقهيَّة، بحيث لا يملك كبار العُلماء ‏من المذاهب الإسلاميّة الأخرى إلاَّ أن يعترفوا بذلك كاعتراف أبي حنيفة وغيره
قال الشّيخ المُفيد: ونقل النّاس عنه من العُلوم ما سارت به الرّكبان، وانتَشَر ذِكرُه في البُلدان‎.‎
‎ ‎ويقولُ أحدُ الرُوَاة: أدركْتُ في هَذا المَسجِد [ مسجد الكوفة ] تِسعمِئةَ شيخٍ، كلٌّ يَقول: حَدَّثني جَعفَر بن مُحمّد عليهما ‏السّلام‎.‎

معرفته عليه السّلام باللغات
لقد ورد في تاريخ حياة الإمام الباقر عليه السّلام أنّه كان يعرف العبريّة والسّريانية، والنّبطية و الفارسية والصّقلبية ‏والحبشية ويتحدث بها أيضاً. ولا عجب أن يعرف الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام هذه اللغات وثقافات أممها، وأن ‏ينطلق في التحدث أو القراءة والكتابة فيها، وسيأتي أثناء عرضنا لبعض الرّوايات المأثورة عن الإمام أبي عبد الله ‏عليه السّلام ما يثبت ذلك0‏
الفارسية‎ ‎
عن مُحمّد بن أحمد عن أبي عبد الله قال: دخل عليه قوم من أهل خراسان، فقال ابتداء من غير مسألة: من جمع مالاً ‏من مهاوش اذهبه الله في نهابر. فقالوا: جُعلنا فداك، لا نفهم هذا الكلام، فقال عليه السّلام: "ازباد آيد بدم بشود" ما يأتي ‏به الرّيح يذهب به‎. ‎
العبرية‎ ‎
وأما معرفته بالعبرية وتحدثه بها فمما لا شك فيه أيضاً. فقد جاء في ثنايا الأحاديث المروّية عنه ما يثبت ذلك
عن عامر بن عليّ الجامعي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السّلام جُعلت فداك، إنا نأكل ذبائح أهل الكتاب، ولا ندري ‏أيسمون عليها أم لا؟. فقال: إذا سمعتموهم قد سمّوا، فكلوا، أتدري ما يقولون على ذبائحهم؟ فقلت: لا. فقرأ كأنّه شبه ‏يهودي، قد عذها، ثم قال: بهذا أمروا. فقلت: جُعلت فداك، إن رأيت أن نكتبها. قال: اكتب: "نوح أيوا أدينوا يلهيز ما ‏لحوا عالم أشرسوا أو صوبنوا يوسعه موسق ذعال اسطحوا"0‏
النبطية‎ ‎
بدخول الاسلام بلاد الشّام وفلسطين بيزنطة الشرقية ازداد عدد الأنباط في حاضرة العالم الإسلامي، سواء الأحرار ‏منهم أم الموالي، وكثر التّزاوج بينهم وبين العرب، فتعلم البعض النّبطية من هذا الاختلاط‎.‎
عن يونس بن ظبيان النّبطي يحدث الإمام الصّادق عليه السّلام بالنّبطية ويخبره عن أول خارجة خرجت على موسى ‏بن عمران، وعلى المسيح، ثمّ على أمير المؤمنين بالنّهروان. ثمَّ قال لي: "كيف مالح دير بير ماكي مالح" يعني: عند ‏قريتك، وهو بالنبطية‎.‎
فمن خلال هذا العرض السّريع والاشارات الواضحة، يبين أن الصّادق عليه السّلام كان على معرفة تامة بلغات أهل ‏عصره وأبناء مجتمعه مهما بعدت أوطانهم واختلفت ثقاقاتهم‎.‎

علمه عليه السّلام بالطبّ
لاريب في أن الإمام جعفراً الصّادق عليه السّلام كان على إلمام تام بالطّب وما يتعلّق به. وقد خصصّ الإمام الصّادق ‏عليه السّلام في ما ألقاه على المفضّل بن عمر الجعفي فصلاً تحدّث فيه عن الطّبائع وفوائد الأدوية وتشريح الجسم ‏ومعرفة وظائف الأعضاء الفسيولوجية. وفي ثنايا كتب الأحاديث وما إليها حديث مستفيض من كلام الإمام الصّادق ‏عليه السّلام عن خواص الأشياء وفوائدها وعلاج الأمراض والأوجاع والحمية الوقائية. وسنورد بعض هذه الأحاديث ‏للتدليل على هذا القول تدليلاً قاطعاً‎.‎
قال مُحمّد بن مسلم سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول: ما وجدنا للحمى مثل الماء البارد‎.‎
وفي حديث آخر: الحمّى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء البارد‎.‎
وفي وجوب غسل الفاكهة قبل الأكل قال: إنّ لكل ثمرة سماً، فإذا أتيتم بها فامسكوها واغسلوها بالماء‎.‎
وفي الكافي عن أحمد بن مُحمّد عن بعض أصحابه قال: كنت أجالس أبا عبد الله عليه السّلام فلا والله ما رأيت مجلساً ‏أنبل من مجالسه. قال: فقال لي ذات يوم: من أين تخرج العطسة؟. فقلت: من الأنف. فقال لي: أصبت الخطأ. فقلت ‏جُعلت فداك، من أين تخرج؟ فقال: من جميع البدن، كما وأن النّطفة تخرج من جميع البدن... أما رأيت الإنسان إذا ‏عطس نفض أعضاءه؟. وهذا ابن ماسوية، أشهر أطباء عصره، ينصت للإمام الصّادق عليه السّلام في شرحه ‏وتوضيحه للطّبائع وعلى الأمراض. وحدث أبو هفان في محضر ابن ماسوية بأنّ جعفر بن مُحمّد عليه السّلام قال: ‏الطبائع أربع: الدم وهو عبد، وربما قتل العبد سيده، والريح، وهو عدو، إذا سددت له باباً أتاك من آخر. والبلغم وهو ‏ملك يُدارى، والمرة، وهي الأرض إذا رجفت رجفت بمن عليها. فقال ماسوية: أعد عليّ، فوالله ما يُحسن جالينوس أن ‏يصف هذا الوصف. وهذا طبيب المنصور يحضر عنده ليقرأ عليه كتاب الطّب، فإذا به يحضر مرة وعنده الصّادق ‏عليه السّلام، فجعل ينصت لقراءته، فلما فرغ، قال: يا أبا عبد الله، أتريد ممّا معي شيئاً، قال: لا، لأنّ ما معي خير ممّا ‏هو معك. قال: ما هو؟ قال: أداوي الحار بالبارد، والبارد بالحار، والرّطب باليابس، واليابس بالرّطب، وأرد الأمر كلّه ‏إلى الله، واستعمل ما قاله رسول الله وأعلم أنّ المعدة بيت الأدواء وأن الحميّة هي الدّواء، وأعود البدن ما اعتاد. قال ‏الطبيب وهل الطب إلا هذا؟ قال الصّادق: أتراني عن كتب الطّب أخذت؟ قال: نعم. قال: لا والله ما أخذت إلاّ عن الله ‏سبحانه وتعالى. فأخبرني: أنا أعلم بالطب أم أنت؟ قال: سل. فسأل عشرين مسألة، وهو يقول لا أعلم. فقال الصّادق ‏عليه السّلام: ولكني أعلم وبدأ بشرحها وتفصيلها. وهذا مذكور في كتب الحديث. وقد فصّل عليه السّلام الحديث على ‏الهيكل العظمي والأعصاب والجوارح في جسم الإنسان وشرحها شرحاً دقيقاً عندما سأله الطّبيب النّصراني عن ذلك. ‏فقد روى سالم الضرير: إنّ نصرانياً سأل الصّادق عليه السّلام تفصيل الجسم، فقال عليه السّلام: إنّ الله تعالى خلق ‏الإنسان على اثني عشر وصلاً، وعلى مائتي وستة وأربعين عظماً، وعلى ثلاثمئة وستين عرقاً. فالعروق هي التي ‏تسقي الجسد كلّه، والعظام تمسكها، والشّحم يمسك العظام، والعصب يمسك اللحم. وجعل في يديه اثنين وثمانين عظماً ‏في كُلّ يد واحد وأربعون عظماً، منها في كفه خمسة وثلاثون عظماً، وفي ساعده اثنان، وفي عضده واحد، وكتفه ‏ثلاثة وكذلك الأخرى. وفي رجله ثلاثة وأربعون عظماً، منها في قدمه خمسة وثلاثون عظماً، وفي ساقه اثنان، وفي ‏ركبته ثلاث، وفي فخذه واحد، وفي وركه اثنان، وكذلك في الأخرى. وفي صلبه ثماني عشرة فقرة، وفي كل واحد من ‏جنبيه تسعة أضلاع، وفي عنقه ثمانية، وفي رأسه ستة وثلاثون عظماً، وفي فيه ثمانية وعشرون واثنان وثلاثون. ولا ‏يتسنى تفصيل الجسم البشري والهيكل العظمي بهذه الدّقة إلا لمن اتيحت له فرصة دراسة الطّب والتّشريح. وقد أفاد ‏الإمام عليه السّلام غيره بهذا العلم، وتخرج من مدرسته هذه عدد من أصحابه. ومن خريجي مدرسة الإمام الصّادق ‏عليه السّلام العلمية في مجال الطّب والصّيدلة جابر بن حيّان الطّرطوسي. فهو بالاضافة إلى تخصصه في الكيمياء ‏صنّف مؤلفات في الطّب أورد منها ابن النديم:رسالة في الطّب وكتاب السّموم وكتاب المجسة وكتاب النّبض وكتاب ‏التّشريح. وكان جابر بن حيّان أوّل من أشار إلى طبقات العين، فسبق بذلك يوحنا ابن ماسوية المتوفي سنة243 هـ، ‏وسبق حنين بن اسحاق المتوفي سنة264 هـ، وهما من أعلام الطّب في ذلك العصر. ومن أبناء هذه المدرسة أبو عليّ ‏الحسن بن فضل، وهو من أصحاب الإمام الرّضا عليه السّلام ومن علماء الشيعة العظام في عصره الذين برعوا في ‏علم الطب وألفّوا فيه. ومن مؤلفاته كتاب الطب وكتاب النّجوم‎.‎

علمه عليه السّلام بالكيمياء
تتزايد أهمية الكيمياء يوماً بعد يوم، وتثبت التّجارب العلمية الحديثة أنّ الحياة تتألف من عمليات كيميائيّة مُعقدّة، كما ‏ثبت أنّ الوراثة وليدة للتفاعلات الكيميائية. بل لعلم الكواكب والأرض تكونت نتيجة لعمليات كيميائية مستمرة، كما أن ‏التغييرات التي تطرأ على الكون هي في كثير من الحالات ذات طبيعة كيميائية. ومن الشّائع الثّابت أنّ الإمام الصّادق ‏عليه السّلام كان على علم بخواص الأشياء منفردة ومركّبة، وأنه درّس علم الكيمياء في مدرسته قبل اثني عشر قرناً ‏ونصف قرن. واشتهر من تلامذته في هذا العلم هشام بن الحكم المتوفي حوالي سنة199 هـ وهو من أصحاب الصّادق ‏عليه السّلام وتلامذته، وله نظرية في جسمية الأعراض كاللون والطعم والرائحة، وقد أخذ ابراهيم بن سيّار النظّام ‏المعتزلي هذه النظرية لمّا تتلمذ على هشام. وقد أثبتت صحة هذا الرأي النّظريات العلميّة الحديثة القائلة أنّ الضّوء ‏يتألف من جزيئات في مُنتهى الصّغر، تجتاز الفراغ والأجسام الشّفافة، وأنّ الرّائحة أيضاً من جزيئات مُتبخرة من ‏الأجسام تتأثر بها الغدد الأنفية، وأن المذاق جزيئات صغيرة تتأثر به الحليمات اللسانية. ومن تلامذة الإمام الصّادق ‏عليه السّلام الذين اشتهروا ببراعتهم في الكيمياء والعلوم الطبيعية جابر بن حيّان الصّوفي الطّرطوسي، الذي دوّن ‏وألف خمسمئة رسالة من تقريرات الإمام في علمي الكيمياء والطّب في ألف ورقة. وقد ذكر، ابن النديم في الفهرست ‏وأطال فيه الكلام، وذكر له كتباً ورسائل في مُختلف العُلوم ولا سيما في الكيمياء، والطّب، والفلسفة والكلام. وقد تمكن ‏جابر من تحقيق وتطبيق طائفة كبيرة من النّظريات العلميّة، أهمها تحضيرحامض الكبريتيك بتقطيره من الشبّة. ‏وسمّهزيت الزاج. كما حضرحامض النتريك وماء الذهب والصّودا الكاوية. وكان جابر أوّل من لاحظ ترسّب كلورود ‏الفضة عند إضافة محلول ملح الطعام إلى محلول نترات الفضة‎. ‎

نسبيّة الزمن عند الإمام الصادق عليه السّلام
في رأي الصّادق عليه السّلام أنّ الزّمان غير موجود بذاته، ولكنه يكتسب واقعيته وأثره من شعورنا وإحساسنا، كما ‏أنّ الزّمان هو حدّ فاصل بين واقعتين أو وحدتين. وهو يرى أنّ الليل والنّهار ليسا من أسباب تشخيص الزّمان ‏ومعرفته، وإنّما هما حقيقتان مستقلتان عن الزّمان، يضاف إلى ذلك أنّ الليل والنّهار ليس لهما طول ثابت، فالليل ‏يقصر في الصّيف ويطول في الشّتاء، والنّهار على عكسه، وهما يتعادلان أحياناً. وفي رأي الصّادق عليه السّلام أنّ ‏للمكان وجوداً تبعيّاً لا ذاتياً، وهو يتراءى لنا بالطّول والعرض والارتفاع، ولكن وجوده التّبعي يختلف باختلاف ‏مراحل العُمر، فمن ذلك مثلاً أنّ الطّفل الذي يعيش في بيت صغير، يرى بخياله وأحلامه أن فضاء البيت ساحة كبرى. ‏ومتى بلغ هذا الطّفل العشرين من عمره، رأى هذه الدار مكاناً صغيراً جداً، وأدهشه أنّه كان يراها واسعة رحيبة في ‏طفولته. فللمكان، بناء على ذلك، وجود تبعي لا حقيقي، وفي هذا اتفقت آراء علماء الفيزياء في القرن العشرين مع ‏رأي الإمام الصّادق في القرن السّابع الميلادي‎.‎

نظرية الضوء عند الإمام الصادق عليه السّلام
من مبتدعات الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام نظريته الخاصة بالضّوء. فمن رأيه أنّ الضّوء ينعكس من الأجسام ‏على صفحة العين البشريّة، أمّا الأجسام البعيدة فلا ينعكس منها إلاّ جزء صغير من الضّوء، ولهذا تتعذر رؤيتها ‏بالوضوح الكافي. أمّا إذا استعنا بجهاز أو آلة لتقريب الضّوء إلى العين، كالجهاز الكهربي الضّوئي مثلاً فعندئذ يمكننا ‏مشاهدة الجسم البعيد بنفس حجمه الحقيقي وبوضوح تام، بمعنى أنّ الجسم الذي يبعد عنا بثلاثة آلاف ذراع، نراه ‏وكأنه يبعد عنا بستين ذراعاً، فنكون بذلك قد قربناه أكثر من خمسين مرة. ونتيجة للاتصال الذي تحقق بين أوربا ‏والشّرق في أثناء الحروب الصّليبية، انتقلت هذه النّظرية من الشّرق إلى أوروبا، ودرست في المعاهد العلمية ‏والجامعات الأوربية. وهناك نقطة بالغة الأهمية في نظرية الإمام الصّادق عليه السّلام بشأن الضّوء، هي تأكيده، بأن ‏الضّوء ينعكس من الأجسام إلى العين، وهو قول يناقض التفكير الذي كان سائداً في ذلك العصر وكان مؤداه أنّ ‏الضّوء ينعكس من العين على الأجسام المرئية. والإمام الصّادق عليه السّلام وهو أوّل عالم في تاريخ الإسلام كلّه ‏يناقض هذا الرّأي السّائد. فقد قال: إنّ الضوء لا ينعكس من العين على الأجسام بل الذي يحدث فعلاً هو نقيض ذلك، ‏أي أنّ الضّوء ينعكس من الأجسام ويصل إلى العين. دليل ذلك أننا لا نرى في الظّلمة شيئاً، ولو أنّ العين كانت تعكس ‏الضّوء على الأجسام لشاهدنا الأجسام نهاراً وليلاً. وللإمام الصّادق عليه السّلام نظرية أخرى عن الضّوء وحركته ‏وسرعته لا تقل أهمية عن نظريته الخاصة بالضّوء وانعكاساته. فمما قاله: أنّ الضّوء ينعكس من الأجسام على العين ‏بسرعة كلمح البصر. أي أنّ الإمام الصّادق عليه السّلام عرف أنّ للضّوء حركة كلمح البصر، فهو إذن قد اكتشف ‏نظريّة الضّوء، وقال: إنّ للضوء حركة وإنّ هذه الحركة سريعة جداً. أفلا يدل هذا كلّه على أنّه كان سابقاً على ‏عصور علمية كثيرة؟0‏

مواعظه عليه السلام
هناك مجموعة كبيرة من المواعظ والحكم للإمام الصّادق عليه السّلام، نذكر بعضاً منها‎:‎
‏1ـ قال عليه السّلام: إِن كان الله قد تَكَفَّل بالرّزق فاهتمامك لماذا؟‍ وإِن كان الرّزق مَقسُوماً فالحِرصُ لماذا؟ وإِن كان ‏الحِسَاب حقاً فالجَمْعُ لماذا؟ وإِن كان الثّواب عند الله حقاً فالكسَل لماذا؟ وإِن كان الخلف من الله عزَّ وجلَّ حقّاً فالبُخل ‏لماذا؟ وإِن كان العقوبة من الله عزَّ وجلَّ النّار فالمعصية لماذا؟ وإِن كان الموت حقّاً فالفرح لماذا؟ وإِن كان العرض ‏على الله حقّاً فالمكر لماذا؟ وإِن كان الشّيطان عدوّاً فالغفلة لماذا؟ وإِن كان المَمَرُّ على الصّراط حقّاً فالعجب لماذا؟ وإِن ‏كان كل شيء بقضاء وقدر فالحزن لماذا؟ وإِن كانت الدّنيا فانية فالطمأنِينَة إليها لماذا؟‎ ‎
‏2ـ قال عليه السّلام: إِنَّكم في آجال مَقبوضَة، وَأيَّام معدودة، والموت يأتي بَغتةً، من يزرعُ خيراً يحصد غِبطَةً، ومن ‏يزرعُ شَرّاً يحصد نَدامَة، ولِكُلِّ زارعٍ زرعٌ، لا يسبق البطيءُ منكم حَظَّهُ، ولا يدرك حريصٌ ما لم يُقَدَّرُ لَهُ، من أُعطِي ‏خيراً فاللهُ أعطاه، ومن وُقِي شراً فاللهُ وَقَاه‎.‎
‏3ـ قال عليه السّلام: تأخِيرُ التوبةِ اغترار، وطُول التَسويفِ حِيرَة، والاعِتِلال على اللهِ هَلَكَة، والإصرار على الذنبِ ‏أمْنٌ لِمَكر الله، ولا يَأمَنُ مَكرَ الله إِلاّ القوم الخَاسِرُون‎.‎
‏4ـ قال عليه السّلام: مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَن شَكَرهُ زَادَه، ومن أَقرضَهُ جَزَاه‎. ‎
‏5ـ قال عليه السّلام لأبي بصير: أَما تَحزن؟ أمَا تَهتَم؟ أما تَتَأَلَّم؟ قال: بلى. قال عليه السّلام: إِذَا كان ذلك منكَ، فاذكُرِ ‏المَوتَ وَوِحْدَتَك في قَبرِك، وَسَيَلان عينيكَ عَلى خَدَّيك، وَتَقَطُّعَ أوصالِك، وأكلَ الدُّودِ من لحمِك، وبلاك وانقطاعَكَ عن ‏الدّنيا، فإن ذلك يحثُّك على العَمَل، ويَردَعُك عن كثيرٍ من الحِرصِ عَلى الدّنيا‎.‎
‏6ـ قال عليه السّلام: لَيسَ من أحدٍ وإِن ساعَدَتْهُ الأُمورُ بِمُستَخْلص غضارة عيش إِلاّ من خِلال مكروه، وَمن انتظر ‏بمعاجَلةِ الفرصةِ مُؤَاجَلَة الاستقصاء سَلَبَتْهُ الأيامُ فرصتَهَ، لأنَّ من شأن الأيام السلب، وَسَبيل الزمن الفَوتُ‎.‎
‏7ـ قال عليه السّلام: إِنَّ المُنَافِقَ لا يرغبُ فيما سُعدَ به المؤمنون، فالسعِيد يَتَّعِظُ بموعظة التقوَى، وإِن كانَ يُرادُ ‏بالمَوعِظَةِ غَيره‎.‎
‏8ـ قال عليه السّلام: ليس منّا ولا كرامة من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون، وفيهم من هو أورع منه‎.‎
‏9ـ قال عليه السّلام: أيّما أهل بيت أعطوا حظّهم من الرفق، فقد وسّع الله عليهم في الرزق، والرفق في تقدير المعيشة ‏خير من السعة في المال، والرفق لا يعجز عنه شيء، والتبذير لا يبقى معه شيء، إنّ الله عزّ وجل رفيق يحب الرفق‎.‎
‏10ـ قال عليه السّلام: لرجل: أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإنّ يك رشداً فأمضه، وإن يك غيّاً فانته عنه‎.‎
‏11ـ قال عليه السّلام: ليس من عِرق يضرب ولا نكبة ولا صداع ولا مرض إلاّ بذنب، وما يعفو الله أكثر‏‎.‎
‏12ـ قال عليه السّلام: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على من أمكنه ذلك، ولم يخف على نفسه ولا على ‏أصحابه‎.‎
‏13ـ قال عليه السّلام: من شهد أمراً فكرهه، كان كمن غاب عنه، ومن غاب عن أمر فرضيه، كان كمن شهده‎.‎
‏14ـ قال عليه السّلام: لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه، قيل: كيف يذل نفسه؟ قال: يتعرّض لما لا يطيق‎.‎
‏15ـ قال عليه السّلام: لا يتكلّم الرجل بكلمة حق فيؤخذ بها إلاّ كان له مثل أجر من أخذ بها، ولا يتكلّم بكلمة ضلال ‏يؤخذ بها إلاّ كان عليه مثل وزر من أخذ بها‎.‎
‏16ـ قال عليه السّلام: كونوا دُعاةً إلى أنفُسِكُم بِغَير أَلسِنَتِكُم، وكونوا زَيْناً ولا تكونوا شَيْناً‎.‎
‏17ـ قال عليه السّلام: إِنَّ الله ارتَضَى لَكُم الإسلام ديناً، فَأَحسِنُوا صُحبَتُهُ بالسَّخَاء وَحُسن الخُلق‎. ‎‏18ـ قال عليه السّلام: إذا خالطت النّاس فإن استطعت ألاّ تخالط أحدا منهم إلاّ كانت يدك العليا عليه فافعل، فإنّ العبد ‏يكون فيه بعض التقصير من العبادة، ويكون له حسن الخلق، فيبلغه الله بخلقه درجة الصائم القائم‎. ‎
‏19ـ قال عليه السّلام: تزاوروا، فإنّ في زيارتكم إحياء لقلوبكم، وذكرا لأحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على ‏بعض، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم، وإن تركتموها ظللتم وهلكتم، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم‎.‎
‏20ـ قال عليه السّلام: اجعلوا أمركم هذا لله ولا تجعلوه للنّاس، فإنّه ما كان لله فهو لله، وما كان للنّاس فلا يصعد إلى ‏السّماء، ولا تخاصموا بدينكم، فإن المخاصمة ممرضة للقلب، إنّ الله عزّ وجلّ قال لنبيّه صلّى الله عليه وآله: إنّك لا ‏تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء. وقال: أفأنت تكره النّاس حتّى يكونوا مؤمنين‎. ‎
‏21ـ قال عليه السّلام: ذروا النّاس فإن النّاس قد أخذوا عن النّاس، وإنكم أخذتم عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وعن ‏عليّ عليه السّلام ولا سواء، وأنّي سمعت أبي يقول: إذا كتب الله على عبد أن يدخله في هذا الأمر كان أسرع إليه من ‏الطير إلى وكره‎. ‎
‏22ـ قال عليه السّلام: الدعاء يردّ القضاء ما أبرم إبراما، فأكثر من الدعاء فإنه مفتاح كلّ رحمة، ونجاح كلّ حاجة، ‏ولا ينال ما عند الله عزّ وجلّ إلا بالدعاء، وأنّه ليس بابا يكثر قرعه إلا ويوشك أن يفتح لصاحبه‎. ‎
‏23ـ قال عليه السّلام: لا تطعنوا في عيوب من أقبل إليكم بمودّته، ولا توقفوه على سيّئة يخضع لها، فإنّها ليست من ‏أخلاق رسول الله صلّى الله عليه وآله ولا من أخلاق أوليائه‎. ‎
‏24ـ قال عليه السّلام: أحسنوا النّظر فيما لا يسعكم جهله، وانصحوا لأنفسكم، وجاهدوا في طلب ما لا عذر لكم في ‏جهله، فإنّ لدين الله أركانا لا تنفع من جهلها شدّة اجتهاده في طلب ظاهر عبادته، ولا يضرّ من عرفها فدان بها حسن ‏اقتصاده، ولا سبيل إلى أحد إلى ذلك إلا بعون من الله عزّ وجلّ‎. ‎
‏25ـ قال عليه السّلام: إيّاكم وعشرة الملوك وأبناء الدّنيا، ففي ذلك ذهاب دينكم، ويعقّبكم نفاقا، وذلك داء رديّ لا شفاء ‏له، ويورث قساوة القلب، ويسلبكم الخشوع. وعليكم بالإشكال من النّاس والأوساط من النّاس، فعندهم تجدون معادن ‏الجواهر، وإيّاكم أن تمدّوا أطرافكم إلى ما في أيدي أبناء الدّنيا، فمن مدّ طرفه إلى ذلك طال حزنه، ولم يشف غيظه، ‏واستصغر نعمة الله عنده، فيقلّ شكره لله، وانظر إلى من هو دونك فتكون لأنعم الله شاكرا، ولمزيده مستوجبا، ولجوده ‏ساكنا‎. ‎
‏26ـ قال عليه السّلام: إذا هممت بشيء من الخير فلا تؤخّره، فإنّ الله عزّ وجلّ ربّما اطّلع على العبد وهو على شيء ‏من الطاعة فيقول: وعزّتي وجلالي لا أعذّبك بعدها أبدا. وإذا هممت بسيّئة فلا تعملها فإنّه ربّما اطّلع على العبد وهو ‏على شيء من المعصية فيقول: وعزّتي وجلالي لا أغفر لك بعدها أبدا‎. ‎
‏27ـ قال عليه السّلام لأصحابه: اسمعوا منّي كلاما هو خير من الدهم الموقّفة، لا يتكلم أحدكم بما لا يعنيه، وليدع كثيرا ‏من الكلام فيما يعنيه، حتى يجد له موضعا، فربّ متكلّم في غير موضعه جنى على نفسه بكلامه، ولا يمارينّ أحدكم ‏سفيها ولا حليما، فإنّ من مارى حليما أقصاه، ومن مارى سفيها أرداه، واذكروا أخاكم إذا غاب عنكم بأحسن ما تحبّون ‏أن تذكروا به إذا غبتم، واعملوا عمل من يعلم أنّه مجازى بالإحسان‎. ‎
‏28ـ قال عليه السّلام للمفضّل بن عمر الجعفي: أوصيك بستّ خصال تبلّغهنّ شيعتي. قال: وما هي يا سيّدي؟ فقال ‏عليه السّلام: أداء الأمانة إلى من ائتمنك، وأن ترضى لأخيك ما ترضى لنفسك، واعلم أنّ للأمور أواخر، فاحذر ‏العواقب، وأنّ للأمور بغتات، فكن على حذر، وإيّاك ومرتقى جبل سهل إذا كان المنحدر وعرا، ولا تعدنّ أخاك وعدا ‏ليس في يدك وفاؤه‎.‎

حكمه عليه السلام
1ـ من أعطي ثلاثاً لم يمنع ثلاثاً، من أعطي الدّعاء أعطي الإجابة، ومن أعطي الشّكر أعطي الزّيادة، ومن أعطي ‏التوكّل أعطي الكفاية‎. ‎
‏2ـ إذا أراد أحدكم ألاّ يسأل الله شيئاً إلا أعطاه فلييأس من النّاس كلّهم، ولا يكون له رجاء إلا عند الله، فإذا علم الله عزّ ‏وجلّ ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه‏‎. ‎
‏3ـ إنّ الله ارتضى لكم الإسلام ديناً، فأحسنوا صحبته بالسّخاء وحسن الخلق‎. ‎
‏4ـ لا تمزح فيذهب نورك، ولا تكذب فيذهب بهاؤك، وإيّاك وخصلتين: الضّجر، والكسل، فإنّك إن ضجرت لا تصبر ‏على حقّ، وإن كسلت لم تؤدّ حقا‎. ‎
‏5ـ اصبروا على الدّنيا فإنّما هي ساعة، فما مضى منها فلا تجد له ألما ولا سرورا، وما لم يجئ فلا تدري ما هو، وإنما ‏هي ساعتك التي أنت فيها، فاصبر فيها على طاعة الله، واصبر فيها عن معصية الله‎. ‎
‏6ـ اجعل قلبك قريبا برّا، وولدا مواصلا، واجعل عملك والدا تتبعه، واجعل نفسك عدوّا تجاهده، واجعل مالك عارية ‏تردّها‎. ‎
‏7ـ إن قدرت ألا تعرف فافعل، ما عليك ألا يثني عليك النّاس، وما عليك أن تكون مذموما عند النّاس إذا كنت محمودا ‏عند الله‎. ‎

خطبه عليه السلام
‏1ـ خطبته عليه السّلام في صفة النّبيّ صلّى الله عليه وآله
قال عليه السّلام:... فلم يمنع ربّنا لحلمه وأناته وعطفه، ما كان من عظيم جرمهم وقبيح أفعالهم، أن انتجب لهم أحبّ ‏أنبيائه إليه، وأكرمهم عليه، مُحمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله، في حومة العزّ مولده، وفي دومة الكرم محتده، غير ‏مشوب حسَبه، ولا ممزوج نسَبه، ولا مجهول عند أهل العلم صفته‏‎.‎
بشّرت به الأنبياء في كتبها، ونطقت به العُلماء بنعتها، وتأمّلته الحكماء بوصفها، مهذّب لا يدانى، هاشمي لا يوازى، ‏أبطحي لا يسامى، شيمته الحياء، وطبيعته السخاء، مجبول على اوقار النبوَّة وأخلاقها، مطبوع على أوصاف الرّسالة ‏وأحلامها، إلى أن انتهت به أسباب مقادير الله إلى أوقاتها، وجرى بأمر الله القضاء فيه إلى نهاياتها، أدّى محتوم قضاء ‏الله إلى غاياتها، يبشّر به كلّ أُمّة من بعدها‎.‎
ويدفعه كلّ أب إلى أب، من ظهر إلى ظهر، لم يخلط في عنصره سفاح، ولم ينجّسه في ولادته نكاح، من لدن آدم إِلى ‏أبيه عبد الله، في خير فرقة، واكرم سبط، وأمنع رهط، وأكلأ حمل، وأودع حجر، اصطفاه الله وارتضاه واجتباه، وآتاه ‏من العلم مفاتيحه، ومن الحِكم ينابيعه، ابتعثه رحمةً للعباد، وربيعاً للبلاد‎.‎
وأنزل الله إليه الكتاب، فيه البيان والتبيان، قرآناً عربيّاً غير ذي عوج لعلّهم يتّقون، قد بيّنه للناس ونهجه بعلم قد ‏فصّله،ودين قد أوضحه، وفرائض قد أوجبها، وحدود حدّها للناس وبيّنها، وأُمور قد كشفها لخلقه وأعلنها، فيها دلالة ‏إلى النجاة، ومعالم تدعو إلى هداة‎.‎
فبلّغ رسول الله صلّى الله عليه وآله ما أُرسل به، وصدع بما أُمر به، وأدَّى ممّا حمّل من أثقال النبوّة، وصبر لربّه، ‏وجاهد في سبيله، ونصح لأُمّته، ودعاهم إلى النجاة، وحثّهم على الذكر، ودلّهم على سبيل الهدى، بمناهج ودواع أسّس ‏للعباد أساسها، ومنازل رفع لهم أعلامها، كي لا يضلّوا من بعده، وكان بهم رؤوفاً رحيماً‎.‎
‏2ـ خطبته عليه السّلام في رد شكوى بني العباس‎.‎
لمّا دخل هشام بن الوليد المدينة أتاه بنو العباس، وشكوا من الإمام الصّادق عليه السّلام، أنّه أخذ تركات ماهر الخصي ‏دوننا، فخطب الإمام الصّادق عليه السّلام، فكان ممّا قال‎:‎
‎ ‎إِنّ الله لمّا بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله كان أبونا أبو طالب المواسي له بنفسه والناصر له، وأبوكم العباس ‏وأبو لهب يكذّبان ويولّيان عليه شياطين الكفر، وأبوكم يبغي له الغوائل، ويقود إليه القبائل في بدر، وكان في أوّل ‏رعيلها، وصاحب خيلها ورجلها، المطعم يومئذٍ، والناصب له الحرب‎. ‎
ثمّ قال: فكان أبوكم طليقنا وعتيقنا، وأسلم كارهاً تحت سيوفنا، ولم يهاجر إِلى الله ورسوله هجرة قط، فقطع الله ولايته ‏منّا، بقوله: الذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء‎.‎
ثمّ قال: مولى لنا مات فخرنا تراثه، إِذ كان مولانا ولأنّا ولد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأُمّنا فاطمة أحرزت ‏ميراثه‎. ‎
‏3ـ خطبته عليه السّلام عند استلامه مهمّة الإمامة‎.‎
لمّا أفضى أمر الله تعالى إلى الإمام الصّادق عليه السّلام، جمع الشيعة وقام فيها خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، وذكّرهم ‏بأيّام الله، ثمّ قال عليه السّلام‎:‎
‎ ‎إِنّ الله تعالى أوضح بأئمّة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه، وأبلج بهم عن سبيل منهاجه، وفتح بهم عن باطن ينابيع ‏علمه، فمن عرف من أُمّة مُحمّد صلّى الله عليه وآله واجب حقّ إِمامه، وجد طعم حلاوة إِيمانه، وعلم فضل طلاوة ‏إِسلامه ؛ لأنّ الله تعالى نصب الإمام علَماً لخلقه، وجعله حجّة على أهل مواده وعالمه، وألبسه تعالى تاج الوقار، ‏وغشاه من نور الجبّار، يمدّ بسبب من السّماء لا ينقطع عنه مواده، ولا ينال ما عند الله إِلاّ بجهة أسبابه‎.‎
ولا يقبل الله أعمال العباد إِلاّ بمعرفته، فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدجى، ومعميات السنن، ومشتبهات الفتن، ‏فلم يزل الله تعالى مختارهم لخلقه، من ولد الحُسين عليه السّلام من عقب كلّ إِمام إِماماً، يصطفيهم لذلك ويجتبيهم، ‏ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم، كلّما مضى منهم إِمام نصب لخلقه من عقبه إِماماً، عَلماً بيّناً، وهادياً نيّراً، وإِماماً قيّماً، ‏وحجّة عالماً، أئمّة من الله يهدون بالحقّ وبه يعدلون، حجج الله ودعاته، ورعاته على خلقه، يدين بهداهم العباد، ‏وتستهلّ بنورهم البلاد، وينمو ببركتهم التلاد‎.‎
جعلهم الله حياة للأنام، ومصابيح للظلام، ومفاتيح للكلام، ودعائم للإسلام، جرت بذلك فيهم مقادير الله على محتومها، ‏فالإمام هو المنتجب المرتضى، والهادي المنتجى، والقائم المرتجى، اصطفاه الله بذلك، واصطنعه على عينه في الذرّ ‏حين ذرأه، وفي البرية حين برأه، ظلاً قبل خلق الخلق نسمة عن يمين عرشه، محبواً بالحكمة في عالم الغيب عنده، ‏اختاره بعلمه، وانتجبه لطهره‎.‎
بقيّة من آدم عليه السّلام، وخيرة من ذرّية نوح، ومصطفى من آل إِبراهيم، وسلالة من إِسماعيل، وصفوة من عترة ‏مُحمّد صلّى الله عليه وآله، لم يزل مرعيّاً بعين الله يحفظه ويكلأه بستره، مطروداً عنه حبائل إِبليس وجنوده، مدفوعاً ‏عنه وقوب الغواسق، ونفوث كلّ فاسق، مصروفاً عنه قوارف السوء، مبرأً من العاهات، معصوماً من الفواحش كلّها، ‏معروفاً بالحلم والبرّ في يفاعه، منسوباً إلى العفاف والعلم والفضل عند انتهائه، مسنداً إليه أمر والده، صامتاً عن ‏المنطق في حياته، فإذا انقضت مدّة والده إلى أن انتهت به مقادير الله إلى مشيّته، وجاءت الإرادة من الله فيه إلى محبّة، ‏وبلغ منتهى مدّة والده صلّى الله عليه وآله، فمضى وصار أمر الله إليه من بعده، وقلّده دينه، وجعله الحجّة على عباده، ‏وقيّمه في بلاده، وأيّده بروحه، وآتاه علمه، وأنبأه فصل بيانه، ونصبه عَلماً لخلقه، وجعله حجّةً على أهل عالمه، ‏وضياءً لأهل دينه، والقيّم على عباده، رضي الله به إِماماً لهم، استودعه سرّه، واستحفظه علمه، واستخبأه حكمته، ‏واسترعاه لدينه، وانتدبه لعظيم أمره، وأحيى به مناهج سبيله، وفرائضه وحدوده‎.‎
فقام بالعدل عند تحيّر أهل الجهل، وتحيير أهل الجدل، بالنور الساطع، والشفاء النافع، بالحقّ الأبلج، والبيان اللائح من ‏كل مخرج، على طريق المنهج الذي مضى عليه الصادقون من آبائه عليهم السّلام، فليس يجهل حقّ هذا العالم إِلاّ ‏شقي، ولا يجحده إِلاّ غوي، ولا يصدّ عنه إِلاّ جريء على الله تعالى‎.‎

كراماته عليه السلام
وللإمام الصّادق عليه السّلام معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ، سجَّلَتْها كتبُ التاريخ، ونذكر هنا بعضاً منها‎:‎
الكرامة الاولى
عن هشام بن الحكم: أنّ رجلاً من الجبل أتى أبا عبد الله عليه السّلام، ومعه عشرة آلاف درهم، وقال: اشتر لي بها داراً ‏أنزلها إذا قدمت وعيالي معي، ثمّ مضى إلى مكّة، فلمّا حج وانصرف أنزله الصّادق عليه السّلام في داره، وقال له: ‏اشتريت لك داراً في الفردوس الأعلى، حدّها الأوّل إلى دار رسول الله صلّى الله عليه وآله، والثاني إلى عليّ عليه ‏السّلام، والثالث إلى الحسن عليه السّلام، والرّابع إلى الحُسين عليه السّلام، وكتبت لك هذا الصّك به‎.‎
فقال الرّجل لما سمع ذلك: رضيت، ففرّق الصّادق عليه السّلام تلك الدّراهم على أولاد الحسن والحُسين عليهما السّلام، ‏وانصرف الرّجل، فلمّا وصل إلى المنزل اعتل علّة الموت، فلمّا حضرته الوفاة جمع أهل بيته وحلّفهم أن يجعلوا ‏الصّك معه في قبره، ففعلوا ذلك، فلمّا أصبح وغدوا إلى قبره، وجدوا الصّك على ظهر القبر، وعلى ظهر الصّك ‏مكتوب: وفى لي وليّ الله جعفر بن مُحمّد عليهما السّلام بما وعدني‎. ‎
الكرامة الثّانية
قال صفوان بن يحيى: قال لي العبدي: قالت أهلي لي قد طال عهدنا بالصّادق عليه السّلام، فلو حججنا وجدّدنا به ‏العهد، فقلت لها: والله ما عندي شيء أحج به، فقالت: عندنا كسوة وحلي فبع ذلك، وتجهّز به، ففعلت، فلمّا صرنا بقرب ‏المدينة مرضت مرضاً شديداً حتّى أشرفت على الموت، فلمّا دخلنا المدينة خرجت من عندها، وأنا آيس منها، فأتيت ‏الصّادق عليه السّلام، وعليه ثوبان ممصران، فسلّمت عليه، فأجابني وسألني عنها، فعرّفته خبرها، وقلت: إنّي خرجت ‏وقد أيست منها، فأطرق ملياً، ثمّ قال: يا عبدي أنت حزين بسببها؟، قلت: نعم. قال: لا بأس عليها، فقد دعوت الله لها ‏بالعافية، فارجع إليها، فإنّك تجدها قد فاقت، وهي قاعدة، والخادمة تلقمها الطبرزد، قال: فرجعت إليها مبادراً، فوجدتها ‏قد أفاقت، وهي قاعدة، والخادمة تلقمها الطبرزد، فقلت: ما حالك؟ قالت: قد صبّ الله عليّ العافية صبّاً، وقد اشتهيت ‏هذا السكّر، فقلت: خرجت من عندك آيساً، فسألني الصّادق عليه السّلام عنك، فأخبرته بحالك، فقال: لا بأس عليها، ‏ارجع إليها، فهي تأكل السكّر‎. ‎
قالت: خرجت من عندي وأنا أجود بنفسي، فدخل عليّ رجل عليه ثوبان ممصران، قال: ما لك؟ قلت: أنا ميّتة، وهذا ‏ملك الموت قد جاء لقبض روحي، فقال: يا ملك الموت، قال: لبيك أيها الإمام، قال: ألست أمرت بالسّمع والطّاعة لنا؟ ‏قال: بلى، قال: فإنّي آمرك أن تؤخّر أمرها عشرين سنة، قال: السّمع والطّاعة، قالت: فخرج هو وملك الموت من ‏عندي، فأفقت من ساعتي‎.‎
الكرامة الثّالثة
قال عليّ بن أبي حمزة: حججت مع الصّادق عليه السّلام، فجلسنا في بعض الطّريق تحت نخلة يابسة، فحرّك شفتيه ‏بدعاء لم أفهمه، ثمّ قال: يا نخلة أطعمينا ممّا جعل الله فيك من رزق عباده، قال: فنظرت إلى النخلة وقد تمايلت نحو ‏الصّادق عليه السّلام، وعليها أعذاقها وفيها الرّطب‎.‎
قال: أدن، فسم وكل، فأكلنا منها رطباً أعذب رطب وأطيبه، فإذا نحن بأعرابي يقول: ما رأيت كاليوم سحراً أعظم من ‏هذا؟ فقال الصّادق عليه السّلام: نحن ورثة الأنبياء، ليس فينا ساحر ولا كاهن، بل ندعو الله فيجيب، وإن أحببت أن ‏أدعو الله فيمسخك كلباً تهتدي إلى منزلك، وتدخل عليهم وتبصبص لأهلك فعلت‎.‎
قال الأعرابي بجهله: بلى، فدعا الله فصار كلباً في وقته، ومضى على وجهه، فقال لي الصّادق عليه السّلام: اتبعه، ‏فاتبعته حتّى صار إلى حيّه، فدخل إلى منزله، فجعل يبصبص لأهله وولده، فأخذوا له العصا حتّى أخرجوه، فانصرفت ‏إلى الصّادق عليه السّلام فأخبرته بما كان منه، فبينا نحن في حديثه إذ أقبل حتّى وقف بين يدي الصّادق عليه السّلام، ‏وجعلت دموعه تسيل على خديه، وأقبل يتمرّغ في التراب ويعوي، فرحمه فدعا الله له، فعاد أعرابياً، فقال له الصّادق ‏عليه السّلام: هل آمنت يا أعرابي؟ قال: نعم ألفاً وألفاً‎. ‎
الكرامة الرّابعة
روى أبو الصلت الهروي عن الإمام الرضا عليه السّلام أنّه قال: قال لي أبي موسى عليه السّلام: كنت جالساً عند أبي ‏عليه السّلام، إذ دخل عليه بعض أوليائنا، فقال: بالباب ركب كثير يريدون الدّخول عليك، فقال لي: أنظر من بالباب؟ ‏فنظرت إلى جمال كثيرة عليها صناديق، ورجل راكب فرساً، فقلت من الرّجل؟‎.‎
فقال: رجل من السّند والهند أردت الإمام جعفر بن مُحمّد عليهما السّلام، فأعلمت والدي بذلك، فقال: لا تأذن للنّجس ‏الخائن، فأقام بالباب مدّة مديدة، فلا يؤذن له حتّى شفع يزيد بن سليمان، ومحمّد بن سليمان، فأذن له، فدخل الهندي ‏وجثا بين يديه، فقال: أصلح الله الإمام أنا رجل من بلد الهند، من قبل ملكها بعثني إليك بكتاب مختوم، ولي بالباب حول ‏لم تأذن لي فما ذنبي؟ أهكذا يفعل الأنبياء؟ قال: فطأطأ رأسه، ثمّ قال: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ، وليس مثلك من يطأ ‏مجالس الأنبياء‎.‎
قال موسى عليه السّلام: فأمرني أبي بأخذ الكتاب وفكّه، فكان فيه: بسم الله الرّحمن الرّحيم إلى جعفر بن مُحمّد الصّادق ‏الطّاهر من كُلّ نجس من ملك الهند، أمّا بعد‎:‎
فقد هداني الله على يديك، وإنّه أهدي إليّ جارية لم أر أحسن منها، ولم أجد أحداً يستأهلها غيرك، فبعثتها إليك مع شيء ‏من الحلي والجواهر والطّيب، ثمّ جمعت وزرائي فاخترت منهم ألف رجل يصلحون للأمانة، واخترت من الألف مئة، ‏واخترت من المئة عشرة، واخترت من العشرة واحداً، وهو ميزاب بن حباب، لم أر أوثق منه، فبعثت على يده هذه ‏الجارية والهدية‎.‎
فقال جعفر عليه السّلام: ارجع أيها الخائن، ما كنت بالذي أقبلها، لأنّك خائن فيما أؤتمنت عليه، فحلف أنّه ما خان، ‏فقال عليه السّلام: إن شهد عليك بعض ثيابك بما خنت تشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله صلّى الله عليه ‏وآله؟ قال: أو تعفيني من ذلك، قال: اكتب إلى صاحبك بما فعلت‎. ‎
قال الهندي: إن علمت شيئاً فأكتب، وكان عليه فروة، فأمره بخلعها، ثمّ قام الإمام، فركع ركعتين، ثمّ سجد، قال موسى ‏عليه السّلام: فسمعته في سجوده يقول: اللهم إنّي أسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرّحمة من كتابك، أن تصلّي ‏على مُحمّد عبدك ورسولك، وأمينك في خلقك وآله، وأن تأذن لفرو هذا الهندي أن يتكلّم بلسان عربي مُبين يسمعه من ‏في المجلس من أوليائنا، ليكون ذلك عندهم آية من آيات أهل البيت، فيزدادوا إيماناً مع إيمانهم‎.‎
ثمّ رفع رأسه، فقال: أيّها الفرو تكلّم بما تعلم من هذا الهندي، قال موسى عليه السّلام: فانتفضت الفروة وصارت ‏كالكبش، وقالت: يا ابن رسول الله ائتمنه الملك على هذه الجارية وما معها، وأوصاه بحفظها حتّى صرنا إلى بعض ‏الصّحاري أصابنا المطر، وابتل جميع ما معنا، ثمّ احتبس المطر وطلعت الشّمس، فنادى خادماً كان مع الجارية ‏يخدمها، يقال له: بشر، وقال له: لو دخلت هذه المدينة فأتيتنا بما فيها من الطّعام، ودفع إليه دراهم، ودخل الخادم ‏المدينة، فأمر الميزاب هذه الجارية أن تخرج من قبّتها إلى مضرب، قد نصب لها في الشّمس فخرجت، وكشفت عن ‏ساقيها، إذ كان في الأرض وحل، ونظر هذا الخائن إليها فراودها عن نفسها، فأجابته وفجر بها وخانك‎.‎
فخرّ الهندي على الأرض، فقال: ارحمني فقد أخطأت وأقرّ بذلك، ثمّ صار فروة كما كانت، وأمره أن يلبسها، فلمّا ‏لبسها انضمت في حلقه وخنقته حتّى أسود وجهه، فقال الصّادق عليه السّلام: أيها الفرو خل عنه حتّى يرجع إلى ‏صاحبه، فيكون هو أولى به منّا، فانحل الفرو، وقال عليه السّلام: خذ هديتك وارجع إلى صاحبك‎.‎
فقال الهندي: الله الله يا مولاي فيّ، فإنّك إن رددت الهدية خشيت أن ينكر ذلك عليّ، فإنّه شديد العقوبة، فقال: أسلم ‏أعطك الجارية، فأبى، فقبل الهدية وردّ الجارية، فلمّا رجع إلى الملك، رجع الجواب إلى أبي بعد أشهر فيه مكتوب: ‏بسم الله الرّحمن الرّحيم إلى جعفر بن مُحمّد الإمام عليه السّلام من ملك الهند، أمّا بعد‎:‎
فقد كنت أهديت إليك جارية، فقبلت منّي ما لا قيمة له، ورددت الجارية، فأنكر ذلك قلبي، وعلمت أنّ الأنبياء وأولاد ‏الأنبياء معهم فراسة، فنظرت إلى الرّسول بعين الخيانة، فاخترعت كتاباً وأعلمته أنّه جاءني منك بخيانة، وحلفت أنّه ‏لا ينجيه إلاّ الصّدق، فأقرّ بما فعل، وأقرّت الجارية بمثل ذلك، وأخبرت بما كان من أمر الفرو، فتعجّبت من ذلك، ‏وضربت عنقها وعنقه، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأن محمّداً عبده ورسوله، واعلم أنّي واصل ‏على أثر الكتاب، فما أقام إلاّ مدّة يسيرة حتّى ترك ملك الهند وأسلم، وحسن إسلامه‎. ‎
الكرامة الخامسة
إنّ حماد بن عيسى سأل الإمام الصّادق عليه السّلام أن يدعو له ليرزقه الله ما يحج به كثيراً، وأن يرزقه ضياعاً ‏حسنة، وداراً حسناً، وزوجة من أهل البيوتات صالحة، وأولاداً أبراراً، فقال الإمام الصّادق عليه السّلام: اللهم ارزق ‏حماد بن عيسى ما يحج به خمسين حجّة، وارزقه ضياعاً حسنة، وداراً حسناً، وزوجة صالحة من قوم كرام، وأولاداً ‏أبراراً‎. ‎
قال بعض من حضره: دخلت بعد سنين على حماد بن عيسى في داره بالبصرة، فقال لي: أتذكر دعاء الصّادق عليه ‏السّلام لي؟ قلت: نعم، قال: هذه داري، وليس في البلد مثلها، وضياعي أحسن الضّياع، وزوجتي من تعرفها من كرام ‏النّاس، وأولادي هم من تعرفهم من الأبرار، وقد حججت ثمانية وأربعين حجّة‎. ‎
قال: فحجّ حماد حجّتين بعد ذلك، فلمّا خرج في الحجّة الحادية والخمسين، ووصل إلى الجحفة، وأراد أن يحرم دخل ‏وادياً ليغتسل، فأخذه السّيل ومر به، فتبعه غلمانه فأخرجوه من الماء ميّتاً، فسمّي حماد غريق الجحفة‎. ‎
الكرامة السادسة
عن أبي الصامت الحلاوني، قال: قلت للصّادق عليه السّلام: أعطني شيئاً ينفي الشّك عن قلبي؟ قال الإمام الصّادق ‏عليه السّلام: هات المفتاح الذي في كمّك، فناولته، فإذا المفتاح شبّه أسد فخفت، قال: خذ ولا تخف، فأخذته، فعاد مفتاحاً ‏كما كان‎.‎
الكرامة السابعة
عن المفضّل بن عمر، قال: كنت أمشي مع أبي عبد الله جعفر عليه السّلام بمكّة، إذ مررنا بإمرأة بين يديها بقرة ميّتة، ‏وهي مع صبية لها تبكيان، فقال عليه السّلام لها: ما شأنك؟‎.‎
قالت: كنت أنا وصبياني نعيش من هذه البقرة، وقد ماتت، لقد تحيّرت في أمري، قال عليه السّلام: أفتحبين أن يحييها ‏الله لك؟ قالت: أو تسخر منّي مع مصيبتي؟‎ ‎
قال: كلا، ما أردت ذلك، ثمّ دعا بدعاء، ثمّ ركضها برجله، وصاح بها، فقامت البقرة مسرعة سوية، فقالت: عيسى بن ‏مريم وربّ الكعبة، فدخل الصّادق عليه السّلام بين النّاس، فلم تعرفه المرأة‎. ‎
الكرامة الثامنة
قال يونس بن ظبيان: كنت عند الصّادق عليه السّلام مع جماعة، فقلت: قول الله تعالى لإبراهيم: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ ‏فَصُرْهُنَّ، أو كانت أربعة من أجناس مختلفة؟ أو من جنس واحد؟ فقال: أتحبّون أن أريكم مثله؟ قُلنا: بلى، قال: يا ‏طاووس، فإذا طاووس طار إلى حضرته، ثمّ قال: يا غراب، فإذا غراب بين يديه، ثمّ قال: يا بازي، فإذا بازي بين ‏يديه، ثمّ قال: يا حمامة، فإذا حمامة بين يديه‎.‎
ثمّ أمر بذبحها كلّها وتقطيعها، ونتف ريشها، وأن يخلط ذلك كلّه بعضه ببعض، ثمّ أخذ برأس الطّاووس فقال: يا ‏طاووس، فرأينا لحمه وعظامه وريشه يتميّز من غيره حتّى التزق ذلك كلّه برأسه، وقام الطّاووس بين يديه حيّاً، ثمّ ‏صاح بالغراب كذلك، وبالبازي والحمامة مثل ذلك، فقامت كلّها أحياء بين يديه‎. ‎
إعلامه عما في النّفوس‎ ‎
إِنّ نفس المؤمن إذا زكت من درن الرذائل تكون كالمرآة الصافية، ينطبع فيها كل ما يكون أمامها، ولذا قال رسول الله ‏صلّى الله عليه وآله: اتَّقوا فَراسَةِ المُؤمن، فإنهُ ينظرُ بنورِ الله. هذا شأن المؤمن فكيف بالمعصوم عليه السّلام؟
وهذا الخضر عليه السّلام أعاب السفينة، وأقام الجدار، وقتل الغلام، وما كان ذلك منه إِلا علماً منحه به العليم سبحانه‎.‎
فلا عجب إِذن لو أعلم الإمام الصّادق عليه السّلام عن أشياء تتلجلج في النفوس عند إِظهار الكرامة‎.‎
فقد دخل عمر بن يزيد على الإمام الصّادق عليه السّلام وهو وجع، وقد ولاه ظهره ووجهه للحائط، وقد قال عمر في ‏نفسه: ما أدري ما يصيبه في مرضه لو سألته عن الإمام بعده‎.‎
فبينا يفكر في ذلك إِذ حوَّل عليه السّلام إليه وجهه، فقال: الأمر ليس كما تظنُّ، ليس عليّ من وجعي هذا بأس‎.‎
ودخل عليه الحسن بن موسى الحنَّاط، وجميل بن دَرَّاج، وعائذ الأحمسي، وكان عائذ يقول: إِن لي حاجة أريد أن ‏أسأله عنها‎.‎
فلما سلّموا وجلسوا أقبل بوجهه على عائذ فقال عليه السّلام: من أتى الله بما افترض عليه لم يسأله عما سوى ذلك‎.‎
فغمزهم فقاموا، فلمّا خرجوا قالوا له: ما كانت حاجتك؟
قال: الذي سمعتم، لأني رجل لا أطيق القيام بالليل، فخفت أن أكون مأخوذاً به فأهلك‎.‎
ودخل عليه شهاب بن عبد ربه وهو يريد أن يسأله عن الجنب يغرف الماء من الحِبِّ؟‏
فلما صار عنده أنسي المسألة، فنظر إليه عليه السّلام فقال: يا شهاب، لا بأس أن يغرف الجنب من الحِبِّ‎.‎
وكان جعفر بن هارون الزَيَّات يطوف بالكعبة، والإمام عليه السّلام في الطواف، فنظر إليه الزَيَّات وحدَّثَتْهُ نفسه فقال: ‏هذا حجة الله، وهذا الذي لا يقبل الله شيئاً إِلا بمعرفته‎.‎
فبينا هو في هذا التفكير إِذ جاءه عليه السّلام من خلفه، فضرب بيده على منكبه ثم قال: أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتبَعُهُ إِنَّا إِذَن ‏لَفِي ضَلالٍ وَسُعُر‎. ‎ القمر: 24.
ثم جازه‎.‎ ودخل عليه خالد بن نجيح الجواز وعنده ناس، فقنع رأسه وجلس ناحية وقال في نفسه: ويحَكم ما أغفلكم عند مَن ‏تتكلمون، عند رب العالمين، فناداه عليه السّلام: ويحَك يا خالد، إِني والله عبد مخلوق ولي رب أعبده، إِن لم أعبده والله ‏عذّبني بالنار‎.‎
فقال خالد: لا والله، لا أقول فيك أبداً إِلا قولك في نفسك‎.‎

كرمه وجوده عليه السلام
لقد كان الإمام الصّادق عليه السّلام جواداً من أندى النّاس كفاً، وكان يجود بما عنده لإنعاش الفقراء والمحرومين، وقد ‏نقل الرواة بوادر كثيرة من كرمه، كان من بينها ما يلي‎:‎
دخل عليه أشجع السلمي فوجده عليلا، وبادر أشجع فسأل عن سبب علته، فقال عليه السّلام: تعدّ عن العلة، واذكر ما ‏جئت له فقال‎:‎
يخـرج من جسمـك السقـام كما أخرج ذل السؤال من عنقك
وعرف الإمام حاجته فقال لغلامه: أي شيء معك؟ فقال: أربعمائة. فأمره بإعطائها له‎.‎
ودخل عليه المفضل بن رمانة وكان من ثقاة أصحابه ورواته فشكا إليه ضعف حاله، وسأله الدعاء، فقال عليه السّلام ‏لجاريته: هاتِ الكيس الذي وصلنا به أبو جعفر، فجاءته به، فقال له: هذا كيس فيه أربعمائة دينار فاستعن به، فقال ‏المفضل: لا والله جُعلت فداك ما أردت هذا، ولكن أردت الدعاء، فقال عليه السّلام: لا أدع الدعاء لك‎.‎
سأله فقير فأعطاه أربعمائة درهم، فأخذها الفقير، وذهب شاكراً، فقال عليه السّلام لخادمه: ارجعه، فقال الخادم: سئلت ‏فأعطيت، فماذا بعد العطاء؟ قال عليه السّلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: "خير الصدقة ما أبقت غنى"، وإنّا ‏لم نغنه، فخذ هذا الخاتم فاعطه فقد أعطيت فيه عشرة آلاف درهم، فإذا احتاج فليبعه بهذه القيمة‎.‎
ومن بوادر جوده وسخائه وحبه للبر والمعروف أنه كانت له ضيعة قرب المدينة تسمى رعين زياد، فيها نخل كثير، ‏فإذا نضج التمر أمر الوكلاء أن يثلموا في حيطانها الثلم، ليدخل النّاس ويأكلوا من التمر‎.‎
وكان يأمر لجيران الضيعة الذين لا يقدرون على المجي كالشيخ والعجوز والمريض لكل واحد منهم بمدّ من التمر، ‏وما بقي منهم يأمر بحمله إلى المدينة فيفرّق أكثره على الضعفاء والمستحقين، وكانت قيمة التمر الذي تنتجه الضيعة ‏أربعة آلاف دينار، فكان ينفق ثلاثة آلاف منها، ويبقى له ألف‎.‎
ومن بوادر كرمه أنه كان يطعم ويكسو حتَّى لم يبق لعياله شيء من كسوة أو طعام‎.‎
ومن كرمه أنه مرّ به رجل، وكان عليه السّلام يتغدّى، فلم يسلّم الرجل فدعاه الإمام إلى تناول الطعام، فأنكر عليه ‏بعض الحاضرين، وقال له: السنة أن يسلم ثم يُدعى، وقد ترك السّلام على عمد... فقابله الإمام عليه السّلام ببسمات ‏مليئة بالبشر وقال له: هذا فقه عراقي، فيه بخل‎....‎


صدقاته في السر‎
كان الإمام الصّادق يقوم في غلس الليل البهيم فيأخذ جراباً فيه الخبز واللحم والدراهم فيحمله على عاتقه ويذهب به إلى ‏أهل الحاجة من فقراء المدينة فيقسمه فيهم، وهم لا يعرفونه، وما عرفوه حتَّى مضى إلى الله تعالى فافتقدوا تلك ‏الصلات فعلموا أنها منه. ومن صدقاته السرية ما رواه إسماعيل بن جابر قائلاً: أعطاني أبو عبد الله السّلام خمسين ‏ديناراً في صرة، وقال لي: ادفعها إلى شخص من بني هاشم، ولا تعلمه أني أعطيتك شيئاً، فأتيته ودفعتها إليه فقال لي: ‏من أين هذه؟ فأخبرته أنها من شخص لا يقبل أن تعرفه، فقال العلوي: ما يزال هذا الرجل كل حين يبعث بمثل هذا ‏المال، فنعيش بها إلى قابل، ولكن لا يصلني جعفر بدرهم مع كثرة ماله‎. ‎
تكريمه للضيوف‏‎ ‎
ومن بوادر كرمه وسخائه حبه للضيوف وتكريمه لهم، وقد كان يشرف على خدمة ضيوفه بنفسه، كما كان يأتيهم ‏بأشهى الطعام وألذّه، وأوفره، ويكرر عليهم القول وقت الأكل: "أشدكم حبّاً لنا أكثركم أكلا عندنا...". وكان يأمر في ‏كل يوم بوضع عشر ثبنات من الطعام يتغدى على كل ثبنة عشرة‎.‎
تواضعه عليه السّلام
ومن مظاهر شخصيته العظيمة نكرانه للذات وحبه للتواضع وهو سيد المسلمين، وإمام الملايين، وكان من تواضعه ‏أنه كان يجلس على الحصير، ويرفض الجلوس على الفرش الفاخرة، وكان ينكر ويشجب المتكبرين وحتّى قال ذات ‏مرة لرجل من إحدى القبائل: "من سيد هذه القبيلة؟ فبادر الرجل قائلا: أنا، فأنكر الإمام عليه السّلام ذلك، وقال له: لو ‏كنت سيدهم ما قلت: أنا..". ومن مصاديق تواضعه ونكرانه للذات: أن رجلا من السواد كان يلازمه، فافتقده فسأل ‏عنه، فبادر الرجل فقال مستهيناً بمن سأل عنه: إنه نبطي... فردّ عليه الإمام قائلا: أصل الرجل عقله، وحسبه دينه، ‏وكرمه تقواه، والناس في آدم مستوون... فاستحيى الرجل‎.‎
سمو أخلاقه عليه السّلام‎.‎
كان الإمام الصّادق عليه السّلام على جانب كبير من سمو الأخلاق، فقد ملك القلوب، وجذب العواطف بهذه الظاهرة ‏الكريمة التي كانت امتداداً لأخلاق جده رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الذي سما على سائر النبيين بمعالي ‏أخلاقه. وكان من مكارم أخلاق الإمام وسمو ذاته أنه كان يحسن إلى كل من أساء إليه، وقد روي أن رجلا من الحجاج ‏توهم أن هميانه قد ضاع منه، فخرج يفتش عنه فرأى الإمام الصّادق عليه السّلام يصلي في الجامع النبوي فتعلق به، ‏ولم يعرفه، وقال له: أنت أخذت همياني..؟. فقال له الإمام بعطف ورفق: ما كان فيه؟.. قال: ألف دينار، فأعطاه الإمام ‏ألف دينار، ومضى الرجل إلى مكانه فوجد هميانه فعاد إلى الإمام معتذراً منه، ومعه المال فأبى الإمام قبوله وقال له: ‏شيء خرج من يدي فلا يعود إلي. فبهر الرجل وسأل عنه، فقيل له: هذا جعفر الصّادق، وراح الرجل يقول بإعجاب: ‏لا جرم هذا فعال أمثاله. إن شرف الإمام عليه السّلام الذي لا حدود له هو الذي دفعه إلى تصديق الرجل ودفع المال ‏له. وقال عليه السّلام: إنا أهل بيت مروءتنا العفو عمن ظلمنا. وكان يفيض بأخلاقه الندية على حضار مجلسه حتَّى قال ‏رجل من العامة: والله ما رأيت مجلساً أنبل من مجالسته. عن أخي حماد البشير قال كنت عند عبد الله بن الحسن وعنده ‏أخوة الحسن بن الحسن فذكرنا أبا عبد الله عليه السّلام فنال منه، فقمت من ذلك المجلس فأتيت أبا عبد الله عليه السّلام ‏ليلاً فدخلت عليه وهو في فراشه... فخبرته بالمجلس الذي كنا فيه وما يقول حسن. فقال يا جارية: ضعي لي ماء فأتى ‏به فتوضأ وقام في مسجد بيته، فصلى ركعتين ثم قال: يا رب إن فلاناً أتاني بالذي أتاني عن الحسن وهو يظلمني وقد ‏غفرت له، فلم يزل يلح في الدعاء على ربه ثم التفت إليّ فقال: أنصرف رحمك الله ثم زاره بعد ذلك. عن الزمخشري، ‏في ربيع الأبرار عن الشقراني مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: خرج العطاء أيام المنصور وما لي شفيع ‏فوقفت على الباب متحيراً وإذا بجعفر بن مُحمّد قد أقبل فذكرت له حاجتي فدخل وخرج وإذا بعطائي في كمه، فناولني ‏إياه، وقال: إن الحسن من كل أحد حسن وإنه منك أحسن لمكانك منا، وإن القبيح من كل أحد قبيح وإنه منك أقبح، ‏لمكانك منا: قال سبط بن الجوزي: وإنما قال له ذلك لأنه كان يشرب الشراب فوعظه على وجه التعريض وهذا من ‏أخلاق الأنبياء‎.‎

صبره عليه السلام
ومن الصفات البارزة في الإمام عليه السّلام الصبر وعدم الجزع على ما كان يلاقيه من عظيم المحن والخطوب، ومن ‏مظاهر صبره أنه لما توفي ولده إسماعيل الذي كان ملأ العين في أدبه وعلمه وفضله دعا عليه السّلام جمعاً من ‏أصحابه فقدّم لهم مائدة جعل فيها أفخر الأطعمة وأطيب الألوان، ولما فرغوا من تناول الطعام سأله بعض أصحابه، ‏فقال له: يا سيدي لا أرى عليك أثراً من آثار الحزن على ولدك؟ فأجابه عليه السّلام: وما لي لا أكون كما ترون، وقد ‏جاء في خبر أصدق الصادقين يعني جده رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه إني ميت وإياكم‎.‎

قصار كلامه عليه السلام
من قصار كلامه عليه السلام‎:‎
‎- ‎حجة الله على العباد النّبيّ صلّى الله عليه و آله، والحجة فيما بين العباد و بين الله العقل‎. ‎
‎- ‎إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر خلقان من خلق الله, فمن نصرهما نصره الله ومن خذلهما خذله الله‎. ‎
‎- ‎لا تسخطوا الله برضى أحد من خلقه, ولا تتقربوا الى النّاس بتباعد من الله‎. ‎
‎- ‎أحب اخواني اليّ من أهدى إليّ عيوبي‎. ‎
‎- ‎إنّما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عالم بما يأمر عالم بما ينهى, عادل فيما يأمر ‏عادل فيما ينهى, رفيق بما يأمر رفيق بما ينهى‎. ‎
‎- ‎الرغبة في الدّنيا تورث الغم والحزن, والزهد في الدّنيا راحة القلب والبدن‎. ‎
‎- ‎طلب الحوائج الى النّاس استلاب العز و مذهبة للحياء‎. ‎
‎- ‎من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم‎. ‎
‎- ‎من انصف النّاس من نفسه رُضي به حكما لغيره‎. ‎
‎- ‎إن روح المؤمن لأشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشّمس بها‎. ‎
‎- ‎حسن الخلق من الدّين وهو يزيد في الرزق‎. ‎
‎- ‎من عمل لغير الله وكله الله الى من عمل له‎. ‎
‎- ‎يابن آدم كن كيف شئت, كما تدين تدان‎. ‎
‎- ‎ثلاث علامات المؤمن: علمه بالله ومن يحب ومن يبغض‎. ‎
‎- ‎الدّنيا سجن المؤمن فأي سجن جاء منه خير‎. ‎
‎- ‎المؤمنة أعز من المؤمن، والمؤمن أعز من الكبريت الأحمر‎. ‎
‎- ‎من سرته حسنته وساءته سيئته فهو المؤمن‎. ‎
‎- ‎من طلب الرئاسة هلك‎. ‎
‎- ‎إنّ الذّنب يحرم العبد الرّزق‎. ‎
‎- ‎الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض‎. ‎
‎- ‎هل الإيمان إلاّ الحبّ والبغض؟‎ ‎
‎- ‎الغضب مفتاح كل شر‎. ‎

شعره عليه السلام
تـعصي الإلـه وأنت تظهر‎ ii‎حبه هـذا لـعمرك فـي الـفعال‎ ii‎بديع
لـو كـان حـبك صـادقا‎ ii‎لأطعته إن الـمحب لـمن يـحب‎ ii‎مـطيع
‎***‎
عـلم الـمحجة واضـح لـمريده وأرى القلوب عن المحجة في عمى
ولـقد عـجبت لـهالك و‎ ii‎نـجاته مـوجودة ولـقد عـجبت لمن‎ ii‎نجا
أثـامن بـالنفس الـنفيسة‎ ii‎ربـها فـليس لـها فـي الخلق كلهم‎ ii‎ثمن
بـها يـشتري الجنات إن أنا‎ ii‎بعتها بـشيء سـواها إن ذلـكم‎ ii‎غـبن
إذا ذهـبت نـفسي بـدنيا‎ ii‎أصبتها فـقد ذهبت نفسي وقد ذهب‎ ii‎الثمن
‎***‎
لا الـيسر يـطرقنا يوما‎ ii‎فيبطرنا ولا لأزمـة دهـر نـظهر الجزعا
إن سـرنا الـدهر لم نبهج‎ ii‎لصحته أو سـاءنا الدهر لم نظهر له‎ ii‎الهلعا
مـثل الـنجوم على مضمار‎ ii‎أولنا إذا تـغـيّب نـجم آخـر‎ ii‎طـلعا
‎***‎
اعـمل عـلى مـهل فـإنك‎ ii‎ميت واخـتر لـنفسك أيـها‎ ii‎الإنـسانا
فـكأنما قـد كـان لم يك إذ‎ ii‎مضى وكـأنـما هـو كـائن قـد‎ ii‎كـانا
‎***‎
كـنـا نـجـوما يـستضاء بـنا ولـلبرية نـحن الـيوم‎ ii‎بـرهان
نـحن الـبحور التي فيها‎ ii‎لغائصكم در ثـمـين ويـاقوت‎ ii‎ومـرجان
مـساكن القدس والفردوس‎ ii‎نملكها ونـحن لـلقدس والفردوس‎ ii‎خزان
مـن شـذ عـنا فبرهوت مساكنه ومــن أتـانا فـجنات‎ ii‎وولـدان
‎***‎
إذا مـا طـلبت خـصال الـندى وقـد عـضك الـدهر مـن‎ ii‎جهده
فــلا تـطـلبن إلــى‎ ii‎كـالح أصــاب الـيـسارة مـن‎ ii‎كـده
ولـكـن عـلـيك بـاهل‎ ii‎الـعلى ومـن ورث الـمجد عـن‎ ii‎جـده
فـــذاك إذا جـئـته‎ ii‎طـالـبا سـتـحيي الـيسارة مـن‎ ii‎جـده
‎***‎
ذهـب الوفاء ذهاب أمس‎ ii‎الذاهب والـناس بـين مـخاتل‎ ii‎وموارب
يـفشون بـينهم الـمودة‎ ii‎والـصفا وقـلـوبهم مـحـشوة‎ ii‎بـعقارب
‎***‎
لا تـجـزعن مـن الـمداد‎ ii‎فـإنه عـطر الـرجال وحـلية‎ ii‎الآداب
‎**i*‎
ألـبـسـك الله مـنـه عـافـية فـي نـومك الـمعتري وفي أرقك
تـخرج مـن جـسمك السقام‎ ii‎كما أخـرج ذل الـفعال مـن‎ ii‎عـنقك
‎***‎
فـلا تـجزع وإن أعـسرت‎ ii‎يوما فـقد يـسرت فـي زمـن طويل
ولا تـيـأس فـإن الـيأس‎ ii‎كـفر لـعـل الله يـغـني عـن‎ ii‎قـليل
ولا تـظنن بـربك ظـن‎ ii‎سـوء فــإن الله أولــى‎ ii‎بـالـجميل‎ ‎

مناظراته عليه السلام
مُناظرته عليه السلام مع الهندي
حضر الإمام الصّادق عليه السّلام مجلس المنصور يوماً، وعنده رجل من الهند يقرأ كتب الطب، فجعل عليه السّلام ‏ينصت لقراءته، فلمّا فرغ الهندي قال له: يا أبا عبد الله أتريد ممّا معي شيئاً؟ قال عليه السّلام: لا، فإنّ معي ما هو خير ‏ممّا معك، قال: وما هو؟‎ ‎
قال عليه السّلام: أداوي الحار بالبارد، والبارد بالحار، والرطب باليابس، واليابس بالرطب، وأردّ الأمر كلّه إلى الله ‏عزّ وجل، وأستعمل ممّا قاله رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأعلم أنّ المعدة بيت الداء، وأنّ الحمية هي الدواء، ‏وأعوّد البدن ما اعتاد‎.‎
فقال الهندي: وهل الطبّ إِلاّ هذا؟ فقال عليه السّلام: أفتراني عن كتب الطبّ أخذت؟ قال: نعم، قال عليه السّلام: لا ‏والله، ما أخذت إِلاّ عن الله سبحانه، فأخبرني أنا أعلم بالطبّ أم أنت؟ فقال الهندي: لا، بل أنا، فقال عليه السّلام: فأسألك ‏شيئاً، قال: سل‎.‎
قال عليه السّلام: أخبرني يا هندي: لِمَ كان في الرأس شؤن؟ قال: لا أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: فلِمَ جعل الشعر عليه من فوقه؟ قال: لا أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: فلِمَ خلت الجبهة من الشعر؟ قال: لا أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: فلِمَ كان لها تخطيط وأسارير؟ قال: لا أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: فلِمَ كان الحاجبان من فوق العينين؟ قال: لا أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: فلِمَ جعل العينان كاللوزتين؟ قال: لا أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: فلِمَ جعل الأنف فيما بينهما؟ قال: لا أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: فَلِمَ كان ثقب الأنف في أسفله؟ قال: لا أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: فَلِمَ جعلت الشفّة والشارب من فوق الفم؟ قال: لا أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: فَلِمَ احتدَّ السنّ وعرض الضرس وطال الناب؟ قال: لا أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: فلِمَ جعلت اللحية للرجال؟ قال: لا أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: فلِمَ خلت الكفّان من الشعر؟ قال: لا أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: فلِمَ خلا الظفر والشعر من الحياة؟ قال: لا أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: فلِمَ كان القلب كحبّ الصنوبر؟ قال: لا أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: فلِمَ كانت الرئة قطعتين؟ وجعل حركتها في موضعها؟ قال: لا أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: فلِمَ كانت الكبد حدباء؟ قال: لا أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: فلِمَ كانت الكلية كحبّ اللوبياء؟ قال: لا أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: فلِمَ جعل طيّ الركبتين إلى خلف؟ قال: لا أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: فلِمَ تخصّرت القدم؟ قال: لا أعلم‎.‎
فقال عليه السّلام: لكنّي أعلم، قال: فأجب‎.‎
قال عليه السّلام: كان في الرأس شؤن لأنّ المجوّف إِذا كان بلا فصل أسرع إليه الصّداع، فإذا جعل ذا فصول كان ‏الصداع منه أبعد، وجعل الشّعر من فوقه لتوصل بوصوله الأدهان إلى الدّماغ، ويخرج بأطرافه البخار منه، ويردّ ‏الحرّ والبرد عليه، وخلت الجبهة من الشعر لأنّها مصبّ النور إلى العينين 000‏
مُناظرته عليه السلام مع أبي العوجاء‎ ‎
دخل ابن أبي العوجاء على الإمام الصّادق عليه السّلام يوماً، فقال: أليس تزعم أنّ الله تعالى خالق كلّ شيء؟ فقال عليه ‏السّلام: بلى، فقال: أنا أخلق، فقال له عليه السّلام: كيف تخلق؟ فقال: أحدث في الموضع، ثمّ ألبث عنه فيصير دواباً، ‏فكنت أنا الذي خلقتها‎.‎
فقال عليه السّلام: أليس خالق الشيء يعرف كم خلقه؟ قال: بلى، قال عليه السّلام: فتعرف الذكر من الأنثى؟ وتعرف ‏عمرها؟ فسكت‎.‎
ثمّ أنّ ابن أبي العوجاء عاد إليه في اليوم الثاني، فجلس وهو ساكت لا ينطق، فقال عليه السّلام: كأنّك جئت تعيد بعض ‏ما كنّا فيه، فقال: أردت ذلك يا ابن رسول الله، فقال عليه السّلام: ما أعجب هذا تنكر الله، وتشهد أنّي ابن رسول الله ‏صلّى الله عليه وآله ! فقال: العادة تحملني على ذلك‎.‎
فقال له عليه السّلام: فما يمنعك من الكلام؟ قال: إِجلال لك ومهابة، ما ينطق لساني بين يديك، فإنّي شاهدت العُلماء، ‏وناظرت المتكلّمين فما تداخلني هيبة قط مثلما تداخلني من هيبتك، قال عليه السّلام: يكون ذلك، ولكن أفتح عليك ‏سؤالاً، وأقبل عليه‎.‎
فقال له: أمصنوع أنت أم غير مصنوع؟، فقال له ابن أبي العوجاء: أنا غير مصنوع، فقال له عليه السّلام: فصف لي ‏لو كنت مصنوعاً كيف كنت تكون؟ فبقي عبد الكريم مليّاً لا يحير جواباً، وولع بخشبة كانت بين يديه، وهو يقول: ‏طويل عريض عميق قصير متحرّك ساكن، كلّ ذلك من صفة خلقه‎.‎
فقال له عليه السّلام: فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة من غيرها فاجعل نفسك مصنوعاً لما تجد في نفسك، ممّا يحدث ‏من هذه الأُمور، فقال له عبد الكريم: سألتني عن مسألة لم يسألني أحد عنها قبلك، ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها‎.‎
فقال له عليه السّلام: هبك علمت أنّك لم تُسأل فيما مضى فما علمك إِنّك لم تُسأل فيما بعد؟ على أنّك يا عبد الكريم ‏نقضت قولك، لأنّك تزعم أنّ الأشياء من الأوّل سواء، فكيف قدّمت وأخّرت؟ يا عبد الكريم: أنزيدك وضوحاً؟ أرأيت ‏لو كان معك كيس فيه جواهر، فقال لك قائل: هل في الكيس دينار، فنفيت كون الدينار في الكيس، فقال لك قائل: صف ‏لي الدينار؟ وكنت غير عالم بصفته، هل لك أن تنفي كون الدينار في الكيس وأنت لا تعلم؟‎.‎
قال: لا، فقال عليه السّلام: فالعالَم أكبر وأطول وأعرض من الكيس، فلعلّ في العالَم صنعة من حيث لا تعلم، لا تعلم ‏صفة الصنعة من غير الصنعة، فانقطع عبد الكريم، وأجاب إِلى الإِسلام بعض أصحابه، وبقي معه بعض‎.‎
فعاد في اليوم الثالث، فقال: أقلب السؤال، فقال عليه السّلام: سل عمّا شئت، فقال: ما الدليل على حدوث الأجسام؟‎ ‎
فقال: إِنّي ما وجدت صغيراً ولا كبيراً إِلاّ وإذا ضمّ إليه مثله صار أكبر، وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الأولى، ‏ولو كان قديماً ما زال ولا حال، لأنّ الذي يزول ويحول يجوز أن يجود ويبطل، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في ‏الحدث، وفي كونه في الأُولى دخوله في العدم، ولن يجتمع صفة الأزل والعدم في شيء واحد‎.‎
فقال عبد الكريم: هبك علمت في جري الحالين والزمانين على ما ذكرت واستدللت على حدوثها، فلو بقيّت الأشياء ‏على صغرها من أين كان لك أن تستدلّ على حدوثها؟‎ ‎
فقال عليه السّلام: إِنّما نتكلّم على هذا العالَم الموضوع، فلو رفعناه ووضعنا عالماً آخر كان لا شيء أدلّ على الحدث ‏من رفعنا إِيّاه ووضعنا غيره، ولكن أجبت من حيث قدرت إِنّك تلزمنا وتقول: إِنّ الأشياء لو دامت على صغرها لكان ‏في الوهم أنّه متى ما ضمّ شيء منه إلى مثله كان أكبر، وفي جواز التغيّر عليه خروجه من القدم كما بان في تغيير ‏دخوله في الحدث، ليس وراءه شيء يا عبد الكريم، فانقطع وخزي‎.‎
وناظر الإمام الصّادق عليه السّلام يوماً في تبديل الجلود في النار، فقال: ما تقول في هذه الآية: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ ‏بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا، هب هذه الجلود عصت فعذّبت، فما بال الغير يعذّب؟‎ ‎
قال عليه السّلام: ويحَك هي هي، وهي غيرها، قال: اعقلني هذا القول، فقال له عليه السّلام: أرأيت لو أنّ رجلاً عهد ‏إلى لبنة فكسرها، ثمّ صبّ عليها الماء وجبلها، ثم ردّها إلى هيئتها الأولى، ألم تكن هي هي، وهي غيرها؟ فقال: بلى، ‏أمتع الله بك‎.‎
مُناظرته عليه السلام مع زنديق‎ ‎
عن هشام بن الحكم، قال: كان بمصر زنديق يبلغه عن أبي عبد الله الصّادق عليه السّلام أشياء، فخرج إلى المدينة ‏ليناظره، فلم يصادفه بها، وقيل: إِنّه خارج بمكّة، فخرج إلى مكّة ونحن مع أبي عبد الله عليه السّلام، فصادفنا ونحن ‏في الطواف، وكان اسمه عبد الملك، وكنيته أبو عبد الله‎.‎
فضرب كتفه كتف الإمام عليه السّلام، فقال له: ما اسمك؟ قال: عبد الملك، قال: فما كنيتك؟ قال: أبو عبد الله، فقال عليه ‏السّلام: فمن هذا الملك الذي أنت عبده؟ أمن ملوك الأرض أم ملوك السّماء؟ وأخبرني عن ابنك عبد إِله السّماء أم عبد ‏إِله الأرض؟ قل ما شئت تخصم، فلم يحر جواباً‎.‎
ثمّ أنّ الإمام الصّادق عليه السّلام قال له: إذا فرغت من الطواف فأتنا، فلمّا فرغ عليه السّلام أتاه الزنديق، فقعد بين ‏يديه ونحن مجتمعون عنده عليه السّلام، فقال أبو عبد الله للزنديق: أتعلم أنّ للأرض تحتاً وفوقاً؟‎. ‎
قال: نعم، قال: فدخلت تحتها؟ قال: لا، قال: فما يدريك ما تحتها؟ قال: لا أدري إِلاّ أنّي أظن أن ليس تحتها شيء، فقال ‏عليه السّلام: فالظنّ عجز فلِم لا تستيقن، ثمّ قال عليه السّلام: أفصعدت إلى السّماء؟ قال: لا، قال: أفتدري ما فيها؟ قال: ‏لا‎. ‎
قال: عجباً لك لم تبلغ المشرق، ولم تبلغ المغرب، ولم تنزل إلى الأرض، ولم تصعد إلى السّماء، ولم تجز هناك ‏فتعرف ما خلفهنّ، وأنت جاحد بما فيهنّ، فهل يجحد العاقل ما لا يعرف؟، قال الزنديق: ما كلّمني بها أحد غيرك، فقال ‏عليه السّلام: فأنت من ذلك في شكّ فلعلّه هو، ولعلّه ليس هو، فقال الزنديق: ولعلّ ذلك‎. ‎
فقال عليه السّلام: أيّها الرجل ليس لمن لا يعلم حجّة على من يعلم، ولا حجّة للجاهل، يا أخا أهل مصر تفهم عنّي، فإنّا ‏لا نشكّ في الله أبداً، أمّا ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان فلا يشتبهان ويرجعان، قد اضطرّا ليس لهما مكان ‏إِلاّ مكانهما، فإنّ كانا يقدران على أن يذهبا فلِم يرجعان؟ وإن كانا غير مضطرّين، فلِم لا يصير الليل نهاراً والنهار ‏ليلاً؟ اضطرّا والله يا أخا أهل مصر إلى دوامهما، والذي اضطرّهما أحكم منهما وأكبر‎.‎
فقال الزنديق: صدقت، ثمّ قال عليه السّلام: يا أخا أهل مصر إِنّ الذي تذهبون إليه وتظنّون أنّه الدهر، إِن كان الدهر ‏يذهب بهم فلِم لا يردّهم؟ وإِن كان يردّهم لِم لا يذهب بهم؟ القوم مضطرّون يا أخا أهل مصر، لِم السّماء مرفوعة ‏والأرض موضوعة؟ لِم لا تنحدر السّماء على الأرض؟ لِم لا تنحدر الأرض فوق طباقها؟ ولا يتماسكان ولا يتماسك ‏مَن عليها؟‎.‎
قال الزنديق: أمسكهما الله ربّهما سيّدهما، قال: فآمن الزنديق على يدي الإمام عليه السّلام، فقال حمران بن أعين: ‏جعلت فداك إِن آمنت الزنادقة على يدك فقد آمن الكفّار على يد أبيك، فقال المؤمن الذي آمن على يدي الإمام عليه ‏السّلام: اجعلني من تلامذتك‎.‎
فقال عليه السّلام: يا هشام بن الحكم خذه إليك، فعلّمه هشام، وكان معلّم أهل الشام وأهل مصر الإيمان، وحسنت ‏طهارته حتّى رضي بها عليه السّلام‎.‎
مُناظرته عليه السلام مع زنديق آخر‎ ‎
وجاء إلى الإمام الصّادق عليه السّلام زنديق آخر، وسأله عن أشياء نقتطف منها ما يلي: قال له: كيف يعبد الله الخلق ‏ولم يروه؟ قال عليه السّلام: رأته القلوب بنور الإيمان، وأثبتته العقول بيقظتها إِثبات العيان، وأبصرته الأبصار بما ‏رأته من حسن التركيب وإِحكام التأليف، ثمّ الرسل وآياتها، والكتب ومحكماتها، واقتصرت العُلماء على ما رأت من ‏عظمته دون رؤيته‎.‎
قال: أليس هو قادر أن يظهر لهم حتّى يروه فيعرفونه فيُعبد على يقين؟ قال عليه السّلام: ليس للمحال جواب‎.‎
أقول: إِنّما الرؤية تثبت للأجسام، وإِذا لم يكن تعالى جسماً استحالت رؤيته، والمحال غير مقدور لا من جهة النقص في ‏القدرة بل النقص في المقدور‎.‎
قال الزنديق: فمن أين أثبت أنبياءً ورسلاً؟ قال عليه السّلام: إِنّا لمّا أثبتنا أنَّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنّا، وعن جميع ما ‏خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً لم يجز أن يشاهده خلقه، ولا أن يلامسوه، ولا أن يباشرهم ويباشروه، ويحاجّهم ‏ويحاجّوه، ثبت أنّ له سفراء في خلقه وعباده، يدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم، وما به بقاؤهم، وفي تركه فناؤهم‎.‎
فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، وثبت عند ذلك أنّ لهم معبّرين، وهم الأنبياء وصفوته من خلقه، ‏حكماء مؤدّبين بالحكمة، مبعوثين عنه، مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب، مؤيّدين ‏من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد، من إِحياء الموتى، وإِبراء الأكمة والأبرص‎.‎
ثمّ قال الزنديق: من أيّ شيء خلق الأشياء؟ قال عليه السّلام: من لا شيء، فقال: كيف يجيء شيء من لا شيء؟‎ ‎
قال عليه السّلام: إِنّ الأشياء لا تخلو: إِمّا أن تكون خلقت من شيء، أو من غير شيء، فإن كانت خلقت من شيء كان ‏معه، فإنّ ذلك الشيء قديم، والقديم لا يكون حديثاً، ولا يتغيّر، ولا يخلو ذلك الشيء من أن يكون جوهراً واحداً ولوناً ‏واحداً، فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة، والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتّى؟‎ ‎
ومن أين جاء الموت إِن كان الشيء الذي أُنشئت منه الأشياء حيّاً؟ أو من أين جاءت الحياة إِن كان ذلك الشيء ميّتاً؟ ‏ولا يجوز أن يكون من حيّ وميّت قديمين لم يزالا، لأنّ الحيّ لا يجيء منه ميّت، وهو لم يزل حيّاً، ولا يجوز أيضاً أن ‏يكون الميّت قديماً لم يزل لما هو به من الموت، لأنّ الميّت لا قدرة به ولا بقاء‎.‎
أقول: إِنّ هذا الأمر على دقّته قد أوضحه الإمام بأحسن بيان، وردّده بين أُمور لا يجد العقل سلواها عند الترديد، وحقّاً ‏إِن كان الشيء الذي خلقت الأشياء منه قديماً لزم أن يكون مع الله تعالى شيء قديم غير مخلوق له، ولو فرض أنّه ‏مخلوق له عاد الكلام الأوّل، أنّه من أيّ شيء كان مخلوقاً؟ هذا غير أنّ القديم لا يكون حادثاً، والميّت لا يكون منه ‏الحي، والحي لا يكون منه الميّت، والحياة والممات لا يتركّبان، ولو تركّبا عاد الكلام السابق‎.‎
فإنّ الموت لا يصلح أن يكون في الأشياء الحيّة، ولا بقاء ولا دوام ليكون باقياً إِلى أن خلق الله منه الأشياء الحيّة، فلا ‏بدّ إِذن من أن يكون تعالى قد خلق الأشياء من لا شيء‎.‎
ثمّ قال الزنديق: من أين قالوا: إِنّ الأشياء أزلية؟ قال: عليه السّلام: هذه مقالة قوم جحدوا مدبّر الأشياء فكذّبوا الرسل ‏ومقالتهم، والأنبياء وما أنبأوا عنه، وسمّوا كتبهم أساطير، ووضعوا لأنفسهم ديناً بآرائهم واستحسانهم، وإِنّ الأشياء ‏تدلّ على حدوثها من دوران الفلك بما فيه، وهي سبعة أفلاك، وتحرّك الأرض ومن عليها، وانقلاب الأزمنة، ‏واختلاف الحوادث التي تحدث في العالم من زيادة ونقصان، وموت وبلى، واضطرار الأنفس إلى الإقرار بأنّ لها ‏صانعاً ومدبّراً، ألا ترى الحلو يصير حامضاً، والعذاب مرّاً، والجديد بالياً، وكلّ إلى تغيّر وفناء‎.‎
أقول: إِنّ الاستدلال بانقلاب الأزمنة ودوران الفلك من أدقّ الأدلّة العلمية على حدوث العالم، الذي قصرت عنه إفهام ‏كثير من الفلاسفة العظام، كما أنّه جعل الفلك الدائر فلكاً واحداً، ثمّ تفسيره بالأفلاك السبعة، لا ينطبق إِلاّ على نظرية ‏الهيئة الحديثة، إِذ يراد به النظام الشمسي، ومثله تصريحه بحركة الأرض التي لم يكن يحلم بها أحد من السابقين، ‏وهي من مكتشفات العلم الحديث‎.‎

مدرسته عليه السلام
الإمام الصّادق عليه السّلام هو استاذ العُلماء وامام الفقهاء وهو امام عصره كما هو امام العصور واستاذ الاجيال. و قد ‏انصرف هو وابوه الباقر عليه السّلام لانشاء مدرسة أهل البيت العلمية في مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله في ‏المدينة المنورة, ثم استمر في تنمية هذه الجامعة العلمية ومواصلة حماية الشريعة, والدفاع عن عقيدة التوحيد بعد ابيه ‏الباقر عليه السّلام, وقد تخرج على يده جيل من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين والفلاسفة وعلماء الطبيعة...الخ ذكرتهم ‏كتب الرجال وملأت آثارهم آفاق العلم والمعرفة فبهدي الإمام الصّادق عليه السّلام وهدي آبائه الكرام وابنائه من بعده ‏من أهل بيت النبوة اهتدى المسلمون وشخصوا جادة الصواب الدالة على الشريعة ونقائها. وقد نشأت في عهد الإمام ‏الصّادق عليه السّلام فرق ومذاهب فقهية واعتقادية كثيرة, كان موقف الإمام الصّادق عليه السّلام منها هو التسديد ‏والحوار العلمي والنقد الشرعي النزيه. والذي يتابع منهج الإمام, ومهمته العملية يكتشف ان الإمام كان يستهدف بعمله ‏ومدرسته الاهداف الاتية‎:‎
اولاً: حماية العقيدة من التيارات العقائدية والفلسفية والالحادية والمقولات التي لا تنسجم وعقيدة التوحيد التي نشأت ‏كتيار كونته الفرق الكلامية والمدارس الفلسفية الشاذة, لذا انصبت جهود الإمام عليه السّلام على الحفاظ على اصالة ‏عقيدة التوحيد ونقاء مفهومها, وايضاح جزئياتها وتفسير مضامينها وتصحيح الافكار والمعتقدات في ضوئها ولذا فقد ‏درب تلامذته امثال هشام بن الحكم على الكلام والجدل والمناظرة والفلسفة ليقوموا بالدفاع عن عقيدة التوحيد وحمايتها ‏من المعتقدات الضالة, كما الجبر والتفويض والتجسيم والغلو وامثالها من الاراء والمعتقدات الشاذة عن عقيدة التوحيد‎.‎
ثانياً: نشر الإسلام اما الهدف الثاني لمدرسة الإمام جعفر بن مُحمّد الصّادق عليه السّلام وجهوده فهو نشر الإسلام ‏وتوسيع دائرة الفقه والتشريع, وتثبيت معالمها وحفظ اصالتها, إذ لم يُرو عن احدٍ من الحديث ولم يُؤخذ عن امام من ‏الفقه والاحكام ما أًخذا عنه, اساسا وقاعدة لاستنباط الاحكام لدى العُلماء والفقهاء والسائرين على نهجه والملتزمين ‏بمدرسته والمنتسبين الى مذهبه الذي سُمي باسمه المذهب الجعفري‎. ‎
فربّى جيلاً عالماً انتشر في أنحاء البلاد، يبث حقائقَ الدّين، ويُبيِّن معالمه‎.‎
وقد أجمع العُلماء، مثل: الشيخ المفيد، والشيخ الطبرسي، والفتَّال النيسابوري، والشهيد الثاني، وابن شهر آشوب ‏وغيرهم، أنّه نُقل عن الإمام الصّادق عليه السّلام من العلوم ما لم يُنقَل عن أحد‎.‎
حتى أن أصحاب الحديث جمعوا أسماء الرواة الذين رووا عن الإمام الصّادق عليه السّلام - على اختلاف آرائهم -، ‏فكانوا أربعةَ آلاف راوٍ‎.‎
وهكذا كانت جهوده المباركة عليه السّلام جهاداً علميّاً كبيراً، أرسى من خلاله قواعدَ الدّين، وثبَّت أصوله، وفروعه، ‏وعقائده‎.‎
واليوم، وبعد مُضِيِّ ما يقرب من ثلاثة عشر قرناً على تأسيس مدرسة الإمام الصّادق عليه السّلام لا تزال العلوم ‏الإسلاميّة، من: فقهٍ، أو حديثٍ، أو تفسير، أو فلسفة، أو أخلاق، وغيرها من العلوم الإسلاميّة، عيالاً على مدرسة ‏الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام‎.‎

تلامذته عليه السلام
لقد تتلمذ على يد الإمام الصّادق عليه السّلام علماء عليهم الاعتماد والمعول في أمر الدّين فكانوا جهابذة العلم وافذاذ قلَّ ‏نظيرهم فحملوا العلم ممزوجاً بالعمل والتقوى وخدموا دينهم خدمة جليلة تشهد بها الكتب الى اليوم. يقول هشام بن ‏سالم: كنا عند أبي عبدالله عليه السّلام جماعة من أصحابه فورد رجل من أهل الشام فاستأذن بالجلوس فأذن له، فلما ‏دخل سّلم فأمره ابو عبدالله عليه السّلام بالجلوس ثم قال له: ماحاجتك أيها الرجل؟ قال: بلغني أنك عالم بكل ما تسأل ‏عنه فصرت اليك لأناظرك، فقال ابو عبدالله عليه السّلام: في ماذا؟ قال: في القُرآن، فقال ابو عبدالله عليه السّلام: يا ‏حمران بن أعين دونك الرجل، فقال الرجل: انما اريدك انت لا حمران. فقال ابو عبدالله عليه السّلام: إن غلبت حمران ‏فقد غلبتني فأقبل الشامي يسأل حمران حتى ضجر وملّ وحمران يجيبه، فقال ابو عبدالله عليه السّلام كيف رأيت يا ‏شامي؟ قال: رأيته حاذقاً ما سألته عن شيء إلا أجابني، ثم قال الشامي: اريد ان اناظرك في العربية، فالتفت ابو عبدالله ‏عليه السّلام فقال: يا أبان بن تغلب ناظره، فناظره حتى غلبه، فقال الشامي: اريد ان أناظرك في الفقه فقال ابو عبدالله: ‏يا زرارة ناظره، فناظر حتى غلبه، فقال الشامي: اريد ان أناظرك في الكلام فقال الإمام عليه السّلام: يا مؤمن الطاق ‏ناظره، فناظره فغلبه، ثم قال: اُريد ان أناظرك في الاستطاعة فقال الإمام عليه السّلام: يا هشام بن سالم كلمه فكلمه ‏فغلبه، ثم قال: اريد ان اتكلم في الامامة فقال الإمام عليه السّلام: لهشام بن الحكم كلمه، فغلبه ايضاً فحارَّ الرجل ‏وسكت‎. ‎
تلامذته من أبناء العامّة
أخذ عنه عدّة من أعلام السنّة وأئمتهم، وما كان أخذهم عنه كما يأخذ التلميذ عن الاُستاذ، بل لم يأخذوا عنه إلاّ وهم ‏متّفقون على إمامته وجلالته وسيادته، كما يقول الشيخ سليمان في الينابيع، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات، بل ‏عدّوا أخذهم عنه منقبة شرّفوا بها، وفضيلة اكتسبوها كما يقول الشافعي في مطالب السؤل، ومنهم‎: ‎
أبو حنيفة
النعمان بن ثابت بن زوطي من الموالي وأصله من كابل ولد بالكوفة، وبها نشأ ودرس، وكانت له فيها حوزة وانتقل ‏الى بغداد وبها مات عام 150، وقبره بها معروف0 كان يفتخر ويقول بأفصح لسان:"لولا السنتان لهلك النعمان" يريد ‏السنتين اللتين صحب فيها لأخذ العلم من الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام‎.‎
مالك بن أنس
هو ابن أبي عامر من حمير وعداده في بني تيم بن مرّة من قريش0‏
سفيان الثوري
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ورد بغداد عدّة مرّات، وروى عن الصّادق عليه السّلام جملة أشياء، ‏وأوصاه الصّادق باُمور ثمينة 0وارتحل الى البصرة وبها مات 161 هـ، وولادته في نيف وتسعين، قيل شهد وقعة ‏زيد الشهيد وكان في شرطة هشام بن عبدالملك‎. ‎
سفيان بن عيينة‎ ‎
سفيان بن عيينة بن أبي عمران الكوفي المكّي ولد بالكوفة عام 107 هـ ومات بمكّة عام198 هـ، ودخل الكوفة وهو ‏شاب على عهد أبي حنيفة‎..‎
يحيى بن سعيد الأنصاري‎ ‎
يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري من بني النجّار تابعي، كان قاضياً للمنصور في المدينة، ثم قاضي القضاة، مات ‏بالهاشميّة عام143 هـ‏‎. ‎
ابن جريح
عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريح المكّي، سمع جمعاً كثيراً من العُلماء، وكان من علماء العامّة، الذين يرون حلية ‏المتعة كما رأى حلّيتها آخرون منهم0‏
القطّان
أبو سعيد يحيى بن سعيد القطّان البصري، كان من أئمة الحديث بل عُدّ محدّث زمانه، واحتجّ به أصحاب الصحاح ‏الستة وغيرهم، توفى عام198 هـ0‏
مُحمّد بن إسحاق
مُحمّد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي والسير، ومدنيّ سكن مكّة، أثنى عليه ابن خلكان كثيراً، وكان بينه وبين ‏مالك عداء، فكان كلّ منهما يطعن في الآخر، قدم الحيرة على المنصور فكتب له المغازي. وقدم بغداد وبها مات ‏عام151 هـ‏‎ ‎
شعبة بن الحجّاج
شعبة بن الحجّاج الأزدي كان من أئمة السنّة وأعلامهم وكان يفتي بالخروج مع إبراهيم بن عبدالله بن الحسن، وقيل ‏كان ممّن خرج من أصحاب الحديث مع إبراهيم بن عبدالله. وعدّه في أصحاب الصّادق عليه السّلام جماعة من السنّة ‏منهم صاحب التهذيب0‏
أيوب السجستاني
أيوب بن أبي تميمة السجستاني البصري، وقيل السختياني، والأول أشهر، مولى عمّار بن ياسر وعدّوه في كبار ‏الفقهاء التابعين، مات عام131 هـ بالطاعون بالبصرة عن65 هـ سنة. عدّه في رجال الصّادق عليه السّلام في نور ‏الأبصار0‏

رسائله عليه السلام
من غور ذخائر تراث اهل البيتع هذه الرّسالة التي كتبها مولانا الإمام الصّادق عليه السّلام للمؤمنين واشتملت على ‏بيان معالم الشخصية الايمانية والكيان الايماني 0عن اسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه كتب بهذه ‏الرّسالة الى اصحابه، وامرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها، وكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم، فاذا ‏فرغوا من الصّلاة نظروا فيها‎. ‎
‎ ‎عن اسماعيل بن مخلّد السرّاج، قال: خرجت هذه الرّسالة من أبي عبد الله عليه السّلام الى اصحابه‎:‎
بسم الله الرحمن الرحيم، اما بعد: فاسألوا الله ربكم العافية، وعليكم بالدعة والوقار والسكينة، وعليكم بالحياء والتنزّه ‏عمّا تنزّه عنه الصالحون قبلكم، وعليكم بمجاملة اهل الباطل، تحملوا الضيم منهم، واياكم ومما ظنهم، دينوا في ما ‏بينكم وبينهم اذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام - فانه لابدّ لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم ‏الكلام - بالتقية التي امر كم الله ان تأخذوا بها في ما بينكم وبينهم، فاذا ابتليتم بذلك منهم فانهم سيؤذونكم، وتعرفون في ‏وجوههم المنكر، ولولا انّ الله تعالى يدفعهم عنكم لسطوا بكم، وما في صدورهم من العداوة والبغضاء اكثر مما يبدون ‏لكم، مجالسكم ومجالسهم واحدة، وارواحكم وارواحهم مختلفة لا تأتلف، لا تحبونهم ابداً ولا يحبونكم، غير ان الله ‏تعالى اكرمكم بالحق وبصركموه، ولم يجعلهم من اهله فتجاملونهم وتصبرون عليهم، وهم لا مجاملة لهم ولا صبر لهم ‏على شيء من اموركم، تدفعون انتم السيئة بالتي هي احسن في ما بينكم وبينهم، تلتمسون بذلك وجه ربكم بطاعته، ‏وهم لا خير عندهم. لا يحل لكم ان تظهروهم على اصول دين الله، فانهم ان سمعوا منكم فيه شيئاً عادوكم عليه، ‏ورفعوه عليكم، وجاهدوا على هلاككم، واستقبلوكم بما تكرهون، ولم يكن لكم النصف منهم في دول الفجار، فاعرفوا ‏منزلتكم في ما بينكم وبين اهل الباطل، فانه لا ينبغي لأهل الحق ان ينزلوا انفسهم منزلة اهل الباطل، لأن الله لم يجعل ‏اهل الحق عنده بمنزلة اهل الباطل‎.‎
الم تعرفوا وجه قول الله تعالى في كتابه اذ يقول: "ام نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم ‏نجعل المتقين كالفجار" أكرموا انفسكم عن اهل الباطل، فلا تجعلوا الله تعالى -وله المثل الأعلى- وامامكم ودينكم الذي ‏تدينون به عرضة لأهل الباطل، فتغضبوا الله عليكم فتهلكوا. فمهلاً ! مهلاً! يا اهل الصلاح، لا تتركوا امر الله وامر ‏من امركم بطاعته فيغيّر الله ما بكم من نعمة، احبوا في الله من وصف صفتكم، وابغضوا في الله من خالفكم، وابذلوا ‏مودتكم ونصيحتكم لمن وصف صفتكم، ولا تبذلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم عليها وبغاكم الغوائل. هذا أدبنا ‏أدب الله، فخذوا به وتفهموه واعقلوه ولا تنبذوه وراء ظهوركم، ما وافق هداكم اخذتم به وما وافق هواكم طرحتموه ولم ‏تأخذوا به. واياكم والتجبّر على الله، واعلموا ان عبداً لم يبتل بالتجبر على الله الا تجبّر على دين الله، فاستقيموا لله ولا ‏ترتدّوا على اعقابكم فتنقلبوا خاسرين. اجارنا الله واياكم من التجبر على الله ولا قوة لنا ولكم الا بالله‎.‎
وقال: ان العبد اذا كان خلقه الله في الأصل - اصل الخلقة- مؤمنا لم يمت حتى يكرّه الله اليه الشرّ ويباعده منه، ومن ‏كرّه الله اليه الشرّ وباعده منه عافاه الله من الكبر أن يدخله والجبريّة، فلانت عريكته، وحسن خلقه، وطلق وجهه، ‏وصار عليه وقار الاسلام وسكينته وتخشّعه، وورع عن محارم الله، واجتنب مساخطه، ورزقه الله مودّة النّاس ‏ومجاملتهم وترك مقاطعة النّاس والخصومات ولم يكن منها ولا من اهلها في شيء. وان العبد اذا كان الله خلقه في ‏الأصل - أصل الخلق- كافراً لم يمت حتى يحبّب اليه الشرّ ويقرّبه منه، فاذا حبّب اليه الشرّ وقربه منه ابتلي بالكبر ‏والجبريّة، فقسا قلبه، وساء خلقه، وغلظ وجهه، وظهر فحشه، وقلّ حياؤه، وكشف الله ستره، وركب المحارم فلم ينزع ‏عنها، وركب معاصي الله وابغض طاعته واهلها، فبعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر، سلوا الله العافية،‌ واطلبوها ‏اليه، ‌ولا حول ولا قوة الا بالله‎.‎
صبروا النفس على البلاء في الدّنيا، فان تتابع البلاء فيها والشدة‌ في طاعة الله وولايته وولاية من امر بولايته خير ‏عاقبة عند الله في الاخرة من ملك الدّنيا، وان طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة عيشها في معصية الله وولاية من ‏نهى الله عن ولايته وطاعته، فان الله امر بولاية الائمة الذين سماهم في كتابه في قوله "وجعلناهم ائمة يهدون بأمرنا" ‏وهم الذين امر الله بولايتهم وطاعتهم، والذين نهى الله عن ولايتهم وطاعتهم وهم ائمة الضلال الذين قضى الله لهم ان ‏يكون لهم دول في الدّنيا على اولياء الله الائمة من آل مُحمّد صلّى الله عليه وآله يعملون في دولتهم بمعصية الله ‏ومعصية رسول الله صلّى الله عليه وآله ليحق عليهم كلمة العذاب، وليتم امر الله فيهم الذي خلقهم له في الأصل اصل ‏الخلق من الكفر الذي سبق في علم الله ان يخلقهم له في الأصل، ومن الذين سماهم الله في كتابه في قوله "وجعلناهم ‏ائمة يدعون الى النار" فتدبروا هذا واعقلوه، ولا تجهلوه، فان من جهل هذا واشباهه مما افترض الله عليه في كتابه ‏مما امر به ونهى عنه ترك دين الله وركب معاصيه، فاستوجب سخط الله، فاكبه الله على وجهه في النار‎.‎
وقال: ايتها العصابة المرحومة المفلحة، ان الله تعالى اتم لكم ما آتاكم من الخير، واعلموا انه ليس من علم الله ولا من ‏امره ان يأخذ احد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقائيس، قد انزل الله القُرآن وجعل فيه تبيان كل شيء ‏وجعل للقرآن وتعلم القُرآن اهلاً، لا يسع اهل علم القُرآن الذين آتاهم الله علمه ان يأخذوا فيه بهوى، ولا رأي ولا ‏مقائيس، اغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه، وخصهم به ووضعه عندهم، كرامة من الله تعالى اكرمهم بها، وهم ‏اهل الذكر الذين امر الله هذه الامة بسؤالهم، وهم الذين من سألهم - وقد سبق في علم الله ان يصدّقهم ويتّبع اثرهم- ‏ارشدوه، واعطوه من علم القُرآن ما يهتدي به الى الله باذنه والى جميع سبل الحق، وهم الذين لا يرغب عنهم وعن ‏علمهم الذي اكرمهم الله به وجعله عندهم الا من سبق عليه في علم الله الشقاء في اصل الخلق تحت الأضّللة، فأولئك ‏الذين يرغبون عن سؤال اهل الذكر والذين آتاهم الله تعالى علم القُرآن ووضعه عندهم وامر بسؤالهم، فاولئك الذين ‏يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقائيسهم حتى دخلهم الشيطان، لانهم جعلوا اهل الايمان في علم القُرآن عند الله كافرين، ‏وجعلوا اهل الضلالة في علم القُرآن عند الله مؤمنين، وحتى جعلوا ما احل الله في كثير من الامر حراماً، وجعلوا ما ‏حرم الله في كثير من الامر حلالاً. فذلك اصل ثمرة اهوائهم. وقد عهد اليهم رسول الله صلّى الله عليه وآله قبل موته، ‏فقالوا: نحن بعد ما قبض الله [تعالي] رسوله يسعنا ان نأخذ بما اجتمع عليه رأي النّاس بعد [ما] قبض الله تعالى ‏رسوله وبعد عهده الذي عهده الينا وامرنا به، مخالفة لله تعالى ولرسوله صلّى الله عليه وآله وسلم. فما احد اجرأ على ‏الله ولا ابين ضلالة ممن أخذ بذلك وزعم ان ذلك يسعه. والله ان لله على خلقه ان يطيعوه ويتبعوا امره في حياة مُحمّد ‏صلى‌ الله عليه وآله وسلم وبعد موته، هل يستطيع اولئك اعداء الله ان يزعموا ان احداً ممن اسلم مع مُحمّد صلّى الله ‏عليه وآله وسلم اخذ بقوله ورأيه ومقائيسه؟ فان قال: نعم، فقد كذب على الله وضل ضلالاً بعيداً، وان قال: لا لم يكن ‏لأحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقائيسه، فقد اقر بالحجة على نفسه، وهو ممن يزعم ان الله يطاع ويتبع امره بعد قبض الله ‏رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم وقد قال الله تعالى - وقوله الحق-: " وما مُحمّد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان ‏مات او قتل انقلبتم على ‌اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين"12‏‎.‎
وذلك ليعلموا ان الله تعالى يطاع ويتبع امره في حياة مُحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم وبعد قبض الله مُحمّد صلّى الله ‏عليه وآله وسلم، وكما لم يكن لأحد من النّاس مع مُحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم ان يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه ‏خلافاً لأمر مُحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم فكذلك لم يكن لأحد من النّاس من بعد مُحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم ان ‏يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه‎.‎
وقال: دعوا رفع ايديكم في الصّلاة الا مرة واحدة حين تفتتح الصّلاة فان النّاس قد شهروكم بذلك، والله المستعان، ولا ‏حول ولا قوة الا بالله‎.‎
وقال: اكثروا من ان تدعوا الله، فان الله يحب من عباده المؤمنين ان يدعوه، وقد وعد عباده المؤمنين بالاستجابة، والله ‏مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملاً يزيدهم به في الجنة‎.‎
فأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار، فان الله تعالى امر بكثرة الذكر له، والله ذاكر لمن ‏ذكره من المؤمنين. واعلموا ان الله لم يذكره احد من عباده المؤمنين الا ذكره بخير، فاعطوا الله من انفسكم الاجتهاد ‏في طاعته، فان الله لا يدرك شيء من الخير عنده الا بطاعته واجتناب محارمه التي حرم الله تعالى في ظاهر القُرآن ‏وباطنه، فان الله تعالى قال في كتابه - وقوله الحق-: "وذروا ظاهر الاثم وباطنه‎".‎
واعلموا ان ما ما امر الله ان تجتنبوه فقد حرمه، واتبعوا آثار رسول الله صلّى الله عليه وآله وسنته فخذوا بها، ولا ‏تتبعوا اهواء‌كم وآراءكم فتضلوا، فان اضلّ النّاس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من الله، واحسنوا الى انفسكم ‏ما استطعتم، فان احسنتم احسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها، وجاملوا النّاس ولا تحملوهم على رقابكم، تجمعوا مع ذلك ‏طاعة ربكم‎.‎
واياكم وسب اعداء الله حيث يسمعونكم فيسبوا الله عدواً بغير علم‎.‎
وقد ينبغي لكم ان تعلموا حد سبهم لله كيف هو، انه من سب اولياء الله فقد انتهك سب الله، ومن اظلم عند الله ممن ‏استسب لله ولأوليائه؟! فمهلاً مهلاً! فاتبعوا امر الله ولا قوة الا بالله‎.‎
وقال: ايتها العصابة الحافظ الله لهم امرهم، عليكم بآثار رسول الله صلّى الله عليه وآله وسنته وآثار الأئمة الهداة من ‏اهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله من بعده وسنتهم، فانه من اخذ بذلك فقد اهتدى، ومن ترك ذلك ورغب عنه ‏ضل، لأنهم هم الذين امر الله بطاعتهم وولايتهم‎.‎
وقد قال ابونا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: المداومة على العمل في اتباع الآثار والسنن وان قل ارضى لله ‏وانفع عنده في العاقبة‌ من الاجتهاد في البدع واتباع الأهواء. الا ان اتباع الاهواء واتباع البدع بغير هدى من الله ‏ضلال، وكل ضلال بدعة، وكل بدعة في النار. ولن ينال شيء من الخير عند الله الا بطاعته والصبر والرضا، لان ‏الصبر والرضا من طاعة الله. واعلموا انه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله في ما صنع الله اليه وصنع به ‏على ما احب وكره، ولن يصنع الله بمن صبر ورضي عن الله الا ما هو اهله، وهو خير له مما احب وكره. وعليكم ‏بالمحافظة على الصلوات والصلاة ‌الوسطى وقوموا لله قانتين، كما امر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم واياكم. ‏وعليكم بحب المساكين المسلمين، فانه من حقرهم وتكبر عليهم فقد زلّ عن دين الله، والله له حاقر وماقت، وقد قال ‏أبونا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم "امرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم". واعلموا انه من حقر أحداً من ‏المسلمين القى‌ الله عليه المحقرة، حتى يمقته النّاس والله [له] اشد مقتاً. فاتقوا الله في اخوانكم المسلمين المساكين منهم ‏فان لهم عليكم حقاً ان تحبوهم، فان الله امر نبيه صلّى الله عليه وآله وسلم بحبهم، فمن لم يحب من امر الله بحبه فقد ‏عصى الله ورسوله، ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات وهو من الغاوين‎.‎
واياكم والعظمة والكبر، فان الكبر رداء الله تعالى، فمن نازع الله رداءه قصمه الله واذله يوم القيامة. واياكم ان يبغي ‏بعضكم على بعض، فانها ليست من خصال الصالحين فانه من بغي صير الله بغيه على نفسه، وصارت نصرة الله لمن ‏بغي عليه، ومن نصره الله غلب،‌ واصاب الظفر من الله. واياكم ان يحسد بعضكم على بعض فان الكفر اصله الحسد‏‎.‎
واياكم وان تعينوا على ‌مسلم مظلوم، فيدعوا الله عليكم فيستجاب له فيكم فان ابانا رسول الله صلّى الله وعليه وآله وسلم ‏كان يقول: "ان دعوة المسلم المظلوم مستجابة". وليعن بعضكم بعضاً، فان ابانا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ‏كان يقول: "ان معونة المسلم خير واعظم اجراً‌من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام‎".‎
واياكم واعسار احد من اخوانكم من المؤمنين، ان تعسروه بالشيء يكون لكم قبله وهو معسر. فان ابانا رسول الله ‏صلّى الله عليه وآله وسلم كان يقول: "ليس لمسلم ان يعسر مسلماً، ومن انظر معسراً اظله الله يوم القيامة بظله يوم لا ‏ظل الا ظله‎".‎
واياكم - ايتها العصابة المرحومة‌ المفضلة على من سواها- وحبس حقوق الله قبلكم يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة، ‏فانه من عجل حقوق الله قبله كان الله اقدر على التعجيل له الى مضاعفة الخير في العاجل والاجل، وانه من آخر ‏حقوق الله قبله كان الله اقدر على تأخير رزقه، ومن حبس الله رزقه لم يقدر ان يرزق نفسه، فادوا الى الله حق ما ‏رزقكم يطيب لكم بقيته وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الأضعاف الكثيرة التي لا يعلم بعددها ولا بكنه فضلها ‏الا الله رب العالمين‎.‎
وقال: اتقوا الله ايتها العصابة، وان استطعتم ان لا يكون منكم محرج للامام، وان محرج الإمام هو الذي يسعى بأهل ‏الصلاح من اتباع الإمام، المسلمين لفضله، الصابرين على ‌اداء حقه، العارفين بحرمته‎. ‎
واعلموا ان من نزل بذلك المنزل عند الإمام فهو محرج الإمام، فاذا فعل ذلك عند الإمام احرج الإمام الى ان يلعن اهل ‏الصلاح من اتباعه، المسلمين لفضله، الصابرين على اداء حقه، العارفين بحرمته، فاذا لعنهم لاحراج اعداء الله الإمام ‏صارت لعنته رحمة من الله عليهم، وصارت اللعنة من الله و [من] الملائكة ورسوله على اولئك‎.‎
واعلموا - ايتها العصابة- ان السنة من الله قد جرت في الصالحين قبل‎.‎
وقال: من سره ان يلقي الله وهو مؤمن حقاً حقاً فليتول الله ورسوله والذين امنوا، وليبرأ الى الله من عدوهم، وليسلم لما ‏انتهى اليه من فضلهم لان فضلهم لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا من دون ذلك. الم تسمعوا ما ذكر الله من ‏فضل اتباع الائمة الهداة‌ وهم المؤمنون، قال: "فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء ‏والصالحين وحسن اولئك رفيقاً"فهذا وجه من وجوه فضل اتباع الأئمة، فكيف بهم وفضلهم، ومن سره ان يتم الله له ‏ايمانه حتى يكون مؤمناً حقاً حقاً فليف لله بشروطه التي اشترطها على المؤمنين، فانه قد اشترط مع ولايته وولاية ‏رسوله وولاية ائمة المؤمنين عليهم السّلام اقام الصّلاة، وايتاء الزكاة، واقراض الله قرضاً حسناً، واجتناب الفواحش ‏ما ظهر منها وما بطن، فلم يبق شيء مما فسر مما حرم الله الا وقد دخل في جملة قوله، فمن دان الله في ما بينه وبين ‏الله مخلصاً لله، ولم يرخص لنفسه في ترك شيء من هذا فهو عند الله في حزبه الغالبين وهو من المؤمنين حقاً. واياكم ‏والاصرار على شيء مما حرم الله في ظهر القُرآن وبطنه وقد قال الله: "ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون"الى ‏ههنا رواية القاسم بن الربيع‎.‎
يعني ان المؤمنين قبلكم اذا نسوا شيئاً مما اشترط الله في كتابه عرفوا انهم قد عصوا الله في تركهم ذلك الشيء، ‏فاستغفروا ولم يعودوا الى تركه، فذلك معنى قول الله تعالى "ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون‎".‎
واعلموا انه انما امر ونهى ليطاع في ما امر به، ولينتهي عما نهي عنه. فمن اتبع امره فقد اطاعه، وقد ادرك كل شيء ‏من الخير عنده، ومن لم ينته عما نهي الله عنه فقد عصاه، فان مات على معصيته اكبه الله على وجهه في النار‎.‎
واعلموا انه ليس بين الله وبين احد من خلقه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك من خلقه كلهم الا طاعتهم له، ‏فجدوا في طاعة الله ان سركم ان تكونوا مؤمنين حقاً حقاً، ولا قوة الا بالله‎.‎
وقال: عليكم بطاعة ربكم ما استطعتم، فان الله ربكم. واعلموا ان الاسلام هو التسليم، والتسليم هو الاسلام، فمن سلم ‏فقد اسلم، ومن لم يسلم فلا اسلام له، ومن سره ان يبلغ الى نفسه في الاحسان فليطع الله، فانه من اطاع الله فقد ابلغ الى ‏نفسه في الاحسان. واياكم ومعاصي الله ان تركبوها فانه من انتهك معاصي الله فركبها فقد ابلغ في الاساءة الى نفسه، ‏وليس بين الاحسان والاساءة منزلة، فلأهل الاحسان عند ربهم الجنة، ولأهل الاساءة عند ربهم النار، فاعملوا بطاعة‌ ‏الله واجتنبوا معاصيه. واعلموا انه ليس يغني عنكم من الله احد من خلقه شيئاً، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل ولا من ‏دون ذلك، فمن سره ان تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب الى الله ان يرضى عنه‎.‎
واعلموا ان احداً من خلق الله لم يصب رضا الله الا بطاعته وطاعة ‌رسوله وطاعة ولاة امره من آل مُحمّد صلّى الله ‏عليهم ومعصيتهم من معصية الله ولم ينكر لهم فضلاً عظم ولا صغر. واعلموا ان المنكرين هم المكذبون، وان ‏المكذبين هم المنافقون، وان الله تعالى قال للمنافقين - وقوله الحق-: "ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد ‏لهم نصيراً". ولا يفرقن احد منكم ألزم الله قلبه طاعته وخشيته من احد من النّاس اخرجه الله من صفة الحق ولم يجعله ‏من اهلها،‌فان من لم يجعله الله من اهل صفة الحق فاولئك هم شياطين الانس والجن، وان لشياطين الانس حيلاً ومكراً ‏وخدائع ووسوسة بعضهم الى بعض، يريدون ان استطاعوا ان يردوا اهل الحق عما اكرمهم الله به من النظر في دين ‏الله الذي لم يجعل الله شياطين الانس من اهله، إرادة ان يستوي اعداء الله واهل الحق في الشك والانكار والتكذيب ‏فيكونون سواء كما وصف الله في كتابه من قوله سبحانه "ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء". ثم نهى الله ‏اهل النصر بالحق ان يتخذوا من اعداء الله ولياً ولا نصيراً، فلا يهوّلنكم ولا يردنكم عن النصر بالحق الذي خصكم الله ‏به من حيلة شياطين الانس ومكرهم وحيلهم ووساوس بعضهم الى بعض، فان اعداء الله ان استطاعوا صدوكم عن ‏الحق، فيعصمكن الله من ذلك. فاتقوا الله وكفو السنتكم الا من خير، واياكم ان تذلقوا السنتكم بقول الزور والبهتان، ‏والاثم والعدوان، فانكم ان كففتم السنتكم عما يكره الله عما نهاكم عنه كان خيراً لكم عند ربكم من ان تذلقوا السنتكم به، ‏فان ذلق اللسان في ما يكره الله وفي ما ينهى عنه‎.‎

كلامه عليه السلام في معرفة الله جلّ جلاله
كفى من كلامه عليه السّلام فيها أن نورد هذه الشذَرَات الآتية التي يدعو فيها إلى المعرفة، ويحثُّ عليها كاشفاً عن ‏جليل آثارها وعظيم لَذَّتِها‎.‎
فقال عليه السّلام: لَو يعلم النّاس ما في فَضلِ مَعرفةِ اللهِ عزَّ وجلَّ ما مَدُّوا أعينهم إلى ما متَّع الله به الأعداء من زَهرَة ‏هذه الحياة الدّنيا ونعيمها، وكانت دُنيَاهم أَقَلَّ عندهُم مِمَّا يَطؤُونَهُ بأرجُلِهِم، وَلَنعموا بمعرفة الله عزَّ وجلَّ، وتلذَّذُوا به ‏تَلَذُّذ من لم يَزَل في روضات الجنَّات مع أولياء الله‎.‎
إِن معرفة الله عزَّ وجلَّ أُنْسٌ مِن كُلِّ وَحشةٍ، وصَاحِبٌ مِن كُلِّ وِحدَة، وَنُورٌ من كُلِّ ظُلمة، وقوَّةٌ مِن كُلِّ ضَعف، وشِفَاءٌ ‏مِن كُلَّ سَقم‎.‎
ثم قال عليه السّلام: قَد كان قبلَكُم قومٌ يَقتلون ويَحرقون ويَنشرون بالمَنَاشير، وتَضيقُ عليهم الأرض بِرَحبِهَا، فما ‏يَردُّهُم عما عليه شيء مِمَّا هُم فيه، من غير ترة وتروا من فعل ذلك بِهم وَلا أَذى، بل ما نَقِمُوا منهم إِلا أن يُؤمنوا باللهِ ‏العزيزِ الحميد، فَاسْألوا درجاتهم، واصبِرُوا على نَوائِبِ دَهرِكُم، تُدرِكُوا سَعيَهُم‎.‎

بيان الإمام الصادق عليه السلام لعظمة الله تعالى
دخل أبو شاكر الديصاني - وهو زنديق ملحد - على الإمام الصّادق عليه السّلام وقال: يا جعفر بن مُحمّد دلِّني على ‏معبودي‎ !.‎
فقال له عليه السّلام: إجلس، فإذا غلام صغير في كفِّه بيضة، فقال عليه السّلام: ناولني يا غلام البيضة، فناوله إياها‎.‎
فقال عليه السّلام: يا ديصاني، هذا حصن مكنون، له جلد غليظ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق، وتحت الجلد الرقيق ‏ذهبة مايعة، وفضّة ذائبة، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضَّة الذائبة، ولا الفضَّة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة، فهي على ‏حالها، لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن إصلاحها، ولم يدخل فيها داخل مفسد فيخبر عن إفسادها‎.‎
لا يُدرى للذكر خلقت أم للأُنْثى، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس، أترى له مدبِّراً؟
فأطرق الديصاني مليّاً ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأنك إمام ‏وحجَّة من الله على خلقه، وأنا تائب إلى الله تعالى ممَّا كنت فيه‎.‎

وصاياه عليه السلام
ما أكثر الغالي من نصائحه والثمين من وصاياه، فإنّه عليه السّلام لم يترك نهجاً للنصح إِلاّ سلكه، ولا باباً للإرشاد إِلاّ ‏ولَجه، وفي هذا المضمار نذكر بعض وصاياه عليه السّلام‎.‎
‏1ـ قال عليه السّلام: مَن أُعطِيَ ثَلاثاً لم يُمنَع ثلاثاً، مَن أُعطِيَ الدعاءَ أُعطِيَ الإِجَابة، ومَن أُعطِيَ الشكرَ أُعطِيَ ‏الزيادة، ومَن أُعطِيَ التوكُّلَ أُعطِيَ الكفاية‎.‎
ثمّ قال عليه السّلام: أَتَلَوْتَ كتاب الله عزَّ وجلَّ: ادْعُونِي أَستَجِبْ لَكُمْ، وقال: وَلَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيْدَنَّكُمْ، وقال: وَمَنْ يَتَوَكَّلُ ‏عَلى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ‎.‎
‏2ـ قال عليه السّلام: إِذَا أرادَ أحدُكُم ألاَّ يَسأَل اللهَ شيئاً إِلا أَعطَاهُ فَلْيَيأَس مِن النّاس كُلِّهِم، وَلا يَكُون لَهُ رجاءً إِلاّ عِند الله، ‏فَإِذا عَلِمَ اللهُ عزَّ وجلَّ ذلك مِن قَلبِهِ لم يَسأل اللهَ شيئاً إِلاّ أَعطَاهُ‎.‎
‏3ـ قال عليه السّلام: اِسمَعوا مِنِّي كَلاماً هُوَ خَير مِن الدُهم المُوَقَّفة، لا يتكلّمُ أَحَدُكم بِمَا لا يَعنِيه، وَلْيَدَع كَثيراً مِن الكلامِ ‏فِيما يَعنِيه، حَتّى يَجِدَ له موضعاً، فَرُبَّ مُتكلِّمٍ في غير موضِعِه جَنَى على نفسِه بكلامه، ولا يُمارِيَنَّ أحدكم سَفيهاً ولا ‏حليماً، فإنَّ مَن مَارَى حَليماً أقصَاه، ومَن مَارَى سَفِيهاً أرداه، واذكُروا أخَاكم إِذَا غاب عنكم بِأَحسَنِ مَا تُحبُّونَ أن ‏تُذكروا بِهِ إِذا غِبتُم، واعمَلُوا عمل من يَعلمُ أَنَّه مُجازَى بِالإِحسَان‎.‎
‏4ـ قال عليه السّلام: إِذا خَالطتَ النّاس فَإنِ استطعتَ ألاَّ تُخالطَ أحداً مِنهُم إِلاَّ كَانت يَدَك العُليَا عليه فافعل، فإنَّ العبدَ ‏يكون فيه بعضُ التقصيرِ مِن العِبادة، وَيَكون له حُسن الخُلق، فَيُبلِغُهُ اللهُ بِخُلقهِ درجةَ الصائمِ القائم‎.‎
‏5ـ قال عليه السّلام للمفضَّل بن عمر الجعفي: أوصيك بِسِتِّ خِصالٍ تُبَلِّغُهُنَّ شيعتي.قال: وما هي يا سيّدي؟
فقال عليه السّلام: أَداءُ الأمانةِ إِلَى من ائْتَمَنَكَ، وَأَن تَرضى لأَخِيكَ مَا تَرضَى لِنَفسِكَ، واعلَم أنَّ للأُمُور أَوَاخِر، فَاحذَرِ ‏العَواقِبَ، وأنَّ للأُمُور بَغتَاتٌ، فَكُن عَلَى حَذَرٍ، وَإِيَّاكَ وَمُرتَقَى جَبَلٍ سَهلٍ إِذا كَانَ المُنحَدَرُ وَعراً، وَلا تَعِدنَّ أخَاكَ وَعداً ‏ليس في يَدِك وَفَاؤُهُ‎.‎
‏6ـ قال عليه السّلام: لا تَمزحْ فيذهبُ نُورُك، ولا تَكذِب فَيذهبُ بَهاؤُك، وَإِيَّاك وخِصلتين: الضَّجَر، والكَسَل، فإنَّك إِن ‏ضجرتَ لا تَصبِرُ على حَقٍّ، وَإِن كَسلتَ لم تُؤَدِّ حَقاً‎.‎
‏7ـ قال عليه السّلام: وَكان المَسيحُ عليه السّلام يقولُ: مَن كَثُرَ هَمُّه سَقم بَدنُه، ومَن سَاء خُلقه عذَّب نفسَه، وَمَن كَثُر ‏كلامه كَثُر سقطه، وَمَن كَثُر كَذِبُهُ ذهبَ بهاؤه، وَمَن لاحَى الرِّجَال ذَهبَتْ مرُوَّتُه‎.‎
‏8ـ قال عليه السّلام: تَزَاوَرُوا، فإنَّ في زيارَتِكُم إِحياءً لِقُلوبِكُم، وَذِكراً لأحَادِيثِنَا، وأحاديثُنا تعطفُ بعضَكم عَلى بعضٍ، ‏فإن أَخذتُم بِها رُشِدتُم وَنَجَوتُم، وإِن تَرَكتُمُوهَا ظَلَلتُم وهَلَكتُم، فَخُذُوا بِها وأنَا بِنَجَاتِكُم زَعِيم‎.‎ ‏9ـ قال عليه السّلام: اِجعَلُوا أمرَكُم هذا للهِ ولا تجعلوهُ للنَّاس، فإنَّه ما كان لله فَهُوَ لله، وَما كان للنَّاس فَلا يَصعدُ إِلَى ‏السّماء، ولا تخاصمُوا بِدِينِكُم، فإنّ المُخَاصَمَة مُمرضَةٌ للقلب، إِنَّ الله عزَّ وجلَّ قال لنبيِّه صلّى الله عليه وآله: إِنَّكَ لا ‏تَهدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهدِي مَنْ يَشَاءُ، وقال: أَفَأَنْتَ تُكرِهُ النّاس حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ‎.‎
ذَرُوا النّاس فإنّ النّاس قد أخذوا عن النّاس، وإِنّكم أخذتُم عن رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وَعَن عليّ عليه السّلام وَلا ‏سَوَاء، وَأنِّي سمعتُ أبي يقولُ: إذا كَتبَ الله عَلى عبدٍ أن يُدخلَهُ في هذا الأمرِ كَان أسرعُ إِليه مِن الطيرِ إِلى وَكْرِهِ‎.‎
‏10ـ قال عليه السّلام: اِصبِرُوا على الدّنيا فإنَّما هيَ سَاعةٌ، فما مضى منها فلا تجد له ألماً ولا سُروراً، وما لم يجئ فلا ‏تدري مَا هُو، وَإِنّما هي ساعتُك التي أنت فِيها، فَاصبِر فِيها على طَاعة اللهِ، واصبِر فيها عن معصيةِ الله‎.‎
‏11ـ قال عليه السّلام: اِجعل قَلبَكَ قريباً بِرّاً، وولداً مواصلاً، واجعلْ عَمَلَك والداً تتبعُهُ، واجعلْ نفسك عَدوّاً تُجَاهِدُهُ، ‏واجعل مَالَكَ عَارِيةٌ تَرُدُّهَا‎.‎
‏12ـ قال عليه السّلام: إِن قَدرتَ ألا تُعرَف فَافعل، ما عليك ألا يُثنِي عليك النّاس، وما عليك أن تكون مَذمُوماً عند ‏النّاس إذا كُنتَ مَحمُوداً عِندَ الله‎.‎
‏13ـ قال عليه السّلام: الدعاء يردُّ القَضَاء ما أُبرِمَ إِبرَاماً، فَأَكثِرْ مِن الدعاء فإنّه مفتاحُ كلِّ رَحمة، وَنجاحُ كلِّ حاجة، ‏ولا يُنَالُ ما عند الله عزَّ وجلَّ إِلاّ بالدعاء، وأنَّه ليس باباً يكثرُ قرعه إِلاّ ويوشَكُ أن يُفتحَ لصاحِبِه‎.‎
‏14ـ قال عليه السّلام: لا تَطعنوا في عيوبِ مَن أقبلَ إِليكم بمودَّته، ولا تُوقفُوه على سَيِّئَة يخضع لها، فإنَّها لَيست مِن ‏أخلاقِ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وَلا مِن أخلاق أوليائه‎.‎
‏15ـ قال عليه السّلام: أَحسِنُوا النَّظر فيما لا يَسَعُكُم جَهلُه، وانصحُوا لأنفُسِكُم، وجاهدوا في طلب ما لا عُذر لكم في ‏جَهلِه، فإنَّ لِدِينِ الله أركاناً لا تنفعُ من جَهِلَهَا شدَّة اجتهاده في طلب ظَاهرِ عِبَادتِهِ، ولا يَضرُّ من عرفها فَدَانَ بها حُسن ‏اقتِصَاده، ولا سبيلَ إلى أحدٍ إلى ذلك إِلاّ بِعَوْنٍ مِنَ الله عزَّ وجلَّ‏‎.‎
‏16ـ قال عليه السّلام: إِيَّاكم وعِشرة الملوك وأبناءِ الدّنيا، فَفِي ذلكَ ذِهابُ دِينِكم، وَيُعقِّبُكُم نِفَاقاً، وذلك دَاء رَدِيٌّ لا شِفَاءَ ‏له، وَيُورثُ قَسَاوَة القلبِ، وَيسلبكم الخُشُوع‎.‎
وعليكم بالإشكال من النّاس والأوساط من النّاس، فَعِندهُم تَجِدُون مَعَادنَ الجواهر، وَإِيَّاكُم أن تمدُّوا أطرافكم إِلَى ما في ‏أيدي أبناء الدّنيا، فَمَن مَدَّ طرفه إلى ذلك طَال حُزنُهُ، ولم يُشفِ غَيظَه، واستَصغَرَ نِعمَةَ الله عنده، فَيَقِلُّ شُكرُه لله، ‏وَانظُرْ إِلى مَن هُوَ دُونَكَ فَتَكونَ لأَِنْعُمِ الله شَاكراً، وَلِمَزِيدِهِ مُستَوجِباً، وَلِجُودِهِ سَاكناً‎.‎
‏17ـ قال عليه السّلام: إِذا هَمَمْتَ بشيءٍ من الخير فلا تُؤَخِّره، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ رُبَّما اطَّلَعَ على العبد وهو على شيء ‏من الطاعة فيقول: وَعِزَّتِي وَجَلالِي لا أُعَذِّبُكَ بعدهَا أبداً‎.‎
وقال عليه السّلام أيضاً: وإذا هَمَمْتَ بِسيِّئَةٍ فَلا تعمَلها فَإِنَّهُ رُبَّمَا اطَّلعَ عَلى العبدِ وهو على شيءٍ من المَعصِية، فيقول: ‏وعِزَّتي وَجَلالِي لا أغفر لك بعدها أبداً‎.‎
‏18ـ قال عليه السّلام لابنه الإمام الكاظم عليه السّلام: يا بُني اِقبل وصيَّتي، واحفظ مقالتي، فإنّك إِن حفظتها تعِش ‏سعيداً، وتمُت حميداً، يا بُني إِنَّ من قنعَ استغنى، ومن مدَّ عينيه إِلى ما في يد غيره مات فقيراً، ومن لم يرضَ بما قسمَه ‏الله لهُ اتَّهم الله في قضائه، ومَن استصغر زلّة نفسه استكبر زلّة غيره‎.‎
يا بُني من كشف حِجاب غيره انكشف عورته، ومن سلَّ سيف البغي قُتل به، ومن احتفر لأخيه بئراً سقط فيها، ومن ‏داخَل السُفهاء حُقّر، ومن خالط العُلماء وُقّر، ومن دخلَ مداخِل السوء اتُّهم، يا بُني قُل الحقّ لك أو عليك، وإِيّاك ‏والنميمة فإنَّها تزرع الشحناء في قُلوب الرجال‎.‎
يا بُني إِذا طلبت الجُود فعليكَ بمعادنه، فإنّ للجود معادِن، وللمعادِن أُصولاً، وللأُصول فروعاً، وللفروع ثمراً، ولا ‏يطيبُ ثمر إِلاّ بفرع، ولا أصل ثابت إِلاّ بمعدن طيّب، يا بُني إِذا زرت فزُر الأخيار، ولا تزُر الأشرار، فإنَّهم صخرة ‏صمّاء لا ينفجر ماؤها، وشجرة لا يخضّر ورقها، وأرض لا يظهر عشبها‎.‎

شهادته عليه السلام
ان المكانة التي كانت للصادق عليه السّلام، علما وإمامة، جعلته ـ كآبائه وأهل بيته عامة ـ عرضة للحسد والعداوات ‏بل وللخوف من قبل الخلفاء والحكام بصورة عامة؛ وقد تحمل الإمام الصّادق عليه السّلام بخاصة من بعض معاصريه ‏ومن مدعي الإمامة ومدعي العلم والفضل في زمانه، أذايا وبلايا كثيرة، ولاسيما من بعض أرحامه وأقاربه وفيهم ‏اخوة وأبناء عم وأنسباء‎.‎
ولكن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور الدوانيقي، كان اشدهم في تطلب فرصة للبطش بالإمام والبحث عن ذريعة ‏لقتله، حتى أنه أشخصه أربع مرات من مدينة جده عليه السّلام، إلى الكوفة ليقتله، فكانت تظهر من الإمام آيات ‏ومعجزات تمنعه عن الاقدام على جريمته، إلى أن بعث إلى الإمام عليه السّلام بسم أجبروه جبرا على شربه، فاستشهد ‏سلام الله عليه مظلوما بسم المنصور، وكان ذلك في المدينة في شهر شوال، على المشهور وقيل ايضا الاثنين منتصف ‏رجب من سنة ثمان وأربعين ومائة للهجرة، وله من العمر خمس وستون سنة، ودفن بجانب ابيه الباقر عليه السّلام، ‏وجده السّجاد، عم جده الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام في بقيع الغرقد في المدينة المنورة، فيا له من قبر ما أعظمه، ‏ويا لها من تربة ما أكرمها عند الله عز وجل، وقد حوت اربعا من الحجج المعصومين والخلفاء الراشدين، سلام الله ‏عليهم أجمعين‎.‎

زيارته عليه السلام
زيارة أئمة البقيع‎ ‎
أئمة البقيع عليهم السّلام هم: الإمام الحسن المجتبى والإمام زين العابدين والإمام مُحمّد الباقر والإمام جعفر الصّادق ‏عليهم السّلام إذا أردت زيارتهم فاعمل بما سبق من آداب الزيارة من الغسل والكون على الطهارة ولبس الثياب ‏الطاهرة النظيفة والتطيب والاستئذان للدخول ونحو ذلك وقل أيضاً‎:‎
يا مواليّ يا أبناء رسول الله عبدكم وابن أمتكم الذليل بين أيديكم والمضعف في علو قدركم والمعترف بحقكم جاءكم ‏مستجيراً بكم قاصداً إلى حرمكم متقرباً إلى مقامكم متوسلاً إلى الله تعالى بكم. أأدخل يا موالي أأدخل يا أولياء الله ‏أأدخل يا ملائكة الله المحدقين بهذا الحرم المقيمين بهذا المشهد‎.‎
وادخل بعد الخشوع والخضوع ورقة القلب وقدّم رجلك اليمنى وقل‎:‎
الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً والحمد لله الفرد الصمد الماجد الأحد المتفضل المنان ‏المتطوّل الحنان الذي منّ بطوله وسهل زيارة ساداتي بإحسانه ولم يجعلني عن زيارتهم ممنوعاً بل تطوّل ومنح‎.‎
ثم اقترب من قبورهم المقدسة واستقبلها واستدبر القبلة وقل‎:‎
السّلام عليكم أئمة الهدى السّلام عليكم أهل التقوى السّلام عليكم أيها الحجج على أهل الدّنيا السّلام عليكم أيها القوّام في ‏البرية بالقسط السّلام عليكم أهل الصفوة السّلام عليكم آل رسول الله السّلام عليكم أهل النجوى أشهد أنكم قد بلغتم ‏ونصحتم وصبرتم في ذات الله وكُذِّبتم وأُسيء إليكم فغفرتم وأشهد أنكم الأئمة الراشدون المهتدون وأن طاعتكم ‏مفروضةٌ وأن قولكم الصّدق وأنكم دعوتم فلم تُجابوا وأمرتم فلم تُطاعوا وأنكم دعائم الدّين وأركان الأرض لم تزالوا ‏بعين الله ينسخكم من أصلاب كل مطهرٍ وينقلكم من أرحام المطهرات لم تدنسكم الجاهلية الجهلاء ولم تشرك فيكم فتن ‏الأهواء طبتم وطاب منبتكم مَنّ بكم علينا ديان الدّين فجعلكم في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وجعل صلاتنا ‏عليكم رحمةً لنا وكفارةً لذنوبنا إذ اختاركم الله لنا وطيب خلقنا بما مَنّ علينا من ولايتكم وكنا عنده مسمّين بعلمكم ‏معترفين بتصديقنا إياكم وهذا مقام من أسرف وأخطأ واستكان وأقرّ بما جنى ورجا بمقامه الخلاص وأن يستنقذه بكم ‏مستنقذ الهلكى من الردى فكونوا لي شفعاء فقد وفدت إليكم إذ رغب عنكم أهل الدّنيا واتخذوا آيات الله هزواً واستكبروا ‏عنها يا من هو قائمٌ لا يسهو ودائمٌ لا يلهو ومحيطٌ بكل شيء لك المن بما وفقتني وعرّفتني بما أقمتني عليه إذ صد عنه ‏عبادك وجهلوا معرفته واستخفوا بحقه ومالوا إلى سواه فكانت المِنّة منك عليّ مع أقوامٍ خصصتهم بما خصصتني به ‏فلك الحمد إذ كنت عندك في مقامي هذا مذكوراً مكتوباً فلا تحرمني ما رجوت ولا تخيبني فيما دعوت بحرمة مُحمّد ‏وآله الطاهرين وصلى الله على مُحمّد وآل مُحمّد‎.‎
ثم ادع لنفسك بما تريد‎.‎
وقال الشيخ الطوسي رضي الله عنه في التهذيب: ثم صلِّ صلاة الزيارة ثمان ركعات، أي صلِّ لكل إمام ركعتين‎.‎

والحمد لله ربّ العالمين جعلنا الله تعالى من المُتمسكين بحبل الله المتين مُحمّد وآل مُحمّد صلوات الله عليهم أجمعين‎.‎‎ ‎

   

 

نسبه الشّريف
الإمام عليّ بن موسى بن جعفر بن مُحمّد بن عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام‎.‎

والدته عليه السّلام
لقد اختلفت أقوال الرّواة في اسم أمّه عليه السّلام، فقد قيل‎:‎
‎ ‎‏1‏‎ - ‎تكتم‎.‎
‎ ‎‏2‏‎ - ‎الخيزران‎.‎
‎ ‎‏3‏‎ - ‎أروى‎.‎
‎ ‎‏4‏‎ - ‎نجمة‎.‎
‎ ‎‏5‏‎ - ‎أم البنين‎.‎


وكانت أم الإمام من العابدات، ومن مظاهر عبادتها أنّها لما ولدت الإمام الرّضا عليه السّلام، قالت: اعينوني ‏بمرضعة، فقيل لها: أنقص الدّر؟ قالت: ما أكذب: ما نقص الدّر، ولكن عليّ ورد من صلاتي وتسبيحي. أرأيتم هذه ‏النّفس الملائكيّة التي هامت بحب الله، وانقطعت إليه فقد طلبت أن يعاونوها على إرضاع ولدها؛ لأنّه يشغلها عن ‏أورادها من الصّلاة والتسبيح‎.‎

كيفية زواج الإمام الكاظم عليه السّلام بهذه السّيدة الجليلة
نقل الرّواة عدة أقوال في كيفية زواج الإمام الكاظم عليه السّلام بهذه السّيدة الجليلة، وإليك بعضها‎:‎
‏1‏‎ - ‎روي أنّ الإمام الكاظم عليه السّلام قال لأصحابه: والله ما اشتريت هذه الجارية إلاّ بأمر من الله ووحيه، وسئل عن ‏ذلك، فقال: بينما أنا نائم إذ أتاني جدّي وأبي، ومعهما قطعة حرير، فنشراها، فإذا قميص فيه صورة هذه الجارية، ‏فقالا: يا موسى ليكونن لك من هذه الجارية خير أهل الأرض بعدك، ثمّ أمرني أبي إذا ولد لي ولد أن أسميه عليّاً، ‏وقالا: إنّ الله عزوجل سيظهر به العدل والرحمة، طوبى لمن صدقه، وويل لمن عاداه وجحده‎.‎
‏2‏‎ - ‎روى هشام بن أحمد قال: أبو الحسن الأوّل - هو الإمام موسى - هل علمت أحداً من أهل المغرب قدم؟ قُلت: لا، ‏فقال عليه السّلام: بلى قد قدم رجل، فانطلق بنا إليه، فركب وركبنا معه، حتّى انتهينا إلى الرّجل، فإذا رجل من أهل ‏المغرب معه رقيق. فقال له: اعرض علينا، فعرض علينا تسع جوار، كُلّ ذلك يقول أبو الحسن: لا حاجة لي فيها، ثمّ ‏قال له: اعرض علينا، فقال: ما عندي شئ، فقال له: بلى اعرض علينا قال: لا والله ما عندي إلا جارية مريضة، فقال ‏له: ما عليك أن تعرضها، فأبى، ثمّ انصرف عليه السّلام، ثمّ أنّه أرسلني من الغد إليه، فقال لي: قُل له: كم غايتك فيها؟ ‏فإذا قال: كذا وكذا - يعني من المال - فقل: قد أخذتها، فأتيته، فقال له: ما أريد أن انقصها من كذا - وعين مبلغاً خاصّاً ‏‏- فقُلت: قد أخذتها، وهو لك، فقال: هي لك، ولكن من الرّجل الذي كان معك بالأمس؟ فقُلت: رجل من بني هاشم فقال: ‏من أي بني هاشم؟ فقُلت: من نقبائهم، فقال: أريد أكثر من هذا، فقُلت: ما عندي أكثر من هذا. فقال: اخبرك عن هذه، ‏اني اشتريتها من أقصى المغرب، فلقيتني أمرأة من أهل الكتاب، فقالت: من هذه الوصيفة معك؟ فقُلت: اشتريتها ‏لنفسي، فقالت: ما ينبغي أن تكون عند مثلك، إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلا ‏قليلا حتّى تلد منه غُلاماً يدين له شرق الأرض وغربها، قال: فاتيته بها، فلم تلبث عنده إلا قليلا حتّى ولدت له عليّاً‎.‎
‏3‏‎ - ‎إنّها كانت من أشراف العجم، وكانت مُلكاً للسّيدة حميدة، أم الإمام موسى عليه السّلام، وهي من أفضل النّساء في ‏عقلها، ودينها واعظامها لمولاتها السّيدة حميدة، حتّى إنّها ما جلست بين يديها من ملكتها إجلالاً، وإعظاماً لها، وقد ‏قالت حميدة لابنها الإمام موسى: يا بني إنّ تكتم جارية، ما رأيت جارية قط أفضل منها، ولست أشكّ أنّ الله تعالى ‏سيظهر نسلها، وقد وهبتها لك فاستوص بها خيراً‎.‎

تاريخ ولادته عليه السّلام
كانت ولادته عليه السّلام في الحادي عشر من ذي القعدة 148 هـ،‍ وهذا هو المشهور بين الرّواة، وهناك أقوال أخرى ‏في ولادته عليه السّلام. فقداختلف المؤرخون في السّنة التي ولد فيها الإمام الرّضا عليه السّلام وهذه بعض ما أثر ‏عنهم‎:‎
‏1‏‎ - ‎ولد سنة 148 ه‍ , وهذا هو المشهور بين الرّواة‎.‎
‏2‏‎ - ‎ولد سنة 147 هـ‏‎.‎
‏3‏‎ - ‎ولد سنة 150 هـ‏‎.
‏4‏‎ - ‎ولد سنة 151 ه‍ـ‏‎.‎
‏5‏‎ - ‎ولد سنة 153 هـ‍ , وهي السّنة التي توفي فيها جده عليه السّلام‎.‎
وقد اختلف المؤرخون أيضاً في الشهر الذي ولد فيه، وهذه بعض أقوالهم‎:‎
‏1‏‎ - ‎ولد يوم الخميس أو ليلة الخميس لأحد عشر ليلة خلت من ربيع الأوّل‎. ‎
‏2‏‎- ‎ولد في ذي القعدة في الحادي عشر منه يوم الخميس‎.‎
‏3‏‎ - ‎ولد في شوال في السّابع منه وقيل ثامنه، وقيل سادسه‎. ‎

ألقاب الإمام الرّضا عليه السّلام
لُقِّبَ الإمام الرّضا عليه السّلام بكوكبة من الألقاب الكريمة، وكُلّ لقب منها يرمز إلى صفة من صفاته الكريمة، وهذه ‏بعضها‎:‎
الأوّل: الرّضا: اختلف المؤرخون والرواة في الشّخص الذي أضفى على الإمام عليه السّلام هذا اللقب الرفيع، حتّى ‏غلب عليه، وصار اسماً يُعرف به‎.‎
وقد عَلَّلَ أحمد البزنطي السّبب الذي من أجله لُقِّب بـ الرّضا فقال: إنما سُمِّي عليه السّلام الرّضا، لأنه كانَ رِضَى لله ‏تَعَالى في سَمَائِه، وَرِضَى لِرسُوله والأئمة عليهم السّلام بعده في أرضه‎.‎
الثّاني: الصّابر: وإنما لُقِّب عليه السّلام بذلك لأنه صَبَر على المِحَن والخُطُوب التي تَلَقَّاهَا مِن خُصُومِهِ وأعدَائِه‎.‎
الثّالث: الزّكِي: لأنّ الإمام عليه السّلام قد كان من أزكياء البشر، ومن نبلائهم وأشرافهم‎.‎
الرّابع: الوفي: أما الوفاء فهو عنصر من عناصر الإمام عليه السّلام، وذاتي من ذاتياته، فقد كان عليه السّلام وَفِياً ‏لأُمَّتِه ووطَنِه‎.‎
الخامس: سراج الله: فَقد كَان الإمام عليه السّلام سِرَاجاً لله، يَهدِي الضالَّ وَيرشدُ الحَائِر‎.‎
السّادس: قُرَّة عينِ المُؤمنين: ومن ألقابه الكريمة إنّه عليه السّلام كان قُرَّة عينِ المؤمنين، فَقد كَان زَيناً وفخراً لهم‎.‎
السّابع: مكيدة المُلحدين: وإنما لُقِّب عليه السّلام بذلك لأنه أبطلَ شُبَه المُلحِدين وَفَنَّد أوهامَهُم، وذلك في مناظراته التي ‏أُقيمت في البلد العباسي، والتي أَثبتَ فيها أصالة القيم والمبادئ الإسلامية‎.‎
الثّامن: الصدِّيق: فقد كان عليه السّلام كـ يوسُفُ الصدِّيق الذي ملك مصر، فقد تَزعَّم جميع أنحاء العالم الإسلامي، ‏وكانت لَهُ الولاية المُطلَقة عليه‎.‎
التّاسع: الفاضل: فهو أفضل إنسانٍ وأكملُهُم في عصره، ولهذه الظّاهرة لُقِّبَ عليه السّلام بـ الفاضل‎. ‎

علم الإمام الرّضا عليه السّلام
إنّ الشّيء البارز في شخصية الإمام الرّضا عليه السّلام هو إحاطته التامة بجميع أنواع العلوم والمعارف‎.‎
فقد كان عليه السّلام - بإجماع المؤرخين والرواة - أعلمَ أهلِ زمانه، وأفضلَهُم، وأدراهُم بأحكام الدين، وعلوم ‏الفلسفة، والطب، وغيرها من سائر العلوم‎.‎
وقد تحدث أبو الصّلت الهروي عن سعة علومه عليه السّلام، وكان مُرافقاً له يقول: ما رأيت أعلم من عليّ بن موسى ‏الرّضا عليه السّلام، ما رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي‎.‎
وقد جمع المأمون في مجالس له عدداً من عُلماء الأديان، وفقهاء الشّريعة، والمُتكلمين، فَغَلَبَهُم عليه السّلام عن آخرهم، ‏حتّى ما بقي منهم أحد إلا أقرَّ له بالفضل، وأقرَّ له على نفسه بالقصور‎.‎
إذن، فإنّ الإمام الرّضا عليه السّلام كان أعلم أهل زمانه، كما كان المرجع الأعلى في العالم الإسلامي، الذي يرجع ‏إليه العُلماء والفقهاء فيما خفي عليهم من أحكام الشّريعة، والفروع الفُقهية‎.‎
ويقول إبراهيم بن العباس: ما رأيت الرّضا عليه السّلام يسأل عن شيء قَطّ إلا علم، ولا رأيت أعلم منه بما كان في ‏الزّمان الأوّل إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسّؤال عن كُلّ شيء، فيجيب عليه السّلام‎.‎
وقد دلت مناظراته عليه السّلام في خراسان والبصرة والكوفة، حيث سُئل عن أعقد المسائل، فأجاب عليه السّلام عنها ‏جواب العالم الخبير المتخصص‎.‎
وقد أذعنت له جميع عُلماء الدنيا - في عصره - وأقروا له بالفضل والتفوق عليهم‎.‎
وظاهرة أخرى له عليه السّلام وهي إحاطته الشاملة بجميع اللغات، ويَدلُّ على ذلك ما رواه أبو إسماعيل السّندي قال‏‎:‎
سمعت بالهند أن لله في العرب حجّة، فخرجت في طلبه، فَدُلِّلْتُ على الرّضا عليه السّلام‎.‎
فقصدته وأنا لا أحسن العربية، فَسَلَّمتُ عليه بالسّندية، فَردَّ عليّ بِلُغَتِي، فجعلت أُكلِّمه بالسّندية وهو يردُّ عليّ بها‎.‎
وقلت له: إنّي سمعت أنّ لله حجّة في العرب فخرجت في طلبه، فقال عليه السّلام: أنا هو‎.‎
ثمّ قال عليه السّلام لي: سَلْ عما أردته‎.‎
فسألته عن مسائل فأجابني عنها بِلُغَتِي، وقد أكد هذه الظّاهرة الكثيرون ممن اتصلوا بالإمام عليه السّلام‎.‎
يقول أبو الصّلت الهروي: كان الرّضا عليه السّلام يُكلّم النّاس بلغاتهم، فقُلت له: في ذلك فقال: يا أبا الصّلت أنا حجة ‏الله على خلقه، وما إن الله ليتخذ حجة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم، أَوَ مَا بلغَكَ قول أمير المؤمنين عليه السّلام: ‏أوتِينَا فَصلَ الخطاب، وهل هو إلا معرفته اللغات‎.‎
وقد أخبر الإمام الرّضا عليه السّلام عن كثير من الملاحم والأحداث قبل وقوعها، وتحققت بعد ذلك على الوجه الأكمل ‏الذي أخبر عليه السّلام به‎.‎
وهذا يؤكد - بصورة واضحة - أصالة ما تذهب إليه الشّيعة من أن الله تعالى قد منح أئمة أهل البيت عليهم السّلام ‏المزيد من الفضل والعلم، كما منح رُسله صلوات الله عليهم أجمعين، ومن بين ما أخبر عليه السّلام به ما يلي‎:‎
أوّلاً‎:‎
روى الحسن بن بشار، قال: قال الرّضا عليه السّلام: إنّ عبد الله - يعني المأمون - يقتل محمداً - يعني الأمين‎ -.‎
فقُلت له: عبد الله بن هارون يقتل مُحمّد بن هارون‎.‎
قال عليه السّلام: نعم، عبد الله الذي بخراسان يقتل مُحمّد بن زبيدة الذي هو ببغداد‎.‎
وكان يتمثل بهذا البيت‎:‎
وإن الضّغن بعد الضغن يفشو عليك ويخرج الدّاء الدَّفينا
ولم تمضِ الأيام حتّى قتل المأمون أخاه الأمين‎.‎
ثانياً‎:‎
ومن بين الأحداث التي أخبر عليه السّلام عنها: أنه لما خرج مُحمّد بن الإمام السّلام، قال عليه السّلام بِمَكَّة ودعا النّاس ‏إلى نفسه، وخلع بيعة المأمون، قصده الإمام الرّضا عليه السّلام‎.‎
فقال له: يا عَم، لا تُكَذِّب أباك، ولا أخاك - يعني الإمام الكاظم عليه السّلام - فإنّ هذا الأمر لا يتم‎.‎
ثمّ خرج ولم يلبث مُحمّد إلا قليلاً حتّى لاحقته جيوش المأمون بقيادة الجلودي، فانهزم مُحمّد ومن معه، ثمّ طلب الأمان، ‏فآمنه الجلودي‎.‎
ثمّ صعد المنبر وَخَلَع نفسه، وقال: إنّ هذا الأمر للمأمون وليس لي فيه حق‎.‎
ثالثاً‎:‎
روى الحُسين نجل الإمام الكاظم عليه السّلام، قال: كُنَّا حول أبي الحسن الرّضا عليه السّلام ونحن شبان من بني ‏هاشم، إذ مَرَّ علينا جعفر بن عمر العلوي وهو رَثُّ الهيئة، فنظر بعضنا إلى بعض وضحكنا من هيئته‎.‎
فقال الرّضا عليه السّلام: لَتَرَوُنَّهُ عن قريبٍ كثير المال، كثير التبَع‎.‎
فما مضى إلا شهر ونحوه حتّى وَلِيَ المدينة، وَحَسُنَتْ حَالُه‎.‎
رابعاً‎:‎
روى محول السجستاني قال: لما جاء البريد بأشخاص الإمام الرّضا عليه السّلام إلى خراسان، كنت أنا بالمدينة‎.‎
فدخل المسجد ليودع رسول الله صلّى الله عليه وآله، فودعهُ مِراراً، فكان يعلو صوته عليه السّلام بالبكاء والنحيب‎.‎
فتقدمت إليه وسلمت عليه، فَردَّ السّلام، وهَنَّأتُه فقال: ذَرْنِي، فإني أخرج من جوار جدّي فأموت في غربة، وأُدفن في ‏جنب هارون‎.‎
قال: فخرجت متبعاً طريقه، حتّى وافى خراسان فأقام فيها وقتاً ثمّ دفن بجنب هارون‎.‎

كرامات الإمام عليّ الرّضا عليه السّلام
يتميّز الأئمة عليهم السّلام بارتباطٍ خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب، بسبَبِ مقامِ العصمة والإمامة، ولَهُم - مثل الأنبياء - ‏معاجزٌ وكرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى، وكونَهم أئمّة‎.‎
وللإمام الرّضا عليه السّلام معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ، سجَّلَتْها كتبُ التّاريخ، ونذكر هنا بعضاً منها‎:‎

الكرامة الأولى: تسبيحه وتهليله عليه السّلام في بطن اُمّه
عن عليّ بن ميثم عن أبيه، قال: سمعت أبي يقول: سمعت نجمة أم الرّضا عليه السّلام تقول: لما حملت بابني الرّضا لم ‏أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتحميداً من بطني فيهولني، فإذا انتبهت لم أسمع، فلمّا ‏وضعته وقع على الأرض واضعاً يده على الأرض، رافعاً رأسه ويحرّك بشفتيه ويتكلّم‎.‎

الكرامة الثّانية: حكّه عليه السّلام الارض وإخراج الذهب منها
عن إبراهيم بن موسى القزّاز، قال: ألححت على الرّضا عليه السّلام في شيء طلبته منه، فخرج يستقبل بعض ‏الطالبيين، وجاء وقت الصّلاة فمال إلى قصر هناك، فنزل تحت شجرة بقرب القصر، وأنا معه وليس معنا ثالث، فقال: ‏أذّن، فقُلت: ننتظر يلحق بنا أصحابنا‎.‎
فقال: غفر الله لك، لا تؤخرن صلاة عن أوّل وقتها إلى آخر وقتها من غير علّة عليك أبداً بأوّل الوقت، فأذّنت وصلينا، ‏فقُلت: يا ابن رسول الله، قد طالت المدّة في العدة التي وعدتنيها، وأنا محتاج وأنت كثير الشّغل، لا أظفر بمسألتك كُلّ ‏وقت، قال: فحكّ بسوطه الأرض حكّاً شديداً، ثمّ ضرب بيده إلى موضع الحك، فأخرج سبيكة ذهب‎.‎
فقال: خذها إليك، بارك الله لك فيها، وانتفع بها، واكتم ما رأيت، قال: فبورك لي فيها حتّى اشتريت بخراسان ما كان ‏قيمته سبعين ألف دينار، فصرت أغنى النّاس من أمثالي هناك‎.‎

الكرامة الثّالثة: إلهامه عليه السّلام العربية للسندي
قال أبو إسماعيل السّندي: سمعت بالسّند أنّ لله في العرب حجّة، فخرجت منها في الطّلب، فدللت على الرّضا عليه ‏السّلام فقصدته، فدخلت عليه وأنا لا أحسن من العربية كلمة، فسلّمت بالسّندية، فرد عليّ بلغتي، فجعلت أكلّمه بالسندية ‏وهو يجيبني بالسّندية، فقُلت له: إنّي سمعت بالسّند أنّ لله حجّة في العرب، فخرجت في الطّلب، فقال بلغتي: نعم أنا هو، ‏ثمّ قال: فسل عمّا تريد‎.‎
فسألته عمّا أردته، فلمّا أردت القيام من عنده، قُلت: إنّي لا أحسن من العربية شيئاً، فادع الله أن يلهمنيها، لأتكلم بها مع ‏أهلها، فمسح يده على شفتي، فتكلّمت بالعربية من وقتي‎.‎

الكرامة الرّابعة: إنباعه عليه السّلام للماء من القبر
عن أبي الصّلت الهروي ـ كان خادماً للإمام الرّضا عليه السّلام ـ قال: أصبح الرّضا عليه السّلام يوماً، فقال لي: أدخل ‏هذه القبّة التي فيها هارون، فجئني بقبضة تراب من عند بابها، وقبضة من يمنتها، وقبضة من يسرتها، وقبضة من ‏صدرها، وليكُن كُلّ تراب منها على حدته، فصرت إليها فأتيته بذلك، وجعلته بين يديه على منديل، فضرب بيده إلى ‏تربة الباب، فقال: هذا من عند الباب؟ قُلت: نعم‎.‎
قال:غداً تحفر لي في هذا الموضع، فتخرج صخرة لا حيلة فيها، ثمّ قذف به، وأخذ تراب اليمنة، وقال: هذا من يمنتها؟ ‏قُلت: نعم، قال: ثمّ تحفر لي في هذا الموضع، فتظهر نبكة لا حيلة فيها، ثمّ قذف به، وأخذ تراب اليسرة، وقال: ثمّ تحفر ‏لي في هذا الموضع، فتخرج نبكة مثل الأولى، وقذف به‎.‎
وأخذ تراب الصدر، فقال: وهذا تراب من الصدر، ثمّ تحفر لي في هذا الموضع، فيستمر الحفر إلى أن يتم، فإذا فرغ ‏من الحفر فضع يدك على أسفل القبر، وتكلّم بهذه الكلمات...، فإنّه سينبع الماء حتّى يمتلئ القبر، فتظهر فيه سميكات ‏صغار، فإذا رأيتها، ففتت لها كسرة، فإذا أكلتها خرجت حوتة كبيرة، فابتلعت تلك السميكات كلّها، ثمّ تغيب، فإذا غابت ‏فضع يدك على الماء، وأعد الكلمات، فإنّ الماء ينضب كلّه، وسل المأمون عنّي أن يحضر وقت الحفر، فإنّه سيفعل ‏ليشاهد هذا كلّه‎.‎
ثمّ قال عليه السّلام: الساعة يجئ رسوله فاتبعني، فإنّ قمت من عنده مكشوف الرأس فكلّمني بما تشاء، وإن قمت من ‏عنده مغطّى الرأس فلا تكلّمني بشيء، قال: فوافاه رسول المأمون، فلبس الرّضا عليه السّلام ثيابه وخرج وتبعته، فلمّا ‏دخل إلى المأمون وثب إليه، فقبّل بين عينيه، وأجلسه معه على مقعده، وبين يديه طبق صغير فيه عنب، فأخذ عنقوداً ‏قد أكل نصفه، ونصفه باق، وقد كان شربه بالسم، وقال للرضا عليه السّلام: حمل إليّ هذا العنقود فاستطبته، فأكلت ‏منه، وتنغصّت به أن لا تأكل منه، فأسألك أن تأكل منه‎.‎
قال: أو تعفيني من ذلك؟، قال: لا والله، فإنّك تسرنّي بما تأكل منه، قال: فاستعفاه ثلاث مرّات، وهو يسأله بمحمّد ‏وعلي أن يأكل منه، فأخذ منه ثلاث حبّات فأكلها، وغطّى رأسه ونهض من عنده، فتبعته ولم أكلّمه بشيء حتّى دخل ‏منزله، فأشار إليّ أن أغلق الباب فأغلقته، وصار إلى مقعد له فنام عليه، وصرت أنا في وسط الدار، فإذا غلام عليه ‏وفرة ظننته ابن الرّضا عليه السّلام، ولم أكن قد رأيته قبل ذلك، فقُلت: يا سيدي الباب مغلق فمن أين دخلت؟
فقال: لا تسأل عمّا لا تحتاج إليه، وقصد إلى الرّضا عليه السّلام، فلمّا بصر به الرّضا عليه السّلام وثب إليه، وضمّه ‏إلى صدره، وجلسا جميعاً على المقعد، ومد الرّضا عليه السّلام الرداء عليهما، فتناجيا طويلاً بما لم أعلمه‎.‎
ثمّ امتد الرّضا عليه السّلام على المقعد، وغطّاه مُحمّد بالرداء، وصار إلى وسط الدار، فقال: يا أبا الصّلت، قُلت: لبيك ‏يا ابن رسول الله، قال: أعظم الله أجرك في الرّضا، فقد مضى، فبكيت قال: لا تبك هات المغتسل والماء لنأخذ في ‏جهازه، فقُلت: يا مولاي الماء حاضر، ولكن ليس في الدار مغتسل إلاّ أن يحضر من خارج الدار، فقال: بل هو في ‏الخزانة، فدخلتها فوجدت فيها مغتسلاً لم أره قبل ذلك، فأتيته به وبالماء‎.‎
ثمّ قال: تعال حتّى نحمل الرّضا عليه السّلام، فحملناه على المغتسل، ثمّ قال: اغرب عنّي، فغسّله هو وحده، ثمّ قال: ‏هات أكفانه والحنوط، قُلت: لم نعد له كفناً، فقال: ذلك في الخزانة، فدخلتها فرأيت في وسطها أكفاناً وحنوطاً لم أره قبل ‏ذلك، فأتيته به فكفّنه وحنّطه‎. ‎
ثمّ قال لي: هات التابوت من الخزانة، فاستحييت منه أن أقول: ما عندنا تابوت، فدخلت الخزانة، فوجدت فيها تابوتاً لم ‏أره قبل ذلك، فأتيته به فجعله فيه، فقال: تعال حتّى نصلّي عليه، وصلّى بي وغربت الشمس، وكان وقت صلاة ‏المغرب، فصلّى بي المغرب والعشاء، وجلسنا نتحدّث، فانفتح السقف، ورفع التابوت‎.‎
فقُلت: يا مولاي ليطالبني المأمون به فما تكون حيلتي؟ قال: لا عليك فإنّه سيعود إلى موضعه، فما من نبي يموت في ‏مغرب الأرض، ولا يموت وصي من أوصيائه في مشرقها إلاّ جمع الله بينهما قبل أن يدفن، فلمّا مضى من الليل ‏نصفه أو أكثر، إذا التابوت قد رجع من السقف حتّى استقر مكانه، فلمّا صلّينا الفجر قال لي: افتح باب الدار، فإنّ هذا ‏الطاغية يجيئك الساعة، فعرّفه أنّ الرّضا عليه السّلام قد فرغ من جهازه‎.‎
قال: فمضيت نحو الباب، فالتفت فلم أره، فلم يدخل من باب، ولم يخرج من باب، قال: وإذا المأمون قد وافى، فلمّا ‏رآني قال: ما فعل الرّضا؟ قُلت: أعظم الله أجرك في الرّضا، فنزل وخرق ثيابه وسفى التراب على رأسه، وبكى ‏طويلاً، ثمّ قال: خذوا في جهازه، قُلت: قد فرغ منه، قال: ومن فعل به ذلك؟ قُلت: غلام وافاه لم أعرفه، إلاّ أنّي ظننته ‏ابن الرّضا‎.‎
قال: فاحفروا له في القبّة، قُلت: فإنّه يسألك أن تحضر موضع الحفرة، قال: نعم أحضروا كرسياً فجلس عليه، وأمر أن ‏يحفر له عند الباب، فخرجت الصخرة، فأمر بالحفر في يمنة القبّة، فخرجت النبكة، ثمّ أمر بذلك في يسرتها، فظهرت ‏النبكة الأخرى، فأمر بالحفر في الصدر، فاستمر الحفر، فلمّا فرغ منه وضعت يدي على أسفل القبر، وتكلّمت ‏بالكلمات، فنبع الماء وظهرت السميكات، ففتتت لها كسرة خبز فأكلتها، ثمّ ظهرت السمكة الكبيرة فابتلعتها كلّها ‏وغابت، فوضعت يدي على الماء وأعدت الكلمات، فنضب الماء كلّه، وانتزعت الكلمات من صدري من ساعتي، فلم ‏أذكر منها حرفاً واحداً‏‎.‎
فقال المأمون: يا أبا الصّلت الرّضا أمرك بهذا؟ قُلت: نعم، قال: فما زال الرّضا يرينا العجائب في حياته، ثمّ أراناها بعد ‏وفاته، فقال للوزير: ما هذا؟ قال: ألهمت أنّه ضرب لكم مثلاً بأنّكم تتمتّعون في الدنيا قليلاً مثل هذه السميكات، ثمّ ‏يخرج واحد منهم فيهلككم‎.‎
فلمّا دفن عليه السّلام قاللي المأمون: علّمني الكلمات؟ قُلت: والله انتزعت من قلبي فما أذكر منها حرفاً، وبالله لقد ‏صدّقته فلم يصدّقني، وتوعدني بالقتل إن لم أعلمه إياها، وأمر بي إلى الحبس، فكان في كُلّ يوم يدعوني إلى القتل، أو ‏تعليمه ذلك، فأحلف له مرّة بعد أخرى كذلك سنة، فضاق صدري فقمت ليلة جمعة فاغتسلت وأحييتها راكعاً وساجداً ‏وباكياً ومتضرّعاً إلى الله في خلاصي، فلمّا صليت الفجر إذا أبو جعفر بن الرّضا عليه السّلام قد دخل إليّ‎.‎
وقال: يا أبا الصّلت ضاق صدرك؟ قُلت: إي والله يا مولاي، قال: أمّا لو فعلت قبل هذا ما فعلته الليلة، لكان الله قد ‏خلّصك كما يخلّصك الساعة، ثمّ قال: قم، فقُلت: إلى أين؟ والحرّاس على باب السجن، والمشاعل بين أيديهم؟ قال: قم، ‏فإنّهم لا يرونك، ولا تلتقي معهم بعد يومك هذا، فأخذ بيدي وأخرجني من بينهم، وهم قعود يتحدّثون، والمشاعل بين ‏أيديهم فلم يرونا، فلمّا صرنا خارج السجن‎.‎
قال: أي البلاد تريد؟ قُلت: منزلي بهراة، قال: أرخ رداءك على وجهك، وأخذ بيدي، فظننته حوّلني عن يمنته إلى ‏يسرته، ثمّ قال لي: اكشف وجهك، فكشفته، فلم أره، فإذا أنا على باب منزلي فدخلته، فلم ألتق مع المأمون، ولا مع أحد ‏من أصحابه إلى هذه الغاية‎.‎

الكرامة الخامسة: تنبئه عليه السّلام بنزول المطر
روى أبو عبد الله البرقي عن الحسن بن موسى بن جعفر، قال: خرجنا مع أبي الحسن عليه السّلام إلى بعض أمواله في ‏يوم لا سحاب فيه، فلمّا برزنا قال: حملتم معكم المماطر؟ قلنا: وما حاجتنا إلى المماطر؟ وليس سحاب، ولا نتخوّف ‏المطر، قال: لكنّي قد حملته، وستمطرون‎.‎
قال: فما مضينا إلاّ يسيراً حتّى ارتفعت سحابة، ومطرنا حتّى أهمتنا أنفسنا، فما بقي منّا أحد إلاّ ابتل غيره‎.‎

الكرامة السّادسة: علمه عليه السّلام بما في داخل النفوس
عن الحسن بن عليّ بن يحيى، قال: زوّدتني جارية لي ثوبين ملحمين، وسألتني أن أحرم فيهما، فأمرت الغلام ‏فوضعهما في العيبة، فلمّا انتهيت إلى الوقت الذي ينبغي أن أحرم فيه دعوت بالثوبين لألبسهما، ثمّ اختلج في صدري، ‏فقُلت: ما أظنّه ينبغي أن أحرم فيهما، فتركتهما ولبست غيرهما‎.‎
فلمّا صرت بمكّة، كتبت كتاباً إلى أبي الحسن الرّضا عليه السّلام، وبعثت إليه بأشياء كانت معي، ونسيت أن أكتب إليه ‏أسأله عن المحرم هل يلبس الملحم؟ فلم ألبث أن جاءني الجواب بكل ما سألته عنه، وفي أسفل الكتاب: لا بأس بالملحم ‏أن يلبسه المحرم‎.‎

الكرامة السّابعة: علمه عليه السّلام بما سيكون
قال عليّ بن الحُسين بن يحيى: كان لنا أخ يرى رأي الإرجاء، يقال له: عبد الله، وكان يطعن علينا، فكتبت إلى أبي ‏الحسن عليه السّلام أشكو إليه، وأسأله الدعاء، فكتب إليّ: سترى حاله إلى ما تحب، وأنّه لن يموت إلاّ على دين الله، ‏وسيولد له من أم ولد له فلانة غلام‎.‎
قال عليّ بن الحُسين بن يحيى: فما مكثنا إلاّ أقل من سنة حتّى رجع إلى الحق، فهو اليوم خير أهل بيتي، وولد له بعد ‏كتاب أبي الحسن من أم ولده تلك غلام‎.‎

الكرامة الثّامنة: علمه عليه السّلام بمنطق الطير
قال سليمان بن جعفر الجعفري: كنت مع الرّضا عليه السّلام في حائط له، وأنا أحدّثه إذ جاء عصفور فوقع بين يديه، ‏وأخذ يصيح ويكثر الصياح ويضطرب، فقال لي: تدري ما يقول هذا العصفور؟ قُلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم‎.‎
قال: قال إنّ حيّة تريد أن تأكل فراخي في البيت، فقم فخذ تلك النسعة، وادخل البيت، واقتل الحيّة، قال: فقمت وأخذت ‏النسعة، فدخلت البيت، وإذا حيّة تجول في البيت، فقتلتها‎.‎

الكرامة التّاسعة: علمه عليه السّلام بالغيب
قال الحسن بن عليّ بن فضّال: إنّ عبد الله بن المغيرة، قال: كنت واقفياً، وحججت على تلك الحالة، فخلج في صدري ‏بمكّة شيء، فتعلّقت بالملتزم، ثمّ قُلت: اللهم قد علمت طلبتي وإرادتي، فأرشدني إلى خير الأديان، فوقع في نفسي أن ‏آتي الرّضا عليه السّلام، فأتيت المدينة، فوقفت ببابه، فقُلت للغلام: قُل لمولاك رجل من أهل العراق بالباب، فسمعت ‏نداءه وهو يقول: أدخل يا عبد الله بن المغيرة، فدخلت، فلمّا نظر إليّ قال: قد أجاب الله دعوتك، وهداك لدينه، فقُلت: ‏أشهد أنّك حجّة الله على خلقه‎.‎

الكرامة العاشرة: علمه عليه السّلام بما في الأرحام
عن بكر بن صالح، قال: قُلت للرضا عليه السّلام: امرأتي أخت مُحمّد بن سنان، بها حمل فادع الله أن يجعله ذكراً، ‏قال: هما اثنان، قُلت في نفسي: هما مُحمّد وعلي بعد انصرافي، فدعاني بعد فقال: سم واحداً عليّاً والأخرى أم عمر‎.‎
فقدمت الكوفة، وقد ولد لي غلام وجارية في بطن، فسمّيت كما أمرني، فقُلت لأمّي: ما معنى أم عمر؟ فقالت: إنّ أمّي ‏كانت تدعى أم عمر‎.‎

الكرامة الحادية عشرة: علمه عليه السّلام بمنطق الظبي
عن عبد الله بن سوقة، قال: مر بنا الرّضا عليه السّلام، فاختصمنا في إمامته، فلمّا خرج خرجت أنا وتميم بن يعقوب ‏السرّاج من أهل برقة، ونحن مخالفون له، نرى رأي الزيدية، فلمّا صرنا في الصحراء، فإذا نحن بظباء، فأومئ أبو ‏الحسن عليه السّلام إلى خشف منها، فإذا هو قد جاء حتّى وقف بين يديه، فأخذ أبو الحسن يمسح رأسه، ودفعه إلى ‏غلامه، فجعل الخشف يضطرب لكي يرجع إلى مرعاه، فكلّمه الرّضا بكلام لا نفهمه فسكن‎.‎
ثمّ قال: يا عبد الله، أو لم تؤمن؟ قُلت: بلى يا سيّدي، أنت حجّة الله على خلقه، وأنا تائب إلى الله، ثمّ قال للظبي: اذهب ‏إلى مرعاك، فجاء الظبي وعيناه تدمعان، فتمسح بأبي الحسن عليه السّلام ورغى‏‎.‎
فقال أبو الحسن عليه السّلام: تدري ما يقول؟ قلنا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، قال: يقول دعوتني فرجوت أن تأكل ‏من لحمي فأجبتك، وحزنتني حين أمرتني بالذهاب‎.‎

حكم الإمام الرّضا عليه السّلام
ليس في تاريخ الأدباء والحكماء كتاريخ أهل البيت عليهم السّلام، حيث إنّهم أثروا العالم الإسلامي والإنساني بروائع ‏آدابهم وحكمهم، ومن عظيم قدرها وإبداعها وروعتها يكتبها النّاس أحياناً بماء الذهب ثمّ يحتفظون بها‎. ‎
والإنسان مفطور على حبّ العلم والأدب والحكمة، وكلّما كانت الحكم رصينة ورائعة كلّما انشدّ إليها أكثر، ولهذا رأى ‏النّاس في روائع نهج البلاغة للإمام عليّ عليه السّلام ما يغنيهم عن الرجوع لغيره من الحكماء، كسقراط وبزرجمهر ‏وهلّم جرّاً‎.‎
ولا غرابة أن يكون للأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام هذه الجواهر الثمينة في الأدب، والروائع العظيمة في الحكمة، ‏وهم خرّيجو مدرسة الثورة، وربائب الرسالة والوحي‎. ‎
ومن هذه الأنوار العلوية والأزهار الهاشمية، نور أضاء سناه وعلاه، وتضوع مسكه وشذاه، نور الإمام الرّضا عليه ‏السّلام وعطره وطيبه وزهره‎.‎
وإليك بعض الروائع الأدبية والحكمية من أقواله عليه السّلام‎:‎
‏1ـ سأله رجل عن قول الله عزّ وجل: ومن يتوكّل على الله فهو حسبه؟
فقال عليه السّلام: التوكّل درجات منها: أن تثق به في أمرك كلّه، فما فعل بك كنت راضياً، وتعلم أنّه لم يأتك خيراً ‏ونظراً، وتعلم أنّ الحكم في ذلك له، فتوكّل عليه بتفويض ذلك إليه، ومن ذلك الإيمان بغيوب الله التي لم يحط علمك ‏بها، فوكّلت علمها إليه وإلى أمنائه عليها، ووثقت به فيها، وفي غيرها‎.‎
‏2ـ سُئل عن حدّ التوكل؟ فقال عليه السّلام: أن لا تخاف أحداً إلاّ الله‎.‎
ومقصود الإمام عليه السّلام بالتوكّل هنا، هو التسليم لأمر الله والرّضا بقضائه‎.‎
‏3ـ سأله أحمد بن نجم عن العجب الذي يفسد العمل؟
فقال عليه السّلام: العجب درجات منها: أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه، ويحسب أنّه يحسن صنعاً، ‏ومنها: أن يؤمن العبد بربّه فيمنّ على الله، ولله المنّة فيه‎....‎
‏4ـ قال عليه السّلام: خمس من لم تكن فيه فلا ترجوه لشيء من الدنيا والآخرة: من لم تعرف الوثاقة في أرومته، ‏والكرم في طباعه، والرصانة في خلقه، والنبل في نفسه، والمخافة لربّه‎.‎
‏5ـ سُئل عن السفلة؟ فقال عليه السّلام: من كان له شيء يلهيه من الله‎.‎
‏6ـ قال عليه السّلام: إنّ الله يبغض القيل والقال، وإضاعة المال وكثرة السؤال‎.‎
‏7ـ قال عليه السّلام: التودّد إلى النّاس نصف العقل‎.‎
‏8ـ قال عليه السّلام: لا يتم عقل امرئ مسلم حتّى تكون فيه عشر خصال: الخير منه مأمول، والشرّ منه مأمون، ‏يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه، لا يسأم من طلب الحوائج إليه، ولا يملّ من طلب العلم ‏طول دهره، الفقر في الله أحبّ إليه من الغنى، والذلّ في الله أحبّ إليه من العزّ مع غيره، والخمول عنده أشهى من ‏الشهرة‎.‎
ثمّ قال عليه السّلام: العاشرة، قيل له: ما هي؟
قال عليه السّلام: لا يرى أحداً إلاّ قال: هو خير منّي واتقى‎.‎
‏9ـ قال عليه السّلام: إنّما النّاس رجلان، رجل خير منه واتقى، ورجل شرّ منه وأدنى، فإذا لقي الذي هو شرّ منه وأدنى ‏قال: لعلّ خير هذا باطن، وهو خير له، وخيري ظاهر، وهو شرّ لي، وإذا رأى الذي هو خير منه وأتقى، تواضع له ‏ليلحق به، فإذا فعل ذلك فقد علا مجده، وطاب خيره، وحسن ذكره، وساد أهل زمانه‎.‎
‏10ـ قال عليه السّلام: الصمت باب من أبواب الحكمة... إنّ الصمت يكسب المحبّة، إنّه دليل على كُلّ خير‎.‎
‏11ـ قال عليه السّلام: صديق كُلّ امرئ عقله، وعدّوه جهله‎.‎
‏12ـ قال عليه السّلام: من أخلاق الأنبياء التنظيف‎.‎
‏13ـ قال عليه السّلام: صاحب النعمة يجب أن يوسّع على عياله‎.‎
‏14ـ قال عليه السّلام: إذا ذكرت الرّجل وهو حاضر فكنّه، وإذا كان غائباً فسمّه‎.‎
‏15ـ قال عليه السّلام: يأتي على النّاس زمان العافية، فيه عشرة أجزاء تسعة منها في اعتزال النّاس، وواحد في ‏الصمت‎.‎
‏16ـ قال عليه السّلام: من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن خاف أمن، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر ‏فهم، ومن فهم علم، وصديق الجاهل في تعب، وأفضل المال ما وقي به العرض، وأفضل العقل معرفة الإنسان نفسه، ‏والمؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، وإذا قدر لم يأخذ أكثر من حقّه‎.‎
‏17ـ قال عليه السّلام: من كثرت محاسنه مدح بها، واستغنى عن التمدّح بذكرها‎.‎
‏18ـ قال عليه السّلام: من لم يتابع رأيك في صلاحه فلا تصغ إلى رأيه، ومن طلب الأمر من وجهه لم يزل ومن زلّ ‏لم تخذله الحيلة‎.‎
‏19ـ قال عليه السّلام: إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، ونشاطاً وفتوراً، فإذا أقبلت تبصّرت وفهمت، وإذا أدبرت كلّت وملّت، ‏فخذوها عند إقبالها ونشاطها، واتركوها عند إدبارها وفتورها‎.‎
‏20ـ قال عليه السّلام: صاحب السلطان بالحذر، والصديق بالتواضع، والعدو بالتحرّز، والعامّة بالبِشر‎.‎
‏21ـ قال عليه السّلام: الأجل آفة العمل، والبر غنيمة الحازم، والتفريط مصيبة ذي القدرة، والبخل يمزّق العرض، ‏والحب داعي المكاره، وأجلّ الخلائق وأكرمها اصطناع المعروف، وإغاثة الملهوف، وتحقيق أمل الآمل، وتصديق ‏رجاء الراجي، والاستكثار من الأصدقاء في الحياة، والباكين بعد الوفاة‎.‎
‏22ـ قال عليه السّلام: أحسن الظن بالله، فإنّ من حسن ظنّه بالله كان الله عند حسن ظنّه، ومن رضي بالقليل من الرزق ‏قبل منه اليسير من العمل، ومن رضي باليسير من الحلال خفّت مؤونته ونعم أهله وبصّره الله داء الدنيا ودواءها، ‏وأخرجه منها سالماً إلى دار السّلام‎.‎ ‏23ـ قال عليه السّلام: ليس لبخيل راحة، ولا لحسود لذّة، ولا لملول وفاء، ولا لكذوب مروءة‎.‎
‏24ـ قال عليه السّلام: إنّ الذي يطلب من فضل يكفّ به عياله أعظم من المجاهدين في سبيل الله‎.‎
‏25ـ سُئل عن خيار العباد؟ فقال: الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساءوا استغفروا، وإذا أعطوا شكروا، وإذا ابتلوا ‏صبروا، وإذا غضبوا غفروا‎.‎
‏26ـ قيل له: كيف أصبحت؟ فقال عليه السّلام: أصبحت بأجل منقوص، وعمل محفوظ، والموت في رقابنا، والنار من ‏ورائنا، ولا ندري ما يُفعل بنا‎.‎
‏27ـ قال عليه السّلام: لا يجمع المال إلاّ بخصال خمس: بخل شديد، وأمل طويل، وحرص غالب، وقطيعة الرحم، ‏وإيثار الدنيا على الآخرة‎.‎
‏28ـ قال عليّ بن شعيب: دخلت على أبي الحسن الرّضا، فقال لي: يا عليّ من أحسن النّاس معاشاً؟‎.‎
قُلت: أنت يا سيدي أعلم به منّي‎.‎
فقال عليه السّلام: من حسن معاش غيره في معاشه‎.‎
ثمّ قال: يا عليّ من أسوأ النّاس معاشاً؟‎.‎
قُلت: أنت أعلم‎.‎
قال عليه السّلام: من لم يعش غيره في معاشه‎.‎
ثمّ قال عليه السّلام: يا عليّ ! أحسنوا جوار النعم ن فإنّها وحشية ما نأت عن قوم فعادت إليهم، يا عليّ ! إنّ شرّ النّاس ‏من منع رفده، وأكل وحده، وجلد عبده‎.‎
‏29ـ قال عليه السّلام: عونك للضعيف أفضل من الصّدقة‎.‎
‏30ـ قال عليه السّلام: لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتّى تكون فيه خصال ثلاث: التفقّه في الدين، وحسن التقدير في ‏المعيشة، والصبر على الرزايا‎.‎
‏31ـ قال عليه السّلام: كفاك ممّن يريد نصحك بالنميمة ما يجد من سوء الحساب في العاقبة‎.‎
‏32ـ قال عليه السّلام في تعزية الحسن بن سهل: التهنئة بآجل الثواب خير من التعزية بعاجل المصيبة‎.‎
هذا غيض من فيض، وقطرة من بحر هذا الإمام العظيم، الذي ملأ الدنيا علماً وحكمة، وفاض عليها ندىً وأدباً وكرماً‎.‎
وخير زاد لنا أن نعبّ من معين هذه الحكم الصافية، ونزوّد بها فنكثر من التجمّل بأخلاقها ليوم لا ينفع مال ولا بنون، ‏إلاّ من أتى الله بقلب سليم‎.‎

عبادة الإمام الرّضا عليه السّلام
من أبرز خصوصيات الإمام الرّضا عليه السّلام انقطاعه إلى الله تعالى، وتمسكه به‎.‎
وقد ظهر ذلك في عبادته التي مثلت جانباً كبيراً من حياته الروحية التي هي نور وتقوى وورع‎.‎
يقول بعض جماعته عليه السّلام: ما رأيته قط إلا ذكرتُ قوله تعالى: (كَانُوا قَلِيلاً فِي اللَّيلِ مَا يَهجَعُونَ). الذاريات: 17‏‎.‎
ويقول الشبراوي عن عبادته عليه السّلام: إنه كان صاحب وضوء وصلاة، وكان عليه السّلام في ليله كُلِّهِ يتوضأ ‏ويصلي ويرقد، وهكذا إلى الصباح‎.‎
وقد كان الإمام عليه السّلام أتقى أهل زمانه، وأكثرهم طاعة لله تعالى‎.‎
فيروي رجاء بن أبي الضحَّاك عن عبادة الإمام عليه السّلام - وكان المأمون قد بعثه إلى الإمام عليه السّلام ليأتي به ‏إلى خُراسان، فكان معه من المدينة المنورة إلى مرو - يقول: والله ما رأيت رجلاً كان أتقى لله منه عليه السّلام، ولا ‏أكثر ذِكراً له في جميع أوقاته منه، ولا أشد خوفا لله عزَّ وجلَّ‎.‎
كان عليه السّلام إذا أصبح صلّى الغداة، فإذا سلَّم جلس في مُصَلاَّه يُسَبِّح الله، ويحمده، ويُكبِّره، وَيُهَلِّله، ويصلي على ‏النّبيّ وآله صلّى الله عليه وآله حتّى تطلع الشمس‎.‎
ثمّ يسجد عليه السّلام سجدةً يبقى فيها حتّى يتعالى النهار، ثمّ يقبل على النّاس يحدثهم، ويعظهم إلى قُرب الزوال، ثمّ ‏جدد وضوءه، وعاد إلى مُصَلاَّه‎.‎
فإذا زالت الشمس قام عليه السّلام وصلّى ست ركعات، ثمّ يؤذّن، ثمّ يصلي ركعتين، ثمّ يقيم ويصلي الظهر، فإذا سَلَّم ‏سَبَّح الله وحمده، وكبره، وهَلَّله ما شاء الله‎.‎
ثمّ يسجد عليه السّلام سجدة الشكر ويقول فيها مائة مرة: شكراً لله، فإذا رفع رأسه قام فصلّى ست ركعات، ثمّ يؤذن‎.‎
ثمّ يصلي عليه السّلام ركعتين فإذا سلم قام وصلّى العصر، فإذا سَلَّم جلس في مُصَلاَّه يسبح الله، ويحمده، ويكبِّره، ‏ويُهَلِّله، ثمّ يسجد سجدة يقول فيها مائة مرة: حَمْداً لله‎.‎
فإذا غابت الشمس توضأ عليه السّلام وصلّى المغرب ثلاثاً بأذان وإقامة، فإذا سلَّم جلس في مُصلاَّه يُسبِّح الله، ويحمده، ‏ويُكبِّره، ويُهَلِّله ما شاء الله، ثمّ يسجد سجدة الشكر، ثمّ يرفع رأسه ولا يتكلم حتّى يقوم ويصلي أربع ركعات بِتَسلِيمَتَين، ‏ثمّ يجلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء الله حتّى يُمسِي‎.‎
ثمّ يفطر عليه السّلام، ثمّ يَلبث حتّى يَمضي من الليل قريب من الثـلث، ثمّ يقوم فيصلي العشاء والآخرة أربع ركعات، ‏فإذا سَلَّم جلس في مُصَلاَّه يذكر الله عزَّ وجلَّ، ويُسبِّحه، ويحمده، ويُكبِّره، ويُهَلِّله ما شاء الله، ويسجد بعد التعقيب سجدة ‏الشكر ثمّ يأوي إلى فراشه‎.‎
وإذا كان الثلث الأخير من الليل قام عليه السّلام من فراشه بالتسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل، والاستغفار، ‏فَاسْتَاكَ ثمّ توضأ، ثمّ قام إلى صلاة الليل، ويصلي صلاة جعفر بن أبي طالب، ويحتسب بها من صلاة الليل، ثمّ يصلي ‏الركعتين الباقيتين‎.‎
ثمّ يقوم عليه السّلام فيصلي ركعتَي الشفع، ثمّ يقوم فيصلي الوَتْر، ويقول في قنوته: اللَّهم صَلِّ على مُحمّد وآل مُحمّد، ‏اللَّهم اهدِنَا فيمن هديت، وعَافِنَا فيمن عافيت‎.‎
ثمّ يقول عليه السّلام: أستغفرُ الله وأسألُه التوبة، سبعين مرة، وإذا قرب الفجر قام فَصلّى ركعتَي الفجر، فإذا طلع الفجر ‏أَذَّن وأقامَ وصلّى الغداة ركعتين، فإذا سَلَّم جلس في التعقيب حتّى تطلع الشمس، ثمّ سجد سجدة الشكر حتّى يتعالى ‏النهار‎.‎
فهذه هي صلاة الإمام الرّضا عليه السّلام المفروضة ونوافلها، وما يقرأ فيها من سور القرآن الكريم، والتعقيبات التي ‏يؤديها‎.‎
ومعنى ذلك أنه عليه السّلام كان في أغلب أوقاته مشغولاً بعبادة الله، فإنه عليه السّلام قد سَرى حُبُّ الله في قلبه، ‏وتفاعل في عواطفه ومشاعره حتّى صار عنصراً من عناصره، وخصوصية من خصوصياته عليه السّلام‎.‎

أدعية الإمام الرّضا عليه السّلام
للإمام الرّضا عليه السّلام أنواع من الأدعية والابتهالات تدلّ على مدى اتّصاله بالله، ومدى تعلّقه به، وانقطاعه إليه، ‏وإليك بعض نماذجها‎:‎

‏1ـ دعاؤه عليه السّلام في قنوت الوتر‎:‎
قال رجاء بن أبي الضحّاك: بعثني المأمون في أشخاص عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام من المدينة...، فو الله ما ‏رأيت رجلاً كان اتقى لله تعالى منه، ولا أكثر ذكراً لله في جميع أوقاته منه، ولا أشدّ خوفاً لله عزّ وجلّ منه...، وكان ‏يقنت في وتره، ويقول‎:‎
اللّهم صلّ على مُحمّد وآل مُحمّد، اللّهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولّنا فيمن تولّيت، وبارك لنا فيما ‏أعطيت، وقنا شرّ ما قضيت، فإنّك تقضي ولا يقضى عليك، إنّه ? يذلّ من واليت، ولا يعزّ من عاديت، تباركت ربّنا ‏وتعاليت‎.‎

‏2ـ دعاؤه عليه السّلام في السجود‎:
كان عليه السّلام يقول في سجوده: لك الحمد إن أطعتك، ولا حجّة لي إن عصيتك، ولا صنع لي ولا لغيري في ‏إحسانك، ولا عذر لي إن أسأت، ما أصابني من حسنة فمنك، يا كريم اغفر لمن في مشارق الأرض ومغاربها، من ‏المؤمنين والمؤمنات‎.‎

‏3ـ دعاؤه عليه السّلام في يوم عرفة‎:
قال عليه السّلام يوم عرفة: اللّهم كما سترت عليّ ما لم أعلم فاغفر لي ما تعلم، وكما وسعني علمك فليسعني عفوك، ‏وكما بدأتني بالإحسان فأتمّ نعمتك بالغفران، وكما أكرمتني بمعرفتك فأشفعها بمغفرتك، وكما عرفّتني وحدانيتك ‏فأكرمني بطاعتك، وكما عصمتني ممّا لم اكن اعتصم منه إلاّ بعصمتك، فاغفر لي ما لو شئت عصمتني منه، يا جواد ‏يا كريم، يا ذا الجلال والإكرام‎.‎

‏4ـ دعاؤه عليه السّلام عند الشدائد‎:
قال عليه السّلام: اللّهم أنت ثقتي في كُلّ كرب، وأنت رجائي في كُلّ شدّة، وأنت لي في كُلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم ‏من كرب يضعف عنه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، وتعيى فيه الأمور، ويخذل فيه القريب والبعيد والصديق، ويشمت فيه ‏العدو، أنزلته بك وشكوته إليك، راغباً إليك فيه عمّن سواك، ففرّجته وكشفته وكفيتنيه، فأنت وليّ كُلّ نعمة، وصاحب ‏كُلّ حاجة، ومنتهى كُلّ رغبة‎.‎
فلك الحمد كثيراً، ولك المنّ فاضلاً، بنعمتك تتم الصالحات، يا معروفاً بالمعروف معروف، ويا من هو بالمعروف ‏موصوف، أنلني من معروفك، معروفاً تغنيني به عن معروف من سواك، برحمتك يا أرحم الراحمين‏‎.‎

‏5ـ دعاؤه عليه السّلام لصاحب الأمر‎:
قال عليه السّلام: اللّهم صل على مُحمّد وآل مُحمّد، وادفع عن وليك وخليفتك وحجّتك على خلقك، ولسانك المعبّر عنك ‏بإذنك، الناطق بحكمتك، وعينك الناظرة في بريّتك، وشاهداً على عبادك، الجحجاح المجاهد المجتهد، عبدك العائذ بك‎.‎
اللّهم وأعذه من شرّ ما خلقت وذرأت، وبرأت وأنشأت وصوّرت، واحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن ‏شماله، ومن فوقه ومن تحته، بحفظك الذي ? يضيع من حفظته به، واحفظ فيه رسولك ووصي رسولك وآباءه أئمّتك، ‏ودعائم دينك، صلواتك عليهم أجمعين‎.‎
واجعله في وديعتك التي ? تضيع، وفي جوارك الذي ? يخفر، وفي منعك وعزّك الذي لا يقهر‎.‎
اللّهم وآمنه بأمانك الوثيق، الذي ? يخذل من آمنته به، واجعله في كنفك الذي ? يضام من كان فيه، وانصره بنصرك ‏العزيز، وأيّده بجندك الغالب، وقوّه بقوّتك، وأردفه بملائكتك‎.‎
اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، والبسه درعك الحصينة، وحفّه بملائكتك حفّاً‏‎. ‎
اللّهم وبلّغه افضل ما بلغت القائمين بقسطك من اتباع النبيين، اللّهم أشعب به الصدع، وارتق به الفتق، وأمت به ‏الجور، واظهر به العدل، وزيّن بطول بقائه الأرض، وأيّده بالنصر، وانصره بالرعب، وافتح له فتحاً يسيراً، واجعل ‏له من لدنك على عدوّك وعدوّه سلطاناً نصيراً‎. ‎
اللّهم اجعله القائم المنتظر، والإمام الذي به تنتصر، وأيدّه بنصر عزيز وفتح قريب، وورّثه مشارق الأرض ومغاربها ‏اللاتي باركت فيها، واحي به سنّة نبيك صلواتك عليه وآله، حتّى ? يستخفي بشيء من الحق مخافة أحدٍ من الخلق، ‏وقوّ ناصره، واخذل خاذله، ودمدم على من نصب له، ودمّر على من غشّه‎.‎
اللّهم واقتل به جبابرة الكفر، وعمده ودعائمه، والقوام به، واقصم به رؤوس الضلالة، وشارعة البدعة، ومميتة السّنة، ‏ومقوّية الباطل، واذلل به الجبّارين، وأبر به الكافرين والمنافقين وجميع الملحدين، حيث كانوا وأين كانوا من مشارق ‏الأرض ومغاربها، وبرّها وبحرها، وسهلها وجبلها حتّى ? تدع منهم ديّاراً، ولا تبقي لهم آثاراً‎.‎
اللّهم وطهّر منهم بلادك، واشف منهم عبادك، واعزّ به المؤمنين، وأحي به سنن المرسلين، ودارس حكم النبيين، ‏وجدّد به ما محي من دينك، وبدّل من حكمك، حتّى تعيد دينك به، وعلى يديه غصّاً جديداً صحيحاً محضاً ? عوج فيه ‏ولا بدعة معه، حتّى تنير بعدله ظلم الجور، وتطفئ به نيران الكفر، وتظهر به معاقد الحق، ومجهول العدل، وتوضّح ‏به مشكلات الحكم‎.‎
اللّهم وإنّه عبدك الذي استخلصته لنفسك، واصطفيته من خلقك، واصطفيته على عبادك، وائتمنته على غيبك، ‏وعصمته من الذنوب، وبرّأته من العيوب، وطهّرته من الرجس، وصرفته عن الدنس، وسلمته من الريب‎.‎
اللّهم فإنا نشهد له يوم القيامة ويوم حلول الطامّة أنّه لم يذنب ولم يأت حوباً، ولم يرتكب لك معصية، ولم يضيّع لك ‏طاعة، ولم يهتك لك حرمة، ولم يبدّل لك فريضة، ولم يغيّر لك شريعة، وإنّه الإمام التقي الهادي المهدي الطاهر التقي ‏الوفي الرضي الزكي‎.‎
اللّهم فصل عليه وعلى آبائه، وأعطه في نفسه وولده وأهله وذرّيته وأمّته وجميع رعيته ما تقر به عينه، وتسرّ به ‏نفسه، وتجمع له ملك المملكات كلّها قريبها وبعيدها، وعزيزها وذليلها، حتّى يجري حكمه على كُلّ حكمٍ، ويغلب بحقّه ‏على كُلّ باطل‎.‎
اللّهم واسلك بنا على يديه منهاج الهدى، والمحجّة العظمى، والطريقة الوسطى التي يرجع إليها الغالي، ويلحق بها ‏التالي‎.‎
اللّهم وقوّنا على طاعته، وثبتنا على مشايعته، وامنن علينا بمتابعته، واجعلنا في حزبه القوّامين بأمره الصابرين معه، ‏الطالبين رضاك بمناصحته، حتّى تحشرنا يوم القيامة في أنصاره وأعوانه، ومقوّية سلطانه‎.‎
اللّهم صل على مُحمّد وآل مُحمّد، واجعل ذلك كلّه منا لك خالصاً من كُلّ شك وشبهة، ورياء وسمعة، حتّى ? نعتمد به ‏غيرك، ولا نطلب به إلاّ وجهك، وحتّى تحلّنا محلّه، وتجعلنا في الجنّة معه، ولا تبتلنا في أمره بالسامة والكسل، ‏والفترة والفشل، واجعلنا ممّن تنتصر به لدينك، وتعزّ به نصر وليّك، ولا تستبدل بنا غيرنا، فإنّ استبدالك بنا غيرنا ‏عليك يسير، وهو علينا كبير، إنّك على كُلّ شيء قدير‎.‎
اللّهم وصل على ولاة عهوده، وبلّغهم آمالهم، وزد في آجالهم، وانصرهم وتمّم لهم ما أسندت إليهم من أمر دينك، ‏واجعلنا لهم أعواناً، وعلى دينك أنصاراً، وصل على آبائه الطاهرين الأئمّة الراشدين‎.‎
اللّهم فإنّهم معادن كلماتك، وخزّان علمك، وولاة أمرك، وخالصتك من عبادك، وخيرتك من خلقك، وأوليائك وسلائل ‏أوليائك، وصفوتك وأولاد أصفيائك، صلواتك ورحمتك وبركاتك عليهم أجمعين‎.‎
اللّهم وشركاؤه في أمره، ومعاونوه على طاعتك، الذين جعلتهم حصنه وسلاحه ومفزعه، وانسه الذين سلوا عن الأهل ‏والأولاد، وتجافوا الوطن، وعطّلوا الوثير من المهاد، قد رفضوا تجاراتهم، واضرّوا بمعايشهم، وفقدوا في أنديتهم ‏بغير غيبة عن مصرهم، وحالفوا البعيد ممّن عاضدهم على أمرهم، وخالفوا القريب ممّن ضدّ عن وجهتهم، وائتلفوا ‏بعد التدابر والتقاطع في دهرهم، وقطعوا الأسباب المتصلة بعاجل حطام من الدنيا‎.‎
فاجعلهم اللّهم في حرزك، وفي ظل كنفك، وردّ عنهم بأس من قصد إليهم بالعداوة من خلقك، واجزل لهم من دعوتك ‏من كفايتك ومعونتك لهم، وتأييدك ونصرك إيّاهم ما تعينهم به على طاعتك، وازهق بحقّهم باطل من أراد إطفاء ‏نورك، وصل على مُحمّد وآله، واملأ بهم كُلّ أفق من الآفاق، وقطر من الأقطار، قسطاً وعدلاً ورحمة وفضلاً، ‏واشكر لهم على حسب كرمك وجودك، وما مننت به على القائمين بالقسط من عبادك، واذخر لهم من ثوابك ما ترفع ‏لهم به الدرجات، إنّك تفعل ما تشاء، وتحكم ما تريد آمين رب العالمين‎.‎

‏6ـ دعاؤه عليه السّلام عند الإفطار‎:
قال عليه السّلام: من قال عند إفطاره: اللّهم لك صمنا بتوفيقك، وعلى رزقك افطرنا بأمرك، فتقبّله منّا، واغفر لنا إنّك ‏أنت الغفور الرحيم، غفر الله ما ادخل على صومه من النقصان بذنوبه‎.‎

‏7ـ دعاؤه عليه السّلام إلهي بدت قدرتك‎:
قال عليه السّلام: إلهي بدت قُدرتك، ولم تبد هيئة لك، فجهلوك وقدّروك، والتّقدير على غير ما به شبّهوك، فأنا بريء ‏يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك، ليس كمثلك شيء ولن يدركوك، ظاهر ما بهم من نعمتك، دلّهم عليك لو عرفوك، ‏وفي خلقك يا إلهي مندوحة إن يتناولوك، بل شبّهوك بخلقك، فمن ثمّ لم يعرفوك، واتخذوا بعض آياتك ربّاً فبذلك ‏وصفوك، فتعاليت يا إلهي وتقدّست عمّا به المشبهون نعتوك‎.‎
يا سامع كُلّ صوت، ويا سابق كُلّ فوت، يا محيي العظام وهي رميم، ومنشئها بعد الموت، صلّ على مُحمّد وآل ‏مُحمّد، واجعل لي من كُلّ هم فرجاً ومخرجاً، وجميع المؤمنين إنّك على كُلّ شيءٍ قدير‎.‎

‏8‏‎ ‎ـ دعاؤه عليه السّلام يا جبّار السماوات والأرضين‎:
قال عليه السّلام: استسلمت مولاي لك، وأسلمت نفسي إليك، وتوكّلت في كُلّ أموري عليك، وأنا عبدك وابن عبديك، ‏أخبأني اللّهم في سترك عن شرار خلقك، واعصمني من كُلّ أذىً وسوء بمنّك، واكفني شر كُلّ ذي شرٍ بقدرتك‎.‎
اللّهم من كادني وأرادني فإنّي أدرا بك في نحره، واستعين بك منه، واستعيذ منه بحولك وقوّتك، وشدّ عنّي أيدي ‏الظالمين إذ كنت ناصري، لا إله إلاّ أنت يا أرحم الراحمين، وإله العالمين‎.‎
أسألك كفاية الأذى والعافية والشفاء، والنصر على الأعداء، والتوفيق لما تحب ربّنا وترضى، يا اله العالمين، يا جبّار ‏السماوات والأرضين، يا رب مُحمّد وآله الطيبين الطاهرين، صلواتك عليهم أجمعين‎.‎

مناظرات الإمام الرّضا عليه السّلام‏
عاش الإمام الرّضا عليه السّلام في عصر ازدهرت فيه الحضارة الإسلامية، وكثرت الترجمة لكتب اليونانيِّين ‏والرومانيِّين وغيرهم، وازداد التشكيك في الأصول والعقائد من قبل الملاحِدة وأحْبار اليهود، وبطارقة النّصارى، ‏ومُجَسِّمة أهل الحديث‎.‎
وفي تلك الأزمنة أُتيحت له عليه السّلام فرصة المناظرة مع المخالفين على اختلاف مذاهبهم، فظهرَ بُرهانه عليه ‏السّلام وعلا شأنُه، ويقف على ذلك من اطَّلع على مناظراته واحتجاجاته مع هؤلاء‎.‎
ولأجل إيقاف القارئ على نماذج من احتجاجاته نذكر ما يلي‏‎:‎

مناظرة الإمام الرّضا عليه السّلام مع أبي قُرة‏
تصدّى الإمام الرّضا عليه السّلام لإبطال الشُبَه التي أثيرت حول العقيدة الإسلامية‏‎.‎
وقد قصد أبو قُرة خراسان لامتحان الإمام عليه السّلام، وطلب من صفوان بن يحيى، وهو من خواص الإمام عليه ‏السّلام أن يستأذن منه للدخول عليه، فأذن الإمام عليه السّلام له‎.‎
فلمَّا تشرَّف بالمثول أمامه سأله عن أشياء من الحلال والحرام، والفرائض والأحكام، فأجابه عليه السّلام عنها‏‎.‎
ثمّ سأله عن بعض قضايا التوحيد، وهذه منها‏‎:‎
قال أبو قُرَّة: أخبرني جعلني الله فداك عن كلام الله لموسى؟
فقال عليه السّلام: اللهُ أعلم بأيٍّ كَلَّمَهُ، بالسِّريانيَّة أم بِالعِبرَانِيَّة‎.‎
فأخرج أبو قُرَّة لسانه وقال: إنما أسألك عن هذا اللسان - ومعنى ذلك أنه هل كلَّمه بلسان كَلِسَان الإنسان -؟
فقال عليه السّلام: سبحان الله عما تقول، ومعاذ الله أن يشبه خلقه أو يتكلم بمثل ما هم متكلِّمون، ولكنه تبارك وتعالى ‏ليس كمثله شيء، ولا كمثله قائل ولا فاعل‏‎.‎
فقال أبو قُرَّة: كيف ذلك؟
فقال عليه السّلام: كَلام الخالقِ لمخلوقٍ ليس كَكَلام المخلوق لمخلوق، ولا يلفظ بِشَقِّ فَمٍ ولسان ولكن يقول: كُنْ، فكان ‏بمشيئتِه ما خاطب به موسى من الأمر والنهي من غير تردّد في نَفَس‎.‎
فقال أبو قُرَّة: ما تقول في الكُتُب؟
فقال عليه السّلام: التّوراة، والإنجِيل، والزَّبُور، والفُرقَان، وكُلّ كتابٍ أُنزِل كان كلام الله، أنزله للعالمين نوراً وهُدىً، ‏وهي كلّها مُحدَثة، وهي غير الله حيث يقول عزَّ وجلَّ: (أوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) طه: 113‏‎.‎
وقال عزَّ وجلَّ: (مَا يَأْتِيهِمْ مِّنْ ذِكْرٍ مِّنْ رِّبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ استَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ). الأنبياء: 2‏‎.
والله أحدَثَ الكتب كلها التي أنزَلَها‏‎.‎
فقال أبو قُرَّة: هل تُفنَى - أي: الكتب -؟
فقال عليه السّلام: أجمعَ المسلمون على أنَّ ما سوى الله فإنّ، وما سوى الله فعل الله، والتوراة والإنجيل والزَّبور ‏والفرقان فعل الله، ألم تسمع النّاس يقولون: رب القرآن، وأن القرآن يقول يوم القيامة: يا ربِّ هذا فلان - وهي أعرف ‏به منه - قد أظمأتُ نهارَه وأسهرتُ ليله، فَشَفِّعنِي فيه‎.‎
وكذلك التّوراة والإنجيل والزَّبور وهي كلها مُحدَثة، مَربُوبة، أحدثها من ليس كمثله شيء هُدىً لقومٍ يعقلون، فمن زعم ‏أنَّهُنَّ لم يَزلْنَ معه فقد أظهر أن الله ليس بأول قديم، ولا واحد، وإن الكلام لم يزل معه، وليس له بدو، وليس بإِلَه‎.‎
فقال أبو قُرَّة: إنا روينا: إن الكتب كلّها تجيء يوم القيامة والناس في صعيد واحد، قيام لِربِّ العالمين، ينظرون حتّى ‏ترجع فيه، لأنها منه وهي جزء منه، فإليه تصير‎.‎
فقال عليه السّلام: هكذا قالت النّصارى في المسيح إنه روحه، جُزء منه، ويرجع فيه، وكذلك قالت المجوس في النار ‏والشمس أنهما جزء منه ترجع فيه‎.‎
تعالى ربُّنا أن يكون متجزياً أو مختلفاً، وإنما يختلف ويأتلَّف المُتجزي لإن كُلّ متجزي متوَّهم، والكثرة والقلة مخلوقة ‏دالَّة على خالق خلقها‎.‎
فقال أبو قُرَّة: إنا روينا: إن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيَّين، فقسم لموسى الكلام ولمحمد الرؤية؟
فقال عليه السّلام: فمن المُبلغ عن الله الثقلين: الجن والأنس؟، إنه لا تدركه الابصار، ولا يحيطون به علماً، وليس ‏كمثله شيء، أليس مُحمّد؟
فقال أبو قُرَّة: بلى‎.‎
وأوضح الإمام عليه السّلام له الأمر، وكشف ما التبس عليه قائلاً‏‎:‎
كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنه جاء من عند الله، وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله، ويقول: إنه لا تدركه ‏الابصار ولا يحيطون به علماً، وليس كمثله شيء‎.‎
ثمّ يقول: أنا رأيتُه بعيني، واحطتُ به علماً، وهو على صورة البشر‎.‎
أما تستحيون؟!! ما قَدِرَت الزنادقة أن ترميهِ بهذا، أن يكون أتى عن الله بأمر ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر‎.‎
فقال أبو قُرَّة: إنه يقول: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى). النجم: 13.
وما بعدها‎.‎
فقال عليه السّلام: إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى، حيثُ قال‎:‎ ‎ (‎مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأى).
النجم: 11‏‎.‎
يقول: ما كذب فؤاد مُحمّد ما رأت عينَاه، فقال‎:‎ ‎ (‎لَقَدْ رَأى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى). النجم: 18.
فآياتُ الله غير الله‎.‎
وقال: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً). طه: 11‏‎.‎
فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم، ووقعت المعرفة‏‎.‎
فقال أبو قُرَّة: فنكذِّب بالرواية؟
فقال عليه السّلام: إذا كانت الرواية مُخالفة للقرآن كَذَّبتُها، وما أجمع المسلمون عليه أنه - أي الله تعالى - لا يُحاط به ‏علماً، ولا تدركه الأبصار، وليس كمثله شيء‎.‎
فقال أبو قُرَّة: ما معنى قوله تعالى‎:‎ ‎ (‎سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى..). الإسراء: 1‏‎.‎
فقال عليه السّلام: لقد أخبر الله تعالى أنه أسرَى به، ثمّ أخبر أنَّه لِمَ أُسْرِيَ به، فقال: (لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا). الإسراء: 1‏‎.‎
فآيات الله غير الله، فقد أعذر، وبَيَّن لِمَ فعل به ذلك، وما رآه، وقال‎:‎ ‎ (‎فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ). الجاثية: 6‏‎.‎
فقال أبو قُرَّة: أين الله؟
فقال عليه السّلام: الـ أيْنَ مَكان، وهذه مسألة شاهدٍ عن غائب، فالله تعالى ليس بغائب، ولا يُقدِمُه قادم، وهو بِكُل مكان، ‏موجود، مدبِّر، صانع، حافظ، ممسك السماوات والأرض‎.‎
فقال أبو قُرَّة: أليس هو فوق السماء دون ما سواها؟
فقال عليه السّلام: هو الله في السماوات وفي الأرض، وهو الذي في السماء إِلَه، وفي الأرض إله، وهو الذي يصوِّرُكم ‏في الأرحام كيف يشاء، وهو معكم أينما كنتُم، وهو الذي استوى إلى السَّماء وهي دُخَان‎.‎
وهو الذي استوى إلى السماءِ فَسوَّاهُنَّ سبع سماوات، وهو الذي استوى على العرش، قَد كان وَلا خَلْق، وهو كما كان ‏إذ لا خَلْق، لم ينتَقِل مع المُنتَقِلين‎.‎
فقال أبو قُرَّة: فَما بَالُكم إذا دعوتُم رفعتم أيديكم إلى السماء؟
فقال عليه السّلام: إن الله استعبدَ خلقه بِضُروب من العبادة، ولله مَفازِعَ يفزعون إليه ومستعبد، فاستعبَدَ عبادَه بالقول ‏والعلم، والعمل والتوجّه، ونحو ذلك استعبدهم بتوجيه الصّلاة إلى الكَعبة، ووجه إليها الحَجَّ والعمرة‎.‎
واستعبد خلقه عند الدعاء والطلب، والتضرّع ببسط الأيدي، ورفعها إلى السَّماء حال الاستكانة، وعلامَة العبودية ‏والتذلل له‎.‎
فقال أبو قُرَّة: من أقرب إلى الله الملائكة أو أهل الأرض؟
فقال عليه السّلام: إن كُنتَ تقول بالشِّبر والذراع، فإنّ الأشياء كلها باب واحد هي فعله، لا يشتغل ببعضها عن بعض، ‏يدبِّر أعلى الخلق من حيث يدبر أسفله، ويدبر أوَّله من حيث يدبِّر آخره من غير عناء، ولا كُلفة ولا مُؤْنة، ولا ‏مشاورة، ولا نصب‎.‎
وإِن كنتَ تقول: من أقرب إليه في الوسيلة، فأطوَعهم لهُ، وأنتم ترون أن أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد‎.‎
وروَيتم أن أربعة أملاك التقوا أحدهم من أعلى الخلق، وأحدهم من أسفل الخلق، وأحدهم من شرق الخلق، وأحدهم من ‏غرب الخلق، فسأل بعضهم بعضاً فكلهم قال: مِن عندِ الله، أرسلني بكذا وكذا‎.‎
ففي هذا دليل على أن ذلك في المنزلة دون التشبيه والتمثيل‏‎.‎
فقال أبو قُرَّة: أتقرّ أنَّ الله مَحْمُول؟
فقال عليه السّلام: كُلّ محمولٍ مفعول، ومضاف إلى غيره، محتاج، فالمحمول اسم نقص في اللفظ، والحامل فاعل، ‏وهو في اللفظ ممدوح‎.‎
وكذلك قول القائل: فوق، وتحت، وأعلى، وأسفل، وقد قال الله تعالى‎:‎ ‎ (‎وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا). الأعراف: 180‏‎.‎
ولم يقل في شيء من كُتُبه أنه محمول، بل هو الحامل في البَرِّ والبحر، والمُمسك للسماوات والأرض، والمحمول ما ‏سوى الله، ولم نسمع أحداً آمن بالله وعظَّمَه قط قال في دعائه: يا محمول‎...‎
فقال أبو قُرَّة: أفنكذِّب بالرواية: إن الله إذا غضب يعرفُ غضبه الملائكة الذين يحملون العرش، يَجدُونَ ثقله في ‏كواهلهم، فَيَخرّونَ سُجَّداً، فإذا ذهب الغَضَب، خَفَّ فرجعوا إلى مواقفهم؟‎.‎
فقال عليه السّلام: أخبرني عن الله تبارك وتعالى منذ لَعَن إبليس إلى يومك هذا، وإلى يوم القيامة، فهو غضبان على ‏إبليس وأوليائه، أو عَنهم رَاضٍ؟
فأيَّد أبو قُرَّة كلام الإمام عليه السّلام قائلاً: نَعَم، هو غضبان عليه‎.‎
وانبرى عليه السّلام قائلاً: وَيْحَك، كَيف تَجتَرِئ أنْ تَصِفَ رَبَّك بالتغيّر من حال إلى حال، وأنه يجري عليه ما يجري ‏على المخلوقين؟
سُبحانه، لم يزل مع الزَّائلين، ولم يتغيَّر مع المُتغيِّرين‏‎.‎
واستولى الذهول على أبي قُرَّة، وحارَ في الجواب، وانهزم من المجلس وهو غضبان، وقَد أُترِعَت نفسُه بالغيظ والحقد ‏على الإمام عليه السّلام‎.‎

مناظرة الإمام الرّضا عليه السّلام مع أرباب المذاهب الإسلامية
لمّا حضر الإمام عليّ الرّضا عليه السّلام مجلس المأمون، وقد اجتمع فيه جماعة عُلماء أهل العراق وخراسان‏‎.‎
فقال المأمون: أخبروني عن معنى هذه الآية: (ثمّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)؟
فقالت العُلماء: أراد الله الأُمّة كلّها‎.‎
فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟
فقال الرّضا عليه السّلام: لا أقول كما قالوا، ولكن أقول: أراد الله تبارك وتعالى بذلك العترة الطاهرة عليهم السّلام‎ .‎
فقال المأمون: وكيف عنى العترةَ دون الأُمّة؟
فقال الرّضا عليه السّلام: لو أراد الأُمّة لكانت بأجمعها في الجنّة; لقول الله: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ ‏سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)، ثمّ جعلهم في الجنّة، فقال عزَّ وجلَّ: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا)، ‏فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم‎.‎
ثمّ قال الرّضا عليه السّلام: هم الذين وصفهم الله في كتابه، فقال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ‏وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)، وهم الذين قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّي مخلّفٌ فيكم الثَقَلين كتابَ الله وعترتي ـ أهلَ ‏بيتي ـ لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، انظروا كيف تَخلُفوني فيهما، يا أيّها النّاس لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم‎.‎
قالت العُلماء: أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة هم الآل أو غيرُ الآل؟
فقال الرّضا عليه السّلام: هم الآل‎.‎
فقالت العُلماء: فهذا رسول الله يؤثَر عنه أنّه قال: أُمّتي آلي، وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفيض الذي لا يمكن ‏دفعه: آل مُحمّد أُمّته‎.‎
فقال الرّضا عليه السّلام: أخبروني هل تحرم الصّدقة على آل مُحمّد؟، قالوا: نعم‎.‎
قال عليه السّلام: فتحرم على الأُمّة؟ قالوا: لا‎.‎
قال عليه السّلام: هذا فرقٌ بين الآل وبين الأُمة، ويحكم ! أين يذهب بكم؟! أصرفتم عن الذكر صفحاً أم أنتم قومٌ ‏مسرفون؟! أمّا علمتم إنّما وقعت الرواية في الظاهر على المصطفين المهتدين دون سائرهم؟‎!.‎
قالوا: من أين قُلت يا أبا الحسن؟
قال عليه السّلام: من قول الله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ ‏فَاسِقُونَ)، فصارت وراثة النبوَّة والكتاب في المهتدين دون الفاسقين، أمّا علمتم أنَّ نوحاً سأل ربّه، فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي ‏مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ، وذلك أنَّ الله وعده أن ينجيه وأهلَه، فقال له ربُّه تبارك وتعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ ‏عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ‏‎).‎
فقال المأمون: فهل فضَّل الله العترة على سائر النّاس؟
فقال الرّضا عليه السّلام: إنَّ الله العزيز الجبّار فضّل العترة على سائر النّاس في محكم كتابه‎.‎
قال المأمون: أين ذلك من كتاب الله؟
فقال الرّضا عليه السّلام: في قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً ‏بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ، وقال الله في موضع آخر: أَمْ يَحْسُدُونَ النّاس عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ ‏وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا‎).‎
ثمّ ردَّ المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ ‏مِنكُمْ)، يعني الذين أورثهم الكتاب والحكمة وحُسِدوا عليهما بقوله: (أَمْ يَحْسُدُونَ النّاس عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ ‏آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا)، يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين، والمُلْكُ هاهنا الطاعة لهم‎.‎
قالت العُلماء: هل فسَّر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب؟
فقال الرّضا عليه السّلام: فسَّر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعاً، فأوّل ذلك قول الله: وَأَنذِرْ ‏عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ـ ورهطك المخلصين ـ هكذا في قراءة أُبيّ بن كعب، وهي ثابتةٌ في مصحف عبد الله بن مسعود، ‏فلمّا أمر عثمان زيدَ ابن ثابت أن يجمع القرآن خَنَسَ هذه الآية، وهذه منزلةٌ رفيعة وفضلٌ عظيم، وشرف عال حين ‏عنى الله عزَّ وجلَّ بذلك الآل، فهذه واحدة‎.‎
والآية الثّانية في الاصطفاء قول الله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)، وهذا الفضل ‏الذي لا يجحده معاند لأنَّه فضلٌ بيِّن‎.‎
والآية الثّالثة حين ميَّز الله الطاهرين من خلقه أمر نبيَّه في آية الابتهال، فقال: (فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا ‏وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)، فأبرز النّبيّ صلّى الله عليه وآله عليّاً والحسنَ ‏والحسينَ وفاطمةَ عليهم السّلام فقَرَن أنفسهم بنفسه‎.‎
فهل تدرون ما معنى قوله: (وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ)؟‎.‎
قالت العُلماء: عنى به نفسَه‎.‎
قال أبو الحسن عليه السّلام: غلطتم، إنّما عنى به عليّاً عليه السّلام، وممّا يدلُّ على ذلك قولُ النّبيّ صلّى الله عليه وآله ‏حين قال: لينتهينَّ بنو وليعةَ، أو لأبعثنَّ إليهم رجلاً كنفسي، يعني عليّاً عليه السّلام‎.‎
فهذه خصوصيَّة لا يتقدَّمها أحدٌ، وفضل لا يختلف فيه بشر، وشرف لا يسبقه إليه خلقٌ; إذ جعل نفسَ عليّ عليه السّلام ‏كنفسه فهذه الثّالثة‎.‎
وأمّا الرّابعة: فإخراجه النّاس من مسجده ما خلا العترةَ حين تكلّم النّاس في ذلك، وتكلم العباسُ، فقال: يا رسول الله ‏تركت عليّاً وأخرجتنا؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما أنا تركته وأخرجتكم، ولكنَّ الله تركه وأخرجكم، وفي ‏هذا بيان قوله لعلي عليه السّلام: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى‏‎.‎
قالت العُلماء: فأين هذا من القرآن؟
قال أبو الحسن عليه السّلام: أوجِدُكُم في ذلك قرآناً أقرؤه عليكم، قالوا: هات‎.‎
قال عليه السّلام: قول الله عزَّ وجلَّ: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً)، ‏ففي هذه الآية منزلةُ هارون من موسى، وفيها أيضاً منزلةُ عليّ عليه السّلام من رسول الله صلّى الله عليه وآله‏‎.‎
ومع هذا دليل ظاهر في رسول الله صلّى الله عليه وآله حين قال: إنّ هذا المسجد لا يحلُّ لجُنُب ولا لحائض إلاّ لمحمّد ‏وآل مُحمّد‎.‎
فقالت العُلماء: هذا الشرح وهذا البيان لا يوجد إلاّ عندكم معشرَ أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله؟
قال أبو الحسن عليه السّلام: ومن ينكر لنا ذلك ورسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، فمن ‏أراد مدينةَ العلم فليأتها من بابها، ففيما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشرف والتقدمة والاصطفاء والطهارة ما لا ‏يُنكره إلاّ معاندٌ، ولله عزَّ وجلَّ الحمدُ على ذلك، فهذه الرّابعة‏‎.‎
وأمّا الخامسة: فقولُ الله عزَّ وجلَّ: (وَآتِ ذَا القُربى حَقَّهُ) خصوصية خصَّهم الله العزيز الجبّار بها، واصطفاهم على ‏الأُمّة، فلمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: ادعوا لي فاطمة فدعوها له‎.‎
فقال: يا فاطمة، قالت: لبيّك يا رسول الله، فقال: إنَّ فدك لم يُوجَف عليها بخيل ولا ركاب، وهي لي خاصَّة دون ‏المسلمين، وقد جعلتها لك لما أمرني الله به فخُذيها لك ولولدك، فهذه الخامسة‎.‎
وأمّا السّادسة: فقول الله عزَّ وجلَّ: (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي القُربى) فهذه خصوصية للنبي صلّى الله ‏عليه وآله دون الأنبياء، وخصوصيَّة للآل دون غيرهم، وذلك أنَّ الله حكى عن الأنبياء في ذكر نوح عليه السّلام: (وَيَا ‏قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ‎).‎
وحكى عن هود عليه السّلام قال: (لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ‎).‎
وقال لنبيِّه صلّى الله عليه وآله: (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي القُربى)، ولم يفرض الله مودَّتهم إلاّ وقد علم ‏أنَّهم لا يرتدّون عن الدين أبداً، ولا يرجعون إلى ضلالة أبداً‎.‎
وأُخرى أن يكون الرّجل وادّاً للرجل فيكون بعضُ أهل بيته عدوَّاً له فلا يَسلَمُ قلبٌ، فأحبَّ الله أن لا يكون في قلبِ ‏رسول الله صلّى الله عليه وآله على المؤمنين شيءٌ، إذ فرض عليهم مودَّة ذي القُربى، فمن أخذ بها وأحبَّ رسولَ الله ‏صلّى الله عليه وآله وأحبَّ أهل بيته عليهم السّلام لم يستطع رسولُ الله أن يبغضه، ومن تركها ولم يأخذها وأبغض أهل ‏بيت نبيِّه صلّى الله عليه وآله فعلى رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يبغضه; لأنّه قد ترك فريضة من فرائض الله، ‏وأيُّ فضيلة وأيُّ شرف يتقدّم هذا‎.‎
ولمّا أنزل الله هذه الآية على نبيِّه صلّى الله عليه وآله: (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي القُربى)، قام رسول الله ‏صلّى الله عليه وآله في أصحابه، فَحَمِد الله وأثنى عليه، وقال: أيُّها النّاس إنَّ الله قد فرض عليكم فرضاً فهل أنتم ‏مؤدُّوه؟ فلم يجبه أحدٌ‏‎.‎
فقام فيهم يوماً ثانياً، فقال مثل ذلك، فلميجبه أحدٌ، فقام فيهم يومَ الثّالث، فقال: أيُّها النّاس إنَّ الله قد فرض عليكم فرضاً ‏فهل أنتم مؤدُّوه؟ فلم يجبه أحد، فقال: أيُّها النّاس إنَّه ليس ذهباً ولا فضة، ولا مأكولاً ولا مشروباً، قالوا: فهات إذاً؟ فتلا ‏عليهم هذه الآية، فقالوا: أمَّا هذا فنعم، فما وفى به أكثرُهم‎.‎
ثمّ قال أبو الحسن عليه السّلام: حدّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه، عن الحُسين بن عليّ عليهما السّلام، قال: اجتمع ‏المهاجرون والأنصار إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقالوا: إنّ لك يا رسول الله مؤونةً في نفقتك، وفيمن يأتيك ‏من الوفود، وهذه أموالنا مع دمائنا، فاحكم بها بارَّاً مأجوراً، أعطِ ما شئت وأمسك ما شئت من غير حرج‏‎.‎
فأنزل الله عزَّ وجلَّ عليه الروح الأمين، فقال: يا مُحمّد قُل (لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي القُربى)، لا تؤذوا ‏قرابتي من بعدي، فخرجوا، فقال أُناسٌ منهم: ما حمل رسول الله على ترك ما عرضنا عليه إلاّ ليحُثَّنا على قرابته من ‏بعده إن هو إلاّ شيء افتراه في مجلسه، وكان ذلك من قولهم عظيماً‎.‎
فأنزل الله هذه الآية: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُل إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ ‏شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، فبعث إليهم النّبيّ صلّى الله عليه وآله فقال: هل من حدث؟ فقالوا: إي والله يا ‏رسول الله، لقد تكلّم بعضنا كلاماً عظيماً فكرهناه، فتلا عليهم رسول الله فبكوا واشتدَّ بكاؤهم، فأنزل الله تعالى: (وَهُوَ ‏الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) فهذه السّادسة‎.‎
وأمّا السّابعة، فيقول الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النّبيّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وقد علم ‏المعاندون منهم أنَّه لمّا نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله، قد عرفنا التسليم عليك، فكيف الصّلاة عليك؟ فقال: تقولون: ‏اللهم صلِّ على مُحمّد وآل مُحمّد، كما صلَّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيد، وهل بينكم معاشر النّاس في ‏هذا اختلافٌ؟‎.‎
قالوا: لا‎.‎
فقال المأمون: هذا ما لا اختلاف فيه أصلاً، وعليه الإجماع، فهل عندك في الآل شيء أوضح من هذا القرآن؟
قال أبو الحسن عليه السّلام: أخبروني عن قول الله: (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) فمن ‏عنى بقوله: يس؟‎.‎
قالت العُلماء: يس مُحمّد ليس فيه شكّ‎.‎
قال أبو الحسن عليه السّلام: أعطى الله مُحمّداً وآل مُحمّد من ذلك فضلاً لم يبلغ أحدٌ كنه وصفه لمن عقله، وذلك أنَّ الله ‏لم يسلّم على أحد إلاّ على الأنبياء صلوات الله عليهم، فقال تبارك وتعالى: سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ، وقال: سَلَامٌ عَلَى ‏إِبْرَاهِيمَ، وقال: سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ولم يقل: سلامٌ على آل نوح، ولم يقل: سلامٌ على آل إبراهيم، ولا قال: سلامٌ ‏على آل موسى وهارون; وقال عزَّ وجلَّ: (سَلاّمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) يعني آل مُحمّد، فهذه السّابعة‎.‎
وأمَّا الثّامنة، فقول الله عزَّ وجلَّ: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فإنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربى) فقرن سهم ذي ‏القُربى مع سهمه وسهم رسوله صلّى الله عليه وآله، فهذا فصل بين الآل والأُمّة، لأنَّ الله جعلهم في حيِّز وجعل النّاس ‏كلَّهم في حيِّز دون ذلك، ورضي لهم ما رضي لنفسه واصطفاهم فيه، وابتدأ بنفسه ثمّ ثنّى برسوله، ثمّ بذي القُربى في ‏كُلّ ما كان من الفيء والغنيمة وغير ذلك ممّا رضيه عزّ وجل لنفسه ورضيه لهم‎.‎
فقال ـ وقوله الحقُّ ـ: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فإنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربى)، فهذا توكيد مؤكّد، وأمرٌ ‏دائم لهم إلى يوم القيامة في كتاب الله الناطق الذي (لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ‏‎).‎
وأمّا قوله: وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ، فإنّ اليتيم إذا انقطع يتمُهُ خرج من المغانم، ولم يكُن له نصيبٌ، وكذلك المسكين إذا ‏انقطعت مسكنته لم يكُن له نصيبٌ في المغنم، ولا يحلُّ له أخذه، وسهم ذي القُربى إلى يوم القيامة، قائم فيهم للغنيِّ ‏والفقير، لأنَّه لا أحد أغنى من الله ولا من رسوله صلّى الله عليه وآله، فجعل لنفسه منها سهماً ولرسوله صلّى الله عليه ‏وآله سهماً، فما رضي لنفسه ولرسوله رضيه لهم‎.‎
وكذلك الفيء ما رضيه لنفسه ولنبيَّه صلّى الله عليه وآله رضيه لذي القُربى، كما جاز لهم في الغنيمة فبدأ بنفسه، ثمّ ‏برسوله صلّى الله عليه وآله، ثمّ بهم، وقرن سهم بسهم الله وسهم رسوله صلّى الله عليه وآله وكذلك في الطاعة، قال ‏عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) فبدأ بنفسه، ثمّ برسوله صلّى الله عليه ‏وآله، ثمّ بأهل بيته‎.‎
وكذلك آية الولاية: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ)، فجعل ولايتهم مع طاعة الرسول مقرونةً بطاعته، كما ‏جعل سهمه مع سهم الرسول مقروناً بأسهمهم في الغنيمة والفيء، فتبارك الله ما أعظم نعمته على أهل هذا البيت‎.‎
فلمّا جاءت قصةُ الصّدقة نزَّه نفسه عزَّ ذكره، ونزَّه رسوله صلّى الله عليه وآله، ونزَّه أهل بيته عنها، فقال: (إِنَّمَا ‏الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ‏فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ)، فهل تجد في شيء من ذلك أنَّه جعل لنفسه سهماً أو لرسوله صلّى الله عليه وآله أو لذي القُربى، لأنّه ‏لمّا نزَّههم عن الصّدقة نزَّه نفسه ونزَّه رسولَه ونزَّه أهل بيته لا بل حرَّم عليهم، لأنَّ الصّدقة محرّمةٌ على مُحمّد وأهل ‏بيته، وهي أوساخ النّاس لا تحِلُّ لهم، لأنّهم طُهِّروا من كُلّ دنس ورسخ، فلمّا طهَّرهم واصطفاهم، رضي لهم ما رضي ‏لنفسه، وكره لهم ما كره لنفسه‎.‎
وأمّا التّاسعة، فنحن أهل الذكر الذين قال الله في محكم كتابه: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‎).‎
فقالت العُلماء: إنّما عنى بذلك اليهود والنّصارى‎.‎
قال أبو الحسن عليه السّلام: وهل يجوز ذلك؟ إذاً يدعونا إلى دينهم ويقولون: إنّه أفضل من دين الإسلام‎.‎
فقال المأمون: فهل عندك في ذلك شرح يُخالف ما قالوا يا أبا الحسن؟
قال: نعم، الذِكرُ رسول الله صلّى الله عليه وآله ونحن أهله، وذلك بيّن في كتاب الله بقوله في سورة الطلاق: (فَاتَّقُوا اللَّهَ ‏يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ)، فالذِّكر رسول الله ونحن أهله، ‏فهذه التّاسعة‎.‎
وأمّا العاشرة، فقول الله عزَّ وجلَّ في آية التحريم: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ)، أخبروني هل تصلح ‏ابنتي أو ابنة ابنتي، أو ما تناسل من صلبي لرسول الله أن يتزوّجها لو كان حيّاً؟‏‎.‎
قالوا: لا‎.‎
قال عليه السّلام: فأخبروني هل كانت ابنةُ أحدكم تصلَحُ له أن يتزوّجها؟‎.‎
قالوا: بلى‎.‎
فقال عليه السّلام: ففي هذا بيان أنّا من آله، ولستم من آله، ولو كنتم من آله لحرّمت عليه بناتكم كما حرّمت عليه بناتي، ‏لاِنّا من آله وأنتم من أُمّته، فهذا فرق بين الآل والأمّة، إذا لم تكن الآل فليست منه، فهذه العاشرة‎.‎
وأمّا الحادية عشرة، فقوله في سورة المؤمن حكايةً عن قول رجل: (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ‏أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ)، فكان ابنَ خال فرعون فنسبه إلى فرعون بنسبه ولم ‏يضفه إليه بدينه‎.‎
وكذلك خُصِّصنا نحن إذ كنا من آل رسول الله صلّى الله عليه وآله بولادتنا منه، وعُمِّمنا النّاس بدينه، فهذا فرق ما بين ‏الآل والأمّة، فهذه الحادية عشرة‎.‎
وأمّا الثّانية عشرة، فقوله: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، فخصّنا بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع أمره، ثمّ خصَّنا ‏دون الأُمّة، فكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يجيء إلى باب عليّ وفاطمة عليهما السّلام بعد نزول هذه الآية تسعة ‏أشهر في كُلّ يوم عند حضور كُلّ صلاة خمس مرّات، فيقول: الصّلاة يرحمكم الله، وما أكرم الله أحداً من ذراري ‏الأنبياء بهذه الكرامة التي أكرمنا الله بها، وخصّنا من جميع أهل بيته، فهذا فرق ما بين الآل والأُمَّة‎.‎
وصلّى الله على ذرّيته، والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على مُحمّد نبيه‏‎.‎

مناظرة الإمام الرّضا عليه السّلام مع أصحاب الأديان‏
قال الحسن بن مُحمّد النّوفلي: لمّا قدم عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام إلى المأمون، أمر الفضل بن سهل أن يجمع ‏له أصحاب المقالات، مثل الجاثليق ورأس الجالوت، ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر، وأصحاب زردهشت، ‏وقسطاس الرومي والمُتكلمين ليسمع كلامه وكلامهم، فجمعهم الفضل بن سهل، ثمّ أعلم المأمون باجتماعهم، فقال: ‏أدخلهم عليّ، ففعل‎.‎
فرحّب بهم المأمون، ثمّ قال لهم: إنّي إنّما جمعتكم لخير، وأحببت أن تناظروا ابن عمّي هذا المدنيّ القادم عليّ، فإذا ‏كان بُكرة فاغدوا عليّ، ولا يتخلّف منكم أحد، فقالوا: السّمع والطّاعة يا أمير المؤمنين، نحن مبكّرون إن شاء الله‎.‎
قال الحسن بن مُحمّد النّوفلي: فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرّضا عليه السّلام إذ دخل علينا ياسر الخادم، ‏وكان يتولّى أمر أبي الحسن عليه السّلام فقال: يا سيّدي إنّ أمير المؤمنين يقرئك السّلام، فيقول: فداك أخوك إنّه اجتمع ‏إليّ أصحاب المقالات وأهل الأديان والمتكلّمون من جميع الملل، فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم، وإن ‏كرهت كلامهم فلا تتجشّم، وإن أحببت أن نصير إليك خفّ ذلك علينا‎.‎
فقال أبو الحسن عليه السّلام: أبلغه السّلام وقل له: قد علمت ما أردت وأنا صائر إليك بُكرة إن شاء الله‎.‎
قال الحسن بن مُحمّد النّوفلي: فلمّا مضى ياسر التفت إلينا، ثمّ قال لي: يا نوفليّ أنت عراقي ورقّة العراقي غير غليظ ‏فما عندك في جمع ابن عمّك علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات؟، فقُلت: جعلت فداك يريد الامتحان، ويحبّ أن ‏يعرف ما عندك، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان وبئس ـ والله ـ ما بنى‏‎.‎
فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب؟، قُلت: إنّ أصحاب البدع والكلام خلاف العُلماء، وذلك أنّ العالم لا ينكر غير ‏المنكر، وأصحاب المقالات والمتكلّمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهته، وإن احتججت عليهم بأنّ الله واحد قالوا: ‏صحّح وحدانيّته، وإن قُلت: إنّ مُحمّداً صلّى الله عليه وآله رسول الله، قالوا: أثبت رسالته، ثمّ يباهتون الرّجل وهو ‏يبطل عليهم بحجّته، ويغالطونه حتّى يترك قوله، فأحذرهم جعلت فداك‎.‎
قال: فتبسّم عليه السّلام، ثمّ قال: يا نوفلي أتخاف أن يقطعوا عليّ حجّتي؟‎.‎
قُلت: لا والله ما خفت عليك قطّ، وإنّي لأرجو أن يظفرك الله لهم إن شاء الله‎.‎
فقال لي: يا نوفلي تحبّ أن تعلم متى يندم المأمون؟ قُلت: نعم‎.‎
قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التّوراة بتوراتهم، وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم، وعلى أهل الزّبور بزبورهم، وعلى ‏الصابئين بعبرانيتهم، وعلى الهرابذة بفارسيتهم، وعلى أهل الرّوم بروميتهم، وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم، فإذا ‏قطعت كُلّ صنف، ودحضت حجّته، وترك مقالته، ورجع إليّ قولي، علم المأمون أنّ الموضع الذي هو بسبيله ليس هو ‏بمستحق له، فعند ذلك تكون النّدامة منه، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم‏‎.‎
فلمّا أصبحنا أتانا الفضل بن سهل، فقال له: جعلت فداك ابن عمّك ينتظرك، وقد اجتمع القوم، فما رأيك في إتيانه؟
فقال الرّضا عليه السّلام: تقدّمني فإنّي صائر إلى ناحيتكم إن شاء الله، ثمّ توضأ عليه السّلام وضوء الصّلاة، وشرب ‏شربة سويق وسقانا منه، ثمّ خرج وخرجنا معه حتّى دخلنا على المأمون، فإذا المجلس غاص بأهله، ومحمّد بن جعفر ‏في جماعة الطّالبيين والهاشميين والقوّاد حضور‎.‎
فلمّا دخل الرّضا عليه السّلام قام المأمون، وقام مُحمّد بن جعفر، وقام جميع بني هاشم، فما زالوا وقوفاً والرّضا عليه ‏السّلام جالس مع المأمون، حتّى أمرهم بالجلوس فجلسوا، فلم يزل المأمون مُقبلاً عليه يحدّثه ساعة، ثمّ التفت إلى ‏الجاثليق، فقال: يا جاثليق، هذا ابن عمّي عليّ بن موسى بن جعفر، وهو من ولد فاطمة بنت نبينا، وابن عليّ بن أبي ‏طالب عليهم السّلام، فأحب أن تكلّمه وتحاجّه وتنصفه‎.‎
فقال الجاثليق: يا أمير المؤمنين، كيف أُحاجُّ رجلاً يحتجّ عليّ بكتاب أنا مُنكره، ونبيّ لا أؤمن به؟
فقال له الإمام الرّضا عليه السّلام: يا نصرانيّ، فإنّ احتججت عليك بإنجيلك أتقرّ به؟‎!.‎
قال الجاثليق: وهل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل، نعم والله، أقرّ به على رغم أنفي‎.‎
فقال له الرّضا عليه السّلام: سل عمّا بدا لك وافهم الجواب‎.‎
قال الجاثليق: ما تقول في نبوّة عيسى عليه السّلام وكتابه؟ هل تنكر منهما شيئاً؟
قال الرّضا عليه السّلام: أنا مُقرّ بنبوّة عيسى وكتابه وما بشّر به أُمته، وأقرّ به الحواريون، وكافر بنبوّة كُلّ عيسي لم ‏يقرَّ بنبوّة مُحمّد صلّى الله عليه وآله وبكتابه، ولم يبشّر به أُمّته‎.‎
قال الجاثليق: أليس إنّما تقطع الأحكام بشاهدي عدل؟ قال: بلى‎.‎
قال: فأقم شاهدين من غير أهل ملّتك على نبوّة مُحمّد، ممّن لا تنكره النّصرانية، وسلنا مثل ذلك من غير أهل ملّتنا‎.‎
قال الرّضا عليه السّلام: الآن جئت بالنّصفة يا نصراني، ألا تقبل منّي العدل المقدّم عند المسيح عيسى بن مريم؟‎.‎
قال الجاثليق: ومن هذا العدل؟ سمه لي؟ قال عليه السّلام: ما تقول في يوحنا الدّيلمي؟‎.‎
قال: بخ بخ! ذكرت أحبّ النّاس إلى المسيح‎.‎
قال عليه السّلام: فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أنّ يوحنا قال: إنّ المسيح أخبرني بدين مُحمّد العربي، وبشّرني به ‏إنّه يكون من بعده، فبشّرت به الحواريين فآمنوا به؟‎!.‎
قال الجاثليق: قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح وبشّر بنبوّة رجل وبأهل بيته ووصيّه، ولم يلخّص متى يكون ذلك، ولم ‏يسمّ لنا القوم فنعرفهم‎.‎
قال الرّضا عليه السّلام: فإنّ جئناك بمن يقرأ الإنجيل فتلا عليك ذكر مُحمّد وأهل بيته وأُمّته أتؤمن به؟‎.‎
قال: شديداً، قال الرّضا عليه السّلام لقسطاس الرّومي: كيف حفظك للسّفر الثّالث من الإنجيل؟
قال: ما احفظني له، ثمّ التفت إلى رأس الجالوت فقال له: ألست تقرأ الإنجيل؟!، قال: بلى لعمري‎.‎
قال عليه السّلام: فخذ على السّفر الثّالث، فإنّ كان فيه ذكر مُحمّد وأهل بيته وأُمته سلام الله عليهم فاشهدوا لي، وإن لم ‏يكُن فيه ذكره فلا تشهدوا لي‎.‎
ثمّ قرأ عليه السّلام السّفر الثّالث حتّى إذا بلغ ذكر النّبيّ صلّى الله عليه وآله وقف، ثمّ قال: يا نصراني إنّي أسألك بحق ‏المسيح وأُمّه أتعلم أنّي عالم بالإنجيل؟ قال: نعم، ثمّ تلا علينا ذكر مُحمّد وأهل بيته وأُمته، ثمّ قال: ما تقول يا نصراني؟ ‏هذا قول عيسى بن مريم، فإنّ كذبت ما ينطق به الإنجيل فقد كذبت عيسى وموسى عليهما السّلام، ومتى أنكرت هذا ‏الذّكر وجب عليك القتل، لأنّك تكون قد كفرت بربّك وبنبيّك وبكتابك‎.‎
قال الجاثليق: لا أُنكر ما قد بان لي في الإنجيل وإنّي لمقرّ به‎.‎
قال الرّضا عليه السّلام: اشهدوا على إقراره، ثمّ قال: يا جاثليق، سل عمّا بدا لك‎.‎
قال الجاثليق: اخبرني عن حواري عيسى بن مريم كم كان عدّتهم، وعن عُلماء الإنجيل كم كانوا؟
قال الرّضا عليه السّلام: على الخبير سقطت، أمّا الحواريون فكانوا أثنى عشر رجلاً، وكان أفضلهم وأعلمهم لوقا‎.‎
وأمّا عُلماء النّصارى فكانوا ثلاثة رجال: يوحنّا الأكبر بأج، ويوحنّا بقرقيسيا، ويوحنّا الدّيلمي بزجان، وعنده كان ذكر ‏النّبيّ صلّى الله عليه وآله، وذكر أهل بيته وأُمّته، وهو الذي بشّر أُمّة عيسى وبني إسرائيل به‎.‎
ثمّ قال عليه السّلام: يا نصراني والله إنّا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمّد صلّى الله عليه وآله، وما ننقم على عيساكم شيئاً ‏إلاّ ضعفه وقلّة صيامه وصلاته‎.‎
قال الجاثليق: أفسدت والله علمك وضعّفت أمرك، وما كنت ظننت إلاّ أنّك أعلم أهل الإسلام، قال الرّضا عليه السّلام: ‏وكيف ذلك؟‎.‎
قال الجاثليق: من قولك: إنّ عيساكم كان ضعيفاً قليل الصّيام قليل الصّلاة، وما أفطر عيسى يوماً قطّ، ولا نام بليل قطّ، ‏وما زال صائم الدّهر، قائم الليل‎.‎
قال الرّضا عليه السّلام: فلمن كان يصوم ويصلّي؟، قال: فخرس الجاثليق وانقطع‎.‎
ثمّ أنّ الإمام الرّضا عليه السّلام بدأ يسأل النّصراني مسائل، ولم يكُن للنّصراني جواب، فيجيبه الإمام الرّضا عليه ‏السّلام، إلى أن قال الجاثليق: أمّا هذا فلم أعلمه وقد علمته الآن، وقد بان لي من فضل علمك بالإنجيل، وسمعت أشياء ‏ممّا علمته، شهد قلبي أنّها حقّ، فاستزدت كثيراً من الفهم‏‎.‎
وهكذا أخذ الإمام الرّضا عليه السّلام يسأل من رأس الجالوت والهربذ الأكبر وغيرهما، ولم يكُن عندهم جواب مُقنع‎.‎

مناظرة الإمام الرّضا عليه السّلام مع سُليمان المروزي‏
قدم سُليمان المروزي ـ مُتكلّم خراسان ـ على المأمون العباسي، فأكرمه ووصله، ثمّ قال له: إنّ ابن عمّي عليّ بن ‏موسى قدم عليّ من الحجاز، وهو يحبّ الكلام وأصحابه، فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته‏‎.‎
فقال سليمان: يا أمير المؤمنين إنّي أكره أن اسأل مثله في مجلس في جماعة من بني هاشم، فينتقص عند القوم إذا ‏كلّمني، ولا يجوز الاستقصاء عليه‎.‎
قال المأمون: إنّما وجهت إليك لمعرفتي بقوّتك، وليس مرادي إلاّ أن تقطعه عن حجّة واحدة فقط‎.‎
فقال سليمان: حسبك يا أمير المؤمنين، أجمع بيني وبينه وخلّني وإيّاه وألزم، فوجّه المأمون إلى الإمام الرّضا عليه ‏السّلام، فقال: إنّه قدم علينا رجلٌ من أهل مرو وهو واحد خراسان من أصحاب الكلام، فإنّ خفَّ عليك أن تتجشّم ‏المصير إلينا فعلت‎.‎
فنهض عليه السّلام للوضوء، وقال لنا: تقدّموني وعمران الصابي معنا، فصرنا إلى الباب، فأخذ ياسر وخالد بيديّ ‏فأدخلاني على المأمون، فلمّا سلّمت قال: أين أخي أبو الحسن أبقاه الله؟
قُلت: خلّفته يلبس ثيابه وأمرنا أن نتقدّم، ثمّ قُلت: يا أمير المؤمنين إنّ عمران مولاك معي وهو بالباب‎.‎
فقال: من عمران؟ قُلت: الصابي الذي أسلم على يدك‎.‎
قال: فليدخل، فدخل فرحّب به المأمون، ثمّ قال له: يا عمران لم تمتْ حتّى صرت من بني هاشم‎.‎
قال: الحمد لله الذي شرّفني بكم يا أمير المؤمنين‎.‎
فقال له المأمون: يا عمران هذا سليمان المروزي متكلّم خراسان‎.‎
قال عمران: يا أمير المؤمنين إنّه يزعم أنّه واحد خراسان في النظر وينكر البداء‎.‎
قال: فلم لا تناظره؟
قال عمران: ذلك إليه‎.‎
فدخل الرّضا عليه السّلام فقال: في أيّ شيء كنتم؟‎.‎
قال عمران: يا بن رسول الله هذا سليمان المروزي‎.‎
فقال سليمان: أترضى بأبي الحسن وبقوله فيه؟
قال عمران: قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء على أن يأتيني فيه بحجّة احتجّ بها على نظرائي من أهل النظر‎.‎
قال المأمون: يا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه؟
قال عليه السّلام: وما أنكرت من البداء يا سليمان؟ والله عزّ وجل يقول: (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ ‏شَيْئًا، ويقول عزّ وجل: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثمّ يُعِيدُهُ)، ويقول: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض)، ويقول عزّ وجل: (يَزِيدُ ‏فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء)، ويقول: (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ)، ويقول عزّ وجل: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ ‏وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ)، ويقول عزّ وجل: (وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ‎) .‎
قال سليمان: هل رويت فيه شيئاً عن آبائك؟
قال عليه السّلام: نعم، رويت عن أبي عبد الله عليه السّلام أنّه قال: إنّ لله عزّ وجل علمين، علماً مخزوناً مكنوناً لا ‏يعلمه إلاّ هو، من ذلك يكون البداء، وعلماً علّمه ملائكته ورسله، فالعلماء من أهل بيت نبيّه يعلمونه‎.‎
قال سليمان: أحبّ أن تنزعه لي من كتاب الله عزّ وجلّ‎.‎
قال عليه السّلام: قول الله عزّ وجل لنبيه صلّى الله عليه وآله: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ أراد هلاكهم ثمّ بدا لله، فقال: ‏وَذَكِّرْ فإنّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ‎).‎
قال سليمان: زدني جعلت فداك‎.‎
قال الرّضا عليه السّلام: لقد أخبرني أبي عن آبائه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: إنّ الله عزّ وجل أوحى إلى ‏نبي من أنبيائه: أن أخبر فلان الملك أنّي متوفّيه إلى كذا وكذا، فأتاه ذلك النّبيّ فأخبره، فدعا الله الملك وهو على سريره ‏حتّى سقط من السرير، فقال: يا ربّ أجّلني يشبّ طفلي وأفضي أمري، فأوحى الله عزّ وجل إلى ذلك النّبيّ أن ائت ‏فلان الملك فأعلمه أنّي قد أنسيت في أجله، وزدت في عمره خمس عشرة سنة‎.‎
فقال ذلك النّبيّ: يا ربّ أنّك لتعلم أنّي لم أكذب قطّ، فأوحى الله عزّ وجل إليه: إنّما أنت عبد مأمور، فأبلغه ذلك والله لا ‏يسأل عمّا يفعل، ثمّ التفت إلى سليمان فقال: أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب‎.‎
قال: أعوذ بالله من ذلك، وما قالت اليهود؟
قال عليه السّلام: قالت: يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ، يعنون أنّ الله قد فرغ من الأمر فليسيحدث شيئاً‎.‎
فقال الله عزّ وجل: (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ)، ولقد سمعت قوماً سألوا أبي موسى بن جعفر عليه السّلام عن ‏البداء، فقال: وما ينكر النّاس من البداء؟ وأن يقف الله قوماً يرجيهم لأمره‎.‎
قال سليمان: ألا تخبرني عن إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ في أي شيء أُنزلت؟‏
قال الرّضا عليه السّلام: يا سليمان ليلة القدر، يقدّر الله عزّ وجل فيها ما يكون من السّنة إلى السّنة، من حياة أو موت ‏أو خير أو شر، أو رزق فما قدره من تلك الليلة فهو من المحتوم‎.‎
قال سليمان الآن قد فهمت جعلت فداك فزدني‏‎.‎
قال عليه السّلام: يا سليمان إنّ من الأمور أُموراً موقوفة عند الله تبارك وتعالى، يقدّم منها ما يشاء ويؤخّر ما يشاء، يا ‏سليمان إنّ عليّاً عليه السّلام كان يقول: العلم علمان: فعلم علّمه الله ملائكته ورسله، فما علّمه ملائكته ورسله فإنّه ‏يكون، ولا يكذّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله‎.‎
وعلم عنده مخزون لم يطّلع عليه أحداً من خلقه، يقدّم منه ما يشاء ويؤخّر منه ما يشاء، ويمحو ما يشاء ويثبت ما ‏يشاء‎.‎
قال سليمان للمأمون: يا أمير المؤمنين لا أنكر بعد يومي هذا البداء، ولا أُكذّب به إن شاء الله‎.‎
فقال المأمون: يا سليمان سل أبا الحسن عما بدا لك، وعليك بحسن الاستماع والإنصاف‎.‎
قال سليمان: يا سيّدي أسألك؟
قال الرّضا عليه السّلام: سل عمّا بدا لك‎.‎
قال: ما تقول فيمن جعل الإرادة اسماً وصفة مثل حيّ وسميع وبصير وقدير؟
قال الرّضا عليه السّلام: إنّما قلتم حدثت الأشياء واختلف لأنّه شاء وأراد، ولم تقولوا حدثت واختلفت لأنّه سميع ‏وبصير، فهذا دليل على أنّها ليست بمثل سميع ولا بصير ولا قدير‎.‎
قال سليمان: فإنّه لم يزل مريداً‎.‎
قال عليه السّلام: يا سليمان فإرادته غيره؟‎.‎
قال: نعم‎.‎
قال عليه السّلام: فقد أثبتّ معه شيئاً غيره لم يزل‏‎.‎
قال سليمان: ما أثبت؟
قال الرّضا عليه السّلام: أهي محدثة؟‎.‎
قال سليمان: لا ما هي محدثة‎.‎
فصاح المأمون وقال: يا سليمان مثله يعايا أو يكابر؟ عليك بالإنصاف أما ترى من حولك من أهل النظر، ثمّ قال: كلّمه ‏يا أبا الحسن، فإنّه متكلّم خراسان، فأعاد عليه المسألة‎.‎
فقال عليه السّلام: هي محدثة، يا سليمان فإنّ الشّيء إذا لم يكُن أزليّاً كان محدثاً، وإذا لم يكُن محدثاً كان أزليّاً‎.‎
قال سليمان: إرادته منه كما أن سمعه منه، وبصره منه، وعلمه منه‎.‎
قال الرّضا عليه السّلام: فإرادته نفسه‎.‎
قال: لا‎.‎
قال عليه السّلام: فليس المريد مثل السميع والبصير‎.‎
قال سليمان: إنّما أراد نفسه كما سمع نفسه وأبصر نفسه وعلم نفسه‎.‎
قال الرّضا عليه السّلام: ما معنى أراد نفسه أراد أن يكون شيئاً، أو أراد أن يكون حيّاً أو سميعاً أو بصيراً أو قديراً؟‎!.‎
قال: نعم‎.‎
قال الرّضا عليه السّلام: أفبإرادته كان ذلك؟! ثمّ قال عليه السّلام: فليس لقولك أراد، أن يكون حيّاً سميعاً بصيراً، معنى ‏إذا لم يكُن ذلك بإرادته‎.‎
قال سليمان: بلى; قد كان ذلك بإرادته‎.‎
فضحك المأمون ومن حوله، وضحك الرّضا عليه السّلام، ثمّ قال لهم: ارفقوا بمتكلّم خراسان، يا سليمان فقد حال ‏عندكم عن حاله وتغيّر عنها وهذا ممّا لا يوصف الله عزّ وجل به، فانقطع‎.‎

مناظرة الإمام الرّضا عليه السّلام مع عليّ بن الجهم‏
عن أبي الصّلت الهروي: أنّ المأمون لما جمع لعلي بن موسى الرّضا عليه السّلام أهل المقالات من أهل الإسلام ‏والديانات ـ من اليهود والنّصارى والمجوس والصابئين ـ وسائر أهل المقالات، فلم يقم أحد إلاّ وقد ألزمه حجّته كأنّه قد ‏أُلقم حجراً‎.‎
فقام إليه عليّ بن مُحمّد بن الجهم، فقال له: يا بن رسول الله أتقول بعصمة الأنبياء؟ قال: بلى‎.‎
قال: فما تعمل في قول الله عزّ وجل: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)؟ وقوله عزّ وجل: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن ‏لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ)؟ وقوله في يوسف: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا)؟ وقوله عزّ وجل في داود: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ)؟ وقوله ‏في نبيّه مُحمّد صلّى الله عليه وآله: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النّاس وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ)؟
فقال الإمام الرّضا عليه السّلام: ويحك يا عليّ ! اتق الله ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش، ولا تتأوّل كتاب الله عزّ ‏وجل برأيك، فإنّ الله عزّ وجل يقول: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ‎).‎
وأمّا قوله عزّ وجل في آدم عليه السّلام: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)، فإنّ الله عزّ وجلّ خلق آدم حجّة في أرضه، وخليفة ‏في بلاده، لم يخلقه للجنّة، وكانت المعصية من آدم في الجنّة لا في الأرض، لتتمّ مقادير أمر الله عزّ وجل، فلمّا أهبط ‏إلى الأرض وجعل حجّة وخليفة عصم بقوله عزّ وجل: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ‏الْعَالَمِينَ‎).‎
وأمّا قوله عزّ وجلّ: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ) إنّما ظن أنّ الله عزّ وجل لا يضيق عليه رزقه ‏ألا تسمع قول الله عزّ وجل: (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) أي ضيّق عليه، ولو ظنّ أنّ الله لا ‏يقدر عليه لكان قد كفر‎.‎
وأمّا قوله عزّ وجل في يوسف: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا فإنّها همّت بالمعصية وهمّ يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما ‏داخله، فصرف الله عنه قتلها والفاحشة، وهو قوله: لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ ـ يعني القتل ـ وَالْفَحْشَاء يعني الزنا‎.‎
وأمّا داود فما يقول من قبلكم فيه؟‏‎.‎
فقال عليّ بن الجهم: يقولون إنّ داود كان في محرابه يصلّي إذ تصوّر له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من ‏الطيور، فقطع صلاته وقام ليأخذ الطير، فخرج الطير إلى الدار، فخرج في أثره فطار الطير إلى السطح، فصعد في ‏طلبه فسقط الطير في دار أوريا بن حنان، فاطلع داود في أثر الطير فإذا بامرأة اُوريا تغتسل، فلمّا نظر اليها هواها ‏وكان اُوريا قد أخرجه في بعض غزواته، فكتب إلى صاحبه أن أقدم أُوريا أمام الحرب، فقدّم فظفر اُوريا بالمشركين ‏فصعب ذلك على داود، فكتب الثّانية أن قدّمه أمام التابوت، فقتل اُوريا رحمه الله، وتزوّج داود بامرأته‎.‎
قال: فضرب الرّضا عليه السّلام بيده على جبهته، وقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون ! لقد نسبتم نبياً من أنبياء الله إلى ‏التهاون بصلاته حتّى خرج في أثر الطير، ثمّ بالفاحشة، ثمّ بالقتل‎.‎
فقال: يا بن رسول الله ! فما كانت خطيئته؟
فقال عليه السّلام: ويحك إنّ داود إنّما ظن أن ما خلق الله عزّ وجلّ خلقاً هو أعلم منه، فبعث الله عزّ وجل إليه الملكين ‏فتسوّرا المحراب، فقالا: (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ إِنَّ ‏هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)، فعجّل داود عليه السّلام على ‏المدّعى عليه، فقال: (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ) ولم يسأل المدّعي البيّنة على ذلك، ولم يُقبل على المدعي ‏عليه فيقول ما يقول‎.‎
فكان هذا خطيئة حكمه، لا ما ذهبتم إليه، ألا تسمع قول الله عزّ وجل يقول: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض ‏فَاحْكُم بَيْنَ النّاس بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ‎).‎
فقُلت: يا بن رسول الله فما قصّته مع اُوريا؟
فقال الإمام الرّضا عليه السّلام: إنّ المرأة في أيّام داود إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوّج بعده أبداً، وأوّل من أباح الله عزّ ‏وجل له أن يتزوّج بامرأة قتل بعلها داود عليه السّلام، فذلك الذي شقّ على اُوريا‎.‎
وأمّا مُحمّد صلّى الله عليه وآله وقول الله عزّ وجل: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النّاس وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن ‏تَخْشَاهُ)، فإنّ الله عزّ وجل عرّف نبيه صلّى الله عليه وآله أسماء أزواجه في دار الدنيا، وأسماء أزواجه في الآخرة، ‏وإنّهنّ أُمهات المؤمنين، وإحدى من سمّي له زينب بنت جحش، وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة، فأخفى صلّى الله ‏عليه وآله اسمها في نفسه، ولم يبده له لكيلا يقول أحد من المنافقين أنّه قال في امرأة في بيت رجل أنّها أحد أزواجه من ‏أُمهات المؤمنين‎.‎
وخشي قول المنافقين، قال الله عزّ وجل: (وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ) في نفسك، وأنّ الله عزّ وجل ما تولّى تزويج أحد من ‏خلقه إلاّ تزويج حواء من آدم، وزينب من رسول الله صلّى الله عليه وآله، وفاطمة من عليّ عليه السّلام‎.‎
قال: فبكى عليّ بن الجهم وقال: يا بن رسول الله، أنا تائب إلى الله عزّ وجل أن أنطق في أنبياء الله بعد يومي هذا إلاّ ‏بما ذكرته‎.‎

مناظرة الإمام الرّضا عليه السّلام مع مُتكلّمي الفرق الإسلامية‏
عن الحسن بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون يوماً، وعنده عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام، وقد اجتمع ‏الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة، فسأله بعضهم، فقال له: يا بن رسول الله بأيّ شيء تصح الإمامة لمدّعيها؟
قال عليه السّلام: بالنص والدليل، قال له: فدلالة الإمام فيما هي؟
قال عليه السّلام: في العلم واستجابة الدعوة، قال: فما وجه إخباركم بما يكون؟
قال عليه السّلام: ذلك بعهد معهود إلينا من رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: فما وجه إخباركم بما في قلوب النّاس؟
قال عليه السّلام: أما بلغك قول الرسول صلّى الله عليه وآله: اتقوا فراسة المؤمن، فإنّه ينظر بنور الله؟ قال: بلى‎.‎
قال عليه السّلام: وما من مؤمن إلاّ وله فراسة ينظر بنور الله على قدر إيمانه، ومبلغ استبصاره وعلمه، وقد جمع الله ‏الأئمّة منّا ما فرّقه في جميع المؤمنين، وقال عز وجل في محكم كتابه: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ)، فأوّل ‏المتوسمين رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ أمير المؤمنين عليه السّلام من بعده، ثمّ الحسن والحسين والأئمّة من ولد ‏الحُسين عليهم السّلام إلى يوم القيامة‎.‎
قال: فنظر إليه المأمون فقال له: يا أبا الحسن زدنا ممّا جعل الله لكم أهل البيت، فقال الرّضا عليه السّلام: إنّ الله عزَّ ‏وجل قد أيّدنا بروح منه مقدّسة مطهّرة ليست بملك لم تكن مع أحد ممّن مضى، إلاّ مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، ‏وهي مع الأئمّة منّا تسدّدهم وتوفّقهم، وهو عمود من نور بيننا وبين الله عز وجلَّ‎.‎
قال له المأمون: يا أبا الحسن بلغني أنَّ قوماً يغلون فيكم، ويتجاوزون فيكم الحدّ؟ فقال الرّضا عليه السّلام: حدَّثني أبي ‏موسى بن جعفر; عن أبيه، عن جعفر بن مُحمّد، عن أبيه مُحمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحُسين، عن أبيه الحُسين ‏بن عليّ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لا ترفعوني فوق حقّي، ‏فإنّ الله تبارك وتعالى اتّخذني عبداً قبل أن يتخذني نبيّاً‎.‎
قال الله تبارك وتعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثمّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ ‏وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم ‏بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ).
آل عمران: 79 ـ 80‏‎.‎
قال عليه السّلام: يهلك فيَّ اثنان ولا ذنب لي، محبّ مفرط ومبغض مفرّط، وأنا أبرأ إلى الله تبارك وتعالى ممّن يغلو ‏فينا، ويرفعنا فوق حدّنا كبراءة عيسى بن مريم عليه السّلام من النّصارى، قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ ‏مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلت لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ ‏قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ مَا قُلت لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ ‏اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ‏المائدة: 116 ـ 117‏‎.‎
وقال عزَّ وجل: (لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ). النّساء: 172.
وقال عز وجل: (مَّا ‏الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ). المائدة: 75.
ومعناه إنّهما كانا ‏يتغوَّطان، فمن ادّعى للأنبياء ربوبية وادّعى للأئمّة ربوبية أو نبوّة أو لغير الأئمّة إمامة، فنحن منه براء في الدنيا ‏والآخرة‎.‎
فقال المأمون: يا أبا الحسن فما تقول في الرجعة؟ فقال الرّضا عليه السّلام: إنّها لحقّ قد كانت في الأُمم السالفة، ونطق ‏به القرآن، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله يكون في هذه الأُمة كُلّ ما كان في الأُمم السالفة حذو النعل بالنعل ‏والقذة بالقذة، وقال عليه السّلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إذا خرج المهدي من ولدي نزل عيسى بن مريم ‏فصلّى خلفه‎ .‎
وقال عليه السّلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنَّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء، قيل: يا ‏رسول الله ثمّ يكون ماذا؟ قال: ثمّ يرجع الحق إلى أهله‎ .‎
فقال المأمون: يا أبا الحسن فما تقول في القائلين بالتناسخ؟
فقال الرّضا عليه السّلام: من قال بالتناسخ فهو كافر بالله العظيم، مكذّب بالجنّة والنار‎.‎
قال المأمون: ما تقول في المسوخ؟
قال الرّضا عليه السّلام: أولئك قوم غضب الله عليهم، فمسخهم، فعاشوا ثلاثة أيّام ثمّ ماتوا ولم يتناسلوا، فما يوجد في ‏الدنيا من القردة والخنازير وغير ذلك ممّا وقع عليهم اسم المسوخية فهو مثل ما لا يحلّ أكلها والانتفاع بها‎.‎
قال المأمون: لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن، فو الله ما يوجد العلم الصحيح إلاّ عند أهل هذا البيت، وإليك انتهت علوم ‏آبائك، فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيراً‎.‎
قال الحسن بن الجهم: فلمّا قام الرّضا عليه السّلام تبعته فانصرف إلى منزله، فدخلت عليه وقلت له: يا ابن رسول الله، ‏الحمد لله الذي وهب لك من جميل رأي أمير المؤمنين ما حمله على ما أرى من إكرامه لك وقبوله لقولك‏‎.‎
فقال عليه السّلام: يا بن الجهم لا يغرنَّك ما ألفيته عليه من إكرامي والاستماع منّي، فإنه سيقتلني بالسمّ وهو ظالم إليَّ، ‏إنّي أعرف ذلك بعهد معهود إليَّ من آبائي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، فاكتم هذا ما دمت حياً‎.‎
قال الحسن بن الجهم: فما حدَّثت أحداً بهذا الحديث إلى أن مضى عليه السّلام بطوس مقتولاً بالسمّ‎.‎

كلمات في الإمام الرّضا عليه السّلام‏
أدلى فريق من الشخصيات بكلمات عن الإمام الرّضا عليه السّلام، وهي تعرب عن إكبارهم وتعظيمهم له، وفيما يلي ‏بعضها‎:‎
‏1‏‎ - ‎أبو الصّلت الهروي‎ ‎
قال أبو الصّلت عبد السّلام الهروي، وهو من أعلام عصره قال: " ما رأيت أعلم من عليّ بن موسى الرّضا، ولا رآه ‏عالم إلا شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجلس له عددا من عُلماء الاديان، وفقهاء الشّريعة والمُتكلمين ‏فغلبهم عن آخرهم، حتّى ما بقي منهم أحد إلا أمر له بالفضل وأقر على نفسه بالقصور‎.‎
‏2‏‎ - ‎إبراهيم بن العباس
كان إبراهيم بن العباس ممّن رافق الإمام عليه السّلام، وقد تحدث عن معالي أخلاقه، وكان مما قاله فيه: وكان - أي ‏الإمام- كثير المعروف والصّدقة في السرِّ، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنّه رأى مثله فلا ‏تصدّقه‎.‎
‏3‏‎ - ‎الرجاء بن أبي الضحاك‎ ‎
أما الرجاء بن أبي الضحاك فهو من القادة العسكريين، وقد اعجب بالإمام يقول: " والله ما رأيت رجلا كان أتقى لله ‏منه، ولا أكثر ذكراً له منه في جميع أوقاته، ولا أشد خوفاً لله عزوجل منه‏‎... "‎
‏4‏‎ - ‎المأمون
وأعرب المأمون في كثير من المناسبات عن إعجابه بشخصية الإمام الرّضا عليه السّلام، وهذه بعض كلماته‏‎:‎
قال المأمون لأسرته حينما لامته على عقده ولاية العهد للإمام الرّضا عليه السّلام: أمّا ما ذكرتم من استبصار المأمون ‏في البيعة لأبي الحسن فما بايع له إلاّ مستبصراً في أمره، عالماً بأنّه لم يبق على ظهرها - أي ظهر الأرض - أبين ‏فضلاً، ولا أطهر عفّة، ولا أورع ورعاً، ولا أزهد زهداً في الدنيا، ولا أطلق نفساً، ولا أرضي في الخاصّة والعامّة، ‏ولا أشدّ في ذات الله منه‎....‎
وقال المأمون في موضع آخر: الإمام الرّضا خير أهل الأرض، وأعلمهم، وأعبدهم‎.‎
‏5‏‎ - ‎الشيخ المفيد‎ ‎
‎قال زعيم الشّيعة مُحمّد بن مُحمّد النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد: " كان الإمام القائم بعد أبي الحسن ‏موسى بن جعفر ( عليهما السّلام ) ابنه أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا ( عليهما السّلام ) لفضله على جماعة اخوته، ‏وأهل بيته، وظهور علمه وحلمه وورعه، واجتماع الخاصة والعامة على ذلك فيه، ومعرفتهم به منه‏‎ ".‎
‏6‏‎ - ‎الواقدي‎ ‎
‎قال الواقدي: " سمع عليّ الحديث من أبيه وعمومته، وغيرهم وكان ثقة يفتي بمسجد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ‏‏) وهو ابن نيف وعشرين سنة وهو من الطبقة الثّامنة من التابعين من أهل البيت‎ ".‎
‎ ‎‏7‏‎ - ‎ابن عنبة
‎ ‎قال جمال الدين أحمد بن على النسابة، المعروف بابن عنبة، الإمام الرّضا " يكُنى أبا الحسن ولم يكُن في الطالبيين ‏في عصره مثله بايع له المأمون بولاية العهد، وضرب اسمه على الدراهم والدنانير، وخطب له على المنابر‎ ". ‎
‎ ‎‏8‏‎ - ‎يوسف بن تغري بردي‎ ‎
‎ ‎قال جمال الدين، أبو المحاسن يوسف بن تغري: " الإمام أبو الحسن الهاشمي العلوي، الحسيني، كان إماما عالما.. ‏وكان سيد بني هاشم في زمانه، وأجلهم، وكان المأمون يعظمه ويبجله ويخضع له، ويتغالى فيه، حتّى جعله ولي ‏عهده‎.. " ‎
‎ ‎‏9‏‎ - ‎ابن ماجة‎ ‎
‎ ‎قال ابن ماجة: " كان - أي الإمام الرّضا - سيد بني هاشم، وكان المأمون يعظمه، ويبجله، وعهد له بالخلافة، واخذ له ‏العهد‎... ". ‎
‎ ‎‏10‏‎ - ‎ابن حجر‎ ‎
‎ ‎قال ابن حجر: " كان الرّضا من أهل العلم والفضل مع شرف النسب‎... ".‎
‎ ‎‏11‏‎ - ‎اليافعي‎ ‎
‎ ‎قال اليافعي: " الإمام الجليل المعظم، سلالة السادة الاكارم: عليّ بن موسى الكاظم، أحد الائمة الاثني عشر، أولي ‏المناقب الذين انتسبت الإمامية إليهم، وقصروا بناء مذهبهم عليهم‎.... ". ‎
‎ ‎‏12‏‎- ‎عامر الطائي‎ ‎
‎ ‎وعلق عامر الطائي على كتاب: صحيفة أهل البيت ( عليهم السّلام ) الذي هو من مؤلفات الإمام الرّضا ( عليه السّلام ‏‏) بقوله: " حدثنا عليّ بن موسى الرّضا امام المتقين، وقدوة أسباط سيد المرسلين‎... ". ‎
‎ ‎‏13‏‎ - ‎بعض الائمة‎ ‎
‎ ‎وأدلى بعض الأئمة بحديث عن الإمام الرّضا ( عليه السّلام ) جاء فيه: " مناقب عليّ بن موسى الرّضا ( عليه السّلام ‏‏) من أجل المناقب، وامداد فضائله، وفواضله متوالية كتوالي الكتائب، وموالاته محمودة البوادر والعواقب، وعجائب ‏أوصافه من غرايب العجائب وسؤدده ونبله قد حلا من الشرف في الذروة والمغارب. اما شرف آبائه فاشهر من ‏المصباح المنير، وأضوأ من عارض الشمس المستدير وأما أخلاقه وسماته وصفاته، ودلائله وعلاماته فناهيك من ‏فخار وحسبك من علو مقدار، جاز على طريقة ورثها عن الآباء، وورثها عنه البنون فهم جميعا في كرم الارومة، ‏وطيب الجرثومة، كاسنان المشط متعادلون، فشرفا لهذا البيت، العالي الرتبة، السامي المحلة، لقد طال السماء عليّ ‏نبلا، وسما على الفراقد منزلة ومحلا، واستوفى صفات الكمال فما يستثنى في شئ منه‎.. ".‎
‎ ‎‏14‏‎ - ‎هاشم معروف‎ ‎
‎ ‎قال العلامة المغفور له السيد هاشم معروف الحسني: " وامتاز الإمام الرّضا ( عليه السّلام ) بخلق رائع ساعده على ‏أن يجتذب بحبه العامة والخاصة، واستمده من روح الرسالة التي كان من حفظتها، والامناء عليها، والوارثين لها‎... ". ‎
‎ ‎‏15‏‎ - ‎الذهبي‎ ‎
‎ ‎قال الذهبي: " هو الإمام أبو الحسن بن موسى الكاظم بن جعفر السّلام، قال بن مُحمّد الباقر بن على زين العابدين بن ‏الحُسين بن على بن ابي طالب الهاشمي العلوي... وكان سيد بني هاشم في زمانه، وأحلمهم، وأنبلهم، وكان المأمون ‏يعظمه، ويخضع له ويتغالى فيه، حتّى انه جعله ولي عهده‏‎... ".‎
‎ ‎‏16‏‎ - ‎محمود بن وهيب‎ ‎
‎ ‎قال محمود بن وهيب البغدادي: " وكراماته - أي الرّضا - كثيرة رضي الله عنه، إذ هو فريد زمانه‎... ". ‎
‎ ‎‏17‏‎ - ‎عارف تامر‎ ‎
‎ ‎قال عارف تامر: " يعتبر - أي الإمام الرّضا - من الائمة الذين لعبوا دورا كبيرا على مسرح الاحداث الاسلامية في ‏عصره‎.. ".‎
‎ ‎‏18‏‎ - ‎مُحمّد بن شاكر الكتبي‎ ‎
‎ ‎قال مُحمّد بن شاكر الكتبي: " وهو - أي الإمام الرّضا ( عليه السّلام ) - أحد الائمة الاثني عشر، كان سيد بني ‏هاشم في زمانه‎... "‎
‎ ‎‏19‏‎ - ‎عبد المتعال‎ ‎
‎ ‎قال عبد المتعال الصعيدي: " كان - أي الإمام الرّضا - على جانب عظيم من العلم والورع، وقد قيل لابي نواس: ‏علام تركت مدح عليّ بن موسى والخصال التي تجمعن فيه؟ فقال: لا استطيع مدح امام كان جبريل خادما لابيه، والله ‏ما تركت ذلك اي المدح - إلا اعظاما له، وليس يقدر مثلي أن يقول في مثله‏‎ ". ‎

بيعة الإمام الرّضا عليه السّلام بولاية العهد
وجَّه المأمون العباسي دعوته إلى الإمام عليّ الرّضا عليه السّلام، وطلب منه المسير من المدينة المنورة إلى خراسان ‏مقر الخلافة، فاستجاب الإمام عليه السّلام لذلك مكرهاً‎.‎
وقد كان في تصوّر المأمون أنَّ المَخْرجَ من الأزمة السياسية التي أحاطت به هو مخاطبة الإمام عليه السّلام، بقبول ‏ولاية العهد والمشاركة في إدارة شؤون الدولة، لكي يستطيع المأمون من ضَمِّ قوى المعارضة وجمع جِنَاحَي القوَّة ‏العلوية والعباسية بيده‎.‎
دعا المأمون الإمام عليه السّلام، وعرض عليه قبول ولاية العهد، فامتنع الإمام عليه السّلام، فقال له قولاً شبيهاً ‏بالتهديد‎.‎
ثمّ قال له: إنّ عُمَر جعل الشورى في سِتة، أحدهم جدّك، وقال من خالف فاضربوا عنقه، ولابُدَّ مِن قبول ذلك‎.‎
فأجابه الإمام عليه السّلام إلى ذلك، على أن لا يأمر ولا ينهى، ولا يولي ولا يَعزِل، ولا يتكلَّم بين اثنين في حُكم، ولا ‏يغيِّر شيئاً هو قائمٌ على أصوله‎.‎
والمتأمِّل للأوضاع السياسية المضطربة آنذاك يدرك أنَّ الإمام الرّضا عليه السّلام كان على علم بالخطة السياسية ‏للمأمون، وأنه لم يكُن مطمئنّاً إليها، لذلك ثبَّتَ عليه السّلام شروطه التي أشرنا إليها‎.‎
وبالإضافة إلى ذلك فإنّ الإمام عليه السّلام كان على علم بما تَؤُولُ إليه الأمور‎.‎
فقد روي أنَّه كان أحد خواص الإمام عليه السّلام حاضراً مستبشراً في الاحتفال الذي أقامه المأمون بمناسبة قبول ‏الإمام عليه السّلام بولاية العهد‎.‎
فنظر إليه الإمام عليه السّلام وأومأَ قائلاً: أدنُ مِنِّي‎.‎
فلما دنا منه همس عليه السّلام في أذنه قائلاً: لا تشْغَل قلبَك بِهَذا الأمْرِ، ولا تَسْتَبشِرْ لَهُ، فَإنَّهُ شَيء لا يَتمُّ‎.‎
وحينما قبل الإمام عليه السّلام تلك الولاية الرمزية، التي حَدَّدها هو بنفسه، راح المأمون يعلن هذا النبأ في أنحاء الدولة ‏الإسلامية، وأبدل لبس السواد الذي هو شعار للعباسيين بلبس الثياب الخضر الذي هو شعار للعلويين، وأعلن عن ‏عَزمه على صرف مرتَّب سنوي بهذه المناسبة السعيدة‏‎.‎
وعلى أثر ذلك توافَدَ الشعراء والخطباء والمتكلِّمون، وبُذِلت الأموال والهدايا، وكان إعلان البيعة في السّادس من شهر ‏رمضان 201 هـ، كما ورد في إحدى الروايات‏‎.‎

نص الإمام الرّضا عليه السّلام على إمامة الجواد عليه السّلام‏
نص الإمام الرّضا عليه السّلام على إمامة ولده مُحمّد الجواد عليه السّلام، ونصّبه خليفة من بعده، ومرجعاً عامّاً ‏للمسلمين ليرجعوا إليه في شؤونهم الدينية، وقد روى النصّ على إمامته جمهور كبير من الرّواة، كان منهم‎:‎
‏1‏‎- ‎ مُحمّد المحموري
روى مُحمّد المحموري عن أبيه قال: كنت واقفاً على رأس الإمام الرّضا عليه السّلام بطوس، فقال له بعض أصحابه: ‏إن حدث حدّث فإلى من؟
وإنّما سأله عن الإمام من بعده حتّى يدين بطاعته والولاء له، فقال عليه السّلام له: إلى ابن أبي جعفر‎....‎
وكان الإمام أبو جعفر عليه السّلام في مرحلة الطفولة، فقال له: إنّي استصغر سنّه‎ !!‎
فردّ عليه الإمام هذه الشبهة قائلاً: إنّ الله بعث عيسى بن مريم قائماً في دون السنّ، التي يقوم فيها أبو جعفر‎....‎
وحفل جواب الإمام الرّضا عليه السّلام بالدليل الحاسم، فإنّ الله تعالى بعث عيسى نبيّاً وآتاه العلم صبياً، وهو دون سنّ ‏الإمام أبي جعفر، والنبوّة والإمامة من منبع واحد لا يناطان بالصغير والكبير، وإنّما أمرهما بيد الله تعالى، فهو الذي ‏يختار لهما من أحبّ من عباده‎.‎
‏2‏‎- ‎ صفوان بن يحيى
قال صفوان بن يحيى: قُلت للرضا عليه السّلام: قد كنّا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر عن القائم بعدك؟ فتقول: ‏يهب الله لي غلاماً، فقد وهبه الله لك فأقرّ عيوننا، فإنّ كان كون فإلى من؟ فأشار الإمام عليه السّلام إلى أبي جعفر، ‏وهو قائم بين يديه، وعمره إذ ذاك ثلاث سنين‏‎.‎
فقُلت: هو ابن ثلاث سنين؟! قال عليه السّلام: وما يضرّ من ذلك، فقد قام عيسى بالحجّة وهو ابن أقلّ من ثلاث سنين‎.‎
‏3‏‎- ‎ معمر بن خلاّد
روى معمر بن خلاّد النصّ من الإمام الرّضا عليه السّلام على إمامة ولده الجواد، قال: سمعته يقول لأصحابه: وقد ‏ذكر شيئاً، ثمّ قال لهم: ما حاجتكم إلى ذلك؟ هذا أبو جعفر أجلسته مجلسي، وصيرته مكاني... إنّا أهل بيت يتوارث ‏أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة‎.‎
‏4‏‎- ‎عبد الله بن جعفر
قال عبد الله بن جعفر: دخلت على الإمام الرّضا عليه السّلام أنا وصفوان بن يحيى، وأبو جعفر قائم قد أتى له ثلاث ‏سنين، فقلنا: جعلنا الله فداك، ونعوذ بالله إن حدث حدث فمن يكون بعدك؟ قال عليه السّلام: ابني هذا، وأومأ إلى ولده ‏الإمام الجواد عليه السّلام، فقلنا له: وهو في هذا السنّ؟! قال عليه السّلام: نعم إنّ الله تبارك وتعالى احتجّ بعيسى وهو ‏ابن سنتين‎.‎
‏5‏‎- ‎ مُحمّد بن أبي عباد
قال مُحمّد بن أبي عباد: سمعت الإمام الرّضا عليه السّلام يقول: أبو جعفر وصيّي وخليفتي في أهلي من بعدي‎.‎
إلى غير ذلك من النصوص التي أثرت عن الإمام الرّضا عليه السّلام، وهي تلعن إمامة الجواد من بعده، وأنّه أحد ‏خلفاء الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله على أمّته‎.‎

شهادة الإمام الرّضا عليه السّلام‏
إنَّ التودُّدَ والاحترام الذي بَذَله المأمون للإمام الرّضا عليه السّلام، وإرغامَهُ على الدخول في ولاية العهد، لم يكُن زهداً ‏منه بالسلطة، وإنَّما كان لإغراض سياسية، ولو كان زاهِداً فيها لما قَتَل أخاه الأمين من أجلها‎.‎
ونتيجة للصراع الدائر بين أهل البيت عليهم السّلام وأنصارهم وبين بني العباس - بالإضافة إلى بروز شخصية الإمام ‏الرّضا عليه السّلام وتفوُّقها على شخصية المأمون - دَفَعَ المأمون إلى التفكير بشكلٍ جدّي بِتَصفِية الإمام عليه السّلام ‏واغتياله، وتمَّ له ذلك عن طريق دَسِّ السُمِ للإمام عليه السّلام‏‎.‎
فمضى الإمام الرّضا عليه السّلام شهيداً مسموماً، في اليوم الأخير من صفر 203 هـ، وعلى رواية في السّابع عشر ‏من صفر‎.‎
وتم دفنه عليه السّلام في مدينة طوس بخراسان، والتي كبُرت واتَّسعت بعد دفن الإمام الرّضا عليه السّلام فيها، وصار ‏اسمها مَشْهَد المقدَّسة، وهي من أوسع المُدن في بلاد إيران‎.‎
وبِبَرَكة احتضان هذه المدينة للجسد الشريف لهذا الإمام عليه السّلام، أصبَحَتْ مدينةً غنيةً بالثروات، عامرةً بالحوزات ‏العلميَّة، والمدارس الدينية، والمراكز والمؤسَّسات التحقيقيَّة والثقافية‎.‎

فضل زيارة الإمام الرّضا عليه السّلام‏
أثرت عن الإمام الجواد عليه السّلام عدّة روايات تحدّث بها عن فضل الزيارة لمرقد أبيه الرّضا عليه السّلام، وما ‏أعدّه الله للزائر من الأجر والثواب، وهذه بعضها‎:‎
1‏‎- ‎روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: سمعت مُحمّد بن عليّ الرّضا عليهما السّلام يقول: ما زار أبي أحد ‏فأصابه أذى من مطر أو برد أو حرّ إلاّ حرّم الله جسده على النار‎....‎
‏2‏‎- ‎روى عليّ بن أسباط قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام: ما لمن زار أباك بخراسان؟ فقال عليه السّلام: الجنّة والله ‏الجنّة‎.‎
‏3‏‎- ‎روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: قُلت لأبي جعفر: قد تحيّرت بين زيارة أبي عبد الله الحُسين عليه السّلام ‏وبين زيارة قبر أبيك بطوس فما ترى؟ فقال لي: مكانك، ثمّ دخل وخرج ودموعه تسيل على خدّيه، فقال: زوّار أبي ‏عبد الله كثيرون، وزوّار قبر أبي بطوس قليلون‎.‎

زيارة الإمام الرّضا عليه السّلام‏
نقلاً عن كتاب مفاتيح الجنان آية الله الشيخ عباس القمي: اعلم انّه قد ذكر له زيارات عديدة والمشهورة منها هي ما ‏وردت في الكتب المعتبرة ونسبت الى الشّيخ الجليل مُحمّد بن الحسن بن الوليد وهو من مشايخ الصّدوق (رحمه الله)، ‏ويظهر من مزار ابن قولويه انّها مرويّة عن الائمّة (عليهم السّلام)، وكيفيّتها على ما يوافق كتاب مَن لا يحضره ‏الفقيه: انّك اذا أردت زيارة قبر الرّضا ( عليه السّلام ) بطُوس فاغتسل قبلما تخرج من الدّار وقُل وأنت تغتسل‎:‎
اَللّـهُمَّ طَهِّرْني وَطَهِّرْ لي قَلْبي وَاشْرَحْ لي صَدْري وَاَجْرِ عَلى لِساني مِدْحَتَكَ وَمَحَبَّتَكَ وَالثَّناءَ عَلَيْكَ، فَاِنَّهُ لا قُوَّةَ اِلاّ بِكَ، ‏اَللّـهُمَّ اجْعَلْهُ لي طَهُوراً وَشِفاءً وقل وأنت تخرج: بِسْمِ اللهِ وَبِاللهِ وَاِلَى اللهِ وَاِلَى ابْنِ رَسُولِ اللهِ، حَسْبِىَ اللهُ تَوَكَّلْتُ عَلَى ‏اللهِ، اَللّـهُمَّ اِلَيْكَ تَوَجَّهْتُ وَاِلَيْكَ قَصَدْتُ وَما عِنْدَكَ اَرَدْتُ‎.‎
فاذا خرجت فقف على باب دارك وقُل‎:‎
اَللّـهُمَّ اِلَيْكَ وَجَّهْتُ وَجْهي، وَعَلَيْكَ خَلَّفْتُ اَهْلي وَمالي وَما خَوَّلْتَني، وَبِكَ وَثِقْتُ فَلا تُخَيِّبْني، يا مَنْ لا يُخَيِّبُ مَنْ اَرادَهُ، ‏وَلا يُضَيِّعُ مَنْ حَفِظَهُ، صَلِّ عَلى مُحمّد وَآلِ مُحمّد وَاحْفَظْني بِحِفْظِكَ فَاِنَّهُ لا يَضيعُ مَنْ حَفِظْتَ‏‎.‎
فاذا وافيت سالماً ان شاء الله فاغتسل اذا أردت أن تزُور وقُل حين تغتسل‏‎: ‎
اَللّـهُمَّ طَهِّرْني وَطَهِّرْ لي قَلْبي وَاشْرَحْ لي صَدْري وَاَجْرِ عَلى لِساني مِدْحَتَكَ وَمَحَبَّتَكَ وَالثَّناءَ عَلَيْكَ، فَاِنَّهُ لا قُوَّةَ اِلاّ بِكَ، ‏وَقَدْ عَلِمْتُ اَنَّ قِوامَ ديني التَّسْليمُ لاَِمْرِكَ وَالاِْتِّباعُ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ، وَالشَّهاَدَةُ عَلى جَميعِ خَلْقِكَ، اَللّـهُمَّ اجْعَلْهُ لي شِفاءً وَنُوراً ‏اِنَّكَ عَلى كُلّ شَىْء قَديرٌ‎.‎
والبس أطهر ثيابك وامشِ حافياً، وعليك السّكينة والوقار واذكُرِ الله بقلبك وقُل: اَللهُ اَكْبَرُ ولا اِلـهَ اِلاّ اللهُ وسُبْحانَ اللهِ ‏والْحَمْدُ للهِ،
وقصّر خطاك، وقُل حين تدخل الرّوضة المُقدّسة: بِسْمِ اللهِ وَبِاللهِ وَعَلى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، اَشْهَدُ اَنْ لا ‏اِلـهَ اِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاَنَّ عليّاً وَلِيُّ اللهِ،
وسِر حتّى تقف على قبره وتستقبل وجهه بوجهك وقُل: اَشْهَدُ اَنْ لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحمّداً ‏عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاَنَّهُ سَيِّدُ الاَْوَّلينَ وَالاْخِرينَ، وَاَنَّهُ سَيِّدُ الاَْنْبِياءِ وَالْمُرْسَلينَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحمّد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ ‏وَنَبِيِّكَ وَسَيِّدِ خَلْقِكَ اَجْمَعينَ صَلاةً لا يَقْوى عَلى اِحْصائِها غَيْرُكَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى اَميرِ الْمُؤمِنينَ عليّ بْنِ اَبي طالِب ‏عَبْدِكَ وَاَخي رَسُولِكَ الَّذِي انْتَجَبْتَهُ بِعِلْمِكَ وَجَعَلْتَهُ هادِياً لِمَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِكَ، وَالدَّليلَ عَلى مَنْ بَعَثْتَهُ بِرِسالاتِكَ، وَدَيّانَ ‏الدّينِ بِعَدْلِكَ، وَفَصْلِ قَضائِكَ بَيْنَ خَلْقِكَ، وَالْمُهَيْمِنَ عَلى ذلِكَ كُلِّهِ، وَالسّلام عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى ‏فاطِمَةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ وَزَوْجَةِ وَلِيِّكَ وَاُمِّ السِّبْطَيْنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ سَيِّدَيْ شَبابِ اَهْلِ الْجَنَّةِ، الطُّهْرَةِ الطّاهِرَةِ الْمُطَهَّرَةِ التَّقِيَّةِ ‏النَّقِيَّةِ الرَّضِيَّةِ الزَّكِيَّةِ، سَيِّدَةِ نِساءِ اَهْلِ الْجَنَّةِ اَجْمَعينَ صَلاةً لا يَقْوى عَلى اِحْصائِها غَيْرُكَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلَى الْحَسَنِ ‏وَالْحُسَيْنِ سِبْطَيْ نَبِيِّكَ وَسَيِّدَيْ شَبابِ اَهْلِ الْجَنَّةِ الْقائِمَيْنِ في خَلْقِكَ، وَالدَّليلَيْنِ عَلى مَنْ بَعَثْتَ بِرِسالاتِكَ، وَدَيّانَيِ الدّينِ ‏بِعَدْلِكَ وَفَصْلَيْ قَضائِكَ بَيْنَ خَلْقِكَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى عليّ بْنِ الحُسين عَبْدِكَ الْقائِمِ في خَلْقِكَ، وَالدَّليلِ عَلى مَنْ بَعَثْتَ ‏بِرِسالاتِكَ، وَدَيّانِ الدّينِ بِعَدْلِكَ، وَفَصْلِ قَضائِكَ بَيْنَ خَلْقِكَ سَيِّدِ الْعابِدينَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحمّد بْنِ عليّ عَبْدِكَ وَخَليفَتِكَ ‏في اَرْضِكَ باقِرِ عِلْمِ النَّبِيّينَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى جَعْفَرِ بْنِ مُحمّد السّلام، قال عَبْدِكَ وَوَلِيِّ دينِكَ وَحُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ ‏اَجْمَعينَ السّلام، قال الْبارِّ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُوسَى بْنِ جَعْفَر عَبْدِكَ الصّالِحِ وَلِسانِكَ في خَلْقِكَ النّاطِقِ بِحُكْمِكَ وَالْحُجَّةِ ‏عَلى بَرِيَّتِكَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى عليّ بْنِ مُوسَى الرّضا الْمُرْتَضى عَبْدِكَ وَوَلِيِّ دينِكَ الْقائِمِ بِعَدْلِكَ وَالدّاعي اِلى دينِكَ وَدينِ ‏آبائِهِ الصّادِقينَ صَلاةً لا يَقْوى عَلى اِحْصائِها غَيْرُكَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحمّد بْنِ عليّ عَبْدِكَ وَوَلِيِّكَ الْقائِمِ بِاَمْرِكَ ‏وَالدّاعي اِلى سَبيلِكَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى عليّ بْنِ مُحمّد عَبْدِكَ وَوَلِيِّ دينِكَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عليّ الْعامِلِ بِاَمْرِكَ ‏الْقائِمِ في خَـلْقِكَ وَحُجَّتِكَ الْمُؤَدّي عَنْ نَبِيِّكَ وَشاهِدِكَ عَلى خَلْقِكَ، الَْمخْصُوصِ بِكَرامَتِكَ الدّاعي اِلى طاعَتِكَ وَطاعَةِ ‏رَسُولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِمْ اَجْمَعينَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى حُجَّتِكَ وَوَلِيِّكَ الْقائِمِ في خَلْقِكَ صَلاةً تامَّةً نامِيَةً باقِيَةً تُعَجِّلُ بِها فَرَجَهُ ‏وَتَنْصُرُهُ بِها وَتَجْعَلُنا مَعَهُ في الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ، اَللّـهُمَّ اِنّي اَتَقَرَّبُ اِلَيْكَ بِحُبِّهِمْ وَاُوالي وَلِيَّهُمْ وَاُعادي عَدُوَّهُمْ، فَارْزُقْني بِهِمْ ‏خَيْرَ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ، وَاصْرِفْ عَنّي بِهِمْ شَرَّ الدُّنْيا والاْخِرَةِ وَاَهْوالَ يَوْمِ الْقِيامَةِ‎. ‎
ثمّ تجلس عند رأسه وتقُول: السّلام عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ، السّلام عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ، السّلام عَلَيْكَ يا نُورَ اللهِ في ظُلُماتِ ‏الأرض، السّلام عَلَيْكَ يا عَمُودَ الدّينِ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ آدَمَ صِفْوَةِ اللهِ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ نُوح نَبِيِّ اللهِ، السّلام ‏عَلَيْكَ يا وارِثَ اِبْراهيمَ خَليلِ اللهِ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ اِسْماعيلَ ذَبيحِ اللهِ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ مُوسى كَليمِ اللهِ، ‏السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ عيسى رُوحِ اللهِ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحمّد رَسُولِ اللهِ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ ‏عليّ وَلِيِّ اللهِ وَوَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ الْعالَمينَ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ الْحَسَنِ ‏وَالْحُسَيْنِ سَيِّدَيْ شَبابِ اَهْلِ الجَنَّةِ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ عليّ بْنِ الحُسين زَيْنِ الْعابِدينَ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحمّد ‏بْنِ عليّ باقِرِ عِلْمِ الاَْوَّلينَ وَالاْخِرينَ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ جَعْفَرِ بْنِ مُحمّد السّلام، قال الْبارّ، السّلام عَلَيْكَ يا وارِثَ ‏مُوسَى بْنِ جَعْفَر، السّلام عَلَيْكَ اَيُّهَا الصِّدّيقُ الشَّهيدُ، السّلام عَلَيْكَ اَيُّهَا الْوَصِيُّ الْبارُّ التَّقِيُّ، اَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ اَقَمْتَ الصّلاة ‏وَآتَيْتَ الزَّكاةَ، وَاَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَبَدْتَ اللهَ حتّى أتاكَ الْيَقينُ، السّلام عَلَيْكَ يا اَبَا الْحَسَنِ وَرَحْمَةُ ‏اللهِ وَبَرَكاتُهُ‎.‎
ثمّ تنكبّ على القبر وتقول: اَللّـهُمَّ اِلَيْكَ صَمَدْتُ مِنْ اَرْضي وَقَطَعْتُ الْبِلادَ رَجاءَ رَحْمَتِكَ فَلا تُخَيِّبْني وَلا تَرُدَّني بِغَيْرِ ‏قَضاءِ حاجَتي، وَارْحَمْ تَقَلُّبي عَلى قَبْرِ ابْنِ اَخي رَسُولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، بِاَبي اَنْتَ وَاُمّي يا مَوْلايَ اَتَيْتُكَ زائِراً ‏وافِداً عائِذاً مِمّا جَنَيْتُ عَلى نَفْسي، وَاحْتَطَبْتُ عَلى ظَهْري، فَكُنْ لي شافِعاً اِلَى اللهِ يَوْمَ فَقْري وَفاقَتي فَلَكَ عِنْدَ اللهِ مَقامٌ ‏مَحْمُودٌ وَاَنْتَ عِنْدَهُ وَجيهٌ‎.‎
ثمّ ترفع يدك اليُمنى وتبسط اليُسرى عَلى القبر وتقول:اَللّـهُمَّ اِنّي اَتَقَرَّبُ اِلَيْكَ بِحُبِّهِمْ وَبِوِلايَتِهِمْ، اَتَوَلّى آخِرَهُمْ بِما تَوَلَّيْتُ ‏بِهِ اَوَّلَهُمْ، وَاَبْرَءُ مِنْ كُلّ وَليجَة دُونَهُمْ، اَللّـهُمَّ الْعَنِ الَّذينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَكَ، وَاتَّهَمُوا نَبيَّكَ، وَجَحَدُوا بِاياتِكَ، وَسَخِرُوا بِاِمامِكَ، ‏وَحَمَلُوا النّاس عَلى اَكْتافِ آلِ مُحمّد، اَللّـهُمَّ اِنّي اَتَقَرَّبُ اِلَيْكَ بِالْلَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ وَالْبَراءَةِ مِنْهُمْ في الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ يا رَحْمنُ‎.‎ ‎ ‎ثمّ تحوّل عند رجليه وتقُولُ‎:‎
صلّى اللهُ عَلَيْكَ يا اَبَا الْحَسَنِ، صلّى اللهُ عَلى رُوحِكَ وَبَدَنِكَ، صَبَرْتَ وَاَنْتَ السّلام، قال الْمُصَدَّقُ، قَتَلَ اللهُ مَنْ قَتَلَكَ ‏بِالاَْيْدي وَالاَْلْسُنِ‎.‎
ثمّ ابتهل في اللّعنة على قاتل أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) وعلى قتلة الحسن والحسين وعلى جميع قتلة أهل بيت ‏رسُول الله، ثمّ تحوّل عند رأسه من خلفه وصلّ ركعتين تقرأ في احداهما يس وفي الاُخرى الرّحمن وتجتهد في الدّعاء ‏والتّضرّع واكثر من الدّعاء لنفسك ولوالديك ولجميع اخوانك من المؤمنين وأقم عند رأسه ما شئت ولتكن صلوتك عند ‏القبر‎. ‎

الدّعاء بعد صلاة زيارة الرّضا عليه السّلام
وفي كتاب تحفة الزّائر انّه قال المفيد: يستحبّ أن يُدعى بهذا الدّعاء بعد صلاة زيارة الرّضا عليه السّلام‎:‎
اَللّـهُمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ يا اَللهُ الدّائِمُ في مُلْكِهِ، الْقائِمُ في عِزِّهِ، الْمُطاعُ في سُلْطانِهِ، الْمُتَفَرِّدُ في كِبْرِيائِهِ، الْمُتَوَحِّدُ في دَيْمُومَةِ ‏بَقائِهِ، الْعادِلُ في بَرِيَّتِهِ، الْعالِمُ في قَضِيَّتِهِ، الْكَريمُ في تَأْخيرِ عُقُوبَتِهِ، إلهي حاجاتي مَصْرُوفَةٌ اِلَيْكَ، وَآمالي مَوْقُوفَةٌ ‏لَدَيْكَ، وَكُلَّما وَفَّقْتَني مِنْ خَيْر فَاَنْتَ دَليلي عَلَيْهِ وَطَريقي اِلَيْهِ، يا قَديراً لا تَؤُودُهُ الْمَطالِبُ، يا مَلِيّاً يَلْجأُ اِلَيْهِ كُلّ راغِب، ما ‏زِلْتُ مَصْحُوباً مِنْكَ بِالنِّعَمِ جارِياً عَلى عاداتِ الاِْحْسانِ وَالْكَرَمِ، اَسْاَلُكَ بِالْقُدْرَةِ النّافِذَةِ في جَميعِ الاَْشْياءِ، وَقَضائِكَ ‏الْمُبْرَمِ الَّذي تَحْجُبُهُ بِاَيْسَرِ الدُّعاءِ، وَبِالنَّظْرَةِ الَّتي نَظَـرْتَ بِها اِلَى الْجِبالِ فَتَشامَخَتْ، وَاِلى الأرضينَ فَتَسَطَّحَتْ، وَاِلَى ‏السَّماواتِ فَارْتَفَعْت، وَاِلَى الْبِحارِ فَتَفَجَّرَتْ، يا مَنْ جَلَّ عَنْ اَدَواتِ لَحَظاتِ الْبَشَرِ، وَلَطُفَ عَنْ دَقائِقِ خَطَراتِ الْفِكَرِ، لا ‏تُحْمَدُ يا سَيِّدي اِلاّ بِتَوْفيق مِنْكَ يَقْتَضي حَمْداً، وَلا تُشْكَرُ عَلى اَصْغَرِ مِنَّة اِلاَّ اسْتَوْجَبْتَ بِها شُكْراً، فَمَتى تُحْصى نَعْماؤُكَ ‏يا إلهي وَتُجازى آلاؤُكَ يا مَوْلايَ وَتُكافَأُ صَنايِعُكَ يا سَيِّدي، وَمِنْ نِعَمِكَ يَحْمَدُ الْحامِدُونَ، وَمِنْ شُكْرِكَ يَشْكُرُ الشّاكِرُونَ، ‏وَاَنْتَ الْمُعْتَمَدُ لِلذُّنُوبِ في عَفْوِكَ، وَالنّاشِرُ عَلَى الْخاطِئينَ جَناحَ سِتْرِكَ، وَاَنْتَ الْكاشِفُ لِلضُّرِّ بِيَدِكَ، فَكَمْ مِنْ سَيِّئَة ‏اَخْفاها حِلْمُكَ حتّى دَخِلَتْ، وَحَسَنَة ضاعَفَها فَضْلُكَ حتّى عَظُمَتْ عَلَيْها مُجازاتُكَ، جَلَلْتَ اَنْ يُخافَ مِنْكَ اِلاَّ الْعَدْلُ، وَاَنْ ‏يُرْجى مِنْكَ اِلاَّ الاِْحْسانُ وَالْفَضْلُ، فَامْنُنْ عليّ بِما اَوْجَبَهُ فَضْلُكَ، وَلا تَخْذُلْني بِما يَحْكُمُ بِهِ عَدْلُكَ، سَيِّدي لَوْ عَلِمَتِ ‏الأرض بِذُنُوبي لَساخَتْ بي، اَوْ الْجِبالُ لَهَدَّتْني، اَوِ السَّماواتُ لاَخْتَطَفَتْني، اَوِ الْبِحارُ لاََغْرَقَتْني، سَيِّدي سَيِّدي سَيِّدي، ‏مَوْلايَ مَوْلايَ مَوْلايَ، قَدْ تَكَرَّرَ وُقُوفي لِضِيافَتِكَ فَلا تَحْرِمْني ما وَعَدْتَ الْمُتَعَرِّضينَ لِمَسْأَلَتِكَ يا مَعْرُوفَ الْعارِفيِنَ، يا ‏مَعْبُودَ الْعابِدينَ، يا مَشْكُورَ الشّاكِرينَ، يا جَليسَ الذّاكِرينَ، يا مَحْمُودَ مَنْ حَمِدَهُ، يا مَوْجُودَ مَنْ طَلَبَهُ، يا مَوْصُوفَ مَنْ ‏وَحَّدَهُ، يا مَحْبُوبَ مَنْ اَحَبَّهُ، يا غَوْثَ مَنْ اَرادَهُ، يا مَقْصُودَ مَنْ اَنابَ اِلَيْهِ، يا مَنْ لا يَعْلَمُ الْغَيْبَ اِلاّ هُوَ، يا مَنْ لا يَصْرِفُ ‏السُّوءَ اِلاّ هُوَ، يا مَنْ لا يُدَبِّرُ الاَْمْرَ اِلاّ هُوَ، يا مَنْ لا يَغْفِرُ الذَّنْبَ اِلاّ هُوَ، يا مَنْ لا يَخْلُقُ الْخَلْقَ اِلاّ هُوَ، يا مَنْ لا يُنَزِّلُ ‏الْغَيْثَ اِلاّ هُوَ، صَلِّ عَلى مُحمّد وَآلِ مُحمّد وَاغْفِرْ لي يا خَيْرَ الْغافِرينَ، رَبِّ اِنّي اَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ حَياء، وَاَسْتَغْفِرُكَ ‏اسْتِغْفارَ رَجاء، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ، اِنابَة، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ رَغْبَة، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ رَهْبَة، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ ‏طاعَة، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ ايمان، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ اِقْرار، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ اِخْلاص، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ تَقْوى، ‏وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ تَوَكُّل، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ ذِلَّة، وَاَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفارَ عامِل لَكَ هارِب مِنْكَ اِلَيْكَ، فَصَلِّ عَلى مُحمّد ‏وَآلِ مُحمّد، وَتُبْ عليّ وَعَلى والِدَيَّ بِما تُبْتَ وَتَتُوبُ عَلى جَميعِ خَلْقِكَ، يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ، يا مَنْ يُسَمّى بِالْغَفُورِ ‏الرَّحيمِ، يا مَنْ يُسَمّى بِالْغَفُورِ الرَّحيمِ، يا مَنْ يُسَمّى بِالْغَفُورِ الرَّحيمِ، صَلِّ عَلى مُحمّد وَآلِ مُحمّد، وَاقْبَلْ تَوْبَتي، وَزَكِّ ‏عَمَلي، وَاْشُكرْ سَعْيي، وَارْحَمْ ضَراعَتي، وَلا تَحْجُبْ صَوْتي، وَلا تُخَيِّبْ مَسْأَلَتي يا غَوْثَ الْمُسْتَغيثينَ، وَاَبْلِغْ اَئِمَّتي ‏سَلامي وَدُعائي وَشَفِّعْهُمْ في جَميعِ ما سَأَلْتُكَ، وَاَوْصِلْ هَدِيَّتي اِلَيْهِمِ كَما يَنْبَغي لَهُمْ، وزِدْهُمْ مِنْ ذلِكَ ما يَنْبَغي لَكَ ‏بِاَضْعاف لا يُحْصيها غَيْرُكَ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ اِلاّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظيمِ، وَصلّى اللهُ عَلى اَطْيَبِ الْمُرْسَلينَ مُحمّد وَآلِهِ ‏الطّاهِرينَ‎.‎