اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم والعن أعدائهم

 
اسم البحث او المقالة : عاشوراء مدرسة الأجيال
الكاتب : عباس حميد كريم
الموضوع : الثورة الحُسينية
تاريخ النشر : 10/05/2005



بسم الله الرّحمن الرّحيم

عاشوراء مدرسة الأجيال

المجتمع الإسلامي، بل البشرية جمعاء لا تزال بحاجة مستمرّة وملحّة لفهم الثورة الحسينية ومعطياتها على الأصعدة كافّة؛ لاستلهام العبر والدروس منها... 
ففي هذه الملحمة الكبرى أعطى الإمام الحُسين (عليه السلام) بدمائه الزاكية دروساً عظيمة لفهم معادلة الصراع الدائر بين أهل الخير والصلاح، من الأنبياء والأوصياء والصلحاء وبين أهل الشر والفجور والطغيان منذ بدء الخليقة وإلى قيام المصلح العظيم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، الإمام الحجّة بن الحسن (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وكذا إدراك سرّ العدالة المطلقة المرتبطة بالعبودية الخالصة لله تعالى...
فمن هذه الثورة العظيمة يتعلّم الإنسان كيف يقف بوجه التحدّيات ويفهم سرّ وقوف الأنبياء والأوصياء بوجه الظلم والطغيان من أجل عبودية الله تعالى، والتي فيها كرامة وحرّية الإنسان...
فكربلاء ما زالت تمثّل كفاحاً لا هوادة فيه مادام للباطل أصلٌ وفرع. وإنَّ لهذه الثورة العظيمة الآلية المناسبة والفاعلة في قلب الأحداث التأريخية والمعطيات المعاصرة، وقد أصبحت مقياساً يُقاس على نمطه أصالة الثورات والأحداث على مرّ التأريخ، وستبقى كذلك بما لها من فاعلية وحيوية على مرّ الدهور وتجدّد الزمان وتغيّر المكان...
كل يومٍ عاشوراء وكل أرضٍ كربلاء 
فخطّ الإمام الحسين (عليه السلام) بثورته العظيمة دستوراً ومنهجاً ودليلاً لفهم الإسلام المحمّدي الأصيل...
والمتمعّن في مواقف وأقوال الإمام (عليه السلام) قبل خروجه وفي أثناء الواقعة سوف يخرج بمجموعة عظيمة من الدساتير الإلهية التي تنظّم حياة الإنسان وارتباطه بالهدف الأسمى الذي هو سبحانه وتعالى.
فمن أقواله (عليه السلام) التي صدع بها قبل خروجه لمقارعة الظلم والطغيان: 
والله إنِّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمَّة جدّي (صلّى الله عليه وآله) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المُنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي (عليهما السلام). 
فالمتمعّن في هذه المقولة العظيمة سوف يخرج بحصيلة مهمّة من الدساتير الكونية التي تنظّم حياة الإنسان وارتباطه بالهدف الأسمى... 
ومن هذه الدساتير: إن إعطاء النفس والمال لحفظ الشريعة المقدّسة من الاندراس واجبٌ مقدّس؛ حيث أعطى الإمام (عليه السلام) نفسه الزاكية والتي هي نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (حسينٌ منّي وأنا من حُسين) لاصلاح الانحراف الخطير الذي طال الأمّة الإسلامية بتأمير سلاطين الجور على رقاب أمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) ونصبهم زوراً وبهتاناً خلفاءَ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله).
وقال (عليه السلام) استنكاراً وتبياناً للخطر العاصف بالأمة الإسلامية: على الإسلام السلام إذ قد بليت الأمّة براع مثل يزيد. 
فعلاً فإن الإسلام المحمّدي الذي شيّد أركانه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأمرِ الله تعالى قد دبّ فيه المنافقون المارقون الجهلة الذي حاولوا أن يخمدوا ويقضوا عليه في شبابه بعد ما فشلوا عن إخماده في مهده وما دعوى يزيد الملعون زوراً وبهتاناً خليفةً للمسلمين إلا محاولةً من الأعداء لاخماد الإسلام وإبطال رسالته...
فمقولته التي قالها تدلّ على كفره وزندقته: (لعبت هاشم بالملك فلا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل) فمثل هذا الحاقد على الإسلام الذي ورث حقده من أمّه آكلة الأكباد وأبيه وجدّه الملعونين على لسان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كيف يكون خليفةً على المسلمين؟!
فبسبب ذلك وغيره أصبح لزاماً على سبط الرسول وابن المرتضى والبتول الإمام الحسين (عليه السلام) إمام زمانه، وحجّة الله في أرضه أن يقف موقفه البطولي الذي خطّه بدمائه الزاكية لحفظ الشريعة وتصحيح الانحراف الذي دبّ في جسد الأمة... فإنَّ هدف الثورة الحسينية ليس فقط تغيير النظام المتمثّل بحكومة يزيد وأتباعه، بل لتغيير ما فسد من أمور الحياة برمّتها، حيث أنَّ الأحكام السماوية حرّفت والأخلاق الإنسانية زيّفت فاستطاع الحسين (عليه السلام) بثورته أن يدكّ عروش الطغيان والفساد بعرضها العريض ويرجع فطرة الإنسان إلى سلامتها ويرسم للبشرية طريقها القويم كما فعل جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله) وأبيه المرتضى وأخيه المجتبى (عليهم السلام) ولهذا لا نجانب الحقيقة إذ نقول: 
الإسلام محمّدي الوجود حسيني البقاء 
بل هو عين الحقيقة.. فالدماء الحسينية خطّة على صفحة التأريخ خطوطاً حمراء تخلّعت لها قلوب الجبابرة الطغاة واختزلت جميع أحداث التأريخ – الماضية والحاضرة والمستقبلة – إبتداءً بصراع آدم على نبّينا وآله وعليه السلام مع الملعون إبليس أو صراع نبيّ الله نوح مع قومه الجاحدين أو خليل الله إبراهيم مع النمرود أو كليم الله موسى مع فرعون عصره أو روح الله عيسى مع الكهنة والقساوسة المنحرفين أو حبيب الله محمّد (صلّى الله عليه وآله) مع أعدائه من مشركي قريش والمنافقين وأحبار اليهود أو أمير المؤمنين (عليه السلام) مع فراعنة عصره ومروراً بالأحداث التي حصلت في زمان الثورة الحسينية وختاماً بكل أحداث التأريخ المأساوية التي حصلت بعد الثورة وإلى قيام الساعة فاختزلت الثورة كل هذه الأحداث في موقف. 
ونستطيع أن نجمل الدروس والعبر التي أفرزتها لنا الثورة الحسنية بمقتطفات من كلماته (عليه السلام) قبل وأثناء الثورة والتي تعدّ منهجاً متكاملاً لمن أراد أن يعيش الحياة الدنياً حرّاً كريماً، ويفوز بالجنان ورضوان الربّ المنّان. 
1- مقولته (عليه السلام) العظيمة قبل خروجه إلى كربلاء: 
والله إنِّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمَّة جدّي (صلّى الله عليه وآله) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المُنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي (عليهما السلام). مقتل الحسين، للمقرّم: 98
2- وقوله (عليه السلام):
ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً، فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما. تحف العقول: 176. 
3- وقوله (عليه السلام):
فإنه من لحق بي منكم استشهد ومن تخلّف لم يبلغ الفتح والسلام. عبرة المؤمن، لجواد شبّر: 17.
4- وقوله (عليه السلام): 
ألا وأن الدّعي ابن الدّعي قد ركّز بين اثنين: بين السَّلَّة والذلَّة، وهيهات منّا الذلَّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجورٌ طابت وطهرت وأنوف حميّة ونفوس أبيّة من أنْ نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر. 
5- وقوله (عليه السلام): 
على الإسلام السلام إذا بليت الأمّة براعٍ مثل يزيد. 
6- وقوله (عليه السلام) في محاورته مع ولده عليّ الأكبر: 
إنّا لله وإنا إليه راجعون فقال له ولده عليّ الأكبر: يا أبتاه، لِما تسترجع؟ فأجابه الإمام (عليه السلام): يا بني عَنَّ لي فارسٌ وأنا في المنام، يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير خلفهم، فعلمت أن نفوسنا نعيت إلينا، فقال علي: يا أبتاه ألسنا مع الحقّ؟ قال الإمام (عليه السلام): بلى، والذي نفسي بيده. قال علي: لا نبالي يا أبتاه إذاً أن نموت محقّين.
7- وقوله (عليه السلام) عندما عُرضَ عليه أن يرضخ لحكم ابن زياد: 
لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ إقرار العبيد. عباد الله إني عذتُ بربّي وربّكم أن ترجمون، أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.
8- وقال (عليه السلام) مخاطباً أصحاب الحرّ بن يزيد الرياحي: 
أيُّها الناس، إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيرَ عليه بفعلٍ ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله ألا وأنَّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرّموا حلال الله وأنا أحقّ من غيري. 
9- وقوله (عليه السلام): 
إنه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون وإنَّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر معروفها، فلم يبقَ منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أن الحق لا يُعمل به وأنَّ الباطل لا يتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً، فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما.
10- وقال (عليه السلام) مخاطباً أصحابه: 
يا كرام هذه الجنة قد فتحت أبوابها، واتصلت أنهارها، وأينعت ثمارها، وهذا رسول الله والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله يتوقّعون قدومكم ويتباشرون بكم؛ فحاموا عن دينِ الله ودين نبيّه وذبّوا عن حرم رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
11- وقوله (عليه السلام): 
رضا الله رضانا أهل البيت. 
12- وقوله (عليه السلام): 
هوّن عليّ ما نزلَ بي إنّه بعين الله. 
السَّلام على الحُسين، وعلى عليّ بن الحُسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحُسين ورحمة الله وبركاته