اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم والعن أعدائهم

 
اسم البحث او المقالة : رسالة الأسرار المكنونة في معنى - طه ويس- في القُرآن الكريم
الكاتب : آية الله الحاج الشّيخ عبد الكريم العُقيلي
الموضوع : عُلوم القُرآن
تاريخ النشر : 18/10/2006



بسم الله الرّحمن الرّحيم

رسالة الأسرار المكنونة في معنى - طه ويس- في القُرآن الكريم(1)

لقد سألت سؤالاً صعباً, تكاد الجبال تنهدّ لسرّه, والقلوب تتقطع لعظمته؛ لأنّ القسم منه جلّ وعلا, والمُقسم به وله عين الحقيقة في العُلى, ولكنّي آتيتك منه قطراً, عسى أن يتحوّل لنا ولك غيثاً منهمراً, فأقول وبه الحول والطّول:
إنّ للقُرآن ظاهراً وباطناً، وللبطن بطن إلى سبعين, وكُلّ واحد منهُا لا تسعه البحار، وإن كانت مداداً, والأشجار وإن كانت أقلاماً, والإنس والجنّ حسّاباً وكتّاباً, كما صرّح الخطاب في الكتاب: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ(2).
لذا أوّل منزل نستقرّ فيه هو إعدادك واستعدادك لتسمع الوحي منهم وبهم صلوات الله عليهم، وترى, ويطمئنّ القلب وما حوى, ثمّ التّدرّج إلى مراتب العُلى، والاستماع إلى النّجوى, وهذه منازل لا تُعطى لمن أخلد إلى الأرض, واتّبع الجبت والطّاغوت والهوى, ولأزيدنّك بياناً، حتّى ينشرح صدرك للإيمان، وتكون من الموقنين، فأنقل لك كلام مولانا الإمام الباقرعليه السّلام بهذا الخُصوص.
1. نقل الشّيخ الصّدوق أعلى الله مقامه، عن أبي إسحاق الليثي، قال: قُلت لأبي جعفر مُحمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام: يابن رسول الله، إخبرني عن المؤمن المُستبصر، إذا بلغ في المعرفة، وكمل هل يزني؟ قال: اللهم لا ... قُلت: فيذنب ذنباً؟ قال: نعم، هو مؤمن مُذنب مُلم ، قلت: ما معنى مُلم؟ قال: الملم بالذّنب، لا يلزمه ولا يصير عليه. قال: فقُلت: سبحان الله! ما اعجب هذا! لا يزنى ولا يلوط ولا يسرق ولا يشرب الخمر ولا يأتي بكبيرة من الكبائر ولا فاحشة، فقال: لا عجب من أمر الله، إنّ الله تعالى يفعل ما يشاء، ولا يُسئل عمّا يفعل، وهم يُسئلون، فمّم عجبت يا إبراهيم؟ سل، ولا تستنكف ولا تستحي؛ فإنّ هذا العلم لا يتعلّمه مُستكبر ولا مُستحي، قلت: يابن رسول الله، إنّي أجد من شيعتكم من يشرب الخمر ويقطع الطّريق ... فكيف هذا ولم ذاك؟ فقال: يا إبراهيم، هل يختلج في صدرك شئ غير هذا، قلت: نعم يابن رسول الله، أخرى أعظم من ذلك! فقال: وهو ما يا أبا اسحاق؟ قال: فقلت: يابن رسول الله، وأجد من أعدائكُم ومناصبيكُم من يكثر من الصّلاة ومن الصّيام ويخرج الزّكاة ويُتابع بين الحجّ والعُمرة ... فمّم ذاك؟ ولم ذاك؟ فسّره لي يابن رسول الله، وبرهنه وبينه، فقد والله، كثُر فكري وأسهر ليلي وضاق ذرعي، قال: فتبسم الباقر صلوات الله عليه، ثمّ قال: يا إبراهيم، خُذ إليك بياناً شافياً فيما سألت، وعلماً مكنوناً من خزائن علم الله وسرّه، اخبرني يا إبراهيم، كيف تجد اعتقادهما؟ قُلت: يابن رسول الله، أجد مُحبيكُم وشيعتكُم على ما هم فيه، ممّا وصفته من أفعالهم، لوأعطي أحدهما ما بين المشرق والمغرب ذهباً وفضة، أن يزول عن ولايتكُم ومحبّتكُم، إلى موالاة غيركُم وإلى محبّتهم ما زال، ولو ضربت خياشيمه بالسّيوف فيكُم، ولو قُتل فيكُم، ما ارتدع ولا رجع عن محبّتكُم وولايتكُم، ورأي النّاصب على ما هو عليه ممّا وصفته من أفعالهم، لو أعطى أحدهم ما بين المشرق والمغرب ذهباً وفضة، أن يزول عن محبّة الطّواغيت وموالاتهم إلى موالاتكُم ما فعل ولا زال، ولو ضُربت خياشيمه بالسّيوف فيهم، ولو قُتل فيهم ما ارتدع ولا رجع، وإذا سمع أحدهم منقبة لكُم وفضلاً اشمأزّ من ذلك، وتغير لونه، ورأي كراهية ذلك في وجهه؛ بُغضاً لكُم ومحبّة لهم، قال: فتبسّم الباقر عليه السّلام، ثمّ قال: يا إبراهيم، هاهنا هلكت العامّة النّاصبة، تصلى ناراً حامية، تُسقى من عين آنية، ومن أجل ذلك، قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا)(3). ويحك يا إبراهيم، اتدرى ما السّبب والقُصّة في ذلك؟ وما الذي قد خفي على النّاس منه؟ قُلت: يابن رسول الله، فبيّنه لي واشرحه وبرهنه، قال: يا إبراهيم، إنّ الله تبارك وتعالى، لم يزل عالماً قديماً، خلق الأشياء لا من شئ ... فكان ممّا خلق الله تعالى أرضاً طيّبة، ثمّ فجّر منها ماءً عذباً زلالاً، فعرض عليها ولايتنا أهل البيت فقبلتها، فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام طبقها وعمها، ثمّ أنضب ذلك الماء عنها، فأخذ من صفوة ذلك الطّين طيناً، فجعله طين الأئمة عليهم السّلام، ثمّ أخذ ثفل ذلك الطّين، فخلق منه شيعتنا، ولو ترك طينتكُم يا إبراهيم، على حاله، كما ترك طينتنا، لكُنتم ونحن شيئاُ واحداً، قلت: يابن رسول الله، فما فعل بطينتنا؟ قال: أخبرك يا إبراهيم، خلق الله تعالى بعد ذلك أرضاً سبخة خبيثة مُنتنة، ثمّ فجّر منها ماءً أجاجاً آسناً مالحاً، فعرض عليها ولايتنا أهل البيت، فلم تقبلها، فأجرى ذلك الماء عليها سعبة أيام حتّى طبقها وعمها، ثمّ نضب ذلك الماء عنها، ثمّ أخذ من ذلك الطّين، فخلق منه الطّغاة وأئمتهم، ثمّ مزجه بثفل طينتكُم، ولو ترك طينتهم على حالها، ولم يمزج بطينتكُم، لم يشهدوا الشّهادتين، ولا صلّوا ولا صاموا ولا زكّوا ولا حجّوا ولا أدّوا الأمانة ولا أشبهوكُم في الصّور، وليس شيء أكبر على المؤمن، من أن يرى صورة عدوه مثل صورته، قُلت: يابن رسول الله، فما صنع بالطّينتين، قال: مزج بينهما بالماء الأوّل والماء الثّاني، ثمّ عركها عرك الأديم، ثمّ أخذ من ذلك قبضة، فقال: هذه إلى الجنّة ولا أبالي. وأخذ قبضة أخرى، وقال: هذه إلى النّار ولا أبالي، ثمّ خلط بينهما، ووقع من سنخ المؤمن وطينته على سنخ الكافر وطينته، ووقع من سنخ الكافر وطينته على سنخ المؤمن وطينته، فما رأيته من شيعتنا من زنا أو لواط أو ترك صلاة أو صوم أو حجّ أو جهاد أو خيانة أو كبيرة من هذه الكبائر، فهو من طينة النّاصب وعنصره، الذي قد مُزج فيه؛ لأنّ من سنخ النّاصب وعنصره وطينته اكتساب المآثم والفواحش والكبائر. وما رأيت من النّاصب من مواظبته على الصّلاة والصّيام والزّكاة والحجّ والجهاد وأبواب البر، فهو من طينة المؤمن وسنخه، الذي قد مُزج فيه، لأنّ من سنخ المؤمن وعنصره وطينته أكتساب الحسنات، واستعمال الخيرات واجتناب المآثم، فإذا عرضت هذه الأعمال كُلّها على الله تعالى، قال: أنا عدل لا أجور، ومنصف لا أظلم، وحكم لا أحيف ولا أميل ولا أشطط، إلحقوا الأعمال السّيئة، التي اجترحها المؤمن بسنخ النّاصب وطينته، وإلحقوا الأعمال الحسنة التي اكتسبها النّاصب بسنخ المؤمن وطينته، ردّوها كُلّها إلى أصلها، فإنّى أنا الله لا إله إلاّ أنا، عالم السّر وأخفى، وأنا المُطلع على قُلوب عبادي، لا أحيف ولا أظلم ولا ألزم أحداً، إلاّ ما عرفته منه قبل أن أخلقه. ثمّ قال الباقر عليه السّلام: أقرأ يا إبراهيم هذه الآية، قلت: يابن رسول الله، أية آية؟ قال، قوله تعالى: (قَالَ مَعَاذَ الله أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّـآ إِذًا لَّظَالِمُونَ)(4) هو في الظّاهر ما تفهمونه، هو والله في الباطن، هذا بعينه يا إبراهيم، إنّ للقُرآن ظاهراً وباطناً، ومُحكماً ومُتشابهاً، وناسخاً ومنسوخاً ... فإذا كان يوم القيامة نزع الله تعالى سنخ النّاصب وطينته، مع اثقاله وأوزاره من المؤمن، فيُلحقها كُلّها بالنّاصب، وينزع سنخ المؤمن وطينته، مع حسناته وأبواب برّه واجتهاده من الناصب، فيُلحقها كُلّها بالمؤمن، افترى هاهُنا ظُلماً أو عُدواناً؟ قلت: لا يابن رسول الله، قال: هذا والله القضاء الفاصل، والحُكم القاطع، والعدل البيّن، لا يُسئل عمّا يفعل وهم يُسئلون. هذا يا إبراهيم الحقّ من ربّك، فلا تكن من المُمترين،... فقُلت: يابن رسول الله، ما أعجب هذا! تؤخذ حسنات أعدائكُم فتُردّ على شيعتكُم، وتؤخذ سيئات مُحبّيكُم فتُردّ على مُبغضيكُم؟! قال: أي الله الذي لا إله إلا هو، فالق الحبّة، وبارئ النّسمة، وفاطر الأرض والسّماء، ما أخبرتُك إلاّ بالحقّ، وما أُنبئتك إلاّ الصّدق، وما ظلمهم الله، وما الله بظلاّم للعبيد، وإنّ ما أخبرتُك لموجود في القُرآن كُلّه، قلت: هذا بعينه يوجد في القُرآن، قال: نعم، يوجد في أكثر من ثلاثين موضعاًَ في القُرآن، أتحب أن أقرأ ذلك عليك؟ قُلت: بلى يابن رسول الله، فقال: قال الله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ* وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ)(5). أزيدك يا إبراهيم؟ قُلت: بلى يابن رسول الله، قال: (لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ)(6). اتحب أن أزيدك؟ قلت: بلى يابن رسول الله، قال:( فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا)(7). يُبدّل الله سيّئات شيعتنا حسنات، ويُبدّل الله حسنات أعدائنا سيّئات، وجلال الله، إنّ هذا لمن عدله وإنصافه، لاراد لقضائه، ولا مُعقب لحُكمه، وهو السّميع العليم، ألم أُبين لك أمر المزاج والطينتين من القُرآن؟ قُلت: بلى يابن رسول الله، قال: إقرأ يا إبراهيم: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ) - يعنى من الأرض الطّيبة والأرض المُنتنة - (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (8). يقول لا يفتخر أحدكم بكثرة صلاته وصيامه وزكاته ونسكه، لأنّ الله تعالى أعلم من إتقى منكُم، فإنّ ذلك من قبل اللمم - وهو المزاج - أزيدك يا إبراهيم، قُلت: بلى يابن رسول الله، قال: (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ* فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الله)- يعني أئمة الجور دون أئمة الحق- (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ) (9) خذها إليك ياأبا إسحاق، فوالله، إنّه لمن غرر أحاديثنا، وباطن سرايرنا، ومكنون خزائننا...(10).
ولا أريد أن أسرح بك إلى هذه المنازل، فإنّهم إذا شاؤا أعطوا أو منعوا، هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب "ويتجلّى النّور" وآتاكم من كُلّ ما سألتموه" بشرط أن يكون المسؤول هو لاغيره " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ " أين هم وفي أي واد يهيمون" فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ "أي وربّي يرشدون بالكشف والعيان, وقد قال الفُرس في أمثالهم : الشّيء العياني لا يحتاج إلى بياني.
وبعدما أشرت لك إلى هذه المعاني, وبعد أن تيقنت بأنّ للقُرآن ظاهراً وباطناً، آتي بك إلى المعاني المكنونة والأسرار المصونة لهذه الأسماء المُباركة- طه ويس- فأقول: قد تفنّن القُرآن المجيد، في وصف المحبوب الحميد, ورمز إليه بالأسماء الحُسنى، والصّفات العّليا، فقال: "طه "." يس" وهذا قسم بما آتاه من مقام "الشّراب الطّهور، في بحر صاد وغيره، إذ قال: وسقيناهم شراباً طهوراً، ولذا أقسم بما أعطاهم في تلك الدّيار ، إذ قال عزّمن قائل:"ولسوف يعطيك ربّك فترضى" والطّهور الذي من شرب منه فقد استغنى.
عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله، قال: إنّ الله تعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألفى عام، فلما سمعت الملائكة القُرآن، قالوا: طوبى لأمّة ينزل هذا عليها، وطوبى لاجواف تحمل هذا، وطوبى لألسن تتكلّم بهذا.(11). كيف لا وهو نزل على أشرف مخلوقاته على الإطلاق، وعلى من قال في وصفه، سرّ العين وعين السّر عليّ الهدى.
نقل السّيد ابن طاووس في كتاب مُصباح الزّائر، قال: إنّ الفياض بن مُحمّد الطّوسي حدّث بطوس، سنة تسع وخمسين ومئتين، وقد بلغ التّسعين، أنّه شهد أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام، في يوم الغدير، وبحضرته جماعة من خاصته... وهو يذكر فضل اليوم وقديمه، فكان من قوله عليه السّلام: حدثني الهادي أبي، قال: حدثني جدّي الصّادق عليه السّلام، قال: حدثني الباقر، قال: حدثني سيّد العابدين عليه السّلام، قال: إنّ الحُسين، قال: إتفق في بعض سنين أمير المؤمنين عليه السّلام الجمعة والغدير، فصعد المنبر على خمس ساعات من نهار ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه حمداً لم يسمع بمثله... ثمّ قال: وأشهد أن مُحمّداً عبده ورسوله، استخلصه في القدم على سائر الأمم، على علم منه به، انفرد عن التّشاكل والتّماثل من أبناء الجنس، وائتمنه آمراً وناهياً عنه، أقامه في ساير عالمه في الأداء ومقامه، إذ كان لا يدركه الأبصار، ولا تحويه خواطر الأفكار، ولا تمثّله غوامض الظّن في الأسرار، لا إله إلاّ هو الملك الجبار، قرن الاعتراف بنبوّته، بالاعتراف بلاهوتيّته، واختصّه من تكرمته بما لم يلحقه فيه أحد من بريّته، فهلهل ذلك بخاصّته وخلّته، إذ لا يختصّ من يشوبه التّغيير، و لا يخالل من يلحقه التّظنين ، وأمر بالصّلاة عليه مزيداً في تكرمته، وتطريقاً للدّاعي إلى إجابته، فصلّى الله عليه وكرّم وشرّف وعظّم مزيداً لا يلحقه التّنفيد، و لا ينقطع على التّأبيد...(12). 
وعليه فقد تجلّى لك صُبح الأزل، من كلامه عليه السّلام, وبذلك ينكشف عنك الغطاء، ويظهر لك من النّداء."طه". ولا أتركُك تسيح في الهوى، حتىّ أحدّث لك منه أمراً. فهذا الإمام الصّادق، جوهر علم الأولين والآخرين, ومن غاص في بحره المُهتدين, وسبّح في محطيه الموالين، يقول في شرح سرّ"طه" ما به اليقين, فصلّ على مُحمّد وآله الطّيبين, وكُن على طُهر؛ لتقبّل هذا المقام المكين، حيث قال عليه السّلام:
طه: أي طهارة أهل بيت مُحمّد صلّى الله عليه وآله، ثمّ قرأ: إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا. والطّريف أنّ هذا النّص قد نقله الثّعلبي في تفسيره، وهو من المُخالفين. فافهم السرّ وما أوعى.(13). 
وأماّ" يس" فهي أعظم وأعلى, وهي إشارة إلى المقام الأقرب من قسي القاب, حيث كان الوحي وحي مُشافهة، من غير واسطة وحي, وما ذكرته هو من ساحة العرض القُدسيّة، لمن تعرّض لها, إذ قال الإمام لمّا سُئل عن "يس" فقال: اسم من أسماء النّبيّ صلّى الله عليه وآله, ومعناه: أيّها السّامع الوحي.(14).
وفي المجالس، عن أمير المؤمنين عليه السّلام، في قوله عزّ وجل:( سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ قال يس مُحمّد، ونحن آل مُحمّد).(15).
ومُراد الإمام عليه السّلام, الإشارة إلى قوله تعالى، في مقام قاب قوسين أو أدنى: (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى). وبديهيّ أنّ ضمير عبده يرجع إليه جلّ وعلا, لا إلى جبريل عليه السّلام، كما توهّمه أهل الرّأي والظّاهر. وخلاصة مابيّناه وأوضحناه يستبين لك أنّه تعالى أقسم بالمراتب العُظمى، المُتناسبة مع مقام القسم منه جلّ وعلا, فخُذ ما آتيتك من قبس لعلّك تجد عليه ومنه الهُدى. والسّلام عليك وعلى الموالين الدرّ من بين الحصى.
أخوك الثّاوي إلى ناحيتهم, الجالس على عتبة دارهم, السّائل بما تجود به أنفسهم، عبد العبد لهم وكفى, عبد الكريم العُقيلي. الأقلّ عملاً والأكثر تقصيراً.


الهامش: 
1 - هذه الرّسالة القيّمة كتبها سماحة آية الله الحاج الشّيخ عبد الكريم العُقيلي، جواباً على سؤال من الأخ السيد مُرتضى. وإليك نصّ السّؤال:
السّؤال: مامعنا اسم - يس و طه - و لماذا سم الله نبيّه بهذا الأسماء الشّريفة.
2 – لُقمان: 27.
3 – الفُرقان: 23.
4 – يوسف: 79.
5 – العنكبوت: 12-13.
6 – النّحل: 25.
7 – الفُرقان: 70.
8 – النّجم:32.
9 – الأعراف:29 – 30.
10 - علل الشّرائع : 2 / 606, بحار الأنوار: 5 / 228.
11 - تفسير نور الثّقلين للشيخ الحويزي: 3 / 366.
12 - بحار الأنوار:94 /112.
13 - مُستدرك سفينة البحار: 6 / 495، خصائص الوحى المُبين للحافظ ابن البُطريق:105.
14 - معاني الأخبار:22.
15 – التّفسير الصّافي للفيض الكاشاني: 4 / 244.

أضف تعليق


كود امني
تحديث