نسبه عليه السّلام
هو أبو مُحمّد الحسن العسكري بن عليّ النّقي بن مُحمّد الجواد بن عليّ الرّضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصّادق بن مُحمّد باقر العلم بن عليّ زين العابدين بن الحُسين السّبط الشّهيد بن عليّ أمير المؤمنين "صلوات الله عليهم اجمعين".
والدته عليه السّلام
يُقال لها سوسن، اُمّ ولد، وتُكنّي اُمّ الحسن.
ومن اسمائها: حديث، وحديثة، وسليل، وسمانة، وغيرها.
بعثها الإمام العسكري "عليه السّلام" إلى الحج سنة 259هـ، واخبرها عمّا يناله سنة 60، فاظهرت الجزع وبكت، فقال "عليه السّلام": لابدّ من وقوع أمر الله فلا تجزعي. وفي صفر سنة 260 هـ كانت في المدينة، فجعلت تخرج إلى خارجها تتجسس الأخبار وقد أخذها الحزن والقلق.
وحينما اتصل بها خبر شهادة الإمام "عليه السّلام" عادت إلى سامرّاء، فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر من مطالبته إيّاها بالميراث، وسعايته بها إلى السّلطان، وكشف ما أمر الله عزّ وجلّ ستره.
وتوفّيت في سامراء وكانت قد أوصت أن تُدفن في الدّار التي تقع جنب ولدها الإمام العسكري "عليه السّلام"، فنازعها جعفر وقال: الدّار داري لاتُدفن فيها.
كيفية زواج الإمام العسكري عليه السّلام
روي عن بشر بن سُليمان النّخّاس أنّه قال:
أتاني كافور الخادم ـ خادم الإمام الهادي ـ فقال: مولانا أبو الحسن عليّ الهادي "عليه السّلام" يدعوك إليه. فأتيته, فلمّا جلست بين يديه, قال لي: يابشر, إنّك من ولد الأنصار, وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها الشّيعة في الموالاة بها، بسرّ أطلعك عليه، وأنفذك في ابتياع أمة.
فكتب كتاباً لطيفاً بخط رومي ولغة رومية, وطبع عليه خاتمه, وأخرج شقيقة صفراء فيها مئتان وعشرون ديناراً، فقال: خذها وتوجّه إلى بغداد, واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فاذا وصلت إلى جانبك زواريق السّبايا وترى الجواري فيها, ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العبّاس وشرذمة من فتيان العرب، فإذا رأيت ذلك, فأشرف من البُعد على المسمّى عمر بن يزيد النّخّاس عامّة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين صفيقين, تمتنع من العرض ولمس المعترض والانقياد لِمن يحاول لمسها، وتسمع صرخة رومية من وراء ستر رقيق، " فاعلم " أنّها تقول: واهتك ستراه. فيقول بعض المبتاعين:عليّ ثلاثمئة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة. فتقول له بالعربية: ولو برزت في زيّ سُليمان بن داود وعلى شبه ملكه, ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك. فيقول النّخّاس: فما الحيلة ؟ ولا بدّ من بيعك. فتقول الجارية: وما العجلة ؟ ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى وفائه وأمانته. فعند ذلك قُم إلى عمر بن يزيد النّخّاس, وقُل له: إنّ معك كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخطّ رومي، ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه، فناولها لتتأمّل منه أخلاق صاحبه, فإن مالت إليه ورضيتهُ، فأنا وكيله في ابتياعها منك.
قال بشر بن سُليمان: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن "عليه السّلام" في أمر الجارية, " فلمّا نَظَرَتْ " في الكتاب بكتْ بكاءً شديداً وقالت لعمر بن يزيد: بِعني لصاحب هذا الكتاب. وحلفت بالمحرجة والمغلظة أنّه متى امتنع من بيعها منه قتلتْ نفسها، فما زلت اُشاحّه في ثمنها حتّى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي "عليه السّلام" من الدّنانير، فاستوفاه منّي وتسلّمت الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى الحجيرة التي كُنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولانا "عليه السّلام" من جيبها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها, وتضعه على خدّها وتمسحه على بدنها، فقُلت تعجّباً منها: تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه ؟ فقالت: أيّها العاجز الضّعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء, أعِرني سمعك وفرّغ لي قلبك, أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الرّوم، واُمّي من ولد الحواريين تُنسب إلى وصيّ المسيح شمعون, اُنبّـِئُك بالعجب: إنّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة, فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيّسين والرّهبان ثلاثمئة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمئة رجل، وجمع من اُمراء الأجناد وقوّاد العسكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهيّ ملكه عرشاً مصنوعاً من أصناف الجوهر إلى صحن القصر، ورفعه فوق أربعين مرقاة, فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت الصّلب وقامت الأساقفة عكّفاً ونشرت أسفار الإنجيل, تسافلت الصّلب من الأعلى فلصقت بالأرض, وتقوّضت أعمدة العرش فانهارت إلى القرار, وخرّ الصّاعد من العرش مغشيّاً عليه, فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم.
فقال كبيرهم لجدّي: أيّها الملك, اعفنا من ملاقاة هذه النّحوس الدّالة على زوال دولة هذا الدّين المسيحي والمذهب الملكاني. فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً " وقال " للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصّلبان, وأحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه؛ لاُزوّجه هذه الصّبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده. فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثّاني مثل ما حدث على الأوّل, وتفرّق النّاس وقام جدّي قيصر مغتمّاً فدخل منزل النّساء واُرخيت السّتور, واُريتُ في تلك الليلة كأنّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي, ونصبوا فيه منبراً من نور يُباري السّماء علوّاً وارتفاعاً في الموضع الذي كان نصب جدّي فيه عرشه، ودخل عليهم مُحمّد "صلّى الله عليه وآله" وختنه ووصيّه وعدّة من أبنائه "عليهم السّلام", فتقدّم المسيح إليه فاعتنقه، فيقول له مُحمّد "صلّى الله عليه وآله": ياروح الله, جئتُك خاطباً من وصيّك شمعون فتاتَه مليكة لابني هذا ـ وأوْمأ بيده إلى أبي مُحمّد "عليه السّلام" ابن صاحب هذا الكتاب ـ. فنظر المسيح إلى شمعون وقال له: قد أتاك الشّرف فَصِل رَحِمَك رَحِمَ آلِ مُحمّد "عليهم السّلام". قال: قد فعلتُ. فصعد ذلك المنبر فخطب مُحمّد "صلّى الله عليه وآله" وزوّجني من ابنه وشهد المسيح "عليه السّلام"، وشهد أبناء مُحمّد "عليهم السّلام" والحواريّون.
فلمّا استيقظت أشفقْتُ أنْ أقصّ هذه الرّؤيا على أبي وجدّي؛ مخافة القتل, فكنت اُسِرّها ولا اُبديها لهم, وضُرب صدري بمحبّة أبي مُحمّد "عليه السّلام" حتى امتنعت من الطّعام والشّراب, فضعُفتْ نفسي ودقّ شخصي، ومرضت مرضاً فما بقي في مدائن الرّوم طبيب إلاّ أحضره جدّي وسأله عن دوائي, فلمّا برح به اليأس " قال": ياقرّة عيني, وهل يخطر ببالك شهوة فازوّدكها في هذه الدّنيا ؟ فقُلت: ياجدّي, أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة, فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من اُسارى المُسلمين, وفككت عنهم الأغلال, وتصدّقت عليهم, ومنّيْتهم الخلاص, رجوت أن يهب لي المسيح واُمّه عافية. فلمّا فعل ذلك, تجلّدت في إظهار الصّحة من بدني قليلاً وتناولت يسيراً من الطّعام, فسرّ بذلك وأقبل على إكرام الاُسارى وإعزازهم، فاريتُ بعد أربع عشرة ليلة كأنّ سيّدة نساء العالمين فاطمة "عليها السّلام" قد زارتني ومعها مريم ابنة عمران وألف من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيّدة نساء العالمين أُمّ زوجك أبي مُحمّد "عليه السّلام". فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي مُحمّد "عليه السّلام" من زيارتي، فقالت سيّدة النّساء "عليها السّلام": إنّ ابني أبا مُحمّد لا يزورك وأنت مشركة بالله على مذهب النّصارى، وهذه اُختي مريم بنت عمران تبرأ إلى الله تعالى من دينك, فإن مِلْت إلى رضاء الله ورضاء المسيح ومريم "عليهما السّلام", وزيارة أبي مُحمّد إيّاك فقولي:
أشهد أن لا إله إلاّ الله, وأنّ أبي مُحمّداً رسول الله. فلمّا تكلمت بهذه الكلمة, ضمَّتني إلى صدرها سيّدة نساء العالمين وطَيَّبَتْ نفسي, وقالت: الآن توقَّعي زيارة أبي مُحمّد, فإنّي منفذته إليك. فانتبهت وأنا أقول وأتوقّع لقاء أبي مُحمّد "عليه السّلام"، فلمّا كان في الليلة القابلة, رأيت أبا مُحمّد "عليه السّلام" وكأنّي أقول له: جفوتني ياحبيبي بعد أن أتْلَفَت نفسي معالجة حبّك. فقال: ما كان تأخّري عنك إلاّ لشركك، فقد أسلمت وأنا زائرك في كلّ ليلة إلى أن يجمع الله تعالى شملنا في العيان. فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.
" قال بشر" فقُلت لها: وكيف وقعت في الاُسارى ؟
فقالت: أخبرني أبو مُحمّد "عليه السّلام" ليلة من الليالي: أنّ جدّكِ سيسيّر جيشاً إلى قتال المُسلمين يوم كذا وكذا، ثمّ يتبعهم, فعليك باللّحاق بهم مُتَنَكّـِرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا.
ففعلت ذلك, فوقعت علينا طلايع المُسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت وشاهدت, وما شعر بأنّي ابنة ملك الرّوم إلى هذه الغاية أحد سواك، وذلك باطلاعي إيّاك عليه، ولقد سألني الشّيخ الذي وقعتُ إليه في سهم الغنيمة عن اسمي, فقُلت: نرجس. فقال: اسم الجواري.
قُلت: العجب إنّك روميّة ولسانك عربيّ. قالت: نعم, من ولوع جدّي وحمله إيّاي على تعلّم الآداب أنْ أوعَز إلى امرأة ترجمانة لي في الاختلاف إليّ, وكانت تقصدني صباحاً ومساءاً وتفيدني العربية حتى استمرّ لساني عليها واستقام.
" قال بشر": فلمّا انكفأت بها إلى سرّ من رأى, دخلت على مولاي أبي الحسن "عليه السّلام" فقال: كيف أراكِ اللهُ عزّ الإسلام وذلّ النّصرانيّة، وشرف مُحمّد وأهل بيته "عليهم السّلام" ؟ قالت: كيف أصف لك يابن رسول الله ما أنت أعلم به منّي. قال: فإنّي أحببت أن اكرمك، فما أحبّ إليك عشرة آلاف دينار, أم بُشرى لك بشرف الأبد ؟
قالت: بُشرى بولد لي. قال لها: أبشري بولد يملك الدّنيا شرقاً وغرباً, ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظُلماً وجوراً.
قالت: ممّن ؟ قال: ممّن خطبك رسول الله "صلّى الله عليه وآله" له ليلة كذا في شهر كذا من سنة كذا بالرّومية.
قالت: من المسيح ووصيه ؟ قال لها: ممّن زوجك المسيح "عليه السّلام" ووصيه ؟ قالت: من ابنك أبي مُحمّد "عليه السّلام" ؟
فقال: هل تعرفينه ؟
قالت: وهل خلت ليلة لم يرني فيها منذ الليلة التي أسلمت على يد سيّدة النّساء صلوات الله عليها ؟ قال: فقال مولانا: ياكافور, ادع اُختي حكيمة. فلمّا دخلتْ قال لها: هاهية. فاعتنقتها طويلاً وسرّت بها كثيراً، فقال لها أبوالحسن "عليه السّلام": يابنت رسول الله, خذيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسّنن, فإنّها زوجة أبي مُحمّد واُمّ القائم.
تأريخ ومحل ولادة الإمام العسكري عليه السّلام
ولد الإمام العسكري "عليه السّلام" في المدينة المنوّرة في يوم الجُمُعة الثّامن من ربيع الثّاني سنة232هـ, على القول المشهور.
وقيل: يوم الاثنين الرّابع من شهر ربيع الآخر، أو السّادس، أوالعاشر، من سنة232هـ.
وقيل: يوم الجُمُعة السّادس من ربيع الأوّل، أوالثّامن منه.
وقيل: العاشر من رمضان من سنة232هـ.
وقيل: سنة230هـ، أو231، أو233.
ألقاب وكُنا الإمام العسكري عليه السّلام
كنيته: أبو مُحمّد.
ألقابه: الزّكي، الهادي، العسكري، التّقي، الخالص، السّراج، الصّامت، الرّفيق، المرضي,
الشّافي، الزّكي، النّقي، المضيء، المهتدي، وغيرها من الألقاب التي تحكي مكارم أخلاقه وخصائصه السّامية وصفاته الزّكية.
عِلم الإمام العسكري عليه السّلام
1 - روي أنّه رآه بهلول وهو صبي يبكي والصّبيان يلعبون، فظنّ أنّه يتحسّر على ما في أيديهم، فقال: اشتري لك ما تلعب به ؟ فقال: ما للعب خُلقنا. فقال له: فلماذا خُلقنا ؟ قال: للعلم والعبادة. فقال له: من أين لك هذا ؟ قال: من قوله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ. ثمّ وعظه بأبيات من الشّعر حتى خرّ مغشيّاً عليه.
2 - عن إسحاق بن مُحمّد النّخعي قال: سأل الفهفكي أبا مُحمّد "عليه السّلام": ما بال المرأة المسكينة الضّعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرّجل سهمين ؟ فقال أبو مُحمّد "عليه السّلام": إنّ المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا عليها معقلّة, إنّما ذلك على الرّجال. فقلت في نفسي: قد كان قيل لي: إنّ ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد الله "عليه السّلام" عن هذه المسألة فأجابه بهذا الجواب, فأقبل أبو مُحمّد "عليه السّلام" عليّ, فقال: نعم, هذه المسألة مسألة ابن أبي العوجاء والجواب منّا واحد إذا كان معنى المسألة واحداً، جرى لآخرنا ما جرى لأوّلنا, وأوّلنا وآخرنا في العلم سواء, ولرسول الله "صلّى الله عليه وآله" وأمير المؤمنين "عليه السّلام" فضلهما.
3 - قال الحسن بن ظريف: كتبت إلى أبي مُحمّد "عليه السّلام" أسأله: ما معنى قول رسول الله "صلّى الله عليه وآله" لأمير المؤمنين "عليه السّلام": مَن كنتُ مولاه فهذاعليّ مولاه ؟ قال "عليه السّلام": أراد بذلك أن يجعله علماً يعرف به حزب الله عند الفرقة.
4 - قال داود بن القاسم الجعفري: سالت أبا مُحمّد عن قول الله عزّ وجلّ: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ... .
قال: كُلّهم من آل مُحمّد الظّالم لنفسه الذي لا يقرّ بالإمام، قال: فدمعت عيني وجعلت أفكّر في نفسي في عظم ما اعطى الله آل مُحمّد على مُحمّد وآله السّلام، فنظر إليّ أبو مُحمّد فقال: الأمر أعظم ممّا حدّثتك نفسك من عظم شأن آل مُحمّد، فأحمد الله, فقد جُعلت متمسّكاً بحبلهم تُدعى يوم القيامة بهم إذا دُعى كلّ أُناس بإمامهم, فأبشر يا أبا هاشم فإنّك على خير.
5 - شهد للإمام "عليه السّلام" برجاحة العلم طبيب البلاط بختيشوع، وكان ألمع شخصية في عِلم الطّب في عصره، فقد احتاج الإمام "عليه السّلام" إلى طبيب, فارسل إليه بختيشوع بعض تلامذته وأوصاه قائلاً: طلب منّي ابن الرّضا من يفصده، فصر إليه، وهو اعلم في يومنا هذا بمن هوتحت السّماء، فاحذر أن لاتعترض عليه فيما يأمرك به.
كرامات الإمام العسكري عليه السّلام
1 - وروى عن إسماعيل بن مُحمّد بن عليّ بن إسماعيل بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس، قال: قعدت لأبي مُحمّد الحسن على باب داره حتى خرج, فقمت في وجهه وشكوت إليه الحاجة والضّرورة, واقسمت أنّي لا أملك الدّرهم فما فوقه، فقال: تقسم وقد دفنت مئتي دينار وليس قولي هذا دفعاً لك عن العطيّة, اعطه يا غلام ما معك. فاعطاني الغلام مئة دينار شكرت له تعالى وولّيت, فقال: ما أخوفني أن تفقد المئتي دينار أحوج ما تكون إليها. فذهبت إليها فافتقدتها فإذا هي في مكانها, فنقلتها إلى موضع آخر ودفنتها من حيث لا يطّلع أحد, ثمّ قعدت مدّة طويلة فاضطررت إليها, فجئت أطلبها في مكانها فلم أجدها فجئت، وشقّ ذلك عليَّ, فوجدت إبناً لي قد عرف مكانها وأخذها وأبعدها ولم يحصل لي شيء, فكان كما قال "عليه السّلام".
2 - ما روي عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عيسى بن صبيح, قال: دخل الحسن العسكري "عليه السّلام" علينا الحبس، وكُنت به عارفاً، فقال لي: لك خمس وستون سنة وشهر ويومان. وكان معي كتاب دُعاء عليه تاريخ مولدي، وإنّي نظرت فيه فكان كما قال, وقال: هل رُزقت ولداً ؟ قُلت: لا. فقال: اللّهمّ ارزقه ولداً يكون له عضداً، فنعم العضد الولد. ثمّ تمثّل "عليه السّلام":
مَن كان ذا عضد يدرك ضلامته * إن الذليل الذي ليست له عضد.
قُلت: ألك ولد ؟
قال: إي والله, سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً [ وعدلاً ], فأمّا الآن فلا. ثمّ تمثّل:
لعلّك يوماً أن تراني كأنّما * بني حوالي الأسود اللوابد
فإنّ تميماً قبل أن يلد الحصى* أقام زماناً وهو في النّاس واحد
حِكم الإمام العسكري عليه السّلام
1 - قال أبو هاشم: سمعت أبا مُحمّد يقول: إنّ لكلام الله فضلاً على الكلام كفضل الله على خلقه, ولكلامنا فضل على كلام النّاس كفضلنا عليهم.
2 - قال "عليه السّلام": إنّ في الجنّة باباً يُقال له " باب المعروف" لا يدخله إلاّ أهل المعروف.
3 - وقال "عليه السّلام": مَن رضي بدون الشّرف من المجلس لم يزل الله وملائكته يصلّون عليه حتى يقوم.
4 - وقال "عليه السّلام": ليست العبادة كثرة الصّيام والصّلاة، وإنّما العبادة كثرة التّفكّر في أمر الله.
عبادة الإمام العسكري عليه السّلام
1 - قال الموكلون به في سجن صالح بن وصيف: إنّه يصوم النّهار ويقوم الليل كلّه, لايتكلّم ولايتشاغل بغير العبادة.
2 - قال أبو هاشم داود بن القسم الجعفري: كان الحسن يصوم في السّجن، فإذا أفطرَ أكلنا معه من طعام كان يحمله غلامهُ إليه في جونة مختومة.
3 - قال مُحمّد الشّاكري " أحّد خدمة الإمام "عليه السّلام": كان استاذي أصلح من رأيت من العلويين والهاشميين، ..., كان يجلس في المحراب ويسجد فأنام وأنتبه وأنام وهو ساجد، وكان قليل الأكل، كان يحضره التّين والعنب والخوخ وما شاكله، فيأكل منه الواحدة والثّنتين، ويقول: شل هذا يا مُحمّد إلى صبيانك. فأقول: هذا كلّه. فيقول: خذه ما رأيت قط أسدى منه.
4 - عن عليّ بن عبد الغفّار، قال: دخل العبّاسيون على صالح بن وصيف، ودخل صالح بن عليّ وغيره من المنحرفين عن هذه النّاحية على صالح بن وصيف عندما حبس أبا مُحمّد، فقال لهم صالح: وما أصنع ؟ قد وكّلت به رجلين من أشرّ من قدرت عليه, فقد صارا من العبادة والصّلاة والصّيام إلى أمر عظيم، فقلت لهما: ما فيه ؟ فقالا: ما تقول في رجلٍ يصوم النّهار ويقوم الليل كلّه لا يتكلّم ولا يتشاغل, وإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا, ويداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا. فلمّا سمعوا ذلك انصرفوا خائبين.
5 - عن عليّ بن مُحمّد عن بعض أصحابنا, قال: سُلّم أبو مُحمّد "عليه السّلام" إلى نحرير, فكان يضيّق عليه ويؤذيه، قال: فقالت له امرأته: ويلك اتّق الله، لا تدري مَن في منزلك ؟ وعرّفته صلاحه، وقالت: إنّي أخاف عليك منه. فقال: لأرمينّه بين السّباع. ثمّ فعل ذلك به فرئي "عليه السّلام" قائماً يُصلّي، وهي حوله.
6 - الحُسين بن مُحمّد الأشعري ومُحمّد بن يحيى وغيرهُما, قالوا: كان أحمد بن عُبيد الله بن خاقان على الضّياع والخراج بقُم, فجرى في مجلسه يوماً ذكر العلوية ومذاهبهم ـ وكان شديد النّصب ـ, فقال ـ وهو يصف الإمام العسكري "عليه السّلام" ـ: ... لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العبّاس, ما استحقّها أحد من بني هاشم غير هذا, وإنّ هذا ليستحقّها في فضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه.
أدعية الإمام العسكري عليه السّلام
1 - عن أبي هاشم قال: كتب إلى أبي مُحمّد "عليه السّلام" بعض مواليه يسأله أن يعلّمه دعاء, فكتب إليه أن ادع بهذا الدّعاء:
يا أسمع السّامعين, ويا أبصر المُبصرين, ويا عزّ النّاظرين, ويا أسرع الحاسبين, ويا أرحم الرّاحمين, ويا أحكم الحاكمين صلّ على مُحمّد وآل مُحمّد, وأوسع لي في رزقي, ومد لي في عمري, وامنن عليّ برحمتك, واجعلني ممّن تنتصر به لدينك, ولا تستبدل بي غيري.
2 - عن سهل بن يعقوب بن إسحاق المُلقّب بأبي نؤاس, قال: قُلت للعسكري"عليه السّلام" ذات يوم: يا سيّدي, قد وقع إلى اختيارات الأنام عن سيّدنا الصّادق "عليه السّلام" ممّا حدّثني به الحسن بن عبدالله بن مظفر, عن مُحمّد بن سُليمان الدّيلمي, عن أبيه, عن سيّدنا الصّادق "عليه السّلام" في كلّ شهر فأعرضه عليك ؟ فقال لي: افعل.
فلمّا عرضته عليه وصححته, قُلت له: يا سيّدي, في أكثر هذه الأيّام قواطع عن المقاصد لما ذكر فيها من النّحس والمخاوف, فتدلني على الإحتراز من المخاوف فيها ؟ فإنّما تدعوني الضّرورة إلى التّوجّه في الحوائج فيها.
فقال لي: يا سهل, أنّ لشيعتنا بولايتنا لعصمة لو سلكوا بها في لجّة البحار الغامرة, وسباسب البيداء الغائرة بين سباع وذئاب وأعادي الجنّ والإنس, لأمِنوا من مخاوفهم بولايتهم لنا, فثق بالله عزّ وجلّ, واخلص في الولاء لأئمّتك الطّاهرين وتوجّه حيث شئت, واقصد ما شئت إذا أصبحت وقُلت ثلاثاً:
أصبحت اللّهمّ, معتصماً بذمامك المنيع الذي لا يطاول ولا يحاول, من شرّ كلّ غاشم وطارق, من سائر ما خلقت ومن خلقك الصّامت والنّاطق في جنّة من كلّ مخوف بلباس سابغة ولاء أهل بيت نبيّك, محتجزاً من كلّ قاصد لي أذية بجدار حصين الإخلاص في الإعتراف بحقّهم والتّمسك بحبلهم جميعاً, موقناً بأنّ الحقّ لهُم ومعهم وفيهم, وبهم أوالي مَن والوا وأجانب من جانبوا, فأعذني اللّهمّ من شرّ كلّ ما أتقيه يا عظيم, حجزت الأعادي عنّي ببديع السّماوات والأرض: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ.
وقُلتها عشياً ثلاثاً حصلت في حصن من مخاوفك وأمن من محذورك, فإذا أردت التّوجه في يوم قد حذرت فيه, فقدّم أمام توجهك:
الحمد لله ربّ العالمين, والمعوذتين, وآية الكرسي, وسورة القدر, وآخر آية في سورة آل عمران, وقل:
اللّهمّ بك يصول الصّائل, وبقدرتك يطول الطّائل, ولا حول لكلّ ذي حول إلاّ بك, ولا قوّة يمتارها ذو قوّة إلاّ منك, بصفوتك من خلقك وخيرتك من برّيّتك مُحمّد نبيّك وعترته وسلالته عليه وعليهم السّلام صلّ عليهم, واكفني شرّ هذا اليوم وضرره وارزقني خيره ويمنه, واقض لي في متصرفاتي بحسن العاقبة وبلوغ المحبّة, والظّفر بالأمنية وكفاية الطّاغية الغوية, وكلّ ذي قدرة لي على أذية, حتى أكون في جنّة وعصمة من كلّ بلاء ونقمة, وأبدلني من المخاوف فيه أمناً ومن العوائق فيه يسراً, حتى لا يصدني عن المراد, ولا يحلّ بي طارق من أذى العباد, إنّك على كلّ شيء قدير, والأمور إليك تصير يا مَن ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير.
3 - ذكرعليّ بن عبد الواحد باسناده إلى رجاء بن يحيى بن سامان، قال: خرج إلينا من دار سيّدنا أبى مُحمّد الحسن بن عليّ صاحب العسكر سنة خمس وخمسين ومتين، فذكر الرّسالة المقنعة بأسرها، قال: وليكن ممّا تدعو به بين كلّ ركعتين من نوافل شهر رمضان: اللّهمّ اجعل فيما تقضي وتقدّر من الأمر المحتوم، وفيما تفرّق من الأمر الحكيم في ليلة القدر، أن تجعلني من حجاج بيتك الحرام، المبرور حجّهم، المشكور سعيهم، المغفور ذنوبهم، وأسألك أن تطيل عمري في طاعتك، وتوسّع لي في رزقي، يا أرحم الرّاحمين.
4 - عن أبي مُحمّد عبدالله بن مُحمّد العابد قال: سألت مولاي أبا مُحمّد الحسن بن عليّ "عليه السّلام" في مسير له بسر من رأى سنة خمس وخمسين ومئتين, أن يملي عليّ الصّلاة على النّبيّ وأوصيائه "عليه وعليهم السّلام" أحضرت معي قرطاساً كبيراً, فأملى عليّ لفظاً من غير كتاب, قال: اكتب الصّلاة على النّبيّ "صلّى الله عليه وآله":
اللّهمّ صلّ على مُحمّد كما حمل وحيك وبلّغ رسالاتك, وصلّ على مُحمّد كما أحلّ حلالك وحرّم حرامك وعلّم كتابك, وصلّ على مُحمّد كما أقام الصّلاة, وأدّى الزّكاة, ودعا إلى دينك, وصلّ على مُحمّد كما صدّق بوعدك, وأشفق من وعيدك, وصلّ على مُحمّد كما غفرت به الذّنوب, [و] سترت به العيوب, وفرّجت به الكروب, وصلّ على مُحمّد كما دفعت به الشّقاء, وكشفت به العماء, وأجبت به الدّعاء, ونجيت به من البلاء, وصلّ على مُحمّد كما رحمت به العباد, وأحييت به البلاد, وقصمت به الجبابرة, وهلكت به الفراعنة, وصلّ على مُحمّد كما أضعفت به الأموال, وحذرت به من الأهوال, وكسرت به الأصنام, ورحمت به الأنام, وصلّ على مُحمّد كما بعثته بخير الأديان, وأعززت به الإيمان وتبرت به الأوثان, وعصمت به البيت الحرام, وصلّ على مُحمّد وأهل بيته الطّاهرين الأخيار, وسلم تسليماً.
5 - من تسبيح للإمام أبي مُحمّد الحسن بن عليّ العسكري "عليه السّلام":
سُبحان مَن هو في علوه دان, وفي دنوه عال وفي إشراقه منير وفي سُلطانه قوي, سُبحانه الله وبحمده.
6 - من حرز للإمام أبي مُحمّد العسكري "عليه السّلام":
بسم الله الرّحمن الرّحيم, يا عدّتي عند شدّتي, ويا غوثي عند كربتي, يا مونسي عند وحدتي, احرسني بعينك التي لا تنام, واكنفني بركنك الذي لا يرام.
النّصّ على إمامة الإمام العسكري عليه السّلام
1 ـ عن الصّقر بن أبي دلف، قال: سمعت أبا جعفر مُحمّد بن عليّ الرّضا "عليه السّلام" يقول: إنّ الإمام بعدي ابني عليّ، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه ... .
2 ـ عن عبد السّلام بن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن عليّ الخزاعي يقول: انشدت مولاي الرّضا عليّ بن موسي "عليه السّلام" قصيدتي التي أوّلها:
يقوم علي اسم الله والبركات خروج إمام لا محالة خارج
فلمّا انتهيت إلى قولي:
مدارس ايات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات
ويجزي عليّ النّعماء والنّقمات يميز فينا كلّ حـق وباطل
بكى الرّضا "عليه السّلام" بكاء شديداً، ثمّ رفع رأسه إليّ فقال لي: ياخزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري مَن هذا الإمام ومتى يقوم ؟ فقُلت: لا يا مولاي، إلاّ إنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد، ويملأها عدلاً كما مُلئت جوراً.
فقال: يا دعبل، الإمام بعدي مُحمّد ابني، وبعد مُحمّد ابنه عليّ، وبعدعليّ ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم المُنتظر في غيبته، المُطاع في ظهوره ... .
3 ـ عن أحمد بن عيسى العلوي ـ من ولد عليّ بن جعفر ـ قال: دخلت على أبي الحسن "عليه السّلام " بصريّاً, فسلّمنا عليه، فإذا نحن بأبي جعفر وأبي مُحمّد قد دخلا، فقمنا إلى أبي جعفر لنسلّم عليه، فقال أبو الحسن "عليه السّلام": ليس هذا صاحبكم، عليكم بصاحبكم. وأشار إلى أبي مُحمّد.
4 ـ عن عليّ بن عبدالغفّار، قال: إنّ الإمام الهادي "عليه السّلام " كتب إلى شيعته: الأمر لي مادمت حيّاً، فإذا نزلت بي مقادير الله عزّ وجلّ, أتاكم الله الخلف منّي، وأنّى لكم بالخلف بعد الخلف ؟.
5 ـ عن عليّ بن عمر النّوفلي، قال: كنت مع أبي الحسن العسكري "عليه السّلام " في داره، فمرّ عليه أبوجعفر، فقُلت له: هذا صاحبنا ؟ فقال: لا، صاحبكم الحسن.
6 ـ عن عليّ بن عمر النّوفلي، قال: كُنت مع أبي الحسن "عليه السّلام " في صحن داره، فمرّ بنا مُحمّد ابنه، فقُلت له: جُعلت فداك، هذا صاحبنا بعدك ؟ فقال: لا، صاحبكم بعدي الحسن.
7 ـ عن الصّقر بن أبي دلف, قال: سمعت عليّ بن مُحمّد بن عليّ الرّضا "عليه السّلام " يقول: إنّ الإمام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظُلماً.
8 ـ عن يحيي بن يسار القنبري، قال: أوصى أبوالحسن "عليه السّلام " إلى ابنه الحسن "عليه السّلام " قبل مضيه بأربعة أشهر، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي.
9 ـ عن داود بن القاسم، قال: سمعت أبا الحسن "عليه السّلام " يقول: الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ؟ فقُلت: ولِم جعلني الله فداك ؟ فقال: إنّكم لاترون شخصه, ولايحلّ لكم ذكره باسمه.
10 ـ عن عبدالله بن مُحمّد الأصفهاني، قال: قال أبو الحسن "عليه السّلام": صاحبكم بعدي الذي يُصلّي عليّ. قال: ولم نعرف أبا مُحمّد قبل ذلك, قال: فخرج أبو مُحمّد فصلّى عليه.
11 ـ وعن أبي بكر الفهفكي, قال: كتب إلى أبو الحسن "عليه السّلام": أبو مُحمّد ابني, أنصح آل مُحمّد غريزة، وأوثقهم حجّة، وهو الأكبر من ولدي, وهو الخلف، وإليه تنتهي عُري الإمامة وأحكامها، فما كُنت سائلي فسله عنه، فعنده ما يُحتاج إليه.
12 ـ عن عليّ بن مهزيار، قال: قُلت لأبي الحسن "عليه السّلام": إن كان كون ـ وأعوذ بالله ـ فإلي مَن ؟ قال: عهدي إلى الأكبر من ولدي. وكان الإمام العسكري "عليه السّلام " أكبر ولد الإمام الهادي "عليه السّلام".
13 ـ عن عليّ بن عمرو العطّار، قال: دخلت على أبي الحسن العسكري "عليه السّلام " وأبو جعفر ابنه في الأحياء، وأنا أظنّ أنّه هو، فقُلت له: جُعلت فداك، من أخصّ من ولدك ؟ فقال: لاتخصّوا أحداً حتى يخرج إليكم أمري.
قال: فكتبت إليه بعد: فيمن يكون هذا الأمر؟ قال: فكتب إليّ: في الكبير من ولدي. قال: وكان أبومُحمّد أكبر من أبي جعفر.
14 ـ عن عبد العظيم الحسني, قال: دخلت على سيّدي عليّ بن مُحمّد "عليه السّلام"، فلمّا بصر بي, قال لي: مرحباً بك يا أبا القاسم، أنت وليّنا حقّاً. قال: فقُلت له: يابن رسول الله، إنّي أريد أن أعرض عليك ديني, فإن كان مرضياً, ثبّت عليه حتى القى الله عزّ وجلّ. فقال: هات يا أبا القاسم. فقُلت: إنّي أقول: إنّ الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء ... وأنّ
مُحمّداً "صلّى الله عليه وآله" عبده ورسوله ... وأنّ الإمام والخليفة وولي الأمر بعده, أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب "عليه السّلام"، ثمّ الحسن، ثمّ الحُسين، ثمّ عليّ بن الحُسين، ثمّ مُحمّد بن عليّ، ثمّ جعفر بن مُحمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ مُحمّد بن عليّ، ثمّ أنت يا مولاي. فقال "عليه السّلام": ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للنّاس بالخلف من بعده ؟ قال: فقُلت: وكيف ذاك يا مولاي ؟ قال: لإنّه لايُرى شخصه, ولايحلّ ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظُلماً. قال: فقُلت: أقررت.
أصحاب الإمام العسكري "عليه السّلام"
1 - إبراهيم بن أبي حفص الكاتب.
2 - إبراهيم بن عبدة النّيسابوري.
3 - إبراهيم بن خقيب.
4 - إبراهيم بن عليّ.
5 - إبراهيم بن مُحمّد.
6 - إبراهيم بن مهزيار.
7 - إبراهيم بن يزيد.
8 - أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود بن حمدون.
9 - أحمد بن إبراهيم, يُكنّى أبا أحمد المراغي.
10 - أحمد بن حمّاد المحمودي, يُكنّى أبا عليّ.
11 - أحمد بن عبد الله بن مروان الأنباري.
12 - أحمد بن مُحمّد الحضيني.
13 - أحمد بن إدريس القُمّي.
14 - أحمد بن إسحاق بن عبدالله الأشعري.
15 - أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال.
16 - إسحاق بن إسماعيل النّيسابوري.
17 - إسحاق بن الرّبيع الكوفي.
18 - إسحاق بن مُحمّد البصري، يُكنّى أبا يعقوب.
19 - إسماعيل بن مُحمّد بن عليّ بن إسماعيل.
20 - جابر بن سهيل الصّقيل.
21 - جابر بن يزيد الفارسي, يُكنّى أبا القاسم.
22 - جعفر بن إبراهيم بن نوح.
23 - الحسن بن ظريف.
24 - الحسن بن عليّ بن النّعمان.
25 - الحسن بن أحمد المالكي.
26 - الحسن بن جعفر, المعروف بأبي طالب الفاغاني.
27 - الحسن بن موسى الخشّاب.
28 - الحسن بن النّضر, أبو عون الأبرش.
29 - الحُسين بن اشكيب المروزي.
30 - الحُسين بن مالك القُمّي.
31 - الحُسين بن الحسن بن أبان.
32 - حفص بن عمرو العمري.
33 - حمدان بن سُليمان النّيسابوري.
34 - حمزة بن مُحمّد.
35 - دواد بن أبي زيد النّيسابوري.
36 - داود بن القاسم الجعفري.
37 - داود بن عامر الأشعري، القُمّي.
38 - الرّيان بن الصّلت.
39 - السّندي بن الرّبيع.
40 - سعد بن عبد الله القُمّي.
41 - شاهويه بن عبد الله الجلاب.
42 - صالح بن عبد الله, الجلاب.
43 - صالح بن أبي حمّاد.
44 - عبد العظيم الحسني.
45 - عبدالله بن جعفر الحميري.
46 - عبدالله بن مُحمّد بن خالد الطّيالسي.
47 - عبد الله بن حمدويه البيهقي.
48 - عبد الله بن مُحمّد, يُكنّى, أبا مُحمّد الشّامي الدّمشقي.
49 - عثمان بن سعيد العمري، الزّيّات، ويُقال له السّمان، يُكنّى أبا عمرو.
50 -عليّ بن بلال.
51 -عليّ بن جعفر بن العبّاس الخزاعي.
52 -عليّ بن الحسن بن فضّال الكوفي.
53 -عليّ بن سُليمان بن داود الرّقي.
54 -عليّ بن الرّيان بن الصّلت الأشعري القُمّي.
55 -عليّ رميس.
56 -عليّ بن زيد.
57 -عليّ بن شجاع النّيسابوري.
58 -عليّ بن مُحمّد الصّيمري.
59 -عليّ بن مُحمّد بن إلياس.
60 - عمر بن أبي مُسلم.
61 - عمر بن سويد المدائني.
62 - الفضل بن الحارث.
63 - الفضل بن شاذان النّيسابوري.
64 - قاسم بن هشام اللؤلؤي.
65 - مُحمّد بن إبراهيم بن مهزيار.
66 - مُحمّد بن أحمد بن مطهّر.
67 - مُحمّد بن أحمد بن نعيم، أبو عبد الله الشّاذاني النّيسابوري.
68 - مُحمّد بن أحمد الجعفري القُمّي.
69 - مُحمّد بن جعفر العمري.
70 - مُحمّد بن الرّبيع بن السّويد السّائي.
71 - مُحمّد بن أحمد بن جعفر القُمّي.
72 - مُحمّد بن بلال.
73 - مُحمّد بن الحسن الصّفّار.
74 - مُحمّد بن الحُسين بن أبي الخطّاب.
75 - مُحمّد بن زياد.
76 - مُحمّد بن صالح الأرمني.
77 - مُحمّد بن صالح بن مُحمّد الهمداني.
78 - مُحمّد بن صالح الخشعمي.
79 - مُحمّد بن عبد المجيد بن سالم، العطّار الكوفي.
80 - مُحمّد بن عليّ التّستري.
81 - مُحمّد بن عليّ الزّراع.
82 - مُحمّد بن عليّ القسري.
83 - مُحمّد بن عليّ الكاتب.
84 - مُحمّد بن موسى النّيسابوري.
85 - مُحمّد بن موسى بن فرات.
86 - مُحمّد بن يحيى بن زياد.
87 - مُحمّد بن يحيى المعاذي.
88 - مُحمّد بن يزداد.
89 - مُحمّد بن الرّيان بن الصّلت.
90 - مُحمّد بن أبي الصّهبان.
91 - مُحمّد بن عثمان العمري.
92 - مُحمّد بن عليّ بن بلال.
93 - مُحمّد بن عليّ بن محبوب الأشعري القُمّي.
94 - مُحمّد بن عيسي بن عبيد اليقطيني.
95 - هارون بن مُسلم بن سعدان.
96 - يحيى البصري.
97 - يعقوب بن إسحاق البرقي.
98 - يعقوب بن منقوش.
99 - يوسف بن السّخت.
كلمات في الإمام العسكري عليه السّلام
1- قال الإمام الهادي "عليه السّلام": أبو مُحمّد ابني، أصحّ آل مُحمّد "عليهم السّلام" غريزة، وأوثقهم حجّة، وهو الأكبر من ولدي، وهو الخلف، وإليه تنتهي عُرى الإمامة وأحكامنا ... .
2- قال البستاني: الحسن الخالص بن عليّ الهادي ... ذكروا له كثيراً من المناقب المعروفة في أهل هذا البيت الطّالبيين، وظهر عليه الفهم والحكمة منذ حداثته ... .
3- قال خير الدّين الزّركلي: الحسن بن عليّ الهادي بن مُحمّد الجواد، الهاشمي: أبو مُحمّد الإمام الحادي عشر عند الإماميّة ... بويع بالإمامة بعد وفاة أبيه، وكان على سنن سلفه الصّالح تقاً ونسكاً وعبادة ... .
4- قال العلاّمة السّيّد عبّاس بن نور الدّين المكّي: أبو مُحمّد الإمام الحسن العسكري: نسبه أشهر من القمر ليلة أربعة عشر، يُعرف هو وأبوه بالعسكري, وأمّا فضائله فلا يحصرها الألسن... .
5- راهب دير العاقول, وكان من كُبراء رجال النّصرانية وأعلمهم بها، لمّا سمع بكرامات الإمام "عليه السّلام" ورأى ما رآه، أسلم على يديه, وخلع لباس النّصرانية ولبس ثياباً بيضاء,
ولمّا سأله الطّبيب بختيشوع عمّا أزاله عن دينه، قال: وجدت المسيح أو نظيره فأسلمت على يده ـ يعني بذلك الإمام الحسن العسكري "عليه السّلام" ـ وقال: وهذا نظيره في آياته وبراهينه. ثمّ انصرف إلى الإمام ولزم خدمته إلى أن مات.
6 ـ قال مُحمّد بن طلحة الشّافعي, عن الإمام الحسن العسكري "عليه السّلام": فاعلم المنقبة العُليا, والمزيّة الكُبرى التي خصّه الله عزّ وجلّ بها, وقلّده فريدها, ومنحه تقليدها, وجعلها صفة دائمة, لا يبلي الدّهر جديدها, ولا تنسى الالسن تلاوتها وترديدها: أنّ المهدي مُحمّد نسله، المخلوق منه، وولده المنتسب إليه، وبضعته المُنفصلة عنه.
7- قال اليافعي: الشّريف العسكري، أبو مُحمّد الحسن بن عليّ بن مُحمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر الصّادق, أحد الأئمّة الإثني عشر على اعتقاد الإماميّة، وهو والد المنتظر ""عليه السّلام " ... .
8- قال أبو جعفر رشيد الدّين مُحمّد بن عليّ شهر آشوب السّروي: هو الحسن الهادي بن عليّ ... مذلّل الصّعاب، نقي الجيب، بريء من العيب، أمين على الغيب، معدن الوقار بلا شيب، خافض الطّرف, واسع الكف، كثير الحياء، كريم الوفاء، قليل الإفتاء، لطيف الغذاء، كثير التّبسّم، سريع التّحكّم، أبو الخلف, مُكنّى أبو مُحمّد ... .
9- قال النّسّابة ابن شدقم: كان الحسن العسكري إماماً هادياً، وسيّداً عالياً، ومولى زكياً.
10- قال ركن الدّين الحُسيني الموصلي: الإمام العسكري أبو مُحمّد ... مناقبه وفضائله وكراماته لا تُحصى ... ,وأنّ المنقبة العُليا التي خصّ الله بها وقلّده بها ... أنّ المهدي "عليه السّلام" هو ولده ... .
11- بختشوع الطّبيب, فهو ألمع شخصية طبّيّة في عصر الإمام "عليه السّلام", فهو طبيب الأسرة المالكة, وقد احتاج الإمام إلى طبيب يفصده, فطلب من بختشوع أن يرسل إليه بعض تلامذته ليقوم بذلك، فاستدعى بختشوع تلميذه بطريق، وأمره بالذّهاب لمُعالجة الإمام، وأدلى إليه بحديث أعرب فيه عن سمو منزلت الإمام, قائلاً:
طلب منّي ابن الرّضا من يفصده فصر إليه، وهو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السّماء، فاحذر أن لا تعترض عليه في ما يأمرك به ... .
12- أبو هاشم الجعفري اتصل بالإمامين العسكريين اتصالاً وثيقاً, وعرف واقعهما المشرّق الذي يمثّل هُدى الإسلام، ونظم الكثير من شعره الرّائع في مدحهم، ومما قاله في الإمام أبي مُحمّد "عليه السّلام" هذه الأبيات:
وأعطاه آيات الإمامة كلّها *** كموسى وفلق البحر واليد والعصا
وما قمص الله النّبيين حجّة *** ومعجزة إلا الوصيين قمصاً
وأن كنت مرتاباً بذاك فقصره*** من الأمر أن تتلو الدّليل وتفحصاً
13- أحمد بن عُبيد الله بن خاقان ـ من أبرز رجال الحُكم والسّياسة في عصر الإمام أبي مُحمّد "عليه السّلام"ـ, قال:
ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى رجلاً من العلويّة مثل الحسن بن عليّ بن مُحمّد بن الرّضا، ولا سمعت به في هديه وسكونه، وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسّلطان في جميع بني هاشم، وتقديمهم إيّاه على ذوي السّن منهم والخطر، وكذلك القوّاد والوزراء والكتّاب، وعوام النّاس ... .
14- عُبيد بن خاقان ـ من الشّخصيات السّياسية اللامعة في ذلك العصر ـ، قال:
ولو زالت الخلافة من خُلفاء بني العبّاس، ما استحقّها أحداً من بني هاشم غير هذا - يعني الحسن بن عليّ - فإنّ هذا يستحقّها في فضله، وعفافه، وهديه، وزهده، وعبادته، وجميل أخلاقه، وصلاحه ... .
15- الشّيخ المُفيد، قال: كان الإمام بعد أبي الحسن عليّ بن مُحمّد "عليهم السّلام" ابنه مُحمّد الحسن بن عليّ لاجتماع خلال الفضل فيه، وتقدّمه على كافّة أهل عصره فيما يوجب له الإمامة، ويقتضي له الرّياسة من العلم، والزّهد، وكمال العقل، والعصمة، والشّجاعة، والكرم، وكثرة الأعمال المقرّبة إلى الله عزّ وجلّ ... .
16- ابن الصّباغ عليّ بن مُحمّد المالكي, قال:
مناقب سيّدنا أبي مُحمّد الحسن العسكري دالة على أنّه السّري ابن السّري، فلا يشكّ في إمامته أحد ولا يمتري، واعلم أنّه إذا بيعت مكرمة فسواه بايعها والمشتري ... واحد زمانه من غير مدافع، ونسيج وحده من غير منازع، سيّد أهل عصره، وإمام أهل دهره، أقواله سديدة وأفعاله حميدة، وإذا كانت أفاضل أهل زمانه قصيدة فهو بيت القصيدة، وإن انتظموا عقداً كان مكان الواسطة الفريدة، فارس العلوم الذي لا يُجارى، ومبين غوامضها فلا يجادل، كاشف الحقائق بنظره الصّائب، مظهر الدّقائق بفكره الثّاقب، المحدث في سرّه بالأمور الخفيات، الكريم الأصل والنّفس والذات... .
17- العلاّمة ابن الجوزي, قال: إنّ المنقبة العُليا، والمزية التي خصّه الله بها - أي الإمام الحسن العسكري-، وقلّده فريدها، ومنحه تقليدها, وجعلها صفة دائمة لا يبلي الدّهر جديدها، ولا تنسى الألسنة تلاوتها وترديدها، إنّ المهدي مُحمّد "عليه السّلام" نسله المخلوق منه، وولده المنتسب إليه ... .
18- يوسف بن إسماعيل النّبهاني, قال: الحسن العسكري أحد الأئمّة ساداتنا آل البيت العظام، وساداتهم الكرام "رضي الله عنهم أجمعين"، ذكره الشّبراوي في "الإتحاف بحل الأشراف", ولكنّه اختصر ترجمته ولم يذكر له كرامات، وقد رأيت له كرامة بنفسي، وهو أنّي في سنة "1296هـ" سافرت إلى بغداد من بلدة " كوي سنجق" إحدى قواعد بلاد الأكرام، وكُنت قاضياً فيها, ففارقتها قبل أن أكمل المدّة المعيّنة؛ لشدّة ما وقع فيها من الغلاء والقحط، اللذين عَمّا بلاد العراق في تلك السّنة, فسافرت على الكلك ـ وهو ظروف يشدون بعضها إلى بعض، ويربطون فوقها الأخشاب، ويجلسون عليها ـ فلمّا وصل الكلك قبالة مدينة سامراء، وكانت مقر الخُلفاء العبّاسيين, فأحببنا أن نزور الإمام الحسن العسكري، وخرجنا لزيارته، فحينما دخلت على قبره الشّريف, حصلت لي روحانية لم يحصل لي مثلها قط ... وهذه كرامة له، ثمّ قرأت ما تيسّر من القُرآن، ودعوت بما تيسّر من الدّعوات وخرجت ... .
19- أثنى العلاّمة المحقّق عليّ بن عيسى الأربلي على الإمام أبي مُحمّد "عليه السّلام" ثناءاً عاطراً، وأدلى ببعض مزاياه ومكارم صفاته، وقال في جُملة كلامه ـ وبعضه مرّ معنا آنفاً عن ابن الصّبّاغ ـ .
الإمام الحسن: فارس العلوم الذي لا يُجارى، ومُبين غامضها فلا يُجادل ولا يُمارى، كاشف الحقائق بنظره الصّايب، مُظهر الدّقائق بفكره الثّاقب، المطّلع بتوفيق الله على أسرار الكائنات، المخبر بتوفيق الله عن الغائبات، المحدّث في سرّه بما مضى، وبما هو آت، المُلهم في خاطره بالأمور الخفيات، الكريم الأصل والنّفس والذّات، صاحب الدّلائل والآيات والمُعجزات، مالك أزمة الكشف والنّظر، مُفسّر الآيات، مقرّر الخبر، وارث السّادة الخير، ابن الأئمّة أبو المنتظر، فانظر إلى الفرع والأصل، وجدّد النّظر، واقع بأنّهما "عليهما السّلام" أضوأ من الشّمس وأبهى من القمر، وإذا تبيّن زكاء الأغصان تبيّن طيب الثّمر، فأخبارهم ونعوتهم "عليهم السّلام" عيون التّواريخ، وعنوان السّير.
شرف تتابع كابراً عن كابر *** كالرّمح أنبوباً على أنبوب
ووالله أقسم أنّ من عدّ مُحمّداً "صلّى الله عليه وآله" جدّاً، وعليّاً أباً، وفاطمة أُمّاً، والأئمّة آباء, والمهدي ولداً, لجدير أن يطول السّماء علاء وشرفاً والأملاك سلفاً وذاتاً وخلفاً، والذي ذكرته من صفاته دون مقداره، فكيف لي باستقصاء نعوته وأخباره، ولساني قصير، وطرف بلاغتي حسير، فلهذا يرجع عن شأنه وصفاته كليلاً، ويتضاءل لعجزه وقصوره ... .
20ـ العلاّمة الشّبراوي الشّافعي, قال: الحادي عشر من الأئمّة الحسن الخالص, ويُلقب أيضاً بالعسكري ..., ويكفيه شرفاً أنّ الإمام المهدي المنتظر من أولاده، فللّه درّ هذا البيت الشّريف, والنّسب الخضم المنيف, وناهيك به من فخار, وحسبك فيه من علو مقدار ..., فيا له من بيت عالي الرّتبة سامي المحلّة، فلقد طاول السّما كعلاً ونبلاً، وسما على الفرقدين منزلة ومحملاً, واستغرق صفات الكمال، فلا يستثنى فيه بغير ولا بإلاّ، انتظم في المجد هؤلاء الأئمّة انتظام اللآلي, وتناسقوا في الشّرف فاستوى الأوّل والتّالي، وكم اجتهد قوم في خفض منارهم والله يرفعه ... .
شهادة الإمام العسكري عليه السّلام
كان من الثّابت لدى خُلفاء بني العبّاس إنّ عدد أئمّة أهل البيت "عليهم السّلام" اثنا عشر إماماً, وأنّ الثّاني عشر منهم سوف يظهر بعد غيبته ويطوي سجلّ الظّالمين, ويقضي على حكومات الباطل, ويملأ العالم بالقسط والعدل, وذلك من خلال الأحاديث والرّوايات الواردة عن الرّسول الأعظم "صلّى الله عليه وآله".
والعلم بهذا الموضوع جعلهم يُراقبون الإمام العسكري بشدّة، ويحبّون كثيراً أن لا يولد للإمام مولود، وجميع شؤون الإمام كانت مراقبة بطرق مختلفة, وحتّى أنّهم سجنوا الإمام عدّة مرّات، وأخيراً ولمّا رأى المُعتمد العبّاسيّ أنّ اهتمام النّاس وإقبالهم على الإمام يزداد يوماً بعد يوم, وأنّ السّجن والاضطهاد والرّقابة قد أدّت إلى ما هوالعكس, اتّخذ قراراً بتصفيته جسدياً, وبالفعل دسّ السّم إلى الإمام خُفيةً واستشهد "عليه السّلام" في الثّامن من ربيع الأوّل سنة 260 هجرية.
ومن خلال دراسة الأخبار الواصلة إلينا عن المدّة القصيرة من إمامة الإمام العسكري "عليه السّلام" تقودنا إلى الاعتقاد بأنّ السّلطة العبّاسية كانت مُنذ زمن المعتزّ بصدد الفتك بالإمام قبل أن يولد له ولد، ذلك؛ لأنّها تعتقد أنّ المولود له هو المهدي الموعود خاتم أئمّة الحقّ الاثني عشر, حيث روى أحمد بن مُحمّد بن عبدالله، قال: خرج عن أبي مُحمّد "عليه السّلام" حين قُتل الزّبيري: هذا جزاء من اجترا على الله في أوليائه، يزعم أنّه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأى قدرة الله فيه ؟ وولد له ولد سمّاه مُحمّداً.
وهدّد المُهتدي العبّاسي الإمام "عليه السّلام" بالقتل قائلاً: والله, لاجلينّهم عن جديد الأرض. غير أنّه قُتل قبل تنفيذ هذا الغرض.
وتعرّض الإمام العسكري "عليه السّلام" في زمان المُعتمد لشتّى أنواع التحدّيات والضّغوط، وحاول قتل الإمام "عليه السّلام" على الرّغم من حدوث الولادة في زمان المُعتمد؛ لأنّ الدّولة على المُستوى الرّسمي لم تكُن مطّلعة عليها؛ بسبب اجراءات الإمام "عليه السّلام" القائمة على أساس الكتمان والسّريّة في هذا الأمر، وأبى الله سُبحانه إلاّ أن يُتمّ نوره، فاخفى وليّه الذي ينتظره العالم كلّه؛ ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظُلماً و جوراً.
عن سعد بن عبدالله، قال: حدّثني موسي بن جعفر بن وهب البغدادي، أنّه خرج من أبي مُحمّد "عليه السّلام" توقيع: زعموا أنّهم يُريدون قتلي؛ ليقطعوا هذا النّسل، وقد كذّب الله عزّ وجلّ قولهم والحمدالله.
قال أمين الاسلام الطّبرسي: ذهب كثير من اصحابنا إلى أنّه "عليه السّلام" مضى مسموماً، وكذلك أبوه وجدّه وجميع الأئمّة "عليهم السّلام" خرجوا من الدّنيا بالشّهادة، واستدلّوا على ذلك بما روي عن الصّادق "عليه السّلام" من قوله: مامنّا إلاّ مقتول شهيد. والله اعلم بحقيقة ذلك.
بناء على ذلك فإنّ جميع الأئمّة "عليهم السّلام" خرجوا من الدُنيا بالقتل، وليس فيهم من يموت حتف أنفه، وقاتلهم دائماً هو الحاكم الذي يحذر نشاطهم ويتوجّس منهم خيفة؛ لأنّهم يمثّلون جبهة المعارضة ضد الانحراف الذي يمثّله الحاكم.
الصّلاة على جثمان الإمام العسكري عليه السّلام
عن أحد أقطاب السّلطة ورد حديث طويل يبيّن موقف السّلطة قبل شهادة الإمام "عليه السّلام" وبعدها، ويستعرض موقف جعفر بن عليّ ـ أخي الإمام "عليه السّلام" ـ الذي كان يتربّص الفرصة لاحتلال موقع الإمامة كذباً وبُهتاناً على الله سُبحانه، والحديث بمجموعه يشير إلى تأكيد تُهمة السّلطة بدم الإمام العسكري "عليه السّلام".
قال أحمد بن عبيدالله بن خاقان: والله, لقد ورد على السّلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن عليّ "عليه السّلام" ماتعجبت منه، وما ظننت أنّه يكون، وذلك أنّه لمّا اعتلّ بعث إلى أبي أن ابن الرّضا قد اعتلّ، فركب من ساعته مبادراً إلى دار الخلافة، ثمّ رجع مستعجلاً ومعه خمسة نفر من خدّام أمير المؤمنين كلّهم من ثقاته وخاصّته، فمنهم نحرير، وأمرهم بلزوم دار الحسن بن عليّ "عليه السّلام" وتعرّف خبره وحاله، وبعث إلى نفر من المتطببين فأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده صباحاً ومساء، فلمّا كان بعد ذلك بيومين, جاءه من أخبره أنّه قد ضعف، فركب حتى بكر إليه، ثمّ أمر المتطببين بلزومه، وبعث إلى القُضاء فأحضرهم مجلسه، وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممّن يوثق به في دينه وأمانته وورعه، فأحضرهم, فبعث بهم إلى دار الحسن "عليه السّلام" وأمرهم بلزوم داره ليلاً ونهاراً، فلم يزالوا هُناك حتى توفّي "عليه السّلام" لأيّام مضت من شهر ربيع الأوّل من سنة ستين ومئتين، فصارت سر من رأى ضجّة واحدة: مات ابن الرّضا.
وبعث السّلطان إلى داره من يفتّشها ويفتّش حجرها، وختم على جميع ما فيها، وطلبوا أثر ولده، وجاءوا بنساء يعرفن بالحمل، فدخلن على جواريه فنظرن إليهن، فذكر بعضهن إنّ هُناك جارية بها حمل، فأمر بها فجُعلت في حجرة، ووكّل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم، ثمّ أخذوا بعد ذلك في تهيئته، وعطّلت الأسواق، وركب أبي وبنوهاشم والقوّاد والكتّاب وسائر النّاس إلى جنازته "عليه السّلام"، فكانت سر من رأي يومئذٍ شبيهاً بالقيامة.
فلمّا وضعت الجنازة للصلاة, دنا أبوعيسى منها، فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلويّة والعبّاسية والقوّاد والكتّاب والقُضاة والفُقهاء والمعدلين، وقال: هذا الحسن بن عليّ بن مُحمّد بن الرّضا، مات حتف أنفه على فراشه، حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان، ومن المتطببين فلان وفلان، ومن القُضاة فلان وفلان، ثمّ غطّى وجهه وقام فصلّي عليه وكبّر عليه خمساً، وأمر بحمله, فحُمل من وسط داره، ودُفن في البيت الذي دُفن فيه أبوه "عليه السّلام".
فلمّا دُفن وتفرّق النّاس, اضطرب السّلطان وأصحابه في طلب ولده، وكثر التّفتيش في المنازل والدّور، وتوقفوا على قسمة ميراثه، ولم يزل الذين وكّلوا بحفظ الجارية التي توهّموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين وأكثر حتى تبيّن بطلان الحبل، فقسّم ميراثه بين أُمّه وأخيه جعفر، وادعت أُمّه وصيته، وثبت ذلك عند القاضي والسّلطان على ذلك يطلب أثر ولده ... .
وممّا نقلناه يدلّ على أنّ المُعتمد لم يكن بريئاً من دم الإمام، ولذلك كان الخليفة خائفاً من انكشافف قضيّة دسّ السّم للإمام وقتله وأنّه كان يعدّ الأرضيّة من قبل ليصّور شهادة الإمام بصورة أنّها موت طبيعي.
وهُناك صلاة اُخري قام بها جعفر بن عليّ أخو الإمام العسكري "عليه السّلام".
فقد روي عن أحد خدم الإمام العسكري "عليه السّلام" أنّه قال ـ في حديث طويل ـ يصف فيه تلك الصّلاة: فلمّا همّ "جعفر" بالتكبير, خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، باسنانه تفليج، فجبذ برداء جعفر بن عليّ، وقال: تأخّر ياعم، فأنا أحقّ بالصّلاةِ على أبي. فتأخّر جعفر وقد اربد وجهه واصفرّ.
وهُناك حديث آخر يصف لنا صلاة الإمام المهدي "عليه السّلام" على أبيه لم يرد فيه ذكر عمّه جعفر، رواه الشّيخ الطّوسي عن أحمد بن عبدالله الهاشمي ـ من ولد العبّاس ـ، قال: حضرت دار أبي مُحمّد الحسن بن عليّ "عليه السّلام" بسر من راى يوم توفي، واُخرجت جنازته ووضعت، ونحن تسعة وثلاثون رجلاً قعود ننتظر حتى خرج إلينا غلام عشاري حاف عليه رداء قد تقنّع به، فلمّا أن خرج قمنا هيبة له من غير أن نعرفه، فتقدّم وقام النّاس فاصطفّوا خلفه فصلّى، ومشى فدخل بيتاً غير الذي خرج منه.
فضل زيارة الإمام العسكري عليه السّلام
1 - عن الحُسين بن روح، قال: قال أبو الحسن "عليه السّلام": قبري بسر من رأى أمان لاهن الخافقين.
2 - عن أبي هاشم الجعفري، قال: قال لي أبو مُحمّد الحسن بن عليّ "عليه السّلام": قبري بسر من رأى أمان لأهل الجانبين.
3 - عن المنصوري، عن عمّ أبيه, قال: قُلت للإمام عليّ بن مُحمّد "عليهما السّلام": علّمني يا سيّدي دعاء أتقرّب إلى الله عزّ وجلّ به. فقال لي: هذا دعاء كثيراً ما أدعو به, وقد سألت الله عزّ وجلّ أن لا يخيب من دعا به في مشهدي, وهو: يا عدّتي عند العدد, ويا رجائي والمُعتمد، ويا كهفي والسّند, ويا واحد يا أحد, ويا قُل هو الله أحد، أسألك اللّهمّ بحقّ من خلقته من خلقك، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحداً، صلّي على جماعتهم وافعل بي كذا وكذا.
زياراة الإمام العسكري عليه السّلام
بعد غُسل الزّيارة تقف عَلَى الضريح وتقول:
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا أَبَا مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنَ عَلِيٍّ الْهادِي الْمُهْتَدِيَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ وَابْنَ أَوْلِيائِهِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ وَابْنَ حُجَجِهِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا صَفِيَّ اللهِ وَابْنَ أَصْفِيآئِهِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خَلِيفَةَ اللهِ وَابْنَ خُلَفائِهِ وَأَبا خَلِيفَتِهِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بْنَ خاتَمِ النَّبِيِّينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بْنَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بْنَ الأَئِمَّةِ الْهادِينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ الأَوْصِياءِ الرّاشِدِينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عِصْمَةَ الْمُتَّقِينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا إِمامَ الْفائِزِينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا رُكْنَ الْمُؤْمِنِينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا فَرَجَ الْمَلْهُوفِينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ الأَنْبِياءِ الْمُنْتَجَبِينَ,
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خازِنَ عِلْمِ وَصِيِّ رَسُولِ اللهِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الدَّاعِي بِحُكْمِ اللهِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النّاطِقُ بِكِتابِ اللهِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ الْحُجَجِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا هَادِيَ الأُمَمِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ النِّعَمِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عَيْبَةَ الْعِلْمِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا سَفِينَةَ الْحِلْمِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبَا الإِمامِ الْمُنْتَظَرِ, الظّاهِرَةِ لِلْعاقِلِ حُجَّتُهُ, وَالثّابِتَةِ فِي الْيَقِينِ مَعْرَفَتُهُ, الْمُحْتَجَبِ عَنْ أَعْيُنِ الظّالِمِينَ, وَالْمُغَيَّبِ عَنْ دَوْلَةِ الْفاسِقِينَ, وَالْمُعِيد رَبُّنا بِهِ الإِسْلامَ جَدِيداً بَعْدَ اْلاِنْطِماسِ, وَالْقُرْآنَ غَضّاً بَعْدَ اْلاِنْدِراسِ.
أَشْهَدُ يا مَوْلايَ, أَنَّكَ أَقَمْتَ الصَّلاةَ وَآتَيْتَ الزَّكاةَ وَأَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ, وَدَعَوْتَ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ, وَعَبَدْتَ اللهَ مُخْلِصاً حَتّى أَتيكَ الْيَقِينُ.
أَسْأَلُ اللهَ بِالشَّأْنِ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَهُ, أَنْ يَتَقَبَّلَ زِيارَتِي لَكُمْ, وَيَشْكُرَ سَعْيِي إِلَيْكُمْ, وَيَسْتَجِيبَ دُعائِي بِكُمْ, وَيَجْعَلَنِي مِنْ أَنْصارِ الْحَقِّ وَأَتْبَاعِهِ وَأَشْياعِهِ وَمَوالِيهِ وَمُحِبّيهِ, وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.
ثمّ قبّل الضّريح وضع خدّك الأيمن عَلَيْهِ ثمّ الأيسر وقُل:
اَلّلهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ, وَصَلِّ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْهادِي إِلَى دِينِكَ وَالدّاعِي إِلَى سَبيلِكَ, الْهُدى وَمنارِ التُّقى وَمَعْدِنِ الْحِجى, وَمَأْوَى النُّهى وَغَيْثِ الْوَرى, وَسَحابِ الْحِكْمَةِ وَبَحْرِ الْمَوْعِظَةِ, وَوارِثِ الأَئِمَّةِ وَالشَّهِيدِ عَلَى الأُمَّةِ, الْمَعْصُومِ الْمُهَذَّبِ وَالْفاضِلِ الْمُقَرَّبِ, وَالْمُطَهَّرِ مِنَ الرِّجْسِ, الَّذِي وَرَّثْتَهُ عِلْمَ الْكِتابِ, وَأَلْهَمْتَهُ فَصْلَ الْخِطابِ, وَنَصَبْتَهُ عَلَماً لأَهْلِ قِبْلَتِكَ, وَقَرَنْتَ طاعَتَهُ بِطاعَتِكَ, وَفَرَضْتَ مَوَدَّتَهُ عَلَى جَميعِ خَلِيقَتِكَ.
اَلّلهُمَّ فَكَما أَنابَ بِحُسْنِ الإِخْلاصِ فِي تَوْحِيدِكَ, وَأَرْدى مَنْ خاضَ فِي تَشْبيهِكَ, وَحامَى عَنْ أَهْلِ الإِيمانِ بِكَ, فَصَلِّ يا رَبِّ عَلَيْهِ صَلاةً يَلْحَقُ بِها مَحَلَّ الْخاشِعِينَ, وَيَعْلُو فِي الْجَنَّةَ بِدَرَجَةِ جَدِّهِ خاتِمَ النَّبِيِّينَ, وَبَلِّغْهُ مِنَّا تَحِيَّةً وَسَلاماً, وَآتِنا مِنْ لَدُنْكَ فِي مُوالاتِهِ فَضْلاً وَإِحْساناً وَمَغْفِرَةً وَرِضْواناً, إِنَّكَ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ وَمنٍّ جَسِيمٍ.
ثمّ تصلّي صلاة الزّيارة فإذا فرغت فقُل:
يا دائِمُ يا دَيْمُومُ, يا حَيٌّ يا قَيُّومُ, يا كاشِفَ الْكَرْبِ وَالْهَمِّ, وَيا فارِجَ الْغَمِّ, وَيا باعِثَ الرُّسُلِ, وَيا صادِقَ الْوَعْدِ, وَيا حَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ, أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِحَبِيبِكَ مُحَمَّد, وَوَصِيِّهِ عَلِيٍّ ابْنِ عَمِّهِ وَصِهْرِهِ عَلَى ابْنَتِهِ, الَّذِي خَتَمْتَ بِهِمَا الشَّرائِعَ, وَفَتَحْتَ بِهِمَا التَّأويلَ وَالطَّلائِعَ, فَصَلِّ عَلَيْهِمَا صَلاةً يَشْهَدُ بِهَا الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ, وَيَنْجُو بِهَا الأَوْلِياءِ وَالصّالِحُونَ, وَأَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفاطِمَةَ الزَّهْراءِ والِدَةِ الأَئِمَّةِ الْمَهْدِيّينَ, وَسَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ, الْمُشَفَّعَة فِي شِيعَةِ أَوْلادِهَا الطَّيِّبِينَ, فَصَلِّ عَلَيْهِمَا صَلاةً دائِمَةً أَبَدَ اْلآبِدينَ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ, وَأَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِالْحَسَنِ الرَّضِيِّ الطَّاهِرِ الزَّكِيّ, وَالْحُسَيْنِ الْمَظْلُومِ الْمَرْضِيِّ الْبَرِّ التَّقِيّ, سَيِّدَيْ شَبابِ أَهْلِ الْجَنَّةَ, الإِمامَيْنِ الْخَيِّرَيْنِ الطَّيِّبَيْنِ التَّقِيَّيْنِ النَّقِيَّيْنِ, الطَّاهِرينَ الشَّهِيدَيْنِ الْمَظْلُومِيْنَ الْمَقْتُولَيْنِ, فَصَلِّ عَلَيْهِمَا ما طَلَعَتْ شَمْسٌ وَما غَرَبَتْ, صَلاةً مُتَوالِيَةً مُتَتالِيَةً, وَأَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَلِيّ بْنَ الْحُسَيْنِ سَيِّدِ العابِدِينَ, الْمَحْجُوبِ مِنْ خَوْفِ الظّالِمِينَ, وَبِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْباقِرِ الطَّاهِرِ النُّورِ الزّاهِرِ, اْلإِمامَيْنِ السَّيِّدَيْنِ, مَفْتاحَي الْبَرَكاتِ وَمِصْباحَي الظُّلُماتِ, فَصَلِّ عَلَيْهِمَا ما سَرى لَيْلٌ وَما أَضاءَ نَهارٌ, صَلاةً تَغْدُو وَتَرُوحُ, وَأَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصّادِق عَن اللهِ وَالنّاطِق فِي عِلْمِ اللهِ, وَبِمُوسى بْنَ جَعْفَرٍ الْعَبْدِ الصّالِحِ فِي نَفْسِهِ وَالْوَصِيِّ النّاصِحِ, الإِمامَيْن الْهادِيَيْن الْمَهْدِيَّيْن الْوافِيَيْن الْكافِيَيْن, فَصَلِّ عَلَيْهِمَا ما سَبَّحَ لَكَ مَلَكٌ وَتَحَرَّكَ لَكَ فَلَكٌ, صَلاةً تُنْمى وَتَزِيدُ وَلا تَفْنى وَلا تَبيدُ, وَأَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَلِيٍّ بْنِ مُوسَى الرِّضا, وَبِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى, الإِمامَيْنِ الْمُطَهَّرَيْنِ الْمُنْتَجَبَيْنِ, فَصَلِّ عَلَيْهِمَا ما أَضاءَ صُبْحٌ وَدامَ, صلاةً تُرَقْيهِما إِلَى رِضْوانِكَ فِي الْعِلِيّينَ مِنْ جِنانِكَ, وَأَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَلِيّ بْنِ مُحَمَّدٍ الرّاشِدِ, وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْهادِي, الْقائِمِيْنَ بِأَمْرِ عبادِكَ, الْمُخْتَبَرَيْن بِالْمِحَنِ الْهائِلَةِ, وَالصّابِرَيْن فِي اْلإِحَنِ الْمائِلَةِ, فَصَلِّ عَلَيْهِمَا كِفآءَ أَجْرِ الصّابِرِينَ, وَإِزآءَ ثَوابَ الْفائِزينَ, صَلاةً تُمَهِّدُ لَهُمَا الرِّفْعَةَ, وَأَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ يا رَبِّ بِإِمامِنا, وَمُحَقِّق زَمانِنَا, الْيَوْم الْمَوْعُود وَالشّاهِد الْمَشْهُود, وَالنُّور اْلأَزْهَر وَالضِّيآء اْلأَنْوَر, الْمَنْصُور بِالرُّعْبِ وَالْمُظَفَّر بِالسَّعادَةِ, فَصَلِّ عَلَيْهِ عَدَدَ الثَّمَر وَأَوْراق الشَّجَر, وَأَجْزاء الْمَدَر وَعَدَدَ الشَّعْر وَالْوَبَر, وَعَدَدَ ما أَحاطَ بِهِ عِلْمُكَ وَأَحْصاهُ كِتابُكَ, صَلاةً يَغْبِطُهُ بِهَا اْلأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ, اَلّلهُمَّ وَاحْشُرْنا فِي زُمْرَتِهِ, وَاحْفَظْنا عَلَى طاعَتِهِ, وَاحْرُسْنا بِدَوْلَتِهِ, وَاِتْحِفْنا بِوِلايَتِهِ, وَانْصُرْنا عَلَى أَعْدائِنا بِعِزَّتِهِ, وَاجْعَلْنا يا رَبِّ مِنَ التَّوّابِينَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ, اَلّلهُمَّ وَإِنَّ إِبْلِيسَ الْمُتَمَرِّدِ الْلَّعِينَ, قَدِ اسْتَنْظَرَكَ لإِغْواءِ خَلْقِكَ فَأَنْظَرْتَهُ, وَاسْتَمْهَلَكَ لإِضْلالِ عَبيدِكَ فَأَمْهَلْتَهُ بِسابِقِ عِلْمِكَ فِيهِ, وَقَدْ عَشَّشَ وَكَثُرَتْ جُنُودُهُ وَازْدَحَمَتْ جُيُوشُهُ, وَانْتَشَرَتْ دُعاتُهُ فِي أَقْطارِ الأَرْضِ, فَأَضَلُّوا عِبادَكَ وَأَفْسَدُوا دِينَكَ, وَحَرَّفُوا الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ, وَجَعَلُوا عِبادَكَ شِيَعاً مُتَفَرِّقينَ, وَأَحْزاباً مُتَمَرِّدِينَ, وَقَدْ وَعَدْتَ نَقْضَ بُنْيانِهِ وَتَمْزيقَ شَأنِهِ, فَأَهْلِكْ أَوْلادَهُ وَجُيُوشَهُ, وَطَهِّرْ بِلادَكَ مِنِ اخْتِراعاتِهِ وَاخْتِلافاتِهِ, وَأَرِحْ عِبادَكَ مِنْ مَذاهِبِهِ وَقِياساتِهِ, وَاجْعلْ دائِرَةَ السَّوْئِ عَلَيْهِمْ, وَابْسُطْ عَدْلَكَ وَأَظْهِرْ دِينَكَ, وَقَوِّ أَوْلِيائَكَ وَأَوْهِنْ أَعْداءَكَ, وَأَوْرِثْ دِيارَ إِبْليسَ وَدِيارَ أَوْلِيائه أَوْليائَكَ, وَخَلِّدْهُمْ فِي الْجَحِيم, وَأَذِقْهُمْ مِنَ الْعَذابِ اْلأَلِيمِ, وَاجْعَلْ لَعائِنَكَ الْمُسْتَوْدَعَةَ فِي مَناحِسِ الْخِلْقَةِ وَمَشاوي الْفِطْرَةِ, دائرَةً عَلَيْهِمْ وَمَوَكَّلَةً بِهِمْ, وَجارِيَةً فِيهمْ كُلَّ صَباحٍ وَمَسَاءٍ وَغُدُوٍّ وَرَواحٍ, رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً, وَقِنا بِرَحْمَتِكَ عَذّابَ النَّارِ, يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
الزيارة المشتركة للإمامَين العسكريين (المختصرة)
اَلسَّلامُ عَلَيْكُما يا وَلِيَّيِ اللهِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكُما يا حُجَّتَي اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكُما يا نُورَي اللهِ فِي ظُلُماتِ الأَرْضِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكُما يا مَنْ بَدا لِلَّهِ فِي شَأْنِكُما أَتَيْتُكُما زائِراً عارِفاً بِحَقِّكُما مُعادِياً لأَعْدائِكُما مُوالِياً لأَوْلِيائِكُما مُؤْمِناً بِما آمَنْتُما بِهِ كَفَرْتُما بِهِ مَحَقِّقاً لِما حَقَّقْتُما مُبْطِلاً لِما أَبْطَلْتُما, أَسْأَلُ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُما أَنْ يَجْعَلَ حَظِّي مِنْ زِيارَتِكُما الصَّلاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَنْ يَرْزُقَنِي مُرافَقَتَكُما فِي الْجِنانِ مَعَ آبائِكُمَا الصّالِحِينَ, وأَسْأَلُهُ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَتِي مِنَ النّارِ وَيَرْزُقَنِي شَفاعَتَكُما وَمُصاحَبَتَكُما وَيُعَرِّفَ بَيْنِي وَبَينَكُما وَلا يَسْلُبَنِي حُبّكُما وَحُبَّ آبائِكُما الصّالِحينَ, وَأَنْ لا يَجْعَلَهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتَكُما وَيَحْشُرَنِي مَعَكُما فِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ, اَلّلهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّهُما وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِهِما, اَلّلهُمَّ الْعَنْ ظالِمِي آلِ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ وَانْتَقِمْ مِنْهُمْ, اَلّلهُمَّ الْعَنْ الأَوَّلِينَ مِنْهُمْ وَالآخِرِينَ وَضاعِفْ عَلَيْهِمُ الْعَذابَ وَابْلُغْ بِهِمْ وَبِأَشْياعِهِمْ وَمُحِبِّيهِمْ وَمُتَّبِعِيهِمْ أَسْفَلَ دَرَكٍ مِنَ الْجَحِيمِ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ, اَلّلهُمَّ عَجِّل فَرَجَ وَلِيِّكَ وَابْنِ وَلِيِّكَ وَاجْعَلْ فَرَجَنا يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.