- التفاصيل
- المجموعة: سيرة المعصومین وذویهم
نسبه الشّريف صلّى الله عليه وآله
مُحمّد بن عبد الله بن عبد المُطلب بن هشام بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن مرة بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة مدرك بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان عليهم السّلام.
والده صلّى الله عليه وآله
هو عبد الله بن عبد المطلب الملقب بالذبيح ولد بمكة المكرمة سنة 81 ق ه
وتوفي بالمدينة سنة 53 ق ه وأمه فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمر ابن مخزوم.
والدته صلّى الله عليه وآله
آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب قرشية زهرية أمها برة بنت عبد العزى بن قصى بن كلاب بن مرة وأم أبيها وهب عاتكة بنت الاوقص ابن مرة بن هالة بن فالح بن ذكوان من بنى سليم.
ماتت آمنة والنّبيّ صلّى الله عليه وآله ابن أربع سنين. وقيل أنّها توفيت لست سنين مضت من مولد النّبيّ صلّى الله عليه وآله بالابواء بين مكة والمدينة وكانت قد خرجت به صلّى الله عليه وآله إلى أخوال أبيه بنى النجار،المقيمين في يثرب، تزورهم فماتت فقدمت به أم أيمن بعد موت أمه بخمسة أيام. وقال أبو سعيد دفنت أمه صلّى الله عليه وآله بمكة وأهل مكة يزعمون أن قبرها في مقابر أهل مكة من الشعب المعروف شعب أبى دب وكان أبو دب رجلاً من سراة بنى عمرو.وكان ذلك في سنة 576 م قبل بعثة النّبيّ صلّى الله عليه وآله بأربع وثلاثين سنة.
كيفية اقتران والده بوالدته صلّى الله عليه وآله
نقل أنّ عبد المطلب أخذ ولده عبد الله إلى وهب بن عبد مناف فزوجه آمنة ابنة وهب، وقيل كانت آمنة في حجر عمها وهيب بن عبد مناف فأتاه عبد المطلب فخطب إليه ابنته هالة بنت وهيب لنفسه وخطب آمنة بنت أخيه وهب لابنه عبد الله فتزوجاهما في مجلس واحد فولدت آمنه لعبدالله رسول الله صلّى الله عليه وآله وولدت هالة لعبد المطلب حمزة وصفية وكان سن عبد الله حين تزوج ثلاثين سنة وقيل خمسا وعشرين ولم يكن لآمنة أخ ولا أخت فلذلك لم يكن لرسول الله صلّى الله عليه وآله خال ولاخالة وإنما بنو زهرة يقولون نحن أخواله لان آمنة أمه منهم ولم يكن لعبد الله ولا لآمنة ولد غيره صلّى الله عليه وآله فذلك لم يكن له أخ ولا أخت لكن كان له ذلك من الرضاع.
وقال ابن شهر آشوب في مناقبه: كانت امرأة يقال لها فاطمة بنت مرة قد قرأت الكتب فمر بها عبد الله بن عبد المطلب فقالت: أنت الذي فداك أبوك بمئة من الإبل؟ قال: نعم، فقالت: هل لك أن تقع علي مرة واعطيك من الابل مئة، فنظر إليها وأنشأ:
أمّا الحرام فالممات دونه * وأحل لا حل فاستبينه* فكيف بالأمر الذي تبتغينه.
ومضى مع أبيه فزوجه أبوه آمنة فظل عندها يوماً وليلة فحملت بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله ثمّ انصرف عبد الله فمر بها فلم يربها حرصاً على ما قالت أوّلاً فقال لها عند ذلك مختبراً: هل لك فيما قلت لي فقالت لا؟ قد كان ذلك مرة فاليوم لا. ثمّ قالت: أي شئ صنعت بعدي؟ قال: زوجني أبي آمنة فبت عندها، فقالت:
لله ما زهرية سلبت * ثوبيك ما سلبت وما تدري
ثمّ قالت: رأيت في وجهك نور النبوة فأردت أن يكون في، وأبى الله إلا أن يضعه حيث يحب، ثمّ قالت:
بني هاشم قد غادرت من أخيكم * أمينة إذ للباه يعتلجان
كما غادر المصباح بعد خبوه * فتائل قد ميثت له بدخان
وما كان ما يحوى الفتى من نصيبه * بحرص ولا ما فاته بتواني
ويقال: إنّه مر بها وبين عينيه غرة كغرة الفرس وكان عند الأخبار جبة صوف بيضاء قد غمست في دم يحيى بن زكريا، وكانوا قد قرأوا في كتبهم: إذا رأيتم هذه الجبة تقطر دماً فاعلموا أنّه قد ولد أبو السفاك الهتاك، فلما رأوا ذلك من الجبة اغتموا واجتمع خلق على ان يقتلوا عبد الله فوجدوا الفرصة منه لكون عبد المطلب في الصيد فقصدوه فأدرك وهب بن عبد مناف الزهري فجاز منه فنظر إلى رجال نزلوا من السّماء وكشفوهم عنه فزوج ابنته من عبد الله، قال: فمتن من نساء قُريش مائتا امرأة غيرة، ويقال: إنّ عبد الله كان في جبينه نور يتلألأ، فلما قرب من حمل مُحمّد لم يطق أحد رؤيته وما مر بحجر ولا شجر إلا سجد له وسلم عليه فنقل الله منه نوره يوم عرفة وقت العصر وكان يوم الجمعة إلى آمنة وكانت السباع تهرب عن أبي طالب فاستقبله أسد في طريق الطائف وبصبص له وتمرغ قبله فقال أبو طالب بحق خالقك أن تبين لي حالك؟ فقال الأسد: إنّما أنت أبو أسد الله ناصر نبي الله ومربيه، فازداد أبو طالب في حبّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله والإيمان به والأصل في ذلك أن النّبيّ قال: خلقت أنا وعلي من نور واحد نسبح الله يمنة العرش قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام.
حمله وولادته صلّى الله عليه وآله
روي عن أمّه صلّى الله عليه وآله, أنها قالت: لما حملت به لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل، فرأيت في نومي كان آت أتاني فقال لي: قد حملت بخير الانام، فلما حان وقت الولادة خف علي ذلك حتى وضعته، وهو يتقي الأرض بيده وركبتيه، وسمعت قائلا يقول: وضعت خير البشر فعوذيه بالواحد الصمد من شر كُلّ باغ وحاسد. " فولد رسول الله صلّى الله عليه وآله عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل يوم الاثنين ". فقالت آمنة: لما سقط إلى الأرض اتقى الأرض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلى السّماء، وخرج مني نور أضاء ما بين السّماء والأرض، ورميت الشّياطين بالنجوم و حجبوا عن السّماء، ورأت قُريش الشهب والنجوم تسير في السّماء، ففزعوا لذلك، وقالوا: هذا قيام السّاعة، فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك، وكان شيخا كبيرا مجربا، فقال: انظروا إلى هذه النّجوم التى تهتدوا بها في البر والبحر، فإن كانت قد زالت فهو قيام السّاعة وإن كانت هذه ثابته فهو لأمر قد حدث. وأبصرت الشّياطين ذلك فاجتمعوا إلى إبليس فأخبروه أنهم قد منعوا من السّماء ورموا بالشهب، فقال: اطلبوا فإن أمراً قد حدث، فجالوا في الدّنيا ورجعوا وقالوا: لم نر شيئا، فقال: أنا لهذا، فخرق ما بين المشرق والمغرب فلما انتهى إلى الحرم وجد الحرم محفوفاً بالملائكة، فلما أراد أن يدخل صاح به جبرئيل عليه السّلام، فقال: اخسأ يا ملعون، فجاء من قبل حراء فصار مثل الصّرد قال: يا جبرئيل ما هذا؟ قال: هذا نبيّ قد ولد وهو خير الأنبياء، قال: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا، قال: ففي أمته؟ قال: بلى، قال: قد رضيت. قال: وكان بمكة يهودي يقال له: يوسف فلما رأى النّجوم يقذف بها وتتحرك قال: هذا نبيّ قد ولد في هذه الليلة وهو الذي نجده في كتبنا أنه إذا ولد - وهو آخر الأنبياء - رجمت الشّياطين وحجبوا عن السّماء، فلما أصبح جاء إلى نادي قُريش فقال: يا معشر قُريش هل ولد فيكم الليلة مولود؟ قالوا: لا. قال: أخطأتم والتّوراة ولد إذا بفلسطين وهو آخر الأنبياء وأفضلهم، فتفرق القوم فلما رجعوا إلى منازلهم أخبر كُلّ رجل منهم أهله بما قال اليهودي فقالوا: لقد ولد لعبد الله بن عبد المطلب ابن في هذه الليلة، فأخبروا بذلك يوسف اليهودي فقال لهم: قبل أن أسألكم أو بعده؟ قالوا: قبل ذلك، قال: فاعرضوه علي، فمشوا إلى باب آمنة فقالوا: اخرجي ابنك ينظر إليه هذا اليهودي، فأخرجته في قماطه فنظر في عينيه، وكشف عن كتفيه فرأى شامة سوداء بين كتفيه وعليها شعرات، فلما نظر إليه وقع على الأرض مغشيا عليه، فتعجب منه قُريش وضحكوا منه فقال: أتضحكون يا معشر قُريش، هذا نبي السيف ليبيرنكم وقد ذهبت النبوة من بني إسرائيل إلى آخر الأبد، وتفرق النّاس ويتحدثون بخبر اليهودي ونشأ رسول الله صلّى الله عليه وآله في اليوم كما ينشأ غيره في الجمعة وينشأ في الجمعة كما ينشأ غيره في الشهر
مُرضعته صلّى الله عليه وآله
حليمة بنت أبي ذويب، وأبو ذويب: عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيسا بن عيلان. من قبيلة بني سعد بن بكر.من بادية الحديبية بالقرب من مكة زوجها هو الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن فصية السعدي من بادية الحديبية. أبناؤها: كبشة، وأنسيه، والشيماء.
توفيت حليمة السّعدية رضي الله عنها بعد العام الثّامن من الهجرة بالمدينة المنورة، ودفنت بالبقيع.
فترة رضاعته صلّى الله عليه وآله
روي أنه لما ولد النّبيّ صلّى الله عليه وآله قدمت حليمة بنت أبي ذؤيب في نسوة من بني سعد بن بكر تلتمس الرضعآء بمكة، قالت: فخرجت معهن على أتان ومعي زوجي، ومعنا شارف لنا ما بيض بقطرة من لبن، ومعنا ولد ما نجد في ثديي ما نعلله به وما نام ليلتا جوعا "، فلما قدمنا مكة لم تبق منا امرأة إلا عرض عليها مُحمّد فكرهناه فقلنا: يتيم، وإنما يكرم الظئر الوالد، فكل صواحبي أخذن رضيعا ولم آخذ شيئا، فلما لم أجد غيره رجعت إليه فأخذته فأتيت به الرحل فأمسيت وأقبل ثدياي باللبن حتى أرويته وأرويت ولدي أيضا، وقام زوجي إلى شارفنا تلك يلمسها بيده، فإذا هي حافل، فحلبها وأرواني من لبنها، وروى الغلمان، فقال: يا حليمة لقد أصبنا نسمة مباركة، فبتنا بخير ورجعنا، فركبت أتانى ثمّ حملت مُحمّدا معي، فوالذي نفس حليمة بيده لقت طفت بالركب حتى أن النسوة يقلن: يا حليمة امسكي علينا، أهذه أتانك التي خرجت عليها؟ قلت: نعم، ما شأنها؟ قلن: حملت غلاما مُباركاً، ويزيدنا الله كُلّ يوم وليلة خيراً، والبلاد قحط، والرّعاة يسرحون، ثمّ يريحون، فتروح أغنام بني سعد جياعاً، وتروح غنمي شباعاً بطاناً حفلاء فتحلب وتشرب.
ونقل العلامة المجلسي قصة رضاعته صلّى الله عليه وآله، حيث قال: ذكرت حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث من مضر زوجة الحارث ابن عبد العزى المضري أن البوادي أجدبت، وحملنا الجهد على دخول البلد، فدخلت مكة، ونساء بني سعد قد سبقن إلى مراضعهن، فسألت مرضعا " فدلوني على عبد المطلب، وذكر أن له مولودا " يحتاج إلى مرضع له، فأتيت إليه فقال: يا هذه عندي بني لي يتيم اسمه مُحمّد، فحملته ففتح عينيه لينظر إلي بهما فسطع منهما نور، فشرب من ثديي الايمن ساعة، ولم يرغب في الايسر أصلا "، واستعمل في رضاعه عدلاً "، فناصف فيه شريكه، واختار اليمين اليمين، وكان ابني لا يشرب حتى يشرب رسول الله صلّى الله عليه وآله، فحملته على الاتان وكانت قد ضعفت عند قدومي مكة فجعلت تبادر سائر الحمر إسراعا " قوة ونشاطا "، واستقبلت الكعبة وسجدت لها ثلاث مرات، وقالت: برئت من مرضي، وسلمت من غثي وعلي سيد المرسلين، وخاتم النّبيّين وخير الاولين والاخرين، فكان النّاس يتعجبون منها ومن سمني وبرئي ودر لبني، فلما انتهينا إلى غار خرج رجل يتلالؤ نوره إلى عنان السّماء وسلم عليه، وقال: إن الله تعالى وكلني برعايته، وقابلنا ظبأ وقلن: يا حليمة لا تعرفين من تربين هو أطيب الطيبين، وأطهر الطاهرين، وما علونا تلعة ولا هبطنا واديا " إلا سلموا عليه، فعرفت البركة والزيادة في معاشنا ورياشنا حتى أثرينا وكثرت مواشينا وأموالنا، ولم يحدث في ثيابه، ولم تبد عورته، ولم يحتج في يوم إلا مرة، وكان مسرورا " مختونا "، وكنت أرى شابا " على فراشه يعد له ثيابه، فربيته خمس سنين ويومين، فقال لي يوما ": أين يذهب إخواني كُلّ يوم؟ قلت: يرعون غنماً " فقال: إنني اليوم اوافقهم، فلما ذهب معهم أخذه ملائكة وعلوه على قلّة جبل، وقاموا بغسله وتنظيفه، فأتاني ابني وقال: ادركي مُحمّداً " فإنه قد سلب، فأتيته فإذا هو بنور يسطع في السّماء فقبلته فقلت: ما أصابك؟ قال: لا تحزني إن الله معنا، وقص عليها قصته، فانتشر منه فوح مسك أذفر، وقال النّاس: غلبت عليه الشّياطين، وهو يقول: ما أصابني شيء، وما عليّ من بأس، فرآه كاهن وصاح وقال: هذا الذي يقهر الملوك، ويفرق العرب.
ونقل ابن سعد في طبقاته: إنّه لما قدمت حليمة قدم معها زوجها وابن لها صغير ترضعه يقال له عبدالله وأتان قمراء وشارف لهم عجفاء قد مات سقبها من العجف ليس في ضرع أمه قطرة لبن فقالوا نصيب ولدا نرضعه ومعها نسوة سعديات فقدمن فأقمن أياما فأخذن ولم تأخذ حليمة ويعرض عليها النّبيّ صلّى الله عليه وآله فقالت يتيم لا أب له حتى إذا كان آخر ذلك أخذته وخرج صواحبها قبلها بيوم فقالت آمنة يا حليمة أعلمي أنك قد أخذت مولودا له شأن والله لحملته فما كنت أجد ما تجد النساء من الحمل ولقد أتيت فقيل لي إنك ستلدين غلاما فسميه أحمد وهو سيد العالمين ولوقع معتمدا على يديه رافعا رأسه إلى السّماء قال فخرجت حليمة إلى زوجها فأخبرته فسر بذلك وخرجوا على أتانهم منطلقة وعلى شارفهم قد درت باللبن فكانوا يحلبون منها غبوقا وصبوحا فطلعت على صواحبها فلما رأينها قلن من أخذت فأخبرتهن فقلن والله إنا لنرجو أن يكون مباركا قالت حليمة قد رأينا بركته كنت لا أروي ابني عبد الله ولا يدعنا ننام من الغرث فهو وأخوه يريوان ما احبا وينامان ولو كان معهما ثالث لروي ولقد أمرتني أمه أن أسأل عنه فرجعت به إلى بلادها فأقامت به حتى قامت سوق عكاظ فأنطلقت برسول الله صلّى الله عليه وآله حتى تأتي به إلى عراف من هذيل يريه النّاس صبيانهم فلما نظر إليه صاح يا معشر هذيل يا معشر العرب فاجتمع إليه النّاس من أهل الموسم فقال أقتلوا هذا الصبي وانسلت به حليمة فجعل النّاس يقولون أي صبي فيقول هذا الصبي ولا يرون شيئا قد انطلقت به أمه فيقال له ما هو قال رأيت غلاما وآلهته ليقتلن أهل دينكم وليكسرن آلهتكم وليظهرن أمره عليكم فطلب بعكاظ فلم يوجد ورجعت به حليمة إلى منزلها فكانت بعد لا تعرضه لعراف ولا لاحد من النّاس.
وقال الشيخ الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة: حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمّان رفعه بإسناده قال: لما بلغ عبد الله بن عبد المطلب زوجه عبد المطلب آمنة بنت وهب الزهري فلما تزوج بها حملت برسول الله صلّى الله عليه وآله فروي عنها أنها قالت: لما حملت به لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل، فرأيت في نومي كان آت أتاني فقال لي: قد حملت بخير الانام، فلما حان وقت الولادة خف علي ذلك حتى وضعته، وهو يتقي الأرض بيده وركبتيه، وسمعت قائلا يقول: وضعت خير البشر فعوذيه بالواحد الصمد من شر كُلّ باغ وحاسد. " فولد رسول الله صلّى الله عليه وآله عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل يوم الاثنين ". فقالت آمنة: لما سقط إلى الأرض اتقى الأرض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلى السّماء، وخرج مني نور أضاء ما بين السّماء والأرض، ورميت الشّياطين بالنجوم و حجبوا عن السّماء، ورأت قُريش الشهب والنجوم تسير في السّماء، ففزعوا لذلك، و قالوا: هذا قيام السّاعة، فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك، وكان شيخا كبيرا مجربا، فقال: انظروا إلى هذه النّجوم التى تهتدوا بها في البر والبحر، فإن كانت قد زالت فهو قيام السّاعة وإن كانت هذه ثابته فهو لامر قد حدث. وأبصرت الشّياطين ذلك فاجتمعوا إلى إبليس فأخبروه أنهم قد منعوا من السّماء ورموا بالشهب، فقال: اطلبوا فإن أمرا قد حدث، فجالوا في الدّنيا ورجعوا وقالوا: لم نر شيئا، فقال: أنا لهذا، فخرق ما بين المشرق والمغرب فلما انتهى إلى الحرم وجد الحرم محفوفا بالملائكة، فلما أراد أن يدخل صاح به جبرئيل عليه السّلام فقال: اخسأ يا ملعون، فجاء من قبل حراء فصار مثل الصرد قال: يا جبرئيل ما هذا؟ قال: هذا نبي قد ولد وهو خير الأنبياء، قال: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا، قال: ففي أمته؟ قال: بلى، قال: قد رضيت. قال: وكان بمكة يهودي يقال له: يوسف فلما رأى النّجوم يقذف بها وتتحرك قال: هذا نبي قد ولد في هذه الليلة وهو الذي نجده في كتبنا أنه إذا ولد - وهو آخر الأنبياء - رجمت الشّياطين وحجبوا عن السّماء، فلما أصبح جاء إلى نادي قُريش فقال: يا معشر قُريش هل ولد فيكم الليلة مولود؟ قالوا: لا قال: أخطأتم والتوراة ولد إذا بفلسطين وهو آخر الأنبياء وأفضلهم، فتفرق القوم فلما رجعوا إلى منازلهم أخبر كُلّ رجل منهم أهله بما قال اليهودي فقالوا: لقد ولد لعبد الله بن عبد المطلب ابن في هذه الليلة، فأخبروا بذلك يوسف اليهودي فقال لهم: قبل أن أسألكم أو بعده؟ قالوا: قبل ذلك، قال: فاعرضوه علي، فمشوا إلى باب آمنة فقالوا: اخرجي ابنك ينظر إليه هذا اليهودي، فأخرجته في قماطه فنظر في عينيه، وكشف عن كتفيه فرأى شامة سوداء بين كتفيه وعليها شعرات، فلما نظر إليه وقع على الأرض مغشيا عليه، فتعجب منه قُريش وضحكوا منه فقال: أتضحكون يا معشر قُريش، هذا نبي السيف ليبيرنكم وقد ذهبت النبوة من بني إسرائيل إلى آخر الابد، وتفرق النّاس ويتحدثون بخبر اليهودي ونشأ رسول الله صلّى الله عليه وآله في اليوم كما ينشأ غيره في الجمعة وينشأ في الجمعة كما ينشأ غيره في الشهر.
أسماؤه صلّى الله عليه وآله
من أسمائه صلّى الله عليه وآله: أحمد، محمود، الماحي، الحاشر، العاقب, المقفي، نبي التّوبة, نبي الملحمة, نبيّ الرّحمة، الخاتم، ويس، وطه, الأمي، وغيرها من الأسماء المباركة.
كُناه صلّى الله عليه وآله
أبو القاسم، أبو إبراهيم.
ألقابه صلّى الله عليه وآله
من ألقابه. المُصطفى، خاتم النّبيّين، الأمِّي، المُزَّمِّل، المُدَّثِر، النّذير، المُبين، الكريم، النّور، النّعمة، الرّحمة، العبد، الرّؤوف، الرّحيم، الشاهد، المُبشر، النّذير، الدّاعي، وغيرها من الألقاب الكريمة.
تاريخ ومحل ولادته صلّى الله عليه وآله
وُلد صلّى الله عليه وآله في 17 ربيع الأوّل، من عام الفيل 571 م على المشهور بين أصحابنا في مكة المكرمة. حملت به أمّه في أيام التّشريق عند الجمرة الوسطى وكانت في منزل عبد الله بن عبد المطلب وولد النّبيّ صلّى الله عليه وآله لاثنتي عشر ليلة مضت من شهر ربيع الأوّل في عام الفيل يوم الجمعة مع الزوال، وروي أيضاً عند طلوع الفجر قبل أن يبعث بأربعين سنة. وكانت ولادته يوم الجمعة.
مبعثه صلّى الله عليه وآله
وبعث يوم السّابع والعشرين من رجب وله اربعون سنة, حيث كان النّبيّ صلّى الله عليه وآله في أواخر العقد الثالث من عمره الشّريف يلقى إليه الوحي عن طريق الإلهام والإلقاء في نفسه، والانكشاف له من خلال الرؤية الصادقة، فكان يرى في المنام الرؤية الصادقة، وهي درجة من درجات الوحي.
وجاء في تفسير الدر المنثور: أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وآله من الوحي الرؤية الصادقة، فكان لا يرى رؤياً إلاّ جاءت مثل فلق الصبح.
ثمّ حبَّبَ الله إليه الخلاء، فكان يخلو بِغار حراء، وهو كهف صغير في أعلى جبل حراء، في الشمال الشرقي من مَكَّة، فكان صلّى الله عليه وآله يتحنَّث فيه ويتعبَّد، إذ ينقطع عن عالم الحِسِّ والمادَّة، ويستغرق في التأمّل والتعالي نحو عالم الغيب والملكوت، والاتجاه إلى الله تعالى.
وحينما بلغ صلّى الله عليه وآله الأربعين من عمره، عام 13 قبل الهجرة 610 م، أتاه جبرائيل في غار حراء، فألقى إليه كلمة الوحي، وأبلغه بأنَّه نبي هذه البشرية، والمبعوث إليها.
وتفيد الروايات أنّ أوَّل آيات القُرآن الكريم التي قرأها جبرائيل على مُحمّد صلّى الله عليه وآله هي: بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيْمِ * اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الاِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ .
وبعد تلقِّيه صلّى الله عليه وآله ذلك البيان الإلهي، عاد النّبيّ إلى أهله، وهو يحمل كلمة الوحي، ومسؤولية حمل الأمانة التي كان ينتظر شرف التكليف بها، فعاد واضطجع في فراشه، وتدثَّر ليمنح نفسه قِسطاً من الراحة والاسترخاء، ويفكِّر ويتأمل فيما كُلِّف به.
فجاءه الوحي ثانية، وأمره بالقيامِ وتَركِ الفراش، والبدء بالدعوة والإنذار، إذ جاء هذا الخطاب في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ .
فانطلق مستجيباً لأمر الله تعالى، مبشِّراً بدعوته، وكان أول من دعاه إلى سبيل الله وفاتَحَه زوجته خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها وابن عمِّه الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام، الذي كان صبيّاً في العاشرة من عمره، فآمَنَا به، وصدَّقاه، ثمّ آمن به مَملوكه زيد بن حارثة، فكانت النوات الأُولى لبدء الدعوة الإلهية الكبرى.
فقد كان صلّى الله عليه وآله يختار أصحابه فرداً فرداً، ولم يوجِّه دعوته إلى الجميع في تلك المرحلة، إلى أن جاء الأمر الإلهي: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ .
تعاليمه صلّى الله عليه وآله
جاء صلّى الله عليه وآله بالمساواة بين جميع الخلق، وبالأخوَّة، والعفو العام عمَّن دخل في الإسلام، ثمّ سنَّ شريعةً باهرةً، وقانوناً عادلاً، تلقَّاه عن الله عزَّ وجل ثمّ تَلقَّاه المسلمون منه.
مُعجزاته صلّى الله عليه وآله
معجزته الخالدة هي القُرآن الكريم، أما المعجزات التي حصلت في صدر الإسلام فهي كثيرة لا يمكن حصرها منها.
القُرآن الكريم
لأن القُرآن معجز بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى, حيث تحدى الإنس والجن في أكثر من مناسبة على أن يأتوا بمثله, بل بسورة واحدة أو أقل فعجزوا عن ذلك رغم اشتهارهم بالبلاغة والفصاحة, حيث قال تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا القُرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا وقال تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ الله وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ و قال تعالى: وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ الله إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاس وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ و لم يستطع الكافرون فعل أي شيء من ذلك ولن يستطيعوا.
انشقاق القمر
قال تعالى: اقْتَرَبَتِ السّاعة وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ .
جاء في تفسير مجمع البيان ما مضمونه: اجتمع المشركون، وجاءوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقالوا: إن كنت صادقاً، فَشُقَّ لنا القمرَ فرقتين.
فقال لهم النّبيّ صلّى الله عليه وآله: إنْ فعلتُ تؤمِنون بِنبُوَّتي.
قالوا: نعم.
فسأل رسول الله صلّى الله عليه وآله ربَّه، أن يعطيه ما قالوا، فانشقَّ القمر نصفين، والرّسول ينادي: يا فلان، يا فلان، اِشهدوا.
فقال ناس: سَحَرنا مُحمّد، فقال رجل: إن كان سَحَركم فلَمْ يَسْحَر النّاس كلهم.
إنّ هذه الحادثة رواها كثير من الصحابة، في كتب العامة والخاصة، ولم ينكرها إلا قليل، واشتهارها بين الصحابة يمنع القول بخلافها.
ثمّ إنّ الآية الأولى ذكرت اقتراب السّاعة مع انشاق القمر، لأن انشقاقه من علامات نبوة مُحمّد صلّى الله عليه وآله، ونبوَّتُه وزمانُه من شروط اقتراب السّاعة.
كما تتحدث الآية الثانية عن عناد قُريش، وعدم انقيادها للمعجزات، وأنهم متى رأوا معجزة باهرة، وحجة واضحة، اعرضوا عن تأمُّلها، والانقياد لصحَّتها، وقالوا: سِحْرٌ مستمر، يشبه بعضه بعضاً.
ثمّ تتناول الآيات الشريفة اللاحقة أنباء الهالكين من الأُمَم السابقة، ثمّ يعيد سبحانه عليهم نبذة من أنبائهم، إعادة ساخطٍ معاتبٍ، فيذكر سوء حالهم في يوم القيامة عند خروجهم من الأجداث، وحضورهم للحساب.
نزول المطر بدعائه
لقد أمحلت البلاد و أصابها قحط شديد فدخل رجل المسجد ورسول الله صلّى الله عليه وآله قائم على المنبر يخطب فاستقبل الرجل النّبيّ صلّى الله عليه وآله وقال: يا رسول الله هلكت الأموال و انقطعت السبل فادع الله لنا يغيثنا، فرفع الرّسول صلّى الله عليه وآله يديه فقال: اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا قال أنس: والله ما في السّماء من سحاب ولا قرعة و لا شيء وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما الترس فلما توسطت السّماء انتشرت ثمّ أمطرت والله ما رأينا الشمس ستا ثمّ دخل الرجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلّى الله عليه وآله قائم يخطب فاستقبله الرجل وقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل ادع الله يمسكها فرفع رسول الله صلّى الله عليه وآله يديه فقال: اللهم حوالبنا ولا علينا اللهم على الآكام والجبال ومنابت الشجر قال أنس: فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس.
نبوع الماء بين أصابعه
ومن مُعجزاته صلّى الله عليه وآله نبوع الماء من بين أصابعه الشريفة فقد قال أنس بن مالك رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وحانت صلاة العصر والتمس النّاس الوضوء فلم يجدوه فأتي رسول الله صلّى الله عليه وآله بوضوء فوضع رسول الله صلّى الله عليه وآله يده في ذلك الإناء وأمر النّاس أن يتوضأوا منه فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ النّاس حتى توضأوا من عند آخرهم قال قتاده قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: زهاء ثلاثمّئة رجل.
فيضان ماء بئر الحديبية
عندما كان صلّى الله عليه وآله بالحديبية هو وأصحابه سنة ست من الهجرة وكان في الحديبية بئر ماء فنزحها أصحابه بالسقي منها حتى لم يبق فيها ما يملأ كأس ماء وكانوا ألفاً وأربعمئة رجل، وخافوا العطش فشكوا ذلك إليه صلّى الله عليه وآله فجاء فجلس على حافة البئر فدعا بماء فجيء به إليه فتمضمض منه، ومجّ ما تمضمض به في البئر فما هي إلا لحظات، وإذا البئر فيها الماء فأخذوا يسقون فسقوا وملأوا أوانيهم وأدوات حمل الماء عندهم وهم كما تقدم ألف وأربعمئة رجل وهم أهل بيعة الرضوان.
الطّعام القليل يشبع العدد الكثير
نقل عن أبي طلحة أنّه قال لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلّى الله عليه وآله ضعيفاً أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم فأخرجت أقراصاً من شعير ثمّ أخرجت خماراً لها فلفت الخبز ببعضه، ثمّ دسته تحت يدي ولاثتني ببعضه ثمّ أرسلتني إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: فذهبت به فوجدت رسول الله صلّى الله عليه وآله في المسجد و معه النّاس فقمت عليهم فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أرسلك أبو طلحة.؟ فقلت: نعم قال: طعام؟ قلت: نعم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله لمن معه: قوموا. فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله صلّى الله عليه وآله والناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت: الله ورسوله أعلم. فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلّى الله عليه وآله فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله وأبو طلحة معه فقال رسول صلّى الله عليه وآله: هلم يا أم سليم ما عندك. فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلّى الله عليه وآله ففت وعصرت أم سليم عكة فآدمته ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثمّ خرجوا ثمّ قال: ائذن لعشرة فأكل القوم كلهم والقوم سبعون أو ثمّانون رجلاً.
أداء دين جابر الذي استغرق كُلّ ماله
عن جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه قال: إن أبي توفى و عليه دين فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وآله فقلت: إن أبي ترك دينا وليس عندي الا ما يخرج نخلة ولا يبلغ ما يخرج سنين ماعليه فانطلق معي لكي لا يفحش علي الغرماء فمشى حول بيدر من بيادر التمر فدعا ثمّ آخر ثمّ جلس عليه قال: انزعوه فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم.
انقياد الشجر له
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: سرنا مع النّبيّ صلّى الله عليه وآله حتى نزلنا واديا أفيح فذهب رسول الله صلّى الله عليه وآله يقضي حاجته فأتبعته بإداوة فيها ماء، فنظر فلم ير شيئا يستتر به و إذ شجرتان بشاطئ الوادي فانطلق إلى أحدهما فأخذ ببعض من أغصانها وقال: انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما لايم بينهما أي جمعهما، وقال: التئما علي بإذن الله. فالتأمتا قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحس بقربي منه فيبعد فجلست أحدث نفسي فحانت مني إلتفاتة فإذا أنا برسول الله صلّى الله عليه وآله مقبل وإذا الشجرتان قد افترقتا وقامت كُلّ واحدة منهما على ساق.
حنين الجذع شوقاً إليه
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يخطب إلى جذع نخلة فقالت امرأة من الأنصاروكان لها غلام نجار: يا رسول الله إن لي غلاماً نجارًا أفآمره أن يتخذ لك منبرًا تخطب عليه؟ قال: بلى، فاتخذ له منبرًا فلما كان يوم الجمعة خطب صلّى الله عليه وآله على المنبر فأنّ الجذع الذي كان يقوم عليه كما يئنّ الصبي، فقال صلّى الله عليه وآله: " إن هذا بكى لما فقد من الذكر.
هجرته صلّى الله عليه وآله
هاجر صلّى الله عليه وآله من مكة إلى المدينة المنورة في بداية شهر ربيع الأوّل بعد مرور 13 عاماً من مبعثه، وذلك لشدة أذى المشركين له ولأصحاب.
بقي بمكة بعد مبعثه ثلاث عشرة سنة، ثمّ هاجر إلى المدينة ومكث بها عشر سنين.
مباهلته صلّى الله عليه وآله
كَتب رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى أهل نَجْران يدعوهم إلى الإسلام: أما بعد، فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، أدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبَيْتُم فقد أذنتم بحربٍ، والسّلام .
فلما قرأ الأسقف الكتاب فظع به، وذُعِر ذُعراً شديداً، فبعثَ إلى رجل من أهل نجران يقال له: شَرْحَبيل بن وداعة، فدفع إليه كتاب رسول الله صلّى الله عليه وآله فقرأه، فقال له الأسقف: ما رأيك؟
فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله تعالى إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوَّة، فما يؤمن أن يكون هذا الرجل نبياً، وليس لي في النبوَّة رأي، لو كان أمراً من أمور الدّنيا أشرف عليك فيه وجهدت لك.
فبعث الأسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلَّمهم، فأجابوا مثل ما أجاب شرحبيل، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل، وعبد الله ابنه، وحبار بن قنص، فيأتوهم بخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله.
فانطلق الوفد حتى أتوا رسول الله صلّى الله عليه وآله فسألهم وسألوه، فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا: ما تقول في عيسى ابن مريم؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنَّهُ عَبدُ الله .
ومثل هذا الجواب يختلفُ عند المغالين بعيسى، فَهُم يزعمُونه ابن الله، وهو من جوهرة الألوهية، وذلك لخلقه دون أب، فيكون ابناً لله.
فنزلت آية المباهلة الكريمة، قال تعالى: فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ .
حاملة إجابة وافية، قاطعة لأعذار مُؤلِّهِي المسيح ومُتبنِّيه، وهي بنفس الوقت من غُرَر الآيات بشأن الكرام من آل الكساء عليهم السّلام.
حيث تعبِّر عن الإمام علي عليه السّلام بـ أَنفُسَنَا، وعن فاطمة عليها السّلام بـ نِسَاءنَا، وعن الإمامين الحسن والحسين عليهما السّلام بـ أَبْنَاءنَا .
مما يدلُّ على أخَصِّ الاختصاصات لهؤلاء بالرسالة القدسية المُحمّدية، وهي بنفس الوقت دعوة صارخة لِمُباهلة الكاذبين المصرِّين على كذبهم، فيما يخص عيسى عليه السّلام.
فدعاهم صلّى الله عليه وآله إلى اجتماع حاشد، من أعزِّ الملاصقين من الجانبين، لِيبتَهِل الجميع إلى الله تعالى، في دعاءٍ قاطع، أن ينزل لَعنَتَه على الكاذبين.
فخرج صلّى الله عليه وآله وعليه مرط من شعر أسود، وكان قد احتضن الإمام الحسين عليه السّلام، وأخذ بيد الإمام الحسن عليه السّلام، وفاطمة عليها السّلام تمشي خلفه، والإمام علي عليه السّلام خلفها، وهو صلّى الله عليه وآله يقول: إذا دَعوتُ فأمِّنوا .
فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى !! إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.
فقالوا: يا أبا القاسم، رأينا أنْ لا نُبَاهلك، وأن نقرّك على دينك.
فقال صلّى الله عليه وآله: فإِذَا أبَيْتُم المباهلة فأسلِموا، يَكُن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما على المسلمين .
فأبَوا، فقال صلّى الله عليه وآله: فإنِّي أناجِزُكم القتال .
فقالوا: ما لنا بحرب العَرَب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا، ولا تردَّنا عن ديننا، على أن نؤدِّي إليك في كُلّ عام ألفي حُلَّة، ألف في صَفَر، وألف في رَجَب، وثلاثين دِرعاً عادية من حديد.
فصالحهم صلّى الله عليه وآله على ذلك وقال: والذي نَفسِي بِيَده، إن الهَلاك قد تَدَلَّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لَمُسِخوا قِرَدة وخنازير، ولاضطَرَم عليهم الوادي ناراً، ولاستأْصَلَ الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حَال الحول على النصارى كلُّهم حتى يهلكوا.
وقوله: ألفٌ في صَفَر، المراد به شهر محرَّم، وهو أول السنة عند العرب، وقد كان يسمى صَفَراً في الجاهلية، فيقال صفر الأوّل، وصفر الثاني، وقد كانت العرب تنسئ في صفر الأوّل، ثمّ أقرَّ الإسلام الحرمة في صفر الأوّل، فَسُمِّي لذلك بشهر الله المحرَّم، ثمّ اشتهر بالمُحرَّم.
حصار قُريش ومناصرة أبي طالب له صلّى الله عليه وآله
بعد أن فشلت جميع وسائل الإرهاب، والحرب النفسية والدعائية ضد النّبيّ صلّى الله عليه وآله ومن آمن معه، امتنع زعماء قُريش، وقرَّروا أن يقاطعوا أبا طالب، وبني هاشم، ومُحمّداً، وأصحابه، مقاطعة اقتصادية واجتماعية، وكتبوا عهداً بذلك وعلّقوه في جوف الكعبة.
وكان ذلك في اليوم الأوّل من شهر محرم الحرام، في السنة السابعة للبعثة النبوية.
ومما جاء في تلك الصحيفة الظالمة: ألا يبايعوا أحداً من بني هاشم، ولا يناكحوهم، ولا يعاملوهم، حتى يدفعوا إليهم مُحمّداً فيقتلوه.
وتعاهدوا على ذلك، وختموا الصحيفة بثمّانين ختماً، ثمّ حصرت قُريش رسول الله صلّى الله عليه وآله وأهل بيته من بني هاشم، وبني عبد المطلب في شعب أبي طالب، ويقال له: شعب بني هاشم.
استمرَّ الحصار وطال حتى أنفق أبو طالب والنّبيّ صلّى الله عليه وآله مالهما، كما أنفقت خديجة أموالها الطائلة في هذه المحاصرة الظالمة.
وأشتدَّ خلالها الخطب على المسلمين، وراحوا يعانون من الجوع والأذى، ويأكلون نباتات الأرض، ولم يكن يصلهم من الطّعام شيء، إلا ما كان يتسرب سراً من بعض المتعاطفين معهم، واستمرت الأوضاع على هذه الشاكلة ثلاث سنوات تقريباً.
وحين اشتدَّ العسر والأذى، وصبر المسلمون، جاء الفرج، وتدخل النصر الإلهي، فأرسل الله حشرة الأرضة على صحيفة المقاطعة فأكلتها، ما عدا ما كان فيها من اسم الله سبحانه، فعندها هبط جبرائيل عليه السّلام وأخبر مُحمّداً صلّى الله عليه وآله بذلك.
أخبر النّبيّ أبا طالب بهذا النبأ العظيم، وأطلعه على ما حدث للصحيفة الظالمة، فتوجها مع باقي بني هاشم نحو البيت الحرام، ليُحدثوا طواغيت قُريش بما أخبر به رب العزة، وليؤكدوا لهم دليلاً أخراً على صدق نبوَّة مُحمّد صلّى الله عليه وآله.
فجلس أبو طالب بفناء الكعبة، وأقبلت عليه قُريش فقالوا له: آنَ لك يا أبا طالب أن تذكر العهد، وأن تشتاق إلى قومك، وتدع اللُّجاج في ابن أخيك.
فقال لهم: يا قوم أحضروا صحيفتكم، فلعلَّنا أن نجد فرجاً وسبباً لصلة الأرحام وترك القطيعة، فأحضروها.
فخاطبهم أبو طالب: هذه صحيفتكم.
قالوا: نعم.
قال: فهل أحدثتم فيها حدثاً.
قالوا: اللَّهُمَّ لا.
فقال لهم: إنَّ مُحمّداً أعلمني عن رَبِّه، أنه بعث الأرضة، فأكلت كُلّ ما فيها إلا ذكر الله، أفرأيتم إن كان صادقاً ماذا تصنعون؟
قالوا: نكف ونمسك.
فقال: فإن كان كاذباً دفعته إليكم.
قالوا: قد أنصفْتَ وأجملْتَ.
وبدأت اللحظات الحاسمة.
فإذا بالأرضة قد أكلت كُلّ ما في الصحيفة، إلا مواضع اسم الله عزَّ وجلَّ، فَبُهِت الطغاة، وأخذَتْهم العزة بالإثمّ، وقالوا: ما هذا إلا سحر.
لم يستطع كفار مكة مصادرة هذا الحدث العظيم بهذا الرد التافه، بل راح النّاس يتفاعلون معه، فأسلم كثيرون، وصدَّقوا هذه المعجزة.
وعلى أثر ذلك فُكَّ الحصار، وخَرج النّبيّ مُحمّد صلّى الله عليه وآله ومن معه من الشعب أعِزَّةً مُنتصِرين.
صُلح الحُديبية
قرَّر رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يسير بأصحابه من المدينة المنورة إلى مكة، ليزور بيت الله الحرام، بعد أن رأى في منامه أنه يدخله هو وأصحابه آمِنين من غير قتال.
كما روت ذلك الآية الشريفة: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا .
فتوجَّه الرّسول صلّى الله عليه وآله نحو مكة، ومعه ما يقرب من ألف وأربعمِائة من المهاجرين والأنصار، وذلك في الأوّل من ذي القعدة، من السنة السادسة للهجرة، وقد ساقوا معهم سبعين بَدَنة هديّاً، لتُنْحَر في مكة.
فلما تناهَى الخبر إلى قُريش فزعت، وظنت أنَّ مُحمّداً صلّى الله عليه وآله يريد الهجوم عليها، فراحت تتدارس الموقف، وتعدُّ نفسها لِصدِّه عن البيت الحرام.
ولما بلغ الرّسول صلّى الله عليه وآله أخبار إعداد قُريش، والتهيّؤ لقتاله، غيَّر مسيره، وسلك صلّى الله عليه وآله طريقاً غير الطريق الذي سلكته قُوَّات قُريش المتوجهة لقتاله.
ثمّ استقرَّ في وادي الحُدَيْبيَّة، وأرسل إليهم أحد أفراد قبيلة خزاعة، ليُبلِّغهم بالأهداف التي جاء من أجلها، أي أنه جاء ليزور البيت، تقرُّباً إلى الله عزَّ وجلَّ لتبليغ دعوته، فإنْ هم رفضوا فسيقاتلهم حتى النصر.
فاستجابت قُريش لنداء الرّسول صلّى الله عليه وآله لما رأتْ قوَّته وإصراره على ما يريد، وأدركت ما بها من ضعف وعجز عن المقاومة.
وبدأ الحِوار، وثُبِّتَت مبادئ الصلح، ودعا الرّسول صلّى الله عليه وآله الإمام علي عليه السّلام لكتابة بنود الاتفاقية التي جاء فيها ما يأتي:
1 - إيقاف الحرب بين الطرفين لِمُدَّة عشر سنين.
2 - مَن أحبَّ أن يدخل في عهد مُحمّد صلّى الله عليه وآله فعل، ومَن أحبَّ الدخول في عهد قُريش فعل.
3 - أن يكون الإسلام ظاهراً بمكة، لا يُكرَه أحدٌ على دينه، ولا يؤذى، ولا يُعيَّر.
4 - أن يرجع الرّسول صلّى الله عليه وآله هذا العام، ثمّ يعود إلى مكة في العام القادم، بدون سلاح.
فتأثّر بعض المسلمين من الاتفاقية السالفة الذكر، وأحَسُّوا بِخَيْبة الأمل، وأخذوا يُظهرون جزعهم وتساؤلهم.
لكن النتائج جاءت على خلاف تصوُّراتهم وأوهامهم، فقد بدأت نتائج الصُلح وآثاره الإيجابيَّة تظهر، وتتفاعل لتمهِّد إلى تحول كبير.
وبدأ المسلمون يدركون قِيمة هَذِه الاتِّفاقية التي شَلَّت نشاط قُريش المعادي، وفسحت المجال أمام الدعوة الإسلامية، لِشَقِّ طريقها بين صفوف القبائل العربية.
فأقبل النّاس على الدخول في الإسلام، وأمِن المستخِفُّون بإسلامهم، فأعلنوا دينهم، ومكَّن الله نبيَّه من دخول مكة وأداء مراسم العمرة في العام القادم.
وأخيراً، فلقد وصف القُرآن الكريم هذا الصُلح بـ الفتح في بعض آياته، لأنه كان حقاً الممهِّد للنصر الكبير، وهو فتح مكة في سنة 8 هـ .
أبرز معاركه صلّى الله عليه وآله
معركة بدر الكبرى
بعدَ أنِ استقرَّ الرّسول صلّى الله عليه وآله في المدينة، بدأ يخطِّط عسكرياً لضَرْبِ رأس المال الذي كانت قُريش تعتمد عليه اعتماداً مباشراً في تجارتها.
ولتحقيق هذا الهدف خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله ومعه ثلاثمّائة وثلاثة عشر رجلاً من أصحابه، للسيطرة على القافلة التجارية التي كان يقودها أبو سفيان، فعلم أبو سفيان بخُطَّة المسلمين، فغيَّر طريقه، وأرسلَ إلى مكة يطلب النجدة من قُريش.
فأقبَلَتْ بأحقادها وكبريائها بألف مقاتل، وقَرَّروا الهجوم على جيش النّبيّ صلّى الله عليه وآله وأصحابه، بالقرب من بئرِ ماءٍ يُدعَى ماء بدر، ويبعد 160 كيلو متراً عن المدينة المنورة.
وقد تجلَّت العناية الإلهية بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله وأصحابه منذ ليلة المعركة، إذ بعث الله المطر الغزير، والمسلمون يغشاهم النعاس.
فأرسل النّبيّ صلّى الله عليه وآله عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود سِرّاً، لاستطلاع أحوال جيش العدو، فَطَافا في معسكرهم، ثمّ رَجعا، فأخبَرا بأنَّهم مذعورون فزعون.
وهو قوله تعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السّماء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلّ بَنَانٍ .
فدفع الرّسول صلّى الله عليه وآله الراية إلى الإمام علي عليه السّلام، ولواء المهاجرين إلى مصعب بن عمير، ولواء الخزرج إلى الحباب بن المنذر، ولواء الأوس إلى سعد بن معاذ، وقال صلّى الله عليه وآله: اللَّهُمَّ إنْ تُهلِكَ هَذه العصَابَة لا تُعبَد في الأرض . فبرز الإمام علي عليه السّلام إلى الوليد بن شيبة، فضربه على يمينه فقطعها، فأخذ الوليد يمينه بيساره فضرب بها هامة علي، ويقول الإمام عليه السّلام: ظنَنتُ أنَّ السّماء وقعت على الأرض، ثمّ ضربه الإمام عليه السّلام ضربة أخرى فقتله.
وبرز له حنظلة بن أبي سفيان فضربه الإمام عليه السّلام، فسالت عيناه، ولزم الأرض.
وأقبل العاص بن سعيد، فلقيَه علي الإمام عليه السّلام فقتله، وسأل رسول الله صلّى الله عليه وآله: مَن له عِلْم بِنَوفل بن خُوَيْلِد .
فأجاب الإمام علي عليه السّلام: أنَا قَتلتُه .
فكبَّر النّبيّ صلّى الله عليه وآله وقال: الحَمدُ للهِ الذي أجَابَ دَعوَتي فِيه.
ورُوِي أن رسول الله صلّى الله عليه وآله أخذ كفّاً من الرمل، فرمى به الأعداء، وقال صلّى الله عليه وآله: شَاهَت الوُجوه، اللَّهُمَّ أَرعِبْ قلوبهم، وزَلْزِل أقدامهم .
فانهزم المشركون، والمسلمون يتبعونهم يقتِّلون ويأسِّرون.
ووقعت أحداث هذه المعركة في السّابع عشر من شهر رمضان، من السنة الثانية للهجرة.
وهكذا حقَّقَ الله عزَّ وجلَّ النصر للمسلمين، واندحرت قُريش، وتشتَّتَ جَيشُها، وفقدت هيبتها وسُمعتها، كما تحققت للمسلمين في هذه المعركة مكاسب مالية، وعسكرية، وعقائدية، وإعلامية، ساهمت في خِدمة الإسلام، وتثبيت أركانه، وأوجدت منعطفاً كبيراً في مجمل الأحداث في الجزيرة العربية.
معركة أحد
في الخامس عشر من شهر شوال سنة 3 هـ وقعت غزوة أحد، وأحُد: جبلٌ يبعد عن المدينة المنوَّرة ميلين أو ثلاثة.
ولمَّا كانت نتائج معركة بَدْرٍ قاسية على مشركي مكة، فقريش لا يقرّ لها قرار حتى تثأر لكرامتها، ولمن قُتِل من أشرافها، فمضت تستعدُّ لقتال المسلمين، وتجهِّز لأخذ الثأر، ومحو العار.
فخرجت قُريش بثلاثة آلاف رجل، يقودهم أبو سفيان نحو المدينة، فتعبَّأ رسول الله صلّى الله عليه وآله مع أصحابه، وسَوَّى الصفوف، وأعطى الراية بيد أمير المؤمنين عليه السّلام.
ثمّ وضع مجموعة من الرماة خلف الجيش، وأوصاهم بالثبات وعدم ترك أماكنهم، وأكَّد على ذلك، حتّى روي أنّه صلّى الله عليه وآله أوصاهم بأنْ يلزموا مراكزهم ولا يتركوها، حتى في حالة النصر أو الهزيمة.
فنشبَتْ الحرب بين الجانبين، فَصَاحَ طَلْحَة بن أبي طلحة، وهو صاحب لواء المشركين: مَنْ يُبارز؟
فبرز إليه الإمام علي عليه السّلام، فبدره بضربة على رأسه فقتله، ثمّ تقدَّم بلواء المشركين أخوه والنساء خلفه، يحرِّضن ويضرِبْن بالدفوف، فتقدَّم نحوه حمزة عم النّبيّ صلّى الله عليه وآله، وضربه ضربة واحدة وصلت إلى رئته، فمات.
وفي إرشاد المفيد: كان أصحاب اللواء يوم أُحُد تسعة، قتلهم الإمام علي عليه السّلام عن آخرهم.
وفي تاريخ الطبري: لما قُتل أصحاب اللواء انكشف المشركون منهزمين، وانتقضت صفوفهم، ونساؤهم يَدعين بالوَيل بعد الفرح وضرب الدفوف.
وقال الواقدي: لما انهزم المشركون تبعهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حيث شاءوا، حتى أخرجوهم من المعسكر، وانشغلوا بجمع الغنائم.
فلما رآهم الرماة الذين أوصاهم الرّسول بعدم ترك أماكنهم قال بعضهم لبعضٍ: لمَ تقيمون هنا في غير شيء، لقد هزم الله العدو، وهؤلاء إخوانكم مشغولون بجمع الغنائم، فاذهبوا واغنموا معهم.
فقال بعضهم: ألم تعلموا أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لكم: احمُوا ظُهُورَنا، وإنْ غَنِمْنا فلا تشرِكُونا .
فقال الآخرون: لم يرد رسول الله هذا.
وأخيراً ذهبوا إلى معسكر المشركين يجمعون الغنائم، وتركوا أماكنهم من الجبل، ولما نظر خالد بن الوليد إلى خلاء أماكنهم كرَّ بالخيل إلى موضع الرماة، وحملوا عليهم، فرماهم القوم حتى أصيبوا.
وعندما وجد المشركون خيلهم تقاتل رجعوا من هزيمتهم، وكرُّوا على المسلمين من أمامهم، وهم مشغولون بجمع الغنائم، فأصبح المسلمون وسط الحلقة، وانتقضت سيوفهم، وأخذ يضرب بعضهم بعضاً من العجلة والدهشة !!
فتفرَّق أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وآله عنه، وأخذ المشركون يحملون عليه يريدون قتله، ويقول ابن الأثير في ذلك: قاتل رسول الله صلّى الله عليه وآله يومَ أحُد قِتالاً شديداً، فرَمَى بالنبل حتى انتهى، وانكسر قوسه، وانقطع وتره.
وفي رواية الشيخ المفيد: كُسِر أنفُه ورباعيته السُفلى، وسال الدم على وجهه الكريم
شهادة حمزة عليه السّلام
قالت هند بنت عتبة - زوجة أبي سفيان لِـوَحْشي: إن أنت تَمكَّنْتَ من قتل مُحمّد، أو علي، أو حمزة بن عبد المطلب، سأعطيك جائزة، فأوعدها بقتل حمزة.
ويقول وحشي: واللهِ إني لأنظر إلى حمزة يَهدُّ النّاس بسيفه، ما يلقي أحداً يمرُّ به إلا قتله، فهززت حربتي فرميتُه، فوقعت في أربيته [ أصل الفخذ ]، حتى خرجت من بين رجليه، فوقع، فأمهلته حتى مات، وأخذت حربتي وانهزمت من المعسكر.
وروي أن هند وقعت على القتلى، ولما وصلت إلى حمزة بقرتْ كبده، فلاكته، فلم تستطع أن تَسيغه، فلفِظَتْه، ثمّ قطعت أنفه وأذنيه، وجعلت ذلك كالسوار في يديها، وقلائِد في عنقها.
وبعد انصراف جيش المشركين بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله الإمام علياً عليه السّلام وقال له: أُخرُجْ في آثَار القَوم، فإن كَانُوا قد اجتنبوا الخَيل، وامتطوا الإبل فإنَّهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وسَاقوا الإبل، فهم يُريدون المَدينة، فوَ الله لَئِن أرادوها لأسِيرَنَّ إليهم فيها، ثمّ لأُنَاجِزَنَّهم .
فقال الإمام علي عليه السّلام: فخرَجْتُ في آثارهم، فرأيتهم امتطوا الإبل واجتنبوا الخيل.
وروي أن رسول الله صلّى الله عليه وآله بعد انتهاء المعركة، أخذ عمه حمزَة بن عبد المطلب، ووضعه إلى القبلة، ووقف على جنازته، وانتحب حتى نشق، أي: شهق، حتى بلغ به الغشي.
وكان صلّى الله عليه وآله يقول: يَا عَمّ رسول الله، وأسد الله، يا حمزة، يا فاعِلَ الخيرات، يا حمزة، يا كاشف الكربات، يا حمزة، يا ذابّ يا مانع عن وجه رسول الله .
وبعد أن عاد رسول الله صلّى الله عليه وآله وأصحابه إلى المدينة، استقبَلَتْه فاطمة عليها السّلام، ومعها إناء فيه ماء، فغسل وجهه، ولحقه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، وقد خضَّب الدم يده إلى كتفه، ومعه سيفه ذو الفقار، فناوله فاطمة وقال عليه السّلاملها: خُذي هَذا السَّيف، فقد صدَّقني .
وقال لَهَا الرّسول صلّى الله عليه وآله: خُذيهِ يا فَاطِمة، فقَدْ أدَّى بَعلُك ما عليه، وقد قتل اللهُ بِسيفِه صَنادِيد قُريش .
معركة الخندق
لما نقضت بنو قريظة صلحها مع الرّسول صلّى الله عليه وآله، وانضمَّت إلى صفوف المشركين، تغيَّر ميزان القوى لصالح أعداء الإسلام.
فقاموا بتطويق المدينة بعشرة آلاف مقاتل، ممَّا أدَّى إلى انتشار الرُعب بين صفوف المسلمين، وتزَلْزَلَتْ نفوسهم، وظَنّوا بالله الظنونا.
فبدأ العدو هجومه على المسلمين بعبور الخندق - الذي حفره الرّسول صلّى الله عليه وآله وأصحابه حول المدينة - بقيادة أحد أبطال الشرك والكفر، وهو عمرو بن عبد ودٍّ العامري، فازداد الخطر على المسلمين، لأن العدو بدأ بتهديدهم من داخل حصونهم.
فراح ابن عبد ودٍّ يصول ويجول، ويتوعَّد ويتفاخر ببطولته، وينادي: هل من مبارز؟
فقام الإمام علي عليه السّلام وقال: أنَا لَهُ يا رَسولَ الله .
فأذن صلّى الله عليه وآله له، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وألبسه دِرعه، وعمَّمه بعمامَتِه.
ثمّ قال صلّى الله عليه وآله: اللَّهُمَّ هذا أخي، وابن عمي، فلا تَذَرْني فرداً، وأنت خير الوارثين .
ومضى الإمام علي عليه السّلام إلى الميدان، وخاطب ابن عبد ودٍّ بقوله: يا عمرو، إنَّك كنت عاهدْتَ الله أن لا يدعوك رجل من قُريش إلى إحدى خلتين إلا قبلتها .
قال عمرو: أجل.
فقال الإمام علي عليه السّلام: فإنّي أدعوك إلى الله، وإلى رسوله، وإلى الإسلام .
فقال: لا حاجة لي بذلك.
فقال الإمام علي عليه السّلام: فإنِّي أدعوكَ إلى البراز .
فقال عمرو: إنِّي أكره أن أُهريقَ دمك، وإنَّ أباكَ كان صديقاً لي.
فردَّ عليه الإمام علي عليه السّلام قائلاً: لكنِّي والله أحِبّ أنْ أقتلَكَ .
فغضب عمرو، وبدأ الهجوم على الإمام علي عليه السّلام، فصدَّه برباطة جأش، وأرداه قتيلاً، فعلا التكبير والتهليل في صفوف المسلمين، وكان ذلك في الثالث من شوال، في سنة 5 هـ .
ولمَّا عاد الإمام عليه السّلام ظافراً، استقبله رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يقول: لَمُبَارَزَة عَليّ بن أبي طالب لِعَمرو بن عبد ودٍّ أفضلُ من عَمل أمَّتي إلى يوم القيامة .
فلولا الموقف البطولي للإمام عليه السّلام، لاقتحم جيش المشركين المدينة على المسلمين بذلك العدد الهائل، وهكذا كانت بطولة الإمام علي عليه السّلام في غزوة الخندق الأحزاب، من أهمّ عناصر النصر لمعسكر الإيمان على معسكر الكفر والضلال.
فتح خيبر
لم يكن بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وبين يهود خيبرٍ عهدٌ، بخلاف بني قنيقناع والنضير وقريضة، فقد كان بينه الرّسول صلّى الله عليه وآله وبينهم عهد، ومعنى ذلك أن النّبيّ صلّى الله عليه وآله توجَّه إليهم ليدعوهم إلى الإسلام، أو قبول الجزية، أو الحرب، فلمَّا لم يسلموا ولم يقبلوا الجزية حاربهم.
وكان يهود خَيْبَر مضاهرين، ليهود غطفان على رسول الله صلّى الله عليه وآله وكان هذا سبب خروج النّبيّ صلّى الله عليه وآله إليهم.
فقد ذكر ابن الأثير وغيره، أن يهود خَيْبَر كانوا مضاهرين ليهود غطفان على رسول الله صلّى الله عليه وآله، وإنَّ غطفان قصدت خَيْبَر ليضاهروا اليهود فيها، ثمّ خافوا المسلمين على أهليهم وأموالهم فرجعوا.
وكان المسلمون في هذه الغزوة ألفاً وأربعمائة ومعهم مِائتي فرس، فلما نزلوا بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة، حتى طلعت الشمس، وأصبح اليهود، وفتحوا حصونهم، وغدوا إلى أعمالهم.
فلما نظروا إلى رسول الله قالوا: مُحمّد والخميس ـ أي: الجيش ـ وولّوا هاربين إلى حصونهم.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحةِ قومٍ فساء صباح المنذرين .
فحاصرهم بضع عشرة ليلة، وكان أول حصونهم قد افتتح هو حصن ناعم، ثمّ القموص، ثمّ حصن الصعب بن معاذ، ثمّ الوطيح والسلالم، وكان آخر الحصون فتحاً حِصْن خَيْبَر.
وفي خيبر بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله أبا بكر برايته، وكانت بيضاء، وعقد له، فرجع ولم يَكُ فتح وقد جهد.
ثمّ بعث في الغد عمر بن الخطاب برايته، وعقد له أيضاً، ومعه النّاس، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه، فجاءوا يجبِّنُونَه ويجبِّنُهم كسابقه.
وخرجت كتائب اليهود يتقدمهم ياسر أو ناشر ـ أخ مرحب ـ فكشفت الأنصار حتى انتهوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، فاشتدَّ ذلك على رسول الله، وقال صلّى الله عليه وآله: لأبعَثَنَّ غداً رَجُلاً يُحبُّ اللهَ ورسولَه، ويحبَّانه، لا يولي الدبر، يفتحُ الله على يَدَيه.
فتطاولت الأعناق لترى لمن يعطي الراية غداً، ورجا كُلّ واحد من قُريش أن يكون صاحب الراية غداً.
وكان الإمام علي عليه السّلام أرمد شديد الرمد، فدعاه صلّى الله عليه وآله، فقيل له أنه يشتكي عينيه.
فلما جاء الإمام علي عليه السّلام أخذ صلّى الله عليه وآله من ماء فمه، ودَلَّك عينيه، فَبَرئَتَا، حتى كأنْ لم يكن بهما وجع.
ثمّ قال صلّى الله عليه وآله: اللَّهُمَّ اكفِهِ الحَرَّ والبَرْد، فما اشتكى من عينيه، ولا من الحَرِّ والبرد بعد ذلك أبداً.
فعَقَد صلّى الله عليه وآله للإمام عليه السّلام، ودفع الراية إليه، وقال له: قَاتِل ولا تَلتَفتْ حتى يَفتح اللهُ عليك .
فقال الإمام علي عليه السّلام: يَا رَسولَ الله، عَلامَ أقاتِلُهُم؟.
فقال صلّى الله عليه وآله: عَلى أن يَشهدوا أنْ لا إلَهَ إلاَّ الله، وأنِّي رسول الله، فإذا فعلوا ذلك حَقَنوا منِّي دماءهم وأموالهم إلا بحقِّها، وحِسابُهُم عَلى اللهِ عزَّ وَجل .
فقال سلمه: فخرجَ والله يُهروِل وأنا خلفه، نتَّبع أثره، حتى ركز رايته تحت الحصن، فاطَّلع إليه يهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال الإمام عليه السّلام: أنَا عَلي بنَ أبِي طَالِب .
فقال اليهودي: علوتم أو غلبتم.
وخرج إليه أهل الحصن، وكان أول من خرج إليه منهم الحارث - أخ مرحب -، وكان فارساً، شجاعاً، مشهوراً بالشجاعة، فانكشف المسلمون، وثَبَتَ الإمام علي عليه السّلام، فتضاربا، فقتله الإمام عليٌّ عليه السّلام، وانهزم اليهود إلى الحصن.
فلما علم مرحب أخاه قد قتل نزل مسرعاً، وقد لبس درعين، وتقلَّد بسيفين، واعتمَّ بعمامتين ولبس فوقهما مغفراً وحَجَراً قد أثقبه قدر البيضة لعينيه، ومعه رمح لسانه ثلاثة أشبار، وهو يرتجز ويقول:
قَدْ علِمَت خَيْبَرُ أنِّي مَرْحَبُ ** شَاكي السِّلاح بَطلٌ مُجرَّبُ
أطعنُ أحياناً وحِيناً أضرِبُ ** إذا اللُّيوث أقبلَتْ تَلتَهِبُ
فردّ عليٌّ عليه السّلام عليه، وقال:
أنَا الذي سَمَّتْني أمِّي حَيْدَرة ** أكِيلُكُم بالسَيف كَيل السَّـندَرَة
لَيثٌ بِغابَاتٍ شَديد قَسْـوَرَة ** وحيدرة: اسم من أسماء الأسد.
فاختلفا ضربتين، فبدره الإمام علي عليه السّلام فضربه، فقدَّ الحَجَرَ والمغفر ورأسه، حتى وقع السيف في أضراسه، فقتله.
فكبَّر الإمام علي عليه السّلام، وكبَّر معه المسلمون، فانهزَم اليهود إلى داخل الحصن، وأغلقوا بابَ الحِصْن عَليهم، وكان الحِصْنُ مُخَندقاً حوله، فتمكَّن الإمام علي عليه السّلام من الوصول إلى باب الحصن، فعالجه وقلعه، وأخذ باب الحصن الكبيرة العظيمة، التي طولها ثمّانون شبراً، أي: أربعون ذراعاً، فجعلها جِسراً فَعبر المسلمون الخندق، وظفروا بالحصن، ونالوا الغنائم؟
ولما انصرَفَ المسلمون من الحصن أخذ الإمام علي عليه السّلام الباب بيمناه، فَدَحى بِهَا أذرعاً من الأرض - أربعون ذراعاً -، وكان الباب يعجزُ عن فَتحِه أو غَلقِه اثنان وعشرون رجلاً منهم.
فتح مكة المكرمة
استمرَّت نتائج صُلحِ الحُدَيْبِية الذي عُقِد بين النّبيّ صلّى الله عليه وآله وقريش في سنة 6 هـ تتفاعل لصالح النّبيّ، فانضمَّت قبيلة خزاعة إلى معسكر رسول الله صلّى الله عليه وآله، وانضمَّت قبيلة كنانة إلى معسكر قُريش، فأصبح هناك حِلفان خلال فترة الصُلْح والسّلام. وشاء الله سبحانه أن تتهيّأ أسباب النصر الكبير والفتح المبين، فينشُب الصراع بين قبيلَتَي كنانة وخزاعة على أثر هجوم الأولى على الثانية، فانضمَّت قُريش إلى كنانة، فشعر أبو سفيان بخطورة الموقف بعد نصره لكنانة، فاضطرَّ إلى الذهاب للنبي صلّى الله عليه وآله ليكلِّمه، فلم يرد النّبيّ صلّى الله عليه وآله عليه شيئاً. ثمّ حاول أن يستنجد ببعض الصحابة وبأهل بيت النّبيّ صلّى الله عليه وآله فلم يشفعوا له، وعاد إلى مكّة يجر أذيال الهزيمة، وأخذ الرّسول صلّى الله عليه وآله وأصحابه يتجهَّزون لقتال كُفَّار مكّة، حتّى بلغ تعدادهم عشرة آلاف مقاتل، وكان صلّى الله عليه وآله يخطِّط لِئَلاَّ يقَع القِتال بينه وبين قُريش في داخل مكّة، لأنَّها حرم الله الآمن.
وفي الثاني من شهر رمضان سنة 8 هـ توجَّه النّبيّ صلّى الله عليه وآله وجيشه نحو مكّة، وقاموا بتطويقها، وإشعال النيران في الصحراء على مقربة منها، ممّا أثار الرعب في نفوس الطغاة، وعلى رأسهم أبو سفيان.
وأخيراً استسلم أبو سفيان للنبي صلّى الله عليه وآله، ونطق بالشهادتين خوفاً ورعباً، وأمر النّبيّ صلّى الله عليه وآله العباس بن عبد المطلب أن يقف بأبي سفيان حيث تمرُّ جنود الله، ليرى بِعَينه عظمة الإسلام.
فيقول أبو سفيان للعباس: لقد أصبح مُلْك ابن أخيك عظيماً.
فيردُّ عليه العباس: وَيْحك، إنّها النبوَّة.
وهكذا تحقَّق النصر الكبير، ودخل رسول الله صلّى الله عليه وآله مكّة المكرمة، فاتحاً منتصراً من غير قتال، ولا سفك دماء، متواضعاً، مستغفراً، مسبِّحاً بحمد ربّه.
وقال تعالى: إِذَا جَاء نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النّاس يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا .
زوجاته صلّى الله عليه وآله
1 - خديجة بنت خويلد، وهي الزوجة الأولى له صلّى الله عليه وآله.
2- سودة بنت زمعة.
3- عائشة بنت أبي بكر.
4- غزية بنت دودان أم شريك.
5- حفصة بنت عمر.
6- رملة بنت أبي سفيان أم حبيبة.
7- أم سلمة بنت أبي أميَّة.
8- زينب بنت جحش.
9- زينب بنت خزيمة.
10- ميمونة بنت الحارث.
11- جويرية بنت الحارث.
12- صفية بنت حيي بن أخطب.
أولاده صلّى الله عليه وآله من خديجة عليها السّلام
تزوج خديجة صلّى الله عليه وآله وهو ابن بضع وعشرين سنة وولد له صلّى الله عليه وآله منها عبد الله و القاسم و إبراهيم و فاطمة الزهراء عليها السّلام وهي أم أبيها ومنها ذريته صلّى الله عليه وآله وقيل أيضاً زينب ورقية وأم كلثوم. فولد له منها أي من خديجة قبل مبعثه عليه السّلام القاسم، ورقية، وزينب، وأم كلثوم، وولد له بعد المبعث الطّيب والطّاهر وفاطمة عليها السّلام. وروي أيضاً أنه لم يولد بعد المبعث إلاّ فاطمة عليها السّلام وأن الطّيب والطّاهر ولدا قبل مبعثه.
أَعْمَامُهُ صلّى الله عليه وآله
نقل العلامة المجلسي في بحاره، قال: كان لعبد المطلب عشرة أسماء: عمر، وشيبة الحمد، وسيد البطحاء، وساقي الحجيج، وساقي الغيث، وغيث الورى في العام الجدب، وأبو السادة العشرة، وحافر زمزم، وعبد المطلب، وله عشرة بنين: الحارث، والزبير، وحجل وهو الغيداق، وضرار وهو نوفل، والمقوم، وأبو لهب وهو عبد العزى، وعبد الله، وأبو طالب، وحمزة، والعباس، وكانوا من أمهات شتى إلا عبد الله وأبو طالب والزبير، فإن أمهم فاطمة بنت عمرو بن عايذ، وأعقب من البنين خمسة: عبد الله أعقب مُحمّدا " صلّى الله عليه وآله سيد البشر، وأبو طالب أعقب طالباً وجعفراً " وعقيلاً " وعليّاً " عليه السّلام سيد الوصيين، والعباس أعقب عبد الله وقثمّ والفضل وعبيد الله، والحارث أعقب عتبة ومعتبة وعتيقاً "، وكان لعبد المطلب ست بنات: عاتكة، واميمة، والبيضاء وهي ام حكيم، وبرة، وصفية وهي ام الزبير، وأروى، ويقال: وريدة، وأسلم من أعمام النّبيّ صلّى الله عليه وآله أبو طالب وحمزة والعباس، ومن عماته صفية وأروى وعاتكة، وآخر من مات من أعمامه العباس، ومن عماته صفية.
وقال محيى الدين النووي في المجموع: وكان لعبد المطلب اثنا عشر ولداً، عبد الله أبو النّبيّ صلّى الله عليه وآله، وأبو طالب، والزبير، وعبد الكعبة، والعباس، وشرار، وحمزة، وحجل، وأبو لهب، وقثمّ، والغيداق الملقب بالمقوم، والحارث والعقب منهم لسته حمزه والعباس وأبو لهب والحارث وأبو طالب وعبد الله وقد ذكر ابن حزم وغيره أن حمزة انقرض عقبه.
وقال الطبري في ذخائره: وكان لرسول صلّى الله عليه وآله اثنا عشر عما بنو عبد المطلب أبوه صلّى الله عليه وآله ثالث عشرهم: الحارث وأبو طالب واسمه عبد مناف والزبير ويكنى أبا الحارث وحمزة وأبو لهب واسمه عبد العزى والغيداق والمقوم وضرار والعباس وقثمّ وعبد الكعبة وحجل ويسمى المغيرة، وقيل كانوا إحدى عشر فأسقط المقوم، وقيل هو عبد الكعبة، وقيل عشرة وأسقط الغيداق وحجلا، وقيل تسعة، ولم يذكر ابن قتيبة وابن إسحق وأبو سعيد غيره فأسقط قثمّ. وأمهاتهم شتى فحمزة والمقوم وحجل لام هي هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة والعباس وضرار وقثمّ لام هي نثيلة بنت جناب بن كلب من النمر بن قاسط، والحارث من صفية بنت حنيذ من بنى عامر بن صعصعة وابو لهب من لبنى بنت هاجر من خزاعة و عبد الله ابو النّبيّ صلّى الله عليه وآله وأبو طالب والزبير وعبد الكعبة لام وهى فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم. ولم يعقب منهم إلا أربعة الحارث والعباس وأبو طالب وأبو لهب وكان أكبرهم الحارث وبه كان يكنى عبد المطلب شهد معه حفر رمزم، ومن ولده وولد ولده جماعة لهم صحبة سيأتي ذكرهم إن شاء الله تعالى وذكر غيرهم ممن أسلم من بنى الاعمام ولم يدرك الاسلام منهم غير أربعة أبو طالب وأبو لهب حمزة والعباس ولم يسلم غير حمزة والعباس.
عَمَّاتُه صلّى الله عليه وآله
أميمة وأم حكيمة وبرَّة وعاتكة وصفيَّة وأَرْوَى
شعراؤه صلّى الله عليه وآله
حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة و كعب بن مالك.
مُؤذِّنوه صلّى الله عليه وآله
بلال الحبشي وبن أم مكتوم وسعد القرط.
نقش خاتمه صلّى الله عليه وآله
مُحمّد رَسُولُ الله.
طيبه صلّى الله عليه وآله
قال الإمام الصّادق عليه السّلام: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله: ينفق على الطيب أكثر ممّا ينفق على الطّعام، وكان صلّى الله عليه وآله لا يعرض عليه طيب إلاّ تطيّب به ويقول: هو طيّب ريحه، خفيف محمله، وكان يتطيّب بالمسك حتّى يرى وبيصه بريقه في مفرقه. وكان صلّى الله عليه وآله يتطيّب بذكور الطيب، وهو المسك والعنبر، ويتطيّب بالغالية تطيّبه بها نساؤه بأيديهنّ، وكان يستجمر بالعود القماري قمار موضع بالهند، وكان يعرف في الليلة الظلماء قبل أن يرى بالطيب، فيقال: هذا النّبيّ صلّى الله عليه وآله.
تسريحة شعره صلّى الله عليه وآله
كان صلّى الله عليه وآله يمتشط ويرّجل رأسه بالمدرى مشط حديدي أو خشبي، وترجّله نساؤه، وتتفقّد نساؤه تسريحه إذا سرّح رأسه ولحيته فيأخذن المشاطة الشعر الساقط، ولربّما سرّح لحيته في اليوم مرّتين.
وكان صلّى الله عليه وآله يضع المشط تحت وسادته إذا امتشط به، ويقول: إنّ المشط يذهب بالوباء .
دهانه صلّى الله عليه وآله
كان صلّى الله عليه وآله يحبّ الدهِن ويكره الشعث، ويقول صلّى الله عليه وآله: إنّ الدهن يذهب بالبؤس، وكان يدهن بأصناف من الدهن، وكان إذا أدهن بدأ برأسه ولحيته، ويقول صلّى الله عليه وآله: إنّ الرأس قبل اللّحية .
وكان يدهن بالبنفسج ويقول صلّى الله عليه وآله: هو أفضل الأدهان، وكان صلّى الله عليه وآله إذا أدهن بدأ بحاجبيه، ثمّ بشاربيه، ثمّ يدخل في أنفه ويشمّه، ثمّ يدهن رأسه، وكان يدهن حاجبيه من الصداع، ويدهن شاربيه بدهن سوى دهن لحيته.
تكحّله صلّى الله عليه وآله
كان صلّى الله عليه وآله يكتحل في عينه اليمنى ثلاثاً، وفي اليسرى اثنتين، وقال: من شاء اكتحل ثلاثاً وكلّ حين، ومن فعل دون ذلك أو فوقه فلا حرج، وربّما اكتحل وهو صائم، وكانت له مكحلة يكتحل بها باللّيل، وكان كحله الإثمّد حجر الكحل .
نظره صلّى الله عليه وآله في المرآة
كان صلّى الله عليه وآله ينظر في المرآة، ويرجّل جمّته ويمتشط، وربّما نظر في الماء وسوّى جمّته فيه، ولقد كان يتجمّل لأصحابه فضلاً عن تجمّله لأهله، وقال ذلك لعائشة حين رأته ينظر في ركوة فيها ماء في حجرتها، ويسوّي فيها جمّته وهو يخرج إلى أصحابه فقالت: بأبي أنت وأُمّي تتمرأ في الركوة وتسوّي جمّتك، وأنت النّبيّ وخير خلقه؟
فقال صلّى الله عليه وآله: إنّ الله تعالى يحبّ من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيّأ لهم ويتجمّل .
سننه صلّى الله عليه وآله
لابد لمن أراد الهجرة إلى ربّه تعالى، أن يتخلّق بأخلاق الله ورسوله وأهل بيته ويستن بسننهم، فكثيرٌ من سنن رسول الله صلّى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السّلام أصبحت مهجورةً، بل أكثر المسلمين استبدلها بما هو أدنى منها، قال تعالى: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ .
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرّسول وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ .
وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: بعثت بمكارم الأخلاق ومحاسنها، فكلّما ازدادت أخلاق المرء كلّما اقترب من رسول الله صلّى الله عليه وآله أكثر، وعليه فلابد من معرفة بعض أخلاقه وسننه صلّى الله عليه وآله، نذكر منها ما يلي:
سننه العامّة
1ـ خافض الطرف ينظر إلى الأرض، ويغض بصره بسكينة وأدب، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السّماء لتواضعه بين النّاس.
2ـ يبادر إلى من لقيه بالسّلام والتحيّة لأنّ السّلام قبل الكلام، وهو علامة التواضع، وللبادئ بالسّلام تسعةً وستون حسنة، وللرادّ واحدة.
3ـ لا يتكلّم في غير حاجة ومناسبة، ويتحرّج من الكلام كما يتحرّج من الميتة.
4ـ تعظم عنده النعمة، ولا يذم منها شيئاً، فيشكر النعم ولا يحتقر شيئاً منها مهما كان قليلاً، ولا يذمّها لأنّها من الله تعالى.
5ـ جلّ ضحكه التبسّم، فلا يقهقه ولا يرفع صوته كما يفعل أهل الغفلة.
6ـ يقول: أبلغوني حاجةَ منْ لا يقدرُ على إبلاغ حاجته، حتّى لا يكون محجوباً عن حاجات النّاس، ويقضيها إن استطاع.
7ـ يتفقّد أصحابه.
8ـ يسألُ النّاس عمّا في النّاس ليكون عارفاً بأحوالهم وشؤونهم.
9ـ لا يجلس ولا يقوم إلاّ على ذكر ـ كالاستغفار والتهليل والدعاء ـ فإنّها كفّارة المجلس.
10ـ يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، فهو أقرب إلى التواضع وأبعد عن هوى النفس.
11ـ يكرم كُلّ جلسائه نصيبه، فلا يكون الإكرام على حساب الآخر.
12ـ من سأله حاجةً لم يرجع إلاّ بها أو ميسور من القول، فإن قدر عليها قضاها له، وإلاّ أرجعه بكلمة طيّبة أو دعاء أو نصيحة أو إرشاد.
13ـ يترك المراء، والمراء هو الطعن في كلام الآخرين بقصد التحقير والإهانة ولإظهار التفوّق والكياسة، وسببه العدواة والحسد، ويسبّب النفاق ويمرض القلب.
14ـ يترك ما لا يعنيه، فلا يتدخّل أو يقحم نفسه فيما ليس له.
15ـ لا يقطع على أحد كلامه حتّى يفرغ منه.
16ـ يساوي في النظر والاستماع للناس.
17ـ أفصح النّاس منطقاً وأحلاهم، وكان يقول: أنا أفصح العرب، وإنّ أهل الجنّة يتكلّمون بلغة مُحمّد .
18ـ يتكلّم بجوامع الكلم بما يلزم، فلا فضول مضر، ولا إيجاز مخل.
19ـ أشجع النّاس، وكان ينطلق إلى ما يفزع النّاس منه قبلهم، ويحتمي النّاس به، وما يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه.
20ـ كثير الحياء، أشد من العذراء في سترها.
21ـ يبكي حتّى يبتلى مصلاّه، خشيةً من الله عز وجل من غير جرم.
22ـ يتوب إلى الله تعالى في كُلّ يوم سبعين مرّة، فيقول: أتوب إلى الله .
23ـ يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين، ويصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم.
24ـ يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويأكل مع العبد، ويجلس على الأرض، ويصافح الغني والفقير، ولا يحتقر مسكيناً لفقره، ولا ينزع يده من يد أحد حتّى ينزعها هو، ويسلّم على من استقبله من غني وفقير، وكبير وصغير.
25ـ ينظر في المرآة، وربما نظر في الماء ليتجمّل لأصحابه فضلاً عن تجمّله لأهله، وقال: إنّ الله يحب من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيّأ لهم ويتجمّل .
26ـ ما خُيّر بين أمرين إلاّ أخذ بأشدّهما، ترويضاً لنفسه على مخالفة الهوى، وركوب المصاعب.
27ـ ما أكل متّكئاً قط حتّى فارق الدّنيا، تواضعاً لربّه تعالى.
28ـ إذا أكل أكل ممّا يليه، وإذا شرب شرب ثلاثة أنفاس، فيشرب أوّلاً ثمّ يحمد الله تعالى ويتنفّس، يفعل ذلك ثلاث مرّات.
29ـ كان يمينه لطعامه، وشماله لبدنه، وكان يحب التيمّن في جميع أموره.
30ـ إذا حدّث بحديث تبسّم في حديثه.
31ـ أكثر ما يجلس تجاه القبلة.
32ـ كان لتواضعه، يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة، فيضعه في حجره إكراماً لأهله، وربما بال الصبي، فإذا انصرف القوم غسل ثوبه.
33ـ لا يدعُ أحداً يمشي معه إذا كان راكباً، حتّى يحمله معه، فإن أبى قال: تقدّم أمامي وأدركني في المكان الذي تريد .
34ـ إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيّام سأل عنه، فإن كان غائباً دعا له، وإن كان شاهداً زاره، وإن كان مريضاً عاده.
35ـ خدم أنس النّبيّ صلّى الله عليه وآله تسع سنين، فلم يقل صلّى الله عليه وآله له أبداً: هلاّ فعلت كذا؟ أو لمَ فعلتَ كذا؟ ولا عاب عليه شئ قط.
36ـ يدعو الجميع بكنُاهُم إكراماً لهم، واستمالةً لقلوبهم، ويكنّي من لا كنية له.
37ـ يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تحته، يقدّمها له إكراماً لضيفه وطمأنةً لنفسه، فإن أبى أصرّ عليه حتّى يقبل.
38ـ يخرج بعد طلوع الشمس، لأنّ الجلوس للتعبّد والدعاء والذكر بين الطلوعين أفضل من طلب الرزق.
39ـ إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس إليه حين يدخل، قعد عند أوّل مكان يجد من طرف دخوله.
40ـ ما كلّم النّاس بكنه عقله أبداً، حيث قال: إنّا معاشر الأنبياء، أمرنا أن نكلّم النّاس على قدر عقولهم، ولم يكن هذا منه إلاّ لحسن خلقه وتواضعه ورأفته بالناس.
41ـ كثير الضراعة والابتهال إلى الله تعالى، دائم السؤال من الله تعالى أن يُزيّنه بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق، وكان يقول: اللهم حسّن خُلقي، ويقول: اللهم جنّبني منكراتِ الأخلاق .
42ـ يُقلّم أظفاره ويقص شاربيه يوم الجمعة، قبل أن يخرج إلى الصّلاة.
43ـ كانت فيه مداعبة، وذلك رأفةٌ منه لأمّته، لكيلا يبلُغ بأحدٍ منهم التعظيمُ له، فلا ينظرُ إليه، حذراً من المبالغة في التقديس، فيقولون قولاً عظيماً، نعوذ بالله تعالى، كما هو شأنُ النصارى في عيسى عليه السّلام، وكان صلّى الله عليه وآله ليُسرُ الرجل من أصحابه إذا رآه مغموماً بالمداعبة.
44ـ يُخاطب جلساءَه بما يناسب، فعن زيد بن ثابت قال: كنّا إذا جلسنا إليه صلّى الله عليه وآله إنْ أخذنا في حديث في ذكر الآخرة أخذ معنا، وإنْ أخذنا في ذكر الدّنيا أخذ معنا، وإنْ أخذنا في ذكر الطّعام والشراب أخذ معنا.
45ـ لم يكن له صلّى الله عليه وآله خائنة الأعين، النظرة الخائنة إلى ما لا يحل، والغمز بالعين، والرمز باليد.
46ـ قال صلّى الله عليه وآله: أكرم أخلاق النّبيّين والصدّيقين، البشاشة إذا تراءوا، والمصافحةُ إذا تلاقوا .
47ـ لا يُعرضُ له طيب إلاّ تطيّب.
48ـ إذا حدّث الحديث أو سئل عن الأمر كرّره ثلاثاً ليفهم المستمع أو السائل ويُفهم عنه، عند نقله للحديث أو الإجابة إلى قومه.
49ـ إذا سئل شيئاً، فإذا أراد أن يفعله قال: نعم، وإذا أراد أن لا يفعل سكت، ولا يقول لشيء: لا.
50ـ لا ينظر إلى ما يستحسن من الدّنيا حتّى لا يؤخذ به أو يستغرق فيه.
51ـ إذا أحزنه أمرٌ لجأ إلى الصّلاة، وكان يحب الخلوة بنفسه للذكر والتفكّر والتأمّل ومراجعة أمره.
52ـ يهيئ ماء وضوئه بنفسه لقيامه وتهجّده في الليل، ولا يطلب من ذلك من أحد.
53ـ يقوم بأعمال أزواجه معيناً لهم في شؤونهم، ويقطع اللحم.
54ـ لا يُثبتُ بصرهُ في وجه أحد، محدقاً به حتّى يأمن ويستأنس.
55ـ يلبسُ خاتمَ فضة في خنصره الأيمن، ويستاك عند الوضوء، منظفّاً أسنانه، ويشيع الجنائز، ويعودُ المرضى في أقصى المدينة.
56ـ أكثر النّاس تبسّماً، ما لم تجرِ عظةٌ، ما لم يجرِ إلى التطرّق إلى الموعظة فلا يناسبها التبسّم.
57ـ لا يجلس إليه أحد وهو يصلّي إلاّ خفّف صلاته وأقبل عليه وقال: ألك حاجة؟
58ـ كان صلّى الله عليه وآله في الرضا والغضب لا يقول إلاّ حقّاً.
59ـ قال صلّى الله عليه وآله: اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين .
سننه عند النوم
1ـ إذا دخل المنزل توضّأ، ثمّ يصلّي ركعتين يوجز فيهما، ثمّ يأوي إلى فراشه، وكان صلّى الله عليه وآله ينام على الحصير ليس تحته شيء غيره.
2ـ إذا أوى إلى فراشه قال: اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت، وإذا قام من نومه قال: الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور .
3ـ إذا استيقظ من النوم خرّ لله ساجداً.
4ـ يتوضّأ عن النوم، ويتوسّد اليمين، ويسبّح ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاث وثلاثين، ويكبّر أربعاً وثلاثين، ويستقبل القبلة بالوجه، ويقرأ فاتحة الكتاب وآية الكرسي.
سننه في الأزواج والأولاد
1ـ قال صلّى الله عليه وآله: من كان يحب أن يتبع سنّتي، فإنّ من سنّتي التزويج .
2ـ وقال صلّى الله عليه وآله: كان إبراهيم عليه السّلام غيوراً، وأنا أغير منه .
3ـ إذا أصبح عند الصباح، مسح على رؤوس ولده وولدِ ولدهِ.
4ـ من سننه صلّى الله عليه وآله في الصبي عندما يولد: يسمّيه باسم حسن ـ كأسماء العبودية لله تعالى، وأسماء الأنبياء والأئمّة عليهم السّلام ـ ويحلق رأسه، ويختنه، ويعق عنه.
5ـ إذا أصاب أهله خصاصةٌ ـ فقر وحاجة شديدان ـ قال: قوموا إلى الصّلاة، ويقول: بهذا أمرني ربّي، قال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى .
سننه في آداب المائدة
1ـ كان صلّى الله عليه وآله يأكل أكل العبد، ويجلس جلسة العبد، وكان يأكل على الحضيض ـ القرار من الأرض ـ وينام على الحضيض.
2ـ يتّكي عند الأكل على فخذه الأيسر.
3ـ ما قُدم له صلّى الله عليه وآله طعامُ فيه تمر إلاّ بدأ به.
4ـ يأكل مع أهله وخدمه، ومع من يدعوه من المسلمين إلاّ أن ينزل بهم ضيفٌ، فيأكل مع ضيفه.
5ـ أحبُ الطّعام إليه ما تكاثرت عليه الأيدي.
6ـ يحمد الله بين كُلّ لقمتين.
7ـ إذا أفطر عند قوم قال: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الأخيار.
8ـ إذا شرب تنفّس ثلاثاً، مع كُلّ واحدة منها تسمية إذا شرب، يسمّي باسم الله تعالى قبل الشرب، وتحميدٌ إذا انقطع، ولا يتنفّس في الإناء، بل يبعده عن فمه، ثمّ يتنفس صلّى الله عليه وآله.
9ـ إذا شرب يمص الماء مصّاً، ولا يعبه عبّاً.
10ـ يأكل ما وجد، وهذا دليل القناعة والشكر والأدب.
11ـ يُحب من اللحم الذراع، ويُعجبه العسل، ويأكُلُ العنب حبّة حبّة، ويأكل البطيخ والرمان، ويأكل التمر ويشرب عليه الماء.
12ـ كان صلّى الله عليه وآله تمريّاً، وهكذا كُلّ الأئمّة عليهم السّلام.
13ـ إذا أكل سمّى، ويأكُلُ ما قرب منه من الطّعام، ولا يأخذُ الذي أمام غيره، ويأكل بثلاث أصابع ـ الإبهام والسبابة والوسطى ـ وكان لا يأكُلُ وحده.
14ـ ما ذمّ طعاماً أبداً، فإذا أعجبه أكله، وإذا كرهه تركه، ولا يُحرمه على غيره.
15ـ إذا فرغ لعق أصابعه الثلاث التي أكل بها، وكان يلطع القصعة، ولا يأكل وحده ما أمكنه ذلك.
16ـ لا يأكل الطّعام الحار حتّى يبرد.
17ـ يتوضّأ قبل الطّعام.
18ـ يغسل اليدين قبل الطّعام وبعده.
19ـ إذا أتاه الضيف أكل معه، ولم يرفع يده من السفرة حتّى يرفع الضيف يده، أي لا يمتنع عن الطّعام وضيفه يأكل لوحده، لئلا يستوحش أو يخجل أو يكف وهو لم يشبع بعد.
سننه في الأموات ومتعلّقاتها
1ـ إذا تبع جنازة غلبته كآبةُ، وأكثر حديث النفس، وأقلّ الكلام.
2ـ إذا أُصيب بمصيبة قام فتوضّأ وصلّى ركعتين، وقال: اللهم قد فعلت ما أمرتنا، فانجز لنا ما وعدتنا من استجابة الدعاء والتصبّر.
3ـ من سننه صلّى الله عليه وآله رش الماء على القبر، ويبدأ من الرأس إلى الرجل، ثمّ يدور حول القبر من الجانب الآخر، ثمّ يرش على وسط القبر.
4ـ من سننه صلّى الله عليه وآله رفع القبر أربع أصابع مفروجة، وأن يكون مسطّحاً لا مسنماً، أي بأن يكون مائلاً منحنياً.
5ـ من سننه صلّى الله عليه وآله صناعةُ الطّعام لأهل المصيبة ثلاثة أيّام، تُرسلُ إليهم، وأمّا الأكل عندهم فهو من عمل الجاهلية.
سننه في الصّلاة
1ـ إذا دخل وقتُ الصّلاة، كأنّه لا يعرف أهلاً ولا حميماً، فلا ينشغل بشيء عن إقامة الصّلاة
2ـ إذا قام إلى الصّلاة كأنّه ثوب ملقى لخشوعه، فلا يتحرّك منه إلاّ ما حرّكته الريح.
3ـ يوصي بتسوية الصفوف في صلاة الجماعة ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم.
سننه في السّفر
1ـ يحمل معه في السّفر: المرآة، والمِكحلة، والمسواك، والمقراض، والمشط، وقارورة الطيب، وإبرة وخيوط.
2ـ إذا مشى يخطو تكفؤاً، فلا يتبختر ويتقلع، ومشى مشياً يعرف أنّه ليس بعاجز ولا كسلان.
3ـ إذا سلك طريقاً لم يرجع فيه، يذهب من طريق ويرجع من آخر.
4ـ كان صلّى الله عليه وآله في سفره إذا هبط سبّح، وإذا صعد كبّر.
5ـ لا يرتحل من مكان ما إلاّ وصلّى عنده ركعتين، ليشهد عليه بالصلاة.
6ـ إذا ودّع المؤمنين دعا لهم بالسّلامة والغنيمة، وممّا قاله: زوّدكم الله بالتقوى، ووجهكم إلى كُلّ خير، وقضى لكم كُلّ حاجةٍ، وسلم دينكم ودنياكم، وردّكم إليّ سالمين .
7ـ يكره أن يسافر الرجل في غير رفقة.
سننه في الملابس
1ـ أكثر ثيابه البيض، وتعجبه الثياب الخضر.
2ـ كان صلّى الله عليه وآله يحث أمّته على النظافة ويأمر بها.
3ـ له عدّة خواتم وكان يتختّم باليمين.
4ـ يكره السوداء إلاّ في ثلاث: العمامة والخف والكساء.
5ـ يلبس نعل اليمين قبل اليسار، يخلع اليسار قبل اليمين.
6ـ له ثوب للجمعة خاصّة، يتزّين به لأنّه يوم عيد، فيميّزه عن غيره من الأيّام.
كلماته القصار صلّى الله عليه وآله
1- قال صلّى الله عليه وآله: إنما بُعِثتُ لأتمِّم مكارم الأخلاق .
2- وقال صلّى الله عليه وآله: أنا مدينة العلم وعليٌّ بابُها .
3- وقال صلّى الله عليه وآله: أحبُّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قلَّ .
4- وقال صلّى الله عليه وآله: بالبرِّ يستعبد الحرُّ .
5- وقال صلّى الله عليه وآله: بادر بأربع قبل أربع: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك .
6- وقال صلّى الله عليه وآله: ثلاث تقسي القلب: استماع اللهو، وطلب الصيد، واتيان باب السلطان .
7- وقال صلّى الله عليه وآله: جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها .
8- وقال صلّى الله عليه وآله: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا .
9- وقال صلّى الله عليه وآله: حب الدّنيا رأس كُلّ خطيئة .
10- وقال صلّى الله عليه وآله: رأس الحكمة مخافة الله .
11- وقال صلّى الله عليه وآله: سادة النّاس في الدّنيا الأسخياء، سادة النّاس في الآخرة الأتقياء .
12- وقال صلّى الله عليه وآله: السعيد من وُعظ بغيره .
13- وقال صلّى الله عليه وآله: شر النّاس من باع آخرته بدنياه، وشرٌ من ذلك من باع آخرته بدنيا غيره .
14- وقال صلّى الله عليه وآله: طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب النّاس .
15- وقال صلّى الله عليه وآله: عليك بالجماعة فإن الذئب يأخذ القاصية .
16- وقال صلّى الله عليه وآله: عجبت لمن يحتمي من الطّعام مخافة الداء، كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار .
17- وقال صلّى الله عليه وآله: الغني غني النفس .
18- وقال صلّى الله عليه وآله: كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً، ولا تكن الخامس فتهلك .
19- وقال صلّى الله عليه وآله: لا مال أعود من العقل .
20- وقال صلّى الله عليه وآله: لا فقر أشد من الجهل .
21- وقال صلّى الله عليه وآله: من أحب قوماً حشر معهم .
22- وقال صلّى الله عليه وآله: من يصلح ما بينه وبين الله يصلح الله ما بينه وبين النّاس .
23- وقال صلّى الله عليه وآله: ما هلك امرؤ عرف قدر نفسه .
24- وقال صلّى الله عليه وآله: مداراة النّاس نصف الإيمان والرفق بهم نصف العيش .
25- وقال صلّى الله عليه وآله: يسِّروا ولا تعسِّروا .
26- وقال صلّى الله عليه وآله: يطبع المؤمن على كُلّ خصلة ولا يطبع على الكذب ولا على الخيانة .
أدعيته القصيرة صلّى الله عليه وآله
1- من دعائه صلّى الله عليه وآله في شهر رمضان بعد الصّلاة الواجبة:
اللهمَّ أدخل على أهل القبور السرور، اللهم أغنِ كُلّ فقير، اللهم أشبع كُلّ جائع، اللهم اكسُ كُلّ عريان، اللهم اقضِ دين كُلّ مدين، اللهم فرِّج عن كُلّ مكروب، اللهم رُدَّ كُلّ غريب، اللهم فك كُلّ أسير، اللهم أصلح كُلّ فاسد من أمور المسلمين، اللهم اشفِ كُلّ مريض، اللهم سُدَّ فقرنا بغناك، اللهم غيِّر سوء حالنا بحسن حالك، اللهم اقضِ عنا الدين وأغننا من الفقر إنَّك على كُلّ شيء قدير .
2- دعاؤه صلّى الله عليه وآله يوم بدر:
اللهم أنت ثقتي في كُلّ كرب، وأنت رجائي في كُلّ شدَّة، وأنت لي في كُلّ أمر نزل بي ثقة وعُدَّة، كم من كرب يضعف عنه الفؤاد وتقلُّ فيه الحيلة، ويخذل فيه القريب، ويشمت به العدو، وتُعييني فيه الأُمور، أنزلته بك وشكوته إليك راغباً فيه إليك عمن سواك ففرَّجته وكشفته عني وكفيتنيه، فأنت ولي كُلّ نعمة، وصاحب كُلّ حاجة، ومنتهى كُلّ رغبة، فلك الحمد كثيراً ولك المنُّ فاضلاً .
3- دعاؤه صلّى الله عليه وآله يوم الأحزاب:
يا صريخ المكروبين، ويا مجيب دعوة المضطرين، اكشف عني همي وغمي وكربي، فإنَّك تعلم حالي وحال أصحابي، فاكفني حول عدوي فإنه لا يكشف ذلك غيرك .
4- دعاء علّمه صلّى الله عليه وآله لبعض أصحابه يتَّقي به شرَّ العدو:
يا سامع كُلّ صوت، يا محيي النفوس بعد الموت، يا من لا يعجل لأنه لا يخاف الفوت، يا دائم الثبات، يا مخرج النبات، يا محيي العظام الرميم الدارسات، بسم الله، اعتصمت بالله، وتوكلت على الحي الذي لا يموت، ورميت كُلّ من يؤذيني بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
5 - دعاؤه صلّى الله عليه وآله لقضاء الدين، علمه للإمام علي عليه السّلام
اللهم اغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك.
6- دعاؤه صلّى الله عليه وآله إذا وضعت المائدة بين يديه:
سبحانك اللهم ما أحسن ما تبتلينا، سبحانك اللهم ما أكثر ما تعطينا، سبحانك اللهم ما أكثر ما تعافينا، اللهم أوسع علينا وعلى فقراء المؤمنين والمسلمين .
الرجوع إلى الأعلى
لباسه صلّى الله عليه وآله
عن الإمام الصّادق عليه السّلامقال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يلبس من القلانس اليمنية والبيضاء والمضرّبة وذات الأُذنين في الحرب، وكانت عمامته السحاب، وكان له برنس يتبرنس به .
وكان صلّى الله عليه وآله إذا لبس ثوباً جديداً قال: الحمد لله الذي كساني ما يواري عورتي، وأتجمّل به في النّاس، وكان إذا نزعه نزع من مياسره أوّلاً.
وكان صلّى الله عليه وآله من فعله إذا لبس الثوب الجديد حمد الله، ثمّ يدعو مسكيناً فيعطيه خلقانه ثمّ يقول: ما من مسلم يكسو مسلماً من سمل ثيابه لا يكسوه إلاّ الله عزّ وجلّ إلاّ كان في ضمان الله وحرزه وحيّزه ما واراه حيّاً وميّتاً .
وكان صلّى الله عليه وآله إذا لبس ثيابه واستوى قائماً قبل أن يخرج قال: اللّهم بك استترت، وإليك توجّهت، وبك اعتصمت، وعليك توكّلت، اللّهم أنت ثقتي، وأنت رجائي، اللّهم اكفني ما أهمّني وما لا أهتمّ به، وما أنت أعلم به منّي، عزّ جارك وجلّ ثناؤك، ولا إله غيرك، اللّهم زوّدني التقوى، واغفر لي ذنبي، ووجّهني للخير حيث ما توجّهت، ثمّ يندفع لحاجته.
فراشه صلّى الله عليه وآله
عن الإمام علي عليه السّلام قال: كان فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله عباءة، وكانت مرفقته أُدم حشوها ليف فثنيّت ذات ليلة، فلمّا أصبح قال: لقد منعني اللّيلة الفراش الصّلاة، فأمر صلّى الله عليه وآله أن يجعل بطاق واحد، وتفرش له حيثمّا انتقل، وكان صلّى الله عليه وآله له بساط من شعر يجلس عليه وربّما صلّى عليه.
نعله صلّى الله عليه وآله
كان صلّى الله عليه وآله إذا لبس بدأ باليمنى، وإذا خلع بدأ باليسرى، وكان يأمر بلبس النعلين جميعاً وتركهما جميعاً كراهة أن يلبس واحدة دون أُخرى، وكان يلبس من الخفاف من كُلّ ضرب.
نومه صلّى الله عليه وآله
كان صلّى الله عليه وآله ينام على الحصير ليس تحته شيء غيره، وإذا آوى إلى فراشه اضطجع على شقّه الأيمن، ووضع يده اليمنى تحت خدّه الأيمن، ثمّ يقول: اللَّهم قني عذابك يوم تبعث عبادك .
وكان صلّى الله عليه وآله له أدعية يقولها إذا أخذ مضجعه منها: اللَّهم إنّي أعوذ بك بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، اللّهم إنّي لا أستطيع أن أبلغ في الثناء عليك ولو حرصت أنت كما أثنيت على نفسك .
وكان صلّى الله عليه وآله يقول عند منامه: بسم الله أموت وأحيا وإلى الله المصير، اللّهم آمن روعتي، واستر عورتي، وأدّ عنّي أمانتي، وكان صلّى الله عليه وآله يقرأ آية الكرسي عند منامه.
وعن الإمام الباقر عليه السّلامقال: ما استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وآله من نوم قطّ إلاّ خرّ لله عزّ وجلّ ساجداً، وكان ممّا يقول إذا استيقظ: الحمد لله الذي أحياني بعد موتي، إنّ ربيّ لغفور شكور.
وأيضاً كان يقول: اللّهم إنّي أسألك خير هذا اليوم ونوره وهداه وبركته وطهوره ومعافاته، اللّهم إنّي أسألك خيره وخير ما فيه، وأعوذ بك من شرّه وشرّ ما بعده .
سواكه صلّى الله عليه وآله
كان صلّى الله عليه وآله يستاك كُلّ ليلة ثلاث مرات: مرّة قبل نومه، ومرّة إذا قام من نومه إلى وروده، ومرّة قبل خروجه إلى صلاة الصّبح، وكان يستاك بالأراك أمر بذلك جبرائيل، وقال صلّى الله عليه وآله: لقد أُمرت بالسّواك حتّى خشيت أن يكتب عليَّ .
عبادته صلّى الله عليه وآله في غار حراء
كانت عند العرب بقايا من الحنيفية، التي ورثوها من دين النّبيّ إبراهيم عليه السّلام، فكانوا - مع ما هم عليه من الشرك - يتمسكون بأمور صحيحة، توارثها الأبناء عن الآباء.
وكان بعضهم أكثر تمسكاً بها من بعض، بل كانت قِلَّة منهم تعاف وترفض ما كان عليه قومها من الشرك، وعبادة الأوثان، وأكل الميتة، ووأد البنات، ونحو ذلك من العادات التي لم يأذن بها الله، ولم يأت بها شرع حنيف.
وكان من تلك الطائفة ورقة بن نوفل، وزيد بن نفيل، ورسولنا صلّى الله عليه وآله.
والذي أمتاز عن غيره بإعتزاله صلّى الله عليه وآله النّاس للتعبُّد، والتفكُّر في غار حِرَاء، فما هو خبره صلّى الله عليه وآله في هذا الشأن؟، هذا ما سنقف عليه في المقال التالي:
كان النّبيّ صلّى الله عليه وآله يتأمَّل منذ صغره، ما كان عليه قومه من العبادات الباطلة، والأوهام الزائفة، التي لم تجد سبيلاً إلى نفسه، ولم تلقَ قبولاً في عقله.
وذلك بسبب ما أحاطه الله من رعاية، وعناية، لم تكن لغيره صلّى الله عليه وآله من البشر، فبقيت فطرته على صفائها، تنفر من كُلّ شيء غير ما فطرت عليه.
هذا الحال الذي كان عليه صلّى الله عليه وآله دفع به إلى إعتزال قومه، وما يعبدون من دون الله، وحبَّب الله إليه عبادته بعيداً عن أعين قومه، وما كانوا عليه من عبادات باطلة، وأوهام زائفة.
فكان صلّى الله عليه وآله يأخذ طعامه، وشرابه، ويذهب إلى غار حِرَاء، كما ثبت في الحديث المُتَّفَق عليه، أنه صلّى الله عليه وآله قال: جاورت بِحِرَاء شهراً .
وحِراء هو غار صغير، في جبل النور، على بعد ميلين من مكة، فكان صلّى الله عليه وآله يقيم فيه الأيام والليالي ذوات العدد.
وكان اختياره لهذه العزلة، والانقطاع عن النّاس بعض الوقت، من الأسباب التي هيَّأها الله تعالى له، لِيعدَّه لما ينتظره من الأمر العظيم، والمهمّة الكبيرة التي سيقوم بها، وهي إبلاغ رسالة الله تعالى للناس أجمعين.
واقتضت حكمة الله تعالى أن يكون أول ما نَزَّل عليه صلّى الله عليه وآله الوحيَ في هذا الغار.
فهذا ما كان من أمر تعبده صلّى الله عليه وآله، وإعتزاله قومه، وما كانوا عليه من العبادات والعادات.
وقد أحاطه الله سبحانه بعنايته ورعايته، وهيَّأ له الأسباب التي تعدّه لحمل الرسالة للعالمين.
وهو صلّى الله عليه وآله في حالِهِ التي ذكرنا ينطبق عليه، قوله تعالى في حق موسى عليه السّلام: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي طه:93.
إنّه الإعداد لأمر عظيم، تنوء الجبال بحمله، إنها الأمانة التي كان يُعدُّ صلّى الله عليه وآله لحملها إلى النّاس أجمعين، ليكون عليهم شهيداً يوم القيامة، تحقيقاً لقوله تعالى: وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ . النحل: 89.
فجزاه الله عن أمته، وعن العالمين خير الجزاء، وجمعنا معه صلّى الله عليه وآله تحت ظِلِّه، يوم لا ظِلَّ إلا ظِلّه.
فضل الصّلاة على رسول الله صلّى الله عليه وآله
1ـ قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: أكثروا الصّلاة عليّ، فإنّ صلاتكم عليّ مغفرةٌ لذنوبكم .
2ـ قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: من صلّى عليّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي .
3ـ قال سهل بن سعد: قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله فإذا بأبي طلحة، فقام إليه فتلقّاه، فقال: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله إنّي لأرى السرور في وجهك؟ قال صلّى الله عليه وآله: أتاني جبرائيل آنفاً فقال: يا مُحمّد: من صلّى عليك مرّة كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيّئات، ورفع له بها عشر درجات .
4ـ قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: إنّ الله أعطى ملكاً من الملائكة أسماع الخلق، فهو قائم على قبري إلى يوم القيامة، لا يصلّي عليَّ أحد صلاة إلاّ سمّاه باسمه واسم أبيه، وقال: يا مُحمّد صلّى عليك فلان بن فلان، وقد ضمن لي ربّي تبارك وتعالى أنّه أردّ عليه بكلّ صلاة عشراً .
5ـ قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: من ذكرتُ عنده فلم يصلّ عليّ فقد شقي .
6ـ قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: من ذكرتُ عنده فخطئ الصّلاة عليّ خطئ طريق الجنّة.
7ـ قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: البخيل من ذكرتُ عنده فلم يصلّ عليّ .
8ـ قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: لا صلاة لمن لا يصلّي عليّ .
9ـ قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: من صلّى عليّ واحدة، صلّى الله عليه عشراً .
10ـ قال فضالة بن عبيد: سمع رسول الله صلّى الله عليه وآله رجلاً يدعو في الصّلاة، ولم يذكر الله عزّ وجل، ولم يصلّ على النّبيّ، فقال صلّى الله عليه وآله: عجل هذا، ثمّ دعاه وقال له ولغيره: إذا صلّى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثمّ ليصلّ على النّبيّ، ثمّ ليدع بعدما شاء .
ومن المعلوم إن الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وآله يجب أن تقترن بالصلاة على آله الطيبين الطاهرين, وإلا لا صلاة لمن يصلي على النّبيّ صلّى الله عليه وآله ويمسك, وقد وردت روايات صحيحة عند الخاصة والعامة تنص على ذلك,وتنهى عن الصّلاة البتراء، منها:
روى في الكافي عن عبد الله بن ميمون القداح عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: " سمع ابي رجلا متعلقا بالبيت وهو يقول " اللهم صل على مُحمّد " فقال له ابي لا تبترها لا تظلمنا حقنا قل اللهم صل على مُحمّد واهل بيته ".
وجاء في مسند زيد: ولا يسئ الاعتقاد في الزيدية الا من تكون عقيدته أموية في بغضه لآل مُحمّد ومقلديهم. وهذا كتاب الزيدية ونص إمامهم، فهل نصوص الائمة الاربعة غير هذا؟. ومما جرى عليه النّاس ولم يعرفوا سبب ذلك: وهو عدم ذكر آل رسول الله صلّى الله عليه وآله في الكتابة في كتبهم في الصّلاة، وسبب عدم ذكرها ان الاموية شددت في ذكر الآل كما هو مشهور من قتلهم وتشريدهم في البلاد، حتى ان الحجاج منع من التحديث عن علي كرم الله وجهه، حتى كان الحسن البصري وجماعة من التابعين إذا رووا حديثا وكانوا في الجوامع لم يقدروا ان يصرحوا بذكر علي خوفا من سيف الحجاج، فكانوا يقولون: وعن ابي زينب عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم. فجرى النّاس على ذلك من عدم ذكر الآل. والآن بحمد الله، زال المانع وذلك الزمن المخوف، والآن كتب الهند وبعض الكتب المصرية الحديثة وأمثالها الذين اهلها متنورون، صاروا يذكرون الآل في الصّلاة بعد ذكر النّبيّ فيجعلونها من جملة الصّلاة، والصلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم التي لا يذكر فيها الآل تسمى بالصلاة البتراء المنهى عنها كما في الحديث: لا تصلوا علي الصّلاة البتراء. قيل: يارسول الله، وما الصّلاة البتراء؟ قال: ان تصلوا علي ولا تصلوا على آلي. وأخرج الدار قطني والبيهقي في حديث من صلّى علي ولم يصل على اهل بيتي لم تتقبل منه، واخرج مسلم وغيره لما نزل قوله تعالى: ان الله وملائكته يصلون على النّبيّ. الآية. قالوا: يارسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا اللهم صل على مُحمّد وآل مُحمّد. مع ان العلماء كلهم متفقون على مشروع الصّلاة على النّبيّ وآله في التشهد في الصلوات الخمس قبل التسليم، ولكن بين من يجعلها فرضا وهم الامام الشافعي واحمد واهل البيت، وبين من يجعلها سنة وهو أبو حنيفة ومالك.
نقل ابن حجر في الصواعق قول الشافعي:
يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القُرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر إنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له.
فقال: فيحتمل لا صلاة له صحيحة فيكون موافقاً لقوله بوجوب الصّلاة على الآل، ويحتمل لا صلاة كاملة فيوافق أظهر قوليه.
وقال الرازي في تفسيره: إن الدعاء للآل منصب عظيم ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصّلاة وقوله: أللهم صلّ على مُحمّد وآل مُحمّد، و ارحم مُحمّداً وآل مُحمّد. وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل فكل ذلك يدل على أن حب آل مُحمّد واجب. وقال: أهل بيته صلّى الله عليه وآله ساووه في خمسة أشياء: في الصّلاة عليه وعليهم في التشهد. وفي السّلام. والطهارة. وفي تحريم الصدقة. وفي المحبة.
وقال النيسابوري في تفسيره عند قوله تعالى: قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى: كفى شرفا لآل رسول الله صلّى الله عليه وآله وفخرا ختم التشهد بذكرهم والصلاة عليهم في كُلّ صلاة.
وروى محب الدين الطبري في الذخاير، عن جابر رضي الله عنه أنه كان يقول: لو صليت صلاة لم أصل فيها على مُحمّد وعلى آل مُحمّد ما رأيت أنها تقبل.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي أمير المؤمنين عليه السّلام: كُلّ دعاء محجوب حتى يصلّى على مُحمّد وآل مُحمّد.
ومن تفسير الثعلبي: في قوله تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النّبيّ يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما قال: أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا المطيري، حدثنا علي بن حرب، حدثنا أبو الحسن بن أبي الفضل العبدي، حدثنا إسماعيل بن مُحمّد الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا هشيم بن بشير، عن يزيد بن ابي زياد، عن عبد الله بن أبي ليلى حدثني كعب بن عجرة قال: لما نزلت: إن الله وملائكته يصلون على النّبيّ يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما قلنا: يا رسول الله قد علمنا السّلام عليك، فكيف الصّلاة عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على مُحمّد و على آل مُحمّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على مُحمّد وعلى آل مُحمّد كما باركت على ابراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
الصواعق المحرقة فصل الايات، الاية الثانية وفيه: صحح عن كعب بن عجرة قال: لما نزلت هذه الاية قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك. فقال. قولوا اللهم صل على مُحمّد وعلى آل مُحمّد إلى آخره، فسؤالهم بعد نزول الاية واجابتهم باللهم صلّى على مُحمّد وعلى آل مُحمّد إلى آخره دليل ظاهر على أن الامر بالصلاة على أهل بيته وبقية آله مراد من هذه الاية والا لم يسألوا عن الصّلاة على أهل بيته وآله عقب نزولها ولم يجابوا بما ذكر، فلما أجيبوا به دل على أن الصّلاة عليهم من جملة المأمور به وأنه صلّى الله عليه وسلم أقامهم في ذلك مقام نفسه لان القصد من الصّلاة عليه مزيد تعظيمه، ومنه تعظيمهم ومن ثمّ لما أدخل من مر في الكساء قال: اللهم إنهم مني وأنا منهم فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك علي وعليهم، وقضية استجابة هذا الدعاء أن الله صلّى عليهم معه فحينئذ طلب من المؤمنين صلاتهم عليهم معه. ويروي: لا تصلوا على الصّلاة البتراء، فقالوا: وما الصّلاة البتراء قال تقولون: اللهم صل على مُحمّد وتمسكون، بل قولوا اللهم صل على مُحمّد وعلى آل مُحمّد.
ومن صحيح: قلنا يا رسول الله أما السّلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصّلاة عليك؟ فقال صلّى الله عليه وآله: قولوا: اللهم صل على مُحمّد وعلى آل مُحمّد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم.
وعن جعفر الصّادق قال في تفسير إن الله وملائكته يصلون على النّبيّ : الصّلاة من الله عزوجل رحمة للنبي صلّى الله عليه وآله، ومن الملائكة تزكية ومدحهم له، ومن المؤمنين دعاء منهم له.
وقد أفرد سماحة الشخ عبد الكريم العقيلي كتاباً خاصاً بكيفية الصّلاة على مُحمّد وآل مُحمّد، ذكر فيه الأسرار المكنونة في الصّلاة على مُحمّد وآل مُحمّد، وذلك عن طريق المأثور من الروايات والأخبار الواردة في فضل الصّلاة، بل وجوبها.
كيفية صلاة الإمام أمير المؤمنين على رسول الله صلوات الله عليهم
ذكر الشيخ الكليني أعلى الله مقامه الشّريف في كتاب الرّوضة من الكافيإن الإمام أمير المؤمنين خطب في النّاس في يوم الجمعة وصلّى على رسول الله حيث قال:
اِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النّبيّ يا اَيُّها الَّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْليماً، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحمّد وَآلِ مُحمّد، وَبارِكْ عَلى مُحمّد وَآلِ مُحمّد، وَتَحَنَّنْ عَلى مُحمّد وَآلِ مُحمّد، وَسَلِّمْ عَلى مُحمّد وَآلِ مُحمّد، كَاَفْضَلَ ما صَلَّيْتَ وَبارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ وَتَحَنَّنْتَ وَسَلَّمْتَ عَلى اِبْراهيمَ وَآلِ اِبْراهيمَ اِنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ اَللّـهُمَّ اَعْطِ مُحمّدا الْوَسيلَةَ وَالشَّرَفَ وَالْفَضيلَةَ وَالْمَنْزِلَةَ الْكَريمَةَ، اَللّـهُمَّ اجْعَلْ مُحمّداً وَآلَ مُحمّد اَعْظَمَ الْخَلائِقِ كُلِّهِمْ شَرَفاً يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَاَقْرَبَهُمْ مِنْكَ مَقْعَداً، وَاَوْجَهَهُمْ عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيامَةِ جاهاً وَاَفْضَلَهُمْ عِنْدَكَ مَنْزِلَةً وَنَصيباً، اَللّـهُمَّ اَعْطِ مُحمّداً اَشْرَفَ الْمَقامِ، وَحِباءَ السّلام، وَشَفاعَةَ الاِْسْلامِ، اَللّـهُمَّ وَاَلْحِقْنا بِهِ غَيْرَ خَزايا وَلا ناكِثينَ وَلا نادِمينَ وَلا مُبَدِّلينَ، اِلـهَ الْحَقِّ آمينَ.
فترة نبوته صلّى الله عليه وآله
وكانت فترة نبوته صلّى الله عليه وآله 23 عاماً
عمره الشّريف صلّى الله عليه وآله
كان عمره الشّريف صلّى الله عليه وآله 63 عاماً
تاريخ ومحل شهادته صلّى الله عليه وآله
استشهد صلّى الله عليه وآله في 28 صفر، في سنة 11 للهجرة.
وذكر جمع من أصحابنا منهم الشيخ في التهذيب والعلامة في المنتهى انه قبض صلّى الله عليه وآله مسموماً.
موضع قبره صلّى الله عليه وآله
وقبره صلّى الله عليه وآله بالمدينة في حجرته التي توفى فيها، فلما قبض صلّى الله عليه وآله اختلف أهل بيته ومن حضر من أصحابه، في الموضع الذي ينبغي أن يدفن فيه: فقال بعضهم: يدفن بالبقيع. وقال آخرون: يدفن في صحن المسجد. فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: إن الله تعالى لم يقبض نبيه عليه السّلام إلا في أطهر البقاع، فينبغي أن ندفنه في البقعة التي قبض فيها. فاتفقت الجماعة على قوله، ودفن في حجرته على ما ذكرناه.
أوصياؤه صلّى الله عليه وآله
وهمُ الأئمة المعصومون الإثنا عشر عليهم السّلام أمير المُؤمِنين عَلي بن أَبي طَالب والحَسَن بن عَلي السبط والحُسين بن عَلي الشهيد وعَلي بن الحُسين زين العابدين و مُحمّد بن عَلي الباقر و جَعفَر بن مُحمّد الصّادق ومُوسَى بن جَعفَر الكاظم وعَلي بن مُوسَى الرضا ومُحمّد بن عَلي الجواد وعَلي بن مُحمّد الهادي والحَسَن بن عَلي العسكري والحجة بن الحسن المنتظر صلوات الله عليهم أجمعين.
راجع سيرة المعصومين صلوات الله عليهم في موقعنا هذا فسوف تجد فيها المعلومات القيمة، فإذا اتبعت ما جاء فيها فسوف تفوز بالقدح المعلى وتحشر إن شاء الله تعالى في الجنان العلى.
أحاديث في عظمته صلّى الله عليه وآله
عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام في حديث طويل قال: إذا كان يوم القياصة فأول قائم من قبره الناطق الصّادق المشفق مُحمّد المصطفى فيأتيه جبرئيل بالبراق وميكائيل بالتاج، وإسرافيل بالقصب ورضوان بحلتين ثمّ ينادي جبرئيل أين قبر مُحمّد فتقول الأرض حملتني الرياح مع الجبال فدكتني دكة واحدة فلا أدري أين قبر مُحمّد فيرتفع من قبره عمود من نور إلى عنان السّماء فيبكي جبرئيل بكاء ا شديدا فيقول له ميكائيل وما يبكيك فيقول له أو تمنعني من البكاء وهذا مُحمّد يقوم من قبره ويسألني عن أمته وانا ادري اين أمته قال: ثمّ ينصدع القبر فإذا مُحمّد قاعدا وينفض التراب عن رأسه ولحيته ثمّ يلتفت يمينا وشمالا فلا يرى من العمران شيئا فيقول يا جبرائيل بشرني فيقول ابشرك بالبراق السباق والطائر في الآفان فيقول بشرني فيقول أبشرك بالتاج فيقول بشرني فيقول أبشرك بالقصب والحلتين فيقول بشرني بأمتي لعلك خلفتهم بين أطباق النيران ما رأيتهم وانهم بعدهم في لحود.
وعن سعيد بن المسيب عن ابن عباس رفعه: أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السّلام: يا عيسى آمن بمُحمّد، وأمر أمتك أن يؤمنوا به فلولا مُحمّد ما خلقت آدم و لو لا مُحمّد ما خلقت الجنة ولا النار ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتب عليه " لا إله إلا الله م ح " - يعني نصف اسم مُحمّد - فسكن.
وعن علي عليه السّلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أنا واردكم على الحوض وأنت يا علي الآمر، والحسن والحسين الساقي.
وعن حماد، عن أبي عبد الله عليه السّلام وذكر رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ما برأ الله نسمة خيرا من مُحمّد صلّى الله عليه وآله.
وعن عبد الله بن مُحمّد بن أخي حماد الكاتب، عن الحسين بن عبد الله قال: قلت لابي عبد الله عليه السّلام: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله سيد ولد آدم؟ فقال: كان والله سيد من خلق الله، وما برأ الله برية خيرا من مُحمّد صلّى الله عليه وآله.
وعن مرازم، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: قال الله تبارك وتعالى: يا مُحمّد إني خلقتك وعليا نورا يعني روحا بلا بدن قبل أن أخلق سماواتي وأرضي و عرشي وبحري فلم تزل تهللني وتمجدني، ثمّ جمعت روحيكما فجعلتهما واحدة فكانت تمجدني وتقدسني، وتهللني، ثمّ قسمتها ثنتين وقسمت الثنتين ثنتين فصارت أربعة مُحمّد واحد وعلي واحد والحسن والحسين ثنتان، ثمّ خلق الله فاطمة من نور ابتدأها روحا بلا بدن، ثمّ مسحنا بيمينه فأفضى نوره فينا.
وعن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول أوحى الله تعالى إلى مُحمّد صلّى الله عليه وآله إني خلقتك و لم تك شيئا ونفخت فيك من روحي كرامة مني أكرمتك بها حين أوجبت لك الطاعة على خلقي جميعا، فمن أطاعك فقد أطاعني ومن عصاك فقد عصاني وأوجبت ذلك علي وفي نسله، ممن اختصصته منهم لنفسي.
وعن مُحمّد بن سنان قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السّلام فأجريت اختلاف الشيعة، فقال: يا مُحمّد إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفردا بوحدانيته ثمّ خلق مُحمّدا وعليا وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثمّ خلق جميع الاشياء، فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوض أمورها إليهم، فهم يحلون ما يشاؤون ويحرمون ما يشاؤون ولن يشاؤوا إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى، ثمّ قال: يا مُحمّد هذه الديانة التي من تتدينها مرق ومن تخلف عنها محق، ومن لزمها لحق، خذها إليك يا مُحمّد.
وعن صالح بن سهل عن أبي عبد الله عليه السّلام أن بعض قُريش قال لرسول الله صلّى الله عليه وآله: بأي شئ سبقت الأنبياء وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟ قال: إني كنت أول من آمن بربي وأول من أجاب حين أخذ الله ميثاق النّبيّين " وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى " فكنت أنا أول نبي قال بلى، فسبقتهم بالاقرار بالله.
ثواب زيارته صلّى الله عليه وآله
جاء في كامل الزيارات، عن عبد الله بن سنان، عن ابي عبد الله عليه السّلام، قال: بينما الحسين بن علي عليهما السّلام في حجر رسول الله صلّى الله عليه وآله، إذ رفع رأسه فقال له: يا ابة ما لمن زارك بعد موتك، فقال: يا بني من اتاني زائرا بعد موتي فله الجنة، ومن أتى اباك زائرا بعد موته فله الجنة، ومن أتى أخاك زائرا بعد موته فله الجنة، ومن اتاك زائرا بعد موتك فله الجنة
عن المعلى بن ابي شهاب، عن ابي عبد الله عليه السّلام، قال: قال الحسين عليه السّلام لرسول الله صلّى الله عليه وآله: ما جزاء من زارك، فقال: يا بني من زارني حيا أو ميتا أو زار اباك أو زار اخاك أو زارك، كان حقا علي ان ازوره يوم القيامة حتى اخلصه من ذنوبه.
وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا علي من زارني في حياتي أو بعد موتي، أو زارك في حياتك أو بعد موتك، أو زار ابنيك في حياتهما أو بعد موتهما، ضمنت له يوم القيامة ان اخلصه من أهوالها وشدائدها، حتى اصيره معي في درجتي.
وعن ابي عبد الله عليه السّلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
من اتاني زائرا كنت شفيعه يوم القيامة.
وعن ابن ابي نجران، قال: قلت لابي جعفر الثاني عليه السّلام: جعلت فداك ما لمن زار رسول الله صلّى الله عليه وآله متعمدا، قال: له الجنة.
وعن عبد الرحمان بن ابي نجران، قال: سألت ابا جعفرعليه السّلام عمن زار قبر النّبيّ صلّى الله عليه وآله قاصدا، قال: له الجنة.
وعن ابي جعفر الثاني عليه السّلام، قال: قلت: ما لمن زار رسول الله صلّى الله عليه وآله متعمدا، قال: يدخله الله الجنة ان شأ الله.
وعن عامر بن عبد الله، قال: قلت لابي عبد الله عليه السّلام: اني زدت جمالي دينارين أو ثلاث، على ان يمر بي إلى المدينة، فقال: قد احسنت ما ايسر هذا، تأتي قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وتسلم عليه،اما انه يسمعك من قريب ويبلغه عنك من بعيد.
وعن ابي حجر الاسلمي، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من أتى مكة حاجا ولم يزرني بالمدينة جفوته يوم القيامة، ومن زارني زائرا وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة، ومن مات في احد الحرمين مكة أو المدينة لم يعرض إلى الحساب، ومات مهاجرا إلى الله، وحشر يوم القيامة مع اصحاب بدر.
عن علي بن الحسين عليهما السّلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر الي في حياتي، فان لم تستطيعوا فابعثوا الي السّلام، فانه يبلغني.
وعن المعلى بن ابي شهاب، عن ابي عبد الله عليه السّلام، قال: قال الحسين بن علي عليهما السّلام لرسول الله صلّى الله عليه وآله: يا أبتاه ما جزأ من زارك، فقال صلّى الله عليه وآله: يا بني من زارني حيا أو ميتا كان حقا علي ان ازوره يوم القيامة، واخلصه من ذنوبه.
وعن الفضيل بن يسار، عن ابي جعفر عليه السّلام، قال: ان زيارة قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله تعدل حجة مع رسول الله مبرورة.
كيفية زيارة قبره الشّريف، والدعاء عنده صلّى الله عليه وآله
نقل ابن قولويه في كامل الزيارات والكليني في الكافي والصدوق في من لايحضره الفقيه والطوسي في المصباح والتهذيب والسيد ابن طاووس في جمال الاسبوع والاقبال زيارات عديدة لرسول الله صلّى الله عليه وآله، منها:
عن الحسين بن الحسن بن ابان، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن ايوب والحسين، عن صفوان وابن ابي عمير جميعا، عن معاوية بن عمار، عن ابي عبد الله عليه السّلام، قال: إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل ان تدخلها، أو حين تريد ان تدخلها، ثمّ تأتي قبر النّبيّ صلّى الله عليه وآله فتسلم على رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ تقوم عند الاسطوانة المقدمة من جانب القبر الايمن عند رأس القبر، وانت مستقبل القبلة ومنكبك الايسر إلى جانب القبر ومنكبك الايمن مما يلي المنبر، فانه موضع رأس النّبيّ صلّى الله عليه وآله وتقول:
اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، وان مُحمّدا عبده ورسوله، واشهد انك رسول الله، وانك مُحمّد بن عبد الله. واشهد انك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لا متك، وجاهدت في سبيل الله، وعبدت الله حتى اتاك اليقين بالحكمة والموعظة الحسنة، واديت الذي عليك من الحق، وانك قد رؤفت بالمؤمنين وغلظت على الكافرين، فبلغ الله بك افضل شرف محل المكرمين، الحمدلله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة. اللهم اجعل صلواتك وصلوات ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وانبيائك المرسلين، واهل السماوات والأرضين، ومن سبح لك يا رب العالمين من الاولين والاخرين على مُحمّد عبدك ورسولك، ونبيك وامينك، ونجيك وحبيبك، وصفيك وخاصتك، وصفوتك وخيرتك من خلقك. اللهم واعطه الدرجة والوسيلة من الجنة، وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الاولون والاخرون. اللهم انك قلت: ولو انهم إذ ظلموا انفسهم جأوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرّسول لوجدوا الله توابا رحيما، واني اتيت نبيك مستغفرا تائبا من ذنوبي، واني اتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة مُحمّد صلّى الله عليه واله، يا مُحمّد اني اتوجه بك إلى الله ربي وربك ليغفر لي ذنوبي.
وان كانت لك حاجة فاجعل قبر النّبيّ صلّى الله عليه وآله خلف كتفيك واستقبل القبلة وارفع يديك، وسل حاجتك، فانه احرى ان تقضى ان شأ الله.
زيارته صلّى الله عليه وآله عن بعد
في حديث عن الصّادق عليه السّلام وذكر زيارة النّبيّ صلوات الله عليه وآله فقال: انه يسمعك من قريب ويبلغه عنك من بعيد، فإذا اردت ذلك فمثل بين يديك شبه القبر واكتب عليه اسمه وتكون على غسل ثمّ قم قائما وقل وانت متخيل بقلبك مواجهته صلّى الله عليه وآله، ثمّ قل:
اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، واشهد ان مُحمّدا عبده ورسوله، وانه سيد الاولين والاخرين، وانه سيد الأنبياء والمرسلين، اللهم صل على مُحمّد وعلى اهل بيته الائمة الطيبين.
ثمّ قل: السّلام عليك يا رسول الله، السّلام عليك يا خليل الله، السّلام عليك يا نبي الله، السّلام عليك يا صفي الله، السّلام عليك يا رحمة الله، السّلام عليك يا خيرة الله، السّلام عليك يا حبيب الله، السّلام عليك يا نجيب الله، السّلام عليك يا خاتم النّبيّين، السّلام عليك يا سيد المرسلين، السّلام عليك يا قائما بالقسط، السّلام عليك يا فاتح الخير، السّلام عليك يا معدن الوحي والتنزيل. السّلام عليك يا مبلغا عن الله، السّلام عليك ايها السراج المنير، السّلام عليك يا مبشر، السّلام عليك يا منذر السّلام عليك يا نور الله الذي يستضاء به، السّلام عليك وعلى اهل بيتك الطيبين الطاهرين الهادين المهديين. السّلام على جدك عبد المطلب وعلى ابيك عبد الله، السّلام على * أمك آمنة بنت وهب، السّلام على عمك حمزة سيد الشهداء، السّلام على عمك عباس بن عبد المطلب السّلام على عمك وكفيلك أبي طالب، [ السّلام على ابن عمك جعفر الطيار في جنان الخلد ]. السّلام عليك يا مُحمّد، السّلام عليك يا احمد، السّلام عليك يا حجة الله على الولين والاخرين، والسابق في طاعة رب العالمين، والمهيمن على رسله والخاتم لأنبيائه، والشاهد على خلقه والشفيع إليه، والمكين لديه، والمطاع في ملكوته، الأحمد من الأوصاف، المُحمّد لسائر الشاراف الكريم عند الرب، والمكلم من وراء الحجب، الفائز بالسباق، والفائت عن اللحاق. تسليم عارف بحقك، معترف بالتقصير في قيامه بواجبك، غير منكر ما انتهى إليه من فضلك، موقن بالمزيدات من ربك، مؤمن بالكتاب المنزل عليك، محلل حلالك محرم حرامك. اشهد يا رسول الله مع كُلّ شاهد واتحملها عن كُلّ جاحد، انك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لامتك وجاهدت في سبيل ربك، وصدعت بأمره واحتملت الأذى في جنبه، ودعوت إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة الجميلة، وأديت الحق الذي كان عليك وأنك قد رؤفت بالمؤمنين وغلظت على الكافرين، وعبدت الله مخلصا حتى أتاك اليقين فبلغ الله بك اشرف محل المكرمين، واعلى منازل المقربين، وارفع درجات المرسلين، حيث لا يلحقك لا حق، ولاى فوقك فائق، ولا يسبقك سابق، ولا يطمع في ادراكك طامع. والحمد لله الذي استنقذنا بك من الهلكة، وهدانا بك من الضلالة، ونورنا بك من الظلمة، فجزاك الله يا رسول الله من مبعوث افضل ما جازى نبيا عن امته ورسولا عمن ارسل إليه. بأبي انت وامي يا رسول الله، زرتك عارفا بحقك، مقرا بفضلك، مستبصرا بضلالة من خالفك وخالف اهل بيتك، عارفا بالهدى الذي انت عليه. بأبي انت وامي ونفسي واهلي ومالي وولدي انا اصلي عليك كما صلّى الله عليك وصلّى عليك ملائكته وانبياؤه ورسوله، صلاة متتابعة وافرة متواصلة، لا انقطاع لها ولا أمد ولا اجل، صلّى الله عليك وعلى اهل بيتك الطيبين الطاهرين كما انتم اهله.
ثمّ ابسط كفيك وقل:
اللهم اجعل جوامع صلواتك ونوامي بركاتك، وفواضل خيراتك وشرائف تحياتك وتسليماتك وكراماتك ورحماتك، وصلوات ملائكتك المقربين وانبياءك المرسلين وائمتك المنتجبين وعبادك الصالحين، واهل السماوات والأرضين، ومن سبح لك يا رب العالمين من الاولين والاخرين، على مُحمّد عبدك ورسولك وشاهدك ونبيك ونذيرك وامينك ونجيبك ونجيك وحبيبك وخليلك، وصفيك وصفوتك، وخاصتك وخالصتك ورحمتك، وخيرتك من خلقك، نبي الرحمة وخازن المغفرة وقائد الخير والبركة، ومنقذ العباد من الهلكة باذنك، وداعيهم إلى دينك القيم بأمرك. اول النّبيّين ميثاقا وآخرهم مبعثا، الذي غمسته في بحر الفضيلة للمنزلة الجليلة، والدرجة الرفيعة، والمرتبة الخطيرة، واودعته الاصلاب الطاهرة، ونقلته منها إلى الارحام المطهرة، لطفا منك له وتحننا منك عليه. إذ وكلت لصوته وحراسته وحفظه وحياطته من قدرتك، عينا عاصمة حجبت بها عنه مدانس العهر، ومعائب السفاح، حتى رفعت به نواظر العباد، واحييت به ميت البلاد، بان كشفت عن نور ولادته ظلم الاستار، والبست حرمك فيه حلل الانوار. اللهم فكما خصصته بشرف هذه المرتبة الكريمة وذخر هذه المنقبة العظيمة، صل عليه كما وفى بعهدك وبلغ رسالاتك، وقاتل اهل الجحود على توحيدك، وقطع رحم الكفر في اعزاز دينك، ولبس ثوب البلوى في مجاهدة اعدائك. واوجب له بكل اذى مسه أو كيد احس به، من الفتنة التي حاولت قتله، فضيلة تفوق الفضائل ويملك الجزيل بها من نوالك، فلقد اسر الحسرة واخفى الزفرة وتجرع الغصة، ولم يتخط ما مثل له وحيك. اللهم صل عليه وعلى اهل بيته، صلاة ترضاها لهم وبلغهم منا تحية كثيرة وسلاما، وآتنا من لدنك في موالاتهم فضلا واحسانا ورحمة وغفرانا، انك ذو الفضل العظيم. ثمّ صل صلاة الزيارة، وهي اربع ركعات تقرأ فيها ما شئت، فإذا فرغت فسبح تسبيح الزهراء عليها السّلام وقل: اللهم إنك قلت لنبيك مُحمّد صلّى الله عليه وآله: ولو انهم إذ ظلموا انفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرّسول لوجودا الله توابا رحيما، ولم احضر زمان رسولك عليه وآله السّلام. اللهم وقد زرته راغبا، تائبا من سيئ عملي، ومستغفر لك من ذنوبي، ومقرا لك بها، وأنت اعلم بها مني، ومتوجها اليك بنبيك نبي الرحمة صلواتك عليه وآله، فاجعلني اللهم بمُحمّد واهل بيته عندك وجيها في الدّنيا والاخرة ومن المقربين. يا مُحمّد يا رسول الله بابي انت وامي يا نبي الله، يا سيد خلق الله، اني اتوجه بك إلى الله ربك وربي ليغفر لي ذنوبي، ويتقبل مني عملي، ويقضي لي حوائجي، فكن لي شفيا عند ربك وربي، فنعم المسئول ربي نعم الشفيع انت. يا مُحمّد، عليك وعلى اهل بيتك السّلام. اللهم واوجب لي منك المغفرة والرحمة والرزق الواسع الطيب النافع، كما اوجبت لمن اتى نبيك مُحمّدا صلواتك عليه وآله وهو حي، فأقر له بذنوبه، واستغفر له رسولك عليه السّلام فغفرت له، برحمتك يا ارحم الراحمين. اللهم وقد املتك ورجوتك وقمت بى يديك ورغبت اليك عمن سواك، وقد املك جزيل ثوابك، واني لمقر غير منكر وتائب اليك مما اقترفت، وعائذ بك في هذا المقام مما قدمت من الاعمال التي تقدمت الي فيها ونهيتني عنها واوعدت عليها العقاب. واعوذ بكرم وجهك ان تقيمني مقام الخزي والذل يوم تهتك فيه الاستار وتبدو فيه الاسرار والفضائح، وترعد فيه الفرائض،، يوم الحسرة والندامة، يوم الافكة، يوم الازفة، يوم التغابن، يوم الفصل، يوم الجزاء، يوما كان مقداره خمسين ألف سنة، يوم النفخة. يوم ترجف الراجفة، تتبعها الرادفة، يوم النشر، يوم العرض، يوم يقوم النّاس لرب العالمين، يوم يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه، يوم تشقق الأرض واكناف السّماء، يوم تأتي كُلّ نفسه تجادل عن نفسها، يوم يردون إلى الله فينبؤهم بما عملوا. يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون، الا من رحم الله انه هو العزيز الرحيم، يوم يردون إلى عالم الغيب والشهادة، يوم يردون إلى الله موليهم الحق، يوم يخرجون من الاجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون، وكأنهم جراد منتشر، مهطعين إلى الداع إلى الله، يوم الواقعة، يوم ترج الأرض رجا، يوم تكون السّماء كالمهل، وتكون الجبال كالعهن، ولا يسئل حميم حميما، يوم الشاهد والمشهود، يوم تكون الملائكة صفا صفا. اللهم ارحم موقفي في ذلك اليوم بموقفي في هذا اليوم، ولا تخزني في ذلك الموقف بما جنيت على نفسي، واجعل يا رب في ذلك اليوم مع اوليائك منطلقي، وفي زمرة مُحمّد واهل بيته عليهم السّلام محشري، واجعل حوضه موردي، وفي الغر الكرام مصدري، واعطني كتابي بيميني حتى افوز بحسناتي، وتبيض به وجهي، وتيسر بي حسابي، وترجح به ميزاني، وامضي مع الفائزين من عبادك الصالحين إلى رضوانك وجنانك، يا اله العالمين. اللهم اني اعوذ بك من ان تفضحني في ذلك اليوم بين يدي الخلائق بجريرتي، أو أن القى الخزي والندامة بخطيئتي، أو ان تظهر سيئاتي على حسناتي، أو ان تنوه بين الخلائق باسمي، يا كريم يا كريم، العفو العفو، الستر الستر. اللهم واعوذ بك من ان يكون في ذلك اليوم في مواقف الاشرار موقفي، أو في مقام الاشقياء مقامي، وإذا ميزت بين خلقك فسقت كلا باعمالهم زمرا إلى منازلهم، فسقني برحمتك في عبادك الصالحين، وفي زمرة اوليائك المتقين إلى جنانك يا رب العالمين.
ثمّ ودعه عليه السّلام وقل:
السّلام عليك يا رسول الله، السّلام عليك ايها البشير النذير، السّلام عليك ايها السراج المنير السّلام عليك ايها السفير بين الله وبين خلقه، اشهد يا رسول الله انك كنت نورا في الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بانجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها. واشهد يا رسول الله انى مؤمن بك وبالائمة من اهل بيتك، موقن بجميع ما اتيت به راض مؤمن، واشهد ان الائمة من اهل بيتك اعلام الهدى والعروة الوثقى والحجة على اهل الدّنيا. اللهم لا تجعله آخر العهد من زيارة نبيك عليه السّلام، وان توفيتنى فاني اشهد في مماتي على ما اشهد عليه في حياتي، انك انت الله لا إله الا انت وحدك لا شريك لك، وان ممدا عبدك ورسولك، وان الائمة من اهل بيته اوليائك وانصارك وحججك على خلقك وخلفاؤك في عبادك، واعلامك في بلادك وخزان علمك وحفظة سرك وتراجمة وحيك. اللهم صل على مُحمّد وآل مُحمّد وبلغ روح نبيك مُحمّدا وآله في ساعتي هذه وفي كُلّ ساعة تحية مني وسلاما، والسّلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، لا جعله الله آخر تسليمي عليك.
كيفية السّلام عليه صلّى الله عليه وآله
عن سعد بن عبد الله، عن احمد ابن مُحمّد بن عيسى ويعقوب بن يزيد وموسى بن عمر، عن احمد بن مُحمّد بن ابي نصر، عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام، قال: قلت: كيف السّلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله عند قبره فقال: تقول: السّلام على رسول الله، السّلام عليك ورحمة الله وبركاته، السّلام عليك يا رسول الله، السّلام عليك يا مُحمّد بن عبد الله، السّلام عليك يا خيرة الله، السّلام عليك يا حبيب الله، السّلام عليك يا صفوة الله، السّلام عليك يا امين الله. اشهد انك رسول الله، واشهد انك مُحمّد بن عبد الله، واشهد انك قد نصحت لا متك، وجاهدت في سبيل الله وعبدته حتى اتاك اليقين، فجزاك الله افضل ما جزى نبيا عن امته، اللهم صل على مُحمّد وال مُحمّد افضل ما صليت على ابراهيم وال ابراهيم، انك حميد مجيد.
عن علي بن جعفر بن مُحمّد، عن اخيه ابي الحسن موسى بن جعفر، عن ابيه، عن جده:، قال: كان علي بن الحسين عليهما السّلام يقف علي قبر النّبيّ صلّى الله عليه وآله ويسلم عليه ويشهد له بالبلاغ، ويدعو بما حضره، ثمّ يسند ظهره إلى المروة الخضرأ الدقيقة العرض مما يلي القبر، ويلتزق بالقبر، ويسند ظهره إلى القبر، ويستقبل القبلة، ويقول: اللهم اليك الجأت امري، وإلى قبر مُحمّد صلّى الله عليه واله عبدك ورسولك اسندت ظهري، والقبلة التي رضيت لمُحمّد صلّى الله عليه واله استقبلت. اللهم اني اصبحت لا املك لنفسي خير ما ارجو لها، ولا ادفع عنها شر ما احذر عليها، واصبحت الا مور بيدك ولا فقير افقر مني، اني لما انزلت الي من خير فقير. اللهم اردني منك بخير، فلا راد لفضلك، اللهم اني اعوذ بك من ان تبدل اسمي، أو تغير جسمي، أو تزيل نعمتك عني. اللهم زيني بالتقوي، وجملني بالنعم، واغمرني بالعافية، وارزقني شكر العافية.
ونقل القاضي ابن البراج في المهذب البارع باباً في كيفية زيارة النّبيّ صلّى الله عليه وآله، حيث قال:
إذا صار عند قبره عليه وآله السّلام، وقف عند الاسطوانة المُقدمة من جانب القبر الأيمن، عند زاويته من رأسه، فيكون منكبه الأيمن مما يلى موضع المنبر، والأيسر إلى جانب القبر، فإذا استقر في وقوفه كما ذكرناه، قال: " أشهد أن لا إله لا الله وحده لا شريك له، واشهد أنّ مُحمّداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله، واشهد أنّك رسول الله، وأنّك مُحمّد بن عبد الله، واشهد أنّك قد بلغت رسالات ربّك، ونصحت لأمتك، وجاهدت في سبيل الله حقّ جهاده، داعياً إلى طاعة الله، وزاجراً عن معصيته، وأنّك لم تزل بالمؤمنين رؤفاً رحيماً، وعلى الكافرين غليظاً حتّى أتاك اليقين، فبلغ الله بك أشرف محل المكرمين. الحمدلله الذي استنقذنا بك من الشّرك والضّلال، اللهم فاجعل صلواتك وصلاة ملائكتك المُقربين، وعبادك الصّالحين، وأنبيائك المُرسلين، وأهل السّماوات والأرضين، ممّن سبّح لك يا ربّ العالمين، من الأولين والآخرين، على مُحمّد عبدك ورسولك ونبيّك وأمينك ونجيبك وحبيبك وصفيك وخاصّتك وصفوتك وخيرتك من خلقك، اللهم ابعثه مقاماً محموداً، يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم إمنحه أشرف محله ومرتبته، وارفعه إلى اسنى درجة ومنزلة، واعطه الوسيلة والفضيلة والرّتبة العالية الجليلة، كما بلّغ ناصحاً، وجاهد في سبيلك، وصبر على الأذى في جنبك وأوضح دينك، وأقام حُججك، وهدى إلى طاعتك، وأرشد إلى مرضاتك، اللهم صلّ عليه وعلى الأئمة الأبرار من ذرّيته، والصّفوة الأخيار من عترته، وسلم عليهم أجمعين تسليماً، اللهم إنّي لا أجد سبيلاً إليك سواهم، ولا أرى شفيعاً مقبول الشّفاعة عندك غيرهم، فبهم أتقرب إلى رحمتك، وبولايتهم أرجو جنّتك، وبالبراءة من أعدائهم آمل الخلاص من عذابك. اللهم فاجعلني بهم عندك وجيهاً في الدّنيا والآخرة، وارحمني يا أرحم الراحمين، ثمّ يستقبل بوجهه النّبيّ صلّى الله عليه وآله، ويجعل القبلة خلف ظهره، والقبر أمامه، ويقول: " السّلام عليك يا نبيّ الله ورسوله صلّى الله عليه وآله، السّلام عليك يا صفوة الله وخيرته من خلقه، السّلام عليك يا أمين الله وحجّته، السّلام عليك يا خاتم النّبيّين وسيّد المُرسلين، السّلام عليك أيها البشير النّذير، السّلام عليك أيّها الدّاعي إلى الله بإذنه والسّراج المُنير. السّلام عليك وعلى أهل بيتك الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهرهم تطهيراً، أشهد أنّك يا رسول الله، آتيت بالحقّ، وقُلت الصّدق، والحمد لله الذي وفقني للإيمان بك، والتّصديق بنبوّتك، ومنّ عليّ بطاعتك وإتباع سبيلك، وجعلني الله من أمّتك والمُجيبين لدعوتك، هداني إلى معرفتك ومعرفة الأئمة من ذرّيتك، أتقرب إلى الله بما يُرضيك، وأبرئ إلى الله ممّا يُسخطك، موالياً لأوليائك، مُعادياً لأعدائك، جئتك يا رسول الله زائراً، وقصدتك راغباً، متوسلاً إلى الله سبحانه، وأنت صاحب الوسيلة، والمنزلة الجليلة، والشّفاعة المقبولة، والدّعوة المسموعة، فاشفع لي إلى الله تعالى في الغفران والرّحمة والتّوفيق والعصمة، فقد غمرت الذّنوب، وشملت العُيوب، وأثقل الظّهر، وتضاعف الوزر، وقد أخبرتنا - وخبرك الصّدق - أنذه تعالى قال - وقوله الحق -: " ولو إنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرّسول لوجدوا الله تواباً رحيماً. وقد جئتك يا رسول الله مستغفراً من ذنوبي، تائباً من معاصي وسيئاتي، وإنّني أتوجه بك إلى الله ربّي وربّك، ليغفر لي ذنوبي، فاشفع لي يا شفيع الأمّة، وأجرني يا نبيّ الرّحمة صلّى الله عليك وعلى آلك الطّاهرين ". ويجتهد في المسألة، ثمّ يستقبل القبلة بعد ذلك بوجهه وهو في موضعه، ويجعل القبر من خلفه، ويقول: اللهم إليك ألجأت أمري، وإلى قبر نبيّك ورسولك أسندت ظهري، وإلى القبلة التي ارتضيتها استقبلت بوجهي، اللهم إني لا أملك لنفسي خيرما أرجو، ولا أدفع عنها سوء ما أحذر، والأمر كُلّها بيدك، فأسألك بحقّ مُحمّد وعترته، وقبره الطّيب المبارك وحرمته أن تصلّي عليه وآله، وأن تغفر لي ما سلف من جرمي، وتعصمني من المعاصي في مستقبل عمري، وتثبت على الإيمان قلبي، وتوسع عليّ رزقي، وتسبغ عليّ النّعم، وتجعل قسمي من العافية أوفر القسم، وتحفظني في أهلي ومالي وولدي وتكلاني من الأعداء، وتحسن لي العافية في الدّنيا، ومنقلبي في الآخرة، اللهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنّك على كُلّ شيئ قدير. ويقرأ سورة: إنّا أنزلناه في ليلة القدر " إحدى وعشرين مرة. ثمّ يزور في الرّوضة مولاتنا السّيدة فاطمة صلوات الله عليها.
زيارته صلّى الله عليه وآله في يوم الجمعة
قال الشّيخ في المِصباح والسّيد في جمال الاسبوع في ضمن أعمال يوم الجمعة: اعلم يستحبّ في يوم الجُمعة زيارة النّبيّ صلّى الله عليه وآله والائمة عليهم السّلام، ورويا عن الصّادق عليه السّلام: انّ من أراد أن يزور قبر رسُول الله وقبر امير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وقبور الحجج عليهم السّلام وهو في بلده فليغتسل في يوم الجمعة وليلبس ثوبين نظيفين وليخرج إلى فلاة من الأرض، وعلى رواية أخرى أفعل ذلك على سطح دارك ً، ثمّ يصلّي أربع ركعات يقرأ فيهنّ ما تيسّر من القُرآن, فاذا تشهّد وسلّم فليقم مستقبل القبلة, وليقل:
السّلام عَلَيْكَ اَيُّهَا النَّبِىُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، السّلام عَلَيْكَ اَيُّهَا النَّبِىُّ الْمُرْسَلُ، وَالْوَصِىُّ الْمُرْتَضى، وَالسَّيِّدَةُ الْكُبْرى، وَالسَّيِّدَةُ الزَّهْراءُ، وَالسِّبْطانِ الْمُنْتَجَبانِ، وَالاَْوْلادُ الاَْعْلامُ، وَالاُْمَناءُ الْمُنْتَجَبُونَ، جِئْتُ اِنْقِطاعاً اِلَيْكُمْ وَإلى آبائِكُمْ وَوَلَدِكُمُ الْخَلَفِ، عَلى بَرَكَةِ الْحَقِّ، فَقَلْبي لَكُمْ مُسَلِّمٌ وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعَدَّةٌ، حَتّى يَحْكُمَ اللهُ بِدينِهِ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُمْ، اِنّي لَمِنَ الْقائِلينَ بِفَضْلِكُمْ، مُقِرٌّ بِرَجْعَتِكُمْ، لا اُنْكِرُ للهِ قُدْرَةً وَلا اَزْعُمُ إلاّ ماشاءَ اللهُ سُبْحانَ اللهِ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، يُسَبِّحُ اللهَ بِاَسْمائِهِ جَميعُ خَلْقِهِ، وَالسّلام عَلى اَرْواحِكُمْ وَاَجْسادِكُمْ، وَالسّلام عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.
- التفاصيل
- المجموعة: سيرة المعصومین وذویهم
نسبه عليه السلام
علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن مرة بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة مدرك بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
والده عليهما السّلام
مؤمن قريش، وشيخ البطحاء، وحامي رسالة سيد الأنام، أبو طالب، وإسمه عبد مناف. ويكفيه فخراً أنه المدافع والمحامي للإسلام في بداية دعوة سيد الأنام صلّى الله عليه وآله حتى عُدّ هذا من المسلّمات عند الفريقين ـ شيعة وسنة ـ ونظرة سريعة الى سيرته تكشف لك ذلك بجلاء، حتى البعض من الذين طبع الله على قلوبهم وأعماهم لا ينكرون هذه الحقيقة، بل يؤولون ذلك بتأويلات واهية نتيجة حقدهم وابتعادهم عن الحق ولكن الحق مهما أثار البعض الغبار عليه يبقى في النتيجة هو الأعلى والاسمى. قال تعالى: ويريدون ان يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون.
أنظر ايدك الله ورعاك وأنار للحق بصرك وبصيرتك الى نقول أبي طالب عليه السلام الدالة على أصالة ايمانه بالله ورسوله. منها قوله الذي يطفح بالتوحيد الصادق والعبودية الخالصة:
مليك الناس ليس له شريك***** هو الوهاب والمبدي المعيد
ومن تـحت السماء له حقّ***** ومن فوق السماء له عـبيد
اسألكم بالله، أبعد هذا الأقرار شبهة، وهذا اليقين شك؟!
وتصفح كذلك قوله بالاقرار بنبوّة محمّد صلّى الله عليه وآله حين يقول:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً***** نبيّاً كموسى خطّ في أوّل الكتبً
وقال أيضاً مخاطباً الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله:
أنـت الـنبي مـحمّد ***** قـرم أغـرّ مـسود
ولقد عهـدتك صادقاً ***** فـي القـول لا تتـزيد
ما زلت تنطق بالصواب ***** وأنـت طـفل أمـرد
وقال يعلن ذبه عن النبي صلّى الله عليه وآله:
لعمري لقد كلّفت وجداً بأحمد ***** وإخوته دأب المحب المواصل
اقيم على نصـر النـبّي محمّد ***** أقـاتل عنه بالقـنا والقنابل
حليم رشيد عـدل غير طائش ***** يوالي إلـهاً ليس عنه بغافل
فايّده رب العـباد بنصره ***** وأظـهر ديـناً حـقّه غير باطلً
أما أقواله وأفعاله التي كان يحض فيها أخاه حمزة وبنيه على نصرة النبيصلّى الله عليه وآله منقولة مشهورة وكذا دفاعه عن النبيصلّى الله عليه وآله ورد كيد الأعداء وما الى ذلك كل هذا الا يدل دلالة صحيحة على عمق إيمانه واخلاصه لله تعالى ولرسوله؟!
وينقل هنا قول الاميني في الغدير بخصوص أبي طالب عليه السّلام نقل الشيخ المفيد قُدّس سرّه ـ مانصه ـ:
فمن الدليل على إيمان أبي طالب عليه السّلام ما اشتهر عنه من الولاية لرسول الله صلّى الله عليه وآله والمحبة والنصرة، وذلك ظاهر معروف لا يدفعه إلا جاهل ولا يجحده الا بهات معاند.
نقل الصدوق في أماليه، عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إن مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف حين أسرّوا الإيمان واظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرتين.
وقال ابن أبي الحديد في حقه:
فإني أعلم أنه لولاه ـ أبو طالب ـ لما قامت للإسلام دعامة. وأعلم أن حقه واجب على كل مسلم في الدنيا الى ان تقوم الساعة، وكتب شعراً:
ولولا أبو طـالبٍ وابنهُ ***** لما مُثل الدين شخصاً فقاما
فـذاك بمـكة آوى وحامى ***** وهذا بيثرب جسّ الحِماما
تكـفّل عبـد مـناف بأمرٍ ***** وأودى فكان عليٌ تماما
فقل في ثبيرمضى بـعدما ***** قضى ماقضاه وأبقى شماما
فـللـه ذا فاتـحاً للـهدى ***** ولله ذا للمـعالي خـتامـا
وما ضر مـجد أبي طالب ***** جـهول لغا أو بصيرٌ تعـامى
كما لا يضرّ إياة الصـباح ***** من ظنّ ضوء النـهار الظلاماً
والدته عليهما السلام
فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية وهي أول هاشمية ولدت هاشمياً من أبوين هاشميين وهي امرأة صالحة هاجرت من مكة الى المدينة ماشية حافية، وهي أوّل إمرأة بايعت الرسول صلّى الله عليه وآله بمكة بعد خديجة عليها السلام.
كُنيته عليه السلام
أبو الحسن ، أبو الحسين ، أبو الحسنين , أبو السبطين ، وغيرها .
ألقابه عليه السلام
أمير المؤمنين ، سيد المسلمين ، إمام المتقين ، قائد الغُرِّ المُحَجَّلِين ، سيد الأوصياء ، سيد العرب ، المرتضى ، يَعْسُوب الدين ، حيدر ، أَسدُ الله ، وغيرها.
تاريخ ومحل ولادته عليه السلام
ولد عليه السّلام في 13 رجب ، بعد عام الفيل بثلاثين في مكة المكرمة وفي جوف الكعبة، في بيت الله تعالى ليكون رمزاً ومثالاً للمتقين، وإماما للساجدين والعابدين والزاهدين، وسيداً من أسياد الجنة المبشرين.
زواجه من فاطمة عليهما السلام
روى السيد الأمين في المجالس السَنيَّة ما مُلخَّصُه : جاء الإمام علي عليه السّلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو في منزل أم سلمة ، فَسَلَّم عليه وجلس بين يديه. فقال له النبي صلّى الله عليه وآله: أتَيْتَ لِحاجَة؟ فقال الإمام عليه السّلام: نَعَمْ ، أتَيتُ خاطباً ابنتك فاطِمَة ، فهلْ أنتَ مُزوِّجُني. قالت أم سلمة : فرأيت وجه النبي صلّى الله عليه وآله يَتَهلَّلُ فرحاً وسروراً ، ثم ابتسم في وجه الإمام علي عليه السّلام، ودخل على فاطمة عليها السّلام ، وقال صلّى الله عليه وآله لها: إنَّ عَليّاً قد ذكر عن أمرك شيئاً ، وإني سألتُ رَبِّي أن يزوِّجكِ خَير خَلقه ، فما تَرَيْن؟. فَسكتَتْ ، فخرَجَ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو يقول: اللهُ أكبَرُ ، سُكوتُها إِقرارُهَا. فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله أَنَس بن مالك أن يجمع الصحابة ، ليُعلِنَ عليهم نبأ تزويج فاطمة للإمام علي عليهما السّلام. فلما اجتمعوا قال صلّى الله عليه وآله لهم : إنَّ الله تَعالى أمَرَني أن أزوِّجَ فاطمة بنت خديجة من علي بن أبي طالب. ثم أبلغ النبي صلّى الله عليه وآله الإمام عليّاً بأنَّ الله أمَرَه أن يزوِّجه فاطمة على أربعمِئة مِثقال فِضَّة. وكان ذلك في اليوم الأول من شهر ذي الحجَّة ، من السنة الثانية للهجرة. فإن هذا الموقف النبوي المرتبط بالمشيئة الإلهية يستثير أمامنا سؤالاً مُهمّاً ، وهو : لماذا لم يُرخَّص لفاطِمَة بتزويجِ نَفسها؟ ولماذا لم يُرخَّص للرسول صلّى الله عليه وآله - وهو أبوها ونبيها -بِتزويجِها: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ. إلاَّ بعد أن نزل القضاء بذلك؟ والجواب: لا بُدَّ أنَّ هناك سِر وحِكمة إلهية ترتبط بهذا الزواج ، وتتوقف على هذه العلاقة الإنسانية.ولعل من تلك الحكم إرادة الله تعالى في تمتد ذرية رسول الله صلّى الله عليه وآله عن طريق علي وفاطمة، ويكون منهما الإمامان الحسن والحسين عليهما السّلام، والذرية الطاهرة ، أئمةً وهُدَاة لهذه الأمة. ولهذا الأمر والسر الخطير كان زواج فاطمة أمراً إلهيا لم يسبق رسول الله صلّى الله عليه وآله إليه ، ولم يتصرَّف حتى نزل القضاء ، كما صرَّح هو نفسه صلّى الله عليه وآله بذلك.
زوجاته عليه السّلام
فاطمة الزهراء عليها السلام وهي بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وأم الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم.
أمامة بنت أبي العاص.
أم البنين الكلابية.
ليلى بنت مسعود.
أسماء بنت عميس.
الصهباء بنت ربيعة أم حبيب.
خولة بنت جعفر.
أم سعد بنت عروة.
خبأة بنت امرىء القيس.
أولاده عليه السّلام
يتراوح عدد أولاده عليه السّلام ما بين 25 و 33 ولداً على الاختلاف الوارد في الروايات , حيث نذكر البارزين منهم.
الإمام الحَسن عليه السلام، الإمام الحُسين عليه السلام، أمُّ المصائب زَينَب الكبرى عليها السلام، زَينَب الصغرى، العبَّاس أبو الفضل، مُحَمَّد الأوسط، جَعفر، عَبد الله، عثمَان، مُحمَّد بن الحَنَفِيَّة، يَحيَى، أمُّ هَانِي، مَيْمُونَة، جُمانة أم جعفر، نَفِيسَة.
الآيات النازلة في حقّه عليه السّلام
أكد المفسّرون ـ سنة وشيعة ـ في تفاسيرهم المعتبرة على نزول عشرات الآيات الشريفة في حَقِّ الإمام علي عليه السّلام، نذكر منها :
1ـ قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) المائدة : 67 .
2ـ قوله تعالى: ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) الصافات : 24 .
3ـ قوله تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) المائدة : 55 .
4ـ قوله تعالى: ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ) المعارج : 1 - 2 .
5ـ قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) المائدة : 3 .
6ـ قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) البينة : 7 .
7ـ قوله تعالى: ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ ) السجدة : 18 .
8ـ قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) مريم : 96 .
9ـ قوله تعالى: ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) الرعد : 7 .
10ـ قوله تعالى: ( أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ ) هود : 17 .
11ـ قوله تعالى: ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه : 82 .
12ـ قوله تعالى: ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) النحل 44 ، الأنبياء : 7 .
13ـ قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) التوبة : 119 .
14ـ قوله تعالى: ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) الواقعة : 10 - 11 .
15ـ قوله تعالى: ( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ) الحج: 19.
16ـ قوله تعالى: ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ ) التوبة: 19.
17ـ قوله تعالى: ( سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) الصافات: 130.
18ـ قوله تعالى: ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) التحريم: 4.
19ـ قوله تعالى: ( وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ) الشورى: 23.
20ـ قوله تعالى: ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) الإسراء: 26.
21ـ قوله تعالى: ( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ ) الإنسان: 1.
22ـ قوله تعالى: ( وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ ) الأعراف : 46.
23ـ قوله تعالى: ( بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ) التوبة: 1.
24ـ قوله تعالى: ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) الشورى : 23 .
25ـ قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) المجادلة : 12 .
26ـ قوله تعالى: ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) الحاقة : 12 .
27ـ قوله تعالى: ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) الضحى : 5 .
28ـ قوله تعالى: ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) آل عمران : 61 .
29ـ قوله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) الأحزاب : 33 .
30ـ قوله تعالى: ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) الكوثر : 1 .
31ـ قوله تعالى: ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ ) الرحمن : 19 - 20 .
32ـ قوله تعالى: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) البقرة : 127 - 128 .
33ـ قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) البقرة : 143 .
34ـ قوله تعالى: ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) فاطر : 32 .
35ـ قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ) المائدة : 54 .
36ـ قوله تعالى: ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ) البقرة : 37 .
37ـ قوله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ ) البقرة : 207 .
38ـ قوله تعالى: ( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ) محمد : 30 .
39ـ قوله تعالى: ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) آل عمران : 103 .
40ـ قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) الأحزاب : 56 .
41ـ قوله تعالى: ( أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ) المجادلة : 13 .
42ـ قوله تعالى: ( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ ) الزخرف : 41 .
43ـ قوله تعالى: ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) الإنسان : 8 .
44ـ قوله تعالى: ( وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ ) التوبة : 3 .
45ـ قوله تعالى: ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة : 274 .
46ـ قوله تعالى: ( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ) الأحزاب : 25 .
47ـ قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ ) الحديد : 19 .
48ـ قوله تعالى: ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) الأحزاب : 23 .
49ـ قوله تعالى: ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) الزمر : 33 .
50ـ قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ) الأنفال : 33 .
51ـ قوله تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ) الرعد : 29 .
52ـ قوله تعالى: ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) البقرة : 124 .
53ـ قوله تعالى: ( قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) الرعد : 43 .
54ـ قوله تعالى: ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) التكاثر : 8 .
55ـ قوله تعالى: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ) النور : 35 .
56ـ قوله تعالى: ( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ) الزخرف : 57 .
57ـ قوله تعالى: ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ) النساء : 54 .
58ـ قوله تعالى: ( اِهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ) الفاتحة : 5 .
59ـ قوله تعالى: ( هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) الأنفال : 62 .
60ـ قوله تعالى: ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا ) الزخرف : 45 .
61ـ قوله تعالى: ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) الضحى : 5 .
62ـ قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) النساء : 59 .
63ـ قوله تعالى: ( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ) العاديات : 1 .
64ـ قوله تعالى: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا ) يونس : 87 .
65ـ قوله تعالى: ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) الفتح : 29 .
66ـ قوله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) الأحزاب : 6 .
67ـ قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ) المطففين : 29 - 30 .
68ـ قوله تعالى: ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ) طه : 25 - 26 .
69ـ قوله تعالى: ( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ) الأنفال : 25 .
70ـ قوله تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد : 28 .
71ـ قوله تعالى: ( وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) الأعراف : 181 .
72ـ قوله تعالى: ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) النجم : 1 - 4 .
73ـ قوله تعالى: ( وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) الإسراء : 81 .
حكمه عليه السّلام القصار
اشتهرت قصار حكمه عليه السّلام شهرة واسعة بين الأدباء والبلغاء ، حتّى قال الجاحظ وهو الناقد البليغ وصاحب المؤلّفات المعروفة في الأدب والبلاغة : وددت لو أنّي أعطيت جميع مصنّفاتي وقطعت أنسابها عنّي ، وأخذت بدلها ثلاث كلمات منسوبة إلى علي بن أبي طالب عليه السّلام وصارت منسوبة إليَّ .
وإليك بعض حكم الإمام علي عليه السّلام القصار:
1ـ قال عليه السّلام: ( ما أخذ الله تعالى على أهل الجهل أن يتعلّموا ، حتّى أخذ على أهل العلم أن يعلموا ) .
2ـ قال عليه السّلام: ( البخل والجبن والحرص من أصل واحد ، يجمعهن سوء الظن بالله تعالى ) .
3ـ قال عليه السّلام: ( كل شيء يعز حين ينزر ، والعلم يعز حين يغزر ) .
4ـ قال عليه السّلام: ( تجنّبوا الأماني فإنّها تذهب بهجة ما خولتم ، وتصغّر مواهب الله عندكم ، وتعقبكم الحسرات على ما أوهمتم أنفسكم ) .
5ـ قال عليه السّلام: ( أوصيكم بخصال لو ضربتم إليها آباط الإبل كن أهلا لها : لا يرجون أحد إلاّ ربّه ، ولا يخافن إلاّ ذنبه ، ولا يستحيين إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول : لا أعلم ، ولا يستحيين إذا لم يعلم الشيء ، أن يتعلّمه ) .
6ـ قال عليه السّلام: ( من قوي فليقو على طاعة الله ، ومن ضعف فليضعف عن محارم الله ) .
7ـ قال عليه السّلام: ( إنّ أخيب الناس سعياً وأخسرهم صفقة رجل أتعب بدنه في آماله ، وشغل بها عن معاده ، فلم تساعده المقادير على إرادته ، وخرج من الدنيا بحسرته ، وقدم على آخرته بغير زاد ) .
8ـ قال عليه السّلام: ( إذا أقبلت الدنيا على امرئ أعارته محاسن غيره ، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه ) .
9ـ سمع أمير المؤمنين علي عليه السّلام رجلاً يغتاب رجلاً عند ابنه الحسن عليه السّلام ، فقال : ( يا بني ! نزه نفسك وسمعك عنه ، فإنّه نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك ) .
10ـ قال عليه السّلام: ( من بالغ في الخصومة ظلم ، ومن قصر فيها ظلم ، ولا يستطيع أن يتقي الله من يخاصم ) .
11ـ قال عليه السّلام: ( يجب على العاقل أن يكون عارفاً بزمانه ، مالكاً للسانه ، مقبلاً على شأنه ) .
12ـ قال عليه السّلام: ( القريب من قرّبته المودّة وإن بعد نسبه ، والبعيد من باعدته العداوة وإن قرب نسبه ) .
13ـ قال عليه السّلام: ( الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ولم يرخص لهم في معاصي الله ، ولم يؤمنهم من عذاب الله ، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره ، لأنّه لا خير في عبادة لا علم فيها ، ولا علم لا فهم معه ، ولا قراءة لا تدبّر فيها ) .
14ـ قال عليه السّلام: ( من أراد أن ينصف الناس من نفسه ، فليحب لهم ما يحب لنفسه )
عليّ والرّسول عليهما السّلام
كان علي عليه السّلام خير المؤمنين بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقد كان قلبه عامراً بأكمل الإيمان ، ولا ينقصه حتى مقدار ذرة واحدة من نور الإيمان المتكامل ، فقلبه عليه السّلام ربيع الإيمان . بل ليس في قلبه ذرة واحدة من هوى النفس ، فهو الصراط المستقيم ، وهو سبيل الله ، وهو ميزان الأعمال ، وهو مع الحق والحق معه ، وإنما تتجلى الصفات الثبوتية للحق فيه عليه السّلام فهو : العدل الإلهي ، ورحمة الله ، وقدرته ، ورمز الرأفة ، والعطف ، والصبر الإلهي ، ومظهر من مظاهرها . علي نفس رسول الله صلّى الله عليه وآله و عيبة علمه ، وأخوه ، وخليفته ، ووصيه ، وكل من أحبه ووالاه فقد أحب الله ورسوله والمؤمنين ووالاهم ، وكل من أبغضه وعصاه فقد أبغض الله ورسوله والمؤمنين ، فمحبه محب لله ورسوله ، ومبغضه مبغض لله ورسوله . و نلفت أنظار القراء الكرام إلى بعض ما ورد من الأخبار في هذا المقام:
1ـ روى القندوزي الحنفي والجويني ، عن أبي برزة الأسلمي ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( إن الله تعالى عهد إلي في علي عهداً ، أن عليا راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين ، من أحبه أحبني ، ومن أبغضه أبغضني ، فبشره ) ، فجاء علي عليه السّلام فبشرته بذلك ، فقال : ( يا رسول الله ، أنا عبد الله ، فإن يعذبني فبذنبي ، وإن يتم الذي بشرني به فالله أولى بي ) ، فقال صلّى الله عليه وآله : ( قلت : اللهم أجل قلبه ، واجعله ربيع الإيمان ، فقال الله تبارك وتعالى : قد فعلت به ذلك ، ثم قال تعالى : إني مستخصه بالبلاء ، فقلت : يا رب ، إنه أخي ووصي ، فقال تعالى : إنه شيء قد سبق فيه قضائي، إنه مبتلى. ينابيع المودة: ص 134، فرائد السمطين: 1/151، ح 114 .
2ـ روى الجويني ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله من بيت زينب بنت جحش ، وأتى بيت أم سلمة ، وكان يومها من رسول الله صلّى الله عليه وآله، فلم يلبث أن جاء علي عليه السّلام ودق الباب دقا خفيفاً ، فأثبت النبي صلّى الله عليه وآله الدق ، وأنكرته أم سلمة ، فقال لها النبي صلّى الله عليه وآله: ( قومي وأفتحي له الباب)، إلى أن قال: ( قالت: ففتحت الباب ، فأخذ بعضادتي الباب ، حتى إذا لم يسمع حسيسا ولا حركة ، وصرت في خدري ، استأذن فدخل ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ( يا أم سلمة ، أتعرفينه ؟ ) قلت: نعم يا رسول الله ، هذا علي بن أبي طالب. قال: ( صدقت ، هو سيد أحبه ، لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وهو عيبة علمي ، فاسمعي واشهدي ، وهو قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي ، فاسمعي واشهدي ، وهو قاضي عداتي ، فاسمعي واشهدي ، وهو والله محيي سنتي ، فاسمعي واشهدي ، لو أن عبداً عبد الله ألف عام وألف عام وألف عام ، بين الركن والمقام ، ثم لقي الله عزوجل مبغضاً لعلي بن أبي طالب وعترتي أكبه الله على منخريه يوم القيامة في نار جهنم ) فرائد السمطين : 1/331، ح257.
3ـ روى الجويني أيضاً ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( من أحبني فليحب علي بن أبي طالب ، ومن أبغض علي بن أبي طالب فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ، ومن أبغض الله فقد أدخله النار ) المصدر السابق : 1/132، ح 94.
4ـ وعنه أيضا عن أنس ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لعلي : ( يا علي ، من زعم أنه يحبني وهو يبغضك ، فهو كذاب ) المصدر السابق: 1/134 ، ح94 .
5ـ روى ابن المغازلي الشافعي ، عن سلمان ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لعلي : ( يا علي ، محبك محب، ومبغضك مبغض) المناقب لابن المغازل : 196، ح 233.
6ـ عن ابن عبد البر، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: ( من أحب علياً فقد أحبني، ومن أبغض علياً فقد أبغضني، ومن آذى علياً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله)الاستيعاب بهامش الإصابة: 3/37.
7ـ روى ابن عساكر، عن أم سلمة، قالت: أشهد أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: (من أحب علياً فقد أحبني، ومن أحبني أحب الله، ومن أبغض علياً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله) ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق: 2/190،ح673.
8ـ وعنه أيضاً بإسناده عن جابر، قال: دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وآله، ونحن في المسجد ، وهو آخذ بيد علي عليه السّلام ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله: ( ألستم زعمتم أنكم تحبوني؟ ) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ( كذب من زعم أنه يحبني، ويبغض هذا ). يعني علياً عليه السّلام المصدر السابق: 2/185، ح664.
9ـ وعنه أيضاً، عن سلمان الفارسي، قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله ضرب فخذ علي بن أبي طالب وصدره ، وسمعته يقول : ( محبك محبي ، ومحبي محب الله ، ومبغضك مبغضي ، ومبغضي مبغض الله ) المصدر السابق : 2/187 ، ح669 .
10ـ وعنه أيضاً، عن زياد بن أبي زياد الأسدي، عن جده ، قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : ( قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنك تعيش على ملتي ، وتُقتل على سنتي ، من أحبك أحبني ، ومن أبغضك أبغضني ) المصدر السابق: 2/188 ، ح670.
11ـ وعنه أيضاً ، عن عمر بن عبد الله الثقفي ، عن أبيه ، عن جده يعلى بن مرة الثقفي ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : ( من أطاع علياً فقد أطاعني ، ومن عصى علياً فقد عصاني ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أحب علياً فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ، لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا كافر أو منافق ) المصدر السابق : 2/188 ، ح671.
12 - وروى ابن الصباغ المالكي عن محمد بن يوسف الكنجي الشافعي حكاية عن عبد الله بن عباس ، وكان سعيد بن جبير يقوم بعد كف بصره ، فمر على ضفة زمزم ، فإذا بقوم من أهل الشام يسبون علياً عليه السّلام ، فسمعهم عبد الله بن عباس ، فقال لسعيد : ردني إليهم ، فرده ، فوقف عليهم ، وقال : أيكم الساب لله تعالى ؟ ، فقالوا : سبحان الله ، ما فينا أحد سبَّ الله !! ، فقال : أيكم الساب لرسوله صلّى الله عليه وآله ؟ ، فقالوا : سبحان الله ، ما فينا أحد سبَّ رسول الله !! ، قال : فأيكم الساب لعلي بن أبي طالب عليه السّلام ؟ فقالوا : أما هذا فقد كان منه شيء ، فقال : أشهد على رسول الله صلّى الله عليه وآله بما سمعته أذناي ، ووعاه قلبي ، سمعته يقول لعلي بن أبي طالب عليه السّلام : ( يا علي ، من سبَّك فقد سبَّني ، ومن سبَّني فقد سبَّ الله ، ومن سبَّ الله فقد أكبَّه الله على منخريه في النار ) وولى عنهم وقال : يا بني ، ماذا رأيتهم صنعوا ؟ قال : فقلت لهم يا أبتِ:
نظروا إليك بأَعيُنٍ مُحمَرَّةٍ ***** نظرَ التيوس إلى شِفَارِ الجَازِرِ
فقال: زدني فداك أبوك ، فقلت:
خزر العيون نواكس أبصارهم ***** نظر الذليل إلى العزيز القاهر
فقال: زدني فداك أبوك، فقلت: ليس عندي مزيد، فقال: عندي المزيد:
أَحيَاؤُهُم عَارٌ على أمواتهم ***** والميتون مسَبَّةٌ للغابر
الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 127.
أحقيتة عليه السّلام بالخلافة
إن الباحث المنصف – كائناً من كان – لابد أن ينتابه الذهول ، ويعتريه الاستغراب وهو يتفحص بإمعان وتَأَنٍّ ما حَفلَتْ به كتب السير ومصادر الأحاديث ، التي يُشَار إليها بالبَنَان ، وتُحَاط بهالات من التبجيل والتقديس ، من روايات ، وأحاديث ، وأحداث ، كيف أن أصابع التحريف والتشويه تركت فيها آثاراً لا تُخفى ، وشواهد لا تُوارَى ، أخذت من هذا الدين الحنيف مَأخَذاً كبيراً ، وفَتَحت لِذَوِي المَآرِب المُنحرفة باباً كبيراً. بل ومن العجب العُجاب أن تجد في طَيَّات كل مبحث وكتاب - من تلك الكتب - جملة كبيرة من التناقضات الصريحة التي لا تخفى على القارئ البسيط - ناهيك عن الباحث المتخصص – تعلن بصراحة عن تَزْيِيف وتحريف تناول الكثير من أحاديث الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وأقوال الصحابة الناصحين بِجُرْأةٍ كبيرة ، فأخذ يعمل فيها هدماً وتشويهاً. ولعل حادثة الغدير – بما لها من قدسية عظيمة – كانت مرتعاً خصباً لِذَوي النفوس العقيمة خضعت لأكبر عملية تزوير قديماً وحديثا أرادت وبأي شكل كان أن تفرِّغ هذا الأمر السماوي من مصداقيته ومن محتواه الحقيقي ، وتحمله إما بين التكذيب الفاضح أو التأويل المُستَهْجَن.فكانت تلك السنوات العُجَاف بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وإلى يومنا هذا حَافِلَة بهذه التناقضات ، ومليئة بتلك المفارقات. ولعل أم المصائب أن يأتي بعد أولئك القدماء جيل من الكُتَّاب المعاصرين يأخذ ما وجده – رغم تناقضاته ومخالفته للعقل والمنطق – ويرسله إرسال المُسَلَّمَات دون تَمَعُّنٍ وبحث. وكأن هذا الأمر ما كان أمراً سماوياً أو حَتماً إلهياً ، بل حَالَهُم كحال من حكى الله تعالى عنهم في كتابه العزيز حيث قال: ( قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ) الزخرف: 22 .
فالجناية الكبرى التي كانت تستهدف الإمام علي عليه السّلام ما كانت وليدة اليوم ، ولا الأمس القريب ، بقدر ما كان لها من الامتداد العميق الضارب في جذور التأريخ ، والذي كان متزامناً مع انبثاق نور الرسالة السماوية. حيث أنه قد توافقت ضمائر المفسدين – وإن اختلفت مُرتَكَزَاتِها – لِجَرِّ الديانة الإسلامية السمحاء إلى حيث ما آلتْ إليه الأديان السماوية السابقة ، من انحراف خطير ، وتشويه رهيب. لأن من السذاجة بمكان أن تُؤخذ كل جناية من هذه الجنايات على حِدَة ، وتُنَاقَشُ بِمَعزَلٍ عن غيرها ، وعن الصراع الدائم بين الخير والشر ، وبين النور والظلام ، وَمَنْ كان علي عليه السّلام ؟! هل كان إلا كنفس رسول الله صلّى الله عليه وآله، رُزِقَ عِلمُه وفهمُه ، وأخذ منه ما لَمْ يأخذه الآخرون ، بل كان عليه السّلام امتداداً حقيقياً له صلّى الله عليه وآله دون الآخرين. وهل كانت كَفُّه عليه السّلام إلا كَكَفِّ رسول الله صلّى الله عليه وآله في العدل سواء؟ وهل كان عليه السّلام إلا مع الحق والحق معه حيثما دار؟ وهل كان عليه السّلام لو وَلِيَ أمور المسلمين – كما أراد الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وآله – إلا حاملاً المسلمين على الحق ، وسالكاً بهم الطريق القويم وجادة الحق؟ بلى كان يُعدُّ من السذاجة بمكان أن يُمَكَّنَ علياً عليه السّلام من تَسَلُّم ذروة الخلافة ، وامتطاء ناصيتها ، لأن هذا لا يغير من الأمر شيئاً بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله. فيظهر الإمام علي عليه السّلام لهم وكأنه النبي محمد صلّى الله عليه وآله، يقيم دعائم التوحيد ، ويقف سَدّاً حائلاً أمام أحلامهم المنحرفة التي لا تنتهي عند حَدٍّ مُعيَّن ، ولا مَدىً معروف. ولعل الاستقراء البسيط لمجريات بعض الأمور يوضح جانباً بَيِّناً من تلك المؤامرة الخطيرة ، التي وإن اخَتَلَفَتْ نوايا أصحابها إلاَّ أنها تلتقي عند هدف واحد ، وهو إفراغ الرسالة السماوية من محتواها الحقيقي ، ودفع المسلمين إلى هاوية التَرَدِّي والانحطاط. وَيُحيِّرُنا من يرتضي للملوك والزعماء أن يعهدوا بالولاية والخلافة وهم أهل الدنيا ، ولا يرتضون ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وآله ووليِّه عليه السّلام وهم أهل والآخرة. عدا أنهم نقلوا أن أبا بكر وعُمَر لم يموتا حتى أوصيا بذلك ، بل والأغرب من ذلك أن تَجِدَ تلك التأويلات الممجوجة للنصوص الواضحة ، وذلك الحمل الغريب للظواهر البَيِّنَة. والجميع يدركون – بلا أدنى ريب – أن الرسول صلّى الله عليه وآله لا يتحدث بالأحاجي والألغاز، ولا يقول بذلك منصف مدرك .
إذن فماذا يريد صلّى الله عليه وآله بحديث الثقلين المشهور؟ وما يريد بقوله صلّى الله عليه وآله لعلي عليه السّلام : ( أَمَا تَرضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَى )؟ وما يريد بقوله صلّى الله عليه وآله أيضاً : ( عَلِيُّ وَليُّ كُلَّ مُؤمِنٍ بَعدِي )؟ وإذا كان هناك من يَنفُرُ من كلمة الحق ، وتَعمَى عليه الحقائق ، فما بَالهُ بالشواهد وقد شهد حادثة الغدير عشرات الألوف من المسلمين ، كما تشهد بذلك الروايات الصحيحة في بطون الكتب. بل وأخرى تَنقُلُ تَهْنِئَةَ الصحابةِ لِعَليٍّ عليه السّلام بأسانيدٍ صِحَاح لا تُعارض. وحقاً إن هذا الأمر لا يُخفى ، بالرغم من أنهم جهدوا في طمس تلك الحقائق الناصعة المشرقة.
تنصيبه عليه السّلام في غدير خم
لما انتهى الرسول صلّى الله عليه وآله من آخر حجَّةٍ حَجَّها، قَفلَ راجعاً إلى المدينة المنورة، وحينما انتهى موكبه إلى غدير خَم هبطَ عليه أمين الوحي يحمل رسالة من السماء بالغة الخطورة. وكانت هذه الرسالة تحتم عليه بأن يحطَّ رِحالَهُ ليقوم بأداء هذه المهمة الكبرى ، وهي نصب الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام خليفة ومرجعاً للأمة من بعده صلّى الله عليه وآله. وكان أمر السماء بذلك يحمل طابعاً من الشدَّة ولزوم الإسراع في إذاعة ذلك بين المسلمين. فقد نزل عليه الوحي بهذه الآية : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَم تَفْعَل فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) المائدة : 67. فقد أُنذِرَ النبي صلّى الله عليه وآله بأنه إن لم ينفِّذ إرادة الله ذهبت أتعابه ، وضاعت جهوده ، وتبدَّدَ ما لاقَاهُ من العناء في سبيل هذا الدين. فانبرى صلّى الله عليه وآله بعزم ثابت وإرادة صلبة إلى تنفيذ إرادة الله ، فوضع أعباء المسير وحَطَّ رِحاله في رمضاء الهجير ، وأمر القوافل أن تفعل مثل ذلك. وكان الوقت قاسياً في حرارته حتى كان الرجل يضع طرف ردائه تحت قدميه لِيَتَّقِي به من الحَر. ثم أمَرَ صلّى الله عليه وآله باجتماع الناس ، فَصلَّى بهم ، وبعد ما انتهى من الصلاة أمر أن توضع حدائج الإبل لتكون له منبراً ، ففعلوا له ذلك. فاعتلى عليها وكان عدد الحاضرين - فيما يقول المؤرخون - مِائة ألف ، أو يَزيدونَ على ذلك. وأقبلوا بقلوبهم نحو الرسول صلّى الله عليه وآله ليسمعوا خطابه ، فأعلن صلّى الله عليه وآله ما لاقاه من العناء والجهد في سبيل هدايتهم وإنقاذهم من الحياة الجاهلية إلى الحياة الكريمة التي جاء بها الإسلام. كما ذكر صلّى الله عليه وآله لهم كَوكَبَة من الأحكام الدينية ، وألزمهم بتطبيقها على واقع حياتهم ، ثم قال لهم : ( انظُروا كَيفَ تُخَلِّفُوني في الثقلين ). فناداهُ منادٍ من القوم : ما الثقلان يا رسول الله؟ فقال صلّى الله عليه وآله : ( الثقل الأكبر كتابُ الله ، طَرفٌ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجلَّ ، وَطرفٌ بِأَيديكُم ، فَتَمَسَّكُوا به لا تَضلُّوا ، والآخر الأصغر عِترَتي ، وإنَّ اللَّطيفَ الخَبيرَ نَبَّأَنِي أنَّهُمَا لن يَفتِرقا حَتى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوض ، فَسَألتُ ذلك لَهما رَبِّي ، فلا تُقَدِّمُوهُمَا فَتهلَكُوا ، ولا تُقَصِّرُوا عَنهُمَا فَتَهلَكُوا ). ثم أخذ صلّى الله عليه وآله بيد وَصيِّه وباب مدينة علمه الإمام علي ( عليه االسلام ) لِيَفرضَ ولايته على الناس جميعاً حتى بَانَ بَياضُ إِبطَيْهِمَا ، فنظر إليهما القوم. ثم رفع صلّى الله عليه وآله صوتُه قائلاً : ( يَا أَيُّهَا النَّاس ، مَنْ أولَى النَّاس بِالمؤمنين مِن أَنفُسِهم ؟ ). فأجابوه جميعاً : اللهُ ورسولُه أعلم. فقال صلّى الله عليه وآله : ( إنَّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولَى بهم من أنفسِهِم ، فَمن كنتُ مَولاه فَعَلِيٌّ مَولاهُ ). قال ذلك ثلاث مرات أو أربع ، ثم قال صلّى الله عليه وآله : ( اللَّهُمَّ وَالِ مَن وَالاَهُ وَعَادِ مَن عَادَاهُ ، وَأَحِبَّ مَن أَحبَّهُ وَأبغضْ مَن أبغَضَهُ ، وانصُرْ مَن نَصَرَه واخْذُل مَن خَذَلَهُ ، وَأَدِرِ الحَقَّ مَعَهُ حَيثُ دَار ، أَلا فَلْيُبَلِّغِ الشاهِدُ الغَائِبَ ). وبذلك أنهى صلّى الله عليه وآله خطابه الشريف الذي أَدَّى فِيه رسالة الله ، فَنَصَّبَ أمير المؤمنين عليه السّلام خليفة ، وأقامه عَلَماً للأمة ، وقَلَّدَهُ مَنصب الإمامة. فأقبل المسلمون يهرعون وهُم يُبَايِعُون الإمام علي عليه السّلام بِالخِلافَة ، وَيُهَنِّئُونَهُ بِإِمْرَةِ المُسلمين. وأمر النبي صلّى الله عليه وآله أُمَّهَات المؤمنين أَنْ يَسُرْنَ إِليهِ وَيُهَنِّئْنَه ، فَفَعَلْنَ ذلك. وعندها انبرى حَسَّان بن ثابت فاستأذن النبي صلّى الله عليه وآله بتلاوة ما نظمه من الشعر ، فأذن له النبي صلّى الله عليه وآله، فقال حَسَّان:
يُنَادِيهُمُ يـوم الغَدير نَبِيُّهُم ***** نَجْم وأَسمِعْ بِالرَّسُولِ مُنَادِياً
فَقالَ فَـمنْ مَولاكُمُ وَنَبِيُّكم؟ ***** فَقَالوا وَلَم يُبدُوا هُنَاك التَّعَامِيَا
إِلَـهَكَ مَولانَا وَأنـتَ نَبِيُّنَا ***** وَلَم تَلْقَ مِنَّا فِي الوِلايَةِ عَاصِياً
فَقالَ لَهُ: قُمْ يَاعَلِيُّ فَإِنَّنِي ***** رَضيتُكَ مِن بَعدِي إِمَاماً وَهَاديا
فَمَنْ كنتُ مَولاهُ فَهذا وَلِيُّهً ***** فَكُونُوا لَهُ أَتْبَاعُ صِدقٍ مُوالِياً
هُناكَ دَعا : اللَّهُمَّ وَالِ وَلِيَّهُ ***** وَكُنْ لِلَّذِي عَادَى عَلِيّاً مُعَادِياً
ونزلت في ذلك اليوم الخالد في دنيا الإسلام هذه الآية الكريمة: ( اليَومُ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعمَـتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِيناً ) المائدة : 3 .
فقد كمل الدين بولاية أمير المؤمنين عليه السّلام ، وتَمَّتْ نعمة الله على المسلمين بِسُمُوِّ أحكامِ دينِهم ، وَسُمُوِّ قِيادتهم التي تُحَقِّق آمالَهم في بلوغ الحياة الكريمة. وقد خطا النبي صلّى الله عليه وآله بذلك الخطوة الأخيرة في صيانة أُمَّتِه من الفتن والزيغ. فلم يترك صلّى الله عليه وآله أمرها فوضى – كما يزعمون – ، وإنما عَيَّن لها القائد والموجه الذي يهتمُّ بأمورها الاجتماعية والسياسية. وإن هذه البيعة الكبرى التي عقدها الرسول العظيم صلّى الله عليه وآله إلى الإمام علي عليه السّلام من أوثق الأدلَّة على اختصاص الخلافة والإمامة به عليه السّلام. وقد احتجَّ بها الإمام الحسين عليه السّلام في مكة لمعارضة حكومة معاوية وشجب سياسته ، فقد قال عليه السّلام للحاضرين: أُنشِدُكُم اللهَ أَتعْلَمُونَ أنَّ رَسولَ اللهِ نَصَّبَهُ – يعني علياً عليه السّلام – يوم غدير خُم فنادى صلّى الله عليه وآله له عليه السّلام بالولاية ، وقال صلّى الله عليه وآله : لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ؟. فقال الحاضرون: اللَّهُمَّ نَعم.
برنامجه عليه السلام الإصلاحي
استلم الإمام علي عليه السّلام الخلافة بعد مقتل عثمان بسبعة أيام ، ذلك في ( 25 ) ذي الحجة عام ( 35 هـ ) ، فوجد الأوضاع متردّية بشكل عام ، وعلى أثر ذلك وضع خطّة إصلاحية شاملة ، ركّز فيها على شؤون الإدارة ، والاقتصاد ، والحكم ، وفي السطور القادمة سنتناول شواهد على ذلك البرنامج الإصلاحي بشكل مختصر:
الشّاهد الأول: تطهير جهاز الدولة
أول عمل قام به الإمام عليه السّلام فور توليته لمنصب رئاسة الدولة هو عَزل وُلاة عثمان الذين سَخّروا جهاز الحكم لمصالحهم الخاصة، وأُثروا ثراءً فاحشاً مما اختلسوه من بيوت المال، وعزل عليه السّلام معاوية بن أبي سفيان أيضاً. ونقل المؤرخون، إنه أشار عليه جماعة من المخلصين بإبقائه في منصبه ريثما تستقر الأوضاع السياسية ثم يعزله فأبى الإمام عليه السّلام، وأعلن أن ذلك من المداهنة في دينه، وهو مما لا يُقرّه ضميره الحي، الذي لا يسلك أي طريق يبعده عن الحق ولو أبقاه ساعة لكان ذلك تزكية له، وإقرارا بعدالته، وصلاحيته للحكم.
الشّاهد الثاني: تأميم الأموال المختلسة
أصدر الإمام عليه السّلام قراره الحاسم بتأميم الأموال المختلسة التي نهبها الحكم المُباد. فبادرت السلطة التنفيذية بوضع اليد على القطائع التي أقطعها عثمان لذوي قُرباه، والأموال التي استأثر بها عثمان، وقد صودِرت أمواله حتى سيفه ودرعه، وأضافها الإمام عليه السّلام إلى بيت المال. وقد فزع بنو أمية كأشد ما يكون الفزع ، فهم يرون الإمام عليه السّلام هو الذي قام بالحركة الانقلابية التي أطاحت بحكومة عثمان ، وهم يطالبون الهاشميين برد سيف عثمان ودرعه وسائر ممتلكاته التي صادرتها حكومة الإمام عليه السّلام. وفزعت القبائل القرشية وأصابها الذهول ، فقد أيقنت أن الإمام سيصادر الأموال التي منحها لهم عثمان بغير حق. فقد كتب عمرو بن العاص رسالة إلى معاوية جاء فيها : ما كنتُ صانعاً فاصنع إذا قشّرك ابن أبي طالب من كل مال تملكه كما تقشر عن العصا لحاها. لقد راح الحسد ينهش قلوب القرشيين ، والأحقاد تنخر ضمائرهم ، فاندفعوا إلى إعلان العصيان والتمرد على حكومة الإمام عليه السّلام.
الشّاهد الثالث: الوقوف بوجه الأطماع الجاهليّة
وامتُحِن الإمام عليه السّلام امتحاناً عسيراً من الأُسَر القرشية ، وعانى منها أشدّ ألوان المِحن والخُطوب في جميع أدوار حياته. فيقول عليه السّلام: لقد أخافَتني قُريش صغيراً، وأنصبتني كبيراً، حتى قبض الله رسوله صلّى الله عليه وآله، فكانت الطامّة الكبرى، والله المُستعان على ما تَصِفون. ولم يعرهم الإمام عليه السّلام اهتماماً، وانطلق يؤسس معالم سياسته العادلة، ويحقق للأمة ما تصبوا إليه من العدالة الاجتماعية. وقد أجمع رأيه عليه السّلام على أن يقابل قريش بالمِثل، ويسدد لهم الضربات القاصمة إن خلعوا الطاعة، وأظهروا البغي. فيقول عليه السّلام: مَالي وَلِقُريش، لقد قتلتُهم كافرين، ولأقتلنَّهم مَفتونين، والله لأبقرنَّ الباطل حتى يظهر الحق من خَاصِرَتِه، فَقُلْ لقريش فَلتضجّ ضَجيجَها.
الشّاهد الرابع: سياسة الإمام عليه السّلام العامّة
فيما يلي عرضاً موجزاً للسياسة الإصلاحية التي اتبعها الإمام عليه السّلام لإدارة الدولة الإسلامية وهي كما يلي:
أولاً: السياسة المالية
كانت السياسة المالية التي انتهجها الإمام عليه السّلام امتداد لسياسة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله الذي عنى بتطوير الحياة الاقتصادية، وإنعاش الحياة العامة في جميع أنحاء البلاد، بحيث لا يبقى فقير أو بائس أو محتاج. وذلك بتوزيع ثروات الأمة توزيعاً عادلاً على الجميع. ومن مظاهر هذه السياسة هي :
1 - المساواة في التوزيع والعطاء ، فليس لأحد على أحد فضل أو امتياز ، وإنما الجميع على حدٍّ سواء.فلا فضل للمهاجرين على الأنصار ، ولا لأسرة النبي صلّى الله عليه وآله وأزواجه على غيرهم ، ولا للعربي على غيره. وقد أثارت هذه العدالة في التوزيع غضب الرأسماليين من القرشيين وغيرهم ، فأعلنوا سخطهم على الإمام عليه السّلام. وقد خفت إليه جموع من أصحابه تطالبه بالعدول عن سياسته فأجابهم الإمام عليه السّلام : لو كان المال لي لَسوّيتُ بينهم فكيف، وإنما المال مال الله، ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا، ويضعه في الآخرة، ويُكرّمه في الناس، ويهينه عند الله. فكان الإمام عليه السّلام يهدف في سياسته المالية إلى إيجاد مجتمع لا تطغى فيه الرأسمالية ، ولا تحدث فيه الأزمات الاقتصادية ، ولا يواجه المجتمع أي حِرمان أو ضيق في حياته المعاشية.وقد أدت هذه السياسة المشرقة المستمدة من واقع الإسلام وهَدْيهِ إلى إجماع القوى الباغية على الإسلام أن تعمل جاهدة على إشاعة الفوضى والاضطراب في البلاد ، مستهدفة بذلك الإطاحة بحكومة الإمام عليه السّلام.
2 - الإنفاق على تطوير الحياة الاقتصادية ، وإنشاء المشاريع الزراعية ، والعمل على زيادة الإنتاج الزراعي الذي كان من أصول الاقتصاد العام في تلك العصور. وقد أكد الإمام عليه السّلام في عهده لمالك الأشتر على رعاية إصلاح الأرض قبل أخذ الخراج منها. فيقول عليه السّلام: وليكُن نظرك في عِمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يُدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً. لقد كان أهم ما يعني به الإمام عليه السّلام لزوم الإنفاق على تطوير الاقتصاد العام ، حتى لا يبقى أي شبح للفقر والحرمان في البلاد.
3 - عدم الاستئثار بأي شيء من أموال الدولة ، فقد تحرج الإمام عليه السّلام فيها كأشد ما يكون التحرّج. وقد أثبتت المصادر الإسلامية بوادر كثيرة من احتياط البالغ فيها ، فقد وفد عليه أخوه عقيل طالباً منه أن يمنحه الصلة ويُرَفّهُ عليه حياته المعاشية ، فأخبره الإمام عليه السّلام أن ما في بيت المال للمسلمين ، وليس له أن يأخذ منه قليلاً ولا كثيراً ، وإذا منحه شيء فإنه يكون مختلساً. وعلى أي حال فإن السياسة الاقتصادية التي تَبنّاها الإمام عليه السّلام قد ثقلت على القوى المنحرفة عن الإسلام ، فانصرفوا عن الإمام وأهل بيته عليهم السّلام، والتحقوا بالمعسكر الأموي الذي يضمن لهم الاستغلال ، والنهب ، وسلب قوت الشعب ، والتلاعب باقتصاد البلاد.
ثانياً: السياسة الداخلية
عنى الإمام عليه السّلام بإزالة جميع أسباب التخلف والانحطاط ، وتحقيق حياة كريمة يجد فيها الإنسان جميع متطلبات حياته ، من الأمن والرخاء والاستقرار ، ونشير فيما يلي إلى بعض مظاهرها:
1 - المساواة
وتجسّدت فيما يأتي:
أ - المساواة في الحقوق والواجبات .
ب - المساواة في العطاء .
ج - المساواة أمام القانون .
وقد ألزم الإمام عليه السّلام عُمّاله وَوُلاته بتطبيق المساواة بين الناس على اختلاف قوميّاتهم وأديانهم. فيقول عليه السّلام في بعض رسائله إلى عماله : واخفضْ للرعيّة جناحك ، وابسط لهم وجهك ، وأَلِنْ لهم جنابك ، وآسِ بينهم في اللحظة والنظرة ، والإشارة والتحية ، حتى لا يطمع العظماء في حيفك ، ولا ييأس الضعفاء من عدلك.
2 - الحرية
أما الحرية عند الإمام عليه السّلام فهي من الحقوق الذاتية لكل إنسان ، ويجب أن تتوفر للجميع ، شريطة أن لا تستغلّ في الاعتداء والإضرار بالناس ، وكان من أبرز معالمها هي الحُرّية السياسية. ونعني بها أن تُتَاح للناس الحرية التامة في اعتناق أي مذهب سياسي دون أن تفرض عليهم السلطة رأيا معاكساً لما يذهبون إليه. وقد منح الإمام عليه السّلام هذه الحرية بأرحب مفاهيمها للناس ، وقد منحها لأعدائه وخصومه الذين تخلفوا عن بيعته. فلم يجبرهم الإمام عليه السّلام ، ولم يتخذ معهم أي إجراء حاسم كما اتخذه أبو بكر ضده حينما تَخلّف عن بيعته. فكان الإمام عليه السّلام يرى أن الناس أحرار ، ويجب على الدولة أن توفر لهم حريتهم ما دام لم يخلوا بالأمن ، ولم يعلنوا التمرد والخروج على الحكم القائم. وقد منح عليه السّلام الحرية للخوارج ، ولم يحرمهم عطاءهم مع العلم أنهم كانوا يشكلون أقوى حزب معارض لحكومته. فلما سَعوا في الأرض فساداً ، وأذاعوا الذعر والخوف بين الناس انبرى إلى قتالهم حفظاً على النظام العام ، وحفظاً على سلامة الشعب .
ثالثاً : الدعوة إلى وحدة الأمة
وجهد الإمام كأكثر ما يكون الجهد والعناء على العمل على توحيد صفوف الأمة ونشر الأُلفة والمحبة بين أبنائها. واعتبر عليه السّلام الأُلفة الإسلامية من نعم الله الكبرى على هذه الأمة. فيقول عليه السّلام: إنّ الله سبحانه قد امتَنّ على جماعة هذه الأمة فيما عقد بينهم من حبل هذه الأُلفة التي ينتقلون في ظلها ، ويأوون إلى كنفها ، بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة، لأنها أرجح من كل ثمن ، وأجلُّ من كل خطر. فقد عنى الإمام عليه السّلام بوحدة الأمة، وتبنّي جميع الأسباب التي تؤدي إلى تماسكها واجتماع كلمتها ، وقد حافظ على هذه الوحدة في جميع أدوار حياته. فقد ترك عليه السّلام حَقّه وسَالَم الخلفاء صِيانة للأمة من الفرقة والاختلاف.
رابعاً: تربية الأمة
لم يعهد عن أحد من الخلفاء أنه عنى بالناحية التربوية أو بشؤون التعليم كالإمام عليه السّلام ، وإنما عنوا بالشؤون العسكرية ، وعمليات الحروب ، وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية ، وبسط نفوذها على أنحاء العالم. وقد أولى أمير المؤمنين عليه السّلام المزيد من اهتمامه بهذه الناحية، فاتخذ جامع الكوفة معهداً يلقي فيه محاظراته الدينية والتوجيهية. وكان عليه السّلام يشغل أكثر أوقاته بالدعوة إلى الله ، وإظهار فلسفة التوحيد ، وبَثّ الآداب والأخلاق الإسلامية مستهدفا من ذلك نشر الوعي الديني ، وخلق جيل يؤمن بالله إيمانا عقائدياً لا تقليدياً. فقد كان الإمام عليه السّلام المؤسس الأعلى للعلوم والمعارف في دنيا الإسلام ، وقد بذل جميع جهوده على إشاعة العلم ونشر الآداب والثقافة بين المسلمين ، وكان دوماً يذيع بين أصحابه قوله: سَلوني قَبلَ أن تفقدوني ، سَلوني عن طُرق السَّماء ، فإني أبصَرُ بها من طُرُق الأرض.
حُرُوبه عليه السلام
اشترك عليه السلام في حروب رسول الله صلى الله عليه وآله جميعاً ـ عدا غَزوَة تَبُوك ، حيث أمره الرسول صلى الله عليه وآله بالبقاء في المدينة المنورة ، وذلك لإدارة شؤونها ـ بالاضافة الى حروبة التي قادها بنفسه عليه السلام في زمن خلافته وهي:
الجمل.
صفين.
النهروان.
نقش خاتمه عليه السلام
المُلْك لله الوَاحِد القَهَّار.
مُدة عُمره عليه السّلام
وكان عمره الشريف 63 عاماً كعمر الرسول صلى الله عليه وآله
مُدة إمامته عليه السلام
كانت مدّة إمامته عليه السلام 30 عاماً من رحيل الرسول صلى الله عليه وآله إلى شهادته عليه السّلام.
تاريخ وسبب شهادته عليه السلام
استشهد الإمام عليه السلام في 21 رمضان سنة 40 للهجرة اثناء سجوده في صلاة الصبح في محراب مسجد الكوفة بضربة سيف مسموم من المجرم ابن مجلم المرادي لعنه الله.
وقال ابن الأثير: أُدخِل ابن ملجم على الإمام علي عليه السّلام وهو مكتوف. فقال الإمام عليه السّلام : أيْ عَدوَّ الله ألَمْ أحسِن إليك. قال: بلى. فقال الإمام عليه السّلام: فَمَا حَملَكَ عَلى هَذَا؟.
قال ابن ملجم : شحذتُه أربعين صباحاً ( يقصد بذلك سيفه) وسألت الله أنْ يقتُلَ به شَرَّ خلقه. فقال الإمام عليه السّلام:لا أرَاكَ إلاَّ مَقتولاً به، ولا أراكَ إلاَّ مِن شَرِّ خَلقِ الله. ثم قال عليه السّلام: النَّفسُ بالنَّفسِ، إن هَلكْتُ فاقتلوه كما قتلني، وإنْ بقيتُ رأيتُ فيه رأيي، يا بني عبد المطلب، لا ألفيَنَّكم تخوضون دماء المسلمين، تقولون قتل أمير المؤمنين، ألا لا يُقتَلَنَّ إلاَّ قاتلي. أُنظُر يا حسن، إذا أنَا مُتُّ من ضربَتي هذه، فاضربه ضربة بضربة، ولا تمثِّلَنَّ بالرجل، فإنِّي سَمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: إيَّاكم والمُثْلَة، ولو بالكَلبِ العَقُور. فبقي الإمام علي عليه السّلام يعاني من ضربة المُجرم الأثيم ابن ملجم ثلاثة أيام، عَهد خلالها بالإمامة إلى ابنه الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام. وطوال تلك الأيام الثلاثة كان الإمام عليه السّلام يلهَجُ بذكر الله، والرضا بقضائه، والتسليم لأمره. كما كان الإمام عليه السّلام يُصدر الوصيَّة تُلوَ الوصيَّة ، داعياً إلى إقامة حُدودِ الله عزَّ وجلَّ ، محذِّراً من اتِّباع الهوى، والتراجع عن حَمل الرسالة الإسلامية.
وأخيراً ، وفي الحادي والعشرين من شهر رمضان من عام ( 40 هـ ) ، كانت النهاية المؤلمة لهذا الإمام العظيم عليه السّلام ، الذي ظُلِم خلال حياته ظُلامَتَين كبيرتين.
الظلامة الأولى: إقصاؤُه عن الخلافة من قِبَل مُبغِضِيه.
الظلامة الثانية: اغتياله في شهر الله، الذي هو أفضل الشهور، ليَمضي إلى رَبِّه مقتولاً شهيداً. حيث كانت مصيبة فقده عليه السّلام من أشَدِّ المصائب التي تعرَّضت لها الأمة الإسلامية من بعد مصيبة فقدان النبي صلّى الله عليه وآله. وأي فوز أعظم من أن يقضي الإنسان عمره في سبيل الله وفي سبيل الإسلام المحمدي، وفي سبيل إرساء دعائم العدالة والمساواة في المجتمع، والقضاء على الظلم والجور وانصاف المظلومين. لقد كانت شهادته عليه السّلام انتصاراً له، وأي نصر أعظم من أن ينتصر الإنسان على أعداء الرسالة الإسلامية من القاسطين والمارقين والناكثين لأجل خلاص الأمة الإسلامية منهم ليكون الدين كله لله عزّ وجل. فإن الإمام علي عليه السّلام هو المجسد الحقيقي للإسلام الأصيل، والمطبِّق لجميع أحكامه وقوانينه، والمنفِّذ لجميع تشريعاته. حيث كان اغتياله اغتيالاً للإسلام الذي بناه بجهده وجهاده وكيانه ودمه، واغتيالاً للأمة حيث فقدت خليفة وقائداً إسلامياً فذّاً، وقمة شامخة في العلم والفضل والجهاد، وكان جبلاً راسخاً من الثبات والاستقامة والشجاعة والبطولة، وعَلَماً من أعلام الدين وإماماً للمتقين.
اللهم اجعلنا من السائرين على خطى الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام والذابين والمدافعين عن الإسلام ، والمهتمين بأمور المسلمين ، بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين .
محل دفنه عليه السلام
النجف الأشرف ، في وادي السلام.
قصة قبره عليه السّلام
جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: لما قُتل الإمام علي عليه السّلام قصد بنوه أن يخفوا قبرَه بوصية منه، خوفاً من بني أميّة والمنافقين والخوارج أن يُحْدِثوا في قبره حدثاً. فأوهموا الناس في موضع قبره تلك الليلة - ليلة دفنه عليه السّلام - إيهامات مختلفة. فشدّوا على جملٍ تابوتاً موثقاً بالحبال، يفوح منه روائح الكافور وأخرجوه من الكوفة في سواد الليل بصحبة ثقاتهم، يوهمون أنهم يحملونه إلى المدينة فيدفنونه عند فاطمة عليها السّلام. وأخرجوا بغْلاً وعليه جنازة مغَطَّاة، يوهمون أنهم يدفنونه بالحيرة، وحفروا حفائر عدَّة، منها في رحبة مسجد الكوفة. ومنها برحبة قصر الإمارة، ومنها في حجرة في دور آل جعدة بن هبيرة المخزومي، ومنها في أصل دار عبد الله بن يزيد القسري، بحذاء باب الورَّاقين، مما يلي قبلة المسجد. ومنها في الكناسة - محلَّة بالكوفة - ومنها في الثويَّة - موضع قريب من الكوفة - فعمي على الناس موضع قبره. ولم يعلم دفنه على الحقيقة إلا بَنُوه والخواص المخلصون من أصحابه، فإنهم خرجوا بالإمام عليه السّلام وقت السَحَر، في الليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان، فدفنوا الإمام عليه السّلام في مدينة النجف الأشرف، بالموقع المعروف بالغري. وذلك بوصاية منه عليه السّلام إليهم في ذلك، وعهد كان عهد به إليهم، وعمي موضع قبره على الناس. أما الشيعة فمتَّفقون خَلَفاً عن سَلَف، نقلاً عن أئمتهم أبناء الإمام علي عليه وعليهم السلام، أنه قد دُفِن في الغري، في الموضع المعروف الآن في مدينة النجف الأشرف، ووافَقَهُم المحققون من علماء سائر المسلمين، والأخبار فيه متواترة، أما قول أبي نعيم الإصبهاني: إن الذي على النجف إنما هو قبر المغيرة بن شعبة، فغير صحيح، لأن المغيرة بن شعبة لم يُعرف له قبر، وقيل أنه مات بالشام. وهكذا لم يزل قبره عليه السّلام مخفيّاً، لا يعرفه غير أبنائه والخُلَّص من شعيته عليه السّلام. حتى دلَّ عليه الإمام جعفر الصادق عليه السّلام أيام الدولة العباسية، حينما زاره عند وروده إلى أبي جعفر المنصور وهو في الحيرة، فعرفته الشيعة، واستأنفوا إذ ذاك زيارته. وإن العمارة الموجودة اليوم، والمشهورة بين أهل مدينة النجف الأشرف، هي للشاه عباس الصفوي الأول. فجعل القبَّة خضراء بعد أن كانت بيضاء، ويُحتمل أن تكون هذه العمارة بأمر الشاه صفي الصفوي، سنة ( 1047 هـ ) والد الشاه عباس الصفوي، حيث توفي صفي الصفوي عام ( 1052 هـ ) فأتمَّها ولده الشاه عباس الصفوي سنة ( 1057 هـ ) ثم تنافست الملوك والأُمَراء في عمارته والإهداء إليه، وهو اليوم صرح تأريخي شامخ، تعلوه قُبَّة كبيرة مذهَّبة، ومئذنتان كبيرتان ذهبيَّتان، وله صحن مربع كبير، له خمسة أبواب من جهاته الأربعة، يؤمُّه المسلمون من جميع أنحاء العالم، لتجديد الولاء والزيارة له.
فسلامٌ عليك يا أبا الحسن، وعلى ضجيعيك آدم ونوح، وعلى جاريك هود وصالح، ورحمة الله وبركاته.
فضل زيارته عليه السّلام
وردت عدّة روايات في فضل زيارة الإمام علي عليه السّلام، نذكر منها:
1ـ روي عن الإمام الصادق عليه السّلام عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: من زار علياً بعد وفاته فله الجنّة.
2ـ قال الإمام الصادق عليه السّلام: إنّ أبواب السماء لتفتح عند دعاء الزائر لأمير المؤمنين عليه السّلام فلا تكن عن الخير نوّاماً.
3ـ قال الإمام الصادق عليه السّلام: من ترك زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام لم ينظر الله تعالى إليه ، ألا تزورون من تزوره الملائكة والنبيون عليهم السّلام، إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أفضل من كل الأئمّة، وله مثل ثواب أعمالهم، وعلى قدر أعمالهم فضلوا.
زيارته عليه السّلام
نقل الشّخ عباس القُمّي رحمه الله هذه الزّيارة، حيث قال:
استقبل القبر وقُل:
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا صَفْوَةَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَمينَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلى مَنِ اصْطَفاهُ اللهُ وَاخْتَصَّهُ وَاخْتارَهُ مِنْ بَرِيَّتِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خَليلَ اللهِ ما دَجَى اللَّيْلُ وَغَسَقَ، وَاَضاءَ النَّهارُ وَاَشْرَقَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ ما صَمَتَ صامِتٌ، وَنَطَقَ ناطِقٌ، وَذَرَّ شارِقٌ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَلسَّلامُ عَلى مَوْلانا اَميرِ الْمُؤْمِنينَ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب صاحِبِ السَّوابِقِ وَالْمَناقِبِ وَالنَّجْدَةِ، وَمُبيدِ الْكَتائِبِ، الشَّديدِ الْبَاسِ، الْعَظيمِ الْمِراسِ، الْمَكينِ الاَْساسِ، ساقِي الْمُؤْمِنينَ بِالْكَأسِ مِنْ حَوْضِ الرَّسُولِ الْمَكينِ الاَْمينِ، اَلسَّلامُ عَلى صاحِبِ النَّهْيِ وَالْفَضْلِ وَالطَّوائِلِ وَالْمَكْرُماتِ وَالنَّوائِلِ، اَلسَّلامُ عَلى فارِسِ الْمُؤْمِنينَ، وَلَيْثِ الْمُوَحِّدينَ، وَقاتِلِ الْمُشْرِكينَ، وَوَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ الْعالَمينَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَلسَّلامُ عَلى مَنْ اَيَّدَهُ اللهُ بَجبَْرِئيلَ، وَاَعانَهُ بِميكائيلَ، وَاَزْلَفَهُ فِي الدّارَيْنِ، وَحَباهُ بِكُلِّ ما تَقِرُّ بِهِ الْعَيْنُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ الطّاهِرينَ، وَعَلى اَوْلادِهِ الْمُنْتَجَبينَ، وَعَلَى الاَْئِمَّةَ الرّاشِدينَ الَّذينَ اَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَفَرَضُوا عَلَيْنَا الصَّلَواتِ، وَاَمَرُوا بِايتاءِ الزَّكاةِ، وَعَرَّفُونا صِيامَ شَهْرِ رَمَضانَ، وَقِراءَةَ الْقُرْآنِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَميرَ الْمُؤْمِنينَ، وَيَعْسُوبَ الدّينَ، وَقائِدَ الْغُرِّ الُْمحَجَّلينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بابَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عَيْنَ اللهِ النّاظِرَةَ، وَيَدَهُ الباسِطَةَ وَاُذُنَهُ الْواعِيَةَ، وَحِكْمَتَهُ الْبالِغَةَ، وَنِعْمَتَهُ السّابِغَةَ، وَنِقْمَتَهُ الدّامِغَةَ، اَلسَّلامُ عَلى قَسيمِ الْجَنَّةَ وَالنّارِ، اَلسَّلامُ عَلى نِعْمَةِ اللهِ عَلَى الاَْبْرارِ، وَنِقْمَتِهِ عَلَى الْفُجّارِ، اَلسَّلامُ عَلى سَيِّدِ الْمُتَّقينَ الاَْخْيارِ، اَلسَّلامُ عَلى اَخي رَسُولِ اللهِ وَابْنِ عَمِّهِ وَزَوْجِ ابْنَتِهِ، وَالَْمخْلُوقِ مِنْ طينَتِهِ، اَلسَّلامُ عَلَى الاَْصْلِ الْقَديمِ، وَالْفَرْعِ الْكَريمِ، اَلسَّلامُ عَلَى الَّثمَرِ الْجَنِيِّ، اَلسَّلامُ عَلى اَبِي الْحَسَنِ عَلِيٍّ، اَلسَّلامُ عَلى شَجَرَةِ طوُبى وَسِدْرَةِ الْمُنْتَهى، اَلسَّلامُ عَلى آدَمَ صَفْوَةِ اللهِ، وَنُوح نَبِيِّ اللهِ، وَاِبْراهيمَ خَليلِ اللهِ، وَمُوسى كَليمِ اللهِ، وَعيسى رُوحِ اللهِ، وَمُحَمَّد حَبيبِ اللهِ، وَمَنْ بَيْنَهُمْ مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ وَحَسُنَ اُولئِكَ رَفيقاً، اَلسَّلامُ عَلى نُورِ الاَْنْوارِ، وَسَليلِ الاَْطْهارِ، وَعَناصِرِ الاَْخْيارِ، اَلسَّلامُ عَلى والِدِ الاَْئِمَّةِ الاَْبْرارِ، اَلسَّلامُ عَلى حَبْلِ اللهِ الْمَتينِ، وَجَنْبِهِ الْمَكينِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَلسَّلامُ عَلى اَمينِ اللهِ في اَرْضِهِ وَخَليفَتِهِ وَالْحاكِمِ بِاَمْرِهِ، وَالْقَيِّمِ بِدينِهِ، وَالنّاطِقِ بِحِكْمَتِهِ، وَالْعامِلِ بِكِتابِهِ، أخي الرَّسُولِ وَزَوْجِ الْبَتُولِ وَسَيْفِ اللهِ الْمَسْلُولِ، اَلسَّلامُ عَلى صاحِبِ الدَّلالاتِ، وَالاْياتِ الْباهِراتِ، وَالْمُعْجِزاتِ الْقاهِراتِ، وَالْمُنْجي مِنَ الْهَلَكاتِ، الَّذي ذَكَرَهُ اللهُ في مُحْكَمِ الاْياتِ، فَقالَ تَعالى: (وَاِنَّهُ في اُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيُّ حَكيمٌ) اَلسَّلامُ عَلَى إسْمِ اللهِ الرَّضي، وَوَجْهِهِ الْمُضييِّ وَجَنْبِهِ الْعَلِيِّ وَرَحْمَةُ اللهِ، وَبَرَكاتُهُ، اَلسَّلامُ عَلى حُجَجِ اللهِ وَاَوْصِيائِهِ وَخاصَّةِ اللهِ وَاَصْفِيائِهِ، وَخالِصَتِهِ وَاُمَنائِهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، قَصَدْتُكَ يا مَوْلايَ يا اَمينَ اللهِ وَحُجَّتَهُ زائِراً عارِفاً بِحَقِّكَ، مُوالِياً لاَِوْلِيائِكَ، مُعادِياً لاَِعْدائِكَ، مُتَقَرِّباً اِلَى اللهِ بِزِيارَتِكَ، فَاشْفَعْ لي عِنْدَ اللهِ رَبّي وَرَبِّكَ في خَلاصِ رَقَبَتي مِنَ النّارِ، وَقَضاءِ حَوائِجي حَوائِجِ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ. ثمّ انكبّ على القبر وَقَبّله وقُل:
سَلامُ اللهِ وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبينَ وَالْمُسَلِّمينَ لَكَ بِقُلُوبِهِمْ يا اَميرَ الْمُؤْمِنينَ، وَالنّاطِقينَ بِفَضْلِكَ، وَالشّاهِدينَ عَلى اَنَّكَ صادِقٌ اَمينٌ صِدّيقٌ، عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَشْهَدُ اَنَّكَ طُهْرٌ طاهِرٌ مُطَهَّرٌ، مِنْ طُهْر طاهِر مُطَهَّر، اَشْهَدُ لَكَ يا وَلِيَّ اللهِ وَوَلِيَّ رَسُولِهِ بِالْبَلاغِ وَالاَْداءِ، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ جَنْبُ اللهِ وَبابُهُ، وَاَنَّكَ حَبيبُ اللهِ وَوَجْهُهُ الَّذي يُؤْتى مِنْهُ، وَاَنَّكَ سَبيلُ اللهِ، وَاَنَّكَ عَبْدُ اللهِ وَاَخُو رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، اَتَيْتُكَ مُتَقَرِّباً اِلَى اللهِ عَزَّوَجَلَّ بِزِيارَتِكَ، راغِباً اِلَيْكَ فِي الشِّفاعَةِ، أبْتَغي بِشَفاعَتِكَ خَلاصَ رَقَبَتي مِنَ النّارِ، مُتَعَوِّذاً بِكَ مِنَ النّارِ، هارِباً مِنْ ذُنوُبِيَ الَّتِي احْتَطَبْتُها عَلى ظَهْري فَزِعاً اِلَيْكَ رَجاءَ رَحْمَةِ رَبّي، اَتَيْتُكَ اَسْتَشْفِعُ بِكَ يا مَوْلايَ، وَاَتَقَرَّبُ بِكَ اِلَى اللهِ لَيَقْضِيَ بِكَ حَوائِجي، فَاشْفَعْ لي يا اَميرَ الْمُؤْمِنينَ اِلَى اللهِ فَاِنّي عَبْدُ اللهِ وَمَوْلاكَ وَزائِرُكَ وَلَكَ عِنْدَ اللهِ الْمَقامُ الَْمحْمُودُ وَالْجاهُ الْعَظيمُ، وَالشَّأْنُ الْكَبيرُ، وَالشَّفاعَةُ الْمَقْبُولَةُ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَصَلِّ عَلى اَميرِ الْمُؤْمِنينَ عَبْدِكَ الْمُرْتَضى، وَاَمينِكَ الاَْوْفى، وَعُرْوَتِكَ الْوُثْقى، وَيَدِكَ الْعُلْيا، وَجَنِْبكَ الاَْعْلى، وَكَلِمَتِكَ الْحُسْنى، وَحُجَّتِكَ عَلَى الْوَرى، وَصِدّيقِكَ الاَْكْبَرِ، وَسَيِّدِ الاَْوْصِياءِ، وَرُكْنِ الاَْوْلِياءِ، وَعِمادِ الاَْصْفِياءِ، اَميرِ الْمُؤْمِنينَ، وَيَعْسُوبِ الدّينِ، وَقُدْوَةِ الصّالِحينَ، وَاِمامِ الُْمخْلِصينَ، الْمَعْصُومِ مِنَ الْخَلَلِ، الْمُهَذَّبِ مِنَ الزَّلَلِ، الْمُطَهَّرِ مِنَ الْعَيْبِ، الْمُنَزَّهِ مِنَ الرَّيْبِ، اَخي نَبِيِّكَ وَوَصِيِّ رَسُولِكَ، الْبائِتِ عَلى فِراشِهِ، وَالْمُواسي لَهُ بِنَفْسِهِ، وَكاشِفِ الْكَرْبِ عَنْ وَجْهِهِ، الَّذي جَعَلْتَهُ سَيْفاً لِنُبُوَّتِهِ، وَآيَةً لِرِسالَتِهِ، وَشاهِداً عَلى اُمَّتِهِ، وَدَلالَةً عَلى حُجَّتِهِ، وَحامِلاً لِرايَتِهِ، وَوِقايَةً لِمُهْجَتِهِ، وَهادِياً لاُِمَّتِهِ، وَيَداً لِبَأسِهِ، وَتاجاً لِرَأسِهِ، وَباباً لِسِرِّهِ، وَمِفْتاحاً لِظَفَرِهِ، حَتّى هَزَمَ جُيُوشَ الشِّرْكِ بِاِذْنِكَ، وَاَبادَ عَساكِرَ الْكُفْرِ بِاَمْرِكَ، وَبَذَلَ نَفْسَهَ في مَرْضاتِ رَسُولِكَ، وَجَعَلَها وَقْفاً عَلى طاعَتِهِ، فَصَلِّ اللّهُمَّ عَلَيْهِ صَلاةً دائِمَةً باقِيَةً، ثم قل: اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ، وَالشَّهابُ الثّاقِبُ وَالنُّورُ الْعاقِبُ، يا سَليلَ الاَْطائِبِ، يا سِرَّ اللهِ، اِنَّ بَيْني وَبَيْنَ اللهِ تَعالى ذُنُوباً قَدْ اَثْقَلَتْ ظَهْري وَلا يَأتي عَلَيْها اِلاّ رِضاهُ، فَبِحَقِّ مَنِ ائْتَمَنَكَ عَلى سِرِّهِ، وَاسْتَرْعاكَ اَمْرَ خَلْقِهِ، كُنْ لي اِلَى اللهِ شَفيعاً، وَمِنَ النّارِ مُجيراً، وَعَلَى الدَّهْرِ ظَهيراً، فَاِنّي عَبْدُاللهِ وَوَلِيُّكَ وَزائِرُكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ. ثمّ صلّ ستّ ركعات صلاة الزّيارة وادعُ بما شئت وقُل:
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَميرَ الْمُؤمِنينَ، عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ،
ثمّ توجّه الى جانب قبر الحسين عليه السلام، واَشِر اليه وقُل: اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، اَتَيْتُكُما زائِراً وَمُتَوَسِّلاً اِلَى اللهِ تَعالى رَبّي وَرَبِّكُما، وَمُتَوَجِّهاً اِلَى اللهِ بِكُما، وَمُسْتَشْفِعاً بِكُما اِلَى اللهِ في حاجَتي هذِهِ وادعُ الى آخر دعاء صفوان (اِنَّهُ قَريبٌ مُجيبٌ)، ثمّ استقبل القبلة وادعُ من أوّل دعاءه يا اللهُ يا اللهُ يا الله،ُ يا مُجيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرّينَ، وَيا كاشِفَ كَرْبِ الْمَكْرُوبينَ (الى) وَاصْرِفْني بِقَضاءِ حاجَتي وَكِفايَةِ ما اَهَمَّني هَمُّهُ مِنْ اَمْرِ دُنْيايَ وَآخِرَتي يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ، ثمّ التفت الى جانب قبر امير المؤمنين عليه السلام، وقُل: اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَميرَ الْمُؤْمِنينَ، وَاَلسَّلامُ عَلى اَبي عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنِ ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ، لا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُما، وَلا فَرَّقَ اللهُ بَيْني وَبَيْنَكُما.
وروى جمعٌ مِن العُلماء منهم الشّيخ محمّد بن المشهدي قال: روى محمّد بن خالد الطّيالسي، عن سَيف بن عميرة قال: خرجت مع صفوان الجمّال وجَماعة مِن أصحابنا الى الغريّ فزرنا أمير المؤمنين عليه السلام، فلمّا فَرغنا من الزّيارة صرف صفوان وجهُه الى ناحية أبي عبد الله عليه السلام، وقال: نزور الحسين بن علي عليهما السلام، من هذا المكان من عِند رأسِ أمير المؤمنين عليه السلام، وقال صفوان: وردت ها هنا مع سيّدي الصّادق عليه السلام، ففعل مثل هذا ودعا بهذا الدّعاء ثمّ قال لي: يا صفوان تعاهد هذه الزّيارة وادعُ بهذا الدّعاء وزُر عليّاً والحُسين عليهما السلام، بهذه الزّيارة، فانّي ضامن على الله لكلّ من زارهما بهذه الزّيارة ودعا بهذا الدّعاء من قُرب أو بُعد انّ زيارته مقبولة، وانّ سعيه مشكور، وسلامه واصل غير محجوب، وحاجته مقضيّة من الله بالغاً ما بلغت.
- التفاصيل
- المجموعة: سيرة المعصومین وذویهم
نسبه الشّريف عليه السلام
الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المُطلب بن هشام بن عبد مُناف بن قُصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن مرّة بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خُزيمة مدرك بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان عليهم السّلام.
قال الشّاعر:
نَسَبٌ كأنَّ عليه مِنْ شَمسِ الضّحَى نُوراً ومِنْ فلق الصّباحِ عَمُودا
والدته: هي فاطمة الزّهراء (عليها السلام)، الحورية الإنسيّة، الرّاضية المرضيّة، بهجة قلب المُصطفى، وزوجة المُرتضى، وأمّ السبطين الحسن والحسين، الصّدّيقة الطّاهرة، المظلومة المقهورة، المباركة الزّكيّة، المحدثة المعصومة، سيدة نساء العالمين، فاطمة بنت مُحمّد صلّى الله عليه وآله.
ولادته عليه السلام
عن الأصبغ بن نباتة، قال: ولدت فاطمة ابنها الحسن بن عليّ, في النّصف من شهر رمضان, سنة ثلاث من الهجرة، وقيل: سنة اثنتين من الهجرة. وكانت ولادته عليه السّلام في المدينة.
وعن قتادة، قال: ولدت فاطمة الحسن بعد اُحد بسنتين, وكان بين وقعة اُحد وبين مقدم النّبي صلّى الله عليه وآله, سنتان وستة أشهر ونصف.
وعن سودة بنت مسرح, قالت: كنت فيمن حضر فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله حين ضربها المخاض، قالت: فأتانا رسول الله صلّى الله عليه وآله, فقال: كيف هي ابنتي فديتها؟ قالت: قُلت: إنّها لتجهد يا رسول الله، قال: فإذا وضعت, فلا تسبقني به بشيء. قالت: فوضعته فسررته ولففته في خرقة صفراء, فجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله, فقال: ما فعلت ابنتي فديتها؟ وما حالها؟ وكيف هي؟ فقُلت: يا رسول الله, وضعته وسررته ولففته في خرقة صفراء. فقال: لقد عصيتني. قالت: قُلت: أعوذ بالله من معصية الله ومعصية رسول الله صلّى الله عليه وآله, سررته يا رسول الله، ولم أجد من ذلك بُدّاً. قال: آتيني به. قالت: فأتيته به, فألقى عنه الخرقة الصّفراء ولفّه في خرقة بيضاء وتفل في فيه وألباه بريقه, قالت: فجاء عليّ عليه السّلام, فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما سمّيته يا عليّ؟ قال: سمّيته جعفراً يا رسول الله، قال: لا, ولكنّه حسن وبعده حُسين, وأنت أبو الحسن والحُسين.
وقيل: جاءت به اُمّه فاطمة سيّدة النّساء عليها السّلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم السّابع من مولده في خرقة من حرير الجنّة, نزل بها جبرئيل إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فسمّاه حسناً، وعقّ عنه كبشاً. وقُبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وله سبع سنين وأشهر، وقيل: ثمان سنين.
أسماؤه عليه السلام
أوّلا أسماؤه في السماء
عن جابر قال: قال النّبي صلّى الله عليه وآله: سُمّي الحسن حسناً؛ لأنّ بإحسان الله قامت السّماوات والأرضون، واشتقّ الحُسين من الإحسان، وعليّ والحسن اسمان من أسماء الله تعالى, والحُسين تصغير الحسن.
وعن عبد الله بن عيسى، عن جعفر بن مُحمّد، عن أبيه عليه السّلام, قال: أهدى جبرائيل عليه السّلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله اسم الحسن بن عليّ عليه السّلام, وخرقة حرير من ثياب الجنّة, واشتّق اسم الحُسين من اسم الحسن عليه السّلام.
وعن جابر بن عبدالله, قال: لمّا ولدت فاطمة الحسن عليهما السّلام, قالت لعليّ: سمّه. فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلّى الله عليه وآله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما كنت لأسبق باسمه ربّي عزّ وجلّ. فأوحى الله جلّ جلاله إلى جبرئيل عليه السّلام: إنّه قد ولد لمُحمّد ابن فاهبط إليه وهنّئه وقُل له: إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون. فهبط جبرئيل عليه السّلام, فهنّأه من الله تعالى جلّ جلاله، ثمّ قال: إنّ اللهّ تعالى يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون. قال: وما كان اسمه؟ قال: شبّر. قال: لساني عربي. قال:سمه الحسن. فسمّاه الحسن.
وعن عمران بن سلمان، وعمرو بن ثابت، قالا: الحسن والحُسين اسمان من أسامي أهل الجنّة, ولم يكونا في الدّنيا.
وحكى أبو الحُسين النّسابة: كأنّ الله عزّ وجلّ حجب هذين الاسمين عن الخلق، يعني حسناً وحُسيناً، حتّى تسمّى بهما ابنا فاطمة عليها السّلام، فإنّه لا يُعرف أنّ أحداً من العرب تسمّى بهما في قديم الأيام إلى عصرهما, لامن ولد نزار ولا اليمن مع سعة أفخاذهما, وكثرة ما فيهما من الأسامي.
ثانياً : أسماؤه عليه السلام على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم
بالإسناد عن سالم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّي سمّيت ابني هذين باسم ابني هارون شبّراً وشبيراً.
وعن سلمان، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: سمّى هارون ابنيه شبّراً وشبيراً، وإنّي سمّيت ابني الحسن والحُسين.
وعن مُحمّد بن عليّ بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال النّبي صلّى الله عليه وآله: يا فاطمة, اسم الحسن والحُسين كابني هارون شبّر وشبير؛ لكرامتهما على الله عزّ وجلّ.
وعن سودة بنت مسرح، كما في الحديث المتقدّم، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما سمّيته يا عليّ؟ قال: سمّيته جعفراً يا رسول الله، قال: لا, ولكنّه حسن وبعده حُسين, وأنت أبو الحسن والحُسين.
ثالثاً : أسماؤه عليه السلام في التوراة والانجيل
عن أبي هريرة، قال: قدم راهب على قعود به, فقال: دلّوني على منزل فاطمة عليها السّلام. قال: فدلوه عليها، فقال لها: يا بنت رسول الله, اخرجي إليّ ابنيك. فأخرجت إليه الحسن والحُسين, فجعل يُقبّلهما ويبكي ويقول: اسمهما في التّوراة شُبّر وشُبير, وفي الإنجيل طاب وطيب. ثمّ سأل عن صفة النّبي صلّى الله عليه وآله, فلمّا ذكروه, قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله, وأشهد أنّ مُحمّداً رسول الله صلّى الله عليه وآله.
كُناه عليه السلام
من أشهر كُناه صلوات الله عليه:
"أبو مُحمّد وأبو القاسم"
ألقابه الشريفة عليه السلام
من ألقاب الإمام عليه السّلام: السّيد، والسّبط، والأمين، والحُجّة، والبرّ، والتّقي، والأمير، والزّكي، والمُجتبى، والسّبط الأوّل، والزّاهد.
صفاته عليه السلام
من صفات الإمام عليه السّلام: إنّه كان أبيض اللون، مُشرباً بحمرة، واسع العينين، كثّ اللحية، ليس بالطّويل ولا بالقصير، مليحاً، عليه سيماء الأنبياء.
عن عليّ عليه السّلام قال: أشبه الحسن رسول الله صلّى الله عليه وآله ما بين الصّدر إلى الرّأس, والحُسين أشبه النّبي صلّى الله عليه وآله ما كان أسفل من ذلك.
وعن أحمد بن مُحمّد بن أيوب المغيري, قال: كان الحسن بن عليّ عليهما السّلام أبيض مُشرباً بحُمرة، أدعج العينين، سهل الخدّين، دقيق المسربة, كثّ اللحية، ذا وفرة، وكأنّ عنقه إبريق فضّة، عظيم الكراديس، وبعيد ما بين المنكبين، ربعة ليس بالطّويل ولا القصير، مليحاً من أحسن النّاس وجهاً، وكان يخضب بالسّواد، وكان جعد الشّعر، حسن البدن.
زوجاته عليه السلام
تزوج الإمام الحسن عليه السّلام بعدّة زوجات منهنّ:
1 - أم بشير بنت مسعود الخزرجيّة.
2 - خولة بنت منظور الفزاريّة.
3 - أم اسحاق بنت طلحة.
4- جُعدة بنت الأشعث.( وهي التي قتلته بالسّم )
وعلى رواية, إنّ زوجات الإمام عليه السّلام:
1 - اُمّ كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المُطلب بن هاشم.
2 – خولة بنت منظور بن زبان بن سيار بن عمرو.
3 – اُمّ بشير بنت أبي مسعود, وهو عقبة بن عمر بن ثعلبة.
4 – جعدة بنت الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي.
5 – اُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله بن عثمان التّيمي.
6 - زينب بنت سبيع بن عبدالله, أخي جرير بن عبد الله البجلي.
7 – اُمّ ولد, تُدعى بقيلة.
8 – اُمّ ولد, تُدعى ظمياء.
9 - اُمّ ولد, تُدعى صافية.
أولاده عليه السلام
أولاد الإمام الحسن بن عليّ عليهم السّلام خمسة عشر ولداً, ذكراً واُنثى:
زيد بن الحسن، واُختاه اُمّ الحسن واُمّ الحُسين، اُمّهم اُمّ بشير بنت أبي مسعود بن عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجية.
والحسن بن الحسن, اُمّه خوله بنت منظور الفزارية.
وعمرو بن الحسن، وأخواه القاسم وعبد الله, اُمّهم اُمّ ولد.
وعبد الرّحمن, اُمّه اُمّ ولد.
والحُسين, المُلقّب بالأثرم، وأخوه طلحة, واختهما فاطمة, اُمّهم اُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التّيمي.
واُمّ عبد الله، وفاطمة، واُمّ سلمة، ورقيّة, لاُمّهات شتّى.
وذكرت بعض المصادر, بأنّ أولاد الحسن أكثر من هذا العدد، وهم عشرون بين ذكر واُنثى:
مُحمّد الأكبر, جعفر, حمزة, عبد الله الأصغر, مُحمّد الاصغر, زيد, إسماعيل, يعقوب, القاسم, أبا بكر, عبد الله, حُسين الأثرم, عبد الرّحمن, عُمر, طلحة, فاطمة, اُمّ الحسن, اُمّ الخير, اُمّ سلمة, اُمّ عبد الله.
نقش خاتمه عليه السلام
نقش خاتمه عليه السّلام: لا إله إلاّ الله الحقّ المُبين.
حيث قال ابن عساكر: عن داود بن عمرو الضّبي: أنبأنا موسى بن مُحمّد بن جعفر الصّادق، عن أبيه، عن جده، قال: قال الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: رأيت عيسى بن مريم عليه السّلام في النّوم، فقُلت: يا روح الله, إنّي أريد أن أنقش على خاتمي, فما أنقش عليه؟ قال: إنقش عليه: لا إله إلاّ الله الحقُّ المُبين؛ فإنّه يذهب الهمّ والغمّ.
وفي روايه اُخرى: العِزّة للهِ وَحدَهُ. وقيل غير ذلك.
علمه عليه السلام
أخي القارئ الكريم، علم الأئمة عليهم السّلام ممّا لا يُقاس به علم من علوم غيرهم, ممن لم يبلغ مرتبة العصمة الإلهيّة { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرّجْسَ أهل الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}؛ لأنّ علمهم من علم رسول الله صلّى الله عليه وآله, وعلم رسول الله صلّى الله عليه وآله من الله سبحانه وتعالى, قال عليّ عليه السّلام: علّمني رسول الله صلّى الله عليه وآله, ألف باب يفتح ألف باب. وقال أبوعبد الله عليه السّلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله, في مرضه الذي توفّي فيه: ادعوا لي خليلي. فأرسلتا إلى أبويهما، فلمّا رآهما أعرض بوجهه عنهما، ثمّ قال: ادعوا لي خليلي. فأرسلتا إلى عليّ عليه السّلام, فلمّا جاء أكبّ عليه فلم يزل يحدّثه ويحدّثه، فلمّا خرج لقياه فقالا له: ما حدّثك؟ قال: حدّثني بباب يفتح ألف باب، كلّ باب يفتح ألف باب. وعليّ عليه السّلام علّم ولديه الحسن والحُسين العلم الذي تعلمه من رسول الله صلّى الله عليه وآله, وهكذا إلى الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه, ولكن نذكر ذلك جرياً على ما جرت عليه عادة الكتاب أو الذاكرين لسير العُظماء من رجالات الأمم والشّعوب, ليس إلا.
1 - روى الكليني: عن أحمد بن مُحمّد؛ ومحمد بن يحيى، عن مُحمّد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير عن رجاله عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: إنّ الحسن عليه السّلام قال: إنّ لله مدينتين إحداهما بالمشرق والاُخرى بالمغرب, عليهما سور من حديد, وعلى كلّ واحد منهما ألف ألف مصراع, وفيها سبعون ألف ألف لغة, يتكلّم كلّ لغة بخلاف لغة صاحبها, وأنا أعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما, وما عليهما حجّة غيري وغير الحُسين أخي.
2 – روي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: بينما أمير المؤمنين عليه السّلام في الرّحبة والنّاس عليه متراكمون, فمن بين مستفت ومن بين مستعدى, إذ قام إليه رجل فقال: السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فنظر إليه أمير المؤمنين عليه السّلام بعينيه هاتيك العظيمتين, ثمّ قال: وعليك السّلام ورحمة الله وبركاته, مَن أنت؟ فقال: أنا رجل من رعيتك وأهل بلادك. قال: ما أنت من رعيتي وأهل بلادي، ولو سلّمت عليّ يوماً واحداً ما خفيت عليّ. فقال: الأمان يا أمير المؤمنين. فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: هل أحدثت في مصري هذا حدثاً منذ دخلته؟ قال: لا. قال: فعلّك من رجال الحرب؟ قال: نعم.
قال: إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس. قال: أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلاً لك, أسألك عن شئ بعث فيه ابن الأصفر, وقال له: إن كنت أنت أحقّ بهذا الأمر والخليفة بعد مُحمّد, فأجبني عمّا أسألك, فإنّك إذا فعلت ذلك اتبعتك, وأبعث إليك بالجائزة. فلم يكُن عنده جواب وقد أقلقه ذلك, فبعثني إليك لاسألك عنها, فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: قاتل الله ابن آكلة الأكباد, ما أضلّه وأعماه ومن معه. والله, لقد أعتق جارية, فما أحسن أن يتروج بها, حكم الله بيني وبين هذه الاُمّة، قطعوا رحمي واضاعوا أيّامي، ودفعوا حقّي وصغّروا عظيم منزلتي, وأجمعوا على منازعتي. عليّ بالحسن والحُسين ومُحمّد فاحضروا. فقال: يا شامي, هذان ابنا رسول الله, وهذا ابني, فسأل أيّهم أحببت؟ فقال: أسأل ذا الوفرة ـ يعني الحسن عليه السّلام, وكان صبيّاً ـ فقال له الحسن عليه السّلام: سلني عمّا بدا لك. فقال الشّامي: كم بين الحقّ والباطل؟ وكم بين السّماء والأرض؟ وكم بين المشرق والمغرب؟ وما قوس قزح؟ وما العين التّي تأوي إليها أرواح المشركين؟ وما العين التّي تأوي إليها أرواح المؤمنين؟ وما المؤنث؟ وما عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض؟
فقال الحسن بن عليّ عليهما السّلام: بين الحقّ والباطل أربع أصابع, فما رأيته بعينك فهو الحقّ، وقد تسمع باذنيك باطلاً كثيراً. قال الشّامي: صدقت. قال: وبين السّماء والأرض, دعوة المظلوم ومدّ البصر, فمَن قال لك غير هذا فكذّبه. قال: صدقت يابن رسول الله. قال: وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس, تنظر إليها حين تطلع من مشرقها وحين تغيب من مغربها. قال الشّامي: صدقت, فما قوس قزح؟ قال عليه السّلام: ويحك! لا تقُل قوس قزح, فإنّ قزح اسم شيطان, وهو قوس الله وعلامة الخصب وأمان لأهل الأرض من الغرق. وأمّا العين التّي تأوي إليها أرواح المُشركين, فهي عين يُقال لها: برهوت. وأمّا العين التّي تأوي إليها أرواح المؤمنين: وهي يُقال لها: سلمى. وأمّا المؤنث, فهو الذي لا يدري أذكر هو أم اُنثى, فإنّه يُنتظر به, فإن كان ذكراً احتلم, وإن كانت اُنثى, حاضت وبدا ثديها، وإلا قيل له: بُل على الحائط, فإن أصاب بوله الحائط, فهو ذكر, وإن انتكص بوله كما انتكص بول البعير, فهي امرأة.
وأمّا عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض: فأشدّ شئ خلقه الله عزّ وجلّ, الحجر، وأشدّ من الحجر, الحديد الذي يقطع به الحجر، وأشدّ من الحديد, النّار تُذيب الحديد, وأشدّ من النّار, الماء يطفئ النّار، وأشدّ من الماء, السّحاب يحمل الماء، وأشدّ من السّحاب, الرّيح تحمل السّحاب، وأشدّ من الرّيح, المَلك الذي يرسلها، وأشدّ من المَلك, مَلك الموت الذي يميت المَلك، وأشدّ من مَلك الموت, الموت الذي يميت مَلك الموت، وأشدّ من الموت, أمر الله ربّ العالمين يميت الموت.
فقال الشّامي: أشهد أنّك ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله حقّاً, وأنّ علياً أولى بالأمر من معاوية.
ثمّ كتب هذه الجوابات وذهب بها إلى معاوية، فبعثها معاوية إلى ابن الأصفر, فكتب إليه ابن الأصفر: يا معاوية, لِمَ تُكلمني بغير كلامك وتجيبني بغير جوابك؟ أقسم بالمسيح ما هذا جوابك, وما هو إلا من معدن النّبوة وموضع الرّسالة, وأمّا أنت, فلو سألتّني درهماً ما أعطيتك.
3 - عن مُحمّد بن إسحاق بالإسناد: جاء أبوسفيان إلى عليّ عليه السّلام فقال: يا أبا الحسن, جئتك في حاجة. قال: وفيمَ جئتني؟ قال: تمشي معي إلى ابن عمّك مُحمّد, فتسأله أن يعقد لنا عقداً ويكتب لنا كتاباً. فقال: يا أبا سفيان, لقد عقد لك رسول الله عقداً لا يرجع عنه أبداً, وكانت فاطمة من وراء السّتر، والحسن يدرج بين يديها وهو طفل من أبناء أربعة عشر شهراً, فقال لها: يابنت مُحمّد, قولي لهذا الطّفل يُكلّم لي جدّه, فيسود بكلامه العرب والعجم، فأقبل الحسن عليه السّلام إلى أبي سفيان وضرب إحدى يديه على أنفه والاُخرى على لحيته, ثمّ أنطقه الله عزّ وجلّ بأن قال: يا أبا سفيان, قُل لا إله إلاّ الله مُحمّد رسول الله حتّى أكون شفيعاً. فقال عليه السّلام: الحمد الله الذي جعل في آل مُحمّد من ذرّيّة مُحمّد المُصطفى نظير يحيى بن زكريا وآتيناه الحُكم صبيّاً.
4 - قال المجلسي: نقلاً عن كتاب النّجوم: روى ابن جمهور العمي في كتاب الواحدة في أوائل أخبار مولانا الحسن بن عليّ عليهم السّلام, من خطبة له في صفة النّجوم ما هذا لفظة: ثمّ أجرى في السّماء مصابيح ضوؤها في مفتحه وحارثها بها, وجال شهابها من نجومها الدّراري المضيئة, التّي لولا ضوؤها ما أنفذت أبصار العباد في ظلم الليل المظلم بأهواله المدلهم بحنادسه, وجعل فيها أدّلة على منهاج السّبل لمّا أحوج إليه الخليقة من الانتقال والتّحوّل والإقبال والإدبار.
جوابه عليه السلام لسؤال الحسن البصري في الاستطاعة
كتب الحسن بن أبي الحسن البصري إلى أبي مُحمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام: أما بعد فإنكم معشر بني هاشم الفلك الجارية في اللجج الغامرة والأعلام النّيرة الشّاهرة أو كسفينة نوح عليه السّلام التّي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون. كتبت إليك يا أبن رسول الله عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في الاستطاعة، فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك عليهم السّلام؟ فإنّ من علم الله علمكم وأنتم شهداء على النّاس والله الشّاهد عليّكم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليّم.
فأجابه الحسن عليه السّلام: بسم الله الرّحمن الرّحيم وصل إلي كتابك ولولا ما ذكرته من حيرتك وحيرة من مضى قبلك إذا ما أخبرتك، أما بعد فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أن الله يعلمه فقد كفر, ومن أحال المعاصي على الله فقد فجر، إن الله لم يطع مكرهاً ولم يعص مغلوباً ولم يهمل العباد سدى من المملكة بل هو المالك لما ملكهم والقادر على ما عليه أقدرهم، بل أمرهم تخييراً ونهاهم تحذيراً فإن ائتمروا بالطّاعة لم يجدوا عنها صاداً وإن انتهوا إلى معصية فشاء أن يمن عليهم بأن يحول بينهم وبينها فعل وإن لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها جبراً ولا الزّموها كرها بل من عليهم بأن بصرهم وعرفهم وحذرهم وأمرهم ونهاهم لا جبلاً لهم على ما أمرهم به فيكونوا كالملائكة ولا جبراً لهم على ما نهاهم عنه ولله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين و السّلام على من اتبع الهدى.
إحتجاجات الإمام الحسن عليه السلام
أوّلاً : احتجاجه عليه السلام على مروان
قال الفقيه الأندلسي: إنّ مروان بن الحكم قال للحسن بن عليّ عليه السّلام, بين يدي معاوية: أسرع الشّيب إلى شاربك يا حسن، ويقال إن ذلك من الخرق. فقال عليه السّلام: ليس كما بلغك، ولكنّا معشر بني هاشم طيّبة أفواهنا عذبة شفاهنا، فنساءنا يقبلن علينا بأنفاسهن وقبلهن, وأنتم معشر بني أميّة فيكم بخر شديد، فنساءكم يصرفن أفواههن وأنفاسهن إلى أصداغكم, فإنّما يشيب منكم موضوع العذار من أجل ذلك. قال مروان: إنّ فيكم يا بني هاشم خصلة سوء. قال عليه السّلام: وما هي؟ قال: الغلمة. قال عليه السّلام: أجل نزعت الغلمة من نساءنا ووضعت في رجالنّا، ونزعت الغلمة من رجالكم ووضعت في نساءكم, فما قام لأمويّة إلا هاشمي. فغضب معاوية وقال: قد كنت أخبرتكم فأبيتم حتّى سمعتم ما أظلم عليكم بيتكم وأفسد عليكم مجلسكم. فخرج الحسن عليه السّلام وهو يقول:
ومارست هذا الدّهر خمسين حجّة * وخمسا أرجى قابلا بعد قابل
فلا أنا في الدّنيا بلغت جسيمها * ولا في الذي أهوى كدحت بطائل
وقد أشرعت في المنايا أكفها * وأيقنت أني رهن موت بعاجل.
ثانياً : احتجاجه عليه السلام على مروان كذلك
وقال ابن عساكر: أنبأنا الفضل بن دكين، أنبأنا مسافر الجصاص، عن رزيق بن سوار، قال: كان بين الحسن ابن عليّ عليه السّلام وبين مروان كلام, فأقبل عليه مروان فجعل يغلظ له والحسن ساكت، فامتخط مروان بيمينه, فقال له الحسن عليه السّلام: ويحك! أما علمت أنّ اليمين للوجه والشّمال للفرج؟ أفّ لك! فسكت مروان.
ثالثاً : احتجاجه عليه السلام على عمرو بن العاص وأبي الأعور
قال الطّبراني: حدّثنا مُحمّد بن عون السّيرافي، حدّثنا الحسن بن على الواسطي، حدّثنا يزيد بن هارون, أنبأنا حريز بن عثمان، عن عبد الرّحمن بن أبي عوف، قال: قال: عمرو بن العاص وأبو الأعور السّلمي لمعاوية: إنّ الحسن بن على رضي الله عنهما رجل عيي. فقال معاوية: لا تقولا ذلك، فانّ رسول الله عليه السّلام قد تفل في فيه، ومن تفل رسول الله صلّى الله عليه وآله في فيه فليس بعيي...
فقال الحسن بن عليّ عليه السّلام رضي الله عنه: أما أنت يا عمرو , فإنّه تنازع فيك رجلان، فانظر أيّهما أباك. وأمّا أنت يا أبا الأعور, فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لعن رعلاً وذكواناً وعمرو بن سفيان.
رابعاً : احتجاجه عليه السلام على معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وغيرهم
ذكر العلامة الطبرسي في الاحتجاج، ما نصّه:
قالوا: لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل، أكثر ضجيجا ولا أعلى كلاما ولا أشد مبالغة في قول، من يوم اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان عمرو بن عثمان بن عفان، وعمرو بن العاص، وعتبة بن أبي سفيان، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، والمغيرة بن أبي شعبة، وقد تواطؤا على أمر واحد. فقال عمرو بن العاص: لمعاوية ألا تبعث إلى الحسن بن عليّ فتحضره، فقد أحيى سنة أبيه، وخفقت النعال خلفه، امر فاطيع، وقال فصدق، وهذان يرفعان به إلى ما هو اعظم منهما، فلو بعثت إليه فقصرنا به وبأبيه، وسببناه وسببنا أباه، وصغرنا بقدره وقدر أبيه، وقعدنا لذلك حتى صدق لك فيه، فقال لهم معاوية: اني أخاف ان يقلدكم قلايد يبقى عليكم عارها، حتى يدخلكم قبوركم، والله ما رأيته قط الا كرهت جنابه، وهبت عتابه، واني ان بعثت إليه لانصفنه منكم. قال عمرو بن العاص: أتخاف ان يتسامى باطله على حقنا، ومرضه على صحتنا قال: لاقال: فابعث إذا إليه. فقال عتبة: هذا رأي لاأعرفه، والله ما تستطيعون ان تلقوه بأكثر ولا أعظم مما في أنفسكم عليه، ولا يلقاكم بأعظم مما في نفسه عليكم، وانه لاهل بيت خصم جدل، فبعثوا إلى الحسن فلما أتاه الرسول قال له: يدعوك معاوية. قال: ومن عنده؟ قال الرسول: عنده فلان وفلان، وسمى كلا منهم باسمه. فقال الحسن عليه السلام: مالهم خر عليهم السقف من فوقهم، وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون. ثمّ قال: يا جارية ابلغيني ثيابي. ثمّ قال: " اللهم اني ادرأ بك في نحورهم، وأعوذ بك من شرورهم، وأستعين بك عليهم، فاكفنيهم بما شئت، وانى شئت، من حولك وقوتك، يا ارحم الراحمين " وقال للرسول: هذا كلام الفرج، فلما أتى معاوية رحب به، وحياه وصافحه. فقال الحسن عليه السلام: ان الذي حييت به سلامة، والمصافحة أمن. فقال معاوية: أجل ان هؤلاء بعثوا اليك وعصوني ليقروك: ان عثمان قتل مظلوما، وان أباك قتله، فاسمع منهم، ثمّ اجبهم بمثل ما يكلمونك، فلا يمنعك مكاني من جوابهم. فقال الحسن: فسبحان الله البيت بيتك والاذن فيه اليك ! والله لئن أجبتهم إلى ما ارادوا اني لأستحيى لك من الفحش، وان كانوا غلبوك على ما تريد، اني لاستحيى لك من الضعف، فبأيهما تقر، ومن ايهما تعتذر، واما اني لو علمت بمكانهم واجتماعهم، لجئت بعدتهم من بني هاشم مع اني مع وحدتي هم أوحش مني من جمعهم، فان الله عزوجل لوليي اليوم وفيما بعد اليوم، فمرهم فليقولوا فأسمع، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. فتكلم عمرو بن عثمان بن عفان فقال: ما سمعت كاليوم ان بقي من بني عبد المطلب على وجه الأرض من أحد بعد قتل الخليفة عثمان بن عفان، وكان ابن اختهم، والفاضل في الإسلام منزلة، والخاص برسول الله اثره، فبئس كرامة الله حتى سفكوا دمه اعتداء، وطلبا للفتنة، وحسدا، ونفاسة، وطلب ما ليسوا باهلين لذلك، مع سوابقه ومنزلته من الله، ومن رسوله، ومن الإسلام، فياذلاه ان يكون حسن وساير بني عبد المطلب قتلة عثمان، احياء يمشون على مناكب الأرض وعثمان بدمه مضرج، مع ان لنا فيكم تسعة عشر دما بقتلى بني امية ببدر ثمّ تكلم عمرو بن العاص: فحمد الله واثنى عليه، ثمّ قال: اي ابن أبي تراب بعثنا اليك لنقررك ان أباك سم أبا بكر الصديق، واشترك في قتل عمر الفاروق وقتل عثمان ذي النورين مظلوما، وادعى ما ليس له حق، ووقع فيه، وذكر الفتنة، وعيره بشأنها؟ ثمّ قال: انكم يا بني عبد المطلب لم يكن الله ليطيعكم الملك فتركبون فيه مالا يحل لكم، ثمّ انت يا حسن تحدث نفسك بانك كائن امير المؤمنين وليس عندك عقل ذلك، ولا رأيه، وكيف وقد سلبته، وتركت أحمق في قريش، وذلك لسوء عمل أبيك، وانما دعوناك لنسبك وأباك ثمّ انك لا تستطيع ان تعيب علينا، ولا ان تكذبنا به، فان كنت ترى أنا كذبناك في شئ، وتقولنا عليك بالباطل، وادعينا عليك خلاف الحق فتكلم، والا فاعلم انك وأباك من شر خلق الله، فاما أبوك فقد كفانا الله قتله وتفرد به، واما أنت فانك في ايدينا نتخير فيك، والله ان لو قتلناك ماكان في قتلك اثم عند الله، ولا عيب عند الناس ثمّ تكلم عتبة بن أبي سفيان، فكان اول ما ابتدأ به ان قال: يا حسن ان أباك كان شر قريش لقريش، أقطعه لأرحامها، وأسفكه لدمائها وانك لمن قتلة عثمان، وان في الحق ان نقتلك به، وان عليك القود في كتاب الله عزوجل، وانا قاتلوك به، واما أبوك فقد تفرد الله بقتله فكفانا امره، واما رجاؤك الخلافة فلست فيها، لا في قدحة زندك، ولا في رجحة ميزانك. ثمّ تكلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط بنحو من كلام أصحابه فقال: يا معشر بني هاشم كنتم أول من دب بعيب عثمان وجمع الناس عليه، حتى قتلتموه حرصا على الملك، وقطيعة للرحم، واستهلاك الامة، وسفك دمائها؛ حرصا على الملك، وطلبا للدنيا الخبيثة، وحبا لها، وكان عثمان خالكم، فنعم الخال كان لكم، وكان صهركم، فكان نعم الصهر لكم، قد كنتم اول من حسده وطعن عليه، ثمّ وليتم قتله، فكيف رأيتم صنع الله بكم. ثمّ تكلم المغيرة بن شعبة: فكان كلامه وقوله كله وقوعا في عليّ عليه السلام ثمّ قال: يا حسن ان عثمان قتل مظلوما فلن لم يكن لأبيك في دلك عذر برئ، ولا اعتذر مذنب، غير أنا يا حسن قد ظننا لأبيك في ضمه قتلة عثمان، وايوائه لهم، وذبه عنهم، انه بقتله راض، وكان والله طويل السيف واللسان، يقتل الحي ويعيب الميت، وبنو امية خير لبني هاشم من بني هاشم لبني امية، ومعاوية خير لك يا حسن منك لمعاوية، وقد كان ابوك ناصب رسول الله صلى الله عليه واله في حياته وأجلب عليه قبل موته، واراد؟؟ قتله، فعلم ذلك من أمره رسول الله صلى الله عليه واله ثمّ كره ان يبايع أبا بكر حتى اتي به قودا، ثمّ دس عليه فسقاه سما فقتله، ثمّ نازع عمر حتى هم ان يضرب رقبته، فعمد في قتله، ثمّ طعن على عثمان حتى قتله، كل هؤلاء قد شرك في دمهم فأي منزلة له من الله يا حسن: وقد جعل الله السلطان لولي المقتول في كتابه المنزل فمعاوية ولي المقتول بغير حق، فكان من الحق لو قتلناك وأخاك، والله مادم عليّ بأخطر من دم عثمان، وما كان الله ليجمع فيكم فيكم يا بني عبد المطلب الملك والنبوة. ثمّ سكت فتكلم أبو مُحمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام فقال: الحمد لله الذي هُدى أولكم بأولنا، وآخركم بآخرنا، وصلى الله على جدي مُحمّد النبي وآله وسلم. اسمعوا مني مقالتي وأعيروني فهمكم وبك ابدء يا معاوية: انه لعمر الله يا ازرق ما شتمني غيرك وما هؤلاء شتموني، ولا سبني غيرك وما هؤلاء سبوني ولكن شتمتني، وسببتني، فحشا منك، وسوء رأي، وبغيا، وعدوانا، وحسدا علينا، وعدواة لمحمد صلى الله عليه واله، قديما وحديثا، وانه والله لو كنت أنا وهؤلاء يا أزرق مشاورين في مسجد رسول الله صلى الله عليه واله وحولنا المهاجرون والأنصار ما قدروا ان يتكلموا به، ولا استقبلوني بما استقبلوني به. فاسمعوا مني أيها الملأ المجتمعون المتعاونون عليّ، ولا تكتموا حقا علمتوه، ولا تصدقوا بباطل ان نطقت به، وسأبدء بك يا معاوية ولا أقول فيك الا دون ما فيك. أنشدكم بالله هل تعلمون ان الرجل الذي شتمتموه صلى القبلتين كلتيهما وأنت تراهما جميعا وأنت في ضلالة تعبد اللات والعزى، وبايع البيعتين كلتيهما بيعة الرضوان وبيعة الفتح، وأنت يا معاوية بالاولى كافر، وبالاخرى ناكث. ثمّ قال: انشدكم بالله هل تعلمون ان ما أقول حقا، انه لقيكم مع رسول الله صلى الله عليه واله يوم بدر ومعه راية النبي صلى الله عليه واله والمؤمنين، ومعك يا معاوية راية المشركين وانت تعبد اللات والعزى، وترى حرب رسول الله صلى الله عليه واله فرضا واجبا، ولقيكم يوم احد ومعه راية النبي، ومعك يا معاوية راية المشركين، ولقيكم يوم الأحزاب ومعه راية رسول الله صلى الله عليه واله، ومعك يا معاوية راية المشركين، كل ذلك يفلج الله حجته، ويحق دعوته، ويصدق احدوثته، وينصر رايته، وكل ذلك رسول الله يرى عنه راضيا في المواطن كلها ساخطا عليك. ثمّ انشدكم بالله هل تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله حاصر بني قريضة وبني النظير، ثمّ بعث عمر بن الخطاب ومعه راية المهاجرين، وسعد بن معاذ ومعه راية الأنصار فاما سعد بن معاذ فجرح وحمل جريحا، واما عمر فرجع هاربا وهو يجبن ويجبن أصحابه ويجبنه اصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: " لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار، ثمّ لا يرجع حتى يفتح الله عليه يديه " فتعرض لها أبو بكر وعمر، وغيرهما من المهاجرين والأنصار وعلي يومئد أرمد شديد الرمد، فدعاه رسول الله صلى الله عليه واله فتفل في عينيه فبرأ من رمده، وأعطاه الراية فمضى ولم يثن حتى فتح الله عليه بمنه وطوله، وانت يومئذ بمكة عدو لله ولرسوله. فهل يستوي بين رجل نصح لله ولرسوله، ورجل عادى الله ورسوله ثمّ اقسم بالله ما اسلم قلبك بعد، ولكن اللسان خائف فهو يتكلم بما ليس في القلب. انشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله استخلفه على المدينة في غزاة تبوك ولا سخط ذلك ولا كراهة، وتكلم فيه المنافقون فقال: لا تخلفني يارسول الله فاني لم اتخلف عنك في غزوة قط، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: أنت وصيي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى ثمّ أخذ بيد عليّ عليه السلام فقال: أيها الناس من تولاني فقد تولى الله، ومن تولى عليا فقد تولاني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع عليا فقد أطاعني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أحب عليا فقد احبني، ثمّ قال: انشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله قال في حجة الوداع: أيها الناس اني قد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده: كتاب الله وعترتي أهل بيتي فاحلوا حلاله، وحرموا حرامه، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا بما أنزل الله من الكتاب، واحبوا أهل بيتي وعترتي، ووالوا من والاهم، وانصروهم على من عاداهم، وانهما لن يزالا فيكم حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة. ثمّ دعا وهو على المنبر عليا فاجتذبه بيده فقال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، اللهم من عادى عليا فلا تجعل له في الأرض مقعدا، ولا في السماء مصعدا، واجعله في اسفل درك من النار؟ وانشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله قال له: انت الذائد عن حوضي يوم القيامة تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط ابله؟ انشدكم بالله أتعلمون انه دخل على رسول الله صلى الله عليه واله في مرضه الذي توفي فيه فبكى رسول الله صلى الله عليه واله فقال عليّ: ما يبكيك يارسول الله؟ فقال: يبكيني اني اعلم: ان لك في قلوب رجال من امتي ضغائن، لا يبدونها لك حتى اتولى عنك؟ انشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله حين حضرته الوفاة واجتمع عليه أهل بيته قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتى وعترتي، اللهم وال من ولاهم وعاد من عاداهم " وقال: " انما مثل أهل بيتى فيكم كسفينة نوح، من دخل فيها نجى، ومن تخلف عنها غرق؟ وانشدكم بالله أتعلمون: ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله قد سلموا عليه بالولاية في عهد رسول الله صلى الله عليه واله وحياته؟ انشدكم بالله أتعلمون أن عليا أول من حرم الشهوات كلها على نفسه من اصحاب رسول الله، فانزل الله عزوجل: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما احل لكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين * وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون " وكان عندهم علم المنايا، وعلم القضايا، وفصل الكتاب، ورسوخ العلم، ومنزل القرآن، وكان رهط لا نعلمهم يتممون عشرة، نبأهم الله انهم مؤمنون، وأنتم في رهط قريب من عدة اولئك لعنوا على لسان رسول الله صلى الله عليه واله، فاشهد لكم واشهد عليكم: انكم لعناء الله على لسان نبيه كلكم وانشدكم بالله هل تعلمون: ان رسول الله صلى الله عليه واله بعث اليك لتكتب له لبني خزيمة حين أصابهم خالد بن الوليد فانصرف إليه الرسول فقال: " هو يأكل " فأعاد الرسول اليك ثلاث مرات كل ذلك ينصرف الرسول إليه ويقول " هو يأكل " فقال رسول الله " اللهم لا تشبع بطنه " فهي والله في نهمتك، واكلك إلى يوم القيامة ثمّ قال: انشدكم بالله هل تعلمون ان ما أقول حقا انك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جمل احمر يقوده أخوك هذا القاعد، وهذا: يوم الأحزاب، فلعن رسول الله القائد والراكب والسائق، فكان: أبوك الراكب، وأنت يا أزرق السائق، وأخوك هذا القاعد القائد؟ انشدكم بالله هل تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن اولهن: حين خرج من مكة إلى المدينة وأبو سفيان جاء من الشام، فوقع فيه أبو سفيان فسبه، واوعده، وهم ان يبطش به، ثمّ صرفه الله عزوجل عنه. والثانية: يوم العير حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول الله. والثالثة: يوم احد قال رسول الله: الله مولانا ولا مولى لكم، وقال أبو سفيان لنا العزى ولا عزى لكم، فلعنه الله، وملائكته، ورسله، والمؤمنون اجمعون. والرابعة يوم حنين: يوم جاء أبو سفيان يجمع قريش وهوازن، وجاء عينية بغطفان واليهود، فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا، هذا: قول الله عزوجل انزل في سورتين في كلتيهما يسمي أبا سفيان واصحابه كفارا، وأنت يا معاوية يومئذ مشرك على رأي أبيك بمكة، وعلي يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه واله وعلى رأيه ودينه. والخامسة: قول الله عز وجل: " والهدي معكوفا ان يبلغ محله " وصددت انت وابوك ومشركوا قريش رسول الله، فلعنه الله لعنة شملته وذريته إلى يوم القيامة. والسادسة: يوم الأحزاب يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش، وجاء عينية بن حصين بن بدر بغطفان، فلعن رسول الله القادة والأتباع، والساقة إلى يوم القيامة. فقيل: يارسول الله اما في الاتباع مؤمن؟ قال: لا تعيب اللعنة مؤمنا من الأتباع، اما القادة فليس فيهم مؤمن، ولا مجيب، ولا ناج. والسابعة: يوم الثنية، يوم شد على رسول الله صلى الله عليه واله اثنا عشر رجلا، سبعة منهم من بني امية، وخمسة من سائر قريش، فلعن الله تبارك وتعالى ورسول الله من حل الثنية غير النبي صلى الله عليه واله وسائقه وقائده، ثمّ انشدكم بالله هل تعلمون ان أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول الله صلى الله عليه واله فقال: يابن اخي هل علينا من عين؟ فقال: لا. فقال أبو سفيان: تداولوا الخلافة يا فتيان بني امية فوالذي نفس أبي سفيان بيده، مامن جنة ولا نار. وانشدكم بالله اتعلمون ان أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع عثمان وقال: يابن أخي اخرج معي إلى بقيع الغرقد، فخرج حتى إذا توسط القبور اجتره فصاح بأعلى صوته: يا أهل القبور ! الذي كنتم تقاتلونا عليه صار بأيدينا وانتم رميم. فقال الحسين بن عليّ عليه السلام: قبح الله شيبتك، وقبح وجهك، ثمّ نتر يده وتركه، فلو لا النعمان بن بشير اخذ بيده ورده إلى المدينة لهلك. فهذا لك يا معاوية فهل تستطيع ان ترد علينا شيئا. ومن لعنتك يا معاوية ان أباك أبا سفيان كان يهم ان يسلم، فبعثت إليه بشعر معروف مروي في قريش وغيرهم، تنهاه عن الإسلام وتصده. ومنها ان عمر بن الخطاب ولاك الشام فخنت به، وولاك عثمان فتربصت به ريب المنون، ثمّ أعظم من ذلك جرأتك على الله ورسوله: انك قاتلت عليا عليه السلام وقد عرفته وعرفت سوابقه، وفضله وعلمه على امر هو أولى به منك، ومن غيرك عند الله وعند الناس، ولاذيته بل أوطأت الناس عشوة، وارقت دماء خلق من خلق الله بخدعك وكيدك وتمويهك، فعل من لا يؤمن بالمعاد، ولا يخشى العقاب، فلما بلغ الكتاب أجله صرت إلى شر مثوى، وعلي إلى خير منقلب، والله لك بالمرصاد. فهذا لك يا معاوية خاصة، وما امسكت عنه من مساويك وعيوبك فقد كرهت به التطويل. واما انت يا عمرو بن عثمان فلم تكن للجواب حقيقا بحمقك، ان تتبع هذه الامور فانما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة: استمسكى فاني اريد ان انزل عنك، فقالت لها النخلة: ما شعرت بوقوعك، فكيف يشق عليّ نزولك. واني والله ما شعرت انك تجسر ان تعادى لي فيشق عليّ ذلك، واني لمجيبك في الذي قلت: ان سبك عليا عليه السلام أينقص في حسبه، أو يباعده من رسول الله، أو بسوء بلائه في الإسلام، أو بجور في حكم أو رغبة في الدنيا؟ فان قلت واحدة منها فقد كذبت. واما قولك: ان لكم فينا تسعة عشر دما بقتلى مشركي بني امية ببدر، فان الله ورسوله قتلهم، ولعمري لتقتلن من بني هاشم تسعة عشر وثلاثة بعد تسعة عشر ثمّ يقتل من نبي امية تسعة عشر وتسعه عشر في موطن واحد سوى ما قتل من بني امية لا يحصي عددهم الا الله، وان رسول الله صلى الله عليه واله قال: إذا بلغ ولد الوزغ ثلاثين رجلا: اخذوا مال الله بينهم دولا، وعباده خولا، وكتابه دغلا، فإذا بلغوا ثلثمائة وعشر حقت اللعنة عليهم ولهم، فإذا بلغوا اربعمائة وخمسة وسبعين كان هلاكهم اسرع من لوك تمرة، فأقبل الحكم بن أبي العاص وهم في ذلك الذكر والكلام ققال رسول الله: اخفضوا اصواتكم فان الوزغ يسمع، وذلك حين رآهم رسول الله صلى الله عليه واله ومن يملك بعده منهم أمر هذه الامة - يعني في المنام - فساءه ذلك وشق عليه، فانزل الله عزوجل في كتابه، " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك الا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن " يعني: بني امية، وانزل ايضا " ليلة القدر خير من الف شهر " فأشهد لكم، واشهد عليكم، ما سلطانكم بعد قتل عليّ الا الف شهر التي اجلها الله عزوجل في كتابه. واما انت يا عمرو بن العاص الشاني اللعين الأبتر، فانما أنت كلب أول امرك، ان امك بغية، وانك ولدت على فراش مشترك، فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان بن الحرب، والوليد بن المغيرة، وعثمان بن الحرث، والنضر بن الحرث بن كلدة، والعاص بن وايل، كلهم يزعم انك ابنه، فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا، وأخبثهم منصبا، وأعظمهم بغية، ثمّ قمت خطيبا وقلت: أنا شاني مُحمّد، وقال العاص بن وايل: ان محمدا رجل ابتر لا ولد له، فلو قد مات انقطع ذكره، فانزل الله تبارك وتعالى: " ان شانئك هو الأبتر " وكانت امك تمشي إلى عبد قيس تطلب البغية، تأتيهم في دورهم ورجالهم وبطون اوديتهم ثمّ كنت في كل مشهد يشهده رسول الله من عدوه أشدهم له عداوة، وأشدهم له تكذيبا ثمّ كنت في أصحاب السفينة: الذين اتو النجاشي والمهجر الخارج إلى الحبشة في الاشاطة بدم جعفر بن أبي طالب وساير المهاجرين إلى النجاشي، فحاق المكر السئ بك، وجعل جدك الاسفل، وابطل امنيتك، وخيب سعيك، واكذب احدوثتك، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا. واما قولك في عثمان، فانت يا قليل الحياء والدين الهبت عليه نارا، ثمّ هربت إلى فلسطين تتربص به الدوائر، فلما اتاك خبر قتله حبست نفسك على معاوية، فبعته دينك يا خبيث بدنيا غيرك، ولسنا نلومك على بغضنا، ولم نعاتبك على حبنا، وانت عدو لبني هاشم في الجاهلية والإسلام، وقد هجوت رسول الله صلى الله عليه واله بسبعين بيتا من شعر، فقال رسول الله: " اللهم اني لا احسن الشعر، ولا ينبغي لى ان اقوله فالعن عمرو بن العاص بكل بيت الف لعنة " ثمّ انت يا عمرو المؤثر دنياك على دينك اهديت إلى النجاشي الهدايا، ورحلت إليه رحلتك الثانية، ولم تنهك الاولى عن يراجع المرشد الثانية، كل ذلك ترجع مغلوبا، حسيرا، تريد بذلك هذاك جعفر وأصحابه، فلما أخطأك مارجوت وأملت أحلت على صاحبك عمارة بن الوليد. واما انت ياوليد بن عقبة فوالله ما ألومك ان تبغض عليا وقد جلدك في الخمر ثمانين جلدة، وقتل أباك صبرا بيده يوم بدر، ام كيف تسبه وقد سماه الله مؤمنا في عشرة آيات من القرآن، وسماك فاسقا، وهو قول الله عزوجل: " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستون " وقوله: " ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " وما أنت وذكر قريش وانما انت ابن علج من أهل صفورية اسمه: " ذكوان " واما زعمك أنا قتلنا عثمان فوالله ما استطاع طلحة، والزبير، وعائشة، ان يقولوا ذلك لعلي بن أبي طالب فكيف تقوله انت، ولو سألت امك من أبوك إذ تركت ذكوان فالصقتك بعقبة بن أبي معيط، اكتسبت بذلك عند نفسها سناء ورفعة، مع ما اعد الله لك ولأبيك ولامك من العار والخزي في الدنيا والآخرة، وما الله بظلام للعبيد. ثمّ أنت ياوليد والله اكبر في الميلاد ممن تدعى له، فكيف تسب عليا ولو اشتغلت بنفسك لتثبت نسبك إلى أبيك لا الى من تدعى له، ولقد قالت لذلك امك " يا بني أبوك والله ألأم وأخبث من عقبة ". واما انت يا عتبة بن أبي سفيان: فوالله ما أنت بحصيف فاجاوبك، ولا عاقل فاعاقبك، وما عندك خير يرجى، وما كنت ولو سببت عليا لاعير به عليك، لأنك عندي لست بكفو لعبد عليّ بن أبي طالب فارد عليك، واعاتبك، ولكن الله عز وجل لك ولأبيك وامك وأخيك لبالمرصاد، فانت ذرية آبائك الذين ذكرهم الله في القرآن فقال: " عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية * تسقى من عين آنية * - إلى قوله - من جوع ". واما وعيدك اياي ان تقتلني، فهلا قتلت الذي وجدته على فراشك مع حليلتك، وقد غلبك على فرجها وشركك في ولدها حتى الصق بك ولدا ليس لك ويلا لك لو شغلت نفسك بطلب ثارك منه كنت جديرا، ولذلك حريا، إذ تسومني القتل وتوعدني به، ولا ألومك ان تسب عليا وقد قتل أخاك مبارزة، واشترك هو وحمزة بن عبد المطلب في قتل جدك حتى اصلاهما الله على أيديهما نار جهنم واذاقهما العذاب الأليم، ونفى عمك بأمر رسول الله. واما رجائي الخلافة، فلعمر الله ان رجوتها فان لي فيها لملتمسا، وما انت بنظير أخيك، ولا بخليفة ابيك، لأن أخاك اكثر تمردا على الله، وأشد طلبا لاهراقه دماء المسلمين، وطلب ما ليس له بأهل، يخادع الناس ويمكرهم، ويمكر الله والله خير الماكرين. واما قولك: قولك: " ان عليا كان شر قريش لقريش " فوالله ما حقر مرحوما ولا قتل مظلوما. واما انت يا مغيرة بن شعبة ! فانك لله عدو، ولكتابه نابذ، ولنبيه مكذب وأنا الزاني وقد وجب عليك الرجم، وشهد عليك العدول البررة الأتقياء، فاخر رجمك، ودفع الحق بالأباطيل، والصدق بالأغاليط وذلك لما اعد الله لك اشار الامام عليه السلام في كلامه هذا إلى ما اشتهر وفاضت به السير والتواريخ صراحة أو تلميحا، من ان المغيرة بن شعبة زنا بام جميل حين كان واليا على البصرة من قبل عمر بن الخطاب، وكتبوا بذلك إلى الخليفة، فكتب إليه والى الشهود جميعا ان يحضروا عنده، فلما قدموا صفهم، ودعا أبا بكرة، فاثبت الشهادة وقال: انه رآه يدخل كما يدخل الميل في المكحلة و ( قال ): لكأنى انظر إلى أثر الجدرى بفخذ المرأة، ثمّ دعا نافعا وشبل بن معبد فشهدا بمثل ما شهد به ابو بكرة ثمّ دعا زيادا وهو الشاهد الرابع وقال له: " انى لأرى وجه رجل ما كان الله يخزى رجلا من المهاجرين بشهادته، أو قال: " أما انى أرى رجلا ارجو ان لا يرجم رجل من اصحاب رسول الله على يده ولا يخزى بشهادته " يوحى بذلك إلى زياد بالعدول عن الشهادة ليدرأ الحد عن المغيرة، فقال شبل بن معبد ثالث الشهود: أفتجلد شهود الحق، وتبطل الحد أحب اليك يا عمر؟ ! فقال عمر - لزياد -: ما تقول؟ فقال: قد رأيت منظرا قبيحا، ونفسا - من العذاب الأليم، والخزي في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة اخزى، وانت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله حتى ادميتها والقت ما في بطنها، استدلالا منك لرسول الله صلى الله عليه واله ومخالفة منك لأمره، وانتهاكا لحرمته وقد قال لها رسول الله صلى الله عليه واله: " يا فاطمة انت سيدة نساء أهل الجنة " والله مصيرك إلى النار، وجاعل وبال ما نطقت به عليك، فباي الثلاثة سببت عليا، انقصا في نسبه، أم بعدا من رسول الله، ام سوء بلاء في الإسلام، ام جورا في حكم، ام رغبة في الدنيا؟ ! ان قلت بها فقد كذبت وكذبك الناس، اتزعم ان عليا عليه السلام قتل عثمان مظلوما؟ ! فعلي والله اتقى وانقى من لائمه في ذلك، ولعمري لئن كان عليّ قتل عثمان مظلوما فوالله ما انت من ذلك في شئ، فما نصرته حيا ولا تعصبت له ميتا، وما زالت الطائف دارك تتبع البغايا، وتحيى امر الجاهلية، وتميت الإسلام، حتى كان ما كان في امس. واما اعتراضك في بني هاشم وبني امية فهو ادعاءك إلى معاوية. واما قولك في شأن الامارة وقول اصحابك في الملك الذي ملكتموه، فقد ملك فرعون مصر اربعمائة سنة، وموسى وهارون نبيان مرسلان عليهما السلام يلقيان ما يلقيان من الاذى، وهو ملك الله يعطيه البر والفاجر، وقال الله: " وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين " وقال: " وإذا اردنا ان نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ". ولقد رأيته بين فخذي المرأة ولا ادرى هل كان خالطها ام لا؟ فقال عمر: الله اكبر فقال: المغيرة: الله اكبر، الحمد لرب الفلق، والله لقد كنت علمت انى سأخرج عنها سالما. فقال له عمر: اسكت فوالله لقد رأوك بمكان سوء، فقبح الله مكانا رأوك فيه، وأمر بجلد الشهود الثلاثة. فقال نافع: انت والله يا عمر جلدتنا ظلما، انت رددت صاحبنا ان يشهد بمثل شهادتنا، اعلمته هواك فاتبعه، ولو كان تقيا لكان رضى الله والحق عنده آثر من رضاك فلما جلدابا بكرة قام وقال: اشهد لقد زنى المغيرة، فأراد عمران يجلده ثانيا فقال: امير المؤمنين على عليه السلام: ان جلدته رجمت صاحبك. ثمّ قام الحسن فنفض ثيابه وهو يقول: " الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات " هم والله يا معاوية: انت واصحابك هؤلاء وشيعتك، " والطيبون للطيبات - اولئك مبرؤن مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم " ثمّ: عليّ بن أبي طالب عليه السلام واصحابه وشيعته. ثمّ خرج وهو يقول لمعاوية: ذق وبال ما كسبت يداك وما جنت، ما قد اعد الله لك ولهم من الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الاليم في الآخرة. فقال معاوية لأصحابه: وانتم فذوقوا وبال ما جنيتم. فقال الوليد بن عقبة: والله ماذقا الا كما ذقت، ولا اجترأ الا عليك. فقال معاوية: ألم اقل لكم انكم لن تنتقصوا من الرجل فهلا اطعتموني اول مرة فانتصرتم من الرجل إذ فضحكم، فوالله ما قام حتى اظلم عليّ البيت، وهممت ان اسطو به فليس فيكم خير اليوم ولا بعد اليوم. قال: وسمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية وأصحابه المذكورون من الحسن بن عليّ عليهما السلام، فأتاهم فوجدهم عند معاوية في البيت فسألهم: ما الذي بلغني عن الحسن وزعله؟ قالوا: قد كان كذلك. فقال لهم مروان: أفلا احضرتموني ذلك. فوالله لأسبنه ولأسبن أباه وأهل البيت سبا تتغنى به الآماء والعبيد. فقال معاوية والقوم: لم يفتك شئ وهم يعلمون من مروان بذو لسان وفحش فقال مروان: فارسل إليه يا معاوية فارسل معاوية إلى الحسن بن عليّ. فلما جاء الرسول قال له الحسن عليه السلام ما يريد هذا الطاغية مني؟ والله ان اعاد الكلام لاوقرن مسامعه ما يبقى عليه عاره وشناره إلى يوم القيامة، فاقبل الحسن فلما جائهم وجدهم بالمجلس على حالتهم التي تركهم فيها، غير ان المروان قد حضر معهم في هذا الوقت، فمشى الحسن عليه السلام حتى جلس على السرير مع معاوية وعمرو بن العاص. ثمّ قال الحسن لمعاوية: لم ارسلت الي؟ قال: لست أنا ارسلت اليك ولكن مروان الذي ارسل اليك. فقال مروان: انت يا حسن السباب لرجال قريش؟ فقال له الحسن: وما الذي اردت؟ فقال مروان: والله لأسبنك وأباك وأهل بيتك سبا تتغنى به الاماء والعبيد. فقال الحسن عليه السلام: اما أنت يامروان فلست أنا سببتك ولا سببت اباك، ولكن الله عزوجل لعنك ولعن اباك، وأهل بيتك، وذريتك، وما خرج من صلب ابيك إلى يوم القيامة، على لسان نبيه مُحمّد والله يامروان ما تنكر انت ولا احد ممن حضر هذه اللعنة من رسول الله صلى الله عليه واله لك ولأبيك من قبلك، وما زادك الله يامروان بما خوفك الا طغيانا كبيرا، وصدق الله وصدق رسوله يقول الله تبارك وتعالى: " والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا " وانت يامروان وذريتك الشجرة الملعونة في القرآن، وذلك عن رسول الله صلى الله عليه واله عن جبرئيل عن الله عزوجل. فوثب معاوية فوضع يده على فم الحسن وقال: يا أبا مُحمّد ماكنت فحاشا ولا طياشا، فنفض الحسن عليه السلام ثوبه، وقام فخرج القوم عن المجلس بغيظ، وحزن، وسواد الوجوه في الدنيا والآخرة.
مفاخرة الحسن عليه السلام على معاوية وغيره
قيل: وفد الحسن بن عليّ عليهما السلام على معاوية فحضر مجلسه، وإذا عنده مروان بن الحكم والمغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة وعتبة بن أبي سفيان، ففخر كل رجل منهم على بني هاشم، ووضعوا منهم، وذكروا أشياء ساءت الحسن بن عليّ وبلغت منه. فقال الحسن بن عليّ عليه السلام: أنا شعبة من خير الشعب، وآبائي أكرم العرب، لنا الفخر والنسب، والسماحة عند الحسب، نحن من خير شجرة انبتت فروعاً نامية، وأثماراً زاكية، وأبداناً قائمة، فيها أصل الإسلام، وعلم النبوة، فعلونا حين شمخ بنا الفخر، واستطلنا حين امتنع بنا العز، ونحن بحور زاخرة لا تنزف، وجبال شامخة لا تقهر. فقال مروان بن الحكم: مدحت نفسك، وشمخت بانفك، هيهات هيهات يا حسن، نحن والله الملوك السادة، والأعزة القادة، لاتبجحن فليس لك عزّ مثل عزنا، ولا فخر كفخرنا. ثمّ أنشأ يقول: شفينا أنفسا طابت وقوراً * فنالت عزّها فيمن يلينا فابنا بالغنيمة حيث ابنا * وابنا بالملوك مقرنينا.
ثمّ تكلّم المغيرة بن شعبة فقال: نصحت لأبيك فلم يقبل النّصح، ولولا كراهية قطع القرابة لكنت في جملة أهل الشام، فكان يعلم أبوك إني أصدر الوارد عن مناهلها، بزعامة قيس، وحلم ثقيف، وتجاربها للأمور على القبائل. فتكلم الحسن عليه السلام فقال: يامروان أجبناً، وخوراً، وضعفاً، وعجزاً، زعمتم اني مدحت نفسي، وانا ابن رسول الله، وشمخت بأنفي وأنا سيّد شباب أهل الجنة، ويلك من يريد رفع نفسه ويتبجح، من يريد الاستطالة، فأما نحن فأهل بيت الرحمة، ومعدن الكرامة، وموضع الخيرة، وكنز الايمان، ورمح الإسلام، وسيف الدين. ألا تصمت ثكلتك أمك قبل أن أرميك بالهوائل، وأسمك بميسم تستغني به عن اسمك... أفي اليوم الذي وليت فيه مهزوماً، وانخجرت مذعوراً، فكانت غنيمتك هزيمتك، وغدرك بطلحة حين غدرت به فقتلته، قبحاً لك ما أغلظ جلدة وجهك. فنكس مروان رأسه، وبقي المغيرة مبهوتاً، فالتفت إليه الحسن عليه السلام فقال: أعور ثقيف ما أنت من قريش فافاخرك، اجهلتني يا ويحك؟! أنا ابن خيرة الأماء، وسيّدة النساء، غذانا رسول الله صلّى الله عليه وآله بعلم الله تبارك وتعالى، فعلمنا تأويل القُرآن، ومشكلات الأحكام، لنا العزّة العليا، والفخر والسناء، وأنت من قوم لم يثبت لهم في الجاهلية نسب، ولا لهم في الإسلام نصيب، عبد آبق، ماله والافتخار عند مصادمة الليوث، ومجاحشة الأقران، نحن السادة، ونحن المذاويد القادة، نحمي الذمار، وننفي عن ساحتنا العار، وأنا ابن نجيبات الأبكار، ثمّ أشرت زعمت إلى خير وصي خير الأنبياء، وكان هو بعجزك أبصر، وبجورك أعلم وكنت للرد عليك منه أهلاً لو عزك في صدرك، وبدو الغدر في عينك، هيهات لم يكن ليتخذ المضلين عضداً، وزعمك أنّك لو كنت بصفين بزعارة قيس، وحلم ثقيف، فبماذا ثكلتك أمك؟ أبعجزك عند المقامات، وفرارك عند المجاحشات؟ أما والله لو التفت عليك من أمير المؤمنين الأجاشع، لعلمت أنه لا يمنعه منك الموانع، ولقامت عليك المرنات الهوالع. وأما زعارة قيس: فما أنت وقيساً؟ إنّما أنت عبد آبق فثقف فسمي ثقيفاً، فاحتل لنفسك من غيرها، فلست من رجالها، أنت بمعالجة الشرك وموالج الزرائب اعرف منك بالحروب. فأما الحلم فأي الحلم عند العبيد القيون؟ ثمّ تمنيت لقاء أمير المؤمنين عليه السلام فذاك من قد عرفت: أسد باسل، وسم قاتل، لا تقاومه الأبالسة، عند الطعن والمخالسة فكيف ترومه الضبعان، وتناله الجعلان، بمشيتها القهقري. وأما وصلتك فمنكورة، وقربتك فمجهولة، وما رحمك منه إلاّ كبنات الماء من خشفان الظباء، بل انت أبعد منه نسباً. فوثب المغيرة والحسن يقول لمعاوية: اعذرنا من بني امية ان تجاوزنا بعد مناطقة القيون، ومفاخرة العبيد. فقال معاوية: ارجع يا مغيرة، هؤلاء بنو عبد مناف، لا تقاومهم الصناديد، ولا تفاخرهم المذاويد. ثمّ اقسم على الحسن عليه السلام بالسكوت فسكت.
وروي أن عمرو بن العاص قال لمعاوية: ابعث إلى الحسن بن عليّ فمره ان يصعد المنبر ويخطب الناس، فلعله أن يحصر فيكون ذلك مما نعيره به في كل محفل، فبعث إليه معاوية فاصعده المنبر، وقد جمع له الناس، ورؤساء أهل الشام فحمد الله الحسن صلوات الله عليه واثنى عليه، ثمّ قال: أيها الناس من عرفني فانا الذي يعرف، ومن لم يعرفني فانا الحسن بن عليّ بن أبي طالب، ابن عمّ نبي الله، أوّل المسلمين إسلاماً، وأمي فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، وجدي مُحمّد بن عبد الله نبي الرحمة، أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين، أنا ابن من بعث إلى الجن والانس أجمعين، فقطع عليه معاوية فقال، يا أبا مُحمّد خلنا من هذا وحدثنا في نعت الرطب اراد بذلك تخجيله. فقال الحسن عليه السلام: نعم التمر الريح تنفخه، والحر ينضجه، والليل يبرده ويطيبه. ثمّ اقبل الحسن عليه السلام: فرجع في كلامه الأوّل فقال: أنا ابن مُستجاب الدعوة أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن أّول من ينفض عن رأسه التراب، أنا ابن من يقرع باب الجنة فيفتح له فيدخلها، أنا ابن من قاتل معه الملائكة، واحل له المغنم ونصر بالرعب من مسيرة شهر فاكثر، في هذا النوع من الكلام، ولم يزل به حتى اظلمت الدنيا على معاوية، وعرف الحسن من لم يكن عرفه من أهل الشام وغيرهم ثمّ نزل فقال له معاوية: اما انك يا حسن قد كنت ترجو ان تكون خليفة، ولست هناك، فقال الحسن عليه السلام: أما الخليفة فمن سار بسيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وعمل بطاعة الله عز وجل، وليس الخليفة من سار بالجور، وعطل السنن، واتخذ الدنيا اما وابا، وعباد الله خولا، وماله دولا، ولكن ذلك امر ملك اصاب ملكا فتمتع منه قليلا، وكان قد انقطع عنه، فاتخم لذته وبقيت عليه تبعته، وكان كما قال الله تبارك وتعالى: " وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين " " متعناهم سنين ثمّ جاءهم ما كانوا يوعدون " " وما اغنى عنهم ما كانوا يمتعون " وأومى بيده إلى معاوية، ثمّ قام فانصرف. فقال معاوية لعمرو: والله ما أردت الا شيني حين امرتني بما امرتني، والله ماكان يرى أهل الشام أن احداً مثلي في حسب ولا غيره، حتى قال الحسن عليه السلام ما قال، قال عمرو: وهذا شئ لا يستطاع دفنه، ولا تغييره، لشهرته في الناس، واتضاحه، فسكت معاوية.
وروي الشعبي ان معاوية قدم المدينة فقام خطيبا فقال: أين عليّ بن أبي طالب؟ فقام الحسن بن عليّ فخطب وحمد الله واثنى عليه ثمّ قال: انه لم يبعث نبي الا جعل له وصي من أهل بيته، ولم يكن نبي الا وله عدو من المجرمين، وان عليا عليه السلام كان وصي رسول الله من بعده، وانا ابن عليّ، وانت ابن صخر، وجدك حرب، وجدي رسول الله، وامك هند وامي فاطمة، وجدتي خديجة وجدتك نثيله، فلعن الله ألأمنا حسباً، وأقدمنا كفراً، واخملنا ذكراً، واشدنا نفاقاً، فقال عامة أهل المجلس: آمين. فنزل معاوية فقطع خطبته وروي انه لما قدم معاوية الكوفة قيل له: إن الحسن بن عليّ مرتفع في أنفس الناس فلو أمرته ان يقوم دون مقامك على المنبر فتدركه الحداثة والعي فيسقط من أنفس الناس واعينهم، فابى عليهم وابو عليه الا ان يأمره بذلك فأمره، فقام دون مقامه في المنبر، فحمد الله واثنى عليه، ثمّ قال: أما بعد أيها الناس فانكم لو طلبتم ما بين كذا وكذا لتجدوا رجلاً جده نبي لم تجدوا غيري وغير أخي، وانا اعطينا صفقتنا هذا الطاغية - واشار بيده إلى اعلى المنبر إلى معاوية - وهو في مقام رسول الله صلى الله عليه وآله من المنبر ورأينا حقن دماء المسلمين افضل من اهراقها، وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين، واشار بيده إلى معاوية. فقال له معاوية: ما اردت بقولك هذا؟ فقال: ما اردت به الا ما اراد الله عزوجل، فقام معاوية فخطب خطبة عيية فاحشة، فسب فيها أمير المؤمنين عليه الصلاة السلام، فقام إليه الحسن بن عليّ عليهما السلام فقال له - وهو على المنبر -: ويلك يابن آكلة الأكباد أو انت تسب أمير المؤمنين عليه السلام وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: " من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله أدخله الله نار جهنم خالداً فيها مخلداً وله عذاب مقيم "؟ ثمّ انحدر الحسن عليه السلام عن المنبر ودخل داره، ولم يصل هناك بعد ذلك ابداً
أجوبته القصار عليه السلام
سُئل الإمام الحسن عليه السلام عن أشياء فأجاب
قيل: ما السّداد؟ قال: دفع المنكر بالمعروف.
قيل: فما الشّرف؟ قال: اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.
وقيل أنّه قال: الشرف: موافقة الأخوان وحفظ الجيران.
قيل: فما المروءة؟ قال: العفاف وإصلاح الحال.
قيل: فما الدّقّة؟ قال: النّظر في اليسير ومنع الحقير.
قيل: فما اللؤم؟ قال: احراز المرء نفسه وبذله عرسه.
قيل فما السّماحة؟ قال: البذل من اليسير والعسير.
قيل: فما الشّح؟ قال: أن ترى ما في يديك شرفاً وما أنفقته تلفاً.
قيل: فما الأخاء؟ قال: الوفاء في الشّدة والرّخاء.
قيل: فما الجبن؟ قال: الجرأة على الصّديق والنّكول على العدو.
قيل: فما الغنيمة؟ قال: الرّغبة في التّقوى والزّهادة في الدنيا هي الغنيمة الباردة.
قيل: فما الحلم؟ قال: كظم الغيظ ومُلك النّفس.
قيل فما العقوق؟ فقال: أن تحرمهما و تهجرهما.
قيل فما الصّمت؟ فقال: هو ستر العمى وزين العرض, وفاعله فى راحة وجليسه آمن.
قيل فما البخل؟ فقال: هو أن يرى الرّجل ما أنفقه تلقاً وما أمسكه شرفاً.
قيل فما الذّل واللوم؟ فقال: مَن لا يغضب من الجفوة ولا يشكر على النّعمة.
قيل فما الكلفة؟ قال: كلامك فيما لا يعنيك.
قيل: فما المجد؟ قال: أن تعطي في الغرم وأن تعفو عن الجرم.
قيل: وما السّفاه؟ قال: الأحمق في ماله المتهاون بعرضه.
قيل: فما المروة؟ قال: حفظ الدّين وإعزاز النّفس ولين الكنف, وتعهّد الصّنيعة وأداء الحقوق والتّحبّب إلى النّاس.
قيل: فما الحرمان؟ قال: تركك حظّك وقد عُرض عليّك.
قيل: فما السّماح؟ قال: البذل في السّرّاء والضّرّاء.
قيل: فما النّجدة؟ قال: الذّبّ عن الجار والصّبر في المواطن والإقدام عند الكريهة.
قيل: فما الكرم؟ قال: الابتداء بالعطية قبل المسألة, وإطعام الطّعام في المحل.
قيل: فما الجود؟ قال: بذل المجهود.
قيل: ما الزّهد؟ قال: الرّغبة في التّقوى والزّهادة في الدّنيا.
قيل: فما الحزم؟ قال: طول الأناة والرّفق بالولاة والاحتراس من جميع النّاس.
قيل: فما المنعة؟ قال: شدّة البأس ومنازعة أعزّاء النّاس.
قيل: فما الشّجاعة؟ قال: موافقة الأقران والصّبر عند الطّعان.
قيل: فما الجرأة؟ قال: مواقفة الأقران.
قيل: فما العي؟ قال: العبث باللحية وكثرة التّنحنح عند المنطق.
قيل: فما الخرق؟ قال: مناواتك أميرك ومَن يقدر على ضرّك.
قيل: فما السّناء؟ قال: إتيان الجميل وترك القبيح.
قيل: فما الغنى؟ قال: رضى النّفس بما قسم لها وإن قلّ.
قيل: فما الفقر؟ قال: شره النّفس إلى كلّ شيء.
وقيل له عليه السّلام: فيك عظمة: فقال: لا , بل فيَّ عزّة, قال الله تعالى: ولله العزّة و لرسوله و للمؤمنين.
مواعظه وحكمه عليه السلام
قال عليه السّلام: خير الغنى القنوع وشرّ الفقر الخضوع.
وقال: من أحبّ الدّنيا, ذهب خوف الآخرة من قلبه.
وقال: عليكم بالفكر, فإنّه حياة قلب البصير ومفاتيح أبواب الحكمة.
وقال: غسل اليدين قبل الطّعام, ينفى الفقر وبعده ينفى الهمّ.
وقال: صاحب النّاس, بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك به.
وقال: يابن آدم, إنّك لم تزل فى هدم عمرك منذ سقطت من بطن اُمّك, فجد بما فى يديك, فإنّ المؤمن يتزود والكافر يتمتع.
وقال: لاتعجّل الذّنب بالعقوبة, واجعل بينهما للاعتذار طريقاً.
وقال: المزاح يأكل الهيبة، وقد أكثر من الهيبة الصّامت.
وقال: إذا أضرّت النّوافل بالفريضة فارفضوها.
وقال: بينكم وبين الموعظة حجاب العزّة.
وقال: الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود.
وقال: إنّ مَن طلب العبادة تزكّى لها.
وقال: ما تشاور قوم إلاّ هدوا إلى رشدهم.
وقال: تجهل النّعم ما أقامت، فإذا ولّت عرفت.
وقال: مَن تذكّر بعد السّفر اعتدّ.
وقال: اللؤم أن لا تشكر النّعمة.
وقال: الخير الذي لا شرّ فيه, الشّكر مع النّعمة والصّبر على النّازلة.
وقال: العار أهون من النّار.
وقال: فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها.
وقال: لرجل أبلّ من علّة, إنّ الله قد ذكرك فاذكره، وأقالك فاشكره.
وقال: ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد.
وقال: قطع العلم عذر المتعلمين.
وقال: أحسن الحسن الخُلق الحسن.
وقال: تعلّموا العلم, فان لم تستطيعوا حفظه فاكتبوه وضعوا فى بيوتكم.
وقال: تعلّموا, فإنّكم صغار قوم اليوم وتكونوا كبارهم غداً.
وقال: علم النّاس علمك و تعلم علم غيرك فتكون قد أنفقت علمك و علمت مالم تعلم.
وقال: حسن السّؤال نصف العلم.
وقال: هلاك المرء في ثلاث: الكبر والحرص والحسد، فالكبر هلاك الدّين، وبه لعن إبليس، والحرص عدو النّفس، به أُخرج آدم من الجنّة، والحسد رائد السّوء، ومنه قتل قابيل هابيل.
وقال: لا أدب لِمَن لا عقل له، ولا مروءة لِمَن لا همّة له، ولا حياء لِمَن لا دين له، ورأس العقل مُعاشرة النّاس بالجميل، وبالعقل تدرك الدّاران جميعاً، ومن حرم العقل حرمهما جميعاً.
و قال: مكارم الأخلاق عشر: صدق اللسان، وصدق البأس، وإعطاء السّائل، وحسن الخُلق، والمكافأة بالصّنائع، وصلة الرّحم، والتّرّحم على الجار، ومعرفة الحقّ للصاحب، وقري الضّيف، ورأسهن الحياء.
وقال: عجب لمن يتفكّر في مأكوله كيف لا يتفكّر في معقوله, فيجنّب بطنه ما يؤذيه ويودع صدره ما يرديه.
وقال: إن النّاس أربعة: فمنهم من له خلاق و ليس له خلق، و منهم من له خلق و ليس له خلاق، ومنهم من ليس له خلق ولا خلاق فذاك أشرّ النّاس، و منهم من له خلق وخلاق فذلك أفضل النّاس.
وقال: أيّها النّاس, إنّه من نصح لله وأخذ قوله دليلاً, هدي للتي هي أقوم, ووفّقه الله للرشاد, وسدّده للحُسنى, فإنّ جار الله آمن محفوظ وعدوه خائف مخذول, فاحترسوا من الله بكثرة الذّكر, واخشوا الله بالتّقوى, وتقرّبوا إلى الله بالطّاعة, فإنّه قريب مُجيب، قال الله تبارك وتعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إذا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }. فاستجيبوا لله وآمنوا به, فإنّه لا ينبغي لِمَن عرف عظمة الله أن يتعاظم، فإنّ رفعة الذين يعلمون عظمة الله أن يتواضعوا, وعزّ الذين يعرفون ما جلال الله أن يتذللوا له, وسلامة الذين يعلمون ما قدرة الله أن يستسلموا له, ولا ينكروا أنفسهم بعد المعرفة, ولا يضلّوا بعد الهُدى, واعلموا علماً يقيناً أنّكم لن تعرفوا التّقى حتّى تعرفوا صفة الهُدى, ولن تُمسكوا بميثاق الكتاب حتّى تعرفوا الذي نبذه, ولن تتلوا الكتاب حقّ تلاوته حتّى تعرفوا الذي حرّفه. فإذا عرفتم ذلك, عرفتم البدع والتّكلف, ورأيتم الفرية على الله والتّحريف, ورأيتم كيف يهوي مَن يهوي, ولا يجهلنّكم الذين لا يعلمون, والتّمسوا ذلك عند أهله، فإنّهم خاصّة نور يستضاء بهم وأئمّة يقتدى بهم، بهم عيش العلم وموت الجهل, وهم الذين أخبركم حلمهم عن جهلهم, وحكم منطقهم عن صمتهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه, وقد خلت لهم من الله سنّة, ومضى فيهم من الله حكم, إنّ في ذلك لذكرى للذاكرين.
واعقلوه إذا سمعتموه عقل رعاية ولا تعقلوه عقل رواية، فإن رواة الكتاب كثير ورعاته قليل, والله المستعان.
وقال ذات يوم لأصحابه: إنّي أخبركم عن أخ لي وكان من أعظم النّاس في عيني, وكان رأس ما عظّمه في عيني صغر الدنيا في عينه, كان خارجاً من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد, وكان خارجاً من سلطان فرجه فلا يستخف له عقله ولا رأيه, وكان خرجاً من سلطان الجهلة فلا يمد يداً إلا على ثقة المنفعة, كان لا يسخط ولا يتبرّم, كان إذا جامع العلماء يكون على أن يسمع احرص منه على أن يتكلّم, كان إذا غلب عليه الكلام لم يغلب على الصّمت, كان أكثر دهره صامتاً فإذا قال بذّ القائلين, كان لا يشارك في دعوى ولا يدخل في مراء ولا يدلي بحجة حتّى يرى قاضياً, كان يقول ما يفعل ويفعل ما لا يقول تفضّلاً وتكرّماً, كان لا يفعل عن اخوانه ولا يختصّ بشئ دونهم, كان لا يلوم أحداً فيما يقع العذر في مثله, كان إذا ابتداه أمران لا يدري أيهما أقرب إلى الحقّ, نظر فيما هو أقرب إلى هواه فخالفه.
وقال: كان يُقال: ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابداً, وارض بما قسم الله لك تكن غنياً, واحسن مجاورة من جاورك من النّاس تكن مسلماً, وصاحب النّاس بالذى تحب أن يصاحبوك به تكن عدلاً, وإيّاك وكثرة الضّحك, فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب. إنّه قد كان بين يديكم أقوام يجمعون كثيراً ويبنون شديداً ويأملون بعيداً فأين هُم؟ أصبح جمعهم بوراً, وأصبح عملهم غروراً, وأصبحت مساكنهم قبوراً. ابن آدم إنّك مرتهن بعملك, وأنت على أجلك معروض على ربّك, فخذ ممّا في يديك لما بين يديك عند الموت ياتيك من الخير. يابن آدم, طيء الارض بقدمك, فإنّها عن قليل قبرك, إنّك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمّك. يا ابن آدم, خالطّ النّاس وزايلهم, خالطّهم ببدنك وزايلهم بقلبك وعملك. يا ابن آدم, أتحبّ أن تذكر بحسناتك وتكره أن تذكر بسيآتك, وتبغض على الظّنّ وتقيم على اليقين.
وقال عليه السّلام: اعلموا أنّ الله لم يخلقكم عبثاً وليس بتارككم سدى، كتب آجالكم وقسم بينكم معائشكم ليعرف كل ذي لب منزلته وأن ما قدر له أصابه وما صرف عنه فلن يصيبه، قد كفاكم مؤونة الدنيا وفرغكم لعبادته وحثكم على الشّكر وافترض عليّكم الذّكر وأوصاكم بالتّقوى وجعل التّقوى منتهى رضاه، والتّقوى باب كل توبة ورأس كل حكمة وشرف كل عمل، بالتّقوى فاز من فاز من المتقين. قال الله تبارك وتعالى: إن للمتقين مفازاً. وقال: وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم، لا يمسهم السّوء ولا هم يحزنون. فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه من يتق الله يجعل له مخرجاً من الفتن ويسدده في أمره ويهيئ له رشده ويفلجه بحجته ويبيض وجهه ويعطه رغبته، مع الذين أنعم الله عليهم من النّبيين والصّديقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقاً.
وصاياه عليه السلام
الوصيّة الأولى : أوصى بها أخيه الإمام الحسين عليهما السلام بأنّ لا يهرق محجمه دم
هذا ما أوصى به الحسن بن عليّ إلى أخيه الحُسين بن عليّ، أوصى أنّه: يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّه يعبده حقّ عبادته، لا شريك له في الملك، ولا وليّ له من الذل، وأنّه خلق كلّ شيء، فقدّره تقديراً، وأنّه أولى من عبد، وأحقّ من حمد، من أطاعه رشد، ومن عصاه غوى، ومن تاب إليه اهتدى, فإنّي أوصيك يا حُسين بمن خلّفت من أهلي وولدي وأهل بيتك, أن تصفح عن سيئهم، وتقبل من مُحسنهم، وتكون لهم خلفاً ووالداً, وأن تدفنّي مع رسول الله فإنّي أحقّ به، وببيته ممّن أدخل بيته بغير إذنه، ولا كتاب جاءهم من بعده، قال الله فيما أنزله على نبيّه في كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لكم، فو الله ما أذن لهم في الدّخول عليه في حياته بغير إذنه، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته، ونحن مأذون لنا في التّصرّف فيما ورثناه من بعده, فإن أبت عليّك المرأة، فأنشدك بالله وبالقرابة التّي قرّب الله عزّ وجلّ منك، والرّحم الماسّة من رسول الله: أن لا تهريق في محجمةٍ من دم، حتّى نلقى رسول الله، فنختصم إليه، ونخبره بما كان من النّاس إلينا من بعده.
الوصيّة الثانية : أوصى بها أيضاً أخيه الإمام الحسين عليهما السلام بأن يصرفه إلى اُمّه بعد شهادته
يا أخي, إنّي أوصيك بوصيةٍ فاحفظها، فإذا أنا متّ فهيّئني، ثمّ وجّهني إلى رسول الله، لأجدّد به عهداً، ثمّ اصرفني إلى أمّي فاطمة، ثمّ ردّني، فادفنّي بالبقيع، واعلم: أنّه سيصبني من الحمراء ما يعلم النّاس صنيعها، وعداوتها لله ولرسوله، وعداوتها لنا أهل البيت.
يا أخي, إنّ هذه آخر ثلاث مرّاتٍ سقيت فيها السّمّ، ولم أسقه مثل مرّتي هذه، وأنا ميّت من يومي، فإذا أنا متّ فادفنّي مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، فما أحد أولى بقربه منّي، إلا أن تمنع من ذلك فلا تسفك فيه محجمة دم.
يا أخي, إذا أنا متّ، فغسّلني وحنّطني وكفّنّي، واحملني إلى جدّي صلّى الله عليه وآله، حتّى تلحدني إلى جانبه، فإن منعت من ذلك، فبحقّ جدّك رسول الله، وأبيك أمير المؤمنين، وأمّك فاطمة الزّهراء أن لا تخاصم أحداً، واردد جنازتي من فورك إلى البقيع، حتّى تدفنّي مع أمّي.
الوصيّة الثالثة : أوصى به أخيه محمّد بن الحنفيّة ، بأنّ الإمام من بعده هو الحسين عليه السلام
لمّا حضرت الإمام الحسن عليه السّلام الوفاة، قال: يا قنبر, أنظر هل ترى وراء بابك مؤمناً من غير آل مُحمّد؟ فقال: الله ورسوله وابن رسوله أعلم. قال: امض فادع لي مُحمّد بن عليّ، قال: فأتيته، فلمّا دخلت عليه قال: هل حدث إلاّ خير؟ قُلت: أجب أبا مُحمّد، فعجّل عن شسع نعله فلم يسوّه، فخرج معي يعدو. فلمّا قام بين يديه سلّم، فقال له الحسن عليه السّلام: اجلس فليس يغيب مثلك عن سماع كلامٍ يحيا به الأموات، ويموت به الأحياء، كونوا أوعية العلم ومصابيح الدّجى، فإنّ ضوء النّهار بعضه أضوأ من بعض، أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ جعل ولد إبراهيم أئمّةً وفضّل بعضهم على بعض، وآتى داود زبوراً، وقد علمت بما استأثر الله مُحمّداً صلّى الله عليه وآله. يا مُحمّد بن عليّ, إنّي لا أخاف عليّك الحسد، وإنّما وصف الله تعالى به الكافرين فقال: كفّاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحقّ، ولم يجعل الله للشيطان عليّك سلطاناً.
يا مُحمّد بن عليّ، ألا أخبرك بما سمعت من أبيك عليه السّلام فيك؟ قال: بلى.
قال: سمعت أباك يقول يوم البصرة: من أحبّ أن يبرّني في الدّنيا والآخرة فليبر مُحمّداً.
يا مُحمّد بن عليّ, لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك.
يا مُحمّد بن عليّ, أما علمت أنّ الحُسين بن عليّ بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي، إمام من بعدي، وعند الله في الكتاب الماضي، وراثة النّبي أصابها في وراثة أبيه وأمّه، علم الله أنّكم خير خلقه، فاصطفى منكم مُحمّداً واختار مُحمّد عليّاً، واختارني عليّ للإمامة، واخترت أنا الحُسين.
فقال له مُحمّد بن عليّ: أنت إمامي وسيّدي، وأنت وسيلتي إلى مُحمّد، والله لوددت أنّ نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام، ألا وإنّ في رأسي كلاماً لا تنزفه الدّلاء، ولا تغيّره بعد الرّياح كالكتاب المعجم، في الرّقّ المنمنم، أهمّ بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل، وما جاءت به الرّسل، وإنّه لكلام يكلّ به لسان النّاطق، ويد الكاتب ولا يبلغ فضلك، وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوّة إلاّ بالله, الحُسين أعلمنا علماً، وأثقُلنا حلماً، أقربنا من رسول الله رحماً، كان إماماً قبل أن يخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم الله أنّ أحداً خير منّا ما اصطفى مُحمّداً صلّى الله عليه وآله، فلمّا اختار مُحمّداً، واختار مُحمّد عليّاً إماماً، واختارك عليّ بعده، واخترت الحُسين بعدك، سلّمنا ورضينا بمن هو الرّضا، وبمن نسلم به من المشكلات.
الوصيّة الرابعة : يوصي بالحسين عليهم السلام بأنّه إمام وخليفة من بعده
أوصيك يا أخي بأهلي وولدي خيراً، واتبع ما أوصى به جدّك وأبوك وأمّك عليهم أفضل الصّلوات والسّلام. يا أخاه لا تحزن عليّ، فإنّ مصابك أعظم من مصيبتي ورزءك أعظم من رزئي، فإنّك تقتل - يا أبا عبد الله الحُسين - بشطّ الفرات بأرض كربلاء عطشاناً لهيفاً وحيداً فريداً مذبوحاً يعلو صدرك أشقى الأمّة، ويحمحم فرسك ويقول في تحمحمه: الظّليمة الظّليمة من أمّةٍ قتلت ابن بنت نبيّها. وتسبى حريمك وييتّم أطفالك، ويسيّرون حريمك على الأقتاب بغير وطاءٍ ولا فراش، ويحمل رأسك يا أخي على رأس القنا، بعد أن تقتل ويقتل أنصارك، فيا ليتني كنت عندك أذبّ عنك كما يذبّ عنك أنصارك بقتل الأعداء، ولكنّ هذا الأمر يكون وأنت وحيد لا ناصر لك منّا، ولكن لكلّ أجلٍ كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب، فعليّك يا أخي بالصّبر على البلاء حتّى تلحق بنا. ثمّ التّفت إلى الحاضرين، فقال: اسمعوا وأنصتوا ما أقول لكم الآن، هذا الحُسين أخي إمام بعدي فلا إمام غيره، ألا فليبلّغ الحاضر الغائب، والو الدّ الولد، والحرّ والعبد والذكر والأنثى، وهو خليفتي عليّكم لا أحد يخالفه منكم، فمن خالفه كفر وأدخله الله النّار وبئس القرار، ونحن ريحانتا رسول الله، وسيّدا شباب أهل الجنّة، فلعن الله من يتقدّم أو يقدّم عليّنا أحداً، فيعذبه الله عذاباً أليماً، وإنّي ناصّ عليه كما نصّ رسول الله صلّى الله عليه وآله على أمير المؤمنين عليه السّلام، وكما نصّ أبي عليّ، وهو الخليفة بعدي من الله ومن رسوله. حفظكم الله، أستودعكم الله، الله خليفتي عليّكم وكفى به خليفة، وإنّي منصرف عنكم ولا حق بجدّي وأبي وأمّي وأعمامي.
الوصيّة الخامسة : يوصي ولده القاسم بالجهاد مع عمّه الحسين عليهم السلام في كربلاء
يا ولدي يا قاسم، أوصيك: إنّك إذا رأيت عمّك الحُسين في كربلاء، وقد أحاطت به الأعداء، فلا تترك البراز والجهاد، لأعداء الله وأعداء رسوله، ولا تبخل عليه بروحك، وكلّما نهاك عن البراز، عاوده ليأذن لك في البراز، لتحظى في السّعادة الأبدية.
الوصيّة السادسة : يوصي عليه السلام جعيد بن همذان في الأخلاق
يا جعيد بن همذان, إنّ النّاس أربعة: فمنهم من له خلاق وليس له خلق, ومنهم من له خلق وليس له خلاق, ومنهم من ليس له خلق ولا خلاق فذاك أشر النّاس, ومنهم من له خلق وخلاق فذاك أفضل النّاس.
خطبه عليه السلام
الخطبة الاُولى : خطبته بعد شهادة والده أمير المؤمنين عليهما السلام
خطب عليه السّلام بعد شهادة والده أمير المؤمنين عليهما السّلام، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر أمير المؤمنين عليّاً، فقال: خاتم الأوصياء، ووصي خاتم الأنبياء، وأمير الصّدّيقين والشّهداء والصّالحين. ثمّ قال: يا أيّها النّاس: لقد فارقكم رجل ما سبقه الأوّلون بعلم، ولا يدركه الآخرون، لقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يعطيه الرّاية، فيقاتل جبرائيل عن يمينه، ومكائيل عن يساره، فما يرجع حتّى يفتح الله عليه، والله لقد قبضه الله عز وجل في الليلة التّي قبض فيها وصي موسى عليه السّلام، وعرج بروحه في الليلة التّي فيها رفع عيسى عليه السّلام، وفي الليلة التّي أنزل فيها الفرقان، والله ما ترك ذهباً ولا فضةً إلاّ شيئاً على صبي له، وما ترك في بيت المال إلاّ سبعمئة وخمسين درهماً، فضلت عن عطائه، أراد أن يشتري بها خادماً لأم كلثوم. ثمّ قال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن مُحمّد النّبي صلّى الله عليه وآله، ثمّ تلا هذه الآية ـ قول يوسف عليه السّلام ـ: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ. ثمّ قال: أنا ابن البشير، وأنا ابن النّذير، وأنا ابن الداعي إلى الله باذنه، وأنا ابن السّراج المنير، وأنا ابن الطّهر الذي أرسل رحمة للعالمين، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله تعالى ولايتهم ومودّتهم، فقال فيما أنزل على مُحمّد: (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عليه أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً) واقتراف الحسنة مودّتنا.
الخطبة الثانية : خطبته بعد تولّيه أمر الخلافة
قال عليه السّلام: نحن حزب الله الغالبون، وعشيرة رسول الله الأقربون، وأهل بيته الطّيّبون الطّاهرون، وأحد الثّقُلين الذين خلّفهما رسول الله صلّى الله عليه وآله في أمّته، والثّاني كتاب الله، فيه تفصيل كل شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعوّل عليّنا في تفسيره، لا نظن تأويله بل نتيقّن حقائقه، فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة الله عز وجل ورسوله مقرونة.
قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ.
وأحذّركم الإصغاء لهتاف الشّيطان، فإنّه لكم عدو مبين، وتكونوا كأوليائه الذين قال لهم: لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ، فتلقون إلى الرّماح وزراً، وإلى السّيوف جزراً، وللعمد حطماً، وللسهام غرضاً، ثمّ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً.
الخطبة الثالثة : خطبته في الكوفة يحثّ فيه على الجهاد
قال عليه السّلام: الحمد لله العزيز الجبّار، الواحد القهّار، الكبير المتعال، سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به، ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنّهار، أحمده على حسن البلاء، وتظاهر النّعماء، وعلى ما أحببنا، وكرهنا من شدّة ورخاء، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ مُحمّداً عبده ورسوله، أمتنّ علينا بنبوّته، واختصّه برسالته، وأنزل عليه وحيه، واصطفاه على جميع خلقه، وأرسله إلى الإنس والجن حين عبدت الأوثان، وأطيع الشّيطان، وجحد الرّحمن، فصلّى الله عليه وآله، وجزاه أفضل ما جزى المرسلين.
أمّا بعد: فإنّي لا أقول لكم إلاّ ما تعرفون: إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أرشد الله أمره، وأعزّه ونصره، بعثني إليكم يدعوكم إلى الصّواب، والعمل بالكتاب، والجهاد في سبيل الله، وإن كان في عاجل ذلك ما تكرهون، فإن في آجله ما تحبّون إن شاء الله.
ولقد علمتم أنّ عليّاً صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وحده، وإنّه يوم صدّق به لفي عاشرة من سنّه، ثمّ شهد مع رسول الله صلّى الله عليه وآله جميع مشاهده، وكان من اجتهاده في مرضاة الله وطاعة رسوله، وآثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغكم.
ولم يزل رسول الله صلّى الله عليه وآله راضياً عنه حتّى غمّضه بيده، وغسّله وحده، والملائكة أعوانه، والفضل ابن عمّه ينقُل إليه الماء، ثمّ أدخله حفرته، وأوصاه بقضاء دينه، وعداته، وغير ذلك من أموره، كل ذلك مَن الله عليه، ثمّ والله ما دعا إلى نفسه، ولقد تداكّ النّاس عليه تداكّ الإبل الهيم عند ورودها، فبايعوه طائعين, ثمّ نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه، ولا خلاف أتاه، حسداً له وبغياً عليه، فعليّكم عباد الله بتقوى الله وطاعته، والجد والصّبر، والاستعانة بالله، والخفوف إلى ما دعاكم إليه أمير المؤمنين، عصمنا الله وإيّاكم بما عصم به أولياءه وأهل طاعته، وألهمنا وإيّاكم تقواه، وأعاننا وإيّاكم على جهاد أعدائه؛ واستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الرابعة : خطبته عليه السلام حين قال له معاوية بعد الصُلح : إذكر فضلنا
فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على مُحمّد النّبي وآله، ثمّ قال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن رسول الله، أنا ابن البشير النّذير، أنا ابن المُصطفى بالرّسالة، أنا ابن من صلّت عليه الملائكة، أنا ابن من شرفت به الأمّة، أنا ابن من كان جبرائيل السّفير من الله إليه، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين، صلّى الله عليه وآله أجمعين.
فلم يقدر معاوية أن يكتم عداوته وحسده، فقال: يا حسن عليّك بالرّطب، فانعته لنا.
قال عليه السّلام: نعم يا معاوية، الرّيح تلقحه، والشّمس تنفخه، والقمر يلوّنه، والحر ينضجه، والليل يبرده.
ثمّ أقبل على منطقه فقال: أنا ابن المستجاب الدعوة، أنا ابن من كان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى، أنا ابن الشّفيع المطاع، أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن من خضعت له قريش رغماً، أنا ابن من سعد تابعه وشقي خاذله، أنا ابن من جعلت الأرض له طهوراً ومسجداً، أنا ابن من كانت أخبار السّماء إليه تترى، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً.
الخطبة الخامسة : خطبته بعد الصُلح مع معاوية
لمّا أُبرم الصّلح التّمس معاوية من الإمام الحسن عليه السّلام أن يتكلّم بمجمع من النّاس، ويُعلِمهم أنّه قد بايع معاوية، فأجابه إلى ذلك، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على نبيّه مُحمّد صلّى الله عليه وآله، ثمّ قال:
أيّها النّاس: إنّ أكيّس الكيس التّقي، وأحمق الحمق الفجور، والله ولو أنّكم طلبتم ما بين جابرقا وجابرصا مَن جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله ما وجدتموه غيري، وغير أخي الحُسين، وقد علمتم أنّ الله تعالى جلّ ذكره وعزّ اسمه هداكم بجدّي مُحمّد، وأنقذكم به من الضّلالة، وخلّصكم به من الجهالة، وأعزّكم به بعد الذلّة، وكثّركم به بعد القُلة, وأنّ معاوية نازعني حقّاً هو لي دونه، فتركته لصلاح الأُمّة وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني على أن تُسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت، فرأيت أن أُسالم لمعاوية، وأضع الحرب بيني وبينه، وقد رأيت أنّ حقن دماء المسلمين خيرٌ من سفكها، ولم أُرد بذلك إلاّ صلاحكم وبقاءكم، وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ
الخطبة السادسة : خطبته في التوحيد
أمر الإمام عليّ عليه السّلام ولده الإمام الحسن عليه السّلام ليخطب النّاس في مسجد الكوفة، فصعد المنبر، وقال: الحمد لله الواحد بغير تشبيه، والدائم بغير تكوين، القائم بغير كلفة، الخالق بغير منصبة، والموصوف بغير غاية، المعروف بغير محدود، العزيز، لم يزل قديماً في القدم، ردعت القُلوب لهيبته، وذهلت العقول لعزّته، وخضعت الرّقاب لقدرته، فليس يخطر على قُلب بشر مبلغ جبروته، ولا يبلغ النّاس كنه جلاله، ولا يفصح الواصفون منهم لكُنه عظمته، ولا تبلغه العلماء بألبابها، ولا أهل التّفكّر بتدابير أُمورها، أعلم خلقه به الذي بالحدّ لا يصفه، يُدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير....
وجاء اليه رجل فقال له: يابن رسول الله , صف لي ربّك كأنّي أنظر إليه.
فأطرق الإمام الحسن عليه السّلام مليّاً، ثمّ رفع رأسه فأجابه: الحمد لله الذي لم يكن له أوّل معلوم، ولا آخر متناه، ولا قبل مدرك، ولا بعد محدود، ولا أمد بحتّى، ولا شخص فيتجزّأ، ولا اختلاف صفة فيتناهى، فلا تدرك العقول وأوهامها، ولا الفكر وخطراتها، ولا الألباب وأذهانها صفته، فيقول: متى، ولا بدئ ممّا، ولا ظاهر على ما، ولا باطن فيما، ولا تارك فهلاّ، خلق الخلق فكان بديئاً بديعاً، ابتدأ ما ابتدع، وابتدع ما ابتدأ، وفعل ما أراد، وأراد ما استزاد.
رسائله عليه السلام
وردت عن الإمام الحسن عليه السّلام عدّة رسائل، نذكر منها:
الرّسالة الأولى: كتب عليه السّلام إلى معاوية بن أبي سفيان رسالة، جاء فيها: أمّا بعد: فانّك دسست إليّ الرّجال، للاحتيال والاغتيال، وارصدت العيون، كأنّك تحبّ اللقاء، وما أشكّ في ذلك، فتوقّعه إن شاء الله، وقد بلغني: أنّك شمتّ بما لا يشمت به ذوو الحجى، وإنّما مثلك في ذلك، كما قال الأوّلون:
وقُل الذي يبقى خلاف الذي مضى ** تجهّز لأخـرى مثلها فكأن قـد
وإنّا ومـن قد مـات منّا لكـالذي ** يروح فيمسي في المبيت ليفتدي.
الرّسالة الثّانية: كتب عليه السّلام إلى معاوية بن أبي سفيان رسالة أيضاً، جاء فيها: أمّا بعد: فإنّ الله جل جلاله، بعث مُحمّداً رحمةً للعالمين، ومنّةً للمؤمنين، وكافّةً للنّاس أجمعين، لينذر من كان حياً، ويحقّ القول على الكافرين، فبلّغ رسالات الله، وقام بأمر الله، حتّى توفاه الله غير مقصّر ولا وانٍ، وبعد أن أظهر الله به الحقّ، ومحق به الشّرك، وخصّ به قريشاً خاصّةً.
فقال له: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ. فلما توفّي، تنازعت سلطانه العرب، فقالتّ قريش: نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه، ولا يحلّ لكم أن تنازعونا سلطان مُحمّد وحقّه، فرأت العرب أنّ القول ما قالت قريش، وأنّ الحجّة في ذلك لهم، على من نازعهم أمر مُحمّد، فأنعمت لهم، وسلّمت إليهم, ثمّ حاججنا نحن قريشاً، بمثل ما حاججت به العرب، فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها، إنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالإنصاف والاحتجاج، فلمّا سرنا - أهل بيت مُحمّد وأولياؤه - إلى محاججتهم، وطلب النّصف منهم، باعدونا واستولوا بالاجتماع على ظلمنا، ومراغمتنا وللعنت منهم لنا، فالموعد الله، وهو الوليّ النّصير. ولقد كنّا تعجّبنا لتوثّب المتوثبين عليّنا في حقّنا، وسلطان بيتنا وإذ كانوا ذوي فضيلة وسابقةٍ في الإسلام، أمسكنا عن منازعتهم، مخافةً على الدّين أن يجد المنافقون، والأحزاب في ذلك مغمراً يثلمون به، أو يكون لهم بذلك سبب إلى ما أرادوا من أفساده. فاليوم فليتعجّب المتعجّب، من توثّبك يا معاوية، على أمرٍ لست من أهله، لا بفضلٍ في الدّين معروفٍ، ولا أثرٍٍ في الإسلام محمودٍ، وأنت ابن حزبٍ من الأحزاب، وابن أعدى قريشٍ لرسول الله صلّى الله عليه وآله ولكتابه, والله حسيبك فسترد عليه، وتعلم لمن عقبى الدّار، وبالله لتلقينّ عن قُليلٍ ربّك، ثمّ ليجزينّك بما قدّمت يداك، وما الله بظلاّمٍ للعبيد.
إنّ عليّاً لمّا مضى لسبيله رحمة الله عليه يوم قبض، ويوم منّ الله عليه بالإسلام، ويوم يبعث حيّاً، ولاّني المسلمون الأمر من بعده، فاسأل الله أن لا يؤتينا في الدنّيا الزّائلة شيئاً، ينقصنا به في الآخرة، ممّا عنده من كرامةٍ, وإنّما حملني على الكتابة إليك، الأعذار فيما بيني وبين الله عزّ وجلّ في أمرك، ولك في ذلك إن فعلته الحظّ الجسيم، والصّلاح للمسلمين. فدع التّمادي في الباطل، وادخل فيما دخل فيه النّاس من بيعتي، فإنّك تعلم: أنّي أحقّ بهذا الأمر منك عند الله، وعند كلّ أوابٍ حفيظٍ، ومن له قُلب منيب، واتّق الله، ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فو الله ما لك خير في أن تلقى الله من دمائهم، بأكثر ممّا أنت لاقيه به, وادخل في السّلم والطّاعة، ولا تنازع الأمر أهله، ومن هو أحقّ به منك، ليطفيء الله النّائرة بذلك، ويجمع الكلمة ويصلح ذات البين، وإن أنت أبيت إلاّ التّمادي في غيّك، سرت إليك المسلمين، فحاكمتك حتّى يحكم الله بيننا، وهو خير الحاكمين.
الرّسالة الثّالثّة: كتب عليه السّلام إلى معاوية بن أبي سفيان رسالة أيضاً، جاء فيها: أمّا بعد، فقد وصل إليّ كتابك، تذكر فيه ما ذكرت، وتركت جوابك خشية البغي عليك، وبالله أعوذ من ذلك، فاتّبع الحقّ، تعلم أنّي من أهله، وعليّ إثم أن أقول فأكذب.
الرّسالة الرّابعة: كتب عليه السّلام إلى معاوية بن أبي سفيان رسالة أيضاً، جاء فيها: أما بعد: فإنّ خطبي انتهى إلى اليأس، من حقٍّ أحييته، وباطلٍ أمتّه، وخطبك خطب من انتهى إلى موارده، وإنّي اعتزل هذا الأمر وأخلّيه لك، وإن كان تخليتي إياه شراً لك في معادك، ولي شروط أشترطها، لأبتهظنّك إن وفيت لي بها بعهد، ولا تخف أن غدرت - وكتب الشّرط في كتابٍ آخر فيه يمنّيه بالوفاء وترك الغدر - وستندم يا معاوية كما ندم غيرك، ممّن نهض في الباطل، أو قعد عن الحقّ، حين لم ينفع النّدم.
الرّسالة الخامسة: كتب عليه السّلام إلى زياد بن أبيه رسالة، جاء فيها: أمّا بعد: فإنّك عمدت إلى رجلٍ من المسلمين له ما لهم، وعليه ما عليهم، فهدمت داره، وأخذت ماله، وحبست أهله وعياله، فإن أتاك كتابي هذا فابن له داره، واردد عليه عياله وماله، وشفّعني فيه فقد أجرته.
الرّسالة السّادسة: كتب عليه السّلام إلى قوم من أصحابه رسالة، جاء فيها: أمّا بعد: فقد بلغني كتابكم، تعزّونني بفلانة، فعند الله أحتسبها، تسليماً لقضائه، وصبراً على بلائه، فإنّ أوجعتنا المصائب، وفجعتنا النّوائب بالأحبّة المألوفة، التّي كانت بنا حفية والإخوان المحبين، الذين كان يسرّ بهم النّاظرون، وتقرّ بهم العيون, أضحوا قد اخترمتهم الأيّام، ونزل بهم الحمام، فخلفوا الخلوف، وأودت بهم الحتوف، فهم صرعى في عساكر الموتى، متجاورون في غير محلّة التّجارة، ولا صلات بينهم ولا تزاور، ولا يتلاقون عن قرب جوارهم، أجسامهم نائية من أهلها، خالية من أربابها، قد أخشعها أخوانها، فلم أر مثل دارها داراً، ولا مثل قرارها قراراً، في بيوتٍ موحشةٍ، وحلول مضجعةٍ، قد صارت في تلك الدّيار الموحشةٍ، وخرجت عن الدّار المؤنسة، ففارقتها من غير قُلىً فاستودعتها للبلى، وكانت أمّه مملوكةً، سلكت سبيلاً مسلوكة، صار إليها الأوّلون، وسيصير إليها الآخرون.
كراماته عليه السلام
هناك كرامات عظيمة نسبة إلى الإمام المُجتبى عليه السّلام، منها:
الكرامة الأولى: تسبيح الحصى بيديه.
روى الشّيخ مُحمّد بن عليّ العامليّ في كتاب تحفة الطّالب نقُلاً عن كتاب المصابيح من كتب العامّة، عن زين بن أرقم قال: سبعُ حَصِيّاتٍ سبّحنَ في كفّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، فوضَعَها في يد الحسن بن عليّ عليه السّلام فسَبّحنَ كما سبّحن في كفّه، ثمّ وضعها في كفّ الحُسين عليه السّلام فسبّحن في كفّه. وكلُّ مَن حضر مِن الصّحابة أخذ الحصيّات ولم يسبّحن في أيديهم، فسُئل عليه السّلام عن ذلك فقال: الحصى لا يسبّحن إلاّ في كفّ نبيّ، أو وصيِّ نبيّ.
الكرامة الثانية: إجابة الطير له.
قال أبو جعفر الطّبريّ مُحمّد بن جرير: حدّثنا أبو مُحمّد عبدالله بن مُحمّد قال: حدّثنا سلمة بن مُحمّد قال: أخبرنا مُحمّد بن عليّ الجاشي قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي الخُدْريّ قال: رأيتُ الحسنَ بن عليّ عليه السّلام وهو طفل.. والطّير تُظِلّه، ورأيتُه يدعو الطّيرَ فتُجيبه.
الكرامة الثالثة: نقله الوحي لأمّه الزّهراء عليهما السلام.
عن أبي السّعادات في الفضائل أنّه أملى الشّيخ أبو الفتوح في مدرسة النّاجية، أنّ الحسن بن عليّ عليهما السّلام كان يحضر مجلس رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو ابنُ سبع سنين، فيسمع الوحيَ فيَحفَظُه، فيأتي أُمَّه فيُلقي إليها ما حَفِظه. فلمّا دخل عليّ عليه السّلام وجدَ عندها عِلْماً، فسألها عن ذلك فقالت: مِن ولدك الحسن. فتخفّى يوماً في الدار وقد دخل الحسن وكان سمع الوحي، فأراد أن يُلقيَه فأُرْتِج عليه... فعَجِبت أمُّه من ذلك، فقال لها: لا تعجبي يا أمّاه, فإنّ كبيراً يسمعني، واستماعه قد أوقفني. فخرج عليّ عليه السّلام فقبّلَه.
وفي روايةٍ اُخرى قال الحسن عليه السّلام: يا أُمّاه، قلّ بياني، وكَلَّ لساني، لعلّ سيّداً يرعاني
الكرامة الرابعة: هلاك من ادعى عليه كذباً.
ادّعى رجلٌ على الحسن بن عليّ عليهما السّلام ألفَ دينار كذباً، ولم يكن عليه، فذهبا إلى شُرَيح القاضي، فقال شريح للحسن: أتحلف؟ قال: إن حلف خصمي أُعطيه، فقال شريح للرجل: قُل: بالله الذي لا إله إلاّ هو عالِمُ الغيب والشّهادة. فقال الحسن: لا أُريد مِثل هذا، قُل: بالله أنّ لك عليّ هذا، وخُذِ الألف. فقال الرّجل ذلك وأخذ الدنانير، فلمّا قام خرّ إلى الأرض ومات! فسُئل الحسنُ عن ذلك فقال: خشيتُ أنّه لو تكلّم بالتّوحيد يُغفَر له يمينُه ببركة التّوحيد ويَحجِبُ عنه عقوبة يمينه
الكرامة الخامسة: نطوقه بالحكمة وهو طفل.
عن مُحمّد بن إسحاق بالإسناد، في حديثٍ: أنّ أبا سفيان قال لفاطمة، والحسن يدرج وهو ابنُ أربعة عشر شهراً: يا بنتَ مُحمّد، قولي لهذا الطّفل يكلّم لي جدّه. فقال الحسن: يا أبا سفيان قُل: لا إله إلاّ الله، مُحمّد رسول الله... حتّى أكونَ لك شفيعاً. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: الحمدُ لله الذي جعَلَ في آل مُحمّد نظيرَ يحيى بن زكريا: وآتَيناهُ الحُكْمَ صَبِيّا.ً
مُعجزاته عليه السلام
المعجزة الأولى: إطاعة الحيوانات له.
عن الأعمش، عن أبي بُرَيدة، عن مُحمّد بن حجارة قال: رأيتُ الحسنَ بن عليّ عليهما السّلام وقد مرّت به صريمةٌ من الظّباء، فصاح بهنّ فأجابَتْه كلُّها بالتّلبية.. حتّى أتتْ بين يديه.
المعجزة الثانية: استجابة دعوته على زياد بن أبيه.
استغاث النّاس من زياد إلى الحسن بن عليّ عليهما السّلام فرفع يده وقال: اللهم خذ لنا ولشيعتنا من زياد بن أبيه وأرنا فيه نكالاً عاجلاً إنك على كل شئ قدير. قال: فخرج خراج في إبهام يمينه يقال لها: السّلعة، وورم إلى عنقه، فمات.
المعجزة الثالثة: النخلة اليابسة تحمل رطباً بدعائه.
عن إسماعيل بن مهران، عن عبدالله الكناسي عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: خرج الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام في بعض عمره ومعه رجل من ولد الزّبير كان يقول بإمامته، قال: فنزلوا في منهل من تلك المناهل قال: نزلوا تحت نخل يابس قد يبس من العطش: قال: ففرش للحسن عليه السّلام تحت نخلة وللزبيري بحذائه تحت نخلة اخرى قال: فقال الزّبيري ورفع رأسه: لو كان في هذا النّخل رطب لاكلنا منه، قال: فقال له الحسن عليه السّلام: وإنك لتشتهي الرّطب؟
قال: نعم فرفع الحسن عليه السّلام يده إلى السّماء فدعا بكلام لم يفهمه الزّبيري فاخضرت النّخلة ثمّ صارت إلى حالها فأورقت وحملت رطباً قال: فقال له الجمال الذي اكتروا منه: سحر والله، قال: فقال له الحسن: ويلك ليس بسحر ولكن دعوة ابن النّبي مجابة، قال: فصعدوا إلى النّخلة حتّى صرموا مما كان فيها ما كفاهم.
المعجزة الرابعة: حول رجلاً شامياً إلى إمرأة بإذن الله تعالى.
عن عيسى بن الحسن عن الصّادق عليه السّلام: قال بعضهم للحسن بن عليّ عليهما السّلام في احتماله الشّدائد عن معاوية فقال عليه السّلام كلاما معناه: لودعوت الله تعالى لجعل العراق شاماً والشّام عراقاً وجعل المرأة رجلاً والرّجل إمرأة فقال الشّامي: ومن يقدر على ذلك؟ فقال عليه السّلام: انهضي ألا تستحين أن تقعدي بين الرّجال، فوجد الرّجل نفسه امرأة ثمّ قال: وصارت عيالك رجلاً وتقاربك وتحمل عنها وتلد ولدا خنثى فكان كما قال عليه السّلام: ثمّ إنهما تابا وجاءا إليه فدعا الله تعالى فعادا إلى الحالة الأولى.
المعجزة الخامسة: نبع الماء من الصخر واستخراج الطعام.
عن قدامة بن رافع، عن أبي الأحوص مولى أُمّ سلمة قال: إنّي مع الحسن عليه السّلام بعرفات ومعه قضيب، وهناك أُجراء يحرثون.. فكلّما هَمّوا بالماء... فحين عَلِم همَّهم ضرب بقضيبه إلى الصّخر فينبع لهم الماء، واستخرج لهم طعاماً.
المعجزة السادسة: إجابة النخلة تلبيته.
قال عمارة بن زيد: سمعت إبراهيم بن سعد يقول: سمعتُ مُحمّد بن إسحاق يقول: كان الحسن والحُسين عليهما السّلام طفلَين يلعبان، فرأيتُ الحسنَ وقد صاح بنخلةٍ فأجابتْه بالتّلبية... وَسَعتْ إليه كما يسعى الولدُ إلى والده.
إخباره بالمغيّبات عليه السلام
بعض مما جاء من إخباره عليه السّلام بالمغيّبات:
1 - قال الطّبريّ: حدّثنا أبو مُحمّد عبدالله بن مُحمّد البلويّ قال: حدّثنا عمّار بن زيد المدنيّ، حدّثني إبراهيم بن سعيد ومُحمّد بن مسعر كلاهما عن مُحمّد بن إسحاق صاحب المغازي، عن عطاء بن يسار، عن عبدالله بن عبّاس قال: مرّت بالحسن بن عليّ عليه السّلام بقرة، فقال: هذه حُبلى بعِجْلةٍ أُنثى، لها غرّة في جبهتها ورأس ذَنَبِها أبيض. فانطلقنا مع القصّاب، فلمّا ذبحها وجدنا العجلة كما وصف على صورتها، فقُلنا له: أوَ ليس الله عزّ وجلّ يقول: ويعلم ما في الأرحام؟ فكيف علمتَ هذا؟! فقال: أنّا نعلم المكنون المخزون المكتوم الذي لم يطّلع عليه مَلَك مقرَّب ولا نبيّ مرسل غيرَ مُحمّد وذريّته عليهم السّلام.
2 - وروي عن الصّادق، عن آبائه عليهم السّلام: إنّ الحسن عليه السّلام قال يوماً لأخيه الحُسين ولعبد الله بن جعفر: إنّ معاوية بعث إليكم بجوائزكم وهي تصل إليكم يوم كذا لمستهل الهلال، وقد أضاقاً، فوصلت في السّاعة التّي ذكرها لما كان رأس الهلال.
3 - روى أبو أُسامة زيد الشّحّام عن أبي عبدالله الصّادق عليه السّلام قال: خرج الحسن بن عليّ عليهما السّلام إلى مكّة سنةً من السّنين حاجّاً حافياً، فورمَتْ قدماه، فقال له بعضُ مَواليه: لو ركبتَ لَسَكن عنك بعضُ هذا الورم الذي برِجْلَيك. قال: كلاّ، ولكنْ إذا أتيتَ المنزل فإنّه لَيستقبلك أسْودُ معه دُهْن لِهذا الداء، فاشترِ منه ولا تُماكِسْه. فقال له مولاه: بأبي أنت وأمّي، ما قُدّامَنا منزل فيه أحدٌ يبيع هذا الدواء، فقال: بلى، إنّه أمامك دون المنزل فسار ميلاً فإذا هو بالأسود، فقال الحسن عليه السّلام لمولاه: دونَك الرّجل، فخُذْ منه الدُّهن وأعطه الثّمن، فقال الأسود للمولى: يا غلام، لمَن أردتَ هذا الدهن؟ فقال: للحسن بن عليّ، فقال: انطلقْ بي إليه. فانطلق به فأدخله إليه، فقال له: بأبي أنت وأمّي، لم أعلم أنّك تحتاج إليه ولا أنّه دواء لك، ولستُ آخذُ له ثمناً، إنّما أنا مولاك، ولكنِ ادعُ اللهَ أن يرزقني ذَكَراً سَوِيّاً يُحبّكم أهل البيت؛ فإنّي خلّفتُ امرأتي وقد أخذها الطّلق. قال: انطلقْ إلى منزلك؛ فإنّ الله تبارك وتعالى قد وهب لك ذَكَراً سويّاً، وهو لنا شيعة.
فرجع الأسود فورَه، فإذا أهلُه قد وضعت غلاماً سويّاً، فعاد إلى الحسن فأخبره بذلك، ودعا له وقال له خيراً. ومسح الحسن رجلَيه بذلك الدهن، فما برح مِن مجلسه حتّى سكن ما به ومشى على رِجلَيه. ورُويَ أنّ ذلك المولود هو السّيّد إسماعيل بن مُحمّد الحِمْيريّ شاعر أهل البيت عليهم السّلام
4 - وروى ابن شهرآشوب بإسناده عن الإمام عليّ بن الحُسين زين العابدين عليه السّلام أنّه قال: كان الحسن بن عليّ جالسّاً فأتاه آتٍ فقال: يا بن رسول الله، قد احترقتْ دارُك! قال: لا، ما احترقت. إذ أتاه آتٍ فقال: يا ابنَ رسول الله، وقد وقعت النّار في دارٍ إلى جَنْب دارك حتّى ما شككنا أنّها ستُحرِق دارك، ثمّ إنّ الله صرفها عنها.
5 - عن المفضَّل بن عمر، عن الصّادق جعفر بن مُحمّد، عن أبيه عن جَدّه عليهم السّلام، أنّ الحُسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام دخل يوماً إلى أخيه الحسن عليه السّلام، فلمّا نظر إليه بكى، فقال له: ما يُبكيك يا أبا عبدالله؟ فقال: أبكي لما يُصنَع بك. فقال له الحسن عليه السّلام: إنّ الذي يُؤتى إليّ سُمٌّ يُدَسّ إليَّ فأُقتل به، ولكنْ لا يوم كيومِك يا أبا عبدالله! يَزدلف إليك ثلاثون ألفَ رجلٍ يَدّعون أنّهم مِن أُمّة جَدِّنا مُحمّد صلّى الله عليه وآله، وينتحلون دِينَ الإسلام، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك، وانتهاكِ حرمتك، وسَبْي ذراريك ونسائك، وأخذِ ثِقُلك، فعندها تحلّ ببني أُميّة اللعنة، وتمطرُ السّماءُ رماداً ودماً، ويبكي عليّك كلُّ شيء.. حتّى الوحوش في الفلوات، والحِيتانُ في البحار.
6 - عن الحسن بن علاء، عن جعفر بن مُحمّد الصّادق عليه السّلام: إنّ الحسن عليه السّلام قال لأهل بيته: أنا أموت بالسّمّ كما مات رسول الله صلّى الله عليه وآله، قالوا: ومَن يفعل ذلك بك، قال: امراتي جعدة بنت الأشعث بن قيس وفي رواية: جاريتي أو امرأتي، فإنّ معاوية يدسّ إليها ويأمرها بذلك، فقالوا: أخرِجْها مِن منزلك، وباعِدْها عن نفسك، قال: كيف أُخرجها ولم تفعل بعدُ شيئاً؟! ولو أخرجتُها ما قتلني غيرها، وكان لها عذرٌ عند النّاس.
وفي رواية: هيهاتَ مِن إخراجها ومَنيّتي على يدها, ما لي منها مَحيص، ولو أخرجتُها ما يقتلني غيرها، كان قضاءً مقضيّاً وأمراً واجباً من الله.
7 - وروى الشّيخ المفيد عن عبدالله بن إبراهيم، عن زياد المخارقيّ قال:
لمّا حضرتِ الحسنَ عليه السّلام الوفاةُ استدعى الحُسين عليه السّلام وقال: يا أخي، إنّي مُفارقك ولاحقٌ بربّي عزّ وجلّ، وقد سُقيتُ السّمَّ ورَميتُ بكَبِدي في الطّشت، وإنّي العارف بمَن سقاني السّمّ ومِن أين دُهيت، وأنا أُخاصمه إلى الله عزّ وجلّ... فإذا قضيتُ فغمّضني وغسّلْني وكفّنّي، واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله؛ لأُجدّد به عهداً، ثمّ رُدّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنتِ أسد رضي الله عنها، فادفنّي هناك. وستعلم ـ يابن أمّ ـ أنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند رسول الله صلّى الله عليه وآله، فيجلبون في ذلك ويمنعونكم منه، وباللهِ أُقسم عليّك أن تُهْريقَ في أمري مِحْجَمةَ دم.. وجرى كلُّ ذلك فيما بعد.
فضائله ومناقبه عليه السلام
كيف تعد فضائل ومناقب شخص هو من جملة الذّين أذهب الله عنهم الرّجس وطهرهم تطهيراً. وهو من جملة الذّين باهل بهم النّبي صلّى الله عليه وآله. وهو من جملة أهل البيت عليهم السّلام. وهو من جملة الثّقلين. وهو من جملة الذّين أوجب الله ودّهم وطاعتهم. ولكن ما لايدرك كله لايترك كله، فنذكر شذرات نورانية من فضائله ومناقبه عليه السلام، منها:
1 - عن جابر بن عبدالله قال: لمّا ولدت فاطمة الحسن عليهما السّلام قالت: لعليّ سمّه فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما كنت لأسبق باسمه ربّي عزّوجل فأوحى الله جلّ جلاله إلى جبرئيل عليه السّلام: أنّه قد ولد لمُحمّد ابن فاهبط إليه وهنّئه وقُل له: إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمّه باسم ابن هارون فهبط جبرئيل عليه السّلام فهنّأه من الله تعالى جلّ جلاله، ثمّ قال: إنّ اللهّ تعالى يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون قال: وما كان اسمه؟ قال: شبّر. قال: لسِاني عربيّ. قال: سمّه الحسن. فسمّاه الحسن.
2 - عن جابر أيضاً قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من سرّه أن ينظرإلى سيّد شباب الجنّة فلينظر إلى الحسن بن عليّ.
3 - عن عبداللهّ بن بريدة، عن ابن عباس قال: انطلقت مع رسول الله صلّىالله عليه وآله فنادى على باب فاطمة ثلاثاً فلم يجبه أحدٌ، فمال إلى حائط فقعد فيه وقعدت إلى جانبه، فبينا هو كذلك إذ خرج الحسن بن عليّ قد غسل وجهه وعلّقت عليه سبحة، قال: فبسط النّبيّ صلّى الله عليه وآله يده ومدّها ثمّ ضمّ الحسن إلى صدره وقبّله وقال: إنّ ابني هذا سيّد، ولعلّ الله عزّ وجلّ يصلح به بين فئتين من المسلمين
4 - روى إبراهيم بن عليّ الرّافعي عن أبيه، عن جدّته زينب بنت أبي رافع قالت: أتت فاطمة عليها السّلام بابنيها الحسن والحُسين عليهما السّلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله في شكواه التّي توفّي فيها فقالتّ:يا رسول الله، هذان إبناك فورّثهما شيئاً. فقال: أمّا الحسن فإنّ له هيبتي وسؤددي، وأمّا الحُسين فإنّ له جودي وشجاعتي.
5 - عن أنس بن مالك قال: لم يكن أحد أشبه برسول الله صلّى الله عليه وآله من الحسن بن عليّ عليهما السّلام
6 - قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ الحسن ابني أشبه برسول الله صلّى الله عليه وآله ما بين الصّدر إلى الرّأس، والحُسين عليه السّلام أسفل من ذلك
خلقه وتواضعه وكرمه عليه السلام
خلق الإمام الحسن عليه السّلام أكثر مما تعد أو توصف ولكن اليك عبرة عابرة وأشارة مختصرة لما يحمله هذا الإمام من الخصال الحميدة ، منها:
1 - روت كتب السّيرة إنّه عليه السّلام مرّ على جماعة من الفقراء قد وضعوا على وجه الأرض كسيرات من الخبز كانوا قد التّقطوها من الطّريق وهم يأكلون منها، فدعوه لمشاركتهم في أكلها فأجاب دعوتهم قائلاً: ان الله لا يحب المتكبرين. ولما فرغ من مشاركتهم دعاهم لضيافته فأغدق عليهم المال وأطعمهم وكساهم.
2 - جاء في كتاب المناقب: إن شامياً من أنصار معاوية رأى الإمام الحسن راكباً فجعل يلعنه والحسن عليه السّلام لا يرد عليه فلما فرغ الرّجل اقبل الإمام عليه ضاحكاً وقال: ايها الشّيخ اظنك غريباً. ولعلك شبهت؟ فلو استعتبتنا استعتبناك، ولو سألتّنا اعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً اشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً اغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كانت لك إجابة قضيناها لك فلو حركت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان اعود عليّك لأن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً. فلما سمع الرّجل كلامه بكى. ثمّ قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه. الله اعلم حيث يجعل رسالتّه، كنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت وأبوك أحب خلق لله إليّ. ثمّ استضافه الإمام حتّى وقت رحيله.
3 - ذات يوم كان عند معاوية أشراف النّاس من قريش وغيرهم، وكان الإمام الحسن عليه السّلام جالساّ في صدر المجلس، فسأل معاوية: أخبروني بأكرم النّاس أباً وأُماً، وعماً وعمَّة، وخالاً وخالة، وَجَدّاً وَجَدَّةً؟
فقال مالك بن عجلان وأومى إلى الحسن بن عليّ عليهما السّلام فقال هو ذا، أبوه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، وأمُّه فاطمة بنت مُحمّد عليهما السّلام، وعمُّه جعفر الطّيار، وعمته أم هانئ بنت أبي طالب، وخاله القاسم بن رسول الله، وخالتّه زينب بنت رسول الله، وجدَّته خديجة بنت خويلد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فسكت القوم ونهض الإمام عليه السّلام، فأقبل عمرو بن العاص على مالك فقال: أحبّ بني هاشم حملك على أن تكلمت بالباطل؟ فقال ابن عجلان: ما قُلت إلا حقّاً.
4 - وقد قسّم كلّ ما يملكه نصفين، ثلاث مرّات في حياته، وحتّى نعله، ثمّ وزّعه في سبيل الله كما يقول عنه الرّاوي مخاطباً إيّاه وقد قاسمت ربّك مالك ثلاث مرّات حتّى النّعل والنّعل.
5 - سمع الحسن عليه السّلام رجلاً إلى جنبه في المسجد الحرام يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم، فانصرف إلى بيته وبعث إليه بعشرة آلاف درهم.
6 - في ذات يوم حيّت جارية الحسن عليه السّلام بطاقة ريحان، فقال لها: أنت حرّة لوجه الله فقيل له في ذلك، فقال أدّبنا الله تعالى فقال: {وإذا حيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها} وكان أحسن منها إعتاقها.
7 - في أحد الأيام دخل فقير الى المسجد يسأل النّاس فأرشده رجل إلى الرّجال الذين كانوا في ذلك الجانب من المسجد ليسألهم، وحين توجه إليهم فإذا بهم: الحسن والحُسين عليهما السّلام، وعبد الله بن جعفر رضي الله عنه. فبادر الإمام الحسن عليه السّلام بإعطاء الفقير 50 درهم، والإمام الحُسين عليه السّلام أعطاه 49 درهم، وعبد الله بن جعفر أعطاه 48 درهم.
خشوعه عليه السلام وخوفه من الله عزّوجلّ
روي عن الإمام الصّادق عليه السّلام، أنّه قال: إنّ الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، كان أعبد النّاس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ حجّ ماشياً وربّما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنّشور بكى، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها... .
وقد حجّ خمسة وعشرين حجّة ماشياً، وربّما بدون نعل.
عبادته عليه السلام
إنّه عليه السّلام كان اعبد النّاس في زمانه فقد ذكر خلاد بن عبيدة،عن عليّ بن زيد بن جدعان، قال: حج الحسن بن عليّ خمس عشرة حجة ماشياً وأن النّجائب لتقاد معه،...
وقال الإمام الصّادق عليه السّلام: إنَّ الحسن بن عليّ عليهما السّلام كان أعبد النّاس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم.
وروى أنَّ الإمام الحسن عليه السّلام كان إذا توضَّأ ارتعدت مفاصله، واصفَرَّ لونُه، ولما سُئِل عليه السّلام عن السّبب قال: حَقٌّ على كلِّ من وقف بين يدى رَبِّ العرش، أن يَصفرَّ لونُه، وترتعد مفاصله.
وكان الإمام عليه السّلام إذا انتهى من صلاة الفجر لا يتكلم مع أحد، بل يشغل بالتّعقيبات والدعاء حتّى تَطلَعَ الشّمس، وهذا ما ورثه عن أمِّهِ فاطمة الزّهراء عليها السّلام.
فنلاحظ أن المعصوم عليه السّلام يُعلِّمُنا أمراً فى غاية الرّوعة، وهو أن العبادة لا تعني انقطاع الفرد عن المجتمع، وأنها ليست مجرد طقوس دينية، وأنها لا تعني التّخلُّص من التّكليف الشّرعي.
بل العبادة تعني أن يعيش الإنسان الخوف الدائم من الله، ولهذا إذا تعزَّزَ هذا الشّعور فى ضمير الإنسان فإنه لا يظلم، ولا يسرق، ولا يكذب، ولا يرتكب الموبقات.
والعبادة تعني أن يعيش الآخرون معك في فضل مالِك، فتتصدَّق إلى الفقراء، والمحتاجين.
وأن نؤدي العبادة عن وعيٍ وإدراك، وتواضع لله تبارك وتعالى، ومن السّخافة أن يظن الإنسان أنه قد وصل إلى مقام متميز ثمّ يمنُّ على الله تعالى بعبادته، بل العبادة تعني احتياج الإنسان المطلق لهذا المَدّ الإلهي، والفيض الرّبَّاني
أدعيته عليه السلام
إليك بعض النّماذج من أدعية الإمام الحسن المُجتبى عليه السّلام:
1 – فقد كان من دعائه عليه السّلام إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه، وقال: إلهي ضيفك ببابك، يا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم.
2 - وكان عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء على الظّالمين له والمعتدين عليه، ويطلب من الله أن يكفيه شرّهم، ويعلوه عليهم: اللّهمّ يا من جعل بين البحرين حاجزاً وبرزخاً، وحجراً محجوراً، يا ذا القوّة والسّلطان، يا عليّ المكان، كيف أخاف وأنت أملي، وكيف أضام وعليّك متّكلي، فغطّني من أعدائك بسترك، وأظهرني على أعدائي بأمرك، وأيدني بنصرك. إليك ألجأ، ونحوك الملتجأ، فاجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً، يا كافي أهل الحرم من أصحاب الفيل، والمرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارةٍ من سجّيل، ارم من عاداني بالتّنكيل.
اللّهمّ إنّي أسألك الشّفاء من كلّ داء، والنّصر على الأعداء، والتّوفيق لما تحبّ وترضى، يا إله من في السّماء والأرض وما بينهما، وما تحت الثّرى، بك أستشفي وبك أستعفي، وعليّك أتوكّل، فسيكفيكهم الله، وهو السّميع العليّم.
3 - من أدعيته: اللهم إنّى اسألك من كل أمر ضعفت عنه حيلتى و لم تنته إليه رغبتى و لم يخطر ببالي و لم يبلغه أملى و لم يجر على لسانى من اليقين الذى اعطيته أحداً من المخلوقين الأولين المهاجرين و الآخرين إلا خصصتنى به يا أرحم الرّاحمين.
4 - كان عليه السّلام يدعو في قنوته بهذا الدعاء: يا من بسلطانه ينتصر المظلوم، وبعونه يعتصم المكلوم، سبقت مشيّتك، وتمّت كلمتك، وأنت على كلّ شيءٍ قدير، وبما تمضيه خبير، يا حاضر كلّ غيبٍ، وعالم كلّ سرٍّ، وملجأ كلّ مضطرٍّ، ضلّت فيك الفهوم، وتقطّعت دونك العلوم، أنت الله الحيّ القيوم، الدائم الديّموم، قد ترى ما أنت به عليّم، وفيه حكيم، وعنه حليم.
وأنت بالتّناصر على كشفه، والعون على كفّه غير ضائق، وإليك مرجع كلّ أمرٍ، كما عن مشيّتك مصدره، وقد أبنت عن عقود كل قومٍ، وأخفيت سرائر آخرين، وأمضيت ما قضيت، وأخّرت ما لا فوت عليّك فيه، وحملت ما تحمّلت في غيبك، ليهلك من هلك عن بيّنةٍ، ويحيا من حيي عن بيّنةٍ، وإنّك أنت السّميع العليّم، الأحد البصير، وأنت الله المستعان، وعليّك التّوكّل.
وأنت وليّ من تولّيت، لك الأمر كلّه، تشهد الانفعال، وتعلم الاختلال، وترى تخاذل أهل الخبال، وجنوحهم إلى ما جنحوا إليه من عاجلٍ فانٍ، وحطامٍ عقباه حميم آنٍ، وقعود من قعد، وارتداد من ارتد، وخلوّي من النّصّار، وانفرادي عن الظّهار، وبك أعتصم، وبحبلك أستمسك، وعليّك أتوكّل.
اللّهمّ فقد تعلم أنّي ما ذخرت جهدي، ولا منعت وجدي، حتّى انفلّ حدّي، وبقيت وحدي، فاتّبعت طريق من تقدّمني في كفّ العادية، وتسكين الطّاغية عن دماء أهل المشايعة، وحرست ما حرسه أوليائي من أمر آخرتي ودنياي، فكنت ككظمهم أكظم، وبنظامهم أنتظم، ولطريقتهم أتسنّم، وبميسمهم أتسم، حتّى يأتي نصرك، وأنت ناصر الحقّ وعونه، وإنّ بعد المدى عن المرتاد، ونأى الوقت عن إفناء الأضداد.
اللّهمّ صلّ على مُحمّد وآله… وامزجهم مع النّصّاب في سرمد العذاب، وأعم عن الرّشد أبصارهم، وسكّعهم في غمرات لذّاتهم، حتّى تأخذهم بغتةً وهم غافلون، وسحرةً وهم نائمون، بالحقّ الذي تظهره، واليد التّي تبطش بها، والعلم الذي تبديه، إنّك كريم عليّم.
5 - و كان عليه السّلام يقول: اللهم اقذف فى قُلبى رجاءك واقطع رجائى عمن سواك حتّى لا أرجو أحداً غيرك
6 - و من أدعية: اللهم انك تخلفّ من جميع خلقك و ليس فى خلقك خلفٌ منك الهى من أحسن فبرحمتك و من أساء فبخطيئته فلا الذى أحسن استغنى عن رفدك و معونتك ولا الذى أساء استبدل بك و خرج من قدرتك الهى بك عرفتك و بك اهتديت الى أمرك و لولا أنت لم ادر ما أنت فيا من هو هكذا لاهكذا غيره صل على مُحمّد و آل مُحمّد وارزقنى الخلاص فى عملى و السّعة فى رزقى اللهم اجعل خير عمرى اخره و خير عملى خواتمه و خير أيامى يوم القاك، اليه اطعتك و لك المن اللهم علىّ فى أحب الاشياء اليك الايمان بك و التّصديق برسولك و لم اعصك فى أبغض الاشياء الشّرك بك و التّكذيب برسولك فاغفر لى ما بينهما يا أرحم الرّاحمين و يا خير الغافرين
7 - وكان عليه السّلام يدعو في الاستسقاء بهذا الدعاء: اللّهمّ هيّج لنا السّحاب، بفتح الأبواب بماءٍ عباب، وربابٍ بانصبابٍ، وانسكابٍ يا وهّاب، واسقنا مطبقةً مغدقةً مونقةً، فتّح إغلاقها، وسهّل إطلاقها، وعجّل سياقها بالأندية والأودية، يا وهّاب بصوب الماء، يا فعّال اسقنا مطراً قطراً طلاً مطلاً طبقاً عامّاً معمارهما بهما. رحيماً رشاً مرشاً، واسعاً كافياً عاجلاً طيّباً مباركاً، سلاطح بلاطح يناطح الأباطح، مغدودقاً مطبوبقاً مغرورقاً، واسق سهلنا وجبلنا، وبدونا وحضرنا، حتّى ترخص به اسعارنا، وتبارك به في ضياعنا ومدننا، أرنا الرّزق موجوداً، والغلاء مفقوداً، آمين يا ربّ العالمين.
8 - وكان عليه السّلام يدعو عند دخوله على ظالم بهذا الدعاء: بسم الله الرّحمن الرّحيم، بسم الله العظيم الأكبر، اللّهمّ سبحانك يا قيّوم، سبحان الحيّ الذي لا يموت، أسألك كما أمسكت عن دانيال أفواه الأسد، وهو في الجبّ، أن تمسك عنّي أمر هذا الرّجل، وكلّ عدو لي في مشارق الأرض ومغاربها، من الإنس والجنّ. خذ بآذانهم وأسماعهم، وأبصارهم وقُلوبهم وجوارحهم، واكفني كيدهم بحولٍ منك وقوّةٍ، وكن لي جاراً منهم، ومن كلّ شيطانٍ مريدٍ، لا يؤمن بيوم الحساب، إنّ وليي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصّالحين، فإن تولّوا فقُل حسبي الله لا إله إلاّ هو عليه توكّلت، وهو ربّ العرش العظيم.
استجابة دعائه عليه السلام
من صفاة المعصوم عليه السّلام انّه مستجاب الدّعاء, وقد ذكرة كتب التّاريخ شواهد كثيرة في ذلك. والإمام الحسن عليه السّلام أستجيب دعائه في عدة مناسبات نورد منها.
1 – ما روى ابن شهرآشوب، أنّ النّاس استغاثوا مِن زياد بن أبيه إلى الحسن بن عليّ عليهما السّلام، فرفع يديه وقال: اللّهمّ خُدْ لنا ولشيعتنا مِن زياد بن أبيه، وأرِنا فيه نَكالاً عاجلاً، إنّك على كلّ شيءٍ قدير. قال الرّاوي: فخرج خرّاجٌ في إبهام يمين زياد يُقال لها السّلْعة، وورم إلى عنقه فمات.
2 - ما عن أبي البختريّ، عن جعفر الصّادق عن أبيه عن جدّه عليهم السّلام قال: اجتمع عند عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قومٌ فشَكَوا إليه قُلة المطر، وقالوا: يا أبا الحسن، ادعُ لنا بدعواتٍ في الاستسقاء. قال: فدعا عليّ الحسنَ والحُسين عليهم السّلام، ثمّ قال للحسن عليه السّلام: ادعُ لنا بدعواتٍ في الاستسقاء. فقال الحسن عليه السّلام: اللّهمّ هيّجْ لنا السّحاب بفتح الأبواب، بماء عُباب ..ثمّ قال للحسين عليه السّلام: ادعُ. فقال الحُسين عليه السّلام: اللّهمّ يا معطيَ الخيرات.. ...، فما فَرَغا من دعائهما حتّى صبّ الله تبارك وتعالى عليهم السّماءَ صَبّاً.
3 - ما عن إسماعيل بن مهران، عن عبدالله الكناسيّ، عن أبي عبدالله الصّادق عليه السّلام قال: خرج الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام في بعض عُمَره ومعه رجلٌ مِن وُلْد الزّبير كان يقول بإمامته. قال: فنزلوا في منهلٍ من تلك المناهل، قال: نزلوا تحت نخلٍ يابسٍ قد يبس من العطش قال: ففرش الحسن عليه السّلام تحت نخلة، والزّبيريُّ بحذائه تحت نخلةٍ أخرى، قال: فقال الزّبيريُّ ورفع رأسَه: لو كان في هذا النّخل رُطبٌ لأكلنا منه! قال: فقال له الحسن عليه السّلام: وإنّك لَتشتهي الرّطَب؟ قال: نعم. فرفع الحسن عليه السّلام يدَه إلى السّماء فدعا بكلام لم يفهمه الزّبيريّ، فاخضرّت النّخلة، ثمّ صارت إلى حالها فأورقَتْ وحملت رُطباً قال: فقال له الجمّالُ الذي اكتَرَوا منه: سحرٌ والله! قال: فقال له الزبيري: وَيْلَك! ليس بسحر، ولكن دعوة ابن النّبيّ مُجابة قال: فصعدوا إلى النّخلة حتّى صرموا ممّا كان فيها ما كفاهم
4 - جرت مناظرة في مجلس معاوية، وقد حضر المحفل رجلٌ من بني أُميّة ـ وكان شابّاً ـ فأغلظ على الحسن كلامَه، وتجاوز الحدَّ في السّبّ والشّتم له ولأبيه، فقال الحسن عليه السّلام: اللّهمّ غيّرْ ما به مِن النّعمة، واجعلْه انثى ليُعتبَر به. فنظر الأُمويُّ في نفسه وقد صار امرأة.
بعض ما نسب إليه من الشعر عليه السلام
بعض ما ورد من شعر الإمام الحسن عليه السّلام:
1ـ قدّم لنفسك:
قدّم لنفسك ما استعطت من التّقى إنّ المنيـة نازل بـك يا فتى
أصـبحت ذا فـرحٍ كأنّك لا ترى أحباب قُلبك في المقابر والبلى.
2ـ حان الرّحيل:
قُل للمقيم بغير دار إقامـةٍ حان الرّحيـل فودّع الأحبـابا
إنّ الذين لقيتهم وصحبتهم صاروا جميعاً في القبور ترابا.
3ـ الدنيا:
ذري كدر الدنيا فإنّ صـفاءها تولّى بأيّام السّـرور الذواهب
وكيف يعزّ الدهر من كان بينه وبين الليالي محكمات التّجارب.
4ـ فمهلاً:
أتأمر يا معاوي عبد سـهمٍ بشـتمي والملا منّا شـهود
إذا أخذت مجالسّـها قريش فقد علمت قريـش ما تريد
أأنت تظلّ تشـتمني سـفاها لضـغنٍ ما يزول وما يبيد
فهل لك من أبٍ كأبي تسامى به من تسـامى أو تكيـد
ولا جدّ كجدّي يا بـن حربٍ رسول الله إن ذكر الجدود
ولا أمّ كأمي مـن قريـشٍ إذا ما حصل الحسـب التّليد
فما مثلي تهكم يا بن حربٍ ولا مثلي ينهنهـه الوعيـد
فمهلاً لا تهـج منّا أمـوراً يشيب لهولها الطّفل الوليد.
5ـ عزمت تصبراً:
لئن ساءني دهر عزمت تصبّراً وكلّ بلاءٍ لا يـدوم يسـير
وان سرّني لم أبتهج بسـروره وكل سرورٍ لا يـدوم حقير.
6ـ فيم الكلام:
فيـم الكلام وقد سـبقت مبرّزاً سبق الجواد من المدى المتنفـس
والصّلح تأخذ منه ما رضيت به والحرب يكفيك من أنفاسها جرع.
7ـ عاجلتنا:
عاجلتنا فأتـاك وابـل برّنا طلاّ ولو أمهلتنا لم نقصر
فخذ القُليل وكن كأنّك لم تبع ما صنته وكأنّنا لم نشتر.
8 ـ حين يسأل:
إذا ما أتانـي سـائل قُلت مرحباً بمن فضله فرض عليّ معجل
ومن فضله فضل على كلّ فاضلٍ وأفضل أيام الفتى حين يسأل.
9ـ السّخي والبخيل:
خلقت الخلائق من قدرةٍ فمنهم سخيّ ومنهم بخيل
فأمّا السّـخيّ ففي راحةٍ وأما البخيل فحزن طويل.
10ـ لو علم البحر:
نحن أناس نوالنّا خضـل يرتع فيـه الرّجـاء والأمل
تجود قبل السّؤال أنفسـنا خوفاً على ماء وجه من يسل
لو علم البحر فضل نائلنا لغاض من بعد فيضـه خجل
11ـ أسرعت فيّ المنايا:
ومارست هذا الدهر خمسين حجّةً وخمساً أرجّـــي قائلاً بعد قائل
فما أنا في الدنيا بلغت جسـيمها ولا في الذي أهـوى كدحت بطائل
وقد أسـرعت فيّ المنـايا أكفّها وأيقنت أني رهـن مـوتٍ معاجل
12ـ عندي شفاء الجهل:
ما غبيّاً سـألتّ وابن غبـيٍّ بل فقيهاً إذن وأنت الجهول
فإن تك قد جهلت فإن عندي شفاء الجهل ما سأل السّؤول
وبحراً لا تقسـمه الدوالـي تراثاً كان أورثـه الرّسـول
13ـ السّخاء فريضة:
إنّ السّخاء على العباد فريضة لله يقرأ في كتابٍ محكم
وعد العباد الأسـخياء جنانه وأعدّ للبخلاء نـار جهنّم
من كان لا تندى يـداه بنائلٍ للراغبين فليس ذاك بمسلم
14ـ كسرة وكفن:
لكسرة من خسيس الخبز تشبعني وشربة من قراحٍ الماء تكفيني
وطرة من دقيق الثّوب تسـترني حياً وإن متّ تكفينـي لتكفيني
15ـ قال العيون:
قال العيون وما أردن من البكاء على عليّ
وتقبلنّ مـن الخلـيّ فليس قُلبـك بالخليّ
ما أنشد بحقه عليه السلام من الشعر
1 ـ قال الإمام الحُسين عليه السّلام لما وضع الحسن عليه السّلام في لحده:
أأدهن رأسي أم تطيب مجالسّي ورأسك معفور وأنت سـليبُ
أو استمتع الدنيا لشيء أحبّه ألا كل ما أدنى إليك حبيبُ
فلا زلت ابكي ما تغنَّت حمامة عليّك وما هبَّت صبا وجنوبُ
وما هملت عيني من الدمع قطرة وما أخضر في دوح الحجاز قضيبُ
بكائي طويل والدموع غزيرة وأنت بعيد والمـزار قـريبُ
غريب وأطراف البيوت تحوطه ألا كل مـن تحت التّراب غريبُ
ولا يفرح الباقي خلاف الذي مضى وكــلّ فـتى للموت فيه نصيبُ
فليس حريباً من أصيب بماله ولكن مــن وارى أخاه حريبُ
2 ـ قال الفضل بن العباس:
أصبح اليوم ابن هند آمناً ظاهر النّخوة إذ مات الحسن
رحمة الله عليه إنما طالما اشجى ابن هند وارن
استراح القوم منه بعده إذ هوى رهناً لأجداث الزّمن
فارتع اليوم ابن هند آمناً إنما يقمص بالعير السّمن
3 ـ وقال عمرو بن أُحيحة يوم الجمل في خطبة الحسن بن عليّ عليهما السّلام بعد خطبة عبد الله بن الزّبير:
حسن الخير يا شبيه أبيه قمت فينا مقام خير خطيبِ
قمت بالخطبة التّي صدع الله بها عن أبيك أهل العيوبِ
وكشفت القناع فاتضح الأمر واصلحت فاسدات القُلوبِ
لست كابن الزّبير لجلج في القول وطأطأ عنان فشل مريبِ
وأبى الله أن يقـوم بما قـام به ابن الوصي وابن النّجيبِ
إن شخصاً بين النّبي ـ لك الخير ـ وبين الوصيّ غير مشوبِ
4 ـ وقال النّجاشي:
جعـدة بــــكّيه ولا تـسـأمي بعـد بكـاء المعـولِ الثّـاكلِ
لم يُسبـل السّـتر عــلى مثـله فـي الأرض من حاف ومن ناعـلِ
كــان إذا شــبَّـت لـه نـاره يرفعـها بالسّــند الفــاتــلِ
كيما يراهــا بائـس مـرمــل وفرد قــوم ليــس بــالآهـلِ
يُـغلى نئي الـلحـم حتّى إذا أنضـجـه لـم يغــــل من آكلِ
أعـنــي الـذي أسـلمنا هلكه للزمن المــســـتحــرج الماحلِ
5 ـ وقال سليمان بن قتّة:
يا كـذّب الله من نـعى حسناً ليس لتـكذيـب نعـيـه ثمنُ
كنت خليلي وكنت خالصّتي لكلّ حي من أهله سكنُ
أجول في الدار لا أراك وفي الدار أناس جوارهم غبنُ
بدلتهم منك ليت أنّهم أضحوا وبـيـني وبينهم عدنُ
6 ـ وقال الكميت:
وفي حسن كانت مصاديق لاسمه اراب لصدعها المهيمن مراب
وحزم وعزم في عفاف وسؤدد إلى منصب لا مثله كان منـصب
وقال أيضاً:
ووصي الوصي ذي الخطة الفصل ومردي الخصوم يوم الخصامِ
الإمام عليه السلام في نظر أهل البيت عليهم السلام
أقوال الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السّلام في الإمام الحسن السّبط عليه السّلام:
قال صلّى الله عليه وآله: اللّهمَّ إنّي أُحبُّه فأحِبَّه.
وقال صلّى الله عليه وآله أيضاً: إبناي هذان إمامان، قاما أو قعدا
وقال صلّى الله عليه وآله أيضاً: من أحبّ الحسن والحُسين فقد أحبّني، ومن أبغضهما
فقد أبغضني
وقال صلّى الله عليه وآله أيضاً: الحسن والحُسين سيّدا شباب أهل الجنّة.
وقال صلّى الله عليه وآله ايضا: اللهم أحبهما وأحب من يحبهما.
و قال صلّى الله عليه وآله ايضا ـ: من سره أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنّة فلينظر
إلى الحسن بن عليّ.
وقال صلّى الله عليه وآله في الحسن والحُسين: من أحبني فليحب هذين.
وعن رشيد ابن مالك، قال: كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله جلوساً فأتاه رجل بطبق عليه تمر، فقال: ما هذا، أهدية أم صدقة؟ فقال الرّجل: صدقة، قال: فقدمها إلى القوم، قال: وحسن بين يديه يتعفر، قال: فأخذ الصّبي تمرة فجعلها في فيه، قال: ففطن له رسول الله صلّى الله عليه وآله فأدخل إصبعه في فيّ الصّبي فانتزع التّمرة ثمّ قذف بها، وقال: أنا آل مُحمّد لا نأكل الصّدقة.
وقال السّمهودي: لما رأى عليّ بن أبي طالب الحسن يتسرع إلى الحرب في بعض أيام صفين قال: أيها النّاس املكوا عني هذين الغلامين، فإني أنفس بهما عن القتل أخاف أن ينقطع بهما نسل رسول الله صلّى الله عليه وآله.
وروى الهيثمي بإسناده عن عليّ، قال: أشبه النّاس برسول الله صلّى الله عليه وآله ما بين رأسه إلى نحره الحسن.
بعض رواته عليه السلام
1 - أبو إسحاق السّبيعيّ
هو عمرو بن عبدالله بن عليّ الكوفي الهَمْداني، من أعيان التّابعين. كان مِن ثقات عليّ بن الحُسين عليهما السّلام، وقُبض وله تسعون سنة. وقال الحميديّ: مات سنة 126 هجريّة.
• له روايات عن الإمام الحسن عليه السّلام، منها:
خطب الحسنُ بن عليّ عليهما السّلام في صبيحة الليلة التّي قُبِض فيها أمير المؤمنين عليه السّلام، فحمد اللهَ وأثنى عليه، وصلّى على رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ قال:لقد قُبض في هذه الليلة رجلٌ لم يَسبِقْه الأوّلون بعمل، ولا يُدركه الآخِرون بعمل، لقد كان يجاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وآله فيقيه بنفسه. كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يوجّهه برايته، فيكنفه جبرئيلُ عن يمينه وميكائيل عن شماله، ولا يرجع حتّى يفتح الله على يديه. ولقد تُوفّيَ عليه السّلام في الليلة التّي عُرِج فيها بعيسى بن مريم، وفيها قُبض يوشَع بن نون وصيُّ موسى عليه السّلام، وما خَلَّف صفراءَ ولا بيضاء إلاّ سبعَمائةِ درهمٍ فَضَلَتْ عن عطائه، أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله. ثمّ خنقته العَبرة فبكى، وبكى النّاس معه، ثمّ قال:أنا ابنُ البشير، أنا ابن النّذير، أنا ابنُ الداعي إلى الله بإذنه، أنا ابن السّراج المنير، أنا من أهل بيتٍ أذهَبَ اللهُ عنهم الرّجسَ وطهّرهم تطهيراً، أنا مِن أهل بيتٍ فرَضَ اللهُ مودّتَهم في كتابه فقال تعالى: (قُل لا أسألُكم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القُربى، ومَن يَقتَرِف حَسَنةً نَزِدْ له فيها حُسْناً). فالحسنة مودّتُنا أهل البيت. ثمّ جلس، فقام عبدالله بن عبّاس رحمه الله بين يديه فقال: معاشرَ النّاس، هذا ابنُ نبيّكم، ووصيُّ إمامكم، فبايِعوه. فاستجاب له النّاس فقالوا: ما أحَبَّه إلينا، وأوجَبَ حقَّه عليّنا! وبادَرُوا إلى البيعة له بالخلافة، وذلك يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فرتّب العمّال وأمّر الأمراء، وأنفذ عبدَالله بن العبّاس إلى البصرة، ونظر في الأمور.
2 - ابن أبي ليلى
عبدالرّحمن بن أبي ليلى، مِن أكابر التّابعين بالكوفة. سمع من أمير المؤمنين عليه السّلام، وأبوه أبو ليلى كان من الصّحابة شهد وقعة الجمل ومعه راية الإمام عليّ عليه السّلام. قُتِل عبدالرّحمن بن أبي ليلى في وقعة دَيْر الجَماجِم في محاربة الحجّاج الثّقفيّ سنة 73 هجريّة.
روى عن الإمام الحسن المُجتبى عليه السّلام عدّة روايات، منها: أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: الزّمُوا مودّتَنا أهل البيت؛ فإنّه مَن لقيَ اللهَ وهو يَوَدُّنا أهل البيت دخل الجنّة بشفاعتنا. والذي نفسي بيده، لا ينتفع عبدٌ بعمله إلاّ بمعرفة حقّنا.
وعنه عليه السّلام روى أيضاً أنّه قال: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله: أُدعُوا لي سيّدَ العرب ـ يعني عليّ بن أبي طالب ـ فقالتّ عائشة: السّتَ سيَدَ العرب؟! فقال: أنا سيّدُ وُلْد آدم، وعليّ سيّد العرب. فلمّا جاء أي عليّ عليه السّلام أرسل صلّى الله عليه وآله إلى الأنصار فأتَوه، فقال لهم: يا معشرَ الأنصارَ، ألا أدلُّكم على ما إن تمسّكتُم به لن تضلّوا بعده أبداً، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: هذا عليّ، فأحِبُّوه بحبّي، وأكرِمُوه بكرامتي؛ فإنّ جبرئيل أمرني بالذي قُلت لكم مِن الله عزّوجلّ.
2 - أبو بَرزَة الأسلمي
قال الأردبيلي في جامع الرّواة: أبو بَرزَة من الأصفياء من أصحاب عليّ عليه السّلام اسمه فضلة بن عبيد. وقال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: شهد مع عليّ فقاتل الخوارج بالنّهروان، وغزا بعد ذلك خراسان فمات بها. قيل: إنّه مات بنيسابور أو غيرها سنة 64 هجريّة
قال أبو برزة الأسلميّ: وُلد للحسن بن عليّ عليهما السّلام مولود، فأتته قريش فقالوا: يَهْنِئُك الفارس، فقال: وما هذا من الكلام؟! قولوا: شكرتَ الواهب، وبُورك لك في الموهوب، وبلغ الله به أشُدَّه، ورزقك بِرَّه.
4 - أبو جميلة
عدّه الأردبيلي في جامع الرّواة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام، وقال: أبو جميلة عَنبَسَة بن جُبير، روى عن عبدالأعلى
قال: خرج الحسن بن عليّ يصلّي بالنّاس وهو بالكوفة، فطُعن بخنجر في فَخِذه فمرض شهرين، ثمّ خرج فحَمِد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: يا أهل العراق، اتّقوا اللهَ فينا؛ فإنّا أُمراؤُكم وضِيفانكم، وأهلُ البيت الذين سَمَّى الله في كتابه: إنّما يُريد اللهُ لِيُذهِبَ عنكمُ الرّجسَ أهل البيتِ ويُطهِّرَكُم تطهيراً.
5 - إبراهيم بن عبدالله
إبراهيم بن عبدالله ابن حسين بن عثمان بن مُعلّى بن جعفر، روايته عن الإمام الحسن السّبط سلام الله عليه فهي أنّه عليه السّلام سأل جدَّه رسولَ الله صلّى الله عليه وآله: ـ يا رسول الله، ما لِمَن زارنا؟ قال: مَن زارني حيّاً أو ميّتاً أو زار أباك حيّاً أو ميّتاً، أو زار أخاك حيّاً أو ميّتاً، أو زارك حيّاً أو ميّتاً.. كان حقّاً عليّ أن أستنفذه يوم القيامة.
6 - أبو الأحوَص المصري
عرّفه النّجاشيّ في رجاله هكذا: داود بن أسد بن أعفَر، أبو الأحوَص المصري، شيخ جليل فقيه متكلّم، من أصحاب الحديث ثقةٌ ثقة. وأبوه أسد بن أعفر من شيوخ أصحاب الحديث الثّقات. له كتب، منها كتاب الإمامة. قال ابن حجر: أبو الأحوص، روى عن أبي داود وأبي أيّوب وأبي ذرّ، وعنه الزّهريّ، ذكره ابن حِبّان في الثّقات. وروايته عن الإمام الحسن عليه السّلام أنّه قال: بينما أمير المؤمنين عليه السّلام في أصعب موقفٍ بصفّين، إذ أقبل عليه رجل مِن بني دودان فقال له: لِمَ دفَعكَم قومُكم عن هذا الأمر وكنتم أفضلَ النّاس علماً بالكتاب والسّنّة؟ فقال:... كانت إمرةً شحّتْ عليها نفوسُ قومٍ وسَخَت عنها نفوسُ آخَرين، ولَنِعمَ الحكَمُ الله والزّعيمُ مُحمّد صلّى الله عليه وآله... بئس القومُ مَن خفضني وحاولوا الادّهانَ في دِين الله، فإن تُرفَعْ عنّا مِحنُ البلوى أحمِلْهم من الحقّ على محضه، وإن تكنِ الأُخرى فلا تأسَ على القوم الفاسقين! إليك عنّي يا أخا بني دودان.
7 - ابن أبي هالة
روى عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله بالواسطة، ويُحتمَل أن يكون أخا هند بن أبي هالة الذي شهد بدراً والمَشاهدَ الأخرى، كما شهد مع الإمام عليّ عليه السّلام: الجملَ وصفّين والنّهروان، وسكن البصرة وتُوفّي بها. وابن أبي هالة هو الذي روى عن الإمام الحسن المُجتبى عليه السّلام أنّه قال: سالتّ خالي هندَ بنَ أبي هالة التّميميّ ـ وكان وصّافاً للنبيّ صلّى الله عليه وآله ـ: أنا أشتهي أن تصفَ لي منه شيئاً؛ لعليّ أتعلّق به. فقال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله فَخماً مُفَخَّماً، يتلألأ وجهه تلألؤَ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر مِن المُشَذَّب، عظيم الهامة، رَجِل الشّعر، إن انفرقت عقيقته انفرق، وإلاّ فلا يجاوز شَعرُه شحمة أُذُنيه إذا هو وفّره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزجّ الحواجب، سوابغ في غير قرن.. له نورٌ يعلوه، كثّ اللحية، سهل الخدَّين،.. كأن عنقه جِيد دُمية في صفاء الفضّة، معتدل الخَلْق، بادناً متماسكاً، سواء البطن والصّدر، بعيد ما بين المَنكِبين، أعلى الصّدر، طويل الزّندين رحب الرّاحة،.. يخطو تَكفُّؤاً ويمشي هوناً، خافض الطّرْف نظرُه إلى الأرض أطول مِن نظره إلى السّماء، جُلُّ نظره الملاحظة، يبدر مَن لَقِيه بالسّلام.
قال عليه السّلام فقُلت: فصِفْ لي منطقَه، فقال: كان عليه السّلام متواصل الأحزان، دائم الفكر، طويل السّكت، لا يتكلّم في غير حاجة، يتكلّم بجوامع الكلم فصلاً لا فضول فيه ولا تقصير، دَمِثاً ليّناً ليس بالجافي ولا بالمهين، تَعظُم عنده النّعمةُ وإن دقّت، لا يَذمّ منها شيئاً، ولا تُغضبه الدنيا وما كان لها..
8 - ابن شهاب
قال ابن شهاب: كان عمرو بن العاص حين اجتمعوا بالكوفة، كلّم معاويةَ وأمرَه أن يأمر الحسنَ بن عليّ أن يقوم فيخطبَ النّاس، فكره ذلك معاويةُ وقال: ما أريد أن يخطب، فقال عمرو: ولكنّي أريد أن يبدوَ عِيُّه أي عجزه في النّاس فإنّه يتكلّم في أمورٍ لا يدري ما هي! فلم يزل بمعاوية حتّى أطاعه، فخرج معاوية فخطب النّاس، وأمرَ رجلاً فنادى الحسنَ بن عليّ فقال: قُمْ يا حسن فكلِّم النّاس. فقام الحسن فتشهّد في بديهة أمر.. فقال: أمّا بعدُ أيُّها النّاس، فإنّ الله هداكم بأوّلنا، وحقنَ دماءكم بآخرنا، إنّ لهذا الأمر مدّة، وإنّ الدنيا دار دول، وإنّ الله تعالى قال لنبيّه صلّى الله عليه وآله:
وإنْ أدري أقريبٌ أَم بعيدٌ ما تُوعَدون * إنّه يَعلمُ الجَهْرَ مِن القولِ ويَعلمُ ما تَكتُمون * وإنْ أدري لَعَلّه فتنةٌ لكُم ومَتاعٌ إلى حين. فلمّا قالها قال له معاوية: اجلس. ثمّ خطب معاوية، ولم يَزَل صَرِماً على عمرو، وقال: هذا عن رأيك.
النص على إمامته عليه السلام
يمكننا الإستدلال على إمامته عليه السّلام بعدة طرق
احدها: أن نقول: قد ثبت وجوب الإمامة في كلّ زمان من جهة العقل، وأنّ الإمام لا بدّ أن يكون معصوماً، منصوصاً عليه، وعلمنا أنّ الحقَ لايخرج عن اُمّة مُحمّد صلّى الله عليه وآله. فإذا ثبت ذلك سبرنا أقوال الاُمّة بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السّلام: فقائل يقول: لا إمام. وقوله باطل بما ثبت من وجوب الإمامة. وقائل يقول: بإمامة من ليس بمعصوم. وقوله باطل بما ثبت من وجوب العصمة. وقائل يقول: بإمامة الحسن عليه السّلام ويقول: بعصمته، فيجب القضاء بصحّة قوله، وإلاّ أدّى إلى خروج الحقّ عن أقوال الأمّة.
ثانيها: أن نستدلّ بتواتر الشّيعة ونقُلها خلفاً عن سلف: أنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السّلام نصّ على ابنه الحسن عليه السّلام بحضرة شيعته واستخلفه عليهم بصريح القول، ولا فرق بين من ادّعى عليهم الكذب فيما تواترت به، وبين من ادّعى على الاُمّة الكذب فيما تواترت به من معجزات النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، أو ادّعى على الشّيعة الكذب فيما تواتروا به من النّص على أمير المؤمنين عليه السّلام.وكلّ سؤال، يسأل على هذا فمذكور في كتب الكلام.
ثالثّها: أنّه قد اشتهر في النّاس وصية أمير المؤمنين عليه السّلام إليه خاصّة من بين ولده وأهل بيته، والوصيّة من الإمام توجب الاستخلاف للموصى إليه على ما جرت به عادة الأنبياء والأئمّة في أوصيائهم،لا سيّما والوصيّة علم عند آل مُحمّد صلوات الله عليهم كافّة إذا انفرد بها واحدٌ بعينه على استخلافه، وإشارة إلى إمامته، وتنبيهٌ على فرض طاعته، وإجماعُ آل مُحمّد صلوات الله عليهم حجّة
رابعها: أن نستدلّ بالأخبار الواردة فيما ذكرناه، فمن ذلك: ما رواه مُحمّد بن يعقوب الكلينيّ ـ وهو من أجلّ رواة الشّيعة وثقاتها ـ عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن اُذينة، عن أبان، عن سليم بن قيس الهلالي قال: شهدت أمير المؤمنين عليه السّلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السّلام وأشهد على وصيته الحُسين عليه السّلام ومُحمّداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثمّ دفع إليه الكتاب والسّلاح وقال له: يا بنيّ، أمرني رسول الله صلّىالله عليه وآله أن اُوصي إليك وأدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إِليّ ودفع إليّ كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحُسين. ثمّ أقبل على ابنه الحُسين عليه السّلام فقال: وأمرك رسول الله صلّى الله عليه وآله أن تدفعها إلى إبنك هذا ثمّ أخذ بيد عليّ بن الحُسين وقال: وأمرك رسول الله صلّى الله عليه وآله أن تدفعها إلى ابنك مُحمّد بن عليّ، واقرأه من رسول الله ومنّي السّلام.
وعنه، عن عدّة من أصحابه، عن أحمد بن مُحمّد بن عيسى، عن الحُسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر مُحمّد بن عليّ عليهما السّلام مثل ذلك سواء.
وعنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبدالصّمد بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:إن أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا حضرته الوفاة قال لابنه الحسن: اُدن منّي حتّى أسر إليك ما أسر إليّ رسول اللهّ صلّى الله عليه وآله وأئتمنك على ما ائتمنني عليه ففعل.
وبإسناده رفعه إلى شهر بن حوشب: أنّ عليّاً عليه السّلام لمّا سار إلى الكوفة استودع اُمّ سلمة رضي الله عنها كتبه والوصيّة، فلمّا رجع الحسن عليه السّلام دفعتها إليه.
خامسها: أنا وجدنا الحسن بن عليّ عليهما السّلام قد دعا إلى الأمر بعد أبيه وبايعه النّاس على أنّه الخليفة والإمام، فقد روى جماعة من أهل التّاريخ: أنّه عليه السّلام خطب صبيحة الليلة التّي قبض فيها أميرالمؤمنين عليه السّلام فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وآله ثمّ قال: لقد قبض في هذه الليلة رجلٌ لم يسبقه الأوّلون ولا يدركه الاخرون، لقد كان يجاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وآله فيقيه بنفسه، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يوجّهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، فلا يرجع حتّى يفتح الله تعالى على يديه، ولقد توفّي عليه السّلام في هذه الليلة التّي عرج فيها عيسى بن مريم، وفيها قبض يوشع بن نون، وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله ثمّ خنقته العبرة فبكى وبكى النّاس معه، ثمّ قال: أنا ابن البشير، أنا ابن النّذير، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، أنا ابن السّراج المنير، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً، أنا من أهل بيت افترض الله تعالى مودّتهم في كتابه فقال: قُل لأ أَسئَلُكُم عليه أَجراً إِلاّ المَوَدّةَ فِي القُربى وَمَن يَقتَرِف حَسَنَةً نَّزِد لَهُ فِيهَا حُسناً فالحسنة مودّتنا أهل البيت. ثمّ جلس فقام عبدالله بن العبّاس بين يديه فقال: يا معاشر النّاس، هذا ابن نبيّكم ووصيّ إمامكم فبايعوه. فتبادر النّاس إلى البيعة له بالخلافة. فلا بدّ أن يكون محقّاً في دعوته، مستحقّاً لإمامة مع شهادة النّبيّ صلّى الله عليه وآله له ولأخيه بالإمامة والسّيادة في قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: الحسن والحُسين سيّدا شباب أهل الجنّة وشهادة القرآن بعصمتهما في قوله تعالى:? اِنَّما يُرِيدُ اللهَ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهل الْبَيْتِوَ يُطَهِّركُمْ تَطْهِيراً ? على ما تقدّم القول فيه.
سادسها: أن نستدلّ على إمامته بما أظهر اللهّ عزّوجلّ على يديه من العلم المعجز، ومن جملته حديث حبابة الوالبيّة أورده الشّيخ أبو جعفر بن بابويه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد الدقّاق قال: حدّثنا مُحمّد بن يعقوب،قال: حدّثنا عليّ بن مُحمّد، عن أبي عليّ مُحمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهما السّلام، عن أحمد بن القاسم العجليّ، عن أحمد بن يحيى المعروف ببرد، عن مُحمّد بن خداهي، عن عبدالله بن أيّوب، عن عبدالله ابن هشام، عن عبدالكريم بن عمرو الخثعميّ، عن حبابة الوالبيّة قالت:رأيت أمير المؤمنين عليه السّلام في شرطة الخميس، ثمّ ساقت الحديث إلىأن قالت: فلم أزل أقفو اثره حتّى قعد في رحبة المسجد فقُلت له: يا أمير المؤمنين ما دلالة الإمامة رحمك الله؟ قالت: فقال: إئتيني بتلك الحصاة وأشار بيده إلى حصاة، فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه ثمّ قال لي: يا حبابة، إذا ادّعى مدّع الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنّه إمام مفترض الطّاعة، والإمام لا يعزب عنه شيء يريده. قالت: ثمّ انصرفت حتّى قبض أمير المؤمنين عليه السّلام فجئت إلى الحسن، وهو في مجلس أمير المؤمنين والنّاس يسألونه فقال لي: يا حبابة الوالبيّة. فقُلت: نعم يا مولاي. قال: هاتي ما معك. قالت: فاعطيته الحصاة، فطبع لي فيها، كما طبع أميرالمؤمنين عليه السّلام. قالت: ثمّ أتيت الحُسين عليه السّلام وهو في مسجد الرّسول فقرّب ورحّب، ثمّ قال لي: أتريدين دلالة الإمامة؟.فقُلت: نعم ياسيّدي. قال: هاتي ما معك فناولته الحصاة فطبع لي فيها. قالت: ثمّ أتيت عليّ بن الحُسين عليهما السّلام وقد بلغ بي الكبر إلى أن أعييت، وأنا أعدّ يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة، فرأيته راكعاً وساجداً مشغولاً بالعبادة، فيئست من الدلالة، فأومى إليّ بالسّبّابة فعاد إليّ شبابي قالت: فقُلت: يا سيّدي كم مض من الدنيا وكم بقي؟ فقال: أمّا ما مضى فنعم، وأمّا ما بقي فلا. قالت: ثمّ قال لي:هات ما معك فاعطيته الحصاة فطبع فيها، ثمّ أتيت أبا جعفر عليهما السّلام فطبع لي فيها، ثمّ أتيت أبا عبدالله عليه السّلام فطبع لي فيها، ثمّ أتيت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام فطبع لي فيها، ثمّ أتيت الرّضا عليه السّلام فطبع لي فيها. وعاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكره عبدالله بن هشام.
قال: وحدّثنا مُحمّد بن مُحمّد بن عصام، عن مُحمّد بن يعقوب الكليني قال: حدّثنا عليّ بن مُحمّد قال: حدّثنا مُحمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: حدّثني أبي، عن أبيه موسى بن جعفر، ن أبيه جعفر، عن أبيه مُحمّد عليهم السّلام قال: إنّ حبابة الوالبيّة دعا لها عليّ بن الحُسين عليهما السّلام فرد الله عليها شبابها، وأشار إليها بإصبعه فحاضت لوقتها، ولها يومئذ مائة سنة وثلاث عشرة سنة.
مُدّة إمامته عليه السلام
مدة إمامة الإمام الحسن عليه السّلام هي: عشر سنوات. وأقام في خلافته ستّة أشهر وثلاثة أيّام.
حُكّام عصره عليه السلام
أبو بكر بن أبي قحافة، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفّان، معاوية بن أبي سفيان.
الجيش الذي حاربه عليه السلام
هنا نذكر نبذة مختصره عن الجيش الذي حارب الإمام عليه السّلام
امتاز جيش معاوية بعدة نقاط وهنا سنذكر تركيبة جيش معاوية: فقد تألف جيش الباطل من هذه الفرق.
1ـ ما تبقى من قريش الذين دخلوا الإسلام خوفاً أو طمعاً وابغضوا رسول الله وأهل بيته
2ـ بعض اليهود و النّصارى الذين خدعهم معاوية بالمال من جهة، و بغضهم للامام الحسن عليه السّلام باعتباره يمثل الدين الإسلامى الخالصّ من جهة اُخرى و هؤلاء لايحترمون دماء المسلمين بشكل عام.
3ـ أهل الشّام الذين امتازوا بالغباء و الجهل المطبق, فقد اغراهم معاوية بالأموال وحشد فى عقولهم مجموعة أكاذيب حول الحسن عليه السّلام
4ـ الخوارج الذين لايحترمون الحسن بل لايرون أى فرق بينه وبين معاوية, فالمهم عندهم أنهم يتخلصون منه ومن معاوية.
و هكذا اتجه هذا الجيش وهو يحمل الحقد والبغض والمصالح، وسار معاوية بهؤلاء الذين أمات الباطل قُلوبهم وباعوا ضمائرهم ودينهم بالمال لحرب الإمام الحسن عليه السّلام.
بنود صلحه عليه السلام مع معاوية
أقبل عبد الله بن سامر الذي أرسله معاوية إلى الإمام الحسن عليه السّلام حاملاً تلك الورقة البيضاء المذيّلة بالإمضاء وإعلان القبول بكل شرط يشترطه الإمام عليه السّلام وتمّ الإتفاق. وأهم ما جاء فيه:
1 - أن تؤول الخلافة إلى الإمام الحسن بعد وفاة معاوية. أو إلى الإمام الحُسين إن لم يكن الحسن على قيد الحياة.
2 - أن يستلم معاوية إدارة الدولة بشرط العمل بكتاب الله وسنّة نبيّه.
3 - أن يكفل معاوية سلامة أنصار عليّ عليه السّلام ولا يُساء إليهم.
أسباب صلحه عليه السلام مع معاوية
سار الإمام الحسن عليه السّلام بجيش كبير حتّى نزل في موضع متقدم عرف بالنّخيلة فنظم الجيش ورسم الخطط لقادة الفرق. ومن هناك أرسل طليعة عسكرية في مقدمة الجيش على رأسها عبيد الله بن العباس وقيس بن سعد بن عبادة كمعاون له. ولكن الأمور ومجريات الأحداث كانت تجري على خلاف المتوقع. فقد فوجىء الإمام عليه السّلام بالمواقف المتخاذلة والتّي أهمها:
1 - خيانة قائد الجيش عبيد الله بن العباس الذي التّحق بمعاوية لقاء رشوة تلقاها منه.
2 - خيانة زعماء القبائل في الكوفة الذين أغدق عليهم معاوية الأموال الوفيرة فأعلنوا له الولاء والطّاعة وعاهدوه على تسليم الإمام الحسن له.
3 - قوّة جيش العدو في مقابل ضعف معنويات جيش الإمام الذي كانت تستبد به المصالح المتضاربة.
4 - محاولات الاغتيال التّي تعرض لها الإمام عليه السّلام في الكوفة.
5 - الدعايات والإشاعات التّي أخذت مأخذاً عظيماً في بلبلة وتشويش ذهنية المجتمع العراقي.
وأمام هذا الواقع الممزّق وجد الإمام عليه السّلام أن المصلحة العليّا تقتضي مصالحة معاوية حقناً للدماء وحفظاً لمصالح المسلمين. لأن اختيار الحرب لا تعدو نتائجه عن أحد أمرين:
أ- إمَّا قتل الإمام عليه السّلام والثّلّة المخلصة من أتباع عليّ عليه السّلام.
ب- وأما حمله أسيراً ذليلاً إلى معاوية.
فعقد مع معاوية صلحاً وضع هو شروطه بغية أن يحافظ على شيعة أبيه وترك المسلمين يكتشفون معاوية بأنفسهم ليتسنى للحسين عليه السّلام فيما بعد كشف الغطاء عن بني أمية وتقويض دعائم ملكهم.
جواب صلحه عليه السلام على لسان الآل عليهم السلام
أجاب الإمام الحسن عليه السّلام وبعض الأئمة من أهل البيت عليهم السّلام عن مسألة صلح الإمام مع معاوية, في أكثر من مناسبة ومناسبة, إليك البعض منها:
1 - عن الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ الحسن بن عليّ عليهما السّلام لما طعن واختلف النّاس عليه سلم الأمر لمعاوية، فسلمت عليه الشّيعة عليّك السّلام يا مذل المؤمنين فقال عليه السّلام: ما أنا بمذل المؤمنين، ولكني معز المؤمنين، إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلمت الأمر لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم، كما عاب العالم السّفينة لتبقى لأصحابها، وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم.
2 - عن سدير، قال: قال أبو جعفر عليه السّلام ومعي ابني: يا سدير اذكر لنا أمرك الذي أنت عليه، فان كان فيه إغراق كففناك عنه، وإن كان مقصرا أرشدناك قال: فذهبت أن أتكلم فقال أبوجعفر عليه السّلام: أمسك حتّى أكفيك: إن العلم الذي وضع رسول الله صلّى الله عليه وآله عند عليّ عليه السّلام من عرفه كان مؤمناً ومن جحده كان كافراً ثمّ كان من بعده الحسن عليه السّلام قُلت: كيف يكون بتلك المنزلة، وقد كان منه ما كان دفعها إلى معاوية؟ فقال: اسكت فانه أعلم بما صنع، لولا ما صنع لكان أمر عظيم.
3 - عن أبي سعيد عقيصا قال: قُلت للحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام: يا ابن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته، وقد علمت أن.الحق لك دونه وأن معاوية ضال باغ؟
فقال: يابا سعيد السّت حجة الله تعالى ذكره على خلقه، وإماما عليهم بعد أبي عليه السّلام؟ قُلت: بلى، قال: السّت الذي قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لي ولاخي: الحسن والحُسين إمامان قاما أو قعدا؟ قُلت: بلى، قال: فأنا إذن إمام لوقمت، وأنا إمام إذا قعدت، يابا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله صلّى الله عليه وآله لبني ضمرة وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية، أولئك كفار بالتّنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتّأويل، يا أبا سعيد إذا كنت إماماً من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة، وإن كان وجهه الحكمة فيما أتيته ملتبساً. ألا ترى الخضر عليه السّلام لما خرق السّفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى عليه السّلام فعله، لاشتباه وجه الحكمة عليه حتّى أخبره فرضي، هكذا أنا سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه، ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الارض أحد إلا قتل.
سقيه السّم وشهادته عليه السلام
بعد أنّ تكاثرة عليه المحن والويلات والمؤامرات التّي كان يحيكها أعدائه, أعداء الدين, وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان, حتّى جاء آخرها بصفيته جسديا, وذلك لما نقض معاوية عهده مع الإمام الحسن عليه السّلام، عمد إلى أخذ البيعة لولده يزيد، وما كان شيء أثقل عليه من أمر الحسن بن عليّ عليه السّلام , فأقدم على سمه عن طريق زوجته عليه السّلام, بعد أن أمناها باماني لم يلبّيها لها بعد أن لبت مآربه ورغباته بتصفية الإمام عليه السّلام, فسقته لبناً فيه دس السّم. حيث تقول الرّوايات:
فما ذهبت الأيّام حتّى بعث إليها معاوية مالاً جسيماً يُمنّيها أن يُعطيها مئةَ ألفِ درهم أيضاً وضياعاً، ويزوّجها من يزيد. وحمل شربة سمّ لتسقيها الحسنَ عليه السّلام.
ففي بعض الأيّام انصرف إلى منزله وهو صائم، وكان يوماً حارّاً، فأخرجتْ له وقت الإفطار شربةَ لبن وقد ألقَتْ فيها ذلك السّمّ، فشربها، وقال: يا عدوّةَ الله! قتلتيني قَتَلكِ الله، واللهِ لا تُبصرين خيراً، ولقد غرّكِ وسخر بك، واللهُ يخزيكِ ويُخزيه.
فلمّا دنا موته عليه السّلام أوصى لأخيه الحُسين عليه السّلام وقال: إذا قضيت نحبي غسّلني وكفّني واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله, ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد فادفنّي هناك، وبالله أقسم عليّك أن تهريق في أمري محجمة دم. فمكث عليه السّلام يومينِ ثمّ مضى، فغدر معاوية بها فلم يَفِ لها بما عاهد عليه.
فلمّا حملوه إلى روضة رسول الله صلّى الله عليه وآله لم يشكّ مروان ومن معه من بني أميّة أنّهم سيدفنونه عند جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله فتجمّعوا له ولبسوا السّلاح، ولحقتهم عائشة على بغل وهي تقول: مالي ولكم؟ تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحبّ. وجعل مروان يقول ربّ هيجا هي خير من دعة، أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النّبيّ، وكادت الفتنة تقع بين بني هاشم وبني أميّة، ولأجل وصيّة الحسن مضوا به إلى البقيع ودفنوه عند جدّته فاطمة بنت أسد.
والعجيب أن مروان بن الحكم حمل سريره إلى البقيع فقال له الحُسين: أتحمل سريره أما والله لقد كنت تجرّعه الغيظ. فقال مروان: إنّي كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال.
ولمّا بلغ معاويّة موت الحسن عليه السّلام سجد وسجد من حوله وكبّر وكبّروا معه، ذكره الزّمخشري في ربيع الأبرار وابن عبد البرّ في الاستيعاب وغيرهما.
شهادته عليه السلام
استشهد عليه السّلام في اليوم السابع من صفر - عام 49 هـ
وقيل: في الثامن والعشرين من صفر- عام 50 هـ
ومما قيل فيها: كانت وفاته عليه السّلام يوم الخميس لليلتين بقيتا من صفر, وقيل في السّابع منه, وقيل لخمس بقين من ربيع الأول, وفي رواية الحاكم لخمس خلون منه سنة خمسين من الهجرة, أو خمس وأربعين, أو تسع وأربعين, أو إحدى وخمسين, أو أربع وأربعين, أو سبع وأربعين, أو ثمان وخمسين. وله سبع وأربعون سنة, أو ست وأربعون وأربعة أشهر وثلاثة عشرة يوما, وقيل غير ذلك.
وقبض رسول الله صلّى الله عليهوآله وله سبع سنين وستة أشهر, وقيل ثمان سنين. وقام بالامر بعد أبيه وله سبع وثلاثون سنة, وأقام إلى أن صالح معاوية ستة أشهر وخمسة أيام أو ثلاثة أيام على الخلاف في وفاة أمير المؤمنين عليه السّلام, أنّها ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين من شهر رمضان, وقيل غير ذلك كما تقدم. وبقي بعد الصّلح تسع سنين وتسعة أشهر وثلاثة عشرة يوماً, وقيل غير ذلك والله أعلم.
محلّ شهادته عليه السلام
استشهد عليه السلام في المدينة المنورة.
غُسله عليه السلام
تولّى أخوه الحُسين عليه السّلام غُسله وتكفينه ودفنه عند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بالبقيع. وفي رواية اُخرى: إنّه ولي غسله الحُسين ومُحمّد والعباس إخوته.
زيارته عليه السلام
تغتسل لزيارة الحسن عليه السّلام، وتلبس أطهر ثيابك، وتقف على قبره، وتقول:
السّلام عليّك يا ابن رسول الله، السّلام عليّك يا بقية المؤمنين وابن أول المسلمين، أشهد أنك سبيل الهدى، وحليف التّقوى، وخامس أصحاب الكساء، غذتك يد الرّحمة، وتربيت في حجر الإسلام، ورضعت من ثدي الايمان، فطبت حيا وميتا، صلّى الله عليّك، أشهد أنك أديت صادقا، ومضيت على يقين، لم تؤثر عمى على هُدى، ولم تمل من حق إلى باطل، لعن الله من ظلمك، ولعن الله من خذلك، ولعن الله من قتلك، أنا إلى الله منهم براء.
ثمّ قبّل القبر، وضع خديك عليه وتحول إلى عند الرّأس فقُل:
السّلام عليّك يا وصى أمير المؤمنين، أتيتك زائرا، عارفا، بحقك، مواليا لاوليائك، معاديا لاعدائك، فاشفع لى عند ربك. وصل ركعتين لزيارته عليه السّلام.
وداعه عليه السلام
إذا أردت وداع أبي مُحمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام للانصراف فقف على القبر وقُل: السّلام عليّك يا ابن رسول الله، السّلام عليّك يا مولاي، ورحمة الله وبركاته، أستودعك الله، وأسترعيك، وأقرأ عليّك السّلام، آمنا بالله وبالرّسول، وبما جئت به، ودللت عليه، اللهم اُكتبنا مع الشّاهدين.
ثمّ تسأل الله أن لا يجعله آخر العهد منك، وادع بما أحببت إن شاء الله.
والحمد لله ربّ العالمين جعلنا الله تعالى من المُتمسكين بحبل الله المتين مُحمّد وآل مُحمّد صلوات الله عليهم أجمعين.
- التفاصيل
- المجموعة: سيرة المعصومین وذویهم
نسبها عليها السّلام
فاطمة بنت النّبيّ مُحمّد صلّى الله عليه وآله ابن عبد الله بن عبد المطلب, وأمّها خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها
تاريخ ومحل ولادتها عليها السّلام
وُلِدَت فاطمة الزّهراء عليها السّلام في العشرين من جَمادي الآخرة، من سنة خمس من البعثة النّبوية المباركة على المشهور بين أصحابنا في مكة المكرمة. والنبي صلّى الله عليه وآله له من العمر خمسة وأربعين عاماً، فأقامَتْ عليها السّلام بمكة ثمان سِنين، وبالمدينة عشر سنين بحار الأنوار 43 / 9 ح 16.
لما حملت خديجة عليها السّلام بفاطمة الزّهراء عليها السّلام، كانت فاطمة عليها السّلام تحدِّثُها من بطنها وتصبِّرها، وكانَتْ تَكتم ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وآله.
فدخل رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً، فسمع خَديجَة تحدِّث فاطمة عليها السّلام، فقال صلّى الله عليه وآله لها: يَا خَدِيجَة، مَنْ تُحدِّثِينَ؟.
قالت: الجنين الذي في بطني يُحدِّثني ويُؤنِسني.
فقال صلّى الله عليه وآله: يا خديجة، هذا جبرائيل يخبرني أنَّها أنثى، وأنَّها النَسلَة الطَّاهِرَة المَيْمُونَة، وَأنَّ اللهَ سَيَجْعل نَسْلِي مِنْهَا، وسَيَجْعَل مِنْ نَسْلِهَا أئِمَّة، ويَجْعَلهُم خُلَفَاء فِي أرْضِهِ بَعْدَ انقِضَاءِ وَحْيِه.
فلم تزل خديجة عليها السّلام على ذلك إلى أن حَضَرَت ولادتها، فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم أنْ: تعالين لتلينَّ منِّي مَا تَلي النسَاءُ من النسَاءِ.
فأرسلْنَ إليها: أنتِ عَصيتِنَا، ولم تقبَلِي قولَنا، وتزوَّجتِ مُحمّداً يتيم أبي طالب، فقيراً لا مال له، فلسْنَا نجيء ولا نَلِي من أمرك شيئاً.
فاغتمَّت خديجة عليها السّلام لذلك، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوَة سُمْر طِوال، كأنَّهُنَّ مِن نساءِ بني هاشم، ففزعت مِنهنَّ لمَّا رأتْهُنَّ.
فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة، فإنَّا رُسُل ربِّك إليك، ونحن أخواتك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم، وهي رفيقتُكِ في الجنة، وهذِهِ مريم بنت عمران، وهذه كلثم أخت موسى بن عمران، بَعَثَنا اللهُ إليك لِنَلي منك ما تلي النساءُ من النساء.
فجلسَتْ واحدة عن يمينها، وأخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعَتْ فاطمةَ الزّهراء عليها السّلام طاهِرَة مُطهَّرة.
فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النُور، حتى دخلَ بيوتات مَكَّة، فلم يبْقَ في شرق الأرض ولا غَربها موضعٌ إلاَّ أشرق منه ذلك النور.
ودَخلْنَ عشر من الحُورِ العين، كلُّ واحدة منهن معها طَست وإبريق من الجنة، وفي الإبريق ماء من الكوثر.
فتناولَتْها المرأة التي كانت بين يديها، فغسَّلتها بماء الكوثر، وأخرجت خِرقَتَين بيضائين أشدَّ بياضاً من اللَّبن، وأطيب ريحاً من المسك والعنبر، فلفَّتْها بواحدة وقنَّعَتْها بالثانية.
ثم استنطقتها، فنطقت فاطمة عليها السّلام بالشهادتين، وقالت: أشْهَدُ أنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ، وَأنَّ أبِي رَسُولَ اللهِ سَيِّدَ الأنْبِيَاءِ، وأنَّ بَعْلِي سَيِّدَ الأوصِيَاءِ، وَولْدِي سَادَة الأسْبَاطِ.
ثم قالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة مطهَّرة، زكيَّة ميمونة، بورِكَ فيها وفي نَسْلِها، فتناولَتْها فرحة مستبشرة، وألقمَتْها ثَدْيها فدرَّ عليها.
وكانت فاطمة الزّهراء عليها السّلام تنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر، وتنمو في الشهر كما ينمو الصبي في السّنة بحار الأنوار 43 / 2 ح 1.
أسماء فاطمة الزّهراء عليها السّلام وكناها
الزّهراء، البَتُول، الصّديقة، المُبَارَكَة، الطاهِرَة، الزكِيَّة، الراضِيَة، المَرْضِيَّة، المُحَدَّثَة، وغيرها.
تعتبر الأسماء عند أولياء الله ذات أهمّية كبرى، لأنّها تعبّر عن حقيقة الشيء، وإنّ أوّل من سمّى هو الله سبحانه وتعالى، فقد سمّى المسيح عيسى عليه السّلام بقوله: إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وسمّى يحيى عليه السّلام بقوله: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً.
وإنّ أئمّة أهل البيت عليهم السّلام كانوا يهتمّون كثيراًً بالأسماء، وبالخصوص باسم فاطمة، ويحبّون بيت فيه اسم فاطمة، ويحبّون البيوت التي تذكر فيها أُمّهم فاطمة عليها السّلام، فليس إعجاب أو استحسان أنّها سمّيت بفاطمة بل لأسباب ومناسبات، وليست هذه التسمية ارتجالية، بل لأنّها مصداق للحقيقة، بل ومناسبة الاسم مع المسمّى، وصدق على المسمَّى، وبهذا يتّضح ما نقول:
قال الإمام الصادق عليه السّلام: لفاطمة تسعة أسماء عند الله عزّ وجلّ: فاطمة، والصدِّيقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية، والمرضية، والمحدَّثة، والزهراء.
1ـ فاطمة
معناها: القاطعة والفاصلة والحارسة، فهي عليها السّلام تشفع لمحبّيها وتفطمهم، أي تحرسهم من النار، أي تفطم من أحبّها من النار.
1ـ قال الإمام عليّ عليه السّلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّما سُمِّيت ابنتي فاطمة لأنَّ الله عزّ وجلّ فطمها وفطم من أحبَّها من النار.
2ـ قال الإمام الحسين عليه السّلام: لفاطمة تسعة أسماء عند الله عزّ وجلّ: فاطمة ، والصدّيقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية، والمرضية، والمحدّثة، والزهراء.
ثمّ قال: أتدرون أيّ شيء تفسير فاطمة؟ أي فطمت عن الشرّ.
3ـ قال الإمامان الرضا والجواد عليهما السّلام: سمعنا المأمون يحدّث عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جدِّه قال ابن عباس لمعاوية: أتدري لِمَ سُمِّيت فاطمة؟ قال: لا، قال: لأنّها فطمت هي وشيعتها من النار، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقوله.
2ـ الصّديقة
معناها: المبالغة في التصديق أي الكثيرة الصدق، ولأنّها لم تكذب قط، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال لعلي عليه السّلام: أُتيتَ ثلاثاً لم يؤتَهن أحد ولا أنا:
أُتيتَ صهراً مثلي، ولم أُوت أنا مثلي، وأُتيتَ زوجة صدِّيقة مثل ابنتي، ولم أُوت أنا مثلها زوجة، وأُوتيتَ الحسن والحسين من صلبك، ولم أُوتَ من صلبي مثلهما، ولكنكم منّي وأنا منكم.
قال أبو الحسن عليه السّلام: إنّ فاطمة صدّيقة شهيدة.
قال الإمام الصادق عليه السّلام: وهي الصّديقة الكُبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأُولى.
3ـ المباركة
البركة: النماء والسعادة والزيادة، ولقد بارك الله في السيّدة فاطمة عليها السّلام أنواعاً من البركات، وجعل الخير الكثير في ذرّية رسول الله صلّى الله عليه وآله من نسلها، لظهور بركتها في الدنيا والآخرة.
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا فاطمة، ما بعث الله نبياً إلاّ جعل له ذرّية من صلبه، وجعل ذرّيتي من صلب علي.
وفي تفسير قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ قيل: الكوثر هو كثرة النسل والذرّية، وقد ظهرت الكثرة في نسله صلّى الله عليه وآله من وُلد فاطمة حتّى لا يحصى عددهم، واتصل إلى يوم القيامة مددهم.
4ـ الطاهرة
لقد طهرّها الله تعالى عن العادة الشهرية، وعن كلّ دنس ورجس، وعن كلّ رذيلة.
1ـ قال الإمام الصادق عليه السّلام: إنّما سمّيت فاطمة بنت مُحمّد الطاهرة لطهارتها من كلّ دنس، وطهارتها من كلّ رفث، وما رأت قط يوماً حمرة ولا نفاساً.
2ـ قال الإمام الصادق عليه السّلام: إنّ الله حرّم النساء على علي ما دامت فاطمة حية لأنّها طاهرة لا تحيض.
3ـ قال الإمام الباقر عليه السّلام: سمّيت فاطمة طاهرة لأنّها كانت مبرّاة من كلّ رجس، ولم يُرَ لها دم حيض ولا نفاس
5ـ الزكية
معناها: الأرض الطيّبة الخصبة، المطهّرة الطاهرة، فالزهراء عليها السّلام أزكى أنثى عرفتها البشرية.
6ـ الراضية:
معناها: الراضية بما قسم الله لها، فكانت الزّهراء عليها السّلام راضية بما قدّر الله لها من مرارة الدنيا ومشقّاتها ومصائبها ونوائبها، وفيما أعطاها من القرب والمنزلة والطهارة، وغير ذلك من المراتب العالية في الدنيا والآخرة.
7ـ المرضية
إنّ للمرضيين عند الله تعالى درجة عالية، فكانت الزّهراء عليها السّلام مرضية عند الله في جميع أعمالها وأفعالها وما صدر منها خلال مسيرة حياتها، فقد رضى الله عنها ورضت عنه سبحانه، فهي مرضية بما وعد الله تبارك وتعالى عباده بالرضوان الأكبر.
8ـ المُحدّثة
معناها: التي يطلعها أحد على الوقائع والحقائق من وراء حجاب، أو التي تستلهم الأخبار من قبل الله تعالى، عن طريق الوحي وهو الملك.
ويستفاد من أحاديث عديدة أنّ الملائكة كانت تنزل على فاطمة عليها السّلام من قبل الله، وتطلعها على ما يحدث وما سيحدث في المستقبل، إنّ الوحي الذي خصّ بالرسالة والأحكام ونزول الآيات القرآنية قد انقطع مع وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله لأنّه خاتم الأنبياء، ولا يأتي رسول بعده، وهذه عقيدتنا كما إنّ الدين كامل والنعمة تامّة بولاية أهل البيت عليهم السّلام، ولكنّ الوحي لم ينقطع بالإيحاء للأولياء وإخبار عن المستقبل، فإنّ الله سبحانه يوحي عن طريق ملائكته لمن يشاء ومتى يشاء، لأنّ الوحي لا يقتصر على الأنبياء، فالله أوحى إلى أُمّ موسى وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ.
وأوحى الله إلى النحل والى السماء، إذ ليست سيّدة نساء العالمين وبنت سيّدة الأنبياء والمرسلين بأقلِّ شأناً من مريم بنت عمران، أو سارة زوجة إبراهيم، أو أُمّ موسى، وليس معنى ذلك أنّ مريم أو سارة أو أُمّ موسى كنَّ من الأنبياء، وكذلك ليس معنى ذلك أنّ السيّدة فاطمة الزّهراء عليها السّلام كانت نبية.
1ـ قال الإمام الحسين عليه السّلام: إنّما سمّيت فاطمة محدّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدّثهم ويحدّثوها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها، وأنّ الله جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها، وسيّدة نساء الأوّلين والآخرين.
2ـ قال الإمام الصادق عليه السّلام: إنّما سمّيت فاطمة محدّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء، فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران.
وإنّ الأئمّة عليهم السّلام كانوا جميعهم محدّثين في زمانهم، أي أنّهم كانوا يستلمون الأخبار الجديدة من قبل الله تعالى.
قال سليم بن قيس: سمعت علياً عليه السّلام يقول: إنّي وأوصيائي من ولدي مهديّون كلّنا محدَّثون.
9ـ الزّهراء
معنى الزهر: النيّر، الصافي اللون، المشرق الوجه، وكذلك فاطمة الزّهراء عليها السّلام، لأنّ نورها زهر وأشرق لأهل السماء.
1ـ عن أبي هاشم العسكري قال: سألت العسكري عليه السّلام: لم سمّيت فاطمة الزّهراء عليها السّلام؟
فقال: كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين عليه السّلام من أوّل النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّي.
2ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وهي بضعة منّي وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربّها جلّ جلاله زهر نورها لملائكة السماوات، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض.
10ـ العذراء
معناها: البكر، أي أنّها عليها السّلام كانت عذراء دائماً.
فقد سأل رجل من الإمام الصادق عليه السّلام في ضمن مسائل قال: فكيف تكون الحوراء في كلّ ما أتاها زوجها عذراء؟ قال: لأنّها خلقت من الطيب، لا يعتريها عاهة ولا تخالط جسمها آفة، ولا يدنّسها حيض، فالرحم ملتزقة.
11ـ الحانية
معناها: الحنان، وذلك بسبب كثرة حنانها على أبيها رسول الله صلّى الله عليه وآله، وبعلها، وعلى أولادها، ومحبّيها والأيتام والمساكين.
12ـ البتول
معناها: لأنّها تبتلت عن دماء النساء، وهي المنقطعة عن الدنيا إلى الله تعالى، وكذلك لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً وديناً وحسباً.
1ـ عن الإمام عليّ عليه السّلام قال: سألت النّبيّ: ما البتول؟ فإنّا سمعناك يا رسول الله تقول: إنّ مريم بتول وفاطمة بتول ! فقال: البتول التي لم تَرَ حمرة قط، أي لم تحض، فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء.
2ـ عن عائشة أنّها قالت: إذا أقبلت فاطمة كانت مشيّتها مشية رسول الله، وكانت لا تحيض قط، لأنّها خُلقت من تفّاحة الجنّة، ولقد وضعت الحسن بعد العصر، وطهرت من نفاسها، فاغتسلت وصلّت المغرب .
13ـ الكوثر
معناها: الشيء الكثير، إنّ الله تعالى سمّاها في كتابه العزيز بالكوثر، وجعل أعدائها المقطوعين من النسل والبركة إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ.
14ـ الحوراء
معناها: مفرد حور المخلوقة للجنّة، لكن الزّهراء هي الحوراء الإنسية، لأنّ نطفتها تكوّنت من ثمار الجنّة.
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ابنتي فاطمة حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث، وإنّما سمّاها فاطمة لأنّ الله فطمها ومحبّيها عن النار.
15ـ سيّدة نساء العالمين
عن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: أخبرني عن قول رسول الله صلّى الله عليه وآله في فاطمة: إنّها سيّدة نساء العالمين أهي سيّدة نساء عالمها؟
فقال: ذاك لمريم، كانت سيّدة نساء عالمها، وفاطمة سيّدة نساء العالمين، من الأوّلين والآخرين.
كُنيتها عليها السّلام
أُمُّ أَبيها، أمُّ الحسنين، أمُّ الأئِمة، أُمّ المحسن أُمّ الحسن أُمّ الحسين وغيرها.
أُمّ الأئمّة: فهي أُمّ الأئمّة الأحد عشر عليهم السّلام.
أُمّ أبيها: فكانت تحمل هموم أبيها رسول الله صلّى الله عليه وآله دائماً، كما تحمل الأُمّ هموم ولدها، وكذلك كانت فاطمة أحبّ الخلق إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله كما تكون الأُمّ أحبّ الخلق إلى الابن، فهي أُمّ أبيها كما عن الإمام الباقر عليه السّلام قال: كانت فاطمة تكنّى أمّ أبيها
زوجُها عليها السّلام
إمام الموحدين و قائد الغر المحجلين علي بن أبي طالب عليه السّلام.
كيفية زواج فاطمة الزّهراء من أمير المؤمنين عليهما السّلام
قال الرسول الأكرم مُحمّد صلّى الله عليه وآله لابنته فاطمة عليها السّلام: يَا بُنَيَّة، مَن صلّى عَليكِ غَفرَ اللهُ لَهُ، وَأَلحَقَه بِي حَيثُ كُنتُ مِنَ الجَنَّة.
وقال صلّى الله عليه وآله أيضاً: فَاطِمة بضعَةٌ مِنِّي، يُؤذيني مَا آذَاهَا وَيُريِبُني مَا رَابَهَا إلى غير ذلك من الأحاديث.
فإذا كانت فاطمة الزّهراء عليها السّلام تحتل هذه الدرجة من المقام الرفيع عند الله، فمن لا يحب شرف الاقتران بها، وإعلان رغبته في التزوج بها من أكابر قريش.
فإنه قد تقدم لخطبتها من أبيها صلّى الله عليه وآله أبو بكر، وعُمَر، وآخرون، وكل يخطبها لنفسه، إلا أن الرسول صلّى الله عليه وآله يعتذر عن الاستجابة لطلبهم، ويقول صلّى الله عليه وآله: لَم يَنزِل القَضَاءُ بَعْد.
وقد روى السيد الأمين في المجالس السَنيَّة ما مُلَخَّصُهُ: جاء علي عليه السّلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو في منزل أم سَلَمة، فَسلَّم عليه وجلس بين يديه، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وآله: أتيت لحاجة؟
فقال عليه السّلام: نعم، أتيتُ خاطباً ابنتكَ فاطمة عليها السّلام، فَهل أنتَ مُزَوِّجُنِي؟
قالت أم سلمة: فرأيت وجه النّبيّ صلّى الله عليه وآله يَتَهَلَّلُ فرحاً وسروراً، ثم ابتسم في وجه علي عليه السّلام ودخل على فاطمة عليها السّلام، وقال لها: إن علياً قد ذكر عن أمرك شيئاً، وإني سألت رَبِّي أن يزوجكِ خير خلقه فما ترين؟ فَسَكَتَتْ عليها السّلام.
فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يقول: اللهُ أَكبر، سُكوتُها إِقرَارُها.
فعندها أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله أَنَس بن مالك أن يجمع الصحابة، لِيُعلِن عليهم نبأ تزويج فاطمة لعلي عليهما السّلام.
فلما اجتمعوا قال صلّى الله عليه وآله لهم: إن الله تعالى أمرني أن أُزَوِّج فاطمة بنت خديجة، من علي بن أبي طالب.
ثم أبلغ النّبيّ صلّى الله عليه وآله علياً بأن الله أمره أن يزوجه فاطمة على أربعمئة مثقال فضة، وكان ذلك في اليوم الأول من شهر ذي الحجة من السّنة الثانية للهجرة.
إن هذا الموقف النبوي المرتبط بالمشيئة الإلهية يَستَثِير أَمَامنا سؤالاً مهماُ، وهو: لماذا لم يُرَخَّصُ لفاطمة عليها السّلام بتزويج نفسها؟
ولماذا لم يُرَخَّص للرسول صلّى الله عليه وآله وهو أبوها ونَبِيُّها بتزويجها – والنبي صلّى الله عليه وآله أولى بالمؤمنين من أنفسهم – إلا بعد أن نزل القضاء بذلك؟
وجوابه: أنه لا بُدَّ من وجود سِرٍّ وحكمة إلهية ترتبط بهذا الزواج، وتتوقف على هذه العلاقة الإنسانية، أي علاقة فاطمة عليها السّلام بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله بابن عمّه وأخيه علي بن أبي طالب عليه السّلام الذي كان كما يُسمِّيه رسول الله صلّى الله عليه وآله بـ نَفْسِه.
وهو الذي تربَّى في بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وعاش معه، وشَبَّ في ظلال الوحي، وَنَمَا في مدرسة النبوة.
وهكذا شاء الله أن تمتد ذرية رسول الله صلّى الله عليه وآله عن طريق علي وفاطمة عليهما السّلام، ويكون منهما الحسن والحسين عليهما السّلام سيدا شباب أهل الجنة أئمةً وهُدَاة لِهَذه الأمّة.
ولهذا كان زواج فاطمة عليها السّلام أمراً إلهياً لم يسبق رسول الله صلّى الله عليه وآله إليه، ولم يتصرَّف حتى نزل القضاء – كما صرح هو نفسه صلّى الله عليه وآله بذلك –
أولادها عليها السّلام
الامامين الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنه عليهما السلام والسقط المحسن عليه السّلام وأم المصائب زينب الكُبرى وزينب الصغرى عليهما السلام
عبادة فاطمة الزّهراء عليها السّلام وزهدها
روى الإمام الصادق عليه السّلام بسنده إلى الإمام الحسن عليه السّلام، أنه قال: رأيت أمّي فاطمة عليها السّلام قامت في محرابها ليلةَ جمعةٍ، فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسَمِّيهم، وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعوا لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أُمَّاه، لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟.
فقالت عليها السّلام: يا بُنَي، الجار ثم الدار.
وعن الحسن البصري: ما كان في هذه الأمّة أعبد من فاطمة عليها السّلام، كانت تقوم حتى تورَّم قدماها.
أما زهدها، فإن الأبرار الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه، فهم الذين قد عرفوا الدنيا وما فيها من نعيم زائل، فأعرضوا عنها بقلوبهم، والتمسوا رضوان الله تعالى في مأكلهم، ومَلبَسِهِم، وأسلوب حياتهم.
فامرأة مثل الزهراءعليها السلام وجلالة قدرها، وعِظَم منزلتها، كانت شَمِلَتها التي تلتف بها خَلِقه، قد خيطت في اثني عشر مكاناً بسعف النخل.
فنظر إليها سلمان يوماً فبكى، وقال: واحُزناه، إن بنات قيصر وكسرى لفي السندس والحرير، وابنة مُحمّد صلّى الله عليه وآله عليها شملة صوف خلقه، قد خيطت في اثني عشر مكاناً.
وجاء في تفسير الثعلبي عن الإمام الصادق عليه السّلام، وتفسير القشيري، عن جابر الأنصاري قال: رأى النّبيّ صلّى الله عليه وآله فاطمة، وعليها كساء من أَجِلَّة الإبل، وهي تطحن بيديها، وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال: يا بِنتَاه، تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة؟.
فقالت عليها السّلام: يا رسول الله، الحمد لله على نعمائه، والشكر لله على آلائه.
فأنزل الله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعطِيكَ رَبُّكَ فَتَرضَى الضحى: 5.
وقال ابن شاهين في مناقب فاطمة عليها السّلام، وأحمد في مسند الأنصار عن أبي هُرَيرَة وثوبان، أنهما قالا: كان النّبيّ صلّى الله عليه وآله يبدأ في سَفَره بفاطمة عليها السّلام، ويختم بها، فَجَعَلَت عليها السّلام وقتاً ـ أي: مَرَّة ـ ستراً من كساء خَيبَرِيَّة، لِقدوم أبيها صلّى الله عليه وآله، وزوجها عليه السّلام.
فلما رآه النّبيّ صلّى الله عليه وآله تجاوز عنها، وقد عُرِف الغضب في وجهه حتى جلس على المنبر.
فنزعت عليها السّلام قلادتها وقرْطَيْهَا ومسكَتَيْهَا، ونزعت الستر، فبعثت به إلى أبيها صلّى الله عليه وآله، وقالت: اِجعل هذا في سبيل الله.
فلمّا أتاه، قال صلّى الله عليه وآله: قد فَعَلَت فِداها أَبُوها - ثلاث مرات - ما لآل مُحمّد وللدنيا، فإنهم خُلِقوا للآخرة، وخلقت الدنيا لهم.
وفي رواية أحمد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: فإنَّ هؤلاء أهلُ بيتي، ولا أحب أن يأكلوا طَيِّبَاتِهم في حياتهم الدنيا.
وَلَعلَّ في قصة العقد المبارك – الذي قَدَّمَتْهُ الزّهراء عليها السّلام إلى الفقير الذي جاء إلى أبيها صلّى الله عليه وآله، فأرشده النّبيّ إلى دار فاطمة عليها السّلام – خَيرُ شَاهدٍ على زهدها عليها السّلام، فإن في ذلك أروع الأمثلة في الإحسان، والإيثار والمواساة.
مُدة عُمرها عليها السّلام
18عاماً على المشهور.
آيات نزلت في حق فاطمة الزّهراء عليها السّلام
1ـ آية التَّطهِير وهي قوله عزَّ وجلَّ: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً الأحزاب: 33.
فقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يَمُرُّ على دار فاطمة عليها السّلام صباح كل يوم عند خروجه إلى المسجد للصلاة، فيأخذُ بِعُضَادَةِ الباب قائلاً: السَّلامُ عَليكُم يَا أَهْلَ بَيتِ النُّبُوَّة ثم يقول هذه الآية المباركة.
2ـ آية المُبَاهَلَة وهي قوله عزَّ وجلَّ: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالُوا نَدْعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُم ثُمَّ نَبْتَهِلُ فَنَجْعَلُ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ آل عمران: 61.
وقد نزلت حينما جاءَ وفد نَجْرَان إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله لِيتحدَّثَ معه حول عِيسى عليه السّلام، فقرأ النّبيّ صلّى الله عليه وآله عليهم الآية التالية: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ آل عمران: 59.
فلم يقتنع النصارى بذلك، وكانت عقيدتهم فيه أنه عليه السّلام ابنُ الله، فاعترضوا على النّبيّ صلّى الله عليه وآله، فنزلت آية المُبَاهلة.
وهي أن يَتَبَاهَلَ الفريقان إلى الله تعالى، وَيَدعُوَانِ اللهَ تعالى أن يُنزل عذابَهُ وغضبَه على الفريق المُبطِل منهما، واتفقا على الغد كيوم للمباهلة.
ثم تَحاوَرَ أعضاءُ الوفد بعضهم مع بعض، فقال كبيرهم الأسقف: إنْ غَداً جَاء بِوَلَدِهِ وأهل بيته فلا تُبَاهلوه، وإِن جَاء بغيرهم فافعلوا.
فَغَدَا الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله مُحتَضِناً الحسين عليه السّلام، آخذاً الحسن عليه السّلام بيده، وفاطمة عليها السّلام تمشي خلفه، وعليٌّ عليه السّلام خَلفَها.
ثم جثى النّبيّ صلّى الله عليه وآله قائلاً لهم: إذا دَعَوتُ فَأَمِّنُوا أما النَّصارى فرجعوا إلى أسقَفِهِم فقالوا: ماذا ترى؟
قال: أرى وجوهاً لو سُئِل اللهُ بِها أن يُزيلَ جَبَلاً مِن مكانِهِ لأَزَالَهُ.
فخافوا وقالوا للنبي صلّى الله عليه وآله: يا أبا القاسم، أقِلنَا أقال الله عثرتَك.
فَصَالَحُوهُ صلّى الله عليه وآله على أن يدفعوا له الجِزية.
فهذه الصورةٌ تحكي عن حدث تاريخي يَتبَيَّن من خلالهِ عَظمة فاطمة الزّهراء، وأهل بيتها عليهم السّلام، ومنازلهم العالية عند الله تعالى.
3ـ سورة الكَوثَر وهي قوله عزَّ وجلَّ: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ.
فالأبتر هو المنقطع نَسلُه، وقد استفاضت الروايات في أن هذه السورة إنما نَزَلَتْ رداً على من عاب النّبيّ صلّى الله عليه وآله بالبتر أي عدم الأولاد بعد ما مات أبناء الرسول صلّى الله عليه وآله، وهم: القاسم، وعبد الله.
وقصة هذه السورة هي: أن العاص بن وائل السهمي كان قد دخل المسجد بينما كان النّبيّ صلّى الله عليه وآله خارجاً منه، فالتقَيَا عند باب بني سَهْم، فَتَحَدَّثَا.
ثم دخل العاص إلى المسجد، فسأله رجال من قريش، كانوا في المسجد: مع من كنت تتحدث؟
فقال: مع ذلك الأبتر.
فنزلت سورة الكوثر على النّبيّ صلّى الله عليه وآله، فالمراد من الكوثر هو: الخير الكثير، والمراد من الخير الكثير: كَثرَة الذُّرِّيَّة، لِمَا في ذلك من تَطْييبٍ لِنَفْسِ النّبيّ صلّى الله عليه وآله.
وَرُوِيَ أنه صلّى الله عليه وآله قال لخديجة قبل ولادة فاطمة عليها السّلام: هَذا جِبرَئِيلُ يُبَشِّرُنِي أَنَّها أُنثَى، وأَنَّهَا النَّسلَةُ، الطاهرةُ، المَيْمُونَةُ، وأنَّ الله تبارك وتعالى سيجعل نَسلِي مِنها، وسيجعل مِن نَسْلِهَا أئمة، ويجعلُهُم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه.
4ـ آية الإِطعَام وهي قوله عزَّ وجلَّ: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً الإنسان: 8 - 9.
وقصتها كما في تفسير الكشاف للزمخشري عن ابن عباس: أن الحسن والحسين عليهما السّلام مَرِضَا، فعادهما رسول الله صلّى الله عليه وآله في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نَذرتَ على ولديك.
فَنَذَر عَليٌّ وفاطمةُ وجَارِيَتُهُما فِضَّة عليهم السّلام إن برءا عليهما السّلام مما بِهِما أن يَصومُوا ثلاثة أيام.
فَشُفِيَا عليهما السّلام وما معهم شيء.
فاستقرض عليٌّ عليه السّلام من شَمْعُون الخيبري اليهودي ثلاث أَصْوُعٍ من شعير، فَطحنت فاطمة عليها السّلام صاعاً، واختبزت خمسة أقراص على عددهم.
فوضعوها بين أيديهم لِيُفطِرُوا، فَوقَفَ عليهم مِسكين وقال:السَّلام عليكم يا أهلَ بيتِ مُحمّد، مِسكينٌ مِن مَساكِين المُسلمين، أطعِمُونِي أطعمكمُ اللهُ من موائد الجنة، فآثروه عليهم السّلام وباتوا لم يذوقوا إلا الماء، وأصبحوا صياماً.
فلما أمْسَوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يَتِيم فآثروه عليهم السّلام.
ووقف عليهم أسيرٌ في الثالثة، ففعلوا عليهم السّلام مثل ذلك.
فلما أصبحوا أخذَ علي بيد الحسن والحسين، وأقبلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفِرَاخ مِن شِدَّة الجوع قال صلّى الله عليه وآله: مَا أشد مَا يَسُوؤُنِي ما أرى بكم.
فانطلق صلّى الله عليه وآله معهم، فرأى فاطمة عليها السّلام في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها، فساءه صلّى الله عليه وآله ذلك، فنزل جبرائيل وقال: خذها يا مُحمّد، هَنَّأَكَ اللهُ في أهل بيتك، فَأقرَأَهُ السورة.
وفي هذه السورة – أي: سورة الإنسان، أو: سورة هَلْ أَتَى– نكتة رائعة جداً، وقد ذكرها الزمخشري في تفسيره الكشاف، عند تفسيره لهذه السورة قال: إنَّ الله تعالى قد أنزلَ هَلْ أَتَى في أهلِ البيت عليهم السّلام، وَلَيس شَيءٌ مِن نعيم الجَنَّةِ إِلاَّ وَذُكِرَ فيها، إِلاَّ الحُور العِين وذلك إِجلالاً لفاطمة عليها السّلام.
فهذا هو إبداع القرآن الكريم، وهذه هي بلاغته والتفاتاته، وهذه هي عظمة فاطمة الزّهراء عليها السّلام عند ربها العظيم.
5ـ آية المَوَدَّة وهي قوله عزَّ وجلَّ: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى الشورى: 23.
وقد أخرج أبو نعيم، والديلمي، من طريق مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى أن تحفظوني في أهل بيتي، وتَوُدُّوهُم لِي.
وعلى هذا فإذا كان أجرُ الرسالة هو المَوَدَّة في القربى، وإذا كان المسؤول عنه الناس يوم القيامة هو المَوَدَّة لأهل بيت النّبيّ عليهم السّلام، فبماذا نفسر ما حصل للزهراء عليها السّلام بعد وفاة أبيها صلّى الله عليه وآله من اهتضام، وجسارة، وغَصبِ حَقٍّ؟!! لكننا نترك ذلك إلى محكمة العدل الإلهية.
6ـ وهي قوله عزَّ وجلَّ: وَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ الإسراء: 26.
فقال شرف الدين في كتابه النص والاجتهاد: إن الله عزَّ سلطانه لما فتح لعبده وخاتم رسله صلّى الله عليه وآله حصون خيبر، قذف الله الرعب في قلوب أهل فَدَك، فنزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وآله صاغرين.
فصالحوه على نصف أرضهم – وقيل: صالحوه على جميعها – فقبل ذلك منهم، فكان نصف فَدَك مُلكاً خالصاً لرسول الله صلّى الله عليه وآله، إذ لم يوجف المسلمون عليها بِخَيلٍ ولا رِكَاب، وهذا مما أجمعت الأمّةُ عليه، بلا كلام لأحدٍ منها في شيء منه.
فعندما أنزل الله عزَّ وجلَّ قوله: وَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ.
أنحلَ فاطمةَ فدكاً، فكانت – فَدَك – في يدها – للزهراء عليها السّلام – حتى انتُزِعَتْ منها غَصباً في عهد أبي بكر.
وأخرج الطبرسي في مجمع البيان عند تفسيره لهذه الآية فقال: المُحَدِّثون الأَثبَاث رَوَوا بالإِسناد إلى أبي سعيد الخدري أنه قال: لما نزل قوله تعالى: وَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ أعطى رسولُ الله فاطمة فدكاً، وتجد ثَمَّةَ هذا الحديث مِمَّا ألزم المأمون بِرَدِّ فَدَك على وُلد فاطمة عليها وعليهم السّلام.
7ـ وهي قوله عزَّ وجلَّ: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّة البيِّنة: 7.
ففي تفسير مجمع البيان عن مقاتل بن سليمان عن الضحَّاك عن ابن عباس في قوله: هُمْ خَيرُ البَرِيَّة قال: نَزَلَتْ فِي عَليٍّ وأهل بيته عليهم السّلام.
تاريخ وسبب شهادتها عليها السّلام
استُشهدت عليها السّلام في 3 جمادى الآخرة، في سنة 11 للهجرة، وعلى رواية 13 جمادى الأولى، وقيل غير ذلك. اثر هجوم الجلاوزة على بيتها وعصرها عليها السّلام بين الباب والحائط
شهادة فاطمة الزّهراء عليها السّلام
بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله اشتدَّ عليها الحزن والأسى، ونزل بها المرض لِمَا لاقَتْهُ من هجوم أَزْلامِ الزُمرة الحاكمة آنذاك على دارها، وَعَصْرِهَا بَين الحَائطِ والبَابِ، وَسُقُوطِ جَنِينِها المُحسِن عليه السّلام، وَكَسْرِ ضِلعِها، وَغَصبِ أَرضِهَا فَدَك.
فتوالت الأمراض على وديعة النّبيّ صلّى الله عليه وآله، وفَتك الحزن جِسمَها النحيلَ المُعذَّبَ حتى انهارت قواها عليه السّلام.
فقد مشى إليها الموت سريعاً وهي عليها السّلام في شبابها الغَض، وقد حان موعد اللقاء القريب بينها عليها السّلام وبين أبيها صلّى الله عليه وآله الذي غاب عنها، وغابت معه عواطفه الفَيَّاضة.
وَلَمَّا بدت لها طلائع الرحيل عن هذه الحياة طَلَبتْ حضورَ أمير المؤمنين علي عليه السّلام، فَعَهدتْ إليهِ بِوَصِيَّتِها، ومضمون الوصية: أن يُوارِي عليه السّلام جثمانها عليها السّلام المقدس في غَلس اللَّيل البهيم، وأن لا يُشَيِّعُها أحد من الذين هَضَمُوهَا، لأنهم أَعداؤها عليها السّلام وأعداء أبيها صلّى الله عليه وآله - على حَدِّ تعبيرها -.
كَما عَهدت إليه أن يتزوَّج من بعدها بابنة أختها أمَامَة، لأنَّها تقوم بِرِعَايَة ولديها الحسن والحسين عليهما السّلام اللَّذَين هما أعزُّ عندها من الحياة.
وعهدت إليه أن يعفي موضع قبرها، ليكون رمزاً لِغَضَبِهَا غير قابلٍ للتأويل على مَمَرِّ الأجيال الصاعدة.
وضمن لها أمير المؤمنين عليه السّلام جميع ما عَهدَت إليه، وانصرف عنها عليها السّلام وهو غارق في الأسى والشجون.
وفي آخر يوم من حياتها عليها السّلام ظهر بعض التحسّن على صحتها، وكانت بادية الفرح والسرور، فقد علمت عليها السّلام أنها في يومها تلحق بأبيها صلّى الله عليه وآله.
وعمدت عليها السّلام إلى ولديها عليهما السّلام فَغَسَلت لهما، وصنعت لهما من الطعام ما يكفيهم يومهم، وأمرت ولديها بالخروج لزيارة قبر جدّهما، وهي تلقي عليهما نظرة الوداع، وقلبها يذوب من اللوعة والوجد.
فخرج الحسنان عليهما السّلام وقد هاما في تيار من الهواجس، وأَحسَّا ببوادر مخيفة أغرقتهما بالهموم والأحزان، والتفت وديعة النّبيّ صلّى الله عليه وآله إلى أسماء بنت عميس، وكانت تتولى تمريضها وخدمتها فقالت عليها السّلام لها: يا أُمَّاه.
فقالت أسماء: نعم يا حبيبة رسول الله صلّى الله عليه وآله.
فقالت عليها السّلام: اسكبي لي غسلاً.
فانبرت أسماء وأتتها بالماء فاغتسلت عليها السّلام فيه، وقالت عليها السّلام لها ثانياً: إيتيني بثيابي الجدد.
فناولتها أسماء ثيابها عليها السّلام.
ثم هتفت الزّهراء عليها السّلام بها مرة أخرى: اجعلي فراشي وسط البيت.
وعندها ذعرت أسماء وارتعش قلبها، فقد عرفت أن الموت قد حلّ بوديعة النّبيّ صلّى الله عليه وآله.
فصنعت لها ما أرادت، فاضطجعت الزّهراء عليها السّلام على فراشها، واستقبلت القبلة، والتفتت إلى أسماء قائلة بصوت خافت: يا أُمَّاه، إني مقبوضة الآن، وقد تَطَهَّرتُ فلا يكشفني أحد.
وأخذت عليها السّلام تتلو آيات من الذكر الحكيم حتى فارقت الروحُ الجسد، وَسَمت تلك الروح العظيمة إلى بارئها، لتلتقي بأبيها صلّى الله عليه وآله الذي كرهت الحياة بعده.
وكان ذلك في 13 من جمادي الأول من سنة 11 هـ وفي رواية أخرى أنه كان في 8 ربيع الثاني من نفس السّنة، وفي رواية أخرى في 3 جمادي الثاني من نفس السّنة أيضاً.
ورجع الحسنان عليهما السّلام إلى الدار فلم يجدا فيها أمهما عليها السّلام، فبادرا يسألان أسماء عن أمّهما، ففاجئتهما وهي غارقة في العويل والبكاء قائلة: يا سيدي إن أمّكما قد ماتت، فأخبرا بذلك أباكما، وكان هذا الخبر كالصاعقة عليهما.
فهرعا عليهما السّلام مسرعين إلى جثمانها، فوقع عليها الحسن عليه السّلام، وهو يقول: يا أُمَّاه، كلميني قبل أن تفارق روحي بدني.
وألقى الحسين عليه السّلام نفسه عليها وهو يَعجُّ بالبكاء قائلاً: يا أُمَّاه، أنا ابنك الحسين كلميني قبل أن ينصدع قلبي.
وأخذت أسماء تعزيهما وتطلب منهما أن يسرعا إلى أبيهما عليه السّلام فيخبراه، فانطلقا عليهما السّلام إلى مسجد جدّهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وهما غارقان في البكاء، فلما قربا من المسجد رفعا صوتهما بالبكاء، فاستقبلهما المسلمون وقد ظنوا أنهما تذكرا جدّهما صلّى الله عليه وآله فقالوا: ما يبكيكما يا ابنَي رسول الله؟ لعلّكما نظرتما موقف جدّكما صلّى الله عليه وآله فبكيتما شوقاً إليه؟
فهرعا عليهما السّلام إلى أبيهما وقالا بأعلى صوتهما: أَوَ ليس قد ماتت أُمُّنا فاطمة.
فاضطرب الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، وهزَّ النبأ المؤلم كِيانَه، وطفق يقول: بمن العزاء يا بنت مُحمّد صلّى الله عليه وآله كنتُ بِكِ أتعزَّى، فَفِيمَ العزاء من بعدك؟
وخَفَّ عليه السّلام مسرعاً إلى الدار وهو يذرف الدموع، ولما ألقى نظرة على جثمان حبيبة رسول الله صلّى الله عليه وآله أخذ ينشد عليه السّلام:
لِكُلِّ اجتِمَاعٍ مِن خَلِيلَيْنِ فِرقَةٌ***وَكُلُّ الَّذي دُونَ الفِرَاقِ قَليلُ
وَإِنَّ افتِقَادِي فَاطماً بَعدَ أَحمَد***دَلِيلٌ عَلى أَنْ لا يَدُومَ خَلِيلُ
وهرع الناس من كل صوب نحو بيت الإمام عليه السّلام وهم يذرفون الدموع على وديعة نبيهم صلّى الله عليه وآله، فقد انطوت بموت الزّهراء عليها السّلام آخر صفحة من صحفات النبوة، وتذكروا بموتها عطف الرسول صلّى الله عليه وآله عليهم، وقد ارتَجَّت المدينة المنورة من الصراخ والعويل.
وعهد الإمام عليه السّلام إلى سَلمَان أن يقول للناس بأن مواراة بضعة النّبيّ صلّى الله عليه وآله تأخّر هذه العشية، وتفرقت الجماهير.
ولما مضى من الليل شَطرُهُ، قام الإمام عليه السّلام فغسَّل الجسد الطاهر، ومعه أسماء والحسنان عليهما السّلام، وقد أخذت اللوعة بمجامع قلوبهم.
وبعد أن أدرجها في أكفانها دعا بأطفالها – الذين لم ينتهلوا من حنان أُمِّهم – ليلقوا عليها النظرة الأخيرة، وقد مادت الأرض من كثرة صراخهم وعويلهم، وبعد انتهاء الوداع عقد الإمام الرداء عليها.
ولما حَلَّ الهزيع الأخير من الليل قام عليه السّلام فصلّى عليها، وعهد إلى بني هاشم وخُلَّصِ أصحابه أن يحملوا الجثمان المقدّس إلى مثواه الأخير.
ولم يخبر عليه السّلام أي أحد بذلك، سوى تلك الصفوة من أصحابه الخُلَّص وأهل بيته عليهم السّلام.
وأودعها في قبرها وأهال عليها التراب، ووقف عليه السّلام على حافة القبر، وهو يروي ثراه بدموع عينيه، واندفع يُؤَبِّنها بهذه الكلمات التي تمثل لوعته وحزنه على هذا الرزء القاصم قائلاً: السَّلام عَليكَ يا رسولَ الله عَنِّي وعنِ ابنَتِك النَّازِلَة في جوارك، السريعة اللحاق بك، قَلَّ يا رسولَ الله عن صَفِيَّتِك صَبرِي، وَرَقَّ عنها تَجَلُّدِي، إِلاَّ أنَّ في التأسِّي بِعظِيم فرقَتِك وَفَادحِ مُصِبَيتِك مَوضِعَ تَعَزٍّ، فَلَقد وَسَّدتُكَ فِي مَلحُودَةِ قَبرِك، وَفَاضَت بَينَ نَحري وصَدرِي نَفسُكَ.
إِنَّـا لله وإنَّا إليه راجعون، لقد استُرجِعَتْ الوَديعةُ، وأُخِذَتْ الرَّهينَة، أمَّا حُزنِي فَسَرْمَدْ، وَأمَّا لَيلِي فَمُسَهَّدْ، إلى أَنْ يختارَ اللهُ لي دارَك التي أنتَ بِها مُقيم، وَسَتُنَبِّئُكَ ابنتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ على هَضمِها، فَاحفِهَا السُّؤَالَ، واستَخبِرْهَا الحَالَ.
فأعلن أمير المؤمنين عليه السّلام في هذه الكلمات شكواه للرسول صلّى الله عليه وآله على ما أَلَمَّ بابنتِه من الخطوب والنكبات، وطَلبَ عليه السّلام منه صلّى الله عليه وآله أن يَلحَّ في السُؤال منها عليها السّلام، لتخبِرَهُ صلّى الله عليه وآله بما جرى عليها عليها السّلام من الظُلم والضَيم في تلك الفترة القصيرة الأمد التي قد عاشتها عليها السّلام.
وعاد الإمام عليه السّلام إلى بيته كئيباً حزيناً، ينظر إلى أطفاله عليهم السّلام وهُم يبكون على أُمِّهم عليها السّلام أَمَرَّ البكاء.
تشييع ودفن فاطمة الزهراءعليها السلام
ارتفعت أصوات البكاء من بيت الإمام علي عليه السّلام، فارتجّت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله، واجتمعت نساء بني هاشم في دار فاطمة الزّهراء عليها السّلام فصرخن وبكين، وأقبل الناس إلى الإمام علي عليه السّلام وهو جالس والحسن والحسين بين يديه يبكيان، وخرجت أُمّ كلثوم وهي تقول: يا أبتاه يا رسول الله ! الآن حقّاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً.
واجتمع الناس فجلسوا وهم يضجّون، وينتظرون خروج الجنازة ليصلّوا عليها، وخرج أبو ذر وقال: انصرفوا فإنّ ابنة رسول الله صلّى الله عليه وآله قد أُخّر إخراجها في العشية، وهكذا تفرّق الناس، وهم يظنّون أنّ الجنازة تشيّع صباح غد.
ولكنّ الإمام علي عليه السّلام غسّلها وكفّنها هو وأسماء في تلك الليلة، ثمّ نادى عليه السّلام: يا حسن يا حسين يا زينب يا أُمّ كلثوم هلمّوا فتزوّدوا من أُمّكم، فهذا الفراق واللقاء الجنّة وبعد قليل نحّاهم أمير المؤمنين عليه السّلام عنها.
ثمّ صلّى الإمام علي عليه السّلام على الجنازة، فلمّا هدأت الأصوات ونامت العيون ومضى شطر من الليل، تقدّم الإمام علي والعباس والفضل بن العباس ورابع يحملون ذلك الجسد النحيف، وشيّعها الحسن والحسين وعقيل وسلمان وأبو ذر والمقداد وبريدة وعمّار ونفر من بني هاشم.
ونزل الإمام علي عليه السّلام إلى القبر، واستلم بضعة رسول الله صلّى الله عليه وآله وأضجعها في لحدها، وقال عليه السّلام: يا أرض أستودعك وديعتي، هذه بنت رسول الله، بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله مُحمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله، سلمتكِ أيتّها الصّديقة إلى من هو أولى بكِ منّي، ورضيت لكِ بما رضي الله تعالى لكِ ثمّ خرج من القبر، وتقدّم الحاضرون وأهالوا التراب على تلك الدرّة النّبوية، وسوّى الإمام علي عليه السّلام قبرها.
محل دفنها عليها السّلام
في المدينة المنورة حيث خفي قبرها بوصية منها عليها السّلام.
قول الإمام علي عليه السّلام بعد دفن فاطمة الزّهراء عليها السّلام
قال الإمام زين العابدين عليه السّلام: لمّا قبضت فاطمة عليها السّلام دفنها أمير المؤمنين عليه السّلام سرّاً، وعفى على موضع قبرها، ثمّ قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله ثمّ قال:
السلام عليك يا رسول الله عنّي، والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، وعفا عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي، إلاّ أنّ في التأسّي لي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري.
بلى، وفي كتاب الله لي أنعم القبول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، قد استرجعت الوديعة، وأُخذت الرهينة، واختلست الزّهراء فما أقبح الخضراء والغبراء.
يا رسول الله، أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد، وهمّ لا يبرح من قلبي، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيّح، وهمّ مهيّج، سرعان ما فرّق بيننا، وإلى الله أشكو، وستنبّئك ابنتك بتظافر أُمّتك على هضمها، فاحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها، لم تجد إلى بثّه سبيلاً، وستقول ويحكم الله، وهو خير الحاكمين.
والسلام عليكما سلام مودّع، لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أُقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصابرين، واهاً واهاً، والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية.
فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً، وتهضم حقّها، ويمنع إرثها، ولم يتباعد العهد، ولم يخلق منك الذكر، وإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك يا رسول الله أحسن العزاء، صلّى الله عليك وعليها السلام والرضوان.
نقش خاتمها عليها السّلام
أَمِنَ المُتَوَكِّلون.
الزيارة الاولى لفاطمة الزّهراء عليه السّلام
" السلام عليك يا بنت رسول الله ، السلام عليك يا بنت خليل الله ، السلام عليك يا بنت نبي الله ، السلام عليك يا بنت حبيب الله ، السلام عليك يا بنت صفى الله ، السلام عليك يا بنت امين الله ، السلام عليك يا بنت خير خلق الله ، السلام عليك يا بنت افضل أنبياء الله ورسله وملائكته ، السلام عليك يا بنت خير البرية ، السلام عليك يا سيدة نساء العالمين ، السلام عليك يا زوجة ولى الله وخير الخلق بعد رسول الله ، السلام عليك يا أم الحسن والحسين سيدي شباب اهل الجنة ، السلام عليك ايتها الشهيدة الصّديقة ، السلام عليك ايتها الرضية المرضية ، السلام عليك ايتها الفاضلة الزكية ، السلام عليك ايتها الحورية الانسية ، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله ، السلام عليك وعلى بعلك وبنيك ورحمة الله وبركاته ، صلى الله عليه وعلى روحك وبدنك ، اشهد انك مضيت على بينة من ربك ، وان من سرك فقد سر رسول الله ، ومن جفاك فقد جفا رسول الله ، ومن قطعك فقد قطع رسول الله ، لانك بضعة منه ، وروحه التي بين جنبيه ، كما قال عليه افضل سلام الله وافضل صلواته ، اشهد الله ورسوله اني راض عمن رضيت عنه ، ساخط عمن سخطت عليه ، متبرى ممن تبرأت منه ، موال لمن واليت ، معاد لمن عاديت ، مبغض لمن ابغضت ، محب لمن احببت ، وكفى بالله شهيدا وحسيبا وجازيا ومثيبا " . " اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد بن عبد الله خاتم النبيين ، وخير الخلق اجمعين ، وصل على وصيه علي بن أبي طالب امير المؤمنين ، وامام المسلمين ، خير الوصيين ، وصل على فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين ، وصل على سيدي شباب اهل الجنة ، الحسن والحسين ، وصل على زين العابدين علي بن الحسين ، وصل على محمد بن علي باقر علم النبيين ، وصل على الصادق عن الله جعفر بن محمد ، وصل على كاظم الغيظ في الله موسى بن جعفر ، وصل على الرضا علي بن موسى ، وصل على التقي محمد بن علي ، وصل على النقي علي بن محمد ، وصل على الزكي الحسن بن علي ، وصل على الحجة القائم بن الحسن بن علي ، اللهم احي به العدل ، وامت به الجور ، وزين ببقاءه الارض ، واظهر به دينك وسنة نبيك ، حتى لا يستخفي بشئ من الحق مخافة أحد من الخلق ، واجعلنا من اشياعه واتباعه ، والمقبولين في زمرة اولياءه ، يا ارحم الراحمين ، اللهم صل على محمد واهل بيته ، الذين اذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا " . ثم تقول : " وصلى الله عليك ، وعلى أبيك محمد رسول الله ، وعلى بعلك أمير المؤمنين ، وعلى أبنائك الائمة الطاهرين وسلم تسليما كثيرا " .
الزيارة الثانية لفاطمة عليه السّلام
ذكرها ابن طاووس في الإقبال، تقول:
السلامُ عَلَيْكِ يابِنْتَ رَسُولِ اللّهِ، السلامُ عَلَيْكِ يابِنْتَ نَبِيِّ اللّهِ، السلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ حَبِيبِ اللّهِ، السلامُ عَلَيْكِ يابِنْتَ خَلِيلِ اللّهِ، السلامُ عَلَيْكِ يابِنْتَ صَفِيِّ اللّهِ، السلامُ عَلَيْكِ يابِنْتَ أَمِينِ اللّهِ، السلامُ عَلَيْكِ يابِنْتَ خَيْرِ خَلْقِ اللّهِ، السلامُ عَلَيْكِ يابِنْتَ أَفْضَلِ أَنْبِياءِ اللّهِ، السلامُ عَلَيْكِ يابِنْتَ خَيْرِ البَرِيَّةِ.
السلامُ عَلَيْكِ ياسَيِّدَةَ نِساءِ العالَمِينَ مِنَ الأوّلينَ وَالآخِرِينَ، السلامُ عَلَيْكِ يا زَوْجَةَ وَلِيِّ اللّهِ وَخَيْرِ خَلْقه بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ، السلامُ عَلَيْكِ ياأُمَّ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ سَيِّدَيْ شَبابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، السلامُ عليكِ ياأُمَّ المؤمنينَ، السلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُها الصّديقة الشَّهِيدَةُ، السلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُها الرَّضِيَّةُ المَرْضِيَّةُ، السلامُ عليكِ أيّتُها الصادقةُ الرشيدةُ، السلامُ عَلَيْكَ أَيَّتُها الفاضِلَةُ الزَّكِيَّةُ [السلامُ عَلَيْكَ أَيَّتُها الحَوْراءُ الاِنْسِيَّةُ، السلامُ عَلَيْكَ أَيَّتُها التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ] ، السلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُها المُحَدَّثَةُ العَلِيمَةُ، السلامُ عَلَيْكَ أَيَّتُها المعصومةُ المَظْلُومَةُ، السلامُ عَلَيْكَ أَيَّتُها الغرّاءُ الزّهراء [السلامُ عَلَيْكَ الطاهرةُ المطهّرةُ، السلامُ عليكِ أيَّتها المُضطهدَةُ المغصوبةُ] ، السلامُ عليكِ يا فاطمةُ بنتُ محمّدٍ رسولِ اللهِ، ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.
صلّى اللهُ عليكِ يا مولاتي وابنةَ مولاي، وعلى روحِكِ وبدنِكِ، أشهدُ أنَّكِ مضيتِ على بيِّنةٍ من ربِّكِ، وأنَّ منْ سرَّكِ فقد سرَّ [رسولَ] اللهِ، ومنْ جَفِاكِ فقد جفا رسولَ اللهَِ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم، ومَنْ آذاكِ فقد آذى رسولَ اللهِ، ومَنْ وصلَكِ فقد وصَلَ رسولَ اللهِ، ومَنْ قَطَعَكِ فقد قطَعَ رسولَ اللهِ؛ لأنَّكِ بضعةٌ من رسولِ اللهِ وروحُه بين جنبيهِ، كما قالَ عليهِ أفضلُ الصلاةِ [وأكملُ] السلامِ.
أُشْهِدُ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ أنّي [راضٍ عمّن رَضَيتِ عنْهُ، وسَاخِطٌ على مَنْ سَخَطتِ عليهِ] وَلِيُّ لِمَنْ وَالاكِ وَعَدُوُّ لِمَنْ عاداكِ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكِ، أَنا يامَوْلاتِي بِكِ وَبِأَبِيكِ وَبَعْلِكِ وَالأئِمَّةِ مِنْ وُلْدِكِ مُوقِنٌ، وَبِوِلايَتِهِمْ مُؤْمِنٌ، وَلِطاعَتِهِمْ مُلْتَزِمٌ. وأَشْهَدُ أَنَّ الدِّينَ دِينُهُمْ وَالحُكْمَ حُكْمُهُمْ وَهُمْ قَدْ بَلَّغُوا عَنِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَدَعَوا إِلى سَبِيله بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، لا تَأْخُذُهُمْ فِي اللّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، وَصَلَواتُ اللّهِ عَلَيْكِ وَعَلى أَبِيكِ وَبَعْلِكِ وَذُرِّيَّتِكِ الاَئِمَّةِ الطَّاهِرينَ.
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى محمّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَصَلِّ عَلى البَتُولةِ الطَّاهِرَةِ الصّديقة المَعْصُومَةِ التَّقِيَّةِ النَّقِيَّةِ الرَّضِيَّةِ الزَّكِيَّةِ الرَّشِيدَةِ المَظْلُومَةِ المَقْهُورَةِ المَغْصُوبَةِ حَقُّها، المَمْنُوعَةِ إِرْثُها، المَكْسُورِ ضِلْعُها، المَظْلُومِ بَعْلُها، المَقْتُولِ وَلَدُها، فاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِكَ، وَبَضْعَةِ لَحْمِه،ِ وَصَمِيمِ قَلْبِهِ، وَفِلْذَةِ كَبِدِه،ِ والتحيّةِ مِنْكَ لَهُ، وَالتُّحْفَةِ التي خَصَصْتَ بِها وَصِيَّهُ وَحَبِيبَهِ المُصْطَفَى وَقَرِينَةِ المُرْتَضى، وَسَيِّدَةِ النِّساء ومُبشِّرةِ الأوّلياءِ، حَلِيفَةِ الوَرَعِ وَالزُّهْدِ، وَتُفّاحَةِ الفِرْدَوْسِ وَالخُلْدِ، الَّتِي شَرَّفْتَ مَوْلِدَها بِنِساءِ الجَنَّةِ، وَسَلَلْتَ مِنْها أَنْوارَ الأئِمَّةِ، وَأَرْخَيْتَ دُونَها حِجابَ النُّبُوَّةِ، اللّهُمَّ صَلِّ عليها صَلاةً تَزِيدُ فِي مَحَلِّها عِنْدَكَ وَشَرَفِها لَدَيْكَ وَمَنْزِلَتِها مِنْ رِضاكَ، وَبَلِّغْها مِنّا تَحِيَّةً وَسَلاماً، وَآتِنا مِنْ لَدُنْكَ فِي حُبِّها فَضْلاً وإِحْساناً، وَرَحْمَةً وَغُفْراناً، إِنَّكَ ذُو الَعْفِو الكَرِيمِ.
الزيارة الثالثة لفاطمة عليه السّلام
السلامُ على رسولِ اللهِ، السلامُ على خيرةِ اللهِ، السلامُ عليكَ يا رسولَ اللهِ. السلامُ عليكِ يا بضعةَ رسولِ اللهِ، السلامُ عليكِ يا حبيبةَ حبيبِ اللهِ، السلامُ عليكِ يا ممتحنةَ اللهِ الصابرة، السلامُ عليكِ أيَّتُها الصّديقة الطاهرةُ، السلامُ عليكِ أيَّتُها الصفيّةُ الباهرةُ، السلامُ عليكِ يا طيِّبةَ النِّجارِ، السلامُ عليكِ يا سليلةَ النّبيّ المختارِ، السلامُ عليكِ يا اُمَّ السادةِ الأطهارِ، السلامُ عليكِ يا حليفةَ الأرزاءِ لفقدِ خاتمِ الأنبياءِ، السلامُ عليكِ يا باكيةَ العينينِ على ولدِها الحُسينِ، السلامُ عليكِ يا حليلةَ المرتضى، السلامُ عليكِ يا فاطمةَ مُحبِّيها مِنْ لَظَى، السلامُ عليكِ يا مَنْ باهى اللهُ بها ملائكةَ السماءِ، السلامُ عليكِ أيَّتُها الرضيّةُ المرضيّةُ، السلامُ عليكِ أيّتُها العليمةُ الزكيّةُ، السلامُ عليكِ أيَّتُها الحوراءُ الأُنسيّةُ، السلامُ عليكِ أيَّتُها المحدَّثةُ العليمةُ، السلامُ عليكِ أيَّتُها النقيّةُ الحكيمةُ، السلامُ عليكِ أيَّتُها العالمةُ الحليمةُ، السلامُ عليكِ يا أمَّ السبطينِ، السلامُ عليكِ يا اُمَّ الأئمّةِ الطيّبينَ، السلامُ عليكِ يا اُمَّ المُحسنِ الجنينِ، السلامُ على سفينةِ النجاحِ، السلامُ عليكِ يا بابَ الفلاح، السلامُ عليكِ يا مباركةَ المساءِ والصباحِ، السلامُ عليكِ يا بنتَ الرسولِ المختارِ، السلامُ عليكِ يا أُمَّ السادةِ الأطهارِ، السلامُ عليكِ يا مخلِّصةَ محبِّيها عن النارِ، السلامُ عليكِ يامشفَّعةُ، السلامُ عليكِ يا مَنْ محبَّتُها لأوليائِها نافعةٌ، السلامُ عليكِ يا مَنْ لها فرضُ الولاءِ، السلامُ عليكِ يا مَنِ الله لرضاها يرضى.
اللهمَّ صلِّ على فاطمةَ بنتِ نبيِّكَ المبعوثِ في آخرِ الزمانِ، وصلِّ على بضعتِهِ ذاتِ المِحَنِ والأحزانِ، صلاةً وافرةً دائمةً، ينالُنا بها منكَ نعمةٌ ساجمةٌ2، وصَلِّ يا ربِّ على أبيها وبَعْلِها وبنِيها، صلاةً ترفعُنا بها عندَكَ زُلفى، اللّهُمَّ نستغفرُكَ في هذا المقامِ وفي كلِّ مقامٍ، من جميعِ الذُنوبِ والآثامِ، واعصِمْنا بهِمْ خيرَ اعتصامٍ، وارفَعْنا عندَكَ في علّيّينَ، واجعَلْنا منْ كلِّ شرٍّ في درعِكَ الحصينِ، ومتّعنا منْكَ بخيرِ الدارينِ، واغفِرْ لنا ولآبائِنَا والمؤمنينَ، وأسبغْ علينا منْكَ الإنعامَ، واختِمْ لنا بأحسنِ الخِتامِ، يا جوادُ يا علاّمُ، وصلِّ اللّهمَّ على محمّدٍ وآلهِ الأعلامِ.
الزيارة الرابعة لفاطمة عليه السّلام
روى عن الامام الباقر عليه السّلام :
" يا ممتحنة امتحنك الذى خلقك قبل ان يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة وزعمنا انا لك اولياء ومصدقون وصابرون لكل ما اتانا به أبوك وأتانا به وصيه فانا نسلك إن كنا صدقناك إلا الحقتنا بتصديقنا لهما لنبشر أنفسنا بانا قد طهرنا بولايتك " . ثم تقول : " السلام عليك يا سيدة نساء العالمين السلام عليك يا والدة الحجج على الناس اجمعين السلام عليك ايتها المظلومة الممنوعة حقها
ثم قل : " اللهم صل على امتك وابنه نبيك وزوجة وصى نبيك صلوة تزلفها فوق زلفي عبادك المكرمين من اهل السموات واهل الارضين " .
الزيارة الخامسة لفاطمة عليه السّلام
السلام عليك يا بنت رسول الله، السلام عليك يا بنت نبي الله، السلام عليك يا بنت حبيب الله، السلام عليك يا بنت خليل الله، السلام عليك يا بنت صفي الله، السلام عليك يا بنت أمين الله، السلام عليك يا بنت خير خلق الله، السلام عليك يا بنت أفضل أنبياء الله، السلام عليك يا بنت خير البرية، السلام عليك يا سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، السلام عليك يا زوجة ولي الله وخير خلقه بعد رسول الله، السلام عليك يا أم الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة. السلام عليك يا أم المؤمنين، السلام عليك يا أيتها الصّديقة الشهيدة، السلام عليك أيتها الرضية المرضية، السلام عليك أيتها الصادقة الرشيدة، السلام عليك أيتها الفاضلة الزكية، السلام عليك أيتها الحوراء الإنسية، السلام عليك أيتها التقية النقية، السلام عليك أيتها المحدثة العليمة، السلام عليك أيتها المعصومة المظلومة، السلام عليك أيتها الطاهرة المطهرة، السلام عليك أيتها المضطهدة المغصوبة، السلام عليك أيتها الغراء الزّهراء، السلام عليك يا فاطمة بنت محمد رسول الله، ورحمة الله وبركاته. صلى الله عليك يا مولاتي وابنة مولاي، وعلى روحك وبدنك، أشهد أنك مضيت على بينة من ربك، وأن من سرك فقد سر رسول الله، ومن جفاك فقد جفا رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن آذاك فقد آذى رسول الله، ومن وصلك فقد وصل رسول الله، ومن قطعك فقد قطع رسول الله، لأنك بضعة منه، وروحه التي بين جنبيه، كما قال عليه أفضل الصلاة وأكمل السلام. أشهد الله وملائكته أني راض عمن رضيت عنه، وساخط على من سخطت عليه، ولي لمن والاك، وعدو لمن عاداك، وحرب لمن حاربك، أنا يا مولاتي بك وبأبيك وبعلك والأئمة من ولدك موقن، وبولايتهم مؤمن، وبطاعتهم ملتزم. أشهد أن الدين دينهم، والحكم حكمهم، وأنهم قد بلغوا عن الله عز وجل، ودعوا إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، لا تأخذهم في الله لومة لائم. وصلوات الله عليك وعلى أبيك وبعلك وذريتك الأئمة الطاهرين. اللهم صل على محمد وأهل بيته، وصل على البتول الطاهرة الصّديقة المعصومة، التقية النقية الرضية الزكية الرشيدة، المظلومة المقهورة، المغصوبة حقها، الممنوعة إرثها، المكسورة ضلعها، المظلوم بعلها، المقتول ولدها، فاطمة بنت رسولك، وبضعة لحمه، وصميم قلبه، وفلذة كبده، والنخبة منك له، والتحفة خصصت بها وصيه، وحبيبه المصطفى، وقرينه المرتضى، وسيدة النساء، ومبشرة الأولياء، حليفة الورع والزهد، وتفاحة الفردوس والخلد، التي شرفت مولدها بنساء الجنة، وسللت منها أنوار الأئمة، وأرخيت دونها حجاب النبوة. اللهم صل عليها صلاة تزيد في محلها عندك، وشرفها لديك، ومنزلتها من رضاك، وبلغها منا تحية وسلاماً، وآتنا من لدنك في حبها فضلاً وإحساناً ورحمة وغفراناً، إنك ذو العفو الكريم.
الزيارة السادسة لفاطمة عليه السّلام
السلامُ عليكِ ياسيدةَ نساءِ العالمينَ، السلامُ عليكِ ياوالدةَ الحُجَجِ على الناسِ أجمعينَ، السلامُ عليكِ أَيَّتُها المَظْلومَةُ المَمْنُوعَةُ حَقَّها. السلامُ عليكِ يامُمْتَحَنَةُ، امْتَحَنَكِ الَّذِي خَلَقَكِ فَوَجَدَكِ لِما امْتَحَنَكِ صابِرَةً، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى أَمَتِكَ وَابْنَةِ نَبِيِّكَ وَزَوْجَةِ وَصِيِّ نَبِيِّكَ صلواتٍ تُزْلِفُهَا فَوْقَ زُلْفَى عِبادِكَ المُكْرَمِينَ مِنْ أَهْلِ السَّماواتِ وَالأرَضِينَ. يا سيّدتَنَا، ومولاتَنَا: إنَّا زعمْنَا أنَّا لكِ أوّلياءٌ، ومصدّقونَ وصابرونَ لكلِّ ما أتانا بهِ [أبوكِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وأتى بهِ] وصيُّهُ، فإنّا نسألُكِ إنْ كُنّا صدّقناكِ إلاّ ألحقْتِنَا بتصديقِنَا لهُمَا، لنبشّرَ أنفُسَنَا بأنَّا قد طهُرْنَا بولايتِكِ.
اللّهُمّ إنّا نستغفرُكَ من كلِّ ذَنْبٍ، ونتوبُ إليكَ من كلِّ خطيئةٍ، فصلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ، وتفضَّلْ علينَا بفضْلِ سعةِ رحمتِكَ، يا أرحمَ الراحمينَ.
الزيارة السابعة لفاطمة عليه السّلام
السلامُ على ابنةِ نبيِّ الرحمةِ، وحليلةِ المرتضى الحُجَّةِ، ووالدةِ السادةِ الأئمّةِ، السلامُ على البتولةِ الشهيدةِ، السلامُ على الصّديقة الفريدةِ، السلامُ على الدرّةِ الحميدةِ، السلامُ على سيّدةِ نساءِ العالمينَ، ومَنْ فاقَتِ الحورَ العينِ، ومن تشرّفتْ بتولُّدِها من النّبيّ الأمينِ، السلامُ على لؤلؤةِ الأصدافِ، والغُصنِ الأعلى من عبدِ مُنافٍ، ووالدةِ الأئمّةِ الأشرافِ، السلامُ على من صُغّرَ قدرُها، وعُفّي قبرُها، وخُفّي أثرُها، السلامُ على مَنْ طاعتُها مفروضةٌ على العبادِ، ومحبَّتُها نجاةٌ من النارِ ذاتِ الاتّقادِ، وشفاعتُها مقبولةٌ في المعادِ، السلامُ على الحوراءِ الأُنسيّةِ، والتقيّةِ النقيّةِ، والدرّةِ الرضيّةِ، السلامُ على ذاتِ المجدِ الأثيلِ الشامخِ، وربَّةِ الكمالِ الأعظمِ الباذخِ، وحليفةِ العفافِ [الصارحِ] ، السلامُ على فاطمةَ الزّهراء سيّدةِ النساءِ، وزينةِِِ الآخرةِ والأُولى.
السلامُ على بضِعةِ الرسولِ، ووالدةِ السبطِ المقتولِ، بحدِّ القاضبِ المسلولِ، على يَدِ الأعداءِ بالذحولِ، السلامُ على ربَّةِ التقى والعبادةِ، ومركزِ الجودِ والزهادةِ، واُمِّ القادةِ السادةِ، السلامُ على صفوةِ الرحمنِ، وحورِ الزمانِ، ومَن زيَّنَ اللهُ بها الجنانَ، السلامُ على مُنْهَدَّةِ الأركانِ، وصاحبةِ المصائبِ والأحزانِ، وملهوفةِ الجِنانِ على فَقْدِ والدِها حبيبِ الرحمنِ، السلامُ على ذاتِ الحزنِ الطويلِ، والتهجّدِ طولَ الليلِ، والنُسكِ المستطيلِ، السلامُ على خِيرةِ النساءِ، والمجلّلةِ بالكساءِ، ومَن أختارَ اللهُ لها سرعةَ اللقاءِ.
يا سيّدتَنَا، ويا مولاتَنَا، يا كريمةَ الجنابِ، ويا شفيعتَنَا يومَ الحسابِ، أتيتُكِ زائراً، وإليكِ قاصداً، ولِفَضْلِ زيارتِكِ مؤمِّلاً، وعلى جميلِ إحسانِكِ معوِّلاً، فأسألُ اللهَ الكريمَ المنّانَ، ذا الجودِ والإحسانِ، والفضلِ والامتنانِ، بكِ وبأبيكِ علّةِ الوجودِ والإمكانِ، وببَعْلِكِ وَوُلْدِكِ الأئمّةِ الأعيانِ، ألاّ يرجعَني عن قضاءِ حوائجي خائباً، ولا بالخسرانِ آيباً، وقد جئتُكِ لمعروفِكِ طالباً، فإنّي مولاكِ موالٍ لأوليائِكِ، فيا عظيمةً عندَ اللهِ، فاشفعي لنا عندَ اللهِ في قضاءِ الحاجاتِ، وإعطاءِ السُؤَالاتِ، ونجاحِ الطلباتِ، وإحرازِ العيونِ، وقضاءِ الديونِ، وغُفرانِ الذنوب، وسَتْرِ العُيوبِ، اللهمَّ وأشركْ في دعائِنا إخوانَنَا المؤمنينَ والمؤمناتِ، والمسلمينَ والمسلماتِ، وافتَحِ اللهمَّ لنا ولَهُم منْكَ فتْحاً قريباً، وصلّى اللهُ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ، وسلّمْ عليهِمْ مِنْكَ تسليماً، وأبلِغْهُمْ منْكَ عنّا السلامَ، برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ.
الصلاة بعد الزيارة
ثم تصلّي صلاة الزيارة، وإنْ استطعت أن تصلّي صلاتها ـ عليها السلامُ ـ فافعل، وهي: ركعتان، تقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة، وستّين مرّة {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}، وإن لم تستطع فصلِّ ركعتين بالحمد وسورة الإخلاص، والحمد و{قُلْ يَا أيُّهَا الْكَافِرُونَ}،
الدعاء بعد صلاة الزيارة
ثم تدعو بعد صلاة الزيارة بهذا الدعاء :
" اللهم انى اتوجه اليك بنبينا محمد صلى الله عليه وآله ، وباهل بيته صلواتك عليهم ، واسئلك بحقك العظيم الذي لا يعلم كنهه سواك ، واسئلك بحق من حقه عندك عظيم ، وباسمائك الحسنى التي امرتني ان ادعوك بها ، واسئلك باسمك الاعظم الذي امرت به إبراهيم عليه السلام ، أن يدعو به الطير فأجابته ، وباسمك العظيم الذي قلت للنار كوني بردا وسلاما على ابراهيم ، فكانت بردا وسلاما ، وباحب الاسماء اليك واشرفها واعظمها لديك ، واسرعها اجابة وانجحها طلبة ، وبما أنت اهله ومستحقة ومستوجبة ، واتوسل اليك وارغب اليك واتضرع والح عليك ، واسئلك بكتبك التي انزلتها على انبياءك ورسلك صلواتك عليهم ، من التورية والانجيل والزبور والقرآن العظيم ، فان فيها اسمك الاعظم ، وبما فيها من اسماءك العظمى ، ان تصلى على محمد وآل محمد ، وان تفرج عن آل محمد وشيعتهم ومحبيهم وعني ، وتفتح ابواب اسماء لدعائي ، وترفعه في عليين ، وتأذن لي في هذا اليوم وفي هذه الساعة بفرجي واعطاء املي وسؤلي في الدنيا والآخرة ، يا من لا يعلم احد كيف هو وقدرته إلا هو ، يا من سد الهواء بالسماء ، وكبس الارض على الماء ، واختار لنفسه احسن الاسماء ، يا من سمى نفسه بالاسم الذي تقضى به حاجة من يدعوه ، اسئلك بحق ذلك الاسم ، فلا شفيع اقوى لي منه ، ان تصلي على محمد وآل محمد ، وان تقضى لي حوائجي ، وتسمع بمحمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي وعلي بن محمد ، والحسن بن علي والحجة المنتظر لاذنك ، صلواتك وسلامك ورحمتك وبركاتك عليهم صوتي ليشفعوا لي اليك ، وتشفعهم في ، ولا تردني خائبا ، بحق لا اله إلا أنت " . ثم تسأل حوائجك فانها تقضى إن شاء الله تعالى .
- التفاصيل
- المجموعة: سيرة المعصومین وذویهم
نسبه الشّريف عليه السلام
الإمام الحُسين بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المُطلب بن هشام بن عبد مناف بن قُصي بن كلاب بن مُرة بن كعب بن مرة بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خُزيمة مدرك بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان عليهم السّلام.
والدته عليه السلام
فاطمة بنت مُحمّد بن عبد الله بن عبد المُطلب بن هشام بن عبد مناف بن قُصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن مرة بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة مدرك بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان عليهم السّلام.
وأمّها خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها.
ولادته عليه السلام
ولد عليه السّلام بالمدينة المنورة في الثالث من شعبان في السّنة الرّابعة من الهجرة, وقيل في السّنة الثالثة. وولد لستة أشهر.
البشرى بالمولد
عن أمّ الفضل بنت الحارث أنّها دخلت على رسول الله صلّى الله عليه فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلماً منكراً الليلة، قال. وما هو؟ قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري،
قال: رأيت خيراًَ، تلك فاطمة إن شاء الله تلد غلاماً فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحُسين، فكان في حجري كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله، فوضعته في حجره ثمّ حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله صلّى الله عليه وآله تهريقان الدّموع، قالت: قلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي، مالك؟ قال: أتاني جبريل عليه السّلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا، فقلت: هذا؟ قال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء.
عن أمّ الفضل قالت: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وآله فقلت: إني رأيت في منامي أن في بيتي أو حجري عضواً من أعضائك، قال: تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فتكفلينه، فولدت له فاطمة حسيناً، فدفعته إليها فأرضعته بلبن قثم، فأتيت به رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً أزوره، فأخذه فوضعه على صدره فبال فأصاب البول إزاره، فزخخت بيدي على كتفيه، فقال: أوجعت ابني أصلحك الله، أو قال: رحمك الله، فقلت: اعطني إزارك أغسله، فقال: إنما يغسل بول الجارية ويصب على بول الغلام.
عن ابن عباس: فلما ولد الحُسين بن عليّ عليهما السّلام وكان مولده عشيّة الخميس ليلة الجمعة أوحى الله عزّ وجل إلى مالك خازن النار أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمُحمّد في دار الدنيا.
وعن أسماء بنت عميس، قالت: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله قد أخذ الحُسين في حجره فبكى. قلت: فداك أمي وأبي مما تبكي؟ قال: يا أسماء ابني هذا تقتله الفئة الباغية من أمتي، لا أنالهم الله شفاعتي.. يا أسماء لا تخبري فاطمة؛ فإنها قريبة عهد بولادة.
مراسيم الولادة
أجرى النّبيّ صلّى الله عليه وآله المراسيم الشّرعية لوليده المبارك، فقام صلّى الله عليه وآله بما يلي:
1 - الأذان والإقامة: فأذّن صلّى الله عليه وآله في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى.
2 - التسمية: فَسمَّاه النّبيّ صلّى الله عليه وآله حُسَيْناً.من الله بواسطة جبرائيل عليه السّلام.
3 - العَقيقة: بعدما مضى سبعة أيام من ولادة الحُسين عليه السّلام أمر النّبيّ صلّى الله عليه وآله أن يُعَقَّ عنه بِكَبْش، ويُوزَّع لحمه على الفقراء
4 - حَلْق رأسه: وأمر النّبيّ صلّى الله عليه وآله أن يُحلَقَ رأس وليده، ويُتَصَدَّق بِزِنَتِهِ فضة على الفقراء - وكان وزنه كما في الحديث درهماً ونصفاً -، وطلى رأسه بِالخَلُوق، ونهى عمّا كان يفعله أهل الجاهلية من طلاء رأس الوليد بالدم.
5 - الخِتَان: وأَوْعزَ النّبيّ صلّى الله عليه وآله إلى أهل بيته بإجراء الخِتَان على وليده في اليوم السابع من ولادته.
أسماؤه عليه السلام
أولاً: تسميته عليه السّلام من الله عزّ وجل
عن أسماء بنت عميس , قالت: قبلت فاطمة بالحسن, فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وآله فقال: يا أسماء هلمّي ابني. فدفعته إليه في خرقة صفراء, فألقاها عنه قائلاً: ألم أعهد إليكن أن لا تلفّوا مولوداً بخرقة صفراء. فلفيته بخرقة بيضاء, فأخذه وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى, ثمّ قال لعليّ: أيّ شيء سميت ابني؟ قال: ما كنت لاسبقك بذلك. فقال: ولا أنا أسابق ربّى. فهبط جبريل عليه السّلام فقال: يا مُحمّد, إنّ ربّك يقرئك السّلام, ويقول لك: عليّ منك بمنزلة هارون من موسى لكن لانبيّ بعدك, فسم ابنك هذا باسم ولد هارون. فقال: وما كان اسم ابن هارون يا جبريل؟ قال: شبّر. فقال صلّى الله عليه وآله: إنّ لساني عربي. فقال: سمه الحسن. ففعل صلّى الله عليه وآله, فلمّا كان بعد حول, ولد الحُسين فجاء نبي الله صلّى الله عليه وآله، وذكرت مثل الأوّل, وساقت قصّة التسمية مثل الأوّل, من أنّ جبريل عليه السّلام أمره أن يسميه باسم ولد هارون شبير, فقال النّبيّ صلّى الله عليه وآله مثل الأوّل, فقال سمه حُسيناً. علماً لم تكن العرب في جاهليتها تعرف هذين الاسمين حتّى تُسَمِّي أبناءهم بهما، وإنما سَمَّاها النّبيّ صلّى الله عليه وآله بهما بوحي من السماء
ثانياً: تسميته عليه السّلام على لسان النّبيّ صلّى الله عليه وآله:
بالإسناد عن سالم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّي سمّيت ابني هذين باسم ابني هارون شبّراً وشبيراً.
وعن سلمان، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: سمّى هارون ابنيه شبّراً وشبيراً، وإنّي سمّيت ابني الحسن والحُسين.
وعن مُحمّد بن عليّ بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: يا فاطمة, اسم الحسن والحُسين في ابني هارون شبّر وشبير؛ لكرامتهما على الله عزّ وجلّ.
وعن سودة بنت مسرح, قالتّ: كنت فيمن حضر فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله حين ضربها المخاض، قالتّ: فأتانا رسول الله صلّى الله عليه وآله, فقال: كيف هي ابنتي فديتها؟ قالتّ: قُلت: إنّها لتجهد يا رسول الله، قال: فإذا وضعت فلا تسبقني به بشيء، قالتّ: فوضعته فسررته ولففته في خرقة صفراء, فجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله, فقال: ما فعلت ابنتي فديتها؟ وما حالها؟ وكيف هي؟ فقُلت: يا رسول الله, وضعته وسررته ولففته في خرقة صفراء. فقال: لقد عصيتني. قالت: قُلت: أعوذ بالله من معصية الله ومعصية رسول الله صلّى الله عليه وآله, سررته يا رسول الله ولم أجد من ذلك بُدّاً، قال: آتيني به. قالتّ: فأتيته به, فألقى عنه الخرقة الصّفراء ولفّه في خرقة بيضاء وتفل في فيه وألباه بريقه, قالتّ: فجاء عليّ عليه السّلام, فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما سمّيته يا عليّ؟ قال: سمّيته جعفراً يا رسول الله، قال: لا, ولكنّه حسن وبعده حُسين, وأنت أبو الحسن والحُسين.
ثالثاً: تسميته عليه السّلام في التّوراة والإنجيل
عن أبي هريرة، قال: قدم راهب على قعود به, فقال: دلّوني على منزل فاطمة عليها السّلام. قال: فدلوه عليها، فقال لها: يا بنت رسول الله, اخرجي إليّ ابنيك. فأخرجت إليه الحسن والحُسين, فجعل يُقبّلهما ويبكي ويقول: اسمهما في التّوراة شبّر وشبير, وفي الإنجيل طاب وطيب. ثمّ سأل عن صفة النّبيّ صلّى الله عليه وآله, فلمّا ذكروه, قال: أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أنّ مُحمّداً رسول الله صلّى الله عليه وآله.
كُناه عليه السلام
أبو عبد الله، وأبوعلي.
ألقابه الشريفة عليه السلام
وأمّا ألقابه عليه السّلام فكثيرة, فنذكر منها:
الشّهيد، السّعيد، السّبط، الإمام، المبارك، الدليل، المنتقم من أعداء الله، الإمام المظلوم، الأسير المحروم، القتيل المرحوم، الإمام الشّهيد، الولي الرّشيد، الوصي السّديد، الطّريد الفريد، البطل الشّديد، الطّيب الوفي، الإمام الرّضي، ذو النّسب العلي، منبع الأئمة، شافع الأمة، سيد شاب أهل الجنة، وعبرة كل مؤمن ومؤمنة، صاحب المحنة الكبرى، السّيد الحصور أبيّ الضيم...
صفاته عليه السلام
عن الإمام عليّ عليه السّلام قال: مَن سَرَّهُ أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلّى الله عليه وآله ما بين عنقه وثغره فلينظر إلى الحسن, وَمَن سَرَّهُ أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلّى الله عليه وآله ما بين عنقه إلى كَعبِهِ خَلقاً وَلَوناً فلينظر إلى الحُسين.
وقيل: إنّه كان يشبه النّبيّ صلّى الله عليه وآله ما بين سُرَّتِه إلى قدميه.
فكان عليه السّلام أشبه النّاس برسول الله صلّى الله عليه وآله، ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، واسع الجبين، كث اللحية، واسع الصدر، عظيم المنكبين، ضخم العظام، رحب الكفين والقدمين، رجل الشّعر، متماسك البدن، أبيض مشرب بحمرة.
زوجاته عليه السلام
تزوج الإمام الحُسين عليه السّلام بعدة زوجات منهنّ:
1ـ شهربانوشاه زنان بنت يزدجرد فأنجبت له علياً زين العابدين.
2ـ ليلى بنت أبي مرة عروة بن مسعود الثقفية فأنجبت له علياً الأكبر.
3ـ الرباب بنت امرىء القيس فأنجبت له سكينة وعبد الله الرضيع.
4ـ أمّ اسحاق بنت طلحة بن عبدالله التيمية، فأنجبت له أمّ فاطمة بنت الحُسين.
أولاده عليه السلام
أمّا أبناؤه عليه السّلام فمن الذكور.
1ـ عليّ الأكبر الشهيد في كربلاء. وعلي السجاد وهو عليّ الأوسط. وعلي الأصغر. ومحمد. وعبدالله الرّضيع من الرباب. وجعفر.
وأمّا بناته عليه السّلام فهن.
سكينة, وفاطمة, وزينب, ورقية.
نقش خاتمه عليه السلام
وكان له خاتمان، فص أحدهما عقيق نقشه: إن الله بالغ أمره.
وعلى الخاتم الذي أخذ من يده يوم قتل: لا إله إلا الله عدة لقاء الله.
من تختم بمثلهما كانا له حرزا من الشيطان.
بوابه عليه السلام
رشيد الهجري رضي الله عنه.
ذكره عليه السلام في القرآن الكريم
وردت آيات في شأن الإمام الحسين عليه السلام خاصّة وفي بعض الآيات ورد مع غيره من أهل بيته عليهم السلام، فمن هذه الآيات:
1 - آية التطهير
قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. الأحزاب:33.
أجمع المفسرون وثقاة الرواة أن هذه الاية نزلت في حق أصحاب الكساء الخمسة وهم: سيد الكائنات الرسول صلّى الله عليه وآله وصنوه الجاري مجرى نفسه أمير المؤمنين عليه السّلام وبضعته الطاهرة سيدة النساء فاطمة الزهراء التي يرضا الله لرضاها ويغضب لغضبها، وريحانتاه من الدنيا سبطاه الشهيدان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
2 - آية المودة
قال تعالى: { قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}. (الشورى/23).
ذهب جمهور المسلمين إلى أن المراد بالقربى هم عليّ وفاطمة وابناهما الحسن والحسين وان اقتراف الحسنة إنما هي في مودتهم ومحبتهم، وقد فرض الله على المسلمين مودة أهل البيت عليه السّلام في هذه الاية.
3 - آية المباهلة
من آيات الله البينات التي أعلنت فضل أهل البيت عليهم السّلام آية المباهلة قال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}. (آل عمران/61).
اتفق المفسرون ورواة الحديث أنها نزلت في أهل البيت.
وأن أبناءنا إشارة إلى الحسنين ونساءنا إشارة إلى فاطمة، وأنفسنا إلى عليّ.. نزلت الآية الكريمة في واقعة تاريخية بالغة الخطورة جرت بين قوى الإسلام وبين القوى الممثلة للنصارى، وموجز هذه الحادثة موجود في كل تواريخ المسلمين.
4 - آية الأبرار
ومن آيات الله الباهرات التي أشادت بفضل العترة الطاهرة، آية الأبرار، قال تعالى:
{إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا*عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا* يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا* وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا}. (الإنسان:5- 9).
روى جمهور المفسرين والمحدثين أنها نزلت في أهل البيت عليهم السّلام وكان السبب في ذلك أن الحسن والحسين عليهم السّلام مرضا فعادهما جدهما الرسول صلّى الله عليه وآله مع كوكبة من أصحابه، وطلبوا من عليّ أن ينذر لله صوماً إن عافاهما مما ألم بهما من السقم فنذر أمير المؤمنين صوم ثلاثة أيام، وتابعته الصديقة عليها السّلام وجاريتها فضة في ذلك، ولما أبل الحسنان من المرض صاموا جميعاً، ولم يكن عند الإمام في ذلك الوقت شيء من الطعام ليجعله إفطاراً لهم فاستقرض سلام الله عليه ثلاثة أصواع من الشعير، فعمدت الصديقة في اليوم الأول إلى صاع فطحنته وخبزته فلما آن وقت الإفطار وإذا بمسكين يطرق الباب يستمنحهم شيئاً من الطعام فعمدوا جميعاً إلى هبة قوتهم إلى المسكين واستمروا في صيامهم لم يتناولوا سوى الماء.
وفي اليوم الثاني عمدت بضعة النّبيّ صلّى الله عليه وآله إلى تهيأة الطعام الذي كان قوامه خبز الشعير، ولما حان وقت الغروب واذا بيتيم قد أضناه الجوع وهو يطلب الاسعاف منهم فتبرعوا جميعاً بقوتهم، ولم يتناولوا سوى الماء.
وفي اليوم الثالث قامت سيدة النساء فطحنت ما فضل من الطعام وخبزنه فلما حان وقت الإفطار قدمت لهم الطعام، وسرعان ما طرق الباب أسير قد ألم به الجوع فسحبوا أيديهم من الطعام ومنحوه له.
سبحانك اللهم أي مبرة أعظم من هذه المبرة! أي إيثار أبلغ من هذا الإيثار، إنه إيثار ما قصد به إلا وجه الله الكريم.
ووفد عليهم رسول الله صلّى الله عليه وآله في اليوم الرابع فرآهم، ويا لهول ما رأى رأى أجساماً مرتعشة من الضعف ونفوساً قد ذابت من الجوع، فتغير حالة وطفق يقول:
واغوثاه أهل بيت مُحمّد يموتون جياعاً!
ولم ينه الرسول كلامه حتّى هبط عليه أمين الوحي وهو يحمل المكافأة العظمى لأهل البيت والتقييم لإيثارهم الخالد. إنها مكافأة لا توصف بكيف ولا تقدر بكم، فهي مغفرة ورحمة ورضوان من الله ليس لها حد، فقد جزاهم بما صبروا جنة وحريرا. متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريرا. وانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا. ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا، قوارير من فضة قدروها تقديرا ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلا.
حُبّ النبي صلى الله عليه وآله له عليه السّلام
قد توالت أقوال رسول الله صلّى الله عليه وآله في وَصف مقام الإمام الحُسين عليه السّلام، وموقعه الرفيع من الرسالة ومنه، وليس عبثاً قول رسول الله صلّى الله عليه وآله في حقِّه عليه السّلام: إِنَّ لَهُ دَرجة لا يَنَالُها أحدٌ مِن المَخلوقِين.ومدى محبَّة النّبيّ لسبطه الحُسين عليه السّلام، ومن هذه الأقوال ما يلي:
أولاً:عن يَعلى بن مُرَّة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: حُسَينٌ مِنِّي وأنا مِن حُسين، أحَبَّ اللهُ مَن أحبَّ حُسَيناً، حُسينٌ سِبْطُ مِن الأسْباط.
ثانياً: عن سلمان الفارسي، قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: الحسن والحسين ابناي، من أحبَّهما أحبَّني، ومن أحبَّني أحبَّه اللهُ، وَمَن أحبَّه الله أدخله الجنة، ومن أبغضَهُمَا أبغضَني، ومن أبغضَني أبغضَه الله، وَمَن أبغضه الله أدخلَه النَّار عَلى وجَهه.
ثالثاً:عن البَرَّاء بن عازب، قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله حاملاً الحُسين بن عليّ عليهما السّلام على عاتقه وهو يقول: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحبُّهُ فَأحِبَّه.
رابعاً:عن الإمام الباقر عليه السّلام، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا دخل الحُسين عليه السّلام اجتذبه إليه، ثمّ يقول لأمير المؤمنين عليه السّلام: أمْسِكه.ثمّ يقع صلّى الله عليه وآله عليه، فيُقبِّله ويبكي.
فيقول عليه السّلام: يَا أبَه، لِمَ تبكِي ؟
فيقول صلّى الله عليه وآله: يا بُنيَّ، أقبِّل موضع السيوف منك وأبكي.
فيقول عليه السّلام: يا أبه، وأُقتَل ؟
فيقول صلّى الله عليه وآله: إي والله، وأبوك وأخوك وأنت.
فيقول عليه السّلام: يا أبه، فمصارعُنا شتَّى ؟
فيقول صلّى الله عليه وآله: نعم، يا بُنيَّ.
فيقول عليه السّلام: فمن يزورنا من أمتك ؟
فيقول صلّى الله عليه وآله: لا يزورني ويزور أباك وأخاك وأنت إلا الصدِّيقون من أمَّتي.
خامساً:عن ابن عباس، قال: لمَّا اشتدَّ برسول الله صلّى الله عليه وآله مرضه الذي توفِّي فيه، ضمَّ الحُسين عليه السّلام، ويسيل من عرقه عليه، وهو يجود بنفسه ويقول: مَا لي وَلِيَزيد، لا بَارَكَ اللهُ فِيه، اللَّهُمَّ العَنْ يزيد.
ثمّ غُشي عليه صلّى الله عليه وآله طويلاً. ثمّ أفاقَ، وجعل يقبِّل الحُسين عليه السّلام وعيناه تذرفان ويقول: أما إن لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله عزَّ وجلَّ.
علمه عليه السلام
أخي القارئ الكريم: ان علم الإمام عليه السّلام كما لايخفى انه العالم بما كان ويكون الى يوم القيامة، ولا يُقاس بعلمه احد من علوم البشر, ممن لم يبلغ مرتبة العصمة الإلهية { قل كفى بالله شهيدا بيتي وبينكم ومن عنده علم الكتاب}؛ لانّ علمه من علم رسول الله صلّى الله عليه وآله, وعلم رسول الله صلّى الله عليه وآله من الله سبحانه وتعالى.واليك بعض علومه عليه السّلام.
1ـ عن أبي سلمة قال: حَجَجْتُ مع عمر بن الخطاب، فلمَّا صرنا بالأبطح فإذا بأعرابي قد أقبل علينا فقال: يا أمير المؤمنين، إني خرجت وأنا حاجٌّ مُحْرِمْ، فأصبت بيض النعَّام، فاجتنيتُ وشويتُ وأكلتُ، فما يجب عليّ؟
قال عُمَر: ما يحضرني في ذلك شيء، فاجلسْ لعلَّ الله يفرِّج عنك ببعض أصحاب مُحمّد صلّى الله عليه وآله.
فإذا أمير المؤمنين عليه السّلام قد أقبل، والحسين عليه السّلام يتلوه.
فقال عمر: يا أعرابي هذا عليّ بن أبي طالب فدونك ومسألتك.
فقام الأعرابي وسأله، فقال عليّ عليه السّلام: يا أعرابي سلْ هذا الغلام عندك، يعني الحُسين عليه السّلام.
فقال الأعرابي: إنما يحيلني كل واحد منكم على الآخر.
فأشار الناس إليه: ويحك هذا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله فاسأله.
فقال الأعرابي: يابن رسول الله إني خرجت من بيتي حاجّاً - وقصَّ عليه القصة فقال له الحُسين عليه السّلام: أَلَكَ إِبْلٌ ؟
قال الأعرابي: نعم.
قال عليه السّلام: خُذ بعدد البيض الذي أَصَبتَ نوقاً فاضربها بالفحولة، فما فصلت فاهدها إلى بيت الله الحرام.
فقال عمر: يا حسين النوق يزلقن.
فقال الحُسين: إنّ البيض يمرقن.
قال عمر: صدقت وبررت.
فقام عليّ عليه السّلام وضمَّ الحُسين عليه السّلام إلى صدره وقال: ذرِّيَّة بعضها من بعض والله سميع عليم.
علمه عليه السّلام بأصوات الحيوانات
من شرط الإمام أن يكون عالماً بجميع اللغات حتّى أصوات الحيوانات.
روى مُحمّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن الحُسين عليه السّلام أنّه قال: إذَا صَاح النِّسرُ فإنَّه يقولُ: يَا ابنَ آدَم عِشْ مَا شِئْتَ فَآخِرُه المَوتُ، وإذَا صَاح البَازي يقول: يَا عَالِم الخَفيَّات يَا كَاشِفَ البَليَّات، وإذَا صَاحَ الطاووسُ يقولُ: مَولايَ ظَلَمْتُ نَفسي وَاغْتَرَرْتُ بِزِينَتي فَاغْفِر لِي. وإذا صَاحَ الدرَّاجُ يَقولُ: الرَّحْمَنُ عَلى العَرشِ استوَى، وإذَا صَاحَ الدِّيكُ يَقولُ: مَنْ عَرفَ اللهُ لَم يَنسَ ذِكره، وإذا قَرْقَرَت الدَّجاجَة تقول: يَا إلَه الحَقِّ أنْتَ الحَقّ، وقَولُكَ الحَقّ، يَا اللهُ يَا حَقّ. وَإذَا صَاحَ البَاشِق يَقولُ: آمنتُ باللهِ واليَومِ الآخِر، وإذَا صَاحَت الحَدأَة تَقول: توكَّلْ عَلَى اللهِ تُرزَق، وإذَا صَاحَ العُقاب يَقولُ: مَن أطَاعَ اللهُ لَم يَشْقَ، وإذَا صَاح الشَّاهِين يَقولُ سُبحَانَ الله حَقاً حَقاً، وإذَا صَاحَت البومَة تَقولُ: البُعدُ مِنَ النَّاسِ أُنْس، وإذَا صَاحَ الغُرَابُ يَقول: يَا رَازقُ ابعَثْ بالرِّزقِ الحَلال، وإذَا صَاحَ الكَرَكي يَقول: اللَّهمَّ احفَظْني مِن عَدوِّي. وإذَا صَاح اللَّقْلَقْ يقول: من تخلّى من الناس نجا من أذاهم، وإذا صاحت البطة تقول: غفرانك يا الله غفرانك، وإذا صاح الهدهد يقول: ما أشقى من عصى الله، وإذا صاح القمري يقول: يا عالم السر والنجوى يا الله، وإذا صاح الدبسي يقول: أنت الله لا إله سواك يا الله، وإذا صاح العقعق يقول: سبحان من لا يخفى عليه خافية. وإذا صاح الببغاء يقول: من ذكر ربّه غفر ذنبه، وإذا صاح العصفور يقول: أستغفر الله ممّا يسخط الله، وإذا صاح البلبل يقول لا إله إلاّ الله حقاً حقاً، وإذا صاحت القبجة تقول: قرب الحق قرب، وإذا صاحت السماناة تقول: يا ابن آدم ما أغفلك عن الموت، وإذا صاح السنوذنيق يقول: لا إله إلاّ الله مُحمّد رسول الله وآله خيرة الله، وإذا صاحت الفاختة تقول: يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد. وإذا صاح الشقراق يقول: مولاي أعتقني من النار، وإذا صاحت القنبرة تقول: مولاي تب على كل مذنب من المؤمنين، وإذا صاح الورشان يقول: إن لم تغفر ذنبي شقيت، وإذا صاح الشفنين يقول: لا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم، وإذا صاحت النعامة تقول: لا معبود سوى الله، وإذا صاحت الخطافة، فإنّها تقرأ سورة الحمد، وتقول: يا قابل توبة التوابين يا الله لك الحمد. وإذا صاحت الزرافة تقول: لا إله إلاّ الله وحده، وإذا صاح الحمل يقول كفى بالموت واعظاً، وإذا صاح الجدي يقول: عاجلني الموت فقل ذنبي، وإذا زأر الأسد يقول: أمر الله مهم مهم، وإذا صاح الثور يقول: مهلاً مهلاً يا ابن آدم أنت بين يدي من يرى ولا يرى وهو الله، وإذا صاح الفيل يقول: لا يغني عن الموت قوّة ولا حيلة، وإذا صاح الفهد يقول: يا عزيز يا جبّار يا متكبّر يا الله، وإذا صاح الجمل يقول: سبحان مذل الجبّارين سبحانه. وإذا صهل الفرس يقول: سبحان ربّنا سبحانه، وإذا صاح الذئب يقول: ما حفظ الله فلن يضيع أبداً، وإذا صاح ابن آوى يقول: الويل الويل الويل للمذنب المصر، وإذا صاح الكلب يقول: كفى بالمعاصي ذلاً، وإذا صاح الأرنب يقول: لا تهلكني يا الله لك الحمد، وإذا صاح الثعلب يقول: الدنيا دار غرور. وإذا صاح الغزال يقول: نجّني من الأذى، وإذا صاح الكركدن يقول: أغثني وإلاّ هلكت يا مولاي، وإذا صاح الإبل يقول: حسبي الله ونعم الوكيل حسبي، وإذا صاح النمر يقول: سبحان من تعزّز بالقدرة سبحانه، وإذا سبّحت الحيّة تقول: ما أشقى من عصاك يا رحمان، وإذا سبّحت العقرب تقول: الشر شيء وحش.
ثمّ قال عليه السّلام: ما خلق الله من شيء إلاّ وله تسبيح يحمد به ربّه، ثمّ تلا هذه الآية: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ. (الإسراء: 44).
فصاحته وبلاغته عليه السلام
تربى الإمام الحُسين عليه السّلام بين أحضان جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله، الذي كان أفصح مَنْ نطق بالضاد، ثمّ انتقل إلى حضن أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام، الذي كان كلامه بعد كلام النّبيّ صلّى الله عليه وآله، ودون كلام الخالق، ناهيك عن كلام أُمّه الزهراء عليها السّلام، التي تفرغ عن لسان أبيها، فلا غرو أن نجد الحُسين عليه السّلام أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء.
وقد تجلى ذلك في واقعة عاشوراء، عندما اشتد الخطب وعظم البلاء وضاق الأمر، فلم يتزعزع ولم يضطرب، وخطب بجموع أهل الكوفة، بقلب ثابت ولسان طليق ينحدر منه الكلام كالسيل، فلم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه، حتّى قال فيه عدوّه: ويلكم كلّموه فإنه ابن أبيه، والله لو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما حصر.
حكمته عليه السلام
ورد عن الإمام الحُسين عليه السّلام مجموعة قيمة من الحكم القصار التي أسدا بها لتكون منارا وهداية وشعارا لنا وللاجيال السابقة عنا واللاحقة لنا نستضيء بها في دروبنا الوعرة تحمل في طياتها ألوانا من الأخلاق والعرفان والآداب والكمال والحث على الفضائل، و.... وما أحوجنا للعمل بها , واليكم البعض منها:
1 - قال عليه السّلام: شر خصال الملوك الجبن عن الأعداء، والقسوة على الضعفاء، والبخل عن الإعطاء.
2ـ قال عليه السّلام: إِذا كانَ يَوم القيامةِ نَادَى مُنادٍ: أيُّهَا الناس مَن كَانَ لَهُ عَلى اللهِ أجرٌ فَليَقُم، فَلا يَقُومُ إِلاَّ أهلُ المَعرُوف.
3ـ قال عليه السّلام: من سرّه أن ينسأ في أجله، ويزاد في رزقه فليصل رحمه.
4 - وقال عليه السّلام: صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك، فأكرم وجهك عن رده.
5ـ قال عليه السّلام: البُكَاءُ مِن خَشيةِ اللهِ نَجاةٌ مِن النار.
6ـ قال عليه السّلام: يا هذا لا تجاهد في الرزق جهاد المغالب، ولا تتكل على القدر اتكال مستسلم، فإنّ ابتغاء الرزق من السّنة، والإجمال في الطلب من العفّة، ليست العفّة بممانعة رزقاً، ولا الحرص بجالب فضلاً، وإنّ الرزق مقسوم، والأجل محتوم، واستعمال الحرص طلب المأثوم.
7 ـ قال عليه السّلام: موتٌ في عِزٍّ خَيرٌ مِن حَياةٍ في ذُلٍّ.
8ـ قال عليه السّلام: اللَّهُمَّ لا تَستَدرِجنِي بالإحسان، ولا تُؤَدِّبني بِالبَلاء.
9ـ قال عليه السّلام: أَيْ بُنَي، إِيَّاكَ وَظُلم مَن لا يَجِدُ عَليك ناصراً إلاّ الله عَزَّ وَجلَّ.
10ـ قال عليه السّلام: مَن قَبلَ عَطاءَك فَقَد أعَانَكَ عَلى الكَرَم.
11ـ قال عليه السّلام: دَعْ مَا يُريبُكَ إلى مَا لا يُريبك، فإنَّ الكذبَ رِيبَةٌ، وَالصدقُ طُمَأنينَة.
12ـ قال عليه السّلام: إِيَّاك وما تَعتَذِرُ مِنه، فإِنَّ المُؤمنَ لا يُسيءُ ولا يَعتَذِر، وَالمُنَافق كُل يوم يُسيءُ وَيعتذر.
13ـ قال عليه السّلام: مَا أخذَ اللهُ طَاقَة أَحَدٍ إِلاّ وَضع عَنه طَاعَته، ولا أخَذَ قُدرتَه إِلاَّ وَضَعَ عنه كُلفَتَه.
14ـ قال عليه السّلام: خَمسٌ مَن لَم تَكُن فِيه لَم يَكُن فِيه كثير: مُستمتع العقل، والدِين، والأَدَب، والحَيَاء، وَحُسنُ الخُلق.
15ـ قال عليه السّلام: مَن حَاولَ أمراً بمعصيةِ اللهِ كَان أفوَت لِما يَرجُو، وَأسرَع لِما يَحذَر.
16ـ قال عليه السّلام: مِن دَلائِل عَلامات القَبول الجُلوس إلى أهلِ العقول، ومِن علامات أسبابِ الجَهل المُمَارَاة لِغَير أهلِ الكفر، وَمِن دَلائل العَالِم انتقَادُه لِحَديثِه، وَعِلمه بِحقَائق فُنون النظَر.
17ـ قال عليه السّلام: إِنَّ المؤمنَ اتَّخَذ اللهَ عِصمَتَه، وقَولَه مِرآتَه، فَمَرَّةً ينظر في نَعتِ المؤمنين، وتَارةً ينظرُ في وصف المُتَجبِّرين، فَهو منهُ فِي لَطائِف، ومن نَفسِه في تَعارُف، وَمِن فِطنَتِه في يقين، وَمن قُدسِه عَلى تَمكِين.
18ـ قال عليه السّلام: إِذا سَمعتَ أحداً يَتَناولُ أعراضَ الناسِ فاجتَهِد أنْ لا يَعرِفك.
19- وقال عليه السّلام لرجل اغتاب عنده رجلاً: يا هذا كف عن الغيبة، فإنها إدام كلاب النار.
20ـ تكلّم رجل عنده عليه السّلام فقال: إنّ المعروف إذا أُسدِي إلى غير أهله ضَاع.
21 ـ قال عليه السّلام: العاقلُ لا يُحدِّث من يُخافُ تَكذيبُه، ولا يَسألُ مَن يُخافُ مَنعُه، ولا يَثِقُ بِمن يُخافُ غَدرُه، وَلا يَرجو مَن لا يُوثَقُ بِرجَائِه.
22ـ قال عليه السّلام: البَخيلُ مَن بَخلَ بالسَلام.
23ـ قال عليه السّلام: الاستدراج من الله سبحانه لعبده ان يسبغ عليه النعم ويسلبه الشكر.
24ـ قال عليه السّلام: مَن أحجَم عَن الرأي وَأعيَتْ لَهُ الحِيَل كَانَ الرفقُ مِفتَاحُه.
25ـ قال عليه السّلام: إنّ حوائج النّاس إليكم من نعم الله عليكم، فلا تملّوا النعم فتعود نقماً.
26ـ قال عليه السّلام: إنّ الحلم زينة، والوفاء مروّة، والصلة نعمة، والاستكبار صلف، والعجلة سفه، والسفه ضعف، والغلو ورطة، ومجالسة أهل الدناءة شر، ومجالسة أهل الفسق ريبة.
خطبه عليه السلام
توجد للامام عدة خطب قصار وطوال اخترنا منها:
خطبته عليه السّلام يوم عاشوراء
لمّا نظر الحُسين عليه السّلام يوم عاشوراء إلى جمعهم كأنّه السّيل, رفع يديه بالدعاء وقـــال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة كم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصّديق ويشمت فيه العدو أنزلته بك وشكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك فكشفته وفرجته فأنت ولي كل نعمة ومنتهى كل رغبة.
ثمّ دعا براحلته فركبها ونادى بصوت عال يسمعه جلّهم: أيّها النّاس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو حق لكم عليّ وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم فان قبلتم عذري وصدقتم قولي وأعطيتموني النّصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد ولم يكن لكم عليّ سبيل وان لم تقبلوا مني العذر ولم تعطوا النّصف من أنفسكم فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمة ثمّ اقضوا إلي ولا تنظرون إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصّالحين.
فلما سمعن النّساء هذا منه صحن وبكين وارتفعت أصواتهن فأرسل إليهن أخاه العباس وابنه علياً الأكبر وقال لهما سكتاهن فلعمري ليكثر بكاؤهن ولما سكتن حمد الله وأثنى عليه وصلّى على مُحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم وعلى الملائكة والأنبياء وقال في ذلك ما لا يحصى ذكره ولم يسمع متكلم قبله ولا بعده أبلغ منه في منطقه ثمّ قال:
الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفةً بأهلها حالاً بعد حال فالمغرور من غرته والشّقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها وأراكم قد اجتمعتم على أمر أرى أنكم قد أسخطتم الله فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمته وجنبكم رحمته فنعم الرّب ربنا وبئس العبيد أنتم أقررتم بالطّاعة وآمنتم بالرّسول مُحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم ثمّ إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشّيطان فأنساكم ذكر الله العظيم فتبّاً لكم ولما تريدون إنا لله وإنا إليه راجعون هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعداً للقوم الظّالمين أيّها النّاس انسبوني من أنا ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي السّت ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق برسوله بما جاء من عند ربه أوليس حمزة سيد الشّهداء عم أبي أو ليس جعفر الطّيار عمي أو لم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي هذان سيدا شباب أهل الجنة فإن صدقتموني بما أقول وهو الحق والله ما تعمدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ويضر به من اختلقه وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سالتّموه عن ذلك أخبركم سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد السّاعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي أما في هذا حـاجـز لكم عن سفك دمي؟
فقال الشّمر: هو يعـبد اللّه على حــرف إنْ كـان يدري ما يقول. فقال له حبيب بن مظـاهر والله اني أراك تعبد الله على سبعين حرفاً وأنا أشهد انك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك.
ثمّ قال الحُسين: إن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أني ابن بنت نبيكم فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة.
فأخذوا لا يكلمونه فنادى:
يا شبث بن ربعي ويا حجار بن أبجر ويا قيس بن الأشعث ويا زيد بن الحارث ألم تكتبوا إلي أن أقدم قد أينعت الثّمار واخضر الجناب وإنما تقدم على جند لك مجندة.
فقالوا لم نبعث. قال: سبحان الله بلى والله لقد فعلتم. ثمّ قال: أيّها النّاس إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم الى مأمني من الأرض.
فقال له قيس بن الأشعث: أولا تنزل على حكم بني عمك فإنهم لن يروك إلا ما تحب ولن يصل إليك منهم مكروه.
فقال الحُسين: أنت أخو أخيك أتريد أن يطلبك بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد، عباد الله إني عذت بربي وربكم أن ترجمون أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب.
خطبته الثّانية عـليه السّلام يوم عاشوراء
ثمّ إنّ الحُسين ركب فـرسه، وأخـذ مصـحفاً ونشـره عـلى رأسه، ووقـف بـإزاء القـوم وقال: يـا قوم إن بيني وبينكـم كتـاب اللّه وسـنّة جـدّي رســول اللّه صلّى اللّه عـليـه وآله.
ثمّ استــشـهدهم عن نفـسه المقـدّسة، وما عـليـه مـن سـيف النّبيّ ودرعه وعمامتـه، فأجـابوه بالتّصـديق. فسألهم عمّا أقدمهم على قتله قالوا: طاعةً للأمير عبيد اللّه بن زياد فـقـال عـليه السّلام: تـبـاً لكم أيّتها الجـماعة وترحـاً أحين استصـرخـتمونا والهين، فأصرخـناكم موجفين، سللتـم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحـششتم عـلينا ناراً اقـتـدحـناها على عدوّنا وعدوّكم فـأصـبـحتم ألباً لأعدائكم علـى أوليـائكـم، بــغـير عـدل أفـشــوه فيكم، ولا أمل أصـبـح لكم فيهم، فهلاّ لكم الويلات تركتمونا والسّيف مشيم والجأش طامن والرّأي لما يستصحــف، ولكـن أسـرعـتـم إليـهـا كطـيرة الدبــأ، وتـداعيتم عليها كتهافـت الفراش ثمّ نـقـضـتـموها فـسـحـقاً لكـم يا عـبـيد الأمة، وشـذاذ الأحزاب، ونبذة الكـتـاب، ومـحـرّفـي الكلم، وعـصـبة الإثـم، ونفثـة الشّـيطـان، ومطفئي السّـنن ويحـكم أهؤلاء تـعـضـدون، وعنا تتخـاذلون أجـلْ واللّه غـدر فيكـم قـديـم، و شجت عـليه اصـولكـم، وتأزرت فـروعكم فكنـتم أخـبث ثمر شــجٍ للنـاظـر، وأكـلة للغـاصـب. ألا وإنّ الدّعـي بـن الدّعي يعني ابـن زيـاد قـدْ ركـز بــين اثــنتــين، بـين السّـّلة والذّلة، وهـيهات مـنّا الذّلــة يـأبـى اللّه لنـا ذلك ورسـوله والمـؤمنون، وحـجـور طـابت وحجور طهرت وانوف حـمية، ونفوس أبـية من أن نؤثـر طـاعـة اللئام على مصـارع الكرام ألا وإنـي زاحـف بــهـذه الاسـرة عـلى قـلة العدد وخـذلان النّاصـر.
ثمّ انشد أبيات فروة:
فإن نهزم فهزّامون قدما** وإن نهْزم فغير مهزّمينا
وما ان طبنا جبْن ولكن** منايانا ودولة آخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا**سيلقى الشّامتون كما لقينا
أمـا واللّه لا تـلبــثـون بـعـدها إلاّ كـريـثما يركب الفـرس، حتّى تدور بكم دور الرّحـى، وتـقلق بـكم قلق المحور، عهد عهده اليّ أبي عن جـدّي رسول اللّه صلّى اللّه عـليه وآله وسـلم فـأجـمعوا أمركـم وشـركاء كم ثمّ لا يكـن أمـركـم عـليكم غـمّة، ثمّ اقـضـوا إليّ ولا تـنـظـرون. إني تـوكلت على اللّه ربّي وربكّم، ما من دابة إلاّ هــو آخــذ بناصــيتـــها، إنّ ربّي عــلى صراط مسـتـقـيم. ثمّ رفـع يديه وقال: اللّهم احـبـس عنهم قطـر السّماء، وابعث عـليـهـم سـنـين كـسـنيّ يوسـف وسلّط عليهم غـلام ثــقـيف يسقيهم كأساً مـصـبـّرة فـإنهم كـذّبونا وخـذلونا، وأنت ربّنا عـليك توكّلنا وإليك المصير.
عبادته عليه السلام
اتجه الإمام الحُسين عليه السّلام بعواطفه ومشاعره نحو الله عز وجل، فقد تفاعلت جميع ذاتيّاته عليه السّلام بحب الله والخوف منه.
ويقول المؤرخون: إنه عليه السّلام عمل كل ما يقرّبه إلى الله تعالى، فكان عليه السّلام كثير الصلاة، والصوم، والحج، والصدقة، وأفعال الخير.
ونعرض لبعض ما أُثِر عنه عليه السّلام من عبادته، واتجاهه نحو الله:
أوّلاً: خوفه عليه السّلام من الله تعالى
كان الإمام عليه السّلام في طليعة العارفين بالله، وكان عظيم الخوف منه، شديد الحذر من مخالفته، حتّى قال له بعض أصحابه: ما أعظم خوفك من ربك؟
فقال عليه السّلام: لا يَأمنُ يوم القيامة إلا مَن خافَ الله في الدنيا.
وكانت هذه سيرة المتقين الذين أضاءوا الطريق، وفتحوا آفاق المعرفة.
ثانياً: كثرة صلاته وصومه عليه السّلام
كان عليه السّلام أكثر أوقاته مشغولاً بالصلاة والصوم، فكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة كما حَدّث بذلك ولده زين العابدين.
وتحدث ابن الزبير عن عبادة الإمام عليه السّلام فقال: أمَا والله لقد قتلوه طويلاً بالليل قيامُه، كثيراً في النهار صومُه.
ثالثاً: حجّه عليه السّلام
كان الإمام عليه السّلام كثير الحج، وقد حج عليه السّلام خمساً وعشرين حجة ماشياً على قدميه، وكانت نجائِبُه تُقاد بين يديه، وكان يمسك الركن الأسود ويناجي الله ويدعو قائلاً: إِلَهي أنعمْتَني فَلَم تجِدْني شاكراً، وابْتَليتَني فلم تَجِدني صابراً، فلا أنتَ سَلبْتَ النِّعمَة بتركِ الشكر، ولا أدمْتَ الشِّدَّة بترك الصَّبر، إِلَهي ما يَكونُ من الكريمِ إلا الكرم.
وخرج عليه السّلام معتمراً لبيت الله فمرض في الطريق، فبلغ ذلك أباه أمير المؤمنين عليه السّلام وكان في المدينة المنورة، فخرج عليه السّلام في طلبه، فأدركه في السقيَا وهو عليه السّلام مريض، فقال له: يَا بُني ما تشتكي ؟
فقال الإمام الحُسين عليه السّلام: أشتَكِي رَأسي.
فدعا أمير المؤمنين بِبدنَةٍ فنحرها، وحلق عليه السّلام رأسه وَردّه إلى المدينة، فلما شُفي عليه السّلام من مرضه قَفل راجعاً إلى مكة واعتَمَر.
هذا بعض ما أُثِر من طاعته وعبادته عليه السّلام.
صبره عليه السلام
من الأمور الفَذَّة التي تَفرَّد بها سيد الشهداء الإمام الحُسين عليه السّلام هي الصبر على نوائب الدنيا وَمِحَن الأيام.
فقد تجرَّع عليه السّلام مَرارة الصبر منذ أن كان طفلاً، فرزئ بِجدِّه النّبيّ الأكرم مُحمّد صلّى الله عليه وآله وأمّه فاطمة الزهراء عليها السّلام، وشاهد الأحداث الرهيبة التي جرت على أبيه أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السّلام وما عاناه من المحن والخطوب. كما وتَجرَّع مَرَارة الصبر في عهد أخيه الإمام الحسن عليه السّلام وهو ينظر إلى خُذلانِ جَيشه لَه، وغَدرهم بِه، حتّى أُرغِم عليه السّلام على الصلح.
فبقي الحُسين عليه السّلام مع الحسن عليه السّلام يشاركه في مِحَنه وآلامه حتّى اغتالَهُ معاوية بالسم، وَرَامَ أن يُوارَى جثمانه بجوار جَدِّه صلّى الله عليه وآله، فَمَنعتهُ بنو أمية، فكان ذلك من أشَقِّ المِحنِ عليه.
ومن أعظم الرزايا التي صَبر عليها أنه عليه السّلام كان يرى انتقاض مبادئ الإسلام وما يوضع على لِسان جَده صلّى الله عليه وآله من الأحاديث المُنكَرة التي تغيّر وتبدّل شريعة الله.
ومن الدواهي التي عاناها عليه السّلام أنه كان يسمع سَبَّ أبيه الإمام عليّ عليه السّلام، وانتقاصه على كل هذه الرزايا والمصائب.
وتواكبت عليه المِحَن الشاقة في يوم العاشر من المُحرَّم، فلم يكد ينتهي عليه السّلام من مِحنة حتّى تطوف به مجموعة من الرزايا والآلام.
فكان يقف على الكواكب المشرقة من أبنائه وأهل بيته عليهم السّلام، وقد تَنَاهَبَت السيوف والرماح أشْلاءهُم، فيخاطبهم عليه السّلام بِكُل طُمَأنينة وثَبَات: صَبراً يا أهلَ بَيتي، صَبراً يَا بَني عُمُومَتِي، لا رَأيتُم هَواناً بَعدَ هَذا اليوم.
وقد بَصر شقيقته أمّ المصائب عقيلة بني هاشم زينب الكبرى عليها السّلام وقد أذهَلَتها الخطوب ومَزَّق الأسى قَلبُها، فَسارَعَ عليه السّلام إليها، وأمرَهَا بالخلود إلى الصبر والرضا بما قَسَم اللهُ.
ومن أهوال تلك الكوارث التي صبر الإمام عليه السّلام عليها أنه كان يرى أطفاله وعياله وهم يَضجّون من ألم الظمَأ القاتل، ويستغيثُون به من العطش، فكان عليه السّلام يأمرهم بالصبر والاستقامة، ويخبرهم بالعاقبة المشرقة التي يؤول إليها أمرهم بعد هذه المِحَن المؤلمة.
وقد صَبر عليه السّلام على مُلاقاة الأعداء الذين مَلأتِ الأرضَ جُمُوعُهُم المُتَدفِّقَة، وهو عليه السّلام وَحده يتلقَّى الضرب والطعن من جَميع الجهات، قد تَفَتَّتَ كبده من العطش وهو غير حافل بذلك كُله.
فقد كان صبره عليه السّلام وموقفه الصلِب يوم الطف من أندر ما عرفته الإنسانية.
فيقول الأربلي: شَجاعةُ الحُسين عليه السّلام يُضرَبُ بها المَثَل، وصَبرُهُ في الحرب أعجزَ الأوائلَ والأواخِرَ.
فإن أي واحدةٍ من رزاياه لو ابتلى بها أي إنسان مهما تَدرَّعَ بالصبر والعزم وقوة النفس لأوهنت قُواه، واستسلم للضعف النفسي.
ولكنه عليه السّلام لم يَعْنَ بما ابتُلِي به في سبيل الغاية الشريفة التي سَمَت بِرُوحه أن تستسلم للجَزَع أو تَضرَعُ للخطوب.
ويقول المؤرخون: إنه عليه السّلام تَفرَّد بهذه الظاهرة، فلم تُوهِ عزمَهُ الأحداثُ مهما كانت، لقد رضى بقضاء الله، واستسلم لأمره، وهذا هو جوهر الإسلام، ومنتهى الإيمان.
شعره عليه السلام
هناك مجموعة من أبيات الشعر منسوبة إلى الإمام الحسين عليه السّلام، نذكر منها:
ممهّدات السبق
سـبقت العالمين إلى المعالي** بحسـن خليقة وعلوّ همّة
ولاح بحكمتي نور الهدى في** ليال في الضلالة مدلهمّة
يريـد الجاحـدون ليطفؤوه** ويأبـى الله إلاّ أن يتمّـه
ثواب الله أعلى
فإن تكـن الدنيـا تعدّ نفيسـة** فإنّ ثـواب الله أعلـى وأنبـل
وإن يكن الأبدان للموت أنشأت** فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل
وإن يكن الأرزاق قسماً مقدّراً** فقلّة سعي المرء في الكسب أجمل
وإن تكن الأموال للترك جمعها **فما بال متروك به المرء يبخـل
للعزّة ? للذلّة
سأمضي وما بالموت عار على الفتى** إذا ما نوى حقّاً وجاهد مسلماً
وواسى الرجال الصـالحين بنفسـه** وفارق مثبوراً وخالف مجرماً
فإن عشـت لم أندم وإن متّ لم ألم** كفى بك موتاً أن تذلّ وترغما
? تسأل أحداً
إذا ما عضّـك الدهر فلا تجنـح إلى خلقٍ** ولا تسأل سوى الله تعالى قاسم الرزق
فلو عشت وطوّفت من الغرب إلى الشرق** لما صادفت من يقدر أن يسعد أو يشقى
الله الكافي
ذهـب الذيـن احبّهـم ** وبقيت فيمن ? أحبه
فيمـن أراه يسـبّنـي ** ظهر المغيب ولا أسبّه
يبغي فسادي ما استطاع ** وأمره ممّا لا أربـه
حنقاً يدبّ إلى الضـرا ** وذاك ممّـا لا أدبّـه
ويرى ذباب الشرّ من ** حولي يطـن ولا يذبّه
وإذا خبا وغر الصدور ** فلا يزال بـه يشـبّه
أفـلا يعيـج بعقلـه ** أفلا يثوب إليـه لبّـه
أفلا يـرى أنّ فعلـه ** ممّا يسـور إليه غبّـه
حسـبي بربّـي كافياً ** ما اختشى والبغي حسبه
ولقلّ من يبغـي عليه ** فمـا كفـاه الله ربّـه
زن كلامك
ما يحفظ الله يصـن ** ما يضـع الله يهـن
من يسـعد الله يلـن ** له الزمـان خشـن
أخي اعتبر ? تغترر ** كيف ترى صرف الزمن
يجزى بما أوتي من ** فعل قبيح أو حسـن
افلح عبـد كشـف ** الغطاء عنـه ففطن
وقرّ عيناً مـن رأى ** أنّ البلاء في اللسن
فما زن ألفاظـه في ** كـل وقـت ووزن
وخاف من لسـانـه ** غرباً حديداً فخـزن
ومن يكن معتصـماً ** بالله ذي العرش فلـن
يضـرّه شـيء ومن ** يعدى على الله ومـن
من يأمـن الله يخف ** وخائــف الله أمـن
وما لما يثمره الخوف ** مــن الله ثمــن
يا عالـم السـرّ كما ** يعلم حقّـاً ما علـن
صلّ على جدّي أبي ** القاسم ذي النور المنن
أكرم مـن حيّ ومـن ** لفّف ميتاً فـي كفن
وأمنن علينا بالرضـا ** فأنت أهـل للمنـن
وأعفنـا فـي ديننـا ** من كل خسرٍ وغبن
ما خاب من خاب كمن ** يوماً إلى الدنيا ركن
طوبي لعبـد كشـفت ** عنه غبابات الوسن
والموعد الله وما يقض ** بــه الله يكــن
العار ولا النار
الموت خير من ركوب العار ** والعار خير من دخول النار
والله ما هذا وهذا جاري
جوده وسخاؤه عليه السلام
من مزايا الإمام الحُسين عليه السّلام الجود والسخاء، فقد كان الملاذ للفقراء والمحرومين، والملجأ لمن جارت عليه الأيام، وكان يُثلِج قلوب الوافدين إليه بِهِبَاتِه وعَطَايَاه.
يقول كمال الدين بن طلحة:
وقد اشتهر النقل عنه أنه عليه السّلام كان يكرم الضيف، ويمنح الطالب، ويصل الرحم، ويسعف السائل، ويكسوا العاري، ويشبع الجائع، ويعطي الغارم، ويشد من الضعيف، ويشفق على اليتيم، ويغني ذا الحاجة، وقَلَّ أن وَصَلَه مَال إلا فَرَّقَه، وهذه سَجيَّة الجواد، وشِنشِنَه الكريم، وسِمَة ذي السماحة، وصفة من قد حوى مكارم الأخلاق، فأفعاله المَتلُوَّة شاهدة له بِصُنعِه الكرم، ناطقةً بأنه متصف بمَحاسِن الشيَم.
نقل المؤرخون، ما نصه:
كان عليه السّلام يحمل في دُجَى الليل السهم الجراب، يملؤه طعاماً ونقوداً إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين، حتّى أَثَّر ذلك في ظَهرِه، وكان يُحمَل إليه المتاع الكثير فلا يقوم حتّى يَهبُ عَامَّتَه.
وقد عرف معاوية فيه هذه الظاهرة فأرسل إليه عليه السّلام بهدايا وألطاف كما أرسل إلى غيره من شخصيات المدينة، وأخذ يحدث جلساءه بما يفعله كل واحد منهم بتلك الألطاف فقال في الحُسين عليه السّلام: أما الحُسين، فيبدأ بأيتام من قُتِل مع أبيه بِصِفِّين، فإن بقي شيء نَحرَ به الجزُور، وسقى به اللبن.
وعلى أي حال فقد نقل المؤرخون بوادر كثيرة من جود الإمام عليه السّلام وسخائه، ونذكر بعضها:
قضاء دين اسامة بن زيد
مرض أسامة بن زيد مرضه الذي توفي فيه، فدخل عليه الإمام عليه السّلام عائداً، فلما استقر به المجلس قال أسامة: واغَمَّاه.
فقال الإمام عليه السّلام: مَا غَمّك ؟
فقال أسامة: دَيْني، وهو ستّون ألفاً.
فقال الإمام عليه السّلام: هُوَ عليّ.
فقال أسامة: أخشى أن أموت قبل أن يُقضى.
فأجابه الإمام عليه السّلام: لَن تَموتَ حتّى أَقضِيهَا عَنك.
فبادر الإمام عليه السّلام فقضاها عنه قبل موته، وقد غضَّ طرفه عن أسامة فقد كان من المُتخلِّفين عن بيعة أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام، فلم يجازيه عليه السّلام بالمِثل، وإنما أغدق عليه بالإحسان.
عتقه عليه السلام جارية له
روى أنس قال: كنت عند الحُسين عليه السّلام فدخلت عليه جارية بيدها طاقة رَيحانة فَحَيَّتهُ بها، فقال عليه السّلام لها: أنتِ حُرَّة لِوجه الله تعالى.
فَبُهِر أنس وانصرف وهو يقول: جَاريةٌ تجيئُكَ بِطَاقَة رَيحانٍ فَتَعتِقها؟
فأجابه الإمام عليه السّلام: كَذا أدَّبَنا اللهُ، قال تبارك وتعالى: وَإِذَا حُيِّيْتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا وكان أحسَنَ منها عِتقُهَا.
وبهذا السخاء والخلق الرفيع مَلَك عليه السّلام قلوب المسلمين، وهَاموا بِحُبِّه وَوِلائِه عليه السّلام.
قضاء ديّة أعرابي
كان الإمام الحُسين عليه السّلام جالساً في مسجد جَده رسول الله صلّى الله عليه وآله وذلك بعد وفاة أخيه الإمام الحسن عليه السّلام، وكان عبد الله بن الزبير جالساً في ناحية منه، كما كان عتبة بن أبي سفيان جالساً في ناحية أخرى منه.
فجاء أعرابي غارم على نَاقة فَعَقَلها ودخل المسجد، فوقف على عتبة بن أبي سفيان، فَسلَّمَ عليه، فَردَّ عليه السّلام، فقال له الأعرابي: إني قَتلتُ ابن عَمٍّ لي، وطُولِبتُ بالديَّة، فهل لَكَ أن تعطيَني شيئاً؟.
فرفع عُتبة إليه رأسه وقال لغلامه: ادفع إليه مئة درهم.
فقال له الأعرابي: ما أريدُ إلا الديَّة تامة.
فلم يَعنَ به عتبة، فانصرف الأعرابي آيساً منه.
فالتقى بابن الزبير فَعرض عليه قصته، فأمر له بمِائتي درهم، فَردَّها عليه.
وأقبل نحو الإمام الحُسين عليه السّلام، فرفع إليه حاجته.
فأمر عليه السّلام له بعشرة آلاف درهم، وقال له: هَذهِ لِقضاء ديونَك.
وأمر عليه السّلام له بعشرة آلاف درهم أخرى وقال له: هَذه تَلُم بها شَعثَك، وَتُحسِّن بها حَالك، وتنفقُ بها على عِيَالِك.
فاستولت على الأعرابي موجاتٌ من السرور واندفع يقول:
طَربتُ وما هَاج لي معبقُ وَلا لِي مقَامٌ ولا معشَقُ
وَلكِنْ طَربتُ لآلِ الرَّسولِ فَلَذَّ لِيَ الشِّعرُ وَالمَنطِقُ
هُمُ الأكرَمون الأنجَبُون نُجومُ السَّماءِ بِهِم تُشرِقُ
سَبقتَ الأنامَ إلى المَكرُمَاتِ وَأنتَ الجَوادُ فَلا تُلحَقُ
أبوكَ الَّذي سَادَ بِالمَكرُمَاتِ فَقصَّرَ عَن سِبقِه السُّبَّقُ
بِه فَتحَ اللهُ بَابَ الرَّشاد وَبابُ الفَسادِ بِكُم مُغلَقُ
الإمام مع الأعرابي
قصد الإمام عليه السّلام أعرابيٌّ فَسلَّم عليه، وسأله حاجته وقال: سمعتُ جدَّك صلّى الله عليه وآله يقول: إِذا سَألتُم حَاجَة فَاسْألوُها مِن أربعة: إِمَّا عَربيّ شريف، أَو مَولىً كَريم، أوْ حَامِلُ القُرآن، أو صَاحِبُ وَجه صَبيحٍ.
فَأما العَربُ فَشُرِّفَت بِجَدك صلّى الله عليه وآله، وأما الكرمُ فَدَأبُكم وَسيرتكم، وأما القرآن فَفِي بيوتِكُم نَزَل.وأما الوجه الصبِيح فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: إِذا أردتُم أنْ تَنظُروا إِليَّ فَانظُروا إِلى الحَسَنِ وَالحُسَين.
فقال له الحُسين عليه السّلام: ما حاجتك ؟
فَكتبها الأعرابي على الأرض، فقال له الحُسين عليه السّلام: سَمِعتُ أبي عَلياً عليه السّلام يَقول: المَعرُوفُ بِقَدر المعرفة.
فأسألُكَ عَن ثلاث مَسائلٍ، إِن أجبتَ عن واحدةٍ فَلَكَ ثُلث ما عِندي، وإِن أجبتَ عَن اثنين فَلَك ثُلثَا مَا عِندي، وإِن أجبتَ عَن الثَّلاث فَلَكَ كُل مَا عِندي، وَقَد حُمِلَت إِليَّ صرَّة من العِراق.
فقال الأعرابي: سَلْ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فقال الإمام عليه السّلام: أيّ الأعمالِ أفضلُ ؟
فقال الأعرابي: الإيمان بالله.
فقال الإمام عليه السّلام: ما نَجَاةُ العَبدِ مِن الهَلَكة ؟
فقال الأعرابي: الثقة بالله.
فقال الإمام عليه السّلام: مَا يزينُ المَرء ؟
فقال الأعرابي: عِلمٌ معهُ حِلمٌ.
فقال الإمام عليه السّلام: فإن أَخطأه ذَلك ؟
فقال الأعرابي: مَالٌ معهُ كَرمٌ.
فقال الإمام عليه السّلام: فإِن أَخطأه ذلك.
فقال الأعرابي: فَقرٌ معهُ صَبرٌ.
فقال الإمام عليه السّلام: فإن أَخطأه ذلك.
فقال الأعرابي: صَاعقةٌ تنزل من السماء فَتُحرقه.
فضحك الإمام عليه السّلام ورمى إليه بِالصرَّة.
أدبه عليه السلام
مع أن الإمام الحُسين عليه السّلام، خبر حياة خاصة، شحنت بأحداث سياسية، انتهت باستشهاده بالنحو المعروف، الا انه يظل امتداداً لجده وأبيه وأخيه من حيث "المعرفة" وكذلك الاقتدار الفني في التعبير. فمن حيث المعرفة، نجد أن احد خصومه وهو نافع بن الأزرق، فيما يعده المؤرخون خطيب الخوارج ومتكلمهم، قد اضطر الى الاشادة به كما اضطر الحسن البصري في الاشادة بأخيه الحسن عليه السّلام بنحو ما لحظنا ذلك في فصل سابق، حيث خاطبه قائلاً: لقد كنتم منار الاسلام ونجوم الأحكام، وخاطبه أيضاً: قد أنبأ الله تعالى عنكم أنكم خصمون وقال له: ما أحسن كلامك حينما طلب نافع من الحُسين عليه السّلام أن يصف الله تعالى. واما من حيث الاقتدار الفني في التعبير، فيكفي أن خصمه معاوية قد علق على كلام له عليه السّلام بقوله: ولكنها ألسّنة بني هاشم التي تفلق الصخر وتغرف من البحر، كما أن أحد قتلته وهو ابن سعد، علق على خطبة للامام عليه السّلام قالها يوم كربلاء: كلموه فانه ابن أبيه، ولو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما حصر، وحتى في أشد المواقف في يوم كربلاء، قال المؤرخون بأنه لم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده ابلغ في منطقه من الحُسين عليه السّلام..
طبيعياً، أن المعرفة والفن قد خص الله بهما أهل البيت عليهم السّلام بنحو لا ترديد فيه، الا اننا أشرنا الى اقوال الخصوم انفسهم لتوضيح الحقيقة التي قد يجهلها من لا حظ له من المعرفة...
حلمه وتواضعه عليه السّلام
فقد كان الحلم من أسمى صفات الإمام الحُسين عليه السّلام ومن أبرز خصائصه، فقد كان - فيما أجمع عليه الرواة - لا يقابل مسيئاً بإساءته، ولا مذنباً بذنبه.
وإنما كان عليه السّلام يغدق عليهم بِبرِّه ومعروفه، شأنه في ذلك شأن جده الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله الذي وَسع الناسَ جميعاً بأخلاقه وفضائله، وقد عُرف عليه السّلام بهذه الظاهرة وشاعت عنه.
نقل المؤرخون: إن بعض مواليه قد جنى عليه جناية توجب التأديب، فأمر عليه السّلام بتأديبه، فانبرى العبدُ قائلاً: يا مولاي، إن الله تعالى يقول: الكَاظِمِينَ الغَيْظَ.
فقابله الإمام عليه السّلام بِبَسماته الفيَّاضة وقال له: خَلّوا عَنه، فَقَد كَظمتُ غَيظِي.
وسارعَ العبدُ قائلاً: وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ.
فقال له الإمام عليه السّلام: قَد عَفوتُ عَنك.
وانبرى العبدُ يطلب المزيد من الإحسان قائلاً: وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ.
فأجابه الإمام عليه السّلام قائلاً: أنتَ حُرّ لِوَجهِ اللهِ.
ثمّ أمر عليه السّلام له بجائزة سَنيّة تُغنيهِ عن الحاجة ومَسألة الناس.
فقد كان هذا الخلق العظيم من مقوِّماته التي لم تنفكّ عنه عليه السّلام، وظلَّت ملازمةً له طوال حياته.
وَجَبلَ الإمام الحُسين عليه السّلام على التواضع، ومجافاة الأنانية والكبرياء، وقد وَرثَ هذه الظاهرة من جَدِّه الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله الذي أقام أصول الفضائل، ومعالي الأخلاق في الأرض.
وقد نقل الرواة بَوادر كثيرة من سُموِّ أخلاقه عليه السّلام وتواضعه.
فَمِنهَا: إنه عليه السّلام اجتاز على مساكين يأكلون في الصفة، فدعوه إلى الغداء فنزل عن راحلته، وتغذى معهم، ثمّ قال عليه السّلام لهم: قَد أجبتُكُم فَأَجِيبُونِي.
فَلبّوا كلامه وخفوا معه إلى منزله، فقال عليه السّلام لزوجه الرباب: أَخرِجي ما كُنتِ تَدَّخِّرين.
فأخرَجتْ الرباب ما عندها من نقودٍ فناولها عليه السّلام لهم.
ومنها: أنه عليه السّلام مَرَّ على فقراء يأكلون كسراً من أموال الصدقة، فَسلَّم عليهم فدعوه إلى طعامهم، فجلس معهم، وقال عليه السّلام: لَولا أنهُ صَدَقة لأكلتُ مَعكُم.
ثمّ دعاهم عليه السّلام إلى منزله، فأطعمهم وكَسَاهم وأمرَ لَهم بِدَراهم.
ومنها: أنه جرَت مشادة بين الإمام الحُسين عليه السّلام وأخيه مُحمّد بن الحنفية، فانصرف مُحمّد إلى داره وكتب إليه عليه السّلام رسالة جاء فيها:
أما بعد: فإن لك شرفاً لا أبلغُه، وفضلاً لا أُدركُه، أبونا عليّ عليه السّلام لا أفَضّلك فيه ولا تُفضّلني، وأمي امرأة من بني حنيفة، وأمك فاطمة عليها السّلام بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، ولو كان مِلءُ الأرض مثل أمِّي مَا وَفيْنَ بِأمِّك، فإذا قرأت رُقعتي هذه فالبَس رِدَاءك ونَعلَيك وَسِرْ إِليَّ، وتُرضِينِي، وَإيَّاك أن أكونَ سابقُكَ إلى الفضلِ الذي أنت أولَى بِه مِنِّي.
ولمّا قرأ الإمام الحُسين عليه السّلام رسالة أخيه سارع إليه، وتَرضَّاهُ، وكان ذلك من معالي أخلاقه وسُموِّ ذاته عليه السّلام.
شجاعته عليه السلام
لم يشاهد الناس في جميع مراحل التاريخ أشجع، ولا أربَطُ جأشاً، ولا أقوى جناناً من الإمام الحُسين عليه السّلام.
فقد وقف عليه السّلام يوم الطف موقفاً حيَّر فيه الألباب، وأذهل فيه العقول، وأخذت الأجيال تتحدثُ بإعجاب وإكبارٍ عَن بَسَالَتِه، وصَلابة عَزمه عليه السّلام، وقد بُهِر أعداؤه الجبناء بِقوَّة بَأسه.
فإنَّه عليه السّلام لم يضعف أمام تلك النكبات المذهلة التي أخذت تتواكب عليه، وكان يزداد انطلاقاً وبشراً كلما ازاداد الموقف بلاءً ومحنة.
فإنَّه عليه السّلام بعد ما فقد أصحابه وأهل بيته عليهم السّلام زحف عليه الجيش بأسره، وكان عدده - فيما يقول الرواة - ثلاثين ألفاً.
فحمل عليهم وَحدهُ وقد مَلَك الخَوفُ والرُعب قلوبهم، فكانوا ينهزمون أمامَه كالمعزى إذا شَدَّ عليها الذئب - على حَدِّ تعبير الرواة -.
وبقي عليه السّلام صامداً كالجبل، يتلقى الطعنَات من كل جانب، ولم يُوهَ له ركن، وإنما مضى في أمره استِبْسَالاً واستخفافاً بالمنية.
قال أحد شعراء أهل البيت عليهم السلام
فَتلقَّى الجُموعَ فرداً وَلكنْ***كُل عُضوٌ في الرَّوعِ منه جُموعُ
رُمحُه مِن بنَانِه، وَكأنَّ من***عَزمِهِ حَدُّ سَيفِه مَطبوعُ
زَوَّجَ السَّيفَ بالنفوسِ وَلكنْ***مَهرُها المَوتُ وَالخِضَابُ النَّجِيعُ
ولما سقط عليه السّلام على الأرض جريحاً وقد أعياه نزف الدماء تحامى الجيش بأسره من الإجهاز عليه رعباً وخوفاً منه عليه السّلام.
وقد صوَّر الشاعر ذلك المشهد بقوله:
عَفيراً مَتى عَايَنَتْهُ الكُمَاة***يَختَطِفُ الرُّعبُ أَلوَانَها
فَما أجلَت الحَربُ عَن مِثلِهِ***صَريعاً يُجَبِّنُ شُجعَانَها
وتغذى أهل بيته وأصحابه عليهم السّلام بهذه الروح العظيمة، فتسابقوا إلى الموت بشوقٍ وإخلاص، لم يختلجْ في قلوبِهم رُعب ولا خوف، وقد شَهدَ لهم عَدوُّهُم بالبَسَالة ورباطة الجأش.
فقد قيل لرجل شَهدَ يوم الطفِّ مع عمر بن سعد: وَيحك، أقَتَلتُم ذُرِّيَّة رَسولِ الله صلّى الله عليه وآله ؟!
فاندفع قائلاً: عَضَضْت بالجندل، إنك لو شهدتَ ما شهدنا لَفعلتَ ما فعلنا، ثارت علينا عِصابةٌ، أيديها في مَقابِض سيوفِها كالأُسُود الضارِية، تحطم الفرسان يميناً وشمالاً، وتُلقي أنفسَها على الموت، لا تقبلُ الأمانَ، ولا تَرغبُ في المال، ولا يحولُ حائِلٌ بينها وبين الوُرودِ على حِياضِ المَنِيَّة، والاستيلاءِ على المُلك، فَلَو كَفَفْنَا عنها رُوَيداً لأتَتْ على نفوس العسكر بِحذافيرِه، فَما كُنَّا فاعِلين؟! لا أمّ لَك !!.
ووصف أحد الشعراء هذه البسالة النادرة بقوله:
فَلو وَقَفَتْ صُمُّ الجبال مَكانَهم**لَمادَتْ عَلى سَهلٍ وَدَكَّت على وَعرِ
فَمِن قائمٍ يَستعرضُ النَّبلَ وجهُهُ**وَمِن مُقدِمٍ يَرمي الأَسِنَّة بِالصَّدرِ
وما أروع ما قاله السيد حيدر الحلي:
دَكُّوا رُبَاها ثمّ قالوا لَها**وَقد جَثَوا نَحنُ مَكانَ الرُّبَا
فقد تحدَّى أبو الأحرار عليه السّلام ببسالته النادرة الموت، فَسخَر منه، وهَزأ مِن الحياة.
وقد قال عليه السّلام لأصحابه حينما رأى سهام الأعداء تُمطِر عليهم: قُومُوا رَحِمَكُمُ اللهُ إلى المَوتِ الذي لا بُدَّ منه، فإنَّ هذه السِّهام رُسُل القَومِ إِليكُم.
فنرى أنه عليه السّلام قد دعا أصحابه إلى الموت كأنما هو يدعوهم إلى مأدبة لذيذة، وقد كانت لذيذة عنده حقاً، لأنه عليه السّلام ينازل الباطل، ويرتسم له بُرهَان رَبِّه الذي هو مَبدؤهُ عليه السّلام.
هيبته عليه السلام
وكانت عليه سِيمَاء الأنبياء عليهم السّلام، فكان عليه السّلام في هَيبته يَحكي هيبة جَدِّه صلّى الله عليه وآله التي تَعنُو لَها الجِبَاه.
ووصف عظيم هيبته بعض الجَلاَّدين من شُرطة ابن زياد بقولهم: لَقَد شَغَلَنا نُورُ وجهِهِ وجَمالُ هَيبتِه عن الفكرة في قتله.
ولم تحجب نور وجهه يوم الطف ضربات السيوف، ولا طَعنات الرماح، فكان كالبدر في بَهائه ونَضَارته، وفي ذلك يقول الشاعر الكعبي:
وَمُجَرَّحٌ ما غيَّرت منه القَنا*** حُسنـاً ولا أخلَقْنَ منه جَديدا
قَد كان بدراً فاغتَدَى شمسُ الضّحى***مُذْ ألبَسَتْه يد الدماء بُرودا
وَلما جِيءَ برأسه الشريف إلى الطاغية ابن زياد بُهِر بنور وجهه، فانطلق يقول: ما رأيتُ مثل هذا حُسناً !!.
وحينما عُرِض الرأس الشريف على يزيد بن معاوية ذُهِل من جمال هيبته وطفق يقول: ما رأيتُ وجهاً قط أحسنُ مِنه !!.
ولما تشرف عبد الله بن الحر الجعفي بمقابلته عليه السّلام امتلأت نفسه إكباراً وإجلالاً له، وراح يقول: ما رأيتُ أحداً قَط أحسَنُ، ولا أملأُ للعين من الحُسين عليه السّلام.
فقد بدت على ملامحه عليه السّلام سيماء الأنبياء عليهم السّلام، وبهاء المُتَّقين، فكان عليه السّلام يملأ عيون الناظرين إليه، وتنحني الجباه خضوعاً وإكبارا له عليه السّلام.
مكاتيبه عليه السلام
كتب عليه السّلام إلى معاوية بن أبي سفيان، كتاباً يعطينا صورة صادقة عما أصاب الأمة الاسلامية من تعسف واضطهاد مدة الحكم الأموي الجائر، جاء فيه:
أما بعد فقد بلغني كتابك، تذكر أنه قد بلغك عني أمور أنت لي عنها راغب، وأنا بغيرها عندك جدير، فإن الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلا الله؛ وأما ما ذكرت أنه انتهى إليك عني، فإنه إنما رقاه إليك الملاقون، المشاءون بالنميمة، وما أريد لك حرباً، ولا عليك خلافاً، وأيم الله إني لخائف الله في ترك ذلك، وما أظن الله راضياً بترك ذلك، ولا عاذر بدون الإعذار فيه إليك وفي أوليائك القاسطين الملحدين، حزب الظلمة، وأولياء الشيطان. ألست القاتل حجر أخا كندة والمصلين العابدين، الذين كانوا ينكرون الظلم، ويستعظمون البدع، ولا يخافون في الله لومة لائم، ثمّ قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلظة، والمواثيق المؤكدة أن لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم، ولا بإحنة تجدها في نفسك عليهم. أولست قاتل عمرو بن الحق صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، العبد الصالح الذي أبلته العبادة فأنحلت جسمه، وصفرت لونه، بعدما أمنته وأعطيته عهود الله ومواثيقه، أما لو أعطيته طائراً لنزل إليك من رأس الجبل، ثمّ قتله جرأة على ربك، واستخفافاً بذلك العهد. أولست المدعي زياد بن سمية، المولود على فراش عبيد ثقيف فزعمت أنه ابن أبيك، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر، فتركت سنة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم تعمداً، واتبعت هواك بغير هدى مَنّ الله، ثمّ سلطته على العراقين، يقطع أيدي المسلمين وأرجلهم، ويسمل أعينهم، ويصلبهم على جذوع النخل كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك. أولست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم كانوا على دين عليّ، فكتبت إليه: أن اقتل من كان على دين عليّ، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك ودين عليّ والله الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك وبه جلست مجلسك الذي جلست، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين..
وقلت فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولأمة مُحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم، واتق شق عصا هذه الأمة، وأن تردّهم إلى فتنة؛ وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها، ولا أعلم نظراً لنفسي ولديني ولأمة مُحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم علينا أفضل من أن أجاهدك، فإن فعلت فإنه قربة إلى الله، وإن تركته فإني أستغفر الله لذنبي، وأسأله توفيقه لإرشاد أمري.
وقلت فيما قلت: إني إن أنكرتك تنكرني، وإن أكدك تكدني، فكدني ما بدا لك فإن لأرجو أن لا يضرني كيدك فيَّ، وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك، لأنك قد ركبت جهلك، وتحرصت على نقض عهدك، ولعمري ما وفيت بشرط، ولقد نقضت عهدك بقتلك هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان، والعهود والمواثيق، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا، ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلنا، وتعظيمهم حقنا، قتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل أن يفعلوا، أو ماتوا قبل أن يدركوا، فابشر يا معاوية بالقصاص، واستيقن بالحاسب، واعلم أن لله تعالى كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وليس الله بناس لأخذك بالظنة وقتلك أوليائه على التهمة ونفيك أوليائه من دورهم إلى دار الغربة، وأخذك الناس ببيعة ابنك غلام حدث، يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب، لا أعلمك إلا وقد خسرت نفسك، وبترت دينك، وغششت رعيتك، وأخربت أمانتك، وسمعت مقالة السفيه الجاهل، وأخفت الورع التقي لأجلهم.
وصاياه عليه السلام
وصيته عليه السّلام لشيعته
وصيته عليه السّلام لشيعته عن لسان حال السّيدة سيكنة, كانوا في اللحظات الأخيرة الحُسين يوّدع عياله عليه السّلام وكان وداع مخصوص إلى ابنته وعزيزته: بُني سكينة بلّغي شيعتي منّي السّلام وكلّ ما شربُوا ماءً يذكروني ومصابي..
عن لسان حاله:
شيتعتي مهما شربتم عذب ماءٍ فـاذكروني
أو سمعتم بقتيل أو غريب فـاندبوني
فأنا السبط الـذي بغير جـرمٍ قتلوني
فا استـسقي لطـفلي فـابـوا ان يرحموني
وجـرد الخيل عـمداً سـحقونـي
وصيتة إلى أخيه مُحمّد بن الحنفية
أوصى الحُسين بن عليّ إلى أخيه مُحمّد بن الحنفية، حيث قال:
إن الحُسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، جاء بالحق من عنده، وأن الجنة حق، والنار حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.
وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلّى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين....
حروبه عليه السلام
شارك عليه السّلام مع أبيه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في حرب الجمل وصفّين والنهروان، وكان عليه السّلام قائداً لمعركة كربلاء.
إمامته عليه السلام
صَرَّح رسول الله صلّى الله عليه وآله بالنص على إمامة الإمام الحُسين وإمامة أخيه الحسن عليهما السّلام من قَبله، بقوله صلّى الله عليه وآله: اِبناي هَذَان إمَامان قامَا أو قَعدا.
ودلَّت وصيَّة الحسن عليه السّلام إليه على إمامته، كما دلَّت وصية الإمام عليّ عليه السّلام على إمامته، بحسب ما دلَّت وصية رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السّلام على إمامته من بعد النّبيّ صلّى الله عليه وآله.
فكانَت إمامة الإمام الحُسين عليه السّلام بعد وفاة أخيه ثابتة، وطاعته لجميع الخَلق لازِمَة، وإنْ لم يَدعُ عليه السّلام إلى نفسه للتقيَّة التي كان عليها، والهُدْنة الحاصلة بينه وبين معاوية بن أبي سفيان، فالتزم الوفاء بها.
فلمَّا مات معاوية، وانقضَتْ مُدَّة الهُدْنة التي كانت تمنع الإمام الحُسين عليه السّلام من الدعوة إلى نفسه.وعَلم الإمام الحُسين عليه السّلام بما بعثه يزيد إلى واليه في المدينة الوليد بن عتبة، من أخذ البيعة من أهل المدينة له، وقد أرفَقَ كتابه بصحيفة صغيرة فيها: خُذ الحُسين، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير، بالبيعة، أخذاً شديداً، ومن أبَى فاضرب عنقه، وأبعث إليَّ برأسه.
فعندها أظهر عليه السّلام أمره بحسب الإمكان، وأبَانَ عن حقِّه للجاهلين به حالاً بحالٍ.
إلى أن اجتمع له في الظاهر الأنصار، فدعا الإمام عليه السّلام إلى الجهاد، وشمَّر للقتال، وتوجَّه بوُلدِه وأهل بيته من حَرم الله ورسوله نحو العراق، للاستنصار بِمَن دعاه من شيعته على الأعداء.
وقد أوصى الإمام الحُسين عليه السّلام قَبل خروجه من المدينة إلى مَكة، فَبيَّن مَغزَى قيامه، والدعوة إلى نفسه.
فقال الإمام عليه السّلام: بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيم، هَذا مَا أوصَى به الحُسين بن عليّ عليهما السّلام إلى أخِيه مُحمّد بن الحَنَفيَّة، أنَّ الحُسين يشهدُ أنْ لا إله إلاَّ الله، وَحدَهُ لا شريك له، وأنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه، جَاء بالحقِّ من عنده.
وأنَّ الجنَّة حَقٌّ، والنَّار حَقٌّ، والسَّاعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأنَّ الله يبعثُ من في القبور.
وإنِّي لم أخرج أشِراً ولا بَطِراً، ولا مُفسِداً ولا ظَالِماً، وإنَّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمَّة جَدِّي صلّى الله عليه وآله.
أريدُ أنْ آمُرَ بالمعروفِ وأنْهَى عنِ المنكر، وأسيرُ بِسيرَةِ جَدِّي، وأبي عليّ بن أبي طَالِب، فَمَنْ قَبلني بقبول الحق فالله أولى بالحقِّ، ومن ردَّ عليّ هذا أصْبِرُ حتّى يقضيَ اللهُ بيني وبين القوم، وهو خَيرُ الحاكِمين.
وكانتْ مُدَّة خلافته بعد أخيه عليهما السّلام إحْدَى عشرة سنة و مدة عمره 57 سنة.
من أبرز مصاديق الحكمة في نهضة الإمام الحسين عليه السلام
أبرز مصاديق الحكمة في نهضة الإمام الحُسين عليه السّلام هي:
أولاً:إن معاوية في تنصيبه لابنه يزيد من بعده للخلافة قد نقض عهده المبرم في صلحه مع الإمام الحسن عليه السّلام، وبذلك أصبح الإمام الحُسين عليه السّلام أمام أمر مستحدث يقتضي منه موقفاً يتناسب وما تمليه مصلحة الإسلام العُليا.
ثانياً:إن تنصيب يزيد من قبل أبيه معاوية خليفة للمسلمين أصبح أكبر قضية تُهدِّد أساس العقيدة الإسلامية، وذلك من خلال الانحراف الخطير الذي سيطرأ على مسألة الحكم الإسلامي وخلافة رسول الله صلّى الله عليه وآله.
فإن تنصيب مثل يزيد للخلافة - وهو المتجاهر بالفسق والفجور والزنا وشرب الخمور - يعني على أقل تقدير وقوع الحكم الإسلامي في خطر التَحوّل الجذري، والانقلاب الكلي في الحكم الإلهي الذي جاء به رسول الله صلّى الله عليه وآله وما يقوم على أساسه من عدل وقسط وصلاح.
ثالثاً:إنّ مشكلة الانحراف الجذري في مسألة الخلافة آنذاك لم تكن في إدراك مجمل هذه الحقيقة.
فقد كان المسلمون المخلصون - وعلى رأسهم كبار الصحابة والتابعين من الموالين لأهل البيت عليهم السّلام ومحبِّيهم - مدركين لها ولخطورتها.
إلا أن الإرادة العامة للمسلمين لم تكن بمستوى هذا الإدراك، مما دفع الإمام الحُسين عليه السّلام لتحمّل هذه المسؤولية الكبرى.
فانبرى عليه السّلام لبذل دمه ودماء أهل بيته وأصحابه لتكون وقوداً ساخناً لإلهاب تلك الإرادة الهامدة، وتعرية حقيقة الجاهلية الكامنة في خلافة يزيد بن معاوية.
وقد بدأت منذ نهضته وبعد استشهاده عليه السّلام مرحلة المواجهة والجهاد العنيد لهذا الخطِّ المنحرف، ليقوم للدين عَمود ولتستقيم كلمته في العباد.
ولتصديق ذلك لا بُدَّ لنا من إلقاء نظرة على نماذج من أقواله عليه السّلام، لنلتمس من خلالها المحتوى المبدئي في حفظ مصلحة الإسلام ورعايتها التي ضحَّى الإمام الحُسين عليه السّلام بنفسه وأهل بيته وأصحابه عليهم السّلام من أجلها.
ومن هذه الأقوال ما يلي:
الأول: قوله عليه السّلام: لا بَيعةَ لِيَزيد، شارب الخُمور، وقاتِل النَّفس المحرَّمة....
وكتب يزيد إلى الوليد بن عتبة كتاباً يطلب فيه أخذ البيعة على أهل المدينة، ثمّ أرفق الكتاب بصحيفة صغيرة فيها: خذ الحُسين، وعبد الله بن عُمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً، ومن أبَى فاضرب عنقه، وابعث إليَّ برأسه، وقام العامل بهذه المهمة، فبعث إلى الإمام الحُسين عليه السّلام في منتصف الليل.
ولما استقر المجلس بالإمام عليه السّلام نعى الوليد إليه معاوية، ثمّ عرض عليه البيعة ليزيد، فقال عليه السّلام: مِثلِي لا يُبَايِعُ سِرّاً، فإذا دعوتَ النَّاسَ إلى البَيعَة دَعوتَنا معَهُم فكان أمراً واحداً.
ثمّ أقبل عليه السّلام على الوليد وقال: أيها الأمير، إنَّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فَتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل شَاربُ الخُمورِ، وقاتلُ النفس المحرَّمة، مُعلنٌ بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحَقّ بالخلافة.
الثاني: قوله عليه السّلام: الخِلافَةُ مُحَرَّمَة على آل أبي سُفيَان....
بعد أن رفض الإمام الحُسين عليه السّلام بيعة يزيد لقيه مروان عند صباح اليوم الثاني، فدار بينهما كلام، ونصح فيها مروانُ الإمام عليه السّلام ببيعة يزيد.
فاسترجع الحُسين عليه السّلام وقال: على الإِسلام السّلام، إذا بُلِيَت الأمة بِراعٍ مثل يزيد، ولقد سَمِعتُ جدي رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان، فإذا رأيتُم معاوية على منبري فابقروا بَطنَه، وقد رآهُ أهل المدينة على المنبر فلم يبقروا، فابتلاهم الله بيزيد الفاسق.وطال الحديث بينهما حتّى انصرف مروان مغضباً.
الثالث: قوله عليه السّلام: لَو لم يَكُن في الدنيا مَلجَأ ولا مَأوىً لَمَا بَايَعتُ يَزيد.
روي أن مُحمّد بن الحنفية قال للإمام الحُسين عليه السّلام: يا أخي، أنت أحبّ الناس إليَّ، وأعزّهم عليّ، ولستُ أدَّخر النصيحة لأحد من الخلق إلاَّ لك، وأنت أحَقّ بها: تَنحَّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثمّ ابعث برسلك إلى الناس، فإن بايعوك حَمدتَ الله على ذلك، وإن اجتمعوا على غيرك لم ينقص اللهُ بذلك دينَك ولا عقلَك، ولم تذهب مروءتك ولا فضلك....
فقال الحُسين عليه السّلام: فأين أذهب ؟
قال: تنزل مكة، فإن اطمأنَّت بك الدار، وإلا لحقت بالرمال وشعف الجبال، وخرجتَ من بلد إلى آخر حتّى تنظر ما يصير إليه أمر الناس.
فقال الحُسين عليه السّلام: يَا أخي، لَو لم يَكُن في الدنيا ملجأ ولا مأوىً لَما بايعتُ يَزيد بن معاوية.
الرابع: قوله عليه السّلام: خَرجتُ لِطَلب الإصلاحِ في أُمَّة جَدِّي مُحمّد....
كتب الحُسين عليه السّلام قبل خروجه من المدينة وصيَّة لأخيه مُحمّد بن الحنفية قال فيها:... وإني لم أخرج أشِراً ولا بطراً، ولا مُفسِداً ولا ظالماً، وإنما خَرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جَدِّي صلّى الله عليه وآله، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جَدِّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فَمن قَبلَني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم، وهو خير الحاكمين.
الخامس: قوله عليه السّلام: ما الإمام إلا العاملُ بالكتاب، والآخِذُ بالقِسطِ، والدائن بالحقِّ....
فقد ذكر المؤرخون أن الإمام الحُسين عليه السّلام وَافَتْهُ في مكة كُتب أهل الكوفة من الرجل والاثنين والثلاثة والأربعة، يسألونه القدوم عليهم لأنهم بغير إمام.
وكثرت لديه عليه السّلام الكتب، حتّى ورد عليه في يوم واحد ستمِائة كتاب، واجتمع عنده اثنا عشر ألف كتاب.
ولما اجتمع عنده ما ملأ خرجين، كَتَب إليهم كتاباً واحداً دفعه إلى ابن عمّه مسلم بن عقيل، وقال عليه السّلام فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من الحُسين بن عليّ إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين، أما بعد: فإن هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم، وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم، وقد فهمت كل الذي قَصَصتُم وذكرتم، ومقالةُ جُلَّكُم أنه: ليس علينا إمام فأقبِلْ، لَعَلَّ الله أن يَجمعَنا بك على الهُدَى والحق.
وقد بعثتُ إليكم أخي وابن عمِّي وثقتي من أهل بيتي، وأمرتُه أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن كتب أنه قد اجتمع رأي مَلَئِكم وذوي الفضلِ والحِجَى منكم على مثلِ مَا قَدِمَت عليّ بِهِ رُسُلكم، وقرأتُ في كتبكم، أقدمُ عَليكُم وشيكاً إن شاء الله، فَلَعَمْرِي، مَا الإمام إلا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه على ذات الله والسلام.
السادس: قوله عليه السّلام: رِضَا اللهُ رِضَانا أهلَ البيت....
قد ورد أن الإمام الحُسين عليه السّلام لمَّا بلغه أنَّ يزيد أنفذ عمرو بن سعد بن العاص في عسكر، وأمَّره على الحاج، وولاَّه أمر الموسم، وأوصاه بالفتك بالحسين عليه السّلام أينما وُجِد، عَزم عليه السّلام على الخروج من مكة قبل إتمام الحج، واقتصر على العمرة كراهية أن تستباح به حرمة البيت.
وقبل أن يخرج قام عليه السّلام خطيباً فقال: الحمد لله، وما شاء الله، ولا قوة إلاَّ بالله، وصلّى الله على رسوله: خُطَّ الموت على وِلد آدم مَخطَّ القِلادة على جِيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مَصرع أنا لاقِيه، كأني بأوصالي تُقطِّعها عُسلانِ الفلاة بَين النَّوَاويسِ وَكَربَلا، فيملأنَّ منّي أكراشاً جوفاً، وأجربة سغباً.لا مَحيصَ عن يَومٍ خُطَّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين....
السابع: قوله عليه السّلام: نحنُ أهلُ بيتِ مُحمّد أوْلَى بولاية هذا الأمر....
سار الإمام الحُسين عليه السّلام بعد خروجه من مكة حتّى نزل في شراف، وهناك التقى بالحر الرياحي مع ألف فارس معه، فقام فيهم خطيبا فقال: أيّها النَّاس، إنَّكم إن تَتَّقوا الله وتعرفوا الحقَّ لأهله يَكن أرضى لله، ونحن أهلُ بَيت مُحمّد أوْلَى بولاية هذا الأمر من هَؤلاءِ المدّعين ما ليس لهم، والسائرين بالجور والعدوان.
وهناك أقوال كثيرة مأثورة عن الإمام الحُسين عليه السّلام في هذا المجال مبيِّنة العِلَّة من موقفه هذا من يزيد، وسبب خروجه عليه، وكذلك تبيِّن عزَّة الإمام عليه السّلام ومظلوميَّته هو وأهل بيته عليهم السّلام.
وتَتِمَّة لما سبق نذكر سَرداً منها بشكل مختصر:
الثامن: قوله عليه السّلام:
مَن رأى سُلطاناً جائراً مُستَحلاًّ لِحَرام الله، ناكثاً عهده، مخالفاً لِسُنَّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيِّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أنْ يُدخِله مَدخَله.
التاسع: قوله عليه السّلام: إِنِّي لا أرَى المَوتَ إلا سَعادةً، وَالحَياةَ مَع الظالمين إِلاَّ بَرَماً.
العاشر: قوله عليه السّلام: لا وَالله، لا أُعطِيكُم بِيَدي إعطَاءَ الذَّليل، وَلا أفِرُّ فِرارَ العَبيد.
الحادي عشر: قوله عليه السّلام: هَيْهَات مِنَّا الذِّلَّة، يَأبى اللهُ لَنا ذَلكَ وَرَسولُهُ والمؤمِنون.
الثاني عشر: قوله عليه السّلام: يَا أُمَّةَ السّوء، بِئسَمَا خَلفْتُم مُحَمَّداً فِي عِترتِه، أما إنكم لا تقتلون رجلاً بعدي فتهابون قتله، بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم إياي.
الثالث عشر: قوله عليه السّلام: اللَّهُمَّ احكُم بَيننا وبَين قَومِنا، فإِنَّهم غَرُّونا، وخَذَلونا، وغَدَروا بنا، وقَتَلُونا ونحنُ عِترَة نبيِّك.
أسباب ثورته عليه السلام
أحاطت بالإمام الحُسين عليه السّلام عِدَّة من المسؤوليات الدينية والواجبات الاجتماعية وغيرها من الأسباب المُحَفِّزَة لثورته، فدفعته عليه السّلام إلى التضحية والفداء.
وهذه بعض تلك المسؤوليات والواجبات والأسباب:
الأولى: المسؤولية الدينية
لقد كان الواجب الديني يحتم عليه عليه السّلام القيام بوجه الحكم الأموي الذي استحلَّ حُرُمَات الله، ونكث عهوده وخالف سنة رسول الله صلّى الله عليه وآله.
الثانية: المسؤولية الاجتماعية
كان الإمام عليه السّلام بحكم مركزه الاجتماعي مسؤولاً أمام الأمة عما مُنِيَت به من الظلم والاضطهاد من قبل الأمويين، ومن هو أولى بحمايتها وَرَدُّ الاعتداء عنها من غيره.
فنهض عليه السّلام بأعباء هذه المسؤولية الكبرى، وأدى رسالته بأمانة وإخلاص، وَضَحَّى عليه السّلام بنفسه وأهل بيته وأصحابه ليعيد عدالة الإسلام وحكم القرآن.
الثالثة: إقامة الحجة عليه عليه السّلام
وقامت الحجة على الإمام عليه السّلام لإعلان الجهاد، ومحاربة قُوَى البغي والإلحاد.
فقد تواترت عليه الرسائل والوفود من أهل الكوفة، وكانت تُحَمِّلُه المسؤولية أمام الله إن لم يستجب لدعواتهم المُلِحَّة لإنقاذهم من ظلم الأمويين وَبَغيِهِم.
الرّابعة: حماية الإسلام
ومن الأسباب التي ثار من أجلها عليه السّلام هي حماية الإسلام من خطر الحكم الأموي الذي جَهد على مَحْوِهِ، وقلع جذوره، فقد أعلن يزيد الكفر والإلحاد بقوله: لَعِبتْ هاشمُ بِالمُلك فَلا خَبَرٌ جاءَ وَلا وَحْيٌ نَزَلْ
وكشف هذا الشعر عن العقيدة الجاهلية التي كان يدين بها يزيد فهو لم يؤمن بوحي ولا كتاب، ولا جَنَّة ولا نار.
الخامسة: صيانة الخلافة
ومن أَلمع الأسباب التي ثار من أجلها عليه السّلام تطهير الخلافة الإسلامية من أرجاس الأمويين الذين نَزَوا عليها بغير حق.
فلم تعد الخلافة - في عهدهم كما يريدها الإسلام - وسيلة لتحقيق العدل الاجتماعي بين الناس، والقضاء على جميع أسباب التخلف والفساد في الأرض.
وقد رأى الإمام عليه السّلام أن مركز جَدِّهِ قد صار إلى سِكِّيرٍ مُستَهترٍ لا يَعي إلا شهواته ورغباته، فثار عليه السّلام ليعيد للخلافة الإسلامية كيانها المُشرِق وماضيها الزاهر.
السادسة: تحرير إرادة الأمة
ولم تملك الأمة في عهد معاوية ويزيد إرادتها واختيارها، فقد كُبِّلَتْ بقيُودٍ ثقيلة سَدَّت في وجهِهَا منافذ النور والوَعي، وَحِيلَ بينها وبين إرادتها.
وقد هَبَّ الإمام عليه السّلام إلى ساحات الجهاد والفداء، لِيُطعِم المسلمين بروح العِزَّة والكرامة، فكان مقتله عليه السّلام نُقطَةَ تَحَوُّلٍ في تاريخ المسلمين وحياتهم.
السابعة: تحرير اقتصاد الأمة
ومن الأسباب هو انهيار اقتصاد الأمة الذي هو شرايين حياتها الاجتماعية والفردية.
فقد عمد الأمويون إلى نهب الخزينة المركزية، وقد أعلن معاوية أمام المسلمين أن المال مال الله، وليس مال المسلمين فهو أحق به، فثار عليه السّلام ليحمي اقتصاد الأمة، ويعيد توازن حياتها المعاشية.
الثامنة: المظالم الاجتماعية
انتشرت المظالم الاجتماعية في أنحاء البلاد الإسلامية، فلم يَعُد قَطَرٌ من الأقطار إلا وهو يَعُجُّ بالظلم والاضطهاد من جَورِهِم.
فهب الإمام عليه السّلام في ميادين الجهاد ليفتح للمسلمين أبواب العزة والكرامة، ويحطم عنهم ذلك الكابوس المظلم.
التاسعة: المظالم الهائلة على الشيعة
لقد كانت الإجراءات القاسية التي اتخذها الحكم الأموي ضد الشيعة من أسباب ثورته عليه السّلام، فَهَبَّ لإنقاذهم من واقعهم المَرِير، وحمايتهم من الجَورِ والظلم.
العاشرة: محو ذكر أهل البيت عليهم السّلام
ومن الأسباب أيضاً التي ثار من أجلها عليه السّلام هو أن الحكم الأموي قد جهد على محو ذكر أهل البيت عليه السّلام، واستئصال مَآثِرِهم ومناقبهم، وقد استخدم معاوية في هذا السبيل أخبث الوسائل.
وكان عليه السّلام يود أن الموت قد وافاه، ولا يسمعُ سَبَّ أبيهِ عليه السّلام على المنابر والمآذن.
الحادية عشر: تدمير القِيَم الإسلامية
وعَمِدَ الأمويون إلى تدمير القِيَم الإسلامية، فلم يَعد لها أي ظِلٍّ على واقع الحياة الإسلامية.
الثانية عشر: اِنهيار المجتمع
فقد انهار المجتمع في عصر الأمويين، وتحلل من جميع القيم الإسلامية، فثار عليه السّلام ليقضي على التَذَبْذُبِ والانحراف الذي مُنِيتْ بِهِ الأمَّة.
الثالثة عشر: الدفاع عن حقوقه عليه السّلام
وانبرى الإمام عليه السّلام للجهاد دفاعاً عن حقوقه التي نهبها الأمويون واغتصبوها.
وأهمُّها: الخلافة، لأنه عليه السّلام هو الخليفة الشرعي بمقتضى معاهدة الصلح التي تم الاتفاق عليها، وعلى هذا فلم تكن بيعة يزيد شرعية.
فلم يخرج الإمام عليه السّلام على إمام من أئمة المسلمين، كما يذهب لذلك بعض ذوي النزعات الأموية، وإنما خرج على ظالم مُغتَصِبٍ لِحَقِّهِ.
الرّابعة عشر: الأمر بالمعروف
ومن أوْكَد الأسباب التي ثار من أجلها عليه السّلام إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنهما من مُقَوِّمَات هذا الدين، والإمام عليه السّلام بالدرجة الأولى مَسؤُول عَنهُمَا.
وقد أدلى عليه السّلام بذلك في وصيته لأخيه ابن الحنفية، التي أعلن فيها عن أسباب خروجه على يزيد، فقال عليه السّلام: إِنِّي لَمْ أَخرُجْ أَشِراً وَلا بَطِراً، وَلا ظَالِماً وَلا مُفسِداً، وإنما خرجتُ لِطَلَبِ الإِصلاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي، أُرِيدُ أَن آمُرَ بِالمَعرُوفِ وَأَنهَى عَنِ المُنكَر.
الخامسة عشر: إِمَاتَة البِدَع
وعمد الحكم الأموي إلى نشر البِدَع بين المسلمين، وَالتي لم يُقصَدُ منها إلا مَحْقُ الإِسلام، وإلحاق الهزيمة به.
وقد أشار عليه السّلام إلى ذلك في رسالته التي بعثها لأهل البصرة: فَإِنَّ السّنة قَد أُمِيتَتْ وَالبِدْعَةَ قَدْ أُحْيِيَتْ.
فقد ثار عليه السّلام ليقضي على البِدَع الجاهلية التي تَبَنَّاهَا الأَمَوِيُّون، ويحيي سُنَّةَ جَدِّه صلّى الله عليه وآله التي أماتوها، ولِيَنشرَ رايةَ الإِسلام.
السادسة عشر: العهد النبوي
واستَشَفَّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله من وراء الغيب ما يُمنَى بِهِ الإسلام من الأخطار الهائلة على أيدي الأمويين، وأنه لا يمكن بأي حال تجديد رسالته وتخليد مبادئه إلا بتضحية ولده الحُسين عليه السّلام، فعهد إليه بالتضحية والفداء.
وقد أدلى الحُسين عليه السّلام بذلك حينما عدله المشفقون عليه من الخروج إلى العراق فقال عليه السّلام لهم: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله بِأَمرٍ وَأنَا مَاضٍ إِليه.
السابعة عشر: العزة والكرامة
ومن الأسباب التي ثار من أجلها عليه السّلام هي العزة والكرامة، فقد أراد الأمويون إِرغامَهُ على الذُل والخنوع، فَأَبَى عليه السّلام إِلاَّ أن يعيش عَزيزاً، وقد أعلن ذلك يوم الطفِّ بقوله عليه السّلام: أَلا وَإِنَّ الدعِيَّ ابنَ الدعِيَّ قَد رَكزَ بَينَ اثْنَتَيْنِ، بَينَ السلَّةِ وَالذلَّة، وهَيْهَات مِنَّا الذلَّة، يَأبَى اللهُ لَنَا ذَلكَ وَرَسُولُهُ، وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ وَأُنُوفٌ حَميَّةٌ مِن أَنْ نُؤثِرَ طَاعَة اللِّئَام عَلى مَصَارِعِ الكِرَام.
الثامنة عشر: غدر الأمويين وفتكهم
وأيقن عليه السّلام أن الأمويين لا يتركونه، ولا تَكفُّ أيديهم عن الغدر والفَتْكِ به حتّى لو سَالَمَهُم وبايعهم.
وقد أعلن عليه السّلام ذلك لأخيه مُحمّد بن الحنفية: لَو دَخَلتُ فِي حِجرِ هَامَة مِن هَذِهِ الهوَام لاستَخْرَجُونِي حتّى يَقتُلُونِي.
فاختار عليه السّلام أن يُعلنَ الحربَ ويموت مِيتَةً كريمةً تَهزُّ عروشهم، وَتقضِي على جبروتِهِم وَطُغيَانِهِم.
هذه بعض الأسباب التي حفَّزت الإمام الحُسين عليه السّلام إلى الثورة على حكم يزيد.
سفيره مسلم بن عقيل عليهما السلام
تتابعت كتب أهل الكوفة إلى الإمام الحُسين عليه السّلام، وهي تحثه على المسير والقدوم إليهم لإنقاذهم من ظلم الأمويِّين وعُنفهم، وكانت بعض تلك الرسائل تحمِّلُه المسؤولية أمام الله والأمة إن تأخر عن إجابتهم.
ورأى الإمام - قبل كل شيء - أن يختارَ لِلُقيَاهُم سفيراً له، يُعرِّفه باتجاهاتهم وَصِدقِ نِيَّاتِهم، فإن رأى منهم نيَّة صادقة، وعزيمة مُصمَّمة، فيأخذ البيعة منهم، ثمّ يتوجّه إليهم بعد ذلك.
وقد اختار عليه السّلام لسفارتِه ثقتَه وكبيرَ أهلِ بيتِه مسلم بن عقيل، فاستجاب له عن رِضىً ورغبة، وَزوَّدَهُ برسالة وهي: مِن الحُسين بن عليّ إِلى مَن بلغهُ كتابي هذا مِن أوليائِه وَشيعَتِه بالكوفة:
سلامٌ عليكم، أما بعد: فَقَد أتَتْني كُتُبكُم، وفهمتُ ما ذكرتُم مِن مَحبَّتِكم لِقُدومِي عَليكم، وأنا بَاعثٌ إِليكم بِأخي وابنِ عَمِّي وثِقتي من أهلي مسلم بن عقيل، لِيعلمَ لِي كُنْهَ أمْرِكُم، ويكتبَ إِليَّ بما يَتبَيَّن له من اجتماعِكُم، فإن كان أمرُكم على ما أتَتْني بِه كُتُبُكم، وأخبَرَتني به رُسُلُكم، أسرعتُ القُدومَ إليكُم إِن شَاء اللهُ، وَالسَّلام.
وتَسلَّم مسلم الرسالة، وغادر مكة ليلة النصف من رمضان، فَصلّى في مسجد الرسول صلّى الله عليه وآله، وَطَاف بِضريحِه، وَودَّع أهله وأصحابه، وكان ذلك هو الوداع الأخير لهم، واتَّجهَ صَوبَ العِراق، واستأجر دَليلين من قَيس يَدُلاَّنَه عَلى الطريق.
وسار مسلم يطوي البيداء، حتّى دخل الكوفة فاختار النزول في بيت المختار الثقفي، لوثوقه منه بإخلاصه للإمام الحُسين عليه السّلام وتفانيه في حبه.
وفتح المختار أبواب داره لمسلم، وقابله بمزيد من الحفاوة والتكريم، ودعا الشيعة إلى مقابلته، فأقبلوا إليه من كُلِّ حَدبٍ وصَوب، وهم يظهرون لَهُ الولاء والطاعة.
وانثَالَت الشيعةُ على مسلم تبايعه للإمام الحُسين عليه السّلام، وكانت صيغة البيعة الدعوة إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله صلّى الله عليه وآله، وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، وقِسمَة الغنائم بين المسلمين بالسويَّة، وَرَد المَظالم إلى أهلها، ونصرة أهل البيت عليهم السّلام.
رسالة مسلم للإمام الحسين عليه السلام
ازداد مسلم إيماناً ووثوقاً بنجاح الدعوة حينما بايعه ذلك العدد الهائل من أهل الكوفة، فكتب للإمام عليه السّلام يَستَحِثّه فيها على القدوم إليهم برسالة هذا نَصُّها:
فإنَّ الرائدَ لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا، فَعجِّل حين يأتيك كتابي، فإن الناس كُلُّهم معك، ليس لَهم في آل معاوية رأي وَلا هَوى.
أما موقف النعمان بن بشير - والي الكوفة - من الثورة فقد كان موقفاً يتسم باللِّين والتسامح، وقد اتَّهمَهُ الحزب الأموي بالضعف، أو التضاعف في حفظ مصلحة الدولة، والاهتمام بسلامتها، فأجابهم: لأَنْ أكونَ ضعيفاً وأنا في طاعة الله أحَبُّ إليَّ من أن أكون قوياً في معصية الله، وما كنتُ لأهتك ستراً ستره الله.
ودافع النعمان عن نفسه بأنه لا يعتمد على أية وسيلة تبعده عن الله، ولا يسلك طريقاً يتجافى مع دينه، وقد استبانَ للحزب الأموي ضعف النعمان، وانهياره أمام الثورة.
إتصال الحزب الأموي بدمشق
قام الحزب الأموي باتصال سريع بحكومة دمشق، وطلبوا منها اتخاذ الإجراءات الفورية قبل أن يتَّسع نطاق الثورة، ويأخذ العراق استقلاله، وينفصل عن التبعية لدمشق.
ومن بين الرسائل التي وفدت على يزيد رسالة عبد الله الحَضْرَمي التي جاء فيها: أما بعد: فان مسلم بن عقيل قدم الكوفة، وبايعته الشيعة للحسين بن عليّ، فإن كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قويا ينفذ أمرك، ويعمل مثل عملك في عدوك، فإن النعمان بن بشير رجلٌ ضعيف، أو هو يَتَضعَّف.
فكتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد والي البصرة هذه الرسالة: أما بعد: فإنه كتب إليَّ شيعتي من أهل الكوفة يُخبرونني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لِشَقِّ عصا المسلمين، فَسِرْ حين تقرأُ كتابي هذا حتّى تأتي الكوفة، فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة، حتّى تثقفه فتوثقه، أو تقتله، أو تنفيه، والسلام.
فأمر يزيد بِتَولِيةِ عبيد الله بن زياد على الكوفة بدلاً من النعمان بن بشير.
وفي اليوم الثاني لِوصولِه إلى الكوفة خَرجَ مُتقلِّداً سيفه، ومعتمّاً بعمامة، فاعْتَلى أعوادَ المنبر وخطب الناس، فقال: أما بعد: فان أمير المؤمنين ولاَّني مِصرَكُم وثغركم وفيئكم، وأمرني بإنصاف مَظلومكم، وإعطاء محرومكم، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، وبالشدة على مُريبكم، فأنا لِمُطيعكم كالوالد البرَّ الشفيق، وسيفي وسوطي على من ترك أمري وخالف عهدي.
ولم يُعرِّض في خطابه للإمام الحُسين وسفيره مسلم عليهما السّلام، وذلك خوفاً من انتفاضة الجماهير عليه وهو بعد لم يَحكُم أمره، وعمد ابن زياد إلى نشر الإرهاب وإذاعة الخوف.
ويقول بعض المؤرخين: إنه لما أصبح ابن زياد بعد قدومه إلى الكوفة صَال وجَال، وأرعَد وأبرَق، وأمسك جماعة من أهل الكوفة فقتلهم في الساعة، وقد عمد إلى ذلك لإِماتَةِ الأعصاب، وَصَرف الناس عن الثورة.
وفي اليوم الثاني أمر بجمع الناس في المسجد وخرج إليهم بِزيٍّ غير ما كان يخرج به، فخطب فيهم خطاباً عنيفا تَهدَّد فيه وتوعَّد، فقد قال بعد حمد الله والثناء عليه: فإنه لا يُصلح هذا الأمر إلا في شِدَّة من غير عنف، ولِينٍّ من غير ضعف، وأن آخذ البريء بالسقيم، والشاهِد بالغائب، والوَلي بالوالي.
وبعد أن علم الطاغية بواسطة جواسيسه بأن هانئ بن عروة هو العضو البارز في الثورة وأن مسلم قد غَيَّر مكانه من دار المختار إلى دار هانئ، وأن هانئ يقوم بِدَورٍ فعَّال في دعم الثورة ومساندتها بجميع قدراته، وعرف ابن زياد بأن دار هانئ أصبحت مركزاً عامّاً للشيعة، ومَقَرّاً لمسلم بن عقيل، لم يقم ابن زياد بكبس وتطويق دار هانئ، وأحجم عن ذلك لعجزه عسكرياً، وعدم مقدرته على فتح باب الحرب.
فإن دار هانئ مع الدُور التي كانت محيطة بها كانت تضم أربعة آلاف مقاتل مِمَّن بايعوا مسلماً، بالإضافة إلى أتباع هانئ ومكانته المَرمُوقة في الكوفة، فلهذا لم يستطع ابن زياد من القيام بشيء نظراً للمضاعفات السيئة.
رسل الغدر
أنفق ابن زياد لياليه ساهراً يطيل التفكير، ويطيل البحث مع حاشيته في شان هانئ، فهو أعزُّ من في المصر، وأقوى شخصية يستطيع القيام بحماية الثورة، فإذا قضى عليه فقد استأصل الثورة من جذورها.
وقد اتفق رأيهم على إبلاغ هانئ برغبة ابن زياد بزيارته، وشكَّلوا وفداً لدعوته إلى قصر الإمارة، فحضر معهم إلى القصر.
وبعد مشَادَة كلامية طالبَهُ ابن زياد بتسليم مسلم، فَسَخرَ منه هانئ وأنكر عليه قائلاً له مقالة الرجل الشريف: لا آتيك بضيفي أبداً.
وعندها سجنه ابن زياد في إحدى غرف القصر.
ولما علم مسلم بما جرى لهانئ بادر لإعلان الثورة على ابن زياد، لعلمه بأنه سيلقى نفس المصير الذي لاقاه هانئاً.
فأوعز إلى أصحابه، فاجتمع إليه أربعة آلاف، وهم ينادون بشعار المسلمين يوم بدر: يا مَنصُور أَمت.
وعندها أوعز الطاغية إلى جماعة من وجوه أهل الكوفة أن يبادروا بِبَثِّ الذعر ونشر الخوف بين الناس، وترويج الإشاعات الآتية:
الأولى: التهديد بجيوش أهل الشام التي ستشيع فيهم القتل والتنكيل إن بقوا مُصرِّين على المعصية والعناد.
الثانية: حِرمانَهُم من العطاء.
الثالثة: تَجميرهم في مَغَازي أهل الشام، وَزَجِّهم في سَاحات الحُروب.
الرّابعة: أنهم إذا أصرّوا على التَمرّد فإن ابن زياد سَيُعلن الأحكام العرفية، وَيسَوِّسَهم بسياسة أبيه، والتي تحمل شارات الموت والدمار، حتّى يقضي على جميع ألوان الشغب والعصيان.
وانطلق هؤلاء الجواسيس إلى صفوف جيش مسلم، فأخذوا يشيعون الخوف، ويبثّون الأراجيف، ويظهرون لهم الإشفاق خوفاً عليهم من جيوش أهل الشام القادمة.
فَمُنِي جيشُ مسلم بهزيمة مُخزية لم يَحدث لها نظير في جميع فترات التاريخ، فقد هَزمَتهُ الدعايات المُضلِّلة من دون أن تكون في قِبالِهِ أيَّة قُوَّة عسكرية، ولم يمضِ قليل من الوقت حتّى انهزم معظم جيش مسلم.
وقد صلّى بجماعة منهم صلاة العشاء في الجامع الأعظم فكانوا يَفرّون في أثناء الصلاة، وما أنهى ابن عقيل صلاته حتّى انهزموا بأجمعهم، وقد أمسى وحيداً طريداً مُشرَّداً، لا مأوى يأوي إليه، ولا قَلبٌ يعطف عليه.
شهادة مسلم بن عقيل عليه السلام
طوى مسلم ليلته حزيناً تساوِرُه الهُموم، وكان - فيما يقول المؤرخون - قد قضى شطراً من الليل في عبادة الله، ما بين الصلاة وقراءة القرآن.
وقد خفق في بعض الليل، فرأى عَمَّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، فأخبره بِسرعَةِ اللحَاق به، فأيقنَ عند ذلك بِدُنُوِّ الأجلِ المحتوم منه.
وقد أصدرت سلطات ابن زياد أمراً تَضمَّنَ ما يأتي:
أولاً: الحكم بالإعدام على كل من آوى مسلماً مهما كانت مكانته الاجتماعية.
ثانياً: إنَّ دِيَّة مسلم تكون لمن جاء به.
ثالثاً: إن من ظَفِر بمسلم تمنحه السلطة عشرة آلاف درهم.
رابعاً: إن من يأتي به يكون من المُقرَّبين عند الطاغية يزيد، وينال ثقته.
وتَمَنَّى أكثر أولئك الأوغاد الظفر بمسلم بين عقيل، لينالوا المكافأة، وكذا التَقَرّب إلى يزيد بن معاوية.
وبعد أن جرت معركة غير متكافئة بين مسلم وبين أزلام ابن زياد جُرح فيها مسلم وسقط على الأرض، فوقع في أسر أعدائه، وسلَّموه إلى الطاغية ابن زياد، فأمر بإلقائه من أعلى القصر.
واستقبل مسلم الموت بثغر باسم، فَصُعِدَ به إلى أعلى القصر، وكان يسبِّح الله ويستغفره بِكلِّ طُمأنينة ورضا ويقول: اللَّهُمَّ احكُمْ بيننا وبَين قَومٍ غَرّونا وَخذلونا.
واستُدعِيَ الجَلاَّدُ، فَضَربَ عُنُقَه، وَرَمى برأسه وجسدهِ عليه السّلام إلى الأرض، وسقط مسلم بن عقيل عليه السّلام شهيداً، دفاعاً عن الحق، ودفاعاً عن مولاه الإمام الحُسين عليه السّلام.
زيارة قبر جده صلى الله عليه وآله
زار الإمام الحُسين عليه السّلام ـ قبل خروجه من المدينة المنوّرة ـ قبر جدِّه رسول الله صلّى الله عليه وآله زيارة المُودِّع الذي لا يعود.
فقد كان يعلم عليه السّلام أن لا لقاء له مع مدينة جدِّه صلّى الله عليه وآله، ولن يزور قبره بعد اليوم، وأنّ اللقاء سيكون في مستقرِّ رحمة الله، وأنَّه لن يلقى جدَّه إلاّ وهو يحمل وسام الشهادة، وشكوى الفاجعة.
فوقف الإمام عليه السّلام إلى جوار القبر الشريف، فصلّى ركعتين، ثمّ وقف بين يدي جدِّه صلّى الله عليه وآله يُناجي ربَّه قائلاً: اللَّهُمَّ هَذا قَبْر نَبيِّك مُحمّد صلّى الله عليه وآله، وأنَا ابنُ بنتِ نَبيِّك، وقد حَضَرني مِن الأمرِ مَا قد عَلمت، اللَّهُمَّ إنِّي أحِبُّ المَعروف، وأنكرُ المُنكَر، وأنَا أسألُكَ يَا ذا الجَلال والإكرام، بِحقِّ القبرِ ومن فيه، إلاَّ مَا اختَرْتَ لي مَا هُو لَكَ رِضىً، ولِرسولِك رِضَى.
خروجه عليه السلام من المدينة إلى المكّة
في 27 رجب من سنة 60 هـ، خرج ركب الإمام الحُسين عليه السّلام نحو مكَّة المكرّمة، وسار معه عليه السّلام نفر من أهل بيته وأصحابه، وبرفقته نساؤه وأبناؤه، وأخته زينب الكبرى عليها السّلام، يخترقون قلب الصحراء، ويجتازون كثبان الرمال.
خروجه عليه السلام من المكّة إلى العراق
قرر الإمام عليه السّلام التوجُّه إلى العراق، وذلك في اليوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية سنة 60 هـ.
ويعني ذلك أنَّ الإمام عليه السّلام لم يُكمِل حَجَّه بِسببِ خُطورَةِ الموقف، لِيُمارس تكليفه الشرعي في الإمامة والقيادة.
فجمع الإمام الحُسين عليه السّلام نساءه، وأطفاله، وأبناءه، وأخوته، وأبناء أخيه، وأبناء عُمومَته، وشدَّ عليه السّلام الرحَال، وقرَّر الخروج من مكة المكرَّمة.
فلما سرى نبأ رحيله عليه السّلام، تَملَّكَ الخوفُ قُلوبَ العَديد من مُخلصِيه، والمشفِقين عليه، فأخذوا يتشبَّثون به ويستشفعون إليه، لعلَّه يعدل عن رأيه، ويتراجع عن قراره.
إلاَّ أنَّ الإمام عليه السّلام اعتذرَ عن مطالباته بالهدنة، ورفضَ كُل مَساعي القعود والاستسلام.
والمُتَتَبِّع لأخبار ثورة الإمام الحُسين عليه السّلام، يَجدُ أنَّ هناك سِرّاً عظيماً في نهضته.
ويتوضح هذا السر من خلال النصيحة التي قُدِّمت للإمام عليه السّلام من قِبَل أصحابه وأهل بيته، فكلُّهم كانوا يتوقَّعون الخيانة وعدم الوفاء بالعهود التي قطعها له أهل الكوفة.
وندرك هنا أن للإمام الحُسين عليه السّلام قراراً وهدفاً لا يُمكِن أن يتراجع عنه، فقدْ كان واضحاً من خلال إصراره وحواره أنَّه عليه السّلام كان متوقِّعاِ للنتائج التي آل إليها الموقف، ومشخِّصاً لها بشكل دقيق، إلاَّ أنه كان ينطلق في حركته من خلال ما يُملِيه عليه الواجب والتكليف الشرعي.
ونجد ذلك واضحاً في خُطبَتِه حيث قال عليه السّلام: الحَمدُ للهِ، ومَا شاءَ الله، ولا قُوَّة إلاَّ بالله، خُطَّ المَوتُ على وِلدِ آدم مخطَّةَ القِلادَة على جِيدِ الفَتاة، وما أولَهَني إلى أسْلافي اشتياقَ يَعقُوبَ إلى يوسف، وخيرٌ لي مَصرعٌ أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطِّعُها عسلان الفلوات بين النَّواوِيسِ وكَربلاء، فيملأن أكراشاً جوفا، وأحوية سغباً.
لا مَحيصَ عن يوم خُطَّ بالقلم، رِضا الله رِضَانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفِّينا أجورنا أجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله لَحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرُّ بهم عَينه، وينجزُ بهمْ وَعدَه.
من كان باذلاً فِينَا مهجتَه، وموطِّناً على لِقَاء الله نفسه، فلْيَرْحَل مَعَنا، فإنِّي راحلٌ مُصبِحاً إن شاء الله مقتل الإمام الحُسين للسيّد ابن طاووس: 23.
إذن فكلُّ شيء واضحٌ أمام الإمام الحُسين عليه السّلام، وهو مُصمِّم على الكفاح و الشهادة، فليس النصر يحسب دائماً بالنتائج الآنيَّة المادِّيَّة، فقد يحتاج الحدَث الكبير إلى فترة زمنية طويلة، حيث يتفاعل فيها جملة من الحوادث والأسباب، ليعطي نتائجه.
وهذا ما حدث بالفعل بعد استشهاد الإمام عليه السّلام، إذ ظَلَّت روح المقاومة تغلي في نفوس أبناء الأمَّة.
واستمرَّتْ بعد موت يزيد، حتّى قَضَتْ على كِيان الحكم الأموي تلك الروح التي كانت شعاراً لِكلِّ ثائر في سبيل التحرُّر من الظُلم والطغيان.
إباؤه عليه السلام عن الضيم
والصفة البارزة من نزعات الإمام الحُسين عليه السّلام هي الإباء عن الضيم، حتّى لُقّب عليه السّلام بـ أبي الضيم.
وهي من أعظم ألقابه عليه السّلام ذيوعاً وانتشاراً بين الناس، فقد كان المَثَل الأعلى لهذه الظاهرة.
فهو الذي رفع شِعار الكرامة الإنسانية، ورسم طريق الشرَف والعِزّة، فلم يخنع، ولم يخضع لقرود بني أمية، فآثر عليه السّلام الموت تحت ظِلال الأَسِنّة.
فيقول الشاعر عبد العزيز بن نباتة السعدي:
وَالحُسَين الذي رَأى المَوتَ فِي العِـزّ*** حَياةٌ وَالعَيش فِي الذّلِّ قَتلاً
فقد علّم أبو الأحرار عليه السّلام الناسَ نُبل الإباء ونبل التضحية، ويقول فيه مصعب ابن الزبير: واختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة.
وقد كانت كلماته عليه السّلام يوم الطف من أروع ما أُثِرَ من الكلام العربي، في تصوير العِزة، والمنعة، والاعتداد بالنفس، فكان يقول عليه السّلام: أَلا وَإِنَّ الدَّعي ابنَ الدَّعي قَد رَكزَ بَينَ اثنَتَينِ، بَين السِّلَّةِ والذِّلَّة، وهَيهَات مِنَّا الذِّلَّة، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وحِجُور طَابَتْ وَطَهُرتْ، وأُنُوفٌ حَميّة، ونُفوسٌ أَبِيَّة، مِن أنْ نُؤثِر طَاعةَ اللِّئامِ عَلى مَصَارِعِ الكِرَام.
ووقف عليه السّلام يوم الطف كالجبل الصامد، غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة من جيوش الردّة الأموية.
وقد ألقى عليهم وعلى الأجيال أروع الدروس عن الكرامة وعِزَّة النفس وشَرَف الإباء قائلاً عليه السّلام: وَالله لا أُعطِيكُم بِيَدي إِعطاء الذَّليل، وَلا أفرّ فِرارَ العَبيد....
وألقت هذه الكلمات المشرقة الأضواء على مدى ما يحمله الإمام العظيم من الكرامة التي التي لا حَدَّ لأبعادها، والتي هي من أروع ما حفل به تاريخ الإسلام من صُوَر البطولات الخالدة في جميع الأحقاب.
وقد تسابق شعراء أهل البيت عليهم السّلام إلى تصوير هذه الظاهرة الكريمة، فكان ما نَظَموه في ذلك من أَثمَن ما دَوَّنَته مصادر الأدب العربي.
وقد عنى شاعر أهل البيت عليهم السّلام السيد حيدر الحلي إلى تصوير ذلك في كثير من روائعه الخالدة، التي رثى بها جَدَّه الإمام الحُسين عليه السّلام، فيقول:
طَمعت أن تسومه القوم ضَيماً *** وَأبى اللهُ وَالحُسَام الصَّنِيعُ
كيف يَلوي عَلى الدَّنيَّة جِيداً *** لِسِوَى الله مَا لَوَاه الخُضوعُ
وَلَديه جأش أرد من الدِّرع *** لِظَمأى القَنا وَهُنَّ شُروعُ
وَبِه يرجع الحفاظ لِصَدرٍ *** ضَاقت الأرضُ وَهي فِيهِ تَضِيعُ
فَأبى أن يَعيشَ إِلا عَزيزاً *** أَو تَجَلَّى الكِفَاح وَهو صَريعُ
ولم تُصَوَّر منعة النفس وإباؤها بمثل هذا التصوير الرائع، فقد عرض السيد حيدر إلى ما صَمَّمَت عليه الدولة الأموية من إرغام الإمام الحُسين عليه السّلام على الذل والهَوان، وإخضاعه لِجَورِهم واستِبدَادهم.
ولكن يأبى الله له عليه السّلام ذلك، وتأبى له نفسه العظيمة التي ورثت عِز النبوة أن يُقر على الضيم.
فإنه عليه السّلام لم يَلوِ جِيدَهُ خاضعاً لأي أحد إلا لله عزَّ وجلَّ، فكيف يخضع لأقزام بني أمية، وكيف يَلوِيه سُلطانهم عن عَزمِه الجَبّار الذي هو أَرَدّ من الدرع للقنا الظامئة.
ويقول السيد حيدر في رائعة أخرى يصف بها إباء الإمام عليه السّلام وسُموّ ذاته، ولعلها من أجمل ما رَثَى به الإمام عليه السّلام حيث يقول:
وسامَتهُ يَركَبُ إِحدَى اثْنَتَينِ *** وَقد صَرَّتِ الحَربُ أسنَانَها
فإما يُرَى مُذعِناً أو تموت *** نَفسٌ أبَى العِزّ إِذعَانَها
فَقال لَهَا: اعتصِمي بِالإِبَاء *** فَنَفْسُ الأبِيّ وما زَانَها
إِذا لم تَجِد غَير لِبسِ الهَوَانِ *** فَبِالمَوتِ تَنزَعُ جُثمَانَها
رَأى القَتلَ صَبراً شِعارَ الكِرَام *** وَفخراً يَزينُ لَها شَانَهَا
فَشَمَّرَ لِلحَربِ فَي مَعرَكٍ *** بِه عركَ المَوتُ فُرسَـانَها
فهذا هو إباء الإمام الحُسين عليه السّلام، وهذه هي عزَّة نفسه.
علمه عليه السلام بشهادته
أخبر الإمام الحُسين عليه السلام بشهادته مراراً:
1ـ عن عبد الله بن عباس، قال:لقيت الحُسين بن عليّ وهو يخرج إلى العراق، فقلت له: يا بن رسول الله، لا تخرج.
قال: فقال لي: يا بن عباس، أما علمت أن منيتي من هناك، وأن مصارع أصحابي هناك؟!
فقلت له: فأنى لك ذلك؟ قال: بسرّ سرّ لي، وعلم أعطيته.
2ـ عن إبراهيم بن سعد قال: أخبرني أنه كان مع زهير بن القين حين صحب الحُسين عليه السّلام، فقال له: يا زهير، إعلم أن ها هنا مشهدي، ويحمل هذا من جسدي - يعني رأسه - زحر بن قيس، فيدخل به على يزيد يرجو نواله، فلا يعطيه شيئاً.
3ـ عن الأعمش، قال: قال لي أبو مُحمّد الواقدي وزرارة بن جلح:
لقينا الحُسين بن عليّ عليهما السّلام قبل أن يخرج إلى العراق بثلاث ليال، فأخبرناه بضعف الناس في الكوفة، وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء ونزل من الملائكة عدد لا يحصيهم إلا الله، وقال:
لولا تقارب الأشياء وحبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء، ولكن أعلم علماً أن من هناك مصعدي وهناك مصارع أصحابي، لا ينجو منهم إلا ولدي عليّ.
4ـ عن راشد بن مزيد، قال: شهدت الحُسين بن عليّ عليه السّلام وصحبته من مكة حتّى أتينا القطقطانة، ثمّ استأذنته في الرجوع، فأذن لي، فرأيته وقد استقبله سبع عقور فكلمه، فوقف له فقال:
ما حال الناس بالكوفة؟
قال: قلوبهم معك وسيوفهم عليك.
قال: ومن خلفت بها؟
قال: ابن زياد، وقد قتل مسلم بن عقيل.
قال: وأين تريد؟ قال: عدن.
قال له: أيها السبع، هل عرفت ماء الكوفة؟ قال: ما علمنا من علمك إلا ما زودتنا.
ثمّ انصرف وهو يقول: وما ربك بظلام للعبيد، قال: كرامة من ولي وابن ولي.
كراماته عليه السلام بعد مقتله من مصادر أبناء العامّة
وردت كثير من الروايات في مصادر أبناء العامة تتحدث عن بعض الظواهر الكونية، والحوادث، والفتن، التي ظهرت عقيب مقتل الإمام الحُسين عليه السّلام، أسفاً وحزناً عليه، ونذكر منها:
الكرامة الأولى: ما روي من أن السماءَ صارت تَمطُر دماً
عن أمّ حكيم قالت: قُتِلَ الحُسين وأنا يومئذ جويرية، فمكثت السماء أياماً مثل العلقة رواه الطبراني ورجاله إلى أمّ حكيم رجال الصحيح.
الكرامة الثانية: ما روي من كسوف الشمس
عن أبي قبيل قال: لما قتل الحُسين بن عليّ انكسَفَت الشمس كسفة حتّى بدت الكواكب نصف النهار، حتّى ظننَّا أنها هي، أي: القيامة رواه الطبراني وإسناده حسن.
ونقل ذلك أيضاً السيوطي في تاريخ الخلفاء / 207، وأرسله إرسال المسلّمات، فقال: ولما قتل الحُسين مكثت الدنيا سبعة أيام والشمس على الحيطان كالملاحف المعصفرة، والكواكب يضرب بعضها بعضاً، وكسفت شمس ذلك اليوم، واحمرَّت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله.
ثمّ لا زالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك ولم تكن ترى فيها قبله.
الكرامة الثالثة: ما ورد في الدم الذي ظهر على الجُدُر
قال حصين: فلما قتل الحُسين لبثوا شهرين أو ثلاثة، كأنما تلطخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتّى ترتفع رواه الطبري في تاريخه 4 / 296.
الكرامة الرابعة: ما رُفع حجر إلا وُجِد تحته دم
عن الزهري قال: قال لي عبد الملك أي واحد أنت إن أعلمتني أي علامة كانت يوم قتل الحُسين.
فقلت: لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم عبيط.
فقال لي: إني وإياك في هذا الحديث لقرينان رواه الطبراني ورجاله ثقات.
وعن الزهري قال: ما رفع بالشام حجر يوم قتل الحُسين بن عليّ إلا عن دم رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
وروى ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء، والبيهقي في دلائل النبوة وأبو نعيم الأصفهاني في معرفة الصحابة.
الكرامة الخامسة: ذبحوا جزوراً فصار كله دماً
عن دويد الجعفي عن أبيه قال: لما قتل الحُسين انتهبت جزور من عسكره، فلما طبخت إذا هي دم رواه الطبراني ورجاله ثقات، ورواه أبو نعيم الأصفهاني في معرفة الصحابة.
الكرامة السادسة: الفتن والحوادث الغريبة
قال ابن كثير في تاريخه 8 / 220: وأما ما روي من الأحاديث والفتن التي أصابت من قتله فأكثرها صحيح، فإنه قلَّ من نجا من أولئك الذين قتلوه من آفة وعاهة في الدنيا، فلم يخرج منها حتّى أصيب بمرض، وأكثرهم أصابه الجنون رواه الطبراني ورجاله رجال صحيح.
وقال في 6 / 259: وقد روى حَمَّاد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمارة، عن أمّ سلمة، أنها سمعت الجِنَّ تنوح على الحُسين بن عليّ، وهذا صحيح.
كراماته عليه السلام العامّة
يتميّز الأئمة عليهم السّلام بارتباطٍ خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب، بسبَبِ مقامِ العصمة والإمامة، ولَهُم - مثل الأنبياء - معاجزٌ وكرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى، وكونَهم أئمّة.
وللإمام الحُسين عليه السّلام معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ، سجَّلَتْها كتبُ التاريخ، ونذكر هنا بعضاً منها:
الكرامة الأولى:
عن أبي خالد الكابلي عن يحيى ابن أمّ الطويل: قال كنا عند الإمام الحُسين عليه السّلام إذ دخل عليه شاب يبكي، فقال له الإمام الحُسين عليه السّلام: مَا يُبْكِيكَ ؟.
قال: إنّ والدتي توفيت في هذه الساعة ولم توص، ولها مال، وكانت قد أمرتني أن لا أحدث في أمرها شيئاً حتّى أعلمك خبرها.
فقال الإمام الحُسين عليه السّلام: قُومُوا بِنَا حتّى نَصِيرُ إلى هَذِهِ الحُرَّة.
فقمنا معه حتّى انتهينا إلى باب البيت الذي فيه المرأة، وهي مسجّاة فأشرف على البيت ودعا الله ليُحيِيها حتّى توصي بما تحب من وصيَّتها.
فأحياها الله، وإذا المرأة جلست وهي تتشهّد، ثمّ نظرت إلى الإمام الحُسين عليه السّلام فقالت: ادخل البيت يا مولاي ومُرني بأمرِك.
فدخل عليه السّلام وجلس على مخدّة، ثمّ قال لها: وَصِّي يَرْحَمك اللهُ.
فقالت: يا ابن رسول الله، إنّ لي من المال كذا وكذا في مكان كذا وكذا، وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك، والثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من مواليك وأوليائك، وإن كان مخالفاً فخذه إليك فلا حقَّ للمخالفين في أموال المؤمنين.
ثمّ سألته أن يصلّي عليها وأن يتولَّى أمرها، ثمّ صارت المرأة ميتة كما كانت.
الكرامة الثانية:
روي عن جابر الجعفي عن الإمام زين العابدين عليه السّلام قال: أقبل أعرابي إلى المدينة ليختبر الحُسين عليه السّلام لما ذكر له من دلائله، فلمّا صار بقرب المدينة خضخض ودخل المدينة، فدخل على الإمام الحُسين عليه السّلام وهو جنب.
فقال له الإمام الحُسين عليه السّلام: أمَا تَسْتَحيي يَا أعْرَابي أنْ تَدخُلَ إلَى إِمَامِكَ وَأنْتَ جُنُب.
وقال عليه السّلام: أنتُمْ مَعَاشِرَ العَرَب إذا خَلَوتُم خَضْخَضْتُم.
فقال الأعرابي: يا مولاي قد بلغت حاجتي ممّا جئت فيه، فخرج من عنده فاغتسل، ورجع إليه فسأله عمّا كان في قلبه.
الكرامة الثالثة:
روي عن هارون بن خارجة عن الإمام الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام قال: إنّ الحُسين عليه السّلام إذا أراد أن ينفذ غلمانه في بعض أموره قال لهم: لا تخرجوا يوم كذا، واخرجوا يوم كذا، فإنّكم إن خالفتموني قطع عليكم، فخالفوه مرة وخرجوا، فقتلهم اللصوص وأخذوا ما معهم، واتصل الخبر بالحسين عليه السّلام فقال: لَقَد حَذَّرتُهُم فَلَم يَقبَلُوا مِنِّي.
ثمّ قام عليه السّلام من ساعته ودخل على الوالي، فقال الوالي: يا أبا عبد الله بلغني قتل غلمانك فآجرك الله فيهم.
فقال الإمام الحُسين عليه السّلام: فإنِّي أدُلُّكَ عَلَى مَن قَتَلَهم فاشدُدْ يَدَك بِهِم.
قال: أوَ تعرفهم يا ابن رسول الله؟ فقال عليه السّلام: نَعَم، كَمَا أعرفُكَ، وَهَذا مِنهُم.
وأشار عليه السّلام بيده إلى رجل واقف بين يدي الوالي، فقال الرجل: ومن أين قصدّتني بهذا؟ ومن أين تعرف أنّي منهم.
فقال له الإمام الحُسين عليه السّلام: إنْ أنَا صَدَّقتُكَ تُصدِّقُني ؟ فقال الرجل: نعم والله لأصدقنَّك، فقال عليه السّلام: خَرجْتَ وَمَعَكَ فلان وفلان وذكرهم كلّهم، فمنهم أربعة من موالي المدينة، والباقون من حبشان المدينة.
فقال الوالي للرجل ورب القبر والمنبر، لتصدّقني أو لأهرأن لحمك بالسياط، فقال الرجل والله ما كذب الحُسين وقد صدق وكأنّه كان معنا، فجمعهم الوالي جميعاً فأقرّوا جميعاً، فضرب أعناقهم.
الكرامة الرّابعة:
إنّ رجلاً صار إلى الإمام الحُسين عليه السّلام فقال: جئتُك أستشيرك في تزويجي فلانة، فقال عليه السّلام: لا أحبُّ ذلكَ لَك، وكانت كثيرة المال، وكان الرجل أيضاً مكثراً، فخالف الإمام الحُسين عليه السّلام، فتزوج بها فلم يلبث الرجل حتّى افتقر، فقال له الإمام الحُسين عليه السّلام: قَدْ أشرْتُ إليكَ فَخَلِّ سَبيلَها، فإنَّ اللهَ يعوِّضُكَ خيراً مِنهَا.
ثمّ قال عليه السّلام: وَعَليكَ بفلانة، فتزوّجها فما مضت سنة حتّى كثر ماله، وولدت له ولداً ذكراً، ورأى منها ما أحب.
الكرامة الخامسة:
لمّا ولد الإمام الحُسين عليه السّلام أمر الله تعالى جبرائيل أن يهبط في ملإ من الملائكة فيهنئ محمّداً فهبط، فمر بجزيرة فيها ملك يقال له فطرس بعثه الله في شيء فأبطأ فكسر جناحه، وألقاه في تلك الجزيرة، فعبد الله سبعمائة عام، فقال فطرس لجبرائيل: إلى أين؟ قال: إلى مُحمّد، قال: احملني معك إلى مُحمّد لعلّه يدعو لي، فلمّا دخل جبرائيل وأخبر محمّداً بحال فطرس، قال له النّبيّ: قل له يمسح بهذا المولود جناحه، فمسح فطرس بمهد الحُسين عليه السّلام، فأعاد الله عليه في الحال جناحه، ثمّ ارتفع مع جبرائيل إلى السماء، فسمّي عتيق الحُسين عليه السّلام.
الكرامة السادسة:
إنّ الإمام الحُسين عليه السّلام لمّا أراد العراق، قالت له أمّ سلمة: لا تخرج إلى العراق، فقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: يقتل ابني الحُسين بأرض العراق، وعندي تربة دفعها إليّ في قارورة، فقال: والله إنّي مقتول كذلك، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلونني أيضاً، وإن أحببت أن أريك مضجعي ومصرع أصحابي.
ثمّ مسح بيده على وجهها، ففسح الله في بصرها حتّى أراها ذلك كلّه، وأخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضاً في قارورة أخرى، وقال عليه السّلام: فإذا فاضتا دماً فاعلمي أنّي قد قتلت، فقالت أمّ سلمة: فلمّا كان يوم عاشوراء نظرت إلى القارورتين بعد الظهر فإذا هما قد فاضتا دماً، فصاحت، ولم يقلب في ذلك اليوم حجر ولا مدر إلاّ وجد تحته دم عبيط.
الكرامة السابعة:
روي عن الإمام زين العابدين عليه السّلام أنّه قال: لمّا كانت الليلة التي قتل فيها الحُسين عليه السّلام في صبيحتها، قام في أصحابه فقال عليه السّلام: إنّ هؤلاء يريدونني دونكم، ولو قتلوني لم يقبلوا إليكم، فالنجاء النجاء، وأنتم في حل فإنّكم إن أصبحتم معي قتلتم كلّكم، فقالوا: لا نخذلك ولا نختار العيش بعدك، فقال عليه السّلام: إنّكم تقتلون كلّكم حتّى لا يفلت منكم واحد، فكان كما قال عليه السّلام.
الكرامة الثامنة:
روى عن أبي عون قال: لما خرج حسين بن عليّ من المدينة يريد مكة مرّ بابن مطيع وهو يحفر بئره فقال له: أين، فداك أبي وأمي؟ قال: أردتُ مكةّ… وذكر له أنه كتب إليه شيعته بها فقال له ابن مطيع: إني فداك أبي وأمي متّعنا بنفسك ولا تسر إليهم فأبى الحسين فقال له ابن مطيع: إن بئري هذه قد رشحتها وهذا اليوم أوان ما خرج إلينا في الدلو شيء من ماء فلو دعوت الله لنا فيها بالبركة. قال: هات من مائها فأتى من مائها في الدلو فشرب منه ثمّ مضمض ثمّ ردّه في البئر فأعذب وأمهى.
إبطاله عليه السلام لشبهات المبطلين والمعاندين
للإمام عليه السّلام تراث رائع، خاض في جملة منه مجموعة من البحوث الفلسفية والمسائل الكلامية التي مُنيت بالغموض والتعقيد، فأوضحها عليه السّلام، وبيَّن وِجهة الإسلام فيها، ونعرض فيما يلي لبعض ما أُثِر عنه:
كلامه عليه السلام في معنى التوحيد
قال عليه السلام:
أيُّها النَّاس، اتقوا هؤلاء المارقة الذين يُشبِّهون الله بأنفسهم، يضاهون قول الذين كفروا من أهل الكتاب، بل هو الله ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير.
استخلص الوحدانية والجَبَروت، وأمضى المشيئة، والإرادة، والقدرة، والعلم بما هو كائن، لا منازع له في شيء من أمره، ولا كُفو له يعادِلُه، ولا ضِدّ له ينازعه، ولا سَمِيّ له يشابهه، ولا مثل له يشاركه.
لا تتداوله الأمور، ولا تجري عليه الأحوال، ولا ينزل عليه الأحداث، ولا يقدر الواصفون كُنهَ عظمته، ولا يخطر على القلوب مَبلغ جبروته، لأنه ليس له في الأشياء عديل.
ولا تدركه العلماء بألبابها، ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلا بالتحقيق، إيقانا بالغيب لأنه لا يوصف بشيء من صفات المخلوقين، فذلك الله لا سَمِيّ له، سبحانه ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير.
وحذّر الإمام عليه السّلام من تشبيه الخالق العظيم بعباده، أو بسائر الممكنات التي يلاحقها العدم، ويطاردها الفناء.
كلامه عليه السلام مع نافع الأزرق
يقول المؤرخون إن حَبْر الأمة عبد الله بن عباس كان يُحدِّث الناس في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقام إليه نافع الأزرق فقال له: تُفتي الناس في النملة والقَملة، صف لي إِلَهَك الذي تعبُد؟
فأطرقَ إعظاما لقوله، وكان الإمام الحُسين عليه السّلام جالساً فانبرى قائلاً: إِليَّ يا بن الأزرق ؟
فقال نافع: لَستُ إِيَّاك.
فثار ابن عباس، وقال له: إنه من بيت النبوة، وهم وَرَثة العلم.
فأقبل نافع نحو الإمام عليه السّلام، فقال عليه السّلام: يا نافع، من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس سائلاً ناكباً عن المنهاج، ظاعناً بالاعْوِجَاج، ضالاً عن السبيل، قائلاً غير الجميل.
أصفُ لك إلهي بما وصفَ به نفسه، وأعَرِّفُه بما عَرَّف به نفسه، لا يُدركُ بالحواس، ولا يقاس بالناس، قريبٌ غير مُلتَصِق، بعيد غير منتقص يوحد ولا يبغض معروف، بالآيات موصوف، بالعلامات لا إله إلا هو الكبير المُتَعَال.
فحارَ الأزرق، ولم يُطِق جواباً، فقد مَلَكَته الحيرة، وسدَّ عليه الإمام عليه السّلام كل نافذة ينفذ منها، وبُهِر جميع من سمعوا مقالة الإمام عليه السّلام، وراحوا يُرَدِّدُون كلام ابن عباس: إِنَّ الحُسين عليه السّلام مِن بيت النبوَّة، وَهُم وَرَثَة العلم.
كلامه عليه السّلام في معنى الصّمَد
كتب إليه عليه السّلام جماعة يسألونه عن معنى الصمد في قوله تعالى: اللهُ الْصَّمَدُ.
فكتب عليه السّلام لهم بعد البسملة: أما بعد: فلا تخوضوا في القرآن، ولا تُجادلوا فيه، ولا تتكلموا فيه بِغَير عِلم، فقد سمعت جَدِّي رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: مَن قال في القرآن بغير عِلمٍ فَلْيَتَبَوَّأُ مقعدُهُ من النار.
وإن الله سبحانه قد فَسَّر الصمد فقال: اللهُ أَحَدُ * اللهُ الْصَّمَدُ.
ثمّ فَسَّرهُ فقال: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.
لَمْ يَلِدْ: لم يخرج منه شيء كثيف، كالولد وسائر الأشياء الكثيفة، التي تخرج من المخلوقين.
ولا شيء لطيف كالنفس، ولا يتشعب من البدوات كالسِّنَة والنوم والخطرة، والهم والحزن، والبهجة والضحك، والبكاء والخوف، والرجاء والرغبة والسأمة، والجوع والشبع، تعالى عن أن يخرج منه شيء، وأن يتولَّدَ منه شيء كثيف أو لطيف.
وَلَمْ يُولَدْ: لم يتولد منه شيء، ولم يخرج منه شيء كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرهم، والدابة من الدابة، والنبات من الأرض، والماء من الينابيع، والثمار من الأشجار.
ولا كما يخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها، كالبصر من العين، والسمع من الأذن، والشم من الأنف، والذوق من الفم، والكلام من اللسان، والمعرفة والتمييز من القلب، وكالنار من الحجر.
لا، بل هو الله الصمد الذي لا شيء، ولا في شيء، ولا على شيء، مبدع الأشياء وخالقها، ومنشئ الأشياء بقدرته، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته، ويبقى ما خلق للبناء بعلمه، فذلكم اللهُ الصَّمد، الذي لم يلد ولم يولد، عالم الغيب والشهادة، الكبير المُتَعال، وَلم يَكُن لَهُ كُفوا أحد.
فضائله عليه السلام على لسان الصحابة
روى الكنجي بإسناده عن ابن عباس، قال: أوحى الله تعالى إلى مُحمّد صلّى الله عليه وآله: إنّي قد قتلت بيحي بن زكريّا سبعين ألفاً، وأنّي قاتل بابن بنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً.
روى السيوطي بإسناده عنه قال: ما كنا نشك وأهل البيت متوافرون أنّ الحُسين يُقتل بالطّف.
روى الخوارزمي بإسناده عن جابر قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وآله ومعه الحُسين بن عليّ فعطش فطلب له النّبيّ ماء فلم يجده فأعطاه لسانه فمصّه حتّى روي.
روى ابن حجر بإسناده عن العيزار بن حرب بينا عبد الله بن عمر جالس في ظل الكعبة إذ رأى الحُسين مقبلاً، فقال: هذا أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.
روى الكنجي بإسناده عن أبي المهزم، قال: كنّا مع جنازة امرأة ومعنا أبو هريرة فجيء بجنازة رجل فجعله بينه وبين المرأة فصلّى عليهما، فلمّا اقبلنا أعيى الحُسين فقعد في الطريق فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الحُسين عليه السّلام: يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا؟ فقال أبو هريرة: دعني فوالله لو علم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم.
روى ابن الأثير بإسناده عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه، قال: كنت في مسجد الرسول صلّى الله عليه وآله في حلقة فيها أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر فمرّ بنا حسين بن عليّ، فسلّم فردّ القوم السّلام، فسكت عبد الله حتّى فرغوا ثمّ رفع صوته، وقال: وعليك السّلام ورحمته وبركاته.
ثمّ أقبل على القوم، فقال: ألا أخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟ قالوا: بلى، قال: هو هذا الماشي، ما كلمني كلمة منذ ليالي صفين ولأن يرضى عني أحبّ إليّ من أن يكون لي حمر النعم، فقال أبو سعيد: ألا تعتذر إليه؟ قال: بلى، قال: فتواعدا أن يغدوا إليه، قال: فغدوت معهما، فاستأذن أبو سعيد فأذن له فدخل، ثمّ استأذن لعبد الله فلم يزل به حتّى أذن له، فلمّا دخل قال أبو سعيد: يا بن رسول الله انك لما مررت بنا أمس، فأخبره بالذي كان من قول عبد الله بن عمر فقال حسين: أعلمت يا عبد الله أنّي أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟ قال: إي ورب الكعبة. قال: فما حملك على أن قاتلتني، وأبي يوم صفين....
روى الهيثمي بإسناده عن زيد بن أرقم، قال: لما أتي ابن زياد برأس الحُسين رضي الله عنه فجعل يجعل قضيباً في يده وفي عينه وأنفه، فقال زيد بن أرقم، ارفع القضيب، قال له: لِمَ؟ فقال: رأيت فم رسول الله صلّى الله عليه وآله في موضعه
أقوال صفوة من العلماء والمفكرين في الحسين عليه السلام
مُحمّد جواد مغنية
قال في كتابه المجالس الحسينية:
إن الحُسين عند شيعته والعارفين بأهدافه ومقاصده ليس اسماً لشخص فحسب، وإنما هو رمز عميق الدلالة، رمز للبطولة والإنسانية والأمل وعنوان للدين والشريعة والفداء والتضحية في سبيل الحق والعدالة.
وقال أيضاً: دماء كر بلاء لم تكن ثمناً لحرية فرد أو شعب أو جيل بل ثمناً للدين الحنيف والإنسانية جمعاء ثمناً لكتاب الله وسنة الرسول ومن هنا كان لها ما للقرآن والإسلام من التقديس والإجلال.
عباس عليّ الموسوي
قال في كتابه دروس من ثورة الحُسين عليه السّلام:
إن ثورة الحُسين عليه السّلام وإن وقعت في العاشر من المحرم عام 61هـ وإن جرت أحداثها على ثرى كر بلاء وإن قام بها الحُسين عليه السّلام وأهل بيته وصحبه.فإنها غدت بعد ذلك المكان والزمان والأشخاص رمزاً ينطلق منه كل من أراد الحياة العزيزة والدفاع عن المستضعفين والمضطهدين. غدت المثل الأعلى لكل ثائر ينشد الحرية ويطلب الحق.
وقال: إن الإمام الحُسين عليه السّلام هو الشخصية المتفردة بحب الناس دون أن يدفع إليهم مالاً أو يغريهم بسلطان، بل للصفات التي يتمتع بها والمناقب التي اجتمعت فيه دون غيره.
وقال أيضاً: الحُسين هو القبلة الوحيدة التي يجوز أن تؤمها الناس وتتجه إليها ليس له بديل ولا عديل، إنه الإنسان الذي عانقت نفسه نفوس أبناء الشعب فالتحمت في وحدة متكاملة فكانوا القاعدة وكان الرأس.
مُحمّد تقي باقر:
من كتابه الإمام الحُسين.. استراتيجية الموقف
الحُسين علم الأجيال كيف يواجهوا الحق ويجابهوا الظلم ورسم معالم لبناء المدينة الفاضلة بوضوح.
لبيب بيضون
قال في كتابه خطب الإمام الحُسين على طريق الشهادة:
ما أظن أن إنساناً في مسرح التاريخ والبطولة، استطاع أو يستطيع أن تكون له مثل هذه الكفاءات العالية، والمواهب الفريدة النادرة.. غير الإمام الحُسين عليه السّلام ليمثل هذا الدور الجوهري الخطير في قيادة حركة الإيمان وإحياء دعوة الإسلام.
وقال أيضاً: إن دروس الحُسين عليه السّلام دروس عميقة بالغة الأثر والتأثير، تعلمنا - إضافة لدروس التضحية والبطولة والفداء أن ننظر إلى الأمور نظرة بعيدة مديدة، عميقة محيطة مترامية، فيكون جهادنا وفداؤنا قرباناً للأجيال المتحدرة والأحقاب المتلاحقة، لا أن يكون قرباناً عابراً، يستهدف اللحظة الراهنة.
هاشم معروف الحسيني
قال في كتابه من وحي الثورة الحسينية:
إن ثورة الحُسين كانت الوهج الساطع الذي أضاء المسالك لمن أراد المسيرة بالإسلام في طريقها الصحيح والمرآة الصافية للتخلص من الحاضر الذي كانت تعيشه الأمة ومن واقعها الذي كانت ترسف في أغلاله.
وقال: لقد كان الحُسين الوارث الوحيد لتلك الثورة التي فجرها جده الرسول الأعظم على الجاهلية الرعناء والعنصرية والوثنية لإنقاذ المستضعفين في الأرض من الظلم والتسلط والاستعباد.
وقال أيضاً: لقد وقف الحُسين وقفته العظيمة التي صيرت العقول بما فيها من معاني البطولات والتضحيات التي لم يحدث التاريخ بمثلها في سبيل العقيدة والمبدأ وحرية الإنسان وكرامته.
الشيخ حسين معتوق
قال: لم تعد ثورة الحُسين عليه السّلام تمثل حركة شخصية أو مصيبة فردية ليقال أنه مضى زمانها وانتهى وقتها وإنما هي رمز للاستشهاد وفي سبيل الحق وهي بذلك سوف تعيش في ضمير الإنسان ووجدانه ما بقي هذا الإنسان.
الشيخ عبد الوهاب الكاشي
قال في كتابه مأساة الحُسين:
كل ما في عالمنا اليوم من إسلام ومسلمين بالمعنى الصحيح فإنهما مدينان في البقاء لفضل ثورة الحُسين عليه السّلام وإن بقائهما أهم ثمرات تلك الثورة.
آية الله السيد عبد الحُسين دستغيب
قال: البكاء على الحُسين عليه السّلام يوجب قبول التوبة وهو سبب طهارة القلب من الأوساخ، وبالطبع فإن جميع الخلق محتاجون إلى الشفاعة.
وقال: إن الله يظهر عزّة الحُسين عليه السّلام كما أن الحُسين عليه السّلام أظهر عزّة الله في عاشوراء.
وقال أيضاً: إن الأجر الذي يعطيه الله لمن يتذكر مصيبة الحُسين عليه السّلام في أي وقت من الأوقات، تلك المصائب التي تحرق القلب، وتنهمر منها الدموع، هو أجر مصيبة الحُسين عليه السّلام.
العلامة الشيخ أسد حيدر
قال في كتابه مع الحُسين في نهضته:
الحُسين استهان بالحياة، اعتزازاً بدينه، وحرصاً على كرامة أمته، فقابلهم بعزيمة وثبات، وإصرار على مواجهة الأخطار مهما كان نوعها.
آية الله الشيخ مُحمّد مهدي شمس الدين
قال في كتابه ثورة الحُسين ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية:
كانت ثورة الحُسين عليه السّلام السبب في انبعاث الروح النضالية في الإنسان المسلم من جديد بعد فترة طويلة من الهمود والتسليم.
وقال أيضاً: ثورة الحُسين قدمت للإنسان المسلم أخلاقاً جديدة تقول له: لا تستسلم، لا تساوم على إنسانيتك، ناضل قوى الشر ما وسعك، ضح بكل شيء في سبيل مبدئك.
سليمان كتاني
قال في كتابه الإمام الحُسين عليه السّلام في حلّة البر:
لم تكن مسيرة الحُسين عليه السّلام غير ثورة في الروح لم ترض بسيادة الغيّ والجهل والغباء.
وقال أيضاً: ما أروع الحُسين في جهازه النفسي المتين، يتلقط بكل حدث من الأحداث التي دارت بها أيامه، ليصوغ من احتكاكها الشرارة الأصلية التي تدفأ بها ضلوع الأمة وهي تمشي دروبها في ليالي الصقيع.
العلامة الشيخ حسن الصفار
قال في كتابه الحُسين ومسؤولية الثورة:
الحُسين ليس حكراً على طائفة وإن هو إمام لكل المسلمين وسبط رسول الله الذي هو بني الأمه جمعاء واستشهد من أجل دين الله ودفاعاً عن حقوق عباد الله.
وقال أيضاً: ثار الحُسين على كل هذا التحول الرجعي الذي حدث في حياة الأمه وأراد إصلاحها بإيقاظ روخح التضحية، والنضال في أعماقها وبإعادة الثقة بنفسها.
عبد الودود الأمين
قال في كتابه الإمام الحُسين بن عليّ عليه السّلام الشهيد:
الحُسين بن عليّ معين الحياة الذي لا ينضب وروحها التي لا تهرم وقلبها الذي لا يهدأ.
وقال: الحُسين جو الإباء المتجسد على الأرض وهو الصلابة الحقة في وجه الظالم الفاني.
وقال أيضاً: الحُسين مدرسة شاملة في الأدب والسلوك والصلابة والتمسك بالمبدأ.
عبد الرحمن الشرقاوي
قال في مقدمة الإهداء لمسرحيته الحُسين ثائراً وشهيداً:
إلى ذكرى أمي التي علمتني منذ طفولتي أن أحب الحُسينعليه السّلام، ذلك الحب الحزين الذي يخالطه الإعجاب والإكبار والشجن، ويثير في النفس أسى غامضاً، وحنيناً خارقاً للعدل والحرية والإخاء وأحلام الخلاص.
الشيخ أحمد بدر الدين الحسون مفتي حلب الأكبر
قال: يوم عاشوراء هو يوم تجدد المواقف بين الحق والباطل انتصر الله فيه بالحق على الباطل بموسى على فرعون وبالحسين على يزيد وهو فرعون هذه الأمة.
المحامي الأردني أحمد حسين يعقوب
قال: دمعت عيناي على الحُسين عليه السّلام فقادني جرحي النازف إلى التشييع.
السيد المغربي إدريس الحُسين
قال في كتابه لقد شيعني الحُسين عليه السّلام:
لقد شيعني الحُسين عليه السّلام حقيقة، لأنه وضعني على عتبة التشيع، وأتمنى أن يشيعني مرة ثانية، لينطلق بي إلى الفضاءات الأوسع في عالم التشيع.
قالوا في الامام الحسين من غير المسلمين من المستشرقين وغيرهم
المستشرق الإنجليزي ادوار دبروان
قال: وهل ثمة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثاً عن كربلاء؟ وحتى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح التي وقعت هذه المعركة في ظلها.
الكاتب الإنجليزي المعروف كارلس السير برسي سايكوس ديكنز
قال: إن كان الإمام الحُسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية، فإنني لا أدرك لماذا اصطحب معه النساء والصبية والأطفال؟ إذن فالعقل يحكم أنه ضحى فقط لأجل الإسلام.
الهندوسي والرئيس السابق للمؤتمر الوطني الهندي تاملاس توندون
قال: هذه التضحيات الكبرى من قبيل شهادة الإمام الحُسين رفعت مستوى الفكر البشري، وخليق بهذه الذكرى أن تبقى إلى الأبد، وتذكر على الدوام.
الزعيم الهندي غاندي
قال: لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحُسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الحُسين.
موريس دوكابري
قال: يقال في مجالس العزاء أن الحُسين ضحى بنفسه لصيانة شرف وأعراض الناس، ولحفظ حرمة الإسلام، ولم يرضخ لتسلط ونزوات يزيد، إذن تعالوا نتخذه لنا قدوة، لنتخلص من نير الاستعمار، وأن نفضل الموت الكريم على الحياة الذليلة.
توماس ماساريك
قال: على الرغم من أن القساوسة لدينا يؤثرون على مشاعر الناس عبر ذكر مصائب المسيح، إلا أنك لا تجد لدى أتباع المسيح ذلك الحماس والانفعال الذي تجده لدى أتباع الحُسين لا تمثل إلا قشة أمام طود عظيم.
العالم والأديب المسيحي جورج جرداق
قال: حينما جنّد يزيد الناس لقتل الحُسين وإراقة الدماء، وكانوا يقولون: كم تدفع لنا من المال؟ أما أنصار الحُسين فكانوا يقولون لو أننا نقتل سبعين مرة، فإننا على استعداد لأن نقاتل بين يديك ونقتل مرة أخرى أيضاً.
المستشرق الإنجليزي السير برسي سايكوس
قال: حقاً إن الشجاعة والبطولة التي أبدتها هذه الفئة القليلة، على درجة بحيث دفعت كل من سمعها إلى إطرائها والثناء عليها لا إرادياً. هذه الفئة الشجاعة الشريفة جعلت لنفسها صيتاً عالياً وخالداً لا زوال له إلى الأبد.
إنطون بارا
قال في كتابه الحُسين في الفكر المسيحي:
واقعة كر بلاء لم تكن موقعه عسكرية انتهت بانتصار وانكسار بل كانت رمزاً لموقف أسمى لا دخل له بالصراع بين القوة والضعف، بين العضلات والرماح بقدر ما كانت صراعاً بين الشك والإيمان بين الحق والظلم.
وقال أيضاً: آثر الحُسين عليه السّلام صلاح أمة جده الإنسانية الهادية بالحق العادلة به على حياته، فكان في عاشوراء رمزاً لضمير الأديان على مر العصور.
الدكتور بولس الحلو
قال: الحالة الحسينية ليست مقتصرة على الشيعة فحسب، إنما هل عامة وشاملة ولهذا فإننا نجد أن ارتباط الثورة الحسينية بمبدأ مقارعة الظلم جعلها قريبة جداً من الإنسان أيا كانت ديانته وعقيدته لأنه ما دام هناك ظالم ومظلوم فلا بد أن يكون هناك يزيد والحسين كرمزين أساسيين لكل من الجهتين.
شهادته عليه السلام
استشهد في العاشر من المحرّم سنة 61 هـ بأرض كربلاء المقدّسة.
سبب شهادته عليه السلام
قتل عليه السّلام شهيداً في معركة كربلاء، وهو يدافع عن دين جدِّه مُحمّد صلّى الله عليه وآله.
ليلة الشهادة
قضى الإمام الحُسين عليه السّلام وأصحابه رضوان الله عليهم ليلة العاشر من المحرَّم بالصلاة والدعاء، وقراءة القرآن، وكان لهم دويٌّ كدوي النحل، كما كانوا يصلحون سيوفهم ورماحهم، استعداداً لِلِقاء الله تعالى.
يوم الشهادة
طلب الإمام الحُسين عليه السّلام في صباح اليوم العاشر ـ إتماماً للحُجَّة على أعدائه ـ من جيش يزيد، أن ينصتوا إليه لكي يكلِّمهم، إلاَّ أنَّهم أبوا ذلك، وعلا ضجيجهم، وفي النهاية سكتوا، فخطب فيهم معاتباً لهم على دعوتهم له، وتخاذلهم عنه.
كما حدّثهم عليه السّلام بما سيقع لهم بعد قتله على أيدي الظالمين، من ولاة بني أُمية، ممَّا عهد إليه من جدِّه رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأبيه أمير المؤمنين عليه السّلام، وهو ما تحقَّق فعلاً.
وخصَّ في ذلك عمر بن سعد، الذي كان يزيد يمنِّيه بجعله والياً على الري وجرجان، بأنَّ حلمه ذاك لن يتحقّق، وأنَّه سوف يُقتل، ويرفع رأسه على الرمح.
هجوم الأعداء
استحوذ الشيطان على عمر بن سعد ـ قائد الجيش ـ فوضع سهمه في كبد قوسه، ثمّ رمى مخيَّم الإمام الحُسين عليه السّلام، وقال: اِشهدُوا أنِّي أوَّل من رمى، فتبِعَه جنده يُمطرون آل الرسول صلّى الله عليه وآله بوابل من السهام.
فعظم الموقف على الإمام الحُسين عليه السّلام، ثمّ خاطب أصحابه قائلاً: قُومُوا رَحِمكم الله إلى الموتِ الذي لابُدَّ منه، فإنّ هذه السهام رُسل القوم إليكم، فلبّوا رضوان الله عليهم النداء، وانطلقوا كالأسود يحاربون العدو، فاستمرت رحى الحرب تدور في ميدان كربلاء.
وبدأ أصحاب الحُسين عليه السّلام يتساقطون الواحد تلو الآخر، وقد أرهقوا جيش العدو، وأثخنوه بالجراح، فتصايَح رجال عمر بن سعد: لو استمرَّت الحربُ بَيننا، لأتوا على آخرنا، لِنَهجم عليهم مَرَّة واحدة، ولِنرشُفهُم بالنِبال والحجارة.
واستمرَّ الهجوم والزحف نحو من بقي مع الإمام الحُسين عليه السّلام، وأحاطوا بهم من جهات متعدِّدة، فتعالت أصوات ابن سعد ونداءاته إلى جيشه، وقد دخل المعسكر يقتل وينهب، ويقول: اِحرقوا الخيام.
فضجَّت النساء، وتصارخ الأطفال، وعلا الضجيج، وراحت السّنة النار تلتهم المخيَّم، وسكَّانه يفرُّون فزعين مرعوبين، فلم يهدأ سعير المعركة، وراح من بقي من أصحاب الإمام الحُسين عليه السّلام وأهل بيته، يستشهدون الواحد تلو الآخر.
فاستشهد ولده عليّ الأكبر وأخوته، وأبناء أخيه وابن أخته، وآل عقيل وآل عليّ عليه السّلام، مجزَّرين كالأضاحي، وهم يتناثرون في أرض المعركة.
وكذا بدأ شلاَّل الدم ينحدر على أرض كربلاء، وصيحات العطش والرعب تتعالى من حناجر النساء والأطفال.
فركب الإمام الحُسين عليه السّلام جواده، يتقدَّمه أخوه العباس عليه السّلام، وتوجَّه نحو نهر الفرات، ليحمل الماء إلى العيال، فحالت حشود العدو دونه، فأصبح هو في جانب وأخيه في جانب آخر.
وكانت للبطل الشجاع أبي الفضل العباس عليه السّلام صولة ومعركة حامية، طارت فيها رؤوس، وتساقطت فرسان، وهو يصول ويجول في ميدان الجهاد، بعيداً عن أخيه، حتّى خرَّ صريعاً سابحاً بدم الشهادة.
وتعلَّق قلب الإمام الحُسين عليه السّلام بمخيَّمه، وما خلَّفت النار والسيوف بأهله وحرمه.
فراح عليه السّلام ينادي، وقد طوَّقته قوات الأعداء وحالت بينه وبينهم، فصاح بهم: أنَا الَّذي أقاتِلُكم وتقاتلوني، والنِساء لَيسَ عَليهنَّ جُناح، فامْنَعوا عُتاتكم وجهّالكم وطغاتكم من التعرُّض لحَرَمي ما دُمتُ حَيّاً.
إلاَّ أنَّهم استمرّوا في هجومهم على المخيَّم، ولم يعبئوا لكلامه عليه السّلام.
فاستمرَّ الهجوم عنيفاً، والإمام عليه السّلام منهمكاً في قتال أعدائه، إلى أن سدَّد له أحد الأجلاف سهماً، واستقرَّ في نحره الشريف، ثمّ راحت السيوف والرماح تنزل عليه كالمطر الغزير.
فلم يستطع عليه السّلام مقاومة الألم والنزف، فوقع على الأرض، ولم يكفُّوا عنه، لأنَّ روح الحقد والوحشية التي امتلأَت بها جوانحهم لم تسمح بذلك.
بل راح الملعون شمر بن ذي الجوشن، يحمل سيفه ليقطع غصناً من شجرة النبوَّة، وليثكل الزهراء عليها السّلام بأعزِّ أبنائها، ففصل الرأس الشريف عن الجسد، ليحمله هدية للطاغية يزيد.
ذلك الرأس الَّذي طالما سجد لله، وحمل اللِّسان الذي ما فتئ يردّد ذكر الله، وينادي عليه السّلام: لا أعطِيكُم بِيَدي إِعطَاء الذليل، ولا أقرُّ إِقرَار العبيد، الرأس الذي حمل العزَّ والإباء، ورفض أن ينحني للعتاة أو يطأطأ جبهته للظالمين.
ثمّ حلّ السكون على أرض كربلاء الطاهرة، فأتت العقلية زينب الكبرى عليها السّلام إلى الميدان حتّى وقفت على جسد أخيها الحُسين عليه السّلام، ثمّ قالت: اللهم تقبّل منّا هذا القربان.
أهل بيته وأنصاره عليه السلام الذين كانوا معه من الرجال والنساء
1- علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام
2- عليّ الأكبر بن الحُسين
3- العباس بن عليّ إبن أبي طالب
4- عبدالله بن عليّ إبن أبي طالب
5- جعفر بن عليّ إبن أبي طالب
6- عثمان بن عليّ إبن أبي طالب
7- عبدالله بن الحُسين بن علي
8- أبو بكر بن الحسن بن عليّ
9- القاسم بن الحسن بن علي
10- عبدالله بن الحسن بن علي
11- عون بن عبدالله بن جعفر
12- مُحمّد بن عبدالله بن جعفر
13- جعفر بن عقيل
14- عبدالله بن مسلم بن عقيل
15- عبدالله بن عقيل
16- مُحمّد بن أبي سعيد بن عقيل
17- أسلم التركي مولى الحُسين
18- أنس بن الحارث الكاهلي
19- أمّ وهب
20- برير بن خضير
21- بشير بن عمرو الحضرمي
22- جابر بن الحارث السلماني
23- جبلة بن عليّ الشيباني
24- جنادة بن الحارث الانصاري
25- جندب بن جرير الخولاني
26- جون مولى أبي ذر الغفاري
27- جوين بن مالك الضبعي
28- حبيب بن مظاهر الأسدي
29- الحجاج بن مسروق الجعفي
30- الحر بن يزيد الرياحي
31- حلاس بن عمرو الراسبي
32- حنظلة بن أسعد الشيباني
33- خالد بن عمرو بن خالد
34- زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي
35- زهير بن بشر الخثمي
36- زهير بن القين البجلي
37- زيد بن معقل الجعفي
38- سالم بن مولى بني المدينة الكلبي
39- سالم مولى عامر بن مسلم العبدي
40- سعد بن حنظلة التميمي
41- سعد بن عبدالله
42- نافع بن هلال
43- نعمان بن عمرو الراسبي
44- نعيم بن عجلان الأنصاري
45- وهب بن عبدالله الكلبي
46- يحيى بن سليم المازني
47- يزيد بن زياد الكندي
48- يزيد بن نبيط
49- إبراهيم بن الحصين الأزدي
50- أبو عمرو النهشلي
51- حماد بن حماد
52- حنظلة بن عمر السيباني
53- رميث بن عمرو
54- زائد بن مهاجر
55- زهير بن سائب
56- زهير بن سليمان
57- زهير بن سليم الأزدي
58- سليمان بن مضارب البجلي
59- سليمان بن سليمان الأزدي
60- سليمان ابن عون
61- سليمان بن كثير
62- عامر بن جليدة خليدة
63- عامر بن مالك
64- عبد الرحمن ابن يزيد
65- عثمان بن فروة
66- عمر بن كناد
67- عبدالله بن أبي بكر
68- عبدالله بن عروة الغفاري
69- غيلان بن عبد الرحمن
70- قاسم بن الحارث
71- قيس بن عبدالله
72- مالك بن دودان
73- مسلم بن كناد
74- مسلم مولى عامر بن مسلم
75- منيع بن زياد
76- نعمان بن عمرو
77- يزيد ابن مهاجر الجعفي
78- عبدالله بن عمير الكلبي
79- الحجاج بن يزيد السعدي
80- سعيد بن عبدالله الحنفي
81- سوار بن منعم بن حابس
82- سويد بن عمرو الخثعمي
83- سيف بن حارث الجابري
84- سيف بن مالك العبدي
85- شبيب بن عبدالله النهشلي
86- شوذب مولى شاكر
87- ضرغامة بن مالك
88- عابس بن أبي سبيب الشاكري
89- عامر بن حسان بن شريح
90- عامر بن مسلم
91- عبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري
92- عبد الرحمن إبن عبدالله العبدي
93- عبدالله بن يزيد العبدي
94- عمران بن كعب
95- عمار بن أبي سلامة
96- عامر بن حسان الطائي
97- عمرو بن جنادة الأنصاري
98- عمر بن جندب
99- عمرو بن خالد الأزدي
100- عمرو بن خالد الصيداوي
101- عمرو بن عبدالله الجندعي
102- عمرو بن ضبيعة
103- عمرو بن قرظة الأنصاري
104- عمر بن عبدالله أبو ثمامة الصائدي
105- عمرو بن مطاع الجعفي
106- عمير بن عبدالله المذحجي
107- قارب مولى الحسين
108- قاسط بن زهير التغلبي
109- قاسم بن حبيب الأزدي
110- قرة بن أبي قرة الغفاري
111- قعنب بن عمرو
112- كرش بن زهير
113- كنانة بن عتيق
114- مالك بن عبد بن سريع
115- مجمع بن عبدالله العائذي
116- مسعود بن الحجاج وابنه
117- مسلم بن عوسجة
118- مسلم بن كثير الأزدي
119- منجح مولى الحُسين.
ذكر من قتل مع الحسين عليه السلام من أهل بيته وأصحابه
ذكر أسماء من قتل من بني هاشم مع الحُسين عليه السلام وعدد من قتل معه من أصحابه من كل قبيلة من القبائل.
قال أبو مخنف: ولما قتل الحُسين بن عليّ عليه السلام جيئ برؤوس من قتل معه من أهل بيته وشيعته وأنصاره إلى عبيدالله بن زياد فجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً وصاحبهم قيس بن الاشعث، وجاءت هوازن بعشرين رأساً وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن، وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً، وجاءت بنو أسد بستة رؤوس، وجاءت مذحج بسبعة رؤوس، وجاء سائر الجيش بسبعة رؤوس، فذلك سبعون رأساً. قال: وقتل الحُسين وأمّه فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله قتله سنان بن أنس النخعي ثمّ الأصبحي، وجاء برأسه خولى بن يزيد، وقتل العباس بن عليّ بن أبي طالب وأمّه أمّ البنين ابنة حزام بن خالد ابن ربيعة بن الوحيد، قتله زيد بن رقاد رقاد الجنبى وحكيم بن الطفيل السنسى. وقتل جعفر بن عليّ بن أبي طالب وأمّه أمّ البنين أيضاً، وقتل عبدالله بن عليّ بن أبي طالب وأمّه أمّ البنين أيضاً، وقتل عثمان بن عليّ بن أبي طالب وأمّه أمّ البنين أيضاً، رماه خولى بن يزيد بسهم فقتله، وقتل مُحمّد بن عليّ بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد، قتله رجل من بني أبان بن دارم. وقتل أبو بكر بن عليّ بن أبي طالب وأمّه ليلى ابنة مسعود بن خالد بن مالك بن ربعى بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم وقد شك في قتله وقتل عليّ بن الحُسين بن عليّ وأمّه ليلى ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود بن معتب الثقفى، وامها ميمونة ابنة أبي سفيان بن حرب، قتله مرة بن منقد بن النعمان العبدى. وقتل عبدالله بن الحُسين بن على وأمّه الرباب ابنة امرئ القيس ابن عدى بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم من كلب، قتله هاني بن ثبيت الحضرمي، واستصغر عليّ بن الحُسين بن عليّ فلم يقتل، وقتل أبو بكر بن الحسن ابن عليّ بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد قتله عبدالله بن عقبة الغنوى، وقتل عبدالله بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد قتله حرملة بن الكاهن رماه بسهم، وقتل القاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد قتله سعد بن عمرو بن نفيل الأزدي. وقتل عون بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وأمّه جمانة ابنة المسيب بن نجبة بن ربيعة بن رياح من بني فزارة قتله عبدالله بن قطبة الطائي ثمّ النبهاني. وقتل مُحمّد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وأمّه الخوصاء ابنة خصفة بن ثقيف بن ربيعة ابن عائذ بن الحارث بن تيم الله بن ثعلبة من بكر بن وائل قتله عامر بن نهشل التيمى، وقتل جعفر بن عقيل بن أبي طالب وأمّه أمّ البنين ابنة الشقر بن الهضاب قتله بشر بن حوط الهمداني، وقتل عبدالرحمن ابن عقيل وأمّه أمّ ولد قتله عثمان بن خالد بن اسير الجهنى. وقتل مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد بالكوفة، وقتل عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأمّه رقيه ابنة عليّ بن أبي طالب وامها أمّ ولد قتله عمرو ابن صبيح الصدائي، وقيل قتله اسيد بن مالك الحصرمي. وقتل مُحمّد بن أبي سعيد بن عقيل وأمّه أمّ ولد قتله لقيط بن ياسر الجهنى، واستصغر الحسن بن الحسن بن عليّ وامه خولة ابنة منظور بن زيان بن سيار الفزارى، واستصغر عمرو بن الحسن بن عليّ فترك فلم يقتل وأمّه أمّ ولد. وقتل من الموالى سليمان مولى الحُسين بن عليّ قتله سليمان بن عوف الحضرمي، وقتل منجح مولى الحُسين بن عليّ، وقتل عبدالله بن بقطر رضيع الحُسين بن عليّ.
دفنه عليه السلام
دفن الإمام زين العابدين عليه السّلام أبيه الحُسين عليه السّلام، هو وأصحابه البررة في اليوم الثّالث عشر من المحرم في كربلاء.
قبره عليه السلام
وقبره في البقعة المباركة، والربوة التي هي ذات قرار ومعين، بطف كربلاء، بين نينوى والغاضرية، من قرى النهرين،في العراق.
جزاء قاتليه عليه السلام
حكي عن السدِّي قال: أضافني رجل في ليلة كنت أحبُّ الجليس، فرحَّبت به وأكرمته، وجلسنا نتسامر وإذا به ينطلق بالكلام كالسيل إذا قصد الحضيض.
فطرقت له فانتهى في سمره إلى طفِّ كربلاء، وكان قريب العهد من قتل الإمام الحُسين عليه السّلام، فتأوَّهت وتزفَّرت، فقال: ما لك؟ قال السدِّي: ذكرت مصاباً يهون عنده كلّ مصاب.
قال الرجل: أما كنت حاضراً يوم الطفِّ؟ قال السدِّي: لا والحمد لله.
قال الرجل: أراك تحمد، على أيِّ شيء؟!! قال السدِّي: على الخلاص من دم الحُسين عليه السّلام لأنَّ جدَّه صلّى الله عليه وآله قال: إنّ مَن طُولِبَ بدم ولدي الحُسين يوم القيامة لخفيف الميزان.
قال الرجل: هكذا قال جدّه صلّى الله عليه وآله ؟ قال السدِّي: نعم، وقال صلّى الله عليه وآله: ولدي الحُسين يقتل ظلماً وعدواناً، أَلا ومن قتله يدخل في تابوت من نار، ويعذَّب بعذاب نصفِ أهل النار، هو ومن شايع وبايع أو رضي بذلك، كُلَّما نضجت جلودهم بُدِّلوا بجلود غيرها ليذوقوا العذاب، فالويل لهم من عذاب جهنَّم.
قال الرجل: لا تصدِّق هذا الكلام يا أخي؟ قال السدِّي: كيف هذا وقد قال صلّى الله عليه وآله: لا كَذِبتُ وَلا كُذِّبتُ.
قال الرجل: ترى قالوا: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: قاتل ولدي الحُسين لا يطول عمره، وها أنا وحقّك قد تجاوزت التسعين مع أنّك ما تعرفني، قال السدي: لا والله.
قال الرجل: أنا الأخنس بن زيد، قال السدِّي: وما صنعت يوم الطف؟
قال الأخنس: أنا الذي أُمِّرت على الخيل الذين أمرهم عمر بن سعد بوطئِ جسم الحُسين بسنابك الخيل، وهشمت أضلاعه، وجررت نطعاً من تحت عليّ بن الحُسين وهو عليل حتّى كببته على وجهه، وخرمت اُذني صفية بنت الحُسين، لقرطين كانا في أذنيها.
قال السدِّي: فبكى قلبي هجوعاً، وعيناي دموعاً، وخرجت أُعالج على إهلاكه، وإذا بالسراج قد ضعفت، فقمت أزهرها.
فقال: اجلس، وهو يحكي متعجّباً من نفسه وسلامته، ومدَّ إصبعه ليزهرها فاشتعلت به، ففركها في التراب فلم تنطفِ، فصاح بي: أدركني يا أخي فكببت الشربة عليها وأنا غير محبٍّ لذلك، فلمّا شمَّت النار رائحة الماء ازدادت قوَّة، وصاح بي ما هذه النار وما يطفئها؟!
قلت: ألقِ نفسك في النهر، فرمى بنفسه، فكلَّما ركس جسمه في الماء اشتعلت في جميع بدنه كالخشبة البالية في الريح البارح، هذا وأنا أنظره، فو الله الذي لا إله إلاّ هو، لم تُطفأ حتّى صار فحماً، وسار على وجه الماء !!.
وروي عن عبد الله بن رباح القاضي أنّه قال: لقيت رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الإمام الحُسين عليه السّلام، فسئل عن بصره، فقال: كنت شهدت قتله عاشر عشرة غير أنّي لم أطعن برمح، ولم أضرب بسيف ولم أرم بسهم.
فلمّا قُتل عليه السّلام رجعت إلى منزلي وصلَّيت العشاء الآخرة ونمتُ، فأتاني آتٍ في منامي فقال: أجب رسول الله !! فقلت: ما لي وله؟
فأخذ بتلابيبي وجرَّني إليه، فإذا النّبيّ صلّى الله عليه وآله جالس في صحراء، حاسر عن ذارعيه، آخذ بحربة، وملك قائم بين يديه، وفي يده سيف من نار يقتل أصحابي التسعة، فكلَّما ضرب ضربة التهبت أنفسهم ناراً !! فدنوت منه وجثوت بين يديه، وقلت: السّلام عليك يا رسول الله، فلم يردَّ صلّى الله عليه وآله عليّ.
ومكث طويلاً، ثمّ رفع رأسه وقال صلّى الله عليه وآله: يا عدوَّ الله، انتهكت حرمتي، وقتلت عترتي، ولم ترعَ حقِّي، وفعلت وفعلت.
فقلت: يا رسول الله، ما ضربت بسيف، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم، فقال صلّى الله عليه وآله: صدقتَ، ولكنّك كثّرت السواد، أُدنُ مِنِّي، فدنوت منه، فإذا بطشت مملوء دماً.
فقال صلّى الله عليه وآله لي: هذا دم ولدي الحُسين، فكحَّلني من ذلك الدم، فاحترقت عيناي، فانتبهت لا أبصر شيئاً.
ورؤِي رجل بلا يدين ولا رجلين، وهو أعمى يقول: ربِّي نجِّتي من النار، فقيل له: لم يبقَ عليك عقوبة، وأنت تسأل النجاة من النار؟!
قال: إنّي كنت فيمن قاتل الحُسين عليه السّلام في كربلاء، فلمّا رأيت عليه سراويل وتكَّة حسنة، فأردت أن أنتزع التكَّة، فرفع يده اليمنى ووضعها على التكَّة، فلم أقدر على رفعها، فقطعت يمينه عليه السّلام.
ثمّ أردت أنتزاع التكَّة فرفع شماله ووضعها على التكّة، فلم أقدر رفعها فقطعت شماله عليه السّلام، ثمّ هممت بنزع السراويل، فسمعت زلزلة فخفت وتركته، فألقى الله عليّ النوم فنمت بين القتلى.
فرأيت كأنَّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله أقبل، ومعه عليّ وفاطمة والحسن عليهم السّلام، فأخذوا رأس الحُسين عليه السّلام فقبّلته فاطمة عليها السّلام وقالت: يا بني قتلوك !! قتلهم الله.
وكأنَّه عليه السّلام يقول: ذَبَحَنِي شمرٌ، وقطع يدي هذا النائم، وأشار إليَّ، فقالت لي فاطمة عليها السّلام: قَطعَ الله يديكَ ورجليكَ، وأعمى بصرك، وأدخلك النار.
فانتبهت وأنا لا أبصر شيئاً، ثمّ سقطت يداي ورجلاي، فلم يبقَ من دعائها إلاّ النار.
دفن جسد الامام وباقي شهداء الطف عليهم السلام
بقيت جثّة الإمام الحسين عليه السّلام، وجثث أهل بيته وأصحابه بعد واقعة الطف مطروحة على أرض كربلاء، ثلاثة أيّام بلا دفن، تصهرها حرارة الشمس المحرقة، وفي العراء تسفي عليها الرياح، قال أحد الشعراء حول مصرع الإمام الحسين عليه السّلام:
هذا حسيـن بالحديـد مقطّـع** متخضّب بدمائـه مستشهـد
عار بلا كفن صريع في الثرى** تحت الحوافر والسنابك مقصد
والطيّبون بنوك قتلـى حولـه** فوق التراب ذبائـح لا تلحـد
الإمام السجاد وبنو أسد تدفن الحسين عليه السلام وباقي أجساد الشهداء
ما عتمت عشية اليوم الثاني عشر من المحرم سنة 61 هـ ـ أي اليوم الثالث على استشهاد الإمام وصحبه وآله ـ إلا وكانت قد عادت العشائر التي كانت تحيط بمنطقة القتال في كربلاء، والتي كانت قد ضعنت موقتاً عنها بمناسبة القتال، وهي عشائر بني عامر من قبائل بني أسد من سكان قريتي الغاضرية ونينوى، وكانت أكثريتها تشايع آل بيت النبوة صلّى الله عليهم وآله وتوالي الحركة الحسينية، خرج رجالها يتفحَّصون القتلى، ويتتبَّعون أنباء الواقعة بعد رحيل جيش عمر بن سعد إلى الكوفة، فلمّا نظروا إلى الأجساد وهي مقطّعة الرؤوس، تحيّروا في دفنها، فبينما هم كذلك إذ جاء الإمام زين العابدين عليه السّلام بمعجزة طي الأرض إلى أرض كربلاء . وقد وصفت كتب التاريخ بايجاز حادث دفن هذه الأجساد.
قال السيّد المقرّم: ولمّا أقبل السجّاد عليه السّلام وجد بني أسد مجتمعين عند القتلى متحيّرين لا يدرون ما يصنعون، ولم يهتدوا إلى معرفتهم، وقد فرق القوم بين رؤوسهم وأبدانهم، وربما يسألون من أهلهم وعشيرتهم ! فأخبرهم عليه السّلام عمّا جاء إليه من مواراة هذه الأجساد الطاهرة، وأوقفهم على أسمائهم، كما عرّفهم بالهاشميين من الأصحاب فارتفع البكاء والعويل، وسالت الدموع منهم كل مسيل.
ثم مشى الإمام زين العابدين عليه السّلام إلى جسد أبيه واعتنقه وبكى بكاءً عالياً، وأتى إلى موضع القبر ورفع قليلاً من التراب فبان قبر محفور وضريح مشقوق، فبسط كفّيه تحت ظهره وقال: بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله، صدق الله ورسوله، ما شاء الله لا حوّل ولا قوّة إلاّ بالله العظيم، وأنزله وحده لم يشاركه بنو أسد فيه، وقال لهم: إنّ معي من يعينني، ولمّا أقرّه في لحده وضع خدّه على منحره الشريف قائلاً: طوبى لأرض تضمّنت جسدك الطاهر، فإنّ الدنيا بعدك مظلمة، والآخرة بنورك مشرقة، أمّا الليل فمسهّد، والحزن سرمد، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي فيها أنت مقيم، وعليك منّي السّلام يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته .
وكتب على القبر: هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام، الذي قتلوه عطشاناً غريباً .
ثم مشى إلى عمّه العباس عليه السّلام فرآه بتلك الحالة التي أدهشت الملائكة بين أطباق السّماء، وأبكت الحور في غرف الجنان، ووقع عليه يلثم نحره المقدّس قائلاً: على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم، وعليك منّي السّلام من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته.
وشق له ضريحاً وأنزله وحده كما فعل بأبيه الشّهيد، وقال لبني أسد: إنّ معي من يعينني! نعم ترك مساغاً لبني أسد بمشاركته في مواراة الشّهداء، وعيّن لهم موضعين وأمرهم أن يحفروا حفرتين، ووضع في الأُولى بني هاشم، وفي الثانية الأصحاب وأمّا الحر الرياحي فأبعدته عشيرته إلى حيث مرقده الآن.
وبعدما أكمل الإمام عليه السّلام دفن الأجساد الطاهرة، عاد إلى الكوفة والتحق بركب السبايا .
وهكذا لم تمرالأيام والأسابيع والشّهور والسّنوات إلاّ وأصبحت تلك القبور مزاراً تجرى عليها الخيرات، وتتلى عليها المدائح، وتقام حولها المناحات في السر والعلن، وتتردد ذكرى هذه الفاجعة الأليمة التّاريخية حول تلك القبور وفي البلدان الاسلامية بأقطارها المختلفة في جميع بقاع الأرض، وتسير مواكب العزاء، وينشد الرثاء، وتمثل الواقعة، وتجدد حوادث المجزرة الرِهيبة.
موضع دفن رأس الإمام الحسين عليه السلام
مأساة كربلاء بقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحُسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأهل بيته وأصحابه في العاشر من شهر محرم الحرام سنة 61 هـ، وسبي عياله وأخذهم أسارى مع رؤوس القتلى الى يزيد بن معاوية في الشام، مأساة كبرى ألمت بالمسلمين وهزت مشاعرهم في كل مكان، وفضحت أمر حكام الجور من بني أمية وأظهرتهم على حقيقتهم. وقد ملئت كتب التاريخ تفاصيل تلك الجريمة الشنعاء بحق آل البيت الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وجعل مودتهم ضرورة وواجبا على المسلمين، وأجرا للرسول ص على ما تحمله في سبيل نشر الدعوة، إذ قال تعالى في محكم كتابه العزيز "قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى"
ولما بلغ نبأ قتل الحُسين وأصحابه الى يزيد، وأن الرؤوس محمولة إليه، أنشد يقول:
لما بدت تلك الحمول وأشرفت ** تلك الرؤوس على ربى جيرون
نعق الغراب فقلت صح أو لا تصح ** فلقد قضيت من النّبيّ ديونـي
وما إن وصلت إليه تلك الرؤوس الشريفة مع السبايا من بنات الرسول صلّى الله عليه وآله، حتّى أعلن ذلك اليوم عيداً في الشام، وجمع رجالها في مجلس فرح وسرور بدار الامارة، ووضع رأس الحُسين في طشت أمامه وبيده خيزران ينكث بها على ثنايا الإمام عليه السلام وهو يتغنى بأبيات عبد الله ابن الزّعبرى، وينشد
ليت أشياخي ببـدر شــهدوا ** جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القرن من ساداتهم ** وعدلـناه ببــدر فاعتـــدل
ثمّ أضاف:
فأهـلّوا واستهـلّوا فرحـا ** ثمّ قـالوا يا يزيد لا تُشـل
لعبت هاشم بالملـك فــلا ** خبر جـاء ولا وحـي نزل
لست من خندف إن لم أنتقم ** من بني أحمد ما كان فعـل
وما دامت بعد ذلك أيامه وانتهى معها دور بني أمية ومن تبعهم، وتاه يزيد وأبوه إسما ومعنى ولم يبق لهم إلا الخمول والفساد من ظلمهم وجورهم وفسقهم وفجورهم، وفي المقابل تمر الايام والسنون، وبقي الحُسين عليه السلام رمزا للتضحية والاباء والفداء وحاميا وحافظا لدين الله بدمه الطاهر، وصدق في ذلك قول رسول الله ص "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا" كما بقي مرقده الشريف بكربلاء مشعل نور يضيء ويهتدي اليه الملايين من المسلمين من أقصى نقاط العالم للتشرف بأداء التحية والسلام عليه وعلى أهل بيته وصحبه الكرام الراقدين حوله، وللتبرك بذلك المكان المقدس. ولكن بقي الناس الى يومنا هذا يتساءلون، أين دفن رأس الحُسين؟ وقد كثرت واختلفت في ذلك أقوال المؤرخين في المكان الذي حظي بشرف دفن الرأس الشريف، منها:
المدينة المنورة
ذهب فريق من المؤرخين الى أن الرأس الشريف دفنه حاكم المدينة في البقيع الى جانب أمه عليها السلام. كما يروي سبط ابن الجوزي في قول عن ابن سعد، أنه دفن بالمدينة عند قبر أمه فاطمة "لما وصل المدينة كان عمرو بن سعيد بن العاص واليا عليها فوضعه بين يديه وأخذ بأرنبة أنفه، ثمّ أمر به فكفن ودفن عند أمه فاطمة" وذكر الشعبي: أن مروان بن الحكم كان بالمدينة فأخذه وتركه بين يديه وتناول أرنبة أنفه وقال:
ياحبذا بُردُك في اليدين ** ولونك الأحمر في الخدين
ويضعف هذا القول
أولا: بأنه مبني على إثبات القول بوصول الرأس الى المدينة، وعدم انتقاله في الطريق بين الشام والمدينة الى كربلاء مع زيارة الأهل للقبور كما سيأتي، كما أن مسألة تعيين موضع دفنه الى جانب أمه إشكال آخر، حيث الاختلاف القائم على محل دفن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام بين منزلها، وما بين قبره ومحرابه صلّى الله عليه وآله في المسجد، وبين دفنها في البقيع ومن دون تحديد المكان.
سوريا
ذهب جمهور من المؤرخين الى أن الرأس الشريف قد دفن في دمشق بعد وصوله اليها من كربلاء، إلا أنهم اختلفوا في تحديد المكان الذي دفن فيه، فمنهم من قال أنه دفن في حائط بدمشق، أو في دار الامارة، أو في المقبرة العامة لدفن المسلمين. وهناك قول بدفنه في داخل باب الفراديس، المكان المعروف اليوم بمسجد الرأس، في جامع دمشق، المحل المعروف بـ "رأس الحُسين" ويزوره الناس، كما أن هناك أقوالا أخر.
وإختلاف الامكنة المتعددة لمحل الدفن دليل الضعف، ولعل مرد ذلك كله الى ما كان متداولا على ألسن الناس من يوم ورود الرأس الى الشام، وما يتناقلونه فيما بينهم من أخبار السبايا وموضع الرأس وإنتقاله من محل الى آخر، بين مدخل المدينة حيث إجتمع الناس للنظر الى السبايا، وبين دار الامارة، ومحل إقامة السبايا، وغيرها من المواضع، كما قيل بوضعه في خزانة يزيد، مما أشكل الامر على الرواة وبعض المؤرخين في مسألة الفرق بين موضع الرأس ومحل دفنه، كما يظهر ذلك بوضوح لزيارة الناس الى مرقد رأس الحُسين في مدينة حلب، فهو مشهد وضع فيه الرأس الشريف في طريقه الى الشام، من كربلاء الى الكوفة الى الموصل حيث دخل مدينة حلب قبل الوصول الى الشام. وهناك قول بنقل الرأس الى حلب من بعد الشام
مصر
ذهب بعض المؤرخين الى أن الرأس الشريف قد حظيت به القاهرة، وذكر في كيفية نقله اليها قولان: الاول هو ما ذكره الشعراني من أن العقيلة زينب بنت عليّ عليها السلام نقلته الى مصر ودفنته فيها ، والقول الثاني هو ما أفاده المقريزي من أن الرأس نقله الفاطميون من باب الفراديس -في دمشق- الى عسقلان ومنها حمل الى القاهرة من طريق البحر، في اليوم العاشر من شهر جمادى الآخرة من سنة 548هـ، وقد قام بذلك سيف المملكة مع القاضي المؤتمن بن مسكين، أيام المستنصر بالله العبيدي صاحب مصر، وجرى له استقبال ضخم.
أما القول الاول فهو ضعيف ولم يذكره غير الشعراني، على أن سفر العقيلة زينب الى مصر كان بفترة طويلة بعد عودتها الى المدينة من سبيها فى الشام، ولا يعقل أنها احتفظت بالرأس كل تلك المدة لتدفنه بعدئذ في مصر، ولم تذكر رواية أنها دفنته ومن ثمّ أخرجته لتنقله معها الى مصر.
وأما ما نقله المقريزي، فانه يتوقف أولا على إثبات وجود الرأس الشريف في باب الفراديس في المدة الفاصلة بين عام 61 الى 548 هـ، حتّى يصدق أن المنقول هو رأس الحُسين عليه السلام، وهو غير ثابت، حتّى وإن ثبت صحة خبر ما قام به الفاطمييون.
فارس
وقد ذكر ذلك أحمد عطية. ولعل المصدر هو ما ورد من أن أبا مسلم الخراساني لما استولى على دمشق نقل الرأس الشريف منها الى مرو، فدفن بها في دار الامارة ثمّ بني عليه رباطاً، وهو قول شاذ لم يذكره أحد من المؤرخين المعتبرين ولا دليل عليه، وهو كالقول بنقل الرأس الشريف الى مصر متوقف أولا على بقاء الرأس في الشام، وهو غير ثابت، حتّى يثبت فيما بعد نقله الى مكان آخر.
وتقول الدكتورة سعاد ماهر: "القول بوجود الرأس برباط مدينة مرو بخراسان، منقوض من أساسه، لأن أبا مسلم الخراساني الذي قيل أنه نقل الرأس من دمشق لما استولى عليها وبنى عليه الرباط بمرو، لم يكن موجوداً بالشام وقت فتحها، ولأنه من غير المقبول أن يأذن الخليفة عبد الله بن عليّ بن العباس لمولاه أبا مسلم بنقل الرأس الشريف لكي يدفنه بمرو، ولأن الخليفة نفسه لو ظفر بالرأس لأظهره للناس ليزداد الناس غضباً من بني أمية"
النجف
نقلت مجموعة من الأخبار عن الإمام الصادق عليه السلام على أن الرأس الشريف دفن في الغري، ولكن التعبير في بعضها بأنه موضع الرأس لا يدل على أنه قد دفن فيه، مضافاً الى ملاحظة أسانيدها.
كربلاء
اشتهر هذا القول عند فريق كبير من علماء المسلمين من الفريقين، فمن أهل السّنة ما ذهب اليه الشبراوي والقزويني وابو ريحان البيروني، حيث يقول "في العشرين من صفر رُد الرأس الى جثته فدفن معها"، وابن الجوزي، حيث يقول "واختلفوا في الرأس على اقوال، اشهرها انه رده الى المدينة مع السبايا، ثمّ رد الى الجسد بكربلاء فدفن معه، قاله هشام وغيره". كما ينقل ابن شهر آشوب في مناقبه من أنه المشهور بين الشيعة وينقل رأي السيد المرتضى والشيخ الطوسي.
وقد نص على ذلك علماء الشيعة ومحدثوهم كالمجلسي وابن نما، وذكر السيد رضي الدين عليّ بن طاووس أن عمل الطائفة على ذلك. وهذا القول هو المشهور والمعروف عند الشيعة الامامية من أن الرأس الشريف قد أعيد الى كربلاء ودفن مع الجسد الطاهر، ولعل علماء الشيعة الامامية معنيون بالاهتمام والبحث عن هذه الجهة أكثر من غيرهم، ذلك أنهم أكثرتتبعاً لهذه المسألة بحثاً وسؤالاً منذ فصل الرأس الشريف عن الجسد.
مدفن الرأس
أما كيفية نقل الرؤوس الشريفة الى كربلاء ودفنها مع الأجساد الطاهرة فحسبما هو المعروف من أن الإمام زين العابدين عليه السلام طلبها من يزيد وهو أجابه، ذلك لمّا أخذ يزيد يتطلب مرضاة الإمام عليه السلام، بعد أن علم الناس واقع الامر، بأن المقتول هو الحُسين بن بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، والمسبيات لسن من الخوارج كما كان يدعي يزيد، وإنما هن بنات الوحي والرسالة، فنقموا عليه وكرهوا فعلته، وصار يزيد يتنصل من ذلك ويضع اللوم على واليه في الكوفة عبيد الله بن زياد في قتله للحسين وأصحابه، وأنه هو لم يأمرهم بذلك، وخيّر الإمام زين العابدين عليه السلام والعيال بالبقاء في الشام أو الرحيل منها، وقد أختاروا الرحيل، فأمر بتجهيز الراحلة مع الدليل ومعهم النعمان بن بشير الانصاري، فلما وصل الركب الى مفرق طريقين يؤدي أحدهما الى العراق والاخر الى المدينة - وهي منطقة في الحدود بين الشام والاردن والعراق تعرف حتّى اليوم باسم "المفرق" - سأل الدليل الإمام عليه السلام الى أين يتجه بالركب؟ فسأل الإمام عمته العقيلة زينب، فقالت عليها السلام: قل للدليل يعرج بنا الى كربلاء لنجدد عهداً بقتلانا وندفن الرؤوس، ووصل الركب الى موضع القتل بكربلاء في يوم العشرين من شهر صفر 61 هـ، أي بعد أربعين يوماً من الواقعة، وعندها دفن الإمام الرؤوس مع الأجساد، ومن ذلك أثر عند الشيعة فيما بعد زيارة الحُسين في يوم الاربعين، وكذلك جلوسهم لقراءة القرآن والترحم على موتاهم بعد مرور أربعين يوماً على وفاتهم.
ويؤكد ذلك ما نقله المجلسي عن السيد ابن طاووس "ولما رجعت نساء الحُسين عليه السّلام وعياله من الشام وبلغوا الى العراق قالوا للدليل مرّ بنا على طريق كربلا فوصلوا الى موضع المصرع فوجدوا جابر بن عبد الله الانصاري وجماعة من بني هاشم ورجلا من آل رسول الله قد وردوا لزيارة قبر الحُسين فوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم وأقاموا المأتم المقرحة للأكباد واجتمع اليهم نساء ذلك السواد وأقاموا على ذلك أياماً"
كما أن هناك قولا آخر بان الإمام زين العابدين لما وصل مع الركب من الشام الى المدينة كان الرأس الشريف معه وقد دخل بشير بن حذلم قبله الى المدينة ناعياً الحُسين عليه السلام، حيث أنشد:
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها ** قُـتل الحُسين فأدمــعي مدرار
الجسم منه بكربـــلاء مضرّج ** والرأس منه على القناة يدار
ويؤيد ذلك، فيما لو صحت رواية طلب الإمام زين العابدين عليه السلام من حاكم المدينة عمرو بن سعيد بن العاص، الرؤوس ليواريها مع الاجسام فأجابه الى ذلك، فأخذها ورجع الى كربلاء وواراها مع الاجساد الطاهرة ولكن ذلك متوقف على رد الروايات المتقدمة وإثبات وصول الرأس الى المدينة أولاً، ومجرد نعي بشير بن حذلم لا يدل على وجود الرأس مع الإمام، فلعل المراد هو أن الرأس الشريف قد دار في البلاد من كربلاء الى الكوفة الى الشام وفي طريق العود حتّى المدفن. أو أن تكون الرواية صحيحة وفي نهاية المطاف فهي مؤيدة لدفن الرأس الشريف في كربلاء.
هذه بعض الاقوال المذكورة في مواراة الرأس الشريف، وقد شيد في أغلب تلك المواضع مزارات يطوف بها المسلمون، وهي موضع اعتزاز وفخر وتقدير لكل بلد أو مكان حظي بهذه النسبة. وعلى أي حال من الأحوال وصحة أية رواية من عدمها لتعيين مكان دفن الرأس الشريف، فان الحُسين عليه السلام قائم في عواطف الناس وقلوبهم وفي أعماق النفوس قبره روحاً وجسداً ورأساً، وصورة الحُسين عليه السلام في الاذهان إنما هي أسمى صورة قدسها ويقدسها الناس في جميع الازمنة والبلاد من المسلمين وغيرهم، وقد اشتهر عن محرر الهند المناضل المعروف غاندي قوله "تعلمت من الحُسين كيف أكون مظلوما فأنتصر"، وسئل أبو بكر الآلوسي عن موضع رأس الحُسين فقال:
لا تطلبوا رأس الحُسين ** بشرق أرض أو بغرب
ودعوا الجميع وعرجوا ** نحوي فمشهده بقلبي.
زيارته عليه السلام
السّلام عليك يا وارث آدم صفوة الله السّلام عليك يا وارث نوحٍ نبي الله السّلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله السّلام عليك يا وارث موسى كليم الله السّلام عليك يا وارث عيسى روح السّلام عليك يا وارث مُحمّد حبيب الله السّلام عليك يا وارث أمير المؤمنين عليه السّلام، السّلام عليك يا بن مُحمّد المصطفى السّلام عليك يا بن عليّ المرتضى السّلام عليك يا بن فاطمة الزهراء السّلام عليك يا بن خديجة الكبرى السّلام عليك يا ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأطعت الله ورسوله حتّى أتاك اليقين فلعن الله أمةً قتلتك ولعن الله أمةً ظلمتك ولعن الله أمةً سمعت بذلك فرضيت به يا مولاي يا أبا عبد الله أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها وأشهد أنك من دعائم الدين وأركان المؤمنين وأشهد أنك الإمام البر التقي الرضي الزكي الهادي المهدي وأشهد أن الأئمة من ولدك كلمة التقوى وأعلام الهدى والعروة الوثقى والحجة على أهل الدنيا وأشهد الله وملائكته وأنبيائه ورسله أني بكم مؤمنٌ وبإيابكم موقنٌ بشرايع ديني وخواتيم عملي وقلبي لقلبكم سلمٌ وأمري لأمركم متبعٌ صلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وعلى أجسادكم وعلى أجسامكم وعلى شاهدكم وعلى غائبكم وعلى ظاهركم وعلى باطنكم [ثمّ انكبّ على القبر وقبله وقل] بأبي أنت وأمي يا بن رسول الله بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله لقد عظمت الرزية وجلت المصيبة بك علينا وعلى جميع أهل السماوات والأرض فلعن الله أمةً أسرجت والجمت وتهيّأت لقتالك يا مولاي يا أبا عبد الله قصدت حرمك وأتيت إلى مشهدك أسأل الله بالشأن الذي لك عنده وبالمحل الذي لك لديه أن يصلي على مُحمّد وآل مُحمّد وان يجعلني معكم في الدنيا والآخرة.
ثمّ قم فصل ركعتين عند الرأس اقرأ فيها ما أحببت فإذا فرغت من صلاتك فقل: اللهم إني صليت وركعت وسجدت لك وحدك لا شريك لك لأن الصلاة والركوع والسجود لا يكون إلا لك لأنك أنت الله لا إله إلا أنت اللهم صل على مُحمّد وآل مُحمّد وابلغهم عني أفضل السّلام والتحية واردد عليّ منهم السّلام اللهم وهاتان الركعتان هديةٌ مني إلى مولاي الحُسين بن عليّ عليهما السّلام اللهم صل على مُحمّد وعليه وتقبّل مني وأجرني على ذلك بأفضل أملي ورجائي فيك وفي وليك يا ولي المؤمنين.
فضل زيارته عليه السلام
اعلم أن فضل زيارة الحُسين عليه السّلام مما لا يبلغه البيان وفي روايات كثيرة أنّها تعدل الحجّ والعمرة والجهاد بل هي أفضل بدرجات تورث المغفرة وتخفيف الحساب وارتفاع الدرجات وإجابة الدعوات وتورث طول العمر والانخفاظ في النفس والمال وزيارة الرزق وقضاء الحوائج ورفع الهموم والكربات وتركها يوجب نقصاً في الدين وهو ترك حقّ عظيم من حقوق النّبيّ صلّى الله عليه وآله وأقلّ ما يؤجر به زائره هو ان يغفر ذنوبه وان يصون الله تعالى نفسه وماله حتّى يرجع إلى أهله فإذا كان يوم القيامة كان الله له احفظ من الدنيا وفي روايات كثيرة ان زيارته تزيل الغمّ وتهون سكرات الموت وتذهب بهول القبر وانّ ما يصرف في زيارته عليه السّلام يكتب بكلّ درهم منه ألف درهم بل عشرة آلاف درهم وان الزائر إذا توجه إلى قبره عليه السّلام استقبله أربعة آلاف ملك فإذا رجع منه شايعته وان الأنبياء والأوصياء والأئمة المعصومين والملائكة سلام الله عليهم أجمعين يزورون الحُسين عليه السّلام ويدعون لزّواره ويبشرونهم بالبشائر وان الله تعالى ينظر إلى زوار الحُسين صلوات الله وسلامه عليه قبل نظره إلى من حضر عرفات وانه إذا كان يوم القيامة تمنّى الخلق كلهم ان كانوا من زوّاره عليه السّلام لما يصدر منه عليه السّلام من الكرامة والفضل في ذلك اليوم والأحاديث في ذلك لا تحصى وسنشير إلى جملة منها:
في حديث أبي حمزة الثمالي عن الصادق صلوات الله عليه في زيارة الحُسين عليه السّلام انه قال: إذا بلغت نينوى فحط رحلك هناك ولا تدهن ولا تكتحل ولا تأكل اللحم ما أقمت فيه.
فالروايات في فضله كثيرة وفي رواية عن الصادق صلوات الله وسلامه عليه قال: من اغتسل بماء الفرات وزار قبر الحُسين عليه السّلام كان كيوم ولدته أمه صفراً من الذنوب ولو اقترفها كبائر.
وروى انه قيل له عليه السّلام: ربما أتينا قبر الحُسين بن عليّ عليهما السّلام فيصعب علينا الغسل للزيارة من البرد أو غيره فقال عليه السّلام: من اغتسل في الفرات وزار الحُسين عليه السّلام كتب له من الفضل ما لا يحصى وعن بشير الدهان عن الصادق عليه السّلام قال: من أتى قبر الحُسين بن عليّ عليهما السّلام فتوضأ واغتسل في الفرات لم يرفع قدماً ولم يضع قدماً إلاّ كتب الله له حجة وعمرة وفي بعض الروايات أئت الفرات واغتسل بحيال قبره وكما يستفاد من بعض الروايات يحسن إذا بلغ الفرات ان يقول مئة مرة الله أكبر ومئة مرة لا إله إلا الله ويصلّي على مُحمّد وآله مئة مرة.