اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم والعن أعدائهم

 
اسم البحث او المقالة : رسالة في جريان قاعدة البراءة في الأحكام الوضعيّة
الكاتب : الدكتور العلامة الشّيخ عبد الكريم العُقيلي
الموضوع : أصول
تاريخ النشر : 1427



بسم الله الرّحمن الرّحيم

رسالة في جريان قاعدة البراءة في الأحكام الوضعيّة(1)

ينبغي في البدء أن نُمهّد بمُقدّمة لازمة؛ ليتّضح الحال في السّؤال, ونقول: إنّه قد قُسّم الحُكم إلى عدّة أقسام, منها، ما هو مورد الكلام, فقد ذُكر في محلّه، أنّ الحُكم الشّرعي يتنوّع إلى نوعين:
النّوع الأوّل: الأحكام التُكليفيّة، وهي الأحكام التي تتعلّق بأفعال المُكلّفين بشكل مُباشر, كوجوب الصّلاة والّصيام والحج، وحُرمة شُرب الخمر والزّنا والكذب، وغيرها من الأحكام.
النّوع الثّاني: الأحكام الوضعيّة، وهي أيضاً على قسمين:
القسم الأوّل: الأحكام المُنتزعة من الأحكام التُكليفية, كالجُزئيّة والشّرطيّة وغيرهما, القسم الثّاني: الأحكام التي تكون موضوعاً للحُكم التّكليفي، كالزّوجيّة والملكيّة وغيرهما، وعلى هذا فإنّ الحُكم الوضعي حُكم شرعي، مجعول بشكل غير مُباشر, يقع في كثير من الحالات موضوعاً لحُكم تكليفي، كالزّوجية, أويكون مُنتزعاً من الحُكم التّكليفي، كالجُزئيّة والشّرطيّة، والارتباط بين الأحكام الوضعيّة والأحكام التّكليفيّة وثيق، إذ لا يوجد حُكم وضعي إلاّ ويوجد إلى جنبه حُكم تكليفي، فالزّوجيّة حُكم شرعيّ وضعيّ، توجد إلى جنبه أحكام تكليفيّة، وهي وجوب إنفاق الزّوج على زوجته، ووجوب التّمكين على الزّوجة، والملكية حُكم شرعيّ وضعيّ، توجد إلى جنبه أحكام تكليفيّة، من قبيل حُرمة تصرّف غير المالك في المال إلاّ بإذنه، وهكذا.
ولا ينبغي الشك – كما صرّح السّيد الشّهيد الصّدر قُدّس سرّه - في أنّ القسم الأوّل ليس مجعولاً للمولى بالاستقلال، وإنّما هو منتزع عن جعل الحُكم التّكليفي؛ لأنّه مع جعل الأمر بالمركب من السّورة وغيرها، يكفي هذا الأمر التّكليفي في انتزاع عنوان الجزئيّة للواجب من السّورة، وبدونه لا يُمكن أن تتحقّق الجُزئيّة للواجب، بمجرد إنشائها وجعلها مستقلاً. وبكلمة أخرى: إنّ الجُزئيّة للواجب من الأمور الانتزاعيّة الواقعية، وإن كان وعاء واقعها هو عالم جعل الوجوب، فلا فرق بينها وبين جُزئيّة الجُزء للمُركبات الخارجيّة، من حيث كونها أمراً انتزاعيّاً واقعيّاً، وإن اختلفت الجُزئيتان، في وعاء الواقع ومنشأ الانتزاع، وما دامت الجُزئيّة أمراً واقعيّاً، فلا يُمكن إيجادها بالجعل التّشريعي والاعتبار. وأمّا القسم الثّاني فمقتضى وقوعه موضوعاً للأحكام التّكليفيّة عُقلائيّاّ وشرعاً، هو كونه مجعولاً بالاستقلال، لا مُنتزعاً عن الحُكم التّكليفي؛ لأنّ موضوعيّته للحُكم التّكليفي تقتضي سبقه عليه رتبة، مع أنّ انتزاعه يقتضي تأخّره عنه.
وقد تُثار شبهة لنفي الجعل الاستقلالي لهذا القسم أيضاً، بدعوى أنّه لغو؛ لأنّه بدون جعل الحُكم التّكليفي المقصود لا أثر له، ومعه لا حاجة إلى الحُكم الوضعي، بل يُمكن جعل الحُكم التّكليفي ابتداءً على نفس الموضوع، الذي يفترض جعل الحُكم الوضعي عليه.
والجواب على هذه الشّبهة: إنّ الأحكام الوضعيّة، التي تعود إلى القسم الثّاني اعتبارات ذات جذور عُقلائيّة، الغرض من جعلها تنظيم الأحكام التّكليفيّة، وتسهيل صياغتها التّشريعيّة، فلا تكون لغواً.(2) وهناك نُكتة مُهمة، وهي: إنّ الأحكام الوضعيّة مشمولة لحديث الرّفع؛ لعدم اختصاص الحديث بالأحكام التّكليفيّة, كما لو اضطرّ المُكلّف إلى ترك القيام أثناء الصّلاة, فإنّ التّكليف به يسقط, وينتقل إلى الجلوس, إذن، هذه الجُزئيّة مرفوعة بحُكم النّص الوارد في "رفع" ومن موارده الاضطرار" وما اضطرّوا إليه " والمُحصّل: بأنّ كُلّ ما كان صحيحاً في نفسه من العبادات والمُعاملات، إذا كان فيه عذر شرعيّ، كما إذا كان مُكرهاً أو مضطرّاً وما أشبه, فإنّ الحُكم وأثره يرتفع عنه, سواء كان حُكماً تكليفيّاً، أو حُكماً وضعيّاً، ويكون مورداً لجريان البراءة. 
سدّد الله خُطاكم للفقه الحقّ، الذي بنى بُنيانه، وشيّد أركانه آل مُحمّد، أرواحنا فداهم. 
والسّلام عليكم 

عبد الكريم العُقيلي

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث