اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم والعن أعدائهم

 

نسبه الشّريف عليه السّلام

هو الإمام محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصّادق بن مُحمّد الباقر بن عليّ السّجاد بن الحُسين سيّد الشّهداء بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام.


أمه عليه السلام
أمّه أم ولد يقال لها سبيكة، نوبية.
وقيل: سكينة المريسية.
وقيل: إن اسمها كان خيزران.
وروي أنها كانت من أهل بيت مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله.


تاريخ مولده عليه السلام
ولد (عليه السلام) في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومئة لسبع عشر ليلة مضت من الشهر, وقيل غير ذلك:
الكافي: ولد في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة وقبض سنة عشرين ومائتين في آخر ذي القعدة وهو ابن خمس وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوما... .
روضة الواعظين: ولد بالمدينة ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، ويقال للنصف من شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة ... .
الإرشاد: كان مولده في شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة ... .
كشف الغمة: قال محمد بن طلحة: وأما ولادته ففي ليلة الجمعة تاسع عشر رمضان سنة مائة وخمس وتسعين للهجرة، وقيل عاشر رجب منها ... .
وقال الحافظ عبد العزيز: ولد سنة خمس وتسعين ومائة ويقال ولد بالمدينة في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومئة ... .
قال محمد بن سعيد: مولده سنة خمس وتسعين ومائة فيكون عمره خمسا وعشرين سنة.


كناه وألقابه عليه السلام
الإرشاد: وكان منعوتا بالمنتجب والمرتضى.
1 ـ كناه عليه السلام
أبو جعفر، وهي كنية جده الباقر(عليه السلام) وللتمييز بينهما يكنّى بأبي جعفر الثاني، وأضاف في دلائل الإمامة كنية ثانية له هي: أبو علي الخاص، وفسّر المتأخرون هذه العبارة بأنّ له كنية خاصة هي: أبو علي، وليست كنيته هي "أبو علي الخاص" كما يبدو للناظر في عبارة دلائل الإمامة.

2 ـ ألقابه عليه السلام
أمّا ألقابه الكريمة فهي تدل على معالم شخصيته العظيمة وسمو ذاته, وهي:
1 ـ الجواد: لُقب به لكثرة ما أسداه من الخير والبر والاحسان الى الناس.
2 ـ التقي: لقب به لأنه اتّقى الله وأناب اليه، واعتصم به ولم يستجب لأي داع من دواعي الهوى.
3 ـ المرتضى.
4 ـ القانع.
5 ـ الرضي.
6 ـ المختار.
7 ـ باب المراد.
8 - المنتجب.


نقش خاتمه عليه السلام
نقش خاتمه عليه السلام: العزّة لله.


أولاده عليه السلام
الإرشاد: ... وخلف من الولد عليا ابنه الامام من بعده، وموسى، وفاطمة وأمامة ابنتيه، ولم يخلف ذكرا غير من سميناه.


أحاديثه ورواياته عليه السلام
روى الإمام الجواد (عليه السلام) طائفة من الأحاديث بسنده عن جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعن جدّه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وعن آبائه (عليهم السلام) وفيما يلي مختارات من ذلك التراث الذي يكشف بثّه من قِبَل الإمام(عليه السلام) عن اهتمامه بنشر حديث الرسول(صلى الله عليه وآله) وآبائه الميامين :
1ـ روى (عليه السلام) إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : " المرء مخبوء تحت لسانه ".
2ـ روى (عليه السلام) بسنده ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : " إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّمها الله وذريّتها على النار ".

3ـ وقال (عليه السلام) : " قام الى أمير المؤمنين رجل بالبصرة ، فقال : أخبرنا عن الإخوان ؟ فقال : الإخوان صنفان : إخوان الثقة ، وإخوان المكاشرة.
فأمّا إخوان الثقة فهم كالكفّ والجناح والأهل والمال ، فإذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك ويدك وصاف من صافه وعاد من عاداه واكتم سرّه وأعنه واظهر منه الحسن ، واعلم أيها السائل انهم اعزّ من الكبريت الأحمر.
وأما اخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك ، فلا تقطعن ذلك منهم ،
ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم ، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه
وحلاوة اللسان ".
4 - روى (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: " العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ".
5 - روى (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: " من استحسن قبيحاً كان شريكاً فيه".
6 - روى (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله :" من أصغى الى ناطق فقد عبده ، فان كان الناطق عن الله فقد عبد الله ، وان كان الناطق ينطق عن لسان ابليس فقد عبد ابليس".
7 - روى الإمام الجواد (عليه السلام) عن أجداده عن الإمام علي(عليهم السلام) : " ما عظمت نعمة الله على عبد إلاّ عظمت عليه مؤونة الناس ، فمن لم يحتمل تلك المؤونة فقد عرّض النعمة للزوال ".
8 - روى الإمام (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : " ان لله عباداً يخصهم بالنعم ، ويقرّها فيهم ما بذلوها ، فاذا منعوها نزعها عنهم وحوّلها الى غيرهم".
9 - وقال(عليه السلام) : " أهل المعروف الى اصطناعه احوج من اهل الحاجة اليه ، لأن لهم اجره وفخره وذكره ، فمهما اصطنع الرجل من معروف فانما يبدأ فيه بنفسه ، فلا يطلبنّ شكر ما صنع الى نفسه من غيره ".
10 - روى عن جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام) : " كفر النعمة داعية المقت ومن جازاك بالشكر فقد أعطاك اكثر مما أخذ منك".
11 - روى عن جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام) : " ثلاث خصال تجتلب بهن المحبة : الانصاف في المعاشرة ، والمواساة في الشدّة ، والانطواع والرجوع الى قلب سليم ".
12 - وقال (عليه السلام) : " لا يفسدك الظنّ على صديق وقد أصلحك اليقين له ، ومن وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ، ومن وعظ علانية فقد شانه. استصلاح الاخيار باكرامهم ، والاشرار بتأديبهم ، والمودّة قرابة مستفادة ، وكفى بالأجل حرزاً ، ولا يزال العقل والحمق يتغالبان على الرجل الى ثمانية عشر سنة ، فاذا بلغها غلب عليه اكثرهما فيه ، وما أنعم الله عزوجل على عبد نعمة فعلم انها من الله إلاّ كتب الله جلّ اسمه له شكرها قبل ان يحمده عليها ، ولا أذنب ذنباً فعلم ان الله مطّلع عليه إن شاء عذبه وان شاء غفر له ، الاّ غفر الله له قبل ان يستغفره ".
13 - روى(عليه السلام): " فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء ، وصلاح الأخلاق بمنافسة العقلاء ، والخلق اشكال فكل يعمل على شاكلته ، والناس إخوان ، فمن كانت اخوته في غير ذات الله فانها تحوز عداوة ، وذلك قوله تعالى : ( الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلاّ المتقين ).
14 - روى الإمام الجواد (عليه السلام) عن علي (عليه السلام) قال : "بعثني النبي (صلى الله عليه وآله) الى اليمن ، فقال لي وهو يوصيني : "ياعلي ، ما حار من استخار ، ولا ندم من استشار"، وقال(عليه السلام): " من استفاد أخاً في الله فقد استفاد بيتاً في الجنة ".
15 - روى الإمام الجواد (عليه السلام) : " يوم العدل على الظالم اشد من يوم الجور على المظلوم ".
16 - روى(عليه السلام) "ان صبر المؤمن على البلاء من اشد الاسلحة ضد الظالمين" وقال(عليه السلام): " الصبر على المصيبة مصيبة على الشامت بها ".
17 - روى (عليه السلام) عن جده أمير المؤمنين (عليه السلام) المنهاج الذي ينبغي ان يلتزم به المؤمنون ليبلغوا غاياتهم السامية .
18 - روى (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : " من وثق بالله أراه السرور ، ومن توكل عليه كفاه الاُمور ، والثقة بالله حصن لا يتحصن فيه الاّ مؤمن أمين ، والتوكل على الله نجاة من كل سوء وحرز من كل عدو ، والدين عزّ ، والعلم كنز ، والصمت نور ، وغاية الزهد الورع ، ولاهدم للدين مثل البدع ، ولا أفسد للرجال من الطمع ، وبالراعي تصلح الرعية ، وبالدعاء تصرف البليّة ، ومن ركب مركب الصبر اهتدى الى مضمار النصر ، ومن عاب عيب ، ومن شتم اجيب ، ومن غرس اشجار التقى اجتنى ثمار المنى ".
روى (عليه السلام) عن جده أمير المؤمنين (عليه السلام): " عليكم بطلب العلم ، فان طلبه فريضة ، والبحث عنه نافلة ، وهو صلة بين الاخوان ، ودليل على المروّة ، وتحفة في المجالس ، وصاحب في السفر ، واُنس في الغربة ".
19 - روى (عليه السلام) عن جده أمير المؤمنين (عليه السلام) : " العلم علمان : مطبوع ومسموع ، ولا ينفع مسموع اذا لم يكن مطبوع ، ومن عرف الحكمة لم يصبر على الازدياد منها ، الجمال في اللسان ، والكمال في العقل ".
20 - روى (عليه السلام) عن علي، قال في كتاب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) : " ان ابن آدم اشبه شيء بالمعيار ، إما راجح بعلم ـ وقال مرة بعقل ـ أو ناقص بجهل".
21 - روى (عليه السلام) عن جده أمير المؤمنين (عليه السلام) : " اقصد العلماء للمحجّة الممسك عند الشبهة ، والجدل يورث الرياء ، ومن أخطأ وجوه المطالب خذلته الحيل ، والطامع في وثاق الذلّ ، ومن احبّ البقاء فليعدّ للبلاء قلباً صبوراً".
22 - روى عن جده أميرالمؤمنين(عليه السلام):" العلماء غرباء لكثرة الجهّال بينهم".
23 - روى (عليه السلام) عن جده أمير المؤمنين (عليه السلام) : " لو سكت الجاهل ما اختلف الناس".
24 - روى عن أمير المؤمنين(عليه السلام) : " التوبة على أربعة دعائم : ندم القلب ، واستغفار باللسان ، وعمل بالجوارح ، وعزم على ان لا يعود" . "وثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله : كثرة الاستغفار وخفض الجانب وكثرة الصدقة ".
25 - روى (عليه السلام) عن الإمام الصادق (عليه السلام) لما سئل عن الزاهد في الدنيا ، قوله : "الذي يترك حلالها مخافة حسابه ، ويترك حرامها مخافة عقابه ".
26 - روى (عليه السلام) عن الإمام الصادق (عليه السلام) عندما قيل له صف لنا الموت ، قوله (عليه السلام) : " للمؤمن كأطيب ريح يشمه فينعس لطيبه ، وينقطع التعب والألم كله عنه ، وللكافر كلسع الأفاعي ولدغ العقارب أو أشد ".
27 - وقال (عليه السلام) : مرض رجل من أصحاب الرضا (عليه السلام) فعاده ، فقال : كيف تجدك ؟ قال : لقيت الموت بعدك . يريد به ما لقيه من شدة مرضه .
فقال (عليه السلام) : كيف لقيته ؟ قال : شديداً أليماً.
قال : ما لقيته إنما لقيت ما يبدؤك به ويعرفك بعض حاله ، انما الناس
رجلان : مستريح بالموت ، ومُستراح منه به ، فجدّد الايمان بالله وبالولاية تكن مستريحاً.
28 - قال الامام الجواد (عليه السلام): " أوحى الله الى بعض الانبياء : أما زهدك في الدنيا فتعجّلك الراحة ، واما انقطاعك اليّ فيعزِّزك بي ، ولكن هل عاديتَ لي عدوّاً وواليت لي ولياً "


علمه عليه السلام
أ - روى المسعودي عن عبد الرحمن بن محمد عن كلثم بن عمران أنه قال : قلت للرضا (عليه السلام) : أنت تحبّ الصبيان فادع الله أن يرزقك ولداً . فقال : "إنّما اُرزق ولداً واحداً وهو يرثني . فلما ولد أبو جعفر كان طول ليلته يناغيه في مهده ، فلمّا طال ذلك على عدّة ليال، قلت: جُعلت فداك قد ولد للناس أولادقبل هذا فكل هذا تعوّذه! فقال: وَيْحَك! ليس هذا عوذة إنّما أغرّه بالعلم غرّاً".
ب - وجاء أيضاً عن الإمام محمّد الجواد أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، انه قال: "قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) : إن الأوصياء محدّثون يحدّثهم روح القدس ولا يرونه".
ج - وروي أيضاً انه جيء بأبي جعفر الجواد (عليه السلام) إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد استشهاد أبيه (عليه السلام) وهو طفل ، وجاء الى المنبر ورقى منه درجة ، ثم نطق فقال : "انا محمد بن علي الرضا ، انا الجواد ، انا العالم بأنساب الناس في الاصلاب ، أنا أعلم بسرائركم وظواهركم ، وما أنتم صائرون اليه ، عِلمٌ منحنا به من قبل خالق الخلق أجمعين ، وبعد فناء السماوات والأرضين ، ولو لا تظاهر أهل الباطل ، ودولة أهل الضلال ، ووثوب أهل الشكّ، لقلت قولاً تعجّب منه الأوّلون والآخرون .
ثم وضع يده الشريفة على فيه ، وقال : يا محمد اصمت كما صمت آباؤك من قبل".
ومن هنا ينبغي أن نعرض بايجاز إلى بعض ما اُثر عنه من العلوم :

1 ـ التوحيد :
1 ـ قال الراوي : "سألت أبا جعفر عن التوحيد فقلتُ : أتوهّم شيئاً . فقال: نعم ، غير معقول ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه، لا يشبهه شيء ولا تدركه الأوهام ، كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يُعقل وخلاف ما يُتصور في الأوهام ؟ إنّما يُتوهم شيء غير معقول ولا محدود".
2 ـ وقال الراوي : "سئل أبو جعفر الثاني (عليه السلام) : يجوز أن يقال لله إنه شيء؟ قال : نعم يُخرجه من الحدَّين، حدّ التعطيل وحد التشبيه".
3 ـ قال الراوي : "سألت أبا جعفر محمد بن علي الثاني (عليه السلام) : ما معنى الواحد ؟ فقال : المجتمع عليه بجميع الألسن بالوحدانية ".

2 ـ تفسير القرآن الكريم وتأويله:
وردت عن الإمام الجواد (عليه السلام) نصوص كثيرة في تفسير وتأويل بعض آيات القرآن الكريم .
أ - ما ورد عنه (عليه السلام) في تفسير الآيتين المباركتين : ( ما ننسخ من آية او ننسها نأت بخير منها أو مثلها ـ الى قوله تعالى ـ وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ).
إذ قال (عليه السلام) : (ما ننسخ من آية) بأن نرفع حكمها .
(أو ننسها) بأن نرفع رسمها ونزيل عن القلوب حفظها ، وعن قلبك يا محمد كما قال الله تعالى : ( سنقرئك فلا تنسى * إلاّ ما شاء الله...) أن ينسيك ، فرفع ذكره عن قلبك .
( نأت بخير منها ) يعني : بخير لكم .
فهذه الثانية أعظم لثوابكم ، وأجلّ لصلاحكم من الآية الاولى المنسوخة ، أو مثلها من الصلاح لكم، أي إنّا لا ننسخ ولا نبدّل إلاّ وغرضنا في ذلك مصالحكم .
ثم قال : يا محمد ( ألم تعلم ان الله على كل شيء قدير ) ، فانه قدير يقدر على النسخ وغيره. ألم تعلم ـ يا محمد ـ ان الله له ملك السماوات والارض وهو العالم بتدبيرها ومصالحها فهو يدبّركم بعلمه ( وما لكم من دون الله من ولي ) يلي صلاحكم اذ كان العالم بالمصالح هو الله عزّوجلّ دون غيره ولا نصير وما لكم من ناصر ينصركم من مكروه ان اراد الله انزاله بكم ، أو عقاب إن أراد إحلاله بكم".

ب - وفي مجال تأويله لقوله تعالى : ( أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعاً ان الله على كل شيء قدير).
فقد جاء عن عبد العظيم بن عبدالله الحسني أنّه قال : "قلت لمحمد بن علي بن موسى (عليه السلام) : اني لأرجو ان تكون القائم من أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً .
فقال (عليه السلام) : يا أبا القاسم : ما منّا إلاّ وهو قائم بأمر الله عزّوجلّ ، وهاد الى دين الله ، ولكن القائم الذي يطهّر الله عزّوجلّ به الأرض من أهل الكفر والجحود ، ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي تخفى على الناس ولادته ، ويغيب عنهم شخصه ، ويحرم عليهم تسميته وهو سميُّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيّه ، وهو الذي تطوى له الأرض ، ويذلّ له كل صعب ] و [يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، من أقاصي الأرض ، وذلك قول الله عزّوجلّ : ( أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً ان الله على كل شيء قدير ). فاذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره ، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عزّوجلّ ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عزّوجلّ. قال عبد العظيم : فقلت له : يا سيدي وكيف يعلمُ أن الله عزّوجلّ قد رضي ؟
قال : يلقي في قلبه الرحمة ، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما".

3 - من تراثه التفسيري
أ ـ عن داود بن قاسم الجعفري قال : "قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) : جُعلت فداك ما الصمد ؟ قال : السيد المصمود إليه في القليل والكثير".
ب ـ عن أبي هاشم الجعفري قال : "سألت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) ما معنى الواحد ؟ قال : الذي اجتماع الألسن عليه بالتوحيد كما قال الله عزّوجل : ( ولئن سئلتهم من خلق السموات والأرض ليقولنّ الله )".
ج ـ عن جعفر بن محمد الصوفي قال : "سألت أبا جعفر (عليه السلام) محمد بن علي الرضا (عليه السلام) وقلت له : يا ابن رسول الله لم سمّي النبيّ الاُميّ ؟ لأنه لم يكتب ؟ فقال : كذبوا عليهم لعنة الله أنّى يكون ذلك والله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه : ( هو الذي بعث في الاُميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة ) فكيف كان يعلّمهم ما لا يحسن ؟ ! والله لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرأ ويكتب باثنين وسبعين أو بثلاثة وسبعين لساناً ، وإنّما سُمّي الاُميّ لأنه كان من أهل مكة، ومكة من اُمّهات القرى ، وذلك قول الله تعالى في كتابه : (لتنذر اُمّ القرى ومن حولها)".
د ـ وعن عمرو بن أبي المقدام قال : "سمعت أبا الحسن وأبا جعفر (عليه السلام) يقول في هذه الآية : ( ولا يعصينك في معروف ) قال : إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة (عليها السلام) : إذا أنا مُتّ فلا تخمشي عليّ وجهاً ولا ترخي عليّ شعراً ، ولا تنادي بالويل ولا تقيمي عليّ نائحة ، ثم قال : هذا المعروف الذي قال الله عزّوجلّ في كتابه : (ولايعصينك في معروف )."
هـ ـ وروي في الكافي عن أبي جعفر الجواد (عليه السلام) قال : "قال الله عزوجل في ليلة القدر : ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) يقول : ينزل فيها كل أمر حكيم .
والمحكم ليس بشيئين ، إنّما هو شيء واحد ، فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله عزّوجلّ ، ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت .
إنه لينزل في ليلة القدر إلى وليّ الأمر تفسير الاُمور سنة سنة، يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا ، وفي أمر الناس بكذا وكذا .
وإنّه ليحدث لوليّ الأمر سوى ذلك كلّ يوم علم الله عزّوجل الخاص والمكنون العجيب المخزون ، مثل ماينزل في تلك الليلة من الأمر . ثمّ قرأ : ( ولو أ نّما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر مانفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم )".
روى في الاحتجاج عن الإمام محمد الجواد (عليه السلام) أنه قال : "من تكفّل بأيتام آل محمد المنقطعين عن إمامهم المتحيّرين في جهلهم الاُسارى في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين بردّ وساوسهم وقهر الناصبين بحجج ربّهم ودلائل أئمتهم ليحفظوا عهد الله على العباد بأفضل الموانع بأكثر من فضل السماء على الأرض والعرش والكرسي والحجب على السماء ، وفضلهم على العباد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كواكب السماء ".
روي عن أبي داود بن القاسم الجعفري أنه قال : "قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) : ( قل هو الله أحد ) ، ما معنى الأحد ؟ قال (عليه السلام) : المجمع عليه بالوحدانية أما سمعته يقول : ( ولئن سئلتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولنّ الله ) ثم يقولون بعد ذلك له شريك وصاحبة .
فقلت : قوله ( لا تدركه الأبصار ) ؟ قال (عليه السلام) : "ياأبا هاشم ! أوهام القلوب أدقّ من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند ، والبلدان التي لم تدخلها ، ولم تدرك ببصرك ذلك ، فأوهام القلوب لا تدركه ، فكيف تدركه الأبصار ؟".
عن الحسن بن عبّاس بن حريش عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّ أرواحنا وأرواح النبيين توافي العرش كل ليلة جمعة فتصبح الأوصياء وقد زيد في علمهم مثل جمّ الغفير من العلم ".
روي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لابن عباس : إنّ ليلة القدر في كل سنة ، وانه لينزل في تلك الليلة أمر السنة ولذلك الأمر ولاةٌ بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) " فقال ابن عباس : من هم ؟ قال : أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدّثون ".
سأله أبو هاشم الجعفري : هل يبدو لله في المحتوم ؟ قال : " نعم . قال : فقلنا له : فنخاف أن يبدو لله في القائم (عليه السلام) ؟ فقال :"إنّ القائم من الميعاد والله لا يخلف الميعاد " .
عن بنان بن نافع عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : " إنّا معاشر الأئمة إذا حملته اُمّه يسمع الصوت من بطن اُمّه أربعين يوماً فإذا أتى له في بطن اُمّه أربعة أشهر رفع الله تعالى له أعلام الأرض فقرب له ما بَعدُ عنه حتى لا يعزب عنه حلول قطرة غيث نافعة ولا ضارة " .
عن عمرو بن الفرج الرُخجي : "قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إن شيعتك تدّعي أنك تعلم كل ماء في دجلة ووزنه ؟ وكنا على شاطئ دجلة ، فقال (عليه السلام) لي : يقدر الله تعالى أن يفوّض علم ذلك الى بعوضة من خلقه أم لا ؟ قلت: نعم يقدر . فقال (عليه السلام) : أنا أكرم على الله تعالى من بعوضة ومن أكثر خلقه " .

4 ـ من تراثه الفقهي
أ ـ روى أبو خداش المهري: "أن شخصاً دخل على الرضا (عليه السلام) فسأله عن اُمور ثلاثة فأجابه (عليه السلام) عنها . ثم حضر أبو خداش مجلس أبي جعفر (عليه السلام) في ذلك الوقت فسأله الأسئلة ذاتها فكان الجواب هو الجواب .
قال: فقلت : جعلت فداك انّ اُمّ ولد لي أرضعت جارية لي بلبن ابني أيحرم عليّ نكاحها ؟ فقال (عليه السلام) : " لا رضاع بعد فطام".
قلت : الصلاة في الحرمين ؟ قال : إن شئت قصرت وإن شئت أتممت . قال : قلت : الخادم يدخل على النساء ؟ فحوّل وجهه، ثم استدناني فقال : وما نقص منه إلاّ الواقعة عليه"
ب ـ عن علي بن مهزيار قال : "كتبت إلى أبي جعفر محمد بن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) : جُعلت فداك اُصلي خلف من يقول بالجسم ومن يقول بقول يونس يعني ابن عبد الرحمن ؟ فكتب (عليه السلام) : لا تصلّوا خلفهم ولا تعطوهم من الزكاة وابرؤا منهم برئ الله منهم "
ج ـ سأله سائل عن الملاّح يقصّر في السفينة؟ فقال(عليه السلام): "لا لأن السفينة بمنزلة بيته ليس بخارج منها"
د ـ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل ـ وكان يتولّى له الوقف بقم ـ فقال : "ياسيدي اجعلني من عشرة آلاف في حلّ فإنّي أنفقتها . فقال له (عليه السلام) : أنت في حلّ ، فلمّا خرج صالح قال أبو جعفر (عليه السلام) لابراهيم بن هاشم : أحدهم يثب على أموال حق آل محمد وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذه ثم يجيء فيقول : اجعلني في حلّ : أتراه ظنّ أني أقول لا أفعل ؟ ! والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً"
هـ ـ عن علي بن مهزيار قال: "قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) : قوله عزّوجلّ : ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى ) وقوله عزّوجلّ : ( والنجم إذا هوى ) . وما أشبه هذا ، فقال : إن الله عزوجل يقسم من خلقه بما يشاء وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به عزّوجلّ"
و ـ قال (عليه السلام) : " ما استوى رجلان في حسب ودين قطّ إلاّ كان أفضلهما عند الله عزّوجلّ آدبهما فسأله الراوي عن وجه فضله عند الله عزّوجلّ ؟ فقال (عليه السلام) : بقراءة القرآن كما اُنزل ودعائه الله عزّوجلّ من حيث لا يلحن وذلك أن الدعاء الملحون لا يصعد الى الله عزّوجلّ "

4 ـ من تراثه التاريخي
أ ـ روى المجلسي عن الصدوق بإسناده عن عبد العظيم الحسني قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أسأله عن ذي الكفل ما اسمه ؟ وهل كان من المرسلين ؟
فكتب صلوات الله وسلامه عليه : "بعث الله تعالى جلّ ذكره مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبيّاً ، المرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً .
وإنّ ذا الكفل منهم صلوات الله عليهم ، وكان بعد سليمان بن داود (عليه السلام) . وكان يقضي بين الناس كما كان يقضي داود ، ولم يغضب إلاّ لله عزّوجلّ وكان اسمه (عويديا) وهو الذي ذكره الله تعالى جلّت عظمته في كتابه حيث قال : ( واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل كلّ من الأخيار ) "
ب ـ المسعودي ، باسناده عن أبي جعفر الثاني محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) أنه قال عن آبائه صلوات الله عليهم . قال : "اقبل امير المؤمنين ومعه أبو محمد]أي الحسن المجتبى[ (عليه السلام) وسلمان الفارسي فدخل المسجد وجلس فيه فاجتمع الناس حوله إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس فسلم على أمير المؤمنين(عليه السلام) وجلس ، ثم قال : ياأمير المؤمنين اني قصدت أن أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهن علمت أنك وصي رسول الله حقاً وإن لم تخبرني بهن علمت أنك وهم شرع سواء .
فقال له أمير المؤمنين : "سل عما بدا لك" . فقال : أخبرني عن الرجل اذا نام أين تذهب روحه ، وعن الرجل كيف يذكر وينسى ، وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال ؟ فالتفت أمير المؤمنين الى أبي محمد فقال : "ياأبا محمد أجبه ، فقال أبو محمد : "أما الانسان اذا نام فإن روحه متعلقة بالريح والريح متعلقة بالهواء الى وقت يتحرك صاحبها الى اليقظة .
فإذا أذن الله برد الروح جذبت تلك الروح الريح وجذبت الريح الهواء فرجعت الروح الى مسكنها في البدن ، وان لم يأذن الله برد الروح الى صاحبها جذبت الهواء الريح وجذبت الريح الروح فلم ترجع الى صاحبها الى أن يبعثه الله تعالى ، وأما الذكر والنسيان فإن قلب الرجل في مثل حق وعليه طبق .
فإن سمى الله وذكره وصلى عند نسيانه على محمد وآله انكشف ذلك الطبق وهو غشاوة عن ذلك الحق وأضاء القلب وذكر الرجل ما كان نسي وان هو لم يصلّ على محمد وآله بعد ذكر الله تعالى انطبقت تلك الغشاوة على ذلك الحق فأظلم القلب فنسي الرجل ما ذكر .
وأما المولود الذي يشبه الأعمام والأخوال فان الرجل اذا أتى أهله فوطأها بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير مضطرب استكنت تلك النقطة في جوف الرحم وخرج الرجل يشبه أباه وامه ، وان هو أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب اضطربت النقطة فوقعت في اضطرابها على بعض العروق .
فان وقعت على عرق من عروق الأعمام اشبه الولد أعمامه وان وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه أخواله .
فقال الرجل : أشهد أن لا إله إلا الله ولم ازل أشهد بها وأشهد أن محمداً رسول الله ولم أزل أشهد بها واشهد أنك وصيه وخليفته والقائم بحجته . وأشار الى أمير المؤمنين : وأشهد أنك وصيه والقائم بحجته . واشار الى الحسن: وأشهد أن أخاك الحسين وصي أبيك ووصيك والقائم بحجته بعدك وأشهد أن علي بن الحسين القائم بأمر الحسين وأشهد ان محمد بن علي القائم بأمر علي ابن الحسين واشهد ان جعفر بن محمد القائم بأمر الله بعد أبيه وحجته واشهد ان موسى بن جعفر القائم بأمر الله بعد ابيه جعفر واشهد ان علي بن موسى القائم بأمر الله بعد أبيه . واشهد ان محمد بن علي القائم بأمر الله بعد ابيه واشهد ان علي بن محمد القائم بأمر الله بعد ابيه محمد بن علي واشهد ان الحسن بن علي القائم بأمر ابيه علي ابن محمد واشهد ان رجلاً من ولد الحسين بن علي لا يسمى ولكن يكنى حتى يظهر الله امره يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً والسلام عليك ياأمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، ومضى .
فقال أمير المؤمنين : "اتبعه ياأبا محمد فانظر أين يقصد ، قال : فخرج الحسن بن علي في اثره فلما وضع الرجل رجله خارج المسجد لم يدر كيف اخذ من ارض الله فرجع اليه فأعلمه ، فقال : ياأبا محمد أتعرفه . قال : الله ورسوله وامير المؤمنين اعلم به ، قال : ذاك الخضر " .
ج ـ روى أبو جعفر المشهدي باسناده عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) قال : " بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) سلمان الى فاطمة (عليها السلام) لحاجة ، قال سلمان : فوقفت بالباب وقفة حتى سلمت ، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن خفاءً والرحى تدور من برّ ما عندها انيس ، قال : فعدت الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت : يارسول الله سمعت فاطمة تقرأ القرآن من خفاء والرحى تدور من برّ ما عندها انيس .
قال : فتبسم (صلى الله عليه وآله) وقال : ياسلمان ان ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها ايماناً ويقيناً الى مبانيها ففرغت لطاعة الله ، فبعث الله ملكاً اسمه روفائيل . وفي موضع آخر " رحمة " ، فادار لها الرحى وكفاها الله مؤونة الدنيا والآخرة" .
د ـ روى الحافظ أبو نعيم ، فقال حدّثنا أحمد بن إسحاق حدثنا إبراهيم بن نائلة حدثنا جعفر بن محمّد بن مزيد قال : كنتُ ببغداد فقال لي محمّد بن مَنْدة بن مهربزذ : هل لك أن اُدخلك على ابن الرِضا ؟ قلتُ : نعم . قال : فأدخلني فسلّمنا عليه وجلسنا ، فقال له حديث النبيّ (صلى الله عليه وآله) : " أنّ فاطمة أحصنت فَرْجَها فحرّم الله ذرّيّتها على النار ، قال : خاصٌّ للحسن والحسين رضي الله عنهما"
هـ ـ روى باسناده عن علي بن ابراهيم بن هاشم ، عن أبيه عن احمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، قال : "قلت لابي جعفر محمد بن
علي بن موسى(عليهم السلام)ان قوماً من مخالفيكم يزعمون أباك انما سماه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده .
فقال : "كذبوا والله وفجروا ، بل الله تبارك وتعالى سماه الرضا لانه كان رضي الله عزوجل في سمائه ورضي لرسوله والائمة من بعده صلوات الله عليهم في أرضه قال: فقلت له : الم يكن كل واحد من آبائك الماضين (عليهم السلام) رضي الله تعالى ولرسوله والائمة (عليهم السلام) ؟ فقال : بلى ، فقلت : فلم سمي أبوك من بينهم الرضا ؟ قال : لأنه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من اوليائه ولم يكن ذلك لاحد من آبائه(عليهم السلام) ، فلذلك سمي من بينهم الرضا (عليه السلام).


معجزاته وكراماته (عليه السلام)
ورغم أنّ الإمام الجواد (عليه السلام) كان معجزة بذاته ، حيث تصدى لإمامة المسلمين وهو صبي لم يبلغ السابعة من عمره ، فإنّ الله جّل جلاله أجرى على يديه كرامات أخرى في مناسبات عديدة لكي يتم بها الحجة على العباد ويقطع بها ألسنة المعاندين وتطمئن بسببها قلوب الموالين وإليك بعض مصاديقها:
1 ـ قال أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري : "دخلت على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ومعي ثلاث رقاع غير معنونة واشتبهت عليّ فاغتممت لذلك ، فتناول إحداهنّ وقال : هذه رقعة ريّان بن شبيب ثم تناول الثانية فقال: هذه رقعة محمد بن حمزة وتناول الثالثة ، وقال : هذه رقعة فلان فبهتّ ، فنظر اليّ وتبسّم(عليه السلام).
قال : وأعطاني أبو جعفر ثلاثمائة دينار في صرّة وأمرني ان أحملها الى بعض بني عمّه ، وقال : أما انه سيقول لك دلّني على حريف يشتري لي بها متاعاً, فدلّه عليه.
قال : فأتيته بالدنانير فقال لي : "يا أبا هاشم دلّني على حريف يشتري لي بها متاعاً" . ففعلت .
قال أبو هاشم: وكلّمني جمّال ان اُكلّمه ليدخله في بعض اموره ، فدخلت عليه لاُكلّمه فوجدته يأكل مع جماعة فلم يمكنني كلامه ، فقال : يا أبا هاشم : كل ووضع بين يديّ ثم قال ـ ابتداءً منه من غير مسألة ـ : يا غلام انظر الجمّال الذي أتانا به أبو هاشم فضمّه اليك " .
2 ـ قال أبو هاشم : ودخلت معه ذات يوم بستاناً فقلت له : جعلت فداك ، إني مولع بأكل الطين ، فادع الله لي ، فسكت ثم قال لي بعد أيام ابتداءً منه ـ : "يا أبا هاشم ، قد أذهب الله عنك أكل الطين " .
قال أبو هاشم : فما شيء أبغض اليّ منه .
3 ـ قال علي بن أسباط : خرج عليّ أبو جعفر حدثان موت أبيه فنظرت الى قدّه لأصف قامته لأصحابنا فقعد ، ثم قال : "يا عليّ ، ان الله تعالى احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة فقال : ( وآتيناه الحكم صبيّاً)".
4 ـ قال المطرفي: "مضى أبو الحسن الرضا (عليه السلام) ولي عليه أربعة آلاف درهم ، لم يكن يعرفها غيري وغيره ، فأرسل اليّ أبو جعفر(عليه السلام): "إذا كان في غد فائتني . فأتيته من الغد ، فقال لي : مضى أبو الحسن ولك عليه أربعة آلاف درهم ؟. فقلت : نعم .
فرفع المصلّى الذي كان تحته ، فإذا تحته دنانير فدفعها اليّ ، وكان قيمتها في الوقت أربعة آلاف درهم".
5 ـ قال امية بن علي: " كنت بالمدينة ، وكنت اختلف الى أبي جعفر (عليه السلام) وأبو الحسن (عليه السلام) بخراسان ، وكان أهل بيته وعمومة أبيه يأتونه ويسلّمون عليه ، فدعا يوماً الجارية ، فقال : قولي لهم : يتهيأون للمأتم .
فلمّا تفرّقوا قالوا: ألا سألناه مأتم مَن ؟
فلمّا كان من الغد فعل مثل ذلك ، فقالوا : مأتم مَن ؟
قال : مأتم خير مَن على ظهرها .
فأتانا خبر أبي الحسن ]الرضا[ (عليه السلام) بعد ذلك بأيّام ، فاذا هو قد مات في ذلك اليوم".
6 ـ قال محمد بن الفرج: كتب اليّ أبو جعفر(عليه السلام) : " إحملوا اليّ الخمس ، فإني لستُ آخذه منكم سوى عامي هذا ". فقبض (عليه السلام) في تلك السنة .
7 - عن أبي مسافر، عن أبي جعفر الثاني, أنه قال في العشية التي توفي فيها: إني ميت الليلة ، ثم قال : نحن معشر إذا لم يرض الله لأحدنا الدنيا نقلنا إليه .

8 - عن ابن سنان، قال: دخلت على أبي الحسن موسى من قبل أن يقدم العراق بسنة وعلي ابنه جالس بين يديه، فنظر إلي وقال: يا محمد ستكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك قال: قلت: وما يكون جعلني الله فداك فقد أقلقتني ؟ قال: أصير إلى هذه الطاغية أما إنه لا يبدأني منه سوء، ومن الذي يكون بعده قال: قلت: وما يكون جعلني الله فداك ؟ قال: يضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء قال: قلت: وما ذلك جعلني الله فداك ؟ قال: من ظلم ابني هذا حقه وجحده إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب إمامته وجحده حقه بعد رسول الله قال: قلت: والله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقه، ولأقرن بإمامته قال: صدقت يا محمد يمد الله في عمرك، وتسلم له حقة، وتقر له بإمامته وإمامة من يكون من بعده، قال: قلت: ومن ذاك ؟ قال: ابنه محمد، قال: قلت له: الرضا والتسليم.


مناظرة الإمام الجواد ( عليه السلام ) مع ابن اكثم
عندما أراد الخليفة المأمون تزويج ابنته أم الفضل من الإمام الجواد ( عليه السلام ) بلغ ذلك العباسيين ، فاعترضوا على الخليفة ، و قالوا : يا أمير المؤمنين ، أتُزَوِّج ابنتك صبياً لم يَتَفَقَّه في دين الله ؟!! ، و إذا كنت مشغوفاً به فأمْهِلْه لِيتأَدَّبْ ، و يقرأ القرآن ، و يعرف الحلال والحرام .
فقال لهم المأمون : وَيْحَكم ، إِنِّي أَعْرَفُ بهذا الفتى منكم ، و إنَّه لأفْقَه منكم ، و أعلم بالله و رسوله و سُنَّتِه ، فإن شِئْتُم فامتحنوه .
فرضوا بامتحانه ، و اجتمع رأيهم مع المأمون على قاضي القضاة يحيى بن أكثم أن يحضر لمسألته ، و اتفقوا على يوم معلوم .
و جاء ابن أكثم ، و قال للإمام ( عليه السلام ) ، بحضور مجلس المأمون : يا أبا جعفر ، أصلَحَك الله ، ما تقول في مُحرم قتل صيداً ؟
فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : ( قَتله في حِلٍّ أو حَرَم ؟ ، عَالِماً كان المُحرِم أم جاهلاً ؟ ، قَتَله عمداً أو خطأً ؟ ، حُرّاً كان المُحرِم أم عبداً ؟ ، كان صغيراً أو كبيراً ؟ ، مُبتدِئاً بالقتل أم مُعِيداً ؟ ، من ذَوَات الطير كان الصيدُ أم من غيرها ؟ ، من صِغَار الصيد كان أم من كباره ؟ ، مُصرّاً على ما فعل أو نادماً ؟ ، في اللَّيل كان قتله للصيد في أوكَارِها أم نهاراً و عَياناً ؟ ، مُحرِماً كان بالعُمرَة إذ قتله أو بالحج كان مُحرِماً ؟ ) .
فتحيَّر يحيى بن أكثم ، و انقطع انقطاعاً لم يُخفَ على أحد من أهل المجلس ، و بَان في وجهه العجز .
فتلجلج و انكشف أمره لأهل المجلس ، و تحيَّر الناس عجباً من جواب الإمام الجواد ( عليه السلام ) .
فقال المأمون لأهل بيته : أعرفتُم الآن ما كنتم تُنكِرونه ؟
و نظر إلى الإمام ( عليه السلام ) ، و قال : أنا مُزوِّجُك ابنتي أم الفضل ، فرضي ( عليه السلام ) بذلك ، و تمَّ التزويج .
و لمَّا تمَّ الزواج قال المأمون لأبي جعفر ( عليه السلام ) : إن رأيت - جُعلتُ فداك - أن تذكر الجواب ، فيما فَصَّلتَه من وجوه قتل المحرم الصيد ، لِنعلَمَه ونستفيدَه .
فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : ( إنَّ المُحرِمَ إذا قتلَ صيداً في الحِلِّ ، و كان الصيد من ذَوَات الطير ، و كان من كبارها فعليه شَاة .
فإنْ كانَ أصابه في الحرم ، فعليه الجزاء مضاعَفاً ، و إذا قتل فَرْخاً في الحلِّ ، فعليه حَمْل قد فُطِم من اللَّبن ، و إذا قتله في الحرم ، فعليه الحَمْل ، وقيمة الفرخ .
و إن كان من الوحش ، و كان حِمار وحش ، فعليه بقرة ، و إن كان نعامة فعليه بدنَة ، و إن كان ظبياً ، فعليه شاة .
فإن قتل شيئاً من ذلك في الحرم ، فعليه الجزاءُ مضاعفاً هَدْياً بَالِغ الكعبة ، و إذا أصاب المُحرِمُ ما يجب عليه الهدي فيه ، و كان إحرامه للحجِّ ، نَحَرَهُ بِمِنىً ، و إن كان إحرامه للعُمرة ، نَحَرَه بمَكَّة .
وج زاء الصيد على العالِم و الجاهل سواء ، و في العَمدِ له المأثم ، و هو موضوعٌ عنه في الخطأ ، و الكفَّارة على الحُرِّ في نفسه ، و على السيِّد في عبده ، و الصغير لا كفَّارة عليه ، و هي على الكبير واجبة .
و النادم يسقُط بِنَدمه عنه عقاب الآخرة ، والمُصرُّ يجب عليه العقاب في الآخرة ) .
فقال المأمون للإمام ( عليه السلام ) : أحسنتَ يا أبا جعفر .


مواعظه عليه السلام
1 - قال الجواد بن علي بن موسى الكاظم: كيف يضيع من الله كافله؟ وكيف ينجو من الله طالبه؟ ومن انقطع إلى غير الله وكله الله إليه ومن عمل على غير علم أفسد أكثر ممّا يصلح.

2 - قال (عليه السلام) ـ في جواب رجل قال له: أوصني بوصيّة جامعة مختصرة ـ فقال (عليه السلام) له: صُن نفسك عن عار العاجلة ونار الآجلة).


أحاديث الإمام الجواد في الحِكَم والآداب
1 - قال: مَن شَتَمَ أُجِيب ، وَمَن تَهَوَّرَ أُصِيب .
2- وقال: العُلماء غُرباءٌ لِكَثرةِ الجُهَّال بَينهُم .
3 - وقال: مَن طلب البَقاء فَليُعدَّ لِلمصائِبِ قَلباً صَبُوراً .
4 - وقال: مَن عَمل بِغير عِلمٍ كان ما أَفسدَ أكثرَ مِمَّا أَصلحَ .
5 - وقال: مَنِ استَفاد أخاً في اللهِ فقدِ استفادَ بيتاً في الجَنَّة .
6 - وقال: مَن أطاعَ هَواهُ أَعطَى عدوَّهُ مُنَاهُ .
7 - وقال: رَاكِبُ الشَّهَوَات لا تُقَالُ عَثرتُهُ .
8 - وقال: عِزُّ المُؤمنِ غِنَاهُ عَن النَّاسِ .
9 - وقال: لا يَكُن وَليُّ الله في العَلانِيَة عَدوّاً لَهُ في السرِّ .
10 - وقال: قَد عَاداكَ مَن سَتَر عنك الرُّشدَ إِتباعاً لِمَا يَهواهُ .
11 - وقال: الحوائجُ تُطلبُ بالرجاءِ ، وهي تَنزلُ بالقَضَاء .
12 - وقال: العَافِيةُ أَحسنُ عَطاءٍ .
13 - وقال: إِذا نزلَ القضاءُ ضَاقَ الفَضاءُ .
14 - وقال: التَحفُّظُ على قَدَرِ الخَوف ، والطمعُ عَلى قَدر النَّيلِ .
15 - وقال: كَفى بالمرءِ خِيانةً أن يكون أمِيناً للخَوَنة .
16 - وقال: الصبرُ عَلى المُصيبةِ مُصيبةٌ لِلشَّامِت .
17 - وقال: مَن أَملَ فَاجراً كَان أدنَى عقوبتِهِ الحِرمَان .
18 - وقال: من أَخطأَ وجوهَ المَطالبِ خَذلتْهُ وجوهُ الحِيَل .
19 - وقال: مَنِ استَحسنَ قبيحاً كان شريكاً فِيه .
20 - وقال: مَن كَتَم هَمُّهُ سَقَمَ جَسدُه .
21 - وقال: لَو سَكَتَ الجاهلُ مَا اختلفَ النَّاسُ .
22 - وقال: مَقتلُ الرجلِ بَين فَكَّيْهِ .
23 - وقال: النَّاسُ أشكالٌ ، وَكلٌّ يعملُ عَلى شَاكِلَتِه .
24 - وقال: كُفرُ النِّعمَةِ دَاعيةٌ للمَقْتِ .
25 - وقال: مَن جَازَاكَ بِالشكر فقد أَعطاكَ أكثرَ مِمَّا أَخَذَ مِنك .
26 - قال: لا تُعَاجِلوا الأمرَ قَبل بُلوغه فَتَندَمُوا ، وَلا يَطولَنَّ عليكم الأملُ فَتَقسُوا قُلوبكم ، وَارحَمُوا ضُعفاءكم ، واطلبوا الرَّحمة مِن الله بِالرَّحمةِ مِنكم.
27 - وقال: ثَلاثة يَبلُغْنَ بِالعبدِ رِضوانَ اللهِ تعالى : كِثرةُ الاستغفار ، وَلِينُ الجانب ، وَكِثرة الصَّدَقة ، وثلاث مَن كُنَّ فِيهِ لم يَندم : تَركُ العَجَلة ، وَالمَشُورة ، وَالتوكُّل على الله عِند العَزم .
28 - وقال: كَيفَ يَضِيعُ مِن الله كَافِلُهُ ؟! ، وَكيفَ يَنجو من الله طَالِبُهُ ؟! .
29 - وقال: يَومُ العدلِ على الظالِم أشبَهُ مِن يَوم الجَور عَلى المَظلوم .
30 - وقال: مَا هَدَم الدينَ مِثلُ البِدَع ، وَلا أزالَ الوِقارَ مثلُ الطَمَع ، وبِالراعي تُصلَحِ الرعيَّة ، وَبِالدُّعاء تُصرَفِ البَلِيَّة .
31 - وقال: اِعلَمُوا أنَّ التقوى عِزٌّ ، وأنَّ العِلم كنزٌ ، وأنَّ الصمتَ نورٌ .
32 - وقال: مَا استَوَى رَجُلان في حَسَب ودين إلا كان أفضلُهُما عند الله أَأْدَبُهُمَا ... إلى أن قال عليه السلام: بِقِراءته القُرآنَ كما أُنزِل ، وَدعائِهِ اللهَ مِن حيثُ لا يُلحِن ، فَإنَّ الدعاءَ المَلحُونِ لا يَصعدُ إِلى اللهِ .
33 - وقال: إِيَّاك ومصاحبةِ الشرير فإنَّه كالسيفِ المَسلُول ، يَحسُنُ منظرُهُ ، ويقبَحُ أَثرُه .
34 - وقال: لا تُعادِي أحداً حتى تعرفُ الذي بينَهُ وبينَ الله ، فإن كان مُحسناً لم يُسَلِّمهُ إليك ، وإن كان مُسيئاً فَعلمُك بِه يُكفِيكَهُ ، فلا تُعادِهِ .
35 - وقال: مَا شَكر الله أحدٌ على نعمةٍ أنعمَهَا عليه إلا استوجَبَ بذلك المَزيد قَبلَ أن يَظهرَ عَلى لسانِهِ .
36 - وقال: اِصبر عَـلَى ما تَكرهُ فيما يلزمُكَ الحقُّ ، واصطَبِر عمَّا لا تُحِب فِيمَا يدعُوك إلى الهَوى .
37 - وقال: مَوتُ الإنسانِ بالذنوبِ أكثر مِن مَوته بالأَجَل ، وَحياتُه بالبِرِّ أكثرُ من حياتِهِ بالعُمر .
38 - وقال: أربعُ خِصالٍ تُعيِّنِ المَرءَ على العمل : الصحَّة ، والغِنَى ، والعِلم ، والتوفِيق .
39 - وقال: العَامِل بالظلمِ ، والمُعينُ عليهِ ، والراضِي بهِ ، شُرَكَاءٌ .
40 - وقال: النَّاس إِخوانٌ ، فَمَن كانت أُخُوَّتُهُ في غَير ذاتِ الله ، فَإنَّها تَعود عَداوةً ، وَذَلك قولُهُ عَزَّ وجلَّ : الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَ الْمُتَّقِينَ [ الزُّخرُف : 67 ] .


عبادته عليه السلام
كان الإمام الجواد (عليه السلام) أعبد أهل زمانه ، وأشدهم حبّاً لله عزّوجلّ وخوفاً منه ، وأخلصهم في طاعته وعبادته ، شأنه شأن الأئمة الطاهرين من آبائه (عليهم السلام) الذين عملوا كلّ ما يقرّبهم إلى الله زلفى .
ومن مظاهر عبادة الإمام الجواد (عليه السلام) نشير الى ما يلي :

1 - صلاته المخصوصة
- السيد بن طاووس رحمه الله, قال: صلاة الجواد ركعتان، كل ركعة بالفاتحة مرة والاخلاص سبعين مرة .
الراوندي رحمه الله: صلاة التقي أربع ركعات: في كل ركعة ( الحمد ) مرة و ( قل هو الله أحد ) أربع مرات .
ويصلي على النبي ، مائة مرة ، ثم يسأل الله حاجته .
الكفعمي رحمه الله: وصلاة الجواد: ركعتان بالحمد والتوحيد أربعين مرة ، ويسلم ، ويصلي على النبي مائة مرة .

2 - صلاته عند كل شهر جديد
- السيد بن طاووس رحمه الله: عن الوشاء يعني الحسن بن علي بن إلياس الخزاز قال : كان أبو جعفر محمد بن علي إذا دخل شهر جديد يصلي أول يوم منه ركعتين ، يقرأ في أول ركعة ( قل هو الله أحد ) ثلاثين مرة بعدد أيام الشهر .
وفي الركعة الثانية ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) مثل ذلك ، ويتصدق بما يتسهل ، فيشتري به سلامة ذلك الشهر كله .
قال السيد : ورأيت في غير هذه الرواية زيادة , فقال : ويستحب إذا فرغت من هذه الصلاة ، أن تقول :
بسم الله الرحمن الرحيم* وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين * وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير* بسم الله الرحمن الرحيم* سيجعل الله بعد عسر يسرا * ما شاء الله لا قوة إلا بالله* حسبنا الله ونعم الوكيل*وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد * لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير * رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين .

3 ـ نوافله :
كان (عليه السلام) كثير النوافل ، ويقول المؤرخون إنه : كان يصلّي ركعتين يقرأ في كل ركعة سورة الفاتحة ، وسورة الاخلاص سبعين مرة .
وانه (عليه السلام) إذا دخل شهر جديد يصلّي اول يوم منه ركعتين يقرأ في أول ركعة "الحمد" مرة ، و "قل هو الله أحد " لكل يوم الى آخره ـ يعني ثلاثين مرة ـ .
وفي أول الركعة الاخرى "الحمد" و "انا أنزلناه" مثل ذلك ويتصدق بما يتسهل ، يشتري به سلامة ذلك الشهر كله.
وجاء في الرواية أنه صام أبو جعفر الثاني (عليه السلام) لمّا كان ببغداد يوم النصف من رجب ، ويوم سبع وعشرين منه ، وصام معه جميع حشمه ، وأمرنا أن نصلّي بالصلاة التي هي اثنتى عشرة ركعة : تقرأ في كل ركعة الحمد وسورة ، فاذا فرغت قرأت " الحمد " أربعاً ، و " قل هو الله أحد " أربعاً ، والمعوّذتين أربعاً ،
وقلت : " لا إله إلاّ الله والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلاّ
بالله العلي العظيم " أربعاً ، " الله الله ربي لا اُشرك به شيئاً " أربعاً ، " لا اُشرك بربّي
أحداً " أربعاً.

4 - قراءته نافلة المغرب:
- السيد بن طاووس رحمه الله: عن أبي سعيد الادمي، رفعه إلى أبي الحسن ، وأبي جعفر: أنهما كانا يقرئان في الركعتين الثالثة ، والرابعة ، من نوافل المغرب في الثالثة ( الحمد ) وأول ( الحديد ) إلى ( عليم بذات الصدور ) وفي الرابعة ( الحمد ) وآخر ( الحشر ) .

5 ـ حجه :
كان الإمام (عليه السلام) كثير الحج ، وقد جاء في الرواية : "رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) في سنة خمس عشرة ومائتين ودّع البيت بعد ارتفاع الشمس ، وطاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط ، فلمّا كان الشوط السابع استلمه واستلم الحجر ومسح بيده ثم مسح وجهه بيده ، ثم أتى المقام ، فصلّى خلفه ركعتين ثم خرج الى دبر الكعبة الى الملتزم ، فالتزم البيت، ... ثم وقف عليه طويلاً يدعو ، ثم خرج من باب الحناطين .
قال الراوي : فرأيته في سنة ( 219 هـ ) ودّع البيت ليلاً، يستلم الركن اليماني والحجر الاسود في كل شوط ، فلمّا كان في الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة قريباً من الركن اليماني وفوق الحجر المستطيل ... ثم أتى الحجر فقبّله ومسحه وخرج الى المقام فصلّى خلفه ثم مضى ولم يعد الى البيت ، وكان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة اشواط وبعضهم ثمانية".


أدعيته ومناجاته عليه السلام
هنا نورد بعضاً من أذكاره وأدعيته عليه السلام التي كان يناجي بها ربّه الأعلى كأحد مظاهر التسبيح والتمجيد في محراب عبادته لله جلّ جلاله :

1 - دعاؤه بعد رؤية هلال شهر رمضان
السيد بن طاووس رحمه الله: قال: صلى أبو جعفر محمد بن علي الرضا صلاة المغرب في ليلة رأى فيها هلال شهر رمضان، فلما فرغ من الصلاة ، ونوى الصيام، رفع يديه .
فقال: اللهم يا من يملك التدبير وهو على كل شئ قدير، يا من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

2 - من أدعيته (عليه السلام) في حال القنوت
" اللهم أنت الأول بلا اولية معدودة ، والآخر بلا آخرية محدودة ، أنشأتنا لا لعلّة اقتساراً ، واخترعتنا لا لحاجة اقتداراً ، وابتدعتنا بحكمتك اختياراً ، وبلوتنا بأمرك ونهيك اختباراً ، وايدتنا بالآلات ، ومنحتنا بالأدوات ، وكلّفتنا الطاقة ، وجشمتنا الطاعة ، فأمرت تخييراً ونهيت تحذيراً ، وخوّلت كثيراً ، وسألت يسيراً ، فعصي أمرك فحلُمت ، وجهل قدرك فتكرّمت . . ".

2 - من أدعيته اذا انصرف من الصلاة
" رضيت بالله ربّاً ، وبالاسلام ديناً ، وبالقرآن كتاباً ، وبمحمد نبياً ، وبعليٍّ ولياً ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، والحجة بن الحسن بن علي ، أئمة .
اللهم وليّك الحجة فاحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته ، وامدد له في عمره ، واجعله القائم بأمرك ، المنتصر لدينك وأره ما يحبّ وتقرّ به عينه في نفسه وفي ذرّيته وأهله وماله وفي شيعته وفي عدوه، وأرهم منه ما يحب وتقرّ به عينه ، واشف به صدورنا وصدور قوم مؤمنين ".

3 - من دعائه (عليه السلام) عند الصباح والمساء لقضاء الحوائج
قال الراوي : كتبت الى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أسأله ان يعلّمني دعاء ، فكتب اليّ :
"تقول اذا اصبحت وأمسيت: الله الله الله ، ربي الرحمن الرحيم ، لا اشرك به شيئاً".
وإن زدت على ذلك فهو خير ، ثم تدعو بما بدا لك في حاجتك ، فهو لكل شيء بإذن الله تعالى ، يفعل الله ما يشاء.

4 - دعاؤه عند العطاس
أبو جعفر الطبري رحمه الله: حكيمة بنت أبي الحسن موسى، قالت: فلما كان اليوم الثالث، عطس [أبو جعفر] ، فقال: الحمد لله، وصلى الله على محمد وعلى الأئمة الراشدين .

5 - دعاؤه حين مشاهدة الجنازة
محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله: عن أبي الحسن النهدي، رفعه، قال: كان أبو جعفر إذا رأى جنازة، قال: الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم .


تسبيحه عليه السلام
الراوندي رحمه الله: تسبيح محمد بن علي في اليوم الثاني عشر والثالث عشر: سبحان من لا يعتدي على أهل مملكته، سبحان من لا يؤاخذ أهل الأرض بألوان العذاب، سبحان الله وبحمده.


مناجاته عليه السلام
روى السيد ابن طاووس باسناده الى أبي جعفر بن بابويه عن ابراهيم بن محمد بن الحارث النوفلي ، قال :
"حدّثنى أبي ـ وكان خادماً لمحمد بن علي الجواد(عليه السلام) : لمّا زوج المأمون أبا جعفر محمد بن على بن موسى (عليهم السلام) ابنته ، كتب اليه : ان لكل زوجة صداقاً من مال زوجها ، وقد جعل الله أموالنا في الآخرة ، مؤجلة مذخورة هناك ، كما جعل اموالكم معجّلة في الدنيا وكنزها هاهنا . وقد أمهرت ابنتك : الوسائل الى المسائل ، وهي مناجاة دفعها اليّ أبي ، قال : دفعها اليّ أبي موسى ، قال :
دفعها اليّ أبي جعفر ، قال : دفعها اليّ محمد أبي، قال : دفعها اليّ علي بن الحسين أبي ، قال : دفعها اليّ الحسين أبي : قال : دفعها اليّ الحسن أخي، قال : دفعها اليّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهم)، قال : دفعها اليّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، قال : دفعها اليّ جبرئيل(عليه السلام) ، قال : يا محمد ... ربّ العزّة يقرئك السلام ويقول لك : هذه مفاتيح كنوز الدنيا والآخرة ، فاجعلها وسائلك الى مسائلك، تصل الى بغيتك وتنجح في طلبتك ، فلا تؤثرها في حوائج الدنيا فتبخس بها الحظّ في آخرتك . وهي عشر وسائل ]الى عشر مسائل[ تطرق بها أبواب الرغبات فتفتح ، وتطلب بها الحاجات فتنجح وهذه نسختها" .

1 ـ المناجاة للاستخارة :
" بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ ان خيرتك فيما استخرتك فيه تُنيل الرغائب ، وتجزل المواهب ، وتغنم المطالب ، و تطيب المكاسب ، وتهدي إلى أجمل المذاهب ، وتسوق الى أحمد العواقب ، وتقي مخوف النوائب.
اللهمّ اني استخيرك فيما عزم رأيي عليه ، وقادني عقلي اليه ، فسهّل اللهمّ منه ما توعّر، ويسّر منه ما تعسّر ، واكفني فيه المهمّ، وادفع عنّي كلّ ملمّ ، واجعل يا ربّ عواقبه غُنماً ، ومخوفه سلماً ، وبُعده قرباً، وجدبه خصباً.
وأرسل اللهم إجابتي ، وأنجح طلبتي ، واقض حاجتي ، واقطع عنّي عوائقها ، وامنع عنّي بوائقها ، واعطني اللهمّ لواء الظفر والخيرة فيما استخرتك ، ووُفور المغنم فيما دعوتك، وعوائد الافضال فيما رجوتك. واقرُنه اللهمّ بالنجاح ، وخصّه بالصلاح ، وأرني أسباب الخيرة فيه واضحة ، واعلام غُنمها لائحة ، و اشدد خناق تعسّرها ، وانعش صريع تيسّرها .
وبيّن اللهمّ ملتبسها واطلق محتبسها ، ومكّن اُسّها حتّى تكون خيرة مقبلة بالغُنم مزيلة للغُرم، عاجلة للنفع ، باقية الصنع ، إنّك مليئ بالمزيد، مبتدئ بالجود".

2 ـ المناجاة بالاستقالة :
"بسم الله الرحمن الرحيم . اللهمّ إنّ الرجاء لسعة رحمتك أنطقني باستقالتك والأمل لأناتك ، ورفقك شجعني على طلب أمانك وعفوك ، ولي يا ربِّ ذنوب قد واجَهَتها أوجه الانتقام ، وخطايا قد لاحظتها أعين الاصطلام ، واستوجبت بها على عدلك أليم العذاب ، واستحققت باجتراحها مبير العقاب ، وخفت تعويقها لإجابتي ، وردّها إيّاي عن قضاء حاجتي ، وإبطالها لطلبتي ، وقطعها لأسباب رغبتي ، من أجل ما قد أنقض ظهري من ثقلها ، وبهظني من الاستقلال بحملها ، ثمّ تراجعت ربّ الى حلمك عن الخاطئين ، وعفوك عن المذنبين ، ورحمتك للعاصين ، فأقبلت بثقتي متوكّلاً عليك ، طارحاً نفسي بين يديك ، شاكياً بثّي اليك ، سائلاً ما لا استوجبه من تفريج الهمّ ، ولا استحقه من تنفيس الغمّ ، مستقيلاً لك إيّاي ، واثقاً مولاي بك.
اللهمّ فامنُن عليّ بالفرج ، وتطوّل بسهولة المخرج ، وادلُلني برأفتك على سمت المنهج ، وأزلقني بقدرتك عن الطريق الاعوج ، وخلّصني من سجن الكرب بإقالتك ، واطلق أسري برحمتك ، وطُل عليّ برضوانك ، وجُد عليّ بإحسانك ، وأقلني عثرتي ، وفرّج كربتي ، وارحم عبرتي ، ولا تحجب دعوتي ، واشدد بالاقالة أزري ، وقوّ بها ظهري ، وأصلح بها أمري، وأطل بها عمري ، وارحمني يوم حشري ووقت نشري ، انك جواد كريم ، غفور رحيم" .

3 ـ المناجاة بالسفر :
" بسم الله الرحمن الرحيم . اللهمّ إنّي اُريد سفراً فخر لي فيه ، وأوضح لي فيه سبيل الرأي ، وفهّمنيه ، وافتح عزمي بالإستقامة ، واشملني في سفري بالسلامة ، وأفدني جزيل الحظ والكرامة ، واكلأني بحسن الحفظ والحراسة ، وجنّبني اللهمّ وعثاء الأسفار ، وسهّل لي حُزونة الأوعار ، وأطو لي بساط المراحل ، وقرّب منّي بُعد نأي المناهل ، وباعدني في المسير بين خُطى الرواحل ، حتّى تقرّب نياط البعيد ، وتسهّل وعور الشديد.
ولقّني اللهمّ في سفري نجح طائر الواقية ، وهبني فيه غُنم العافية، وخفير الإستقلال ، ودليل مجاوزة الاهوال ، وباعث وفور الكفاية ، وسانح خفير الولاية ، واجعله اللهمّ سبَب عظيم السِلم حاصل الغُنم.
واجعل الليل عليّ ستراً من الآفات ، والنهار مانعاً من الهلكات ، واقطع عنّي قطع لصوصه بقدرتك ، واحرسني من وحوشه بقوّتك ، حتى تكون السلامة فيه مصاحبتي ، والعافية مُقاربتي ، واليُمن سائقي ، واليُسر مُعانقي ، والعسر مفارقي ، والفوز موافقي ، والأمن مُرافقي ، انك ذوالطول والمنّ ، والقوّة والحول ، وأنت على كلّ شيء قدير ، وبعبادك بصير خبير ".

4 ـ المناجاة في طلب الرزق :
"بسم الله الرحمن الرحيم . اللهمّ أرسل عليّ سجال رزقك مدراراً ، و أمطر عليّ سحائب إفضالك غِزاراً ، وأدم غيث نيلك اليّ سجالاً ، وأسبل مزيد نعمك على خلّتي إسبالاً ، وأفقرني بجودك اليك ، وأغنني عمّن يطلب ما لديك ، وداوِ داء فقري بدواء فضلك ، وانعش صرعة عَيلتي بطولك ، و تصدّق على إقلالي بكثرة عطائك ، وعلى اختلالي بكريم حبائك ، وسهّل ربّ سبيل الرزق اليّ ، وثبّت قواعده لديّ ، وبجّس لي عيون سعته برحمتك، وفجّر أنهار رغد العيش قبلي برأفتك ، وأجدب أرض فقري ، وأخصب جدب ضرّي ، واصرف عنّي في الرزق العوائق ، واقطع عنّي من الضيق العلائق ، وارمني من سهم الرزق اللهم بأخصب سهامه ، وأحيني من رغد العيش بأكثر دوامه ، واكسُني اللهمّ سرابيل السعة ، وجلابيب الدّعة فإنّي يا ربّ منتظر لإنعامك بحذف المضيق ، ولتطوّلك التعويق ، ولتفضلك بإزالة التقتير ، ولوصول حبلي بكرمك بالتيسير.
وأمطر اللهمّ عليّ سماء رزقك بسجال الدّيم ، وأغنني بعوائد النّعم ، وارم مقاتل الإقتار منّي ، واحمل كشف الضر عنّي على مطايا الإعجال ، واضرب عنّي الضيق بسيف الاستيصال ، وأتحفني ربّ منك بسعة الإفضال ، وامددني بنموّ الاموال ، واحرسني من ضيق الإقلال .
واقبض عنّي سوء الجدب ، وابسط لي بساط الخصب ، واسقني من ماء رزقك غدقاً ، وانهج لي عميم بذْلك طُرُقاً ، وفاجئني بالثروة والمال ، وأنعشني به من الإقلال ، وصبّحني بالاستظهار ، ومسّني بالتمكّن من اليسار ، إنّك ذوالطول العظيم ، والفضل العميم ، والمنّ الجسيم وأنت الجواد الكريم .

5 ـ المناجاة بالاستعاذة :
"بسم الله الرحمن الرحيم . اللهمّ اني اعوذ بك من ملمّات نوازل البلاء ، وأهوال عظائم الضرّاء ، فأعذني ربّ من صرعة البأساء ، واحجُبني من سطوات البلاء ، ونجّني من مفاجأة النقم وأجرني من زوال النعم ومن زلل القدم ، واجعلني اللهمّ في حياطة عزّك ، وحفاظ حرزك من مباغتة الدوائر ، ومعاجلة البوادر .
اللهمّ ربّ ، وأرض البلاء فاخسِفها ، وعرصة المحن فارجفها ، وشمس النوائب فاكسِفها ، وجبال السوء فانسفها ، وكُرَبَ الدهر فاكشفها ، وعوائق الاُمور فاصرفها ، وأوردني حياض السلامة ، واحملني على مطايا الكرامة ، واصحبني بإقالة العثرة ، واشملني بستر العورة .
وجُدْ عليّ يا رب بآلائك ، وكشف بلائك ، ودفع ضرّائك ، وادفع عنّي كلاكل عذابك ، واصرف عنّي أليم عقابك ، وأعذني من بوائق الدهور ، وأنقذني من سوء عواقب الاُمور ، واحرسني من جميع المحذور .
واصدع صفات البلاء عن أمري ، واشلُل يده عنّي مدى عُمري . إنّك الربّ المجيد ، المبدئ المعيد ، الفعّال لما تريد".

6 ـ المناجاة بطلب التوبة :
"بسم الله الرحمن الرحيم . اللهمّ اني قصدت اليك بإخلاص توبة نصوح ، وتثبيت عقد صحيح ، ودعاء قلب قريح واعلان قول صريح .
اللهمّ فتقبّل منّي مخلص التوبة ، واقبال سريع الأوبة ، ومصارع تخشّع الحوبة . وقابل ربّ توبتي بجزيل الثواب ، وكريم المآب ، وحطّ العقاب ، وصرف العذاب ، وغُنم الإياب ، وستر الحجاب .
وامحُ اللهمّ ما ثبت من ذنوبي ، واغسل بقبولها جميع عيوبي ، واجعلها جاليةً لقلبي ، شاخصة لبصيرة لُبّي ، غاسلة لدرني ، مطهّرة لنجاسة بدني ، مصحّحة فيها ضميري ، عاجلة الى الوفاء بها بصيرتي .
واقبَل ياربّ توبتي ، فإنها تصدر من إخلاص نيّتي ، ومحض من تصحيح بصيرتي ، واحتفال في طويّتي واجتهاد في نقاء سريرتي ، وتثبيت لإنابتي ، مسارعةً الى أمرك بطاعتي .
واجلُ اللهمّ بالتوبة عنّي ظلمة الإصرار ، وامحُ بها ما قدّمتُه من الاوزار ، واكسُني لباس التقوى، وجلابيب الهدى ، فقد خلعتُ رِبق المعاصي عن جلدي ، ونزعتُ سربال الذنوب عن جسدي ، مستمسكاً ربّ بقدرتك ، مستعيناً على نفسي بعزّتك ، مستودعاً توبتي من النكث بحضرتك ، معتصماً من الخذلان بعصمتك مقارناً به لا حول ولا قوّة إلاّ بك .

7 ـ المناجاة بطلب الحجّ :
"بسم الله الرحمن الرحيم . اللهمّ ارزقني الحجّ الّذي فرضته على من استطاع اليه سبيلاً. واجعل لي فيه هادياً واليه دليلاً ، وقرّب لي بُعد المسالك .
وأعنّي على تأدية المناسك ، وحرّم بإحرامي على النار جسدي ، وزد للسفر قوّتي وجَلدي ، وارزقني ربّ الوقوف بين يديك ، والإفاضة اليك واظفرني بالنجح بوافر الربح .
واصدرني رب من موقف الحج الأكبر الى مزدلفة المشعر ، واجعلها زُلفة الى رحمتك ، وطريقاً الى جنّتك ، وقفني موقف المشعر الحرام ، و مقام وقوف الإحرام ، وأهّلني لتأدية المناسك ، ونحر الهدي التوامك بدم يثجّ ، واُوداج تمُجّ ، واراقة الدماء المسفوحة ، والهدايا المذبوحة ، وفَري أوداجها على ما أمرت ، والتنفّل بها كما وسمت .
وأحضرني اللهمّ صلاة العيد ، راجياً للوعد ، خائفاً من الوعيد ، حالقاً شعر رأسي ومقصّراً ، ومجتهداً في طاعتك ، مشمّراً ، رامياً للجمار ، بسبع بعد سبع من الأحجار ، وأدخلني اللهمّ عرصة بيتك وعَقْوَتك وأولجني محلّ أمنك وكعبتك ، ومشاكيك وسؤالك ووفدك ومحاويجك ، وجد عليّ اللهمّ بوافر الأجر ، من الإنكفاء والنّفر ، واختم اللهمّ مناسك حجّي ، وانقضاء عجّي ، بقبول منك لي ، ورأفة منك بي يا أرحم الراحمين".

8 ـ المناجاة بكشف الظلم :
"بسم الله الرحمن الرحيم . اللهمّ إن ظلم عبادك قد تمكّن في بلادك ، حتّى أمات العدل ، وقطع السبل ، ومحق الحقّ ، وأبطل الصدق ، وأخفى البرّ ، وأظهر الشرّ ، وأخمد التقوى ، وأزال الهدى ، وأزاح الخير ، وأثبت الضير ، وأنمى الفساد ، وقوّى العناد ، وبسط الجور ، وعدى الطور .
اللهمّ يا ربّ لا يكشف ذلك إلاّ سلطانك ، ولا يجير منه إلاّ امتنانك اللهمّ ربّ فابتُر الظلم ، وبتّ حبال الغشم ، واخمد سوق المنكر ، وأعزّ من عنّه ينزجر ، واحصد شأفة اهل الجور ، وألبسهم الحور بعد الكور .
وعجّل اللهمّ إليهم البيات ، وأنزل عليهم المُثلات ، وأمت حياة المنكر ، ليؤمَن المخوف ، ويسكن الملهوف ، ويشبع الجائع ، ويحفظ الضائع ، ويأوى الطريد ، ويعود الشريد ، ويغنى الفقير ، ويجار المستجير ، ويوقّر الكبير ، ويُرحم الصغير ، ويعزّ المظلوم ، ويذلّ الظالم ، ويفرّج المغموم ، وتنفرج الغمّاء ، وتسكن الدهماء ، ويموت الاختلاف ، ويحيى الائتلاف ، ويعلو العلم ، ويشمل السلم ، ويجمع الشتات ، ويقوى الإيمان ، ويُتلى القرآن ، إنك أنت الديّان ، المنعم المنّان".

9 ـ المناجاة بالشكر لله تعالى :
"بسم الله الرحمن الرحيم . اللهمّ لك الحمد على مردّ نوازل البلاء ، و توالي سبوغ النعماء ، وملمّات الضرّاء ، وكشف نوائب الّلأواء.
ولك الحمد ربّ على هنيئ عطائك ، ومحمود بلائك ، وجليل آلائك ، ولك الحمد على إحسانك الكثير ، وجودك الغزير ، و تكليفك اليسير ، ودفعك العسير.
ولك الحمد يا ربّ على تثميرك قليل الشكر ، واعطائك وافر الأجر ، وحطّك مثقل الوزر ، وقبولك ضيق العذر ، ووضعك باهض الإصر، وتسهيلك موضع الوعر ، ومنعك مفظع الأمر .
ولك الحمد على البلاء المصروف ، ووافر المعروف ، ودفع المخوف ، وإذلال العسوف .
ولك الحمد على قلّة التكليف ، وكثرة التخفيف ، وتقوية الضعيف ، وإغاثة اللهيف ، ولك الحمد رب على سعة إمهالك ، ودوام افضالك ، وصرف أمحالك ، وحميد أفعالك ، وتوالي نوالك .
ولك الحمد على تأخير معاجلة العقاب ، وترك مغافصة العذاب ، وتسهيل طريق المآب ، وإنزال غيث السحاب إنّك المنّان الوهاب" .

10 ـ المناجاة لطلب الحوائج :
"بسم الله الرحمن الرحيم . اللهمّ جدير من أمرته بالدعاء أن يدعوك ، ومن وعدته بالإجابة ان يرجوك.
وَليَ اللهمّ حاجة قد عجَزَت عنها حيلتي ، وكلّت فيها طاقتي ، وضعفت عن مرامها قوّتي ، وسوّلت لي نفسي الأمّارة بالسوء ، وعدوّي الغرور الّذي أنا منه مبتلى ، أن أرغب فيها الى ضعيف مثلي ، ومَن هو في النكول شكلي ، حتّى تداركتني رحمتك ، وبادرتني بالتوفيق رأفتك ، ورددت عليّ عقلي بتطوّلك ، وألهمتني رشدي بتفضّلك ، وأحييت بالرجاء لك قلبي ، وأزلت خدعة عدوّي من لبّي ، وصحّحت بالتأميل فكري ، وشرحت بالرجاء لإسعافك صدري ، وصوّرت لي الفوز ببلوغ ما رجوته ، والوصول الى ما أمّلته فوقفت اللهمّ ربّ بين يديك سائلاً لك ، ضارعاً اليك ، واثقاً بك ، متوكّلاً عليك في قضاء حاجتي ، وتحقيق اُمنيّتي ، وتصديق رغبتي .
اللهمّ وأنجحها بأيمن النجاح واهدها سبيل الفلاح ، واشرح بالرجاء لإسعافك صدري ، ويسّر في أسباب الخير أمري ، وصوّر اليّ الفوز ببلوغ ما رجوته بالوصول الى ما أمّلته" .
ووفّقني اللهمّ في قضاء حاجتي ببلوغ اُمنيّتي ، وتصديق رغبتي ، وأعذني اللهمّ بكرمك من الخيبة والقنوط ، والأناة والتثبيط بهني اجابتك وسابغ موهبتك .
اللهمّ إنّك مليّ بالمنائح الجزيلة ، وفيّ بها ، وأنت على كلّ شيء قدير وبكل شيء محيط وبعبادك خبير بصير .


مكارم اخلاقه عليه السلام
1 ـ السخاء :
1 - روى المؤرّخون من أنّ أحمد بن حديد قد خرج مع جماعة من أصحابه إلى الحجّ ، فهجم عليهم جماعة من السرّاق ونهبوا ما عندهم من أموال ومتاع ، ولما انتهوا إلى يثرب انطلق أحمد إلى الإمام محمّد الجواد وأخبره بما جرى عليهم فأمر (عليه السلام) له بكسوة وأعطاه دنانير ليفرقها على جماعته ، وكانت بقدر ما نهب منهم.
وبهذا أنقذهم الإمام من المحنة وردّ لهم ما سلب منهم بسخاء وافر .
2 - اشتهر أنّ كرم الإمام ومعروفه قد شمل حتى الحيوانات، فقد روى محمّد بن الوليد الكرماني أنّه قال : أكلت بين يدي أبي جعفر الثاني(عليه السلام) حتى إذا فرغت ورفع الخوان ذهب الغلام ليرفع ما وقع من فتات الطعام فقال(عليه السلام) له: "ما كان في الصحراء فدعه ولو فخذ شاة ، وما كان في البيت فتتبعه والقطه".
لقد أمره(عليه السلام) بترك الطعام الذي في الصحراء ليتناوله الطير وسائر الحيوانات التي ليس عندها طعام .

2 ـ الإحسان إلى الناس
أمّا الإحسان إلى الناس والبرّ بهم فإنّه من سجايا الإمام الجواد ومن أبرز صفاته ، وقد سجل التاريخ قصصاً كثيرة من إحسانه منها :
ما روى أحمد بن زكريا الصيدلاني عن رجل من بني حنيفة من أهالي بست وسجستان قال : رافقت أبا جعفر في السنة التي حجّ فيها في أوّل خلافة المعتصم فقلت له : وأنا على المائدة : إنّ والينا جعلت فداك يتولاكم أهل البيت يحبّكم وعليَّ في ديوانه خراج ، فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليه بالإحسان إليّ ، فقال (عليه السلام) : لا أعرفه ، فقلت : جعلت فداك انّه على ما قلت : من محبيّكم أهل البيت(عليهم السلام) ، وكتابك ينفعني واستجاب له الإمام فكتب إليه بعد البسملة :
" أمّا بعد : فإنّ موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهباً جميلاً ، وإنّ ما لك من عملك إلاّ ما أحسنت فيه ، فأحسن إلى اخوانك و اعلم أنّ الله عزّوجلّ سائلك عن مثاقيل الذرة والخردل..".
ولما ورد إلى سجستان عرف الوالي وهو الحسين بن عبدالله النيسابوري انّ الإمام قد أرسل إليه رسالة فاستقبله من مسافة فرسخين ، وأخذ الكتاب فقبّله، واعتبر ذلك شرفاً له ، وسأله عن حاجته فأخبره بها ، فقال له: لا تؤدِّ لي خراجاً ما دام لي عمل ، ثمّ سأله عن عياله فأخبره بعددهم فأمر له ولهم بصلة ، وظلّ الرجل لا يؤدّي الخراج ما دام الوالي حيّاً ، كما انّه لم يقطع صلته عنه كلّ ذلك ببركة الإمام ولطفه .

3 ـ المواساة للناس
وواسى الإمام الجواد (عليه السلام) الناس في البأساء والضرّاء ، فقد ذكروا : أنه قد جرت على إبراهيم بن محمّد الهمداني مظلمة من قِبل الوالي ، فكتب إلى الإمام الجواد(عليه السلام) يخبره بما جرى عليه ، فتألّم الإمام وأجابه بهذه الرسالة :
" عجّل الله نصرتك على من ظلمك ، وكفاك مؤنته ، وابشر بنصر الله عاجلاً إن شاء الله ، وبالآخرة آجلاً ، وأكثر من حمد الله . .".
ومن مواساته للناس: تعازيه للمنكوبين والمفجوعين ، فقد بعث رسالة إلى رجل قد فجع بفقد ولده ، وقد جاء فيها بعد البسملة :
" ذكرت مصيبتك بعليّ ابنك ، وذكرت أنّه كان أحبّ ولدك إليك ، وكذلك الله عزّوجلّ إنّما يأخذ من الولد وغيره أزكى ما عند أهله ، ليعظم به أجر المصاب بالمصيبة ، فأعظم الله أجرك ، وأحسن عزاك ، وربط على قلبك ، إنّه قدير ، وعجّل الله عليك بالخلف ، وأرجو أن يكون الله قد فعل إن شاء الله ..." .
وأعربت هذه الرسالة الرقيقة عن مدى تعاطف الإمام مع الناس ، ومواساته لهم في البأساء والضرّاء .
ومن مواساته للناس: أنّ رجلاً من شيعته كتب إليه يشكو ما ألمَّ به من الحزن والأسى لفقد ولده ، فأجابه الإمام (عليه السلام) برسالة تعزية جاء فيها :
" أما علمت أنّ الله عزّوجلّ يختار من مال المؤمن ، ومن ولده أنفسَه ليؤجره على ذلك..".
لقد شارك الناس في البأساء والضرّاء ، وواساهم في مصائبهم ومحنهم، ومدَّ يد المعونة إلى فقرائهم وضعفائهم ، وبهذا البرّ والإحسان احتلّ القلوب وملك العواطف وأخلص له الناس واحبّوه كأعظم ما يكون الإخلاص والحبّ .
لقد كان الإمام الجواد (عليه السلام) يمثل أروع صور الفضيلة والكمال في الأرض، فلم ير الناس في عصره من يضارعه في علمه وتقواه وورعه، وشدّة تحرّجه في الدين ، فقد كان نسخة لا ثاني لها في فضائله ومآثره التي هي السرّ في إمامته .
لقد أعجبت الأوساط الإسلامية بالإمام الجواد(عليه السلام) لما عرفوا مواهبه، وملكاته العلمية التي لا تحدّ ، وهي ممّا زادت الشيعة إيماناً ويقيناً بصحّة ما تذهب إليه وتعتقد به من أنّ الإمام لا بدّ أن يكون أعلم أهل زمانه وأفضلهم واتقاهم .


النصوص على امامته عليه السلام
1 - عن جعفر ابن محمد النوفلي قال: أتيت الرضا وهو بقنطرة إبريق فسلمت عليه، ثم جلست وقلت: جعلت فداك إن أناسا يزعمون أن أباك حي فقال: كذبوا لعنهم الله لو كان حيا ما قسم ميراثه، ولا نكح نساؤه، ولكنه والله ذاق الموت كما ذاقه علي بن أبي طالب، قال: فقلت له: ما تأمرني ؟ قال: عليك بابني محمد من بعدي، وأما أنا فاني ذاهب في وجه لا أرجع . الخبر .
2 - عن محمد بن أبي عباد و كان يكتب للرضا ضمه إليه الفضل بن سهل، قال: ما كان يذكر محمدا ابنه إلا بكنيته يقول كتب إلي أبو جعفر، وكنت أكتب إلى أبي جعفر هو صبي بالمدينة، فيخاطبه بالتعظيم، وترد كتب أبي جعفر في نهاية البلاغة والحسن، فسمعته يقول: أبو جعفر وصيي وخليفتي في أهلي من بعدي .

3 عن ابن قياما قال: دخلت على أبي الحسن الرضا وقد ولد له أبو جعفر فقال: إن الله قد وهب لي من يرثني ويرث آل داود .

4 - عن ابن سنان، قال: دخلت على أبي الحسن موسى من قبل أن يقدم العراق بسنة وعلي ابنه جالس بين يديه، فنظر إلي وقال: يا محمد ستكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك قال: قلت: وما يكون جعلني الله فداك فقد أقلقتني ؟ قال: أصير إلى هذه الطاغية أما إنه لا يبدأني منه سوء، ومن الذي يكون بعده قال: قلت: وما يكون جعلني الله فداك ؟ قال: يضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء قال: قلت: وما ذلك جعلني الله فداك ؟ قال: من ظلم ابني هذا حقه وجحده إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب إمامته وجحده حقه بعد رسول الله قال: قلت: والله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقه، ولأقرن بإمامته قال: صدقت يا محمد يمد الله في عمرك، وتسلم له حقة، وتقر له بإمامته وإمامة من يكون من بعده، قال: قلت: ومن ذاك ؟ قال: ابنه محمد، قال: قلت له: الرضا والتسليم .

5 - عن البزنطي قال: قال ابن النجاشي: من الامام بعد صاحبكم ؟ فدخلت على أبي الحسن الرضا فأخبرته فقال: الإمام بعدي ابني، ثم قال: هل يتجرى أحد أن يقول: ابني، وليس له ولد ؟ .

6 - عن ابن أسباط قال: خرج علي أبو جعفر فجعلت أنظر إليه وإلى رأسه ورجليه لأصف قامته بمصر، فلما جلس قال: يا علي إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج في النبوة قال الله تعالى: وآتيناه الحكم صبيا، ولما بلغ أشده وبلغ أربعين سنة " فقد يجوز أن يعطى الحكم صبيا ويجوز أن يعطى وهو ابن أربعين سنة .

7 - قال ابن أسباط وعباد بن إسماعيل: إنا لعند الرضا بمنى إذ جيئ بأبي جعفر قلنا: هذا المولود المبارك ؟ قال: نعم، هذا المولود الذي لم يولد في الاسلام أعظم بركة منه .

8 - عن زكريا بن يحيى بن النعمان البصري قال: سمعت علي بن جعفر بن محمد يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال في حديثه: لقد نصر الله أبا الحسن الرضا لما بغى إليه إخوته وعمومته، وذكر حديثا حتى انتهى إلى قوله، فقمت وقبضت على يد أبي جعفر محمد بن علي الرضا وقلت: أشهد أنك إمامي عند الله، فبكى الرضا ثم قال: يا عم ألم تسمع أبي وهو يقول: قال رسول الله: بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيبة يكون من ولده الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده وصاحب الغيبة فيقال: مات أو هلك أو أي واد سلك ؟ فقلت: صدقت جعلت فداك .

9 - عن صفوان بن يحيى قال: قلت للرضا: قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول يهب الله لي غلاما فقد وهب الله لك، وأقر عيوننا فلا أرانا الله يومك فإن كان كون فإلى من ؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه فقلت له: جعلت فداك وهو ابن ثلاث سنين ؟ قال: وما يضره من ذلك ؟ قد قام عيسى بالحجة، وهو ابن أقل من ثلاث سنين .

10 - عن معمر بن خلاد قال: سمعت الرضا وذكر شيئا فقال: ما حاجتكم إلى ذلك ؟ هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي، وصيرته مكاني، وقال: إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا أكابرنا القذة بالقذة .

11 - عن الحسين بن يسار قال: كتب ابن قياما الواسطي إلى أبي الحسن الرضا كتابة يقول فيه: كيف تكون إماما وليس لك ولد ؟ فأجابه أبو الحسن: وما علمك أنه لا يكون لي ولد ؟ والله لا يمضي الأيام والليالي حتى يرزقني ولدا ذكرا يفرق [ به ] بين الحق والباطل .

12 - عن البزنطي قال: قال لي ابن النجاشي: من الامام بعد صاحبك ؟ فأحب أن تسأله حتى أعلم، فدخلت على الرضا فأخبرته، قال: فقال لي: الامام ابني، ثم قال: هل يجترئ أحد أن يقول ابني وليس له ولد ؟ ولم يكن ولد أبو جعفر فلم تمض الأيام حتى ولد .

13 - عن ابن قياما الواسطي، وكان واقفيا قال دخلت على علي بن موسى فقلت له: أيكون إمامان ؟ قال: لا إلا أن يكون أحدهما صامتا فقلت له: هو ذا أنت ليس لك صامت ! فقال: بلى، والله ليجعلن الله لي من يثبت به الحق وأهله، ويمحق به الباطل وأهله، ولم يكن في الوقت له ولد، فولد له أبو جعفر بعد سنة .

14 - عن الحسن بن الجهم قال: كنت مع أبي الحسن جالسا فدعا ابنه وهو صغير فأجلسه في حجري، وقال لي: جرده وانزع قميصه، فنزعته فقال لي: انظر بين كتفيه قال: فنظرت فإذا في أحد كتفيه شبه الخاتم داخل اللحم ثم قال لي: أترى هذا ؟ مثله في هذا الموضع كان من أبي .

15 - عن أبي يحيى الصنعاني قال: كنت عند أبي الحسن فجيئ بابنه أبي جعفر وهو صغير فقال: هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم على شيعتنا بركة منه .

16 - عن الخيراني عن أبيه قال: كنت واقفا عند أبي الحسن الرضا بخراسان، فقال قائل: يا سيدي إن كان كون فإلى من ؟ قال: إلى أبي جعفر ابني، وكان القائل استصغر سن أبي جعفر فقال أبو الحسن: إن الله سبحانه بعث عيسى رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر .

17 - عن يحيى بن حبيب الزيات قال: أخبرني من كان عند أبي الحسن الرضا فلما نهض القوم قال لهم أبو الحسن الرضا: ألقوا أبا جعفر فسلموا عليه وأحدثوا به عهدا. فلما نهض القوم التفت إلي وقال: يرحم الله المفضل إنه لكان ليقنع بدون ذلك .

18 - عن عبد الله بن إبراهيم بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عن يزيد بن سليط قال: لقيت أبا إبراهيم ونحن نريد العمرة في بعض الطريق، فقلت: جعلت فداك هل تثبت هذا الموضع الذي نحن فيه ؟ قال: نعم، فهل تثبته أنت ؟ قلت: نعم إني أنا وأبي لقيناك ههنا مع أبي عبد الله ومعه إخوتك فقال له أبي: بأبي أنت وأمي أنتم كلكم أئمة مطهرون، الموت لا يعرى منه أحد، فأحدث إلي شيئا أحدث به من يخلفني من بعدي، فلا يضلوا، فقال: نعم، يا أبا عمارة هؤلاء ولدي وهذا سيدهم - وأشار إليك - وقد علم الحكم والفهم، وله السخاء والمعرفة بما يحتاج إليه الناس، وما اختلفوا فيه من أمر دينهم ودنياهم، وفيه حسن الخلق وحسن الجوار وهو باب من أبواب الله عز وجل وفيه آخر خير من هذا كله .فقال له أبي: وما هي ؟ فقال: يخرج الله منه غوث هذه الامة وغياثها وعلمها ونورها خير مولود وخير ناشئ يحقن الله به الدماء ويصلح به ذات البين ويلم به الشعث به الصدع، ويكسو به العاري، ويشبع به الجائع، ويؤمن به الخائف، وينزل الله به القطر، ويرحم به العباد، خير كهل وخير ناشئ، قوله حكم وصمته علم، يبين للناس ما يختلفون فيه، ويسود عشيرته من قبل أوان حلمه فقال له أبي: بأبي أنت وأمي ما يكون له ولد بعده ؟ فقال: نعم، ثم قطع الكلام .قال يزيد: فقلت له: بأبي أنت وأمي فأخبرني أنت بمثل ما أخبرنا به أبوك فقال لي: نعم إن أبي كان في زمان ليس هذا الزمان مثله، فقلت له: من يرضى بهذا منك فعليه لعنة الله، قال: فضحك أبو إبراهيم ثم قال: أخبرك يا أبا عمارة أني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان، وأشركت معه بني في الظاهر، وأوصيته، في الباطن وأفردته وحده، ولو كان الامر إلي لجعلته في القاسم لحبي إياه، ورقتي عليه ولكن ذاك إلى الله يجعله حيث يشاء، ولقد جاء ني بخبره رسول الله ثم أرانيه وأراني من يكون بعده، وكذلك نحن لا نوصي إلى أحد منا حتى يخبره رسول الله وجدي علي بن أبي طالب, ورأيت مع رسول الله خاتما وسيفا وعصا وكتابا وعمامة فقلت: ما هذا يا رسول الله ؟ فقال لي: أما العمامة فسلطان الله، وأما السيف فعز الله، وأما الكتاب فنور الله، وأما العصا فقوة الله، وأما الخاتم فجامع هذه الأمور، ثم قال والامر قد خرج منك إلى غيرك، فقلت: يا رسول الله أرنيه أيهم هو ؟ فقال رسول الله: ما رأيت من الأئمة أحدا أجزع على فراق هذا الامر منك، ولو كانت بالمحبة لكان إسماعيل أحب إلى أبيك منك، ولكن ذاك إلى الله عز وجل. ثم قال أبو إبراهيم: ورأيت ولدي جميعا الاحياء منهم والأموات فقال لي أمير المؤمنين: هذا سيدهم، أشار إلى ابني علي فهو مني وأنا منه والله مع المحسنين .قال يزيد: ثم قال أبو إبراهيم: يا يزيد إنها وديعة عندك، فلا تخبر بها إلا عاقلا أو عبدا تعرفه صادقا وإن سئلت عن الشهادة فاشهد بها، وهو قول الله عز وجل لنا " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " وقال لنا: " ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " .قال: وقال أبو إبراهيم: فأقبلت على رسول الله فقلت: قد اجتمعوا إلي بأبي أنت وأمي فأيهم هو ؟ فقال: هو الذي ينظر بنور الله، ويسمع بتفهيمه وينطق بحكمته، ويصيب فلا يخطئ، ويعلم فلا يجهل، هو هذا وأخذ بيد علي ابني ثم قال: ما أقل مقامك معه، فإذا رجعت من سفرتك فأوص وأصلح أمرك وافرغ مما أردت، فإنك منتقل عنه، ومجاور غيرهم، وإذا أردت فادع عليا فمره فليغسلك وليكفنك، وليتطهر لك ولا يصلح إلا ذلك وذلك سنة قد مضت ثم قال أبو إبراهيم: إني أؤخذ في هذه السنة، والامر إلى ابني علي سمي علي وعلي فأما علي الأول فعلي بن أبي طالب، واما علي الآخر فعلي بن الحسين، أعطي فهم الأول وحكمته وبصره ووده ودينه، ومحنة الاخر وصبره على ما يكره وليس له أن يتكلم إلا بعد موت هارون بأربع سنين، ثم قال: يا يزيد فإذا مررت بهذا الموضع، ولقيته وستلقاه فبشره أنه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك، وسيعلمك أنك لقيتني فأخبره عند ذلك أن الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من أهل بيت مارية القبطية جارية رسول الله وإن قدرت أن تبلغها مني السلام فافعل ذلك .
قال يزيد: فلقيت بعد مضي أبي إبراهيم عليا فبدأني فقال لي: يا يزيد ما تقول في في العمرة ؟ فقلت فداك أبي وأمي ذاك إليك، وما عندي نفقة، فقال: سبحان الله ما كنا نكلفك ولا نكفيك، فخرجنا حتى إذا انتهينا إلى ذلك الموضع ابتدأني فقال: يا يزيد إن هذا الموضع لكثيرا ما لقيت فيه خيرا لك من عمرتك فقلت: نعم ثم قصصت عليه الخبر .
فقال لي: أما الجارية فلم تجيئ بعد، فإذا دخلت أبلغتها منك السلام، فانطلقنا إلى مكة، واشتراها في تلك السنة، فلم تلبث إلا قليلا حتى حملت فولدت ذلك الغلام، قال يزيد: وكان إخوة علي يرجون أن يرثوه فعادوني من غير ذنب فقال لهم إسحاق بن جعفر: والله لقد رأيت وإنه ليقعد من أبي إبراهيم المجلس الذي لا أجلس فيه أنا .

19 - عن مسافر قال: أمرني أبو الحسن بخراسان فقال: الحق بأبي جعفر فإنه صاحبك .

20 - عن الحسين بن يسار قال: استأذنت أنا والحسين بن قياما على الرضا في صريا فأذن لنا، فقال: أفرغوا من حاجتكم فقال له الحسين: تخلو الأرض من أن يكون فيها إمام ؟ فقال: لا قال: فيكون فيها اثنان ؟ قال: لا إلا وأحدهما صامت لا يتكلم قال: فقد علمت أنك لست بامام، قال: ومن أين علمت ؟ قال: إنه ليس لك ولد وإنما هي في العقب قال: فقال له: فوالله لا تمضي الأيام والليالي حتى يولد لي ذكر من صلبي، يقوم مثل مقامي، يحق الحق ويمحق الباطل .

21 - عن إبراهيم بن أبي محمود قال: كنت واقفا عند رأس أبي الحسن علي بن موسى بطوس قال له بعض من كان عنده: إن حدث حدث فإلى من ؟ قال: إلى ابني محمد وكأن السائل استصغر سن أبي جعفر فقال له أبو الحسن علي بن موسى إن الله بعث عيسى بن مريم نبيا [ ثابتا ] بإقامة شريعته في دون السن الذي أقيم فيه أبو جعفر ثابتا على شريعته .

22 - عن ابن بزيع، عن أبي الحسن الرضا أنه سئل أو قيل له أتكون الإمامة في عم أو خال ؟ فقال: لا فقال: في أخ ؟ قال: لا، قال: ففي من ؟ قال: في ولدي وهو يومئذ لا ولد له .

23 - عن عقبة بن جعفر قال: قلت لأبي الحسن الرضا: قد بلغت ما بلغت وليس لك ولد، فقال: يا عقبة إن صاحب هذا الامر لا يموت حتى يرى خلفه من بعده .

24 - عن عبد الله بن جعفر قال: دخلت على الرضا أنا وصفوان بن يحيى وأبو جعفر قائم قد أتى له ثلاث سنين، فقلنا له: جعلنا الله فداك إن - وأعوذ بالله - حدث حدث فمن يكون بعدك ؟ قال: ابني هذا وأومأ إليه، قال: فقلنا له: وهو في هذا السن ؟ قال: نعم، وهو في هذا السن إن الله تبارك وتعالى احتج بعيسى وهو ابن سنتين .

25 - عن يحيى الصنعاني قال: دخلت على أبي الحسن الرضا وهو بمكة وهو يقشر موزا ويطعم أبا جعفر فقلت له: جعلت فداك هو المولود المبارك ؟ قال: نعم، يا يحيى هذا المولود الذي لم يولد في الاسلام مثله مولود أعظم بركة على شيعتنا منه .

26 - عن معمر بن خلاد قال: سمعت إسماعيل بن إبراهيم يقول للرضا: إن ابني في لسانه ثقل فأنا أبعث به إليك غدا تمسح على رأسه وتدعو له فإنه مولاك، فقال: هو مولى أبي جعفر، فابعث به غدا إليه .

27 - عن محمد بن الحسن بن عمار قال: كنت عند علي بن جعفر بن محمد جالسا بالمدينة، وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما سمع من أخيه يعني أبا الحسن إذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا المسجد مسجد رسول الله فوثب علي ابن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبل يده وعظمه، فقال له أبو جعفر: يا عم اجلس رحمك الله ؟ فقال: يا سيدي كيف أجلس وأنت قائم .فلما رجع علي بن جعفر إلى مجلسه، جعل أصحابه يوبخونه، ويقولون: أنت عم أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل ؟ فقال: اسكتوا ! إذا كان الله عز وجل - وقبض على لحيته - لم يؤهل هذه الشيبة وأهل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه أنكر فضله ؟ نعوذ بالله مما تقولون بل أناله عبد .

الإمام الجواد عند استشهاد أبيه عليهم السلام
عن أبي الصلت الهروي أنه قال:
"بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) إذ قال لي : ياأبا الصلت ، ادخل هذه القبّة الّتي فيها قبر هارون وآتني بتراب من أربعة جوانبها .
قال : فمضيت فأتيت به ، فلمّا مثلت بين يديه ، قال لي : ناولني [ من ] هذا التراب ، ـ وهو من عند الباب ـ فناولته فأخذه وشمّه ثم رمى به ، ثمّ قال : سيحفر لي [ قبر ] ههنا ، فتظهر صخرة لو جمع عليها كلّ معول بخراسان لم يتهيّأ قلعها ، ثمّ قال في الذي عند الرّجل والّذي عند الرأس مثل ذلك ، ثمّ قال : ناولني هذا التراب فهو من تربتي .
ثمّ قال : سيحفر لي في هذا الموضع ، فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراق إلى أسفل ، وأن تشقّ لي ضريحه ، فإن أبوا إلاّ أن يلحدوا ، فتأمرهم أن يجعلوا اللّحد ذراعين وشبراً فإنّ الله تعالى سيوسّعه ما يشاء ، وإذا فعلوا ذلك فإنّك ترى عند رأسي نداوةً ، فتكلّم بالكلام الّذي أعلّمك ، فإنّه ينبع الماء حتّى يمتلئ اللّحد وترى فيه حيتاناً صغاراً ، فتفتّت لها الخبز الذي أعطيك فإنّها تلتقطه ، فإذا لم يبق منه شيء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتّى لا يبقى منها شيء ، ثمّ تغيب ، فإذا غابت فضع يدك على الماء ، ثمّ تكلّم بالكلام الّذي اُعلّمك ، فإنّه ينضب الماء ولا يبقى منه شيء ، ولا تفعل ذلك إلاّ بحضرة المأمون .
ثمّ قال (عليه السلام) : ياأبا الصلت غداً أدخل على هذا الفاجر ، فإن خرجت [ وأنا ] مكشوف الرأس ، فتكلّم أكلّمك ، وإن خرجت وأنا مغطّى الرأس فلا تكلّمني .
قال أبو الصلت : فلمّا أصبحنا من الغد لبس ثيابه ، وجلس في محرابه ينتظر ، فبينا هو كذلك ، إذ دخل عليه غلام المأمون ، فقال له : أجب أمير المؤمنين ، فلبس نعله ورداءه ، وقام يمشي وأنا أتبعه ، حتّى دخل على المأمون ، وبين يديه طبق عليه عنب ، وأطباق فاكهة ، وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه ، وبقي بعضه .
فلمّا أبصر بالرضا (عليه السلام) وثب إليه فعانقه وقبّل ما بين عينيه وأجلسه معه ثمّ ناوله العنقود ، وقال : ياابن رسول الله ما رأيت عنباً أحسن من هذا !
قال له الرضا (عليه السلام) : ربّما كان عنباً حسناً يكون من الجنّة . فقال له : كل منه فقال له الرضا (عليه السلام) : تعفيني منه . فقال : لا بدّ من ذلك ، وما يمنعك منه لعلّك تتّهمنا بشيء . فتناول العنقود فأكل منه ، ثمّ ناوله فأكل منه الرضا (عليه السلام) ثلاث حبّات ، ثمّ رمى به وقام .
فقال المأمون : إلى أين ؟ قال : إلى حيث وجّهتني ، وخرج (عليه السلام) مغطّى الرأس فلم أكلّمه حتّى دخل الدار ، فأمر أن يغلق الباب ، فغلق ثمّ نام (عليه السلام) على فراشه ، ومكثت واقفاً في صحن الدار مهموماً محزوناً .
فبينا أنا كذلك ، إذ دخل عليّ شاب حسن الوجه ، قطط الشعر ، أشبه الناس بالرضا (عليه السلام) ، فبادرت إليه وقلت له : من أين دخلت والباب مغلق ؟ فقال : الّذي جاء بي من المدينة في هذاالوقت : هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق. فقلت له :
ومن أنت ؟
فقال لي : أنا حجّة الله عليك ياأبا الصلت ، أنا محمّد بن عليّ .
ثمّ مضى نحو أبيه (عليه السلام) فدخل وأمرني بالدخول معه ، فلمّا نظر إليه الرضا (عليه السلام) وثب إليه ، فعانقه وضمّه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه، ثمّ سحبه سحباً إلى فراشه ، وأكبّ عليه محمّد بن عليّ (عليه السلام) يقبّله ويسارّه بشيء لم أفهمه .
ومضى الرضا (عليه السلام) ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : ياأبا الصلت قم فأتني بالمغتسل والماء من الخزانة . فقلت: ما في الخزانة مغتسل ولا ماء . فقال لي : إنته إلى ما آمرك به، فدخلت الخزانة ، فإذا فيها مغتسل وماء ، فأخرجته وشمّرت ثيابي لأغسّله معه ، فقال لي : تنحّ ياأبا الصلت فإنّ لي من يعينني غيرك . فغسّله .
ثمّ قال لي : ادخل الخزانة ، فأخرج إليّ السفط الذي فيه كفنه وحنوطه ، [ فدخلت ]فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قطّ ، فحملته إليه فكفّنه وصلّى عليه .
ثمّ قال لي : ائتني بالتابوت .
فقلت : أمضي إلى النجّار حتّى يصلح التابوت .
قال : قم فإنّ في الخزانة تابوتاً .
فدخلت الخزانة فوجدت تابوتاً لم أره قطّ فأتيته به ، فأخذ الرضا (عليه السلام) بعد ما صلّى عليه فوضعه في التابوت ، وصفّ قدميه ، وصلّى ركعتين لم يفرغ منهما حتّى علا التابوت ، فانشقّ السقف ، فخرج منه التابوت ومضى .
فقلت : ياابن رسول الله ، الساعة يجيئنا المأمون ويطالبنا بالرضا(عليه السلام) فما نصنع ؟
فقال لي : أسكت فإنّه سيعود ياأبا الصلت ، ما من نبيّ يموت بالمشرق ويموت وصيّه بالمغرب إلاّ جمع الله تعالى بين أرواحهما وأجسادهما .
فما أتمّ الحديث ، حتّى انشقّ السقف ونزل التابوت ، فقام (عليه السلام) فاستخرج الرضا (عليه السلام) من التابوت ، ووضعه على فراشه كأنه لم يغسّل ولم يكفّن .
ثمّ قال لي : ياأبا الصلت قم فافتح الباب للمأمون ، ففتحت الباب ، فإذا المأمون والغلمان بالباب ، فدخل باكياً حزيناً قد شقّ جيبه ، ولطم رأسه، وهو يقول :
ياسيّداه فجعت بك ياسيّدي ، ثمّ دخل وجلس عند رأسه وقال : خذوا في تجهيزه .
فأمر بحفر القبر ، فحفرت الموضع فظهر كلّ شيء على ما وصفه الرضا (عليه السلام) فقال له بعض جلسائه : ألست تزعم أنّه إمام ؟ قال : بلى . قال : لا يكون الإمام إلاّ مقدّم الناس .
فأمر أن يحفر له في القبلة، فقلت : أمرني أن أحفر له سبع مراق ، وأن أشقّ له ضريحه فقال : انتهوا إلى ما يأمر به أبو الصلت سوى الضريح ، ولكن يحفر له ويلحد .
فلمّا رأى ما ظهر من النداوة والحيتان وغير ذلك ، قال المأمون :
لم يزل الرضا (عليه السلام) يرينا عجائبه في حياته حتّى أراناها بعد وفاته أيضاً . فقال له وزير كان معه : أتدري ما أخبرك به الرضا ؟ قال : لا .
قال : إنّه أخبرك أنّ ملككم يابني العبّاس مع كثرتكم وطول حذركم مثل هذه الحيتان ، حتّى إذا افنيت آجالكم وانقطعت آثاركم وذهبت دولتكم ، سلّط الله تعالى عليكم رجلاً منّا فأفناكم عن آخركم قال له : صدقت .
ثمّ قال لي : ياأبا الصلت علّمني الكلام الّذي تكلّمت به . قلت : والله لقد نسيت الكلام من ساعتي . وقد كنت صدقت ، فأمر بحبسي ، ودفن الرضا (عليه السلام) ، فحبست سنة ، فضاق عليّ الحبس ، وسهرت الليل ، ودعوت الله تعالى بدعاء ذكرت فيه محمّداً وآله (عليهم السلام) ، وسألت الله تعالى بحقّهم أن يفرّج عنّي .
فلم أستتم الدعاء حتّى دخل عليّ أبو جعفر محمّد بن عليّ (عليه السلام) .
فقال ] لي [ : ياأبا الصلت ضاق صدرك ؟ فقلت : إي والله . قال : قم فاخرج .
ثمّ ضرب يده إلى القيود الّتي كانت [ عليّ ] ففكّها ، وأخذ بيدي وأخرجني من الدار ، والحرسة والغلمة يرونني ، فلم يستطيعوا أن يكلّموني ، وخرجت من باب الدار .
ثمّ قال لي : إمض في ودائع الله ، فإنّك لن تصل إليه ، ولا يصل إليك أبداً .
قال أبو الصلت : فلم ألتق مع المأمون إلى هذا الوقت".


جواب الإمام الجواد عليه السلام للمشككين بإمامته
الإمام الجواد(عليه السلام) نفسه قام بنشاط واسع لتبديد الشكوك التي اُثيرت بشكل أو بآخر بعد وفاة الإمام الرضا (عليه السلام) حول امامته وهو ما نفهمه من خلال بعض الروايات الواردة بهذا الشأن، ومنها ما يلي:
1ـ أورد السيد المرتضى (رضي الله عنه) في عيون المعجزات أنّه : لما قبض الرضا (عليه السلام) كان سن أبي جعفر (عليه السلام) نحو سبع سنين ، فاختلفت الكلمة بين الناس ببغداد وفي الأمصار ، واجتمع الريّان بن الصلت ، وصفوان بن يحيى ، ومحمد بن حكيم ، وعبد الرحمن بن الحجّاج ، ويونس بن عبد الرحمن ، وجماعة من وجوه الشيعة وثقاتهم في دار عبد الرحمن بن الحجاج في بركة زلول ، يبكون ويتوجّعون من المصيبة ، فقال لهم يونس بن عبد الرحمن : دعوا البكاء ! مَن لهذا الأمر والى من نقصد بالمسائل إلى أن يكبر هذا ؟ يعني أبا جعفر (عليه السلام) .
فقام اليه الريّان بن الصلت ، ووضع يده في حلقه ، ولم يزل يلطمه ، ويقول له : أنت تظهر الايمان لنا وتبطن الشك والشرك .
إن كان أمره من الله جل وعلا فلو أنه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم وفوقه ، وان لم يكن من عند الله فلو عمّر ألف سنة فهو واحد من الناس ، هذا ممّا ينبغي أن يفكّر فيه .فأقبلت العصابة عليه تعذله وتوبّخه .
وكان وقت الموسم ، فاجتمع فقهاء بغداد والأمصار وعلماؤهم ثمانون رجلاً ، فخرجوا إلى الحج ، وقصدوا المدينة ليشاهدوا أبا جعفر (عليه السلام) ، فلمّا وافوا أتوا دار جعفر الصادق (عليه السلام) لأنها كانت فارغة ، ودخلوها وجلسوا على بساط كبير، وخرج إليهم عبد الله بن موسى ، فجلس في صدر المجلس وقام مناد وقال : هذا ابن رسول الله فمن أراد السؤال فليسأله .
فسئل عن أشياء أجاب عنها بغير الواجب فورد على الشيعة ما حيّرهم وغمّهم .
واضطرب الفقهاء ، وقاموا وهمّوا بالانصراف ، وقالوا في أنفسهم : لو كان أبو جعفر (عليه السلام) يكمل لجواب المسائل لما كان من عبدا لله ما كان ، من الجواب بغير الواجب .
ففُتح عليهم باب من صدر المجلس ودخل موفّق وقال : هذا أبو جعفر ، فقاموا إليه بأجمعهم واستقبلوه وسلّموا عليه فدخل صلوات الله عليه ، وعليه قميصان وعمامة بذؤابتين وفي رجليه نعلان وجلس وأمسك الناس كلهم ، فقام صاحب المسألة ، فسأله عن مسائله ، فأجاب عنها بالحق ، ففرحوا ودعوا له وأثنوا عليه وقالوا له : إن عمّك عبد الله أفتى بكيت وكيت ، فقال : " لا اله الاّ الله ياعمّ إنّه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يديه فيقول لك : لِمَ تفتي عبادي بما لم تعلم، وفي الاُمة من هو أعلم منك ؟ ! " .
2 ـ وروي أنّه جيئ بأبي جعفر (عليه السلام) إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد موت أبيه ، وهو طفل ، وجاء إلى المنبر ورقا منه درجة ثم نطق ، فقال : " أنا محمد ابن علي الرضا ، أنا الجواد ، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب ، أنا أعلم بسرائركم وظواهركم وما أنتم صائرون إليه ، علم منحنا به قبل خلق الخلق أجمعين ، وبعد فناء السماوات والأرضين ، ولولا تظاهر أهل الباطل ، ودولة اهل الضلال ووثوب أهل الشك ، لقلت قولاً تعجّب منه الأوّلون والآخرون . . ".
3 ـ وقال اسماعيل بن بزيع: سألته ـ يعني أبا جعفر الثاني (عليه السلام) ـ عن شيء من أمر الإمام ، فقلت : يكون الإمام ابن أقلّ من سبع سنين ؟ فقال : "نعم وأقل من خمس سنين ".
4 ـ قال علي بن أسباط : " رأيت أبا جعفر (عليه السلام) وقد خرج عليّ فأخذت أنظر إليه وجعلت انظر الى رأسه ورجليه ، لأصف قامته لأصحابنا بمصر فبينا أنا كذلك حتى قعد ، فقال(عليه السلام) : ياعليّ ! ان الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج في النبوة ، فقال : ( وآتيناه الحكم صبياً ) ( ولمّا بلغ اشده ) ( وبلغ اربعين سنة )، فقد يجوز ان يؤتى الحكمة وهو صبي ويجوز ان يؤتاها وهو ابن اربعين سنة".


مناقبه ومكارم أخلاقه عليه السلام
1ـ تكلّمه في المهد
ذكر المؤرخون أن الإمام الجواد (عليه السلام) تشهّد الشهادتين لمّا وُلد ، وانه حمد الله تعالى وصلّى على الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة الراشدين في يومه الثالث .
فعن حكيمة ابنة موسى بن جعفر الكاظم(عليهما السلام) قالت : "لمّا حملت اُم أبي جعفر الجواد (عليه السلام) به كتبتُ اليه ]يعني: الى الإمام الرضا(عليه السلام) [ : "جاريتك سبيكة قد علقت. فكتب اليّ : انّها علقت ساعة كذا ، من يوم كذا ، من شهر كذا ، فإذا هي ولدت فالزميها سبعة أيام .
قالت : فلمّا ولدته ، وسقط الى الأرض ، قال : اشهد ان لا إله إلاّ الله ، وان محمداً رسول الله .
فلمّا كان اليوم الثالث ، عطس ، فقال : الحمد لله ، وصلّى الله على محمد وعلى الأئمة الراشدين".
و أيضاً قالت : "لمّا حضرت ولادة الخيزران اُم أبي جعفر (عليه السلام) دعاني الرضا (عليه السلام) ، فقال : يا حكيمة احضري ولادتها ، وادخلي وإياها والقابلة بيتاً .
ووضع لنا مصباحاً ، وأغلق الباب علينا ، فلمّا أخذها الطلق طفئ المصباح ، وبين يديها طست ، فاغتممت بطفئ المصباح.
فبينا نحن كذلك ، إذ بدر أبو جعفر (عليه السلام) في الطست ، واذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت ، فأبصرناه ، فأخذته فوضعته في حجري ، ونزعت عنه ذلك الغشاء ، فجاء الرضا (عليه السلام) وفتح الباب ، وقد فرغنا من أمره ، فأخذه ووضعه في المهد ، وقال لي : يا حكيمة الزمي مهده.
قالت : فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره الى السماء ثم نظر يمينه ويساره ، ثم قال : أشهد ان لا إله إلاّ الله ، واشهد ان محمداً رسول الله، فقمت ذعرة فزعة، فأتيت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت له : لقد سمعت من هذا الصبي عجباً . فقال : وما ذاك ؟ فأخبرته الخبر ، فقال : يا حكيمة ، ما ترون من عجائبه اكثر".

ب ـ إتيانه الحكمَ صبياً
أصبح الإمام الجواد (عليه السلام) خليفة الله تعالى في خلقه وإماماً لهم وهو لم يزل حديث السن، وذلك ما اقتضته مشيئة الله ـ جلّ جلاله ـ مثلما اقتضت ذلك مع عيسى وسليمان (عليهما السلام) . وقد أثارت حداثة سنة(عليه السلام) استغراب بعض الناس وتشكيكهم، الأمر الذي دعا الإمام الجواد (عليه السلام) الى توضيح الامر لهم ، وهو ما نجده في الروايات الآتية :
1 ـ قال الراوي : قلت له ( لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) ): انهم يقولون في حداثة سنك ، فقال : "ان الله تعالى أوحى الى داود أن يستخلف سليمان وهو صبي يرعى الغنم، فأنكر ذلك عبّاد بني اسرائيل وعلماؤهم ، فأوحى الله الى داود(عليه السلام) أن خذ عصي المتكلمين وعصا سليمان واجعلها في بيت واختم عليها بخواتيم القوم فاذا كان من الغد ، فمن كانت عصاه قد أورقت وأثمرت فهو الخليفة ، فأخبرهم داود (عليه السلام) فقالوا : قد رضينا وسلَّمنا".
2 ـ قال الراوي : رأيت أبا جعفر (عليه السلام) وقد خرج عليّ فأخذت أنظر اليه وجعلت انظر الى رأسه ورجليه ، لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتى قعد ، فقال : "يا عليّ ! ان الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة ، فقال: ( وآتيناه الحكم صبياً ) ( ولمّا بلغ اشده ) ( وبلغ اربعين سنة ) فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبي ويجوز أن يؤتاها وهو ابن الأربعين سنة".
3 ـ قال الراوي لأبي جعفر (عليه السلام) : يا سيدي ان الناس ينكرون عليك حداثة سنك ، فقال : "وما ينكرون من ذلك قول الله عزوجل ، لقد قال الله عزّوجلّ لنبيه (صلى الله عليه وآله): (قل هذه سبيلي ادعوا الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني ) فو الله ما تبعه إلاّ علي(عليه السلام) وله تسع سنين وانا ابن تسع سنين".


أصحابه ورواة حديثه عليه السلام
1 - إبراهيم بن داود.
2 - إبراهيم بن محمد الهمداني.
3 - إبراهيم بن مهزيار أبو إسحاق الأهوازي.
4 - إبراهيم بن مهرويه من أهل جسر بابل.
5 - أحمد بن حمّاد المروزي.
6 - أحمد بن إسحاق الأشعري القمّي.
7 - أحمد بن عبد الله ابن عيسى القمي الأشعري.
8 - أحمد بن عبد الله الكوفي، الكرخي.
9 - أحمد بن محمد ابن أبي نصر البزنطي، كوفي.
10 - أحمد بن محمد ابن عبيدة القمّي الأشعري.
11 - أحمد بن محمد ابن خالد البرقي.
12 - أحمد بن محمد ابن بندار الأقرع مولى الربيع.
13 - أحمد بن محمد ابن عبيد الله الأشعري القمّي.
14 - أحمد بن محمد ابن عيسى الأشعري القمي.
15 - أحمد بن معافى.
16 - إدريس القمي يكنى أبا القاسم.
17 - إسحاق الأنباري.
18 - إسحاق بن إبراهيم ابن هاشم القمّي.
19 - إسحاق بن محمد ابن إبراهيم الحضيني.
20 - أميّة بن علي القبسي، الشامي.
21 - جعفر بن داود اليعقوبي.
22 - جعفر بن محمد ابن يونس الأحول، الصيرفي، مولى بجيلة.
23 - جعفر بن محمد الهاشمي.
24 - جعفر بن يحيى ابن سعد الأحول.
25 - جعفر الجوهري.
26 - الحسن بن راشد يكنى أبا علي، مولى لآل المهلّب، بغدادي.
27 - الحسن بن سعيد الأهوازي.
28 - الحسن بن العباس ابن الحَرِيش، الرازي، أبو علي.
29 - الحسن بن عباس ابن خراش.
30 - الحسن بن علي ابن أبي عثمان الملقّب سجادة، أبو محمد، كوفي.
31 - الحسن بن يسار.
32 - الحسين بن أسد.
33 - الحسين بن سعيد ابن حمّاد الأهوازي.
34 - الحسين بن سهل ابن نوح.
35 - الحسين بن داود اليعقوبي.
36 - الحسين بن علي القمّي.
37 - الحسين بن محمد القمي.
38 - الحسين بن مسلم.
39 - الحسين بن الإمام موسى ابن جعفر (عليه السلام).
40 - الحسين بن يسار.
41 - حفص الجوهري.
42 - حمزة بن يعلى الأشعري، أبو يعلى، القمّي.
43 - خلف البصري.
44 - خيران الخادم القراطيسي.
45 - داود بن القاسم ابن إسحاق، بن عبد الله بن جعـــفر بن أبــي طالب، أبو هاشم الجعفري.
46 - داود بن مافنّة الصرّمي، مولى بني قرّة، ثمّ بني صرمة، كوفي، يكنّى أبا سليمان.
47 - داود بن علي الخزاعي.
48 - داود بن مهزيار, هو أخو عليّ بن مهزيار.
49 - زكريا بن آدم ابن عبد الله بن سعد الأشعري، القمّي.
50 - سعد بن سعد ابن الأحوص الأشعري، القمّي.
51 - سهل بن زياد الرازي.
52 - شاذان بن الخليل النيشابوري.
53 - صالح بن أبي حمّاد يكنّى أبا الخير الرازي.
54 - صالح بن محمد ابن سهل.
55 - صالح بن محمد الهمداني.
56 - صفوان بن يحيى البجلي، بيّاع السابري.
57 - العباس بن عمر الهمداني.
58 - عبد الجبار بن مبارك النهاوندي.
59 - عبد الرحمن بن أبي نجران.
60 - عبد الله بن الصلت مولى بن تميم بن ثعلبة، يكنّى أبا طالب.
61 - عبد الله بن محمد الرازي.
62 - عبد الله بن محمد ابن حصين، الخضيني، الأهوازي.
63 - عبد الله بن محمد ابن سهل، بن داود.
64 - علي بن أسباط بن سالم بيّاع الزُطِّي.
65 - عليّ بن بِلال بغدادي.
66 - عليّ بن حديد بن حكيم، المدائني، الأزدي الساباطي.
67 - عليّ بن حسان الواسطي، أبو الحسن القصير، المعروف بالمنُمِسّ.
68 - عليّ بن الحسين ابن عليّ، بن عـــمر بن الحسين بن أبـــي طالب (عليه السلام) والـــد الناصر الحسنين بن عليّ.
69 - عليّ بن الحكم.
70 - عليّ بن خالد.
71 - علي بن عبد الله القمي.
72 - علي بن عبد الله المدائني.
73 - عليّ بن عبد الملك.
74 - عليّ بن محمد بن سليمان النوفلي.
75 - علي بن محمد بن هارون بن الحسن بن محبوب.
76 - علي بن محمد العلوي، الحسني.
77 - علي بن محمد القلانسي.
78 - علي بن مهزيار.
79 - علي بن ميسّر.
80 - عليّ بن نصر.
81 - عليّ بن يحيى يكنى أبا الحسين.
82 - القاسم بن الحسين البزنطي صاحب أيّوب بن نوح.
83 - محمد بن إبراهيم الحضيني، الأهوازي.
84 - محمد بن أبي زيد الرازي.
85 - محمد بن أبي الصهبان.
86 - محمد بن أبي قريش.
87 - محمد بن أبي نصر.
88 - محمد بن أحمد ابن حماد، المحمودي يكنّى أبا عليّ.
89 - محمد بن إسماعيل بن بزيع.
90 - محمد بن إسماعيل الرازي.
91 - محمد بن الحسن ابن أبي خالد الأشعري.
92 - محمد بن الحسن بن عمّار.
93 - محمد بن الحسن بن محبوب.
94 - محمد بن الحسن الواسطي.
95 - محمد بن الحسن بن شَمُّون البصري.
96 - محمد بن الحسين الأشعري.
97 - محمد بن الحسين ابن أبي الخطّاب، أبو جعفر الزيات الهمداني.
98 - محمد بن حمزة العلوي.
99 - محمد بن خالد أبو عبد الله البرقي.
100 - محمد بن سالم بن عبد الحميد.
101 - محمد بن سنان أبو جعفر الزهري الخزاعي.
102 - محمد بن عبد الجبار أبي الصهبان، القمّي.
103 - محمد بن عبد الله المدائني.
104 - محمد بن عبد الله ابن مهران، أبو جعفر الكرخي.
105 - محمد بن عبدة يُكنّى أبا بشير.
106 - محمد بن الفرج الرخجي
107 - محمد بن نصر الناب.
108 - محمد بن نصير.
109 - محمد بن نوح.
110 - محمد بن الوليد الخزاز، الكرماني.
111 - محمد بن يونس بن عبد الرحمن.
112 - المختار بن زياد العبدي، البصري.
113 - مروك بن عبيد ابن أبي حفصة.
114 - مصدق بن صدقة المدايني.
115 - معاوية بن حكيم بن عمّار الدهني.
116 - منذر بن قابوس.
117 - منصور بن العباس أبو الحسين الرازي.
118 - موسى بن داود اليعقوبي.
119 - موسى بن داود المنقري.
120 - موسى بن عبد الله بن عبد الملك بن هشام.
121 موسى بن عمر ابن بَزيْع، مولى المنصور.
122 - موسى بن القاسم بن معاوية، بن وهب البجلي.
123 - نوح بن شعيب البغدادي.
124 - هارون بن الحسن.
125 - يزداد.
126 - أبو جعفر البصري.
127 - أبو الحصين.
128 - أبو خداش المهري، البصري.
129 - أبو سارة.
130 - أبو سكينة كوفي.

النساء
131 - زينب بنت محمد بن يحيى.
132 - زهراء أمّ أحمد.


تزويج المأمون ابنته من الإمام الجواد عليه السلام
قال المؤرخون : "لمّا أراد المأمون ان يزوج ابنته ام الفضل أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم ، واستنكروه وخافوا ان ينتهي الأمر معه الى ما انتهى مع الرّضا (عليه السلام) فخاضوا في ذلك واجتمع منهم أهل بيته الادنون منه . فقالوا : ننشدك الله ياأمير المؤمنين ان تقيم على هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا فإنّا نخاف ان يخرج به عنا أمر قد ملّكناه الله عزوجل ، وينزع منّا عزّاً قد ألبسناه الله ، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً ، وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك ، من تبعيدهم والتصغير بهم ، وقد كنّا في وهلة من عملك مع الرضا (عليه السلام) ما عملت فكفانا الله المهم من ذلك . فالله الله ان تردّنا الى غمّ قد انحسر عنّا ، واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل الى مَن تراه من اهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.
فقال لهم المأمون : أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ، ولو انصفتم القوم لكانوا اولى بكم ، واما ما كان يفعله من قبلي بهم ، فقد كان قاطعاً للرّحم ، واعوذ بالله من ذلك ، والله ما ندمت على ما كان منّي من استخلاف الرضا (عليه السلام) ولقد سألته ان يقوم بالأمر وأنزعه من نفسي فأبى ، وكان أمر الله قدراً مقدوراً .
واما أبو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل ، مع صغر سنه ، والاعجوبة فيه بذلك ، وانا أرجو ان يظهر للناس ما قد عرفته منه ، فيعلمون ان الرأي ما رأيت فيه .
فقالوا له : ان هذا الفتى وإن راقك منه هديه فانه صبي لا معرفة له ولا فقه ، فأمهله ليتأدب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك .
فقال لهم : ويحكم اني اعرف بهذا الفتى منكم وان اهل هذا البيت علمهم من الله تعالى وموادّه والهامه ، ولم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال ، فان شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين لكم به ما وصفت من حاله .
قالوا : قد رضينا لك ياأمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه ، فخلّ بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة ، فان أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين فيه ، وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه . فقال لهم المأمون : شأنكم وذلك متى أردتم .
فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم ، وهو يومئذ قاضي الزمان على ان يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها ، ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك ، وعادوا الى المأمون وسألوه ان يختار لهم يوماً للاجتماع فأجابهم الى ذلك .
فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن اكثم وأمر المأمون ان يفرش لابي جعفر دست ويجعل له فيه مسورتان ففعل ذلك وخرج أبو جعفر وهو يومئذ ابن تسع سنين وأشهر فجلس بين المسورتين وجلس يحيى بن اكثم بين يديه وقام الناس في مراتبهم والمأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر (عليه السلام).
فقال يحيى بن اكثم للمأمون : يأذن لي أمير المؤمنين أن اسأل أبا جعفر عن مسألة ؟ فقال له المأمون : استأذنه في ذلك فأقبل عليه يحيى بن اكثم ، فقال : أتأذن لي جعلت فداك في مسألة ؟
فقال أبو جعفر (عليه السلام) : "سل إن شئت" .
قال يحيى : ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيداً ؟
فقال أبو جعفر (عليه السلام) : "قتله في حلّ أو في حرم ، عالماً كان المحرم أو جاهلاً ، قتله عمداً أو خطأ ، حرّاً كان المحرم أو عبداً ، صغيراً كان او كبيراً ، مبتدئاً بالقتل او معيداً ، من ذوات الطير كان الصيد ام من غيرها ، من صغار الصيد ام من كبارها ، مصرّاً على ما فعل او نادماً ، في الليل كان قتله للصيد ام في النهار ، محرماً كان بالعمرة اذ قتله او بالحج كان محرماً ؟"
فتحيّر يحيى بن اكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج حتى عرف جماعة اهل المجلس أمره . فقال المأمون : الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ثم نظر الى أهل بيته فقال لهم : اعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه ؟ ثم اقبل على أبي جعفر (عليه السلام) فقال له : اتخطب يا أبا جعفر ؟
فقال : نعم ياأمير المؤمنين . فقال له المأمون : اخطب لنفسك جعلت فداك قد رضيتك لنفسي وانا مزوّجك ام الفضل ابنتي وان رغم قوم ذلك .
فقال أبو جعفر (عليه السلام) : الحمد لله إقراراً بالنعمة ، ولا اله إلاّ الله إخلاصاً لوحدانيته وصلى الله على محمد سيد بريّته ، والأصفياء من عترته .
اما بعد فقد كان من فضل الله على الأنام ، ان أغناهم بالحلال عن الحرام ، فقال سبحانه : ( وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ) .
ثم ان محمد بن علي بن موسى يخطب اُمّ الفضل بنت عبد الله المأمون ، وقد بذل لها من الصّداق مهر جدّته فاطمة بنت محمد(عليهما السلام) وهو خمسمائة درهم جياداً فهل زوّجته ياأمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور ؟
فقال المأمون : نعم قد زوّجتك ياأبا جعفر ام الفضل ابنتي على الصداق المذكور ، فهل قبلت النكاح ؟
قال أبو جعفر (عليه السلام) : قد قبلت ذلك ورضيت به .
فأمر المأمون ان يقعد الناس على مراتبهم في الخاصة والعامة .
قال الريّان : ولم نلبث ان سمعنا أصواتاً تشبه اصوات الملاّحين في محاوراتهم ، فاذا الخدم يجرّون سفينة مصنوعة من فضة مشدودة بالحبال من الابريسم ، على عجلة مملوّة من الغالية ، ثم أمر المأمون ان تخضب لحاء الخاصة من تلك الغالية ، ثم مدّت الى دار العامّة فتطيبوا منها ووضعت الموائد فأكل الناس وخرجت الجوائز الى كلّ قوم على قدرهم .
فلما تفرق الناس وبقي من الخاصة من بقي ، قال المأمون لأبي جعفر (عليه السلام) : ان رأيت جعلت فداك ان تذكر الفقه الذي فصّلته من وجوه من قتل المحرم لنعلمه ونستفيده .
فقال أبو جعفر (عليه السلام) : نعم ان المحرم اذا قتل صيداً في الحلّ وكان الصيد من ذوات الطير ، وكان من كبارها ، فعليه شاة ، فان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً ، واذا قتل فرخاً في الحلّ فعليه حمل قد فطم من اللبن واذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ ، فاذا كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة ، وإن كان نعامة فعليه بدنة وان كان ظبياً فعليه شاة وان كان قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة .
واذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه ، وكان إحرامه بالحجّ نحره بمنى ، وان كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة ، وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء ، وفي العمد عليه المأثم وهو موضوع عنه في الخطأ، والكفّارة على الحرّ في نفسه ، وعلى السيّد في عبده ، والصغير لاكفّارة عليه ، وهي على الكبير واجبة والنادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة ، والمصرّ يجب عليه العقاب في الآخرة .
فقال المأمون : أحسنت ياأبا جعفر احسن الله اليك فان رأيت ان تسأل يحيى عن مسألة كما سألك .
فقال أبو جعفر (عليه السلام) ليحيى : أسألك ؟ قال : ذلك اليك جعلت فداك ، فإن عرفت جواب ما تسألني والا استفدته منك .
فقال له أبو جعفر (عليه السلام) : اخبرني عن رجل نظر الى امرأة في اول النهار فكان نظره اليها حراماً عليه ، فلما ارتفع النهار حلّت له ، فلما زالت الشمس حرمت عليه ، فلما كان وقت العصر حلّت له ، فلما غربت الشمس حرمت عليه ، فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلّت له ، فلما كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه ، فلما طلع الفجر حلّت له ، ما حال هذه المرأة وبماذا حلّت له وحرمت عليه ؟
فقال له يحيى بن اكثم : لا والله لا اهتدي الى جواب هذا السؤال ولا اعرف الوجه فيه ، فان رأيت ان تفيدناه .
فقال أبو جعفر (عليه السلام) : هذه أمة لرجل من الناس ، نظر اليها أجنبي في اول النهار فكان نظره اليها حراماً عليه ، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلّت له ، فلما كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه ، فلما كان وقت العصر تزوّجها فحلت له ، فلما كان وقت المغرب ظاهَر منها فحرمت عليه ، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفّر عن الظهار فحلّت له ، فلما كان نصف الليل طلّقها واحدة ، فحرمت عليه ، فلمّا كان عند الفجر راجعها فحلّت له .
قال : فأقبل المأمون على من حضره من اهل بيته فقال لهم : هل فيكم من يجيب هذه المسألة بمثل هذا الجواب ، او يعرف القول فيما تقدم من السؤال ؟ قالوا : لا والله ان أمير المؤمنين اعلم وما رأى .
فقال : ويحكم! ان أهل هذا البيت خصّوا من الخلق بما ترون من الفضل ، وان صغر السنّ فيهم لا يمنعهم من الكمال. اما علمتم ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الإسلام وحكم له به ، ولم يدع أحداً في سنّه غيره ، وبايع الحسن والحسين(عليهما السلام) وهما ابنا دون الست سنين ، ولم يبايع صبياً غيرهما ، أو لا تعلمون ما اختص الله به هؤلاء القوم؟! وانهم ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لاولهم . فقالوا : صدقت ياأمير المؤمنين ثم نهض القوم .
فلما كان من الغد اُحضر الناس وحضر أبو جعفر (عليه السلام) وسار القوّاد والحجّاب والخاصة والعمّال لتهنئة المأمون وأبي جعفر (عليه السلام) فاخرجت ثلاثة أطباق من الفضة ، فيها بنادق مسك وزعفران ، معجون في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة ، وعطايا سنية ، واقطاعات ، فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصته فكان كل من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها والتمسه فأطلق يده له ، ووضعت البدر ، فنثر ما فيها على القوّاد وغيرهم ، وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا . وتقدم المأمون بالصدقة على كافة المساكين ، ولم يزل مكرماً لابي جعفر (عليه السلام) معظماً لقدره مدة حياته ، يؤثره على ولده وجماعة أهل بيته" .


السبب في تزويج المأمون ابنته للإمام الجواد عليه السلام
انّ هذا الزواج اضافة لما سيحققه من دعاية للمأمون تُظهر حبّه وولاءه لأهل البيت عليهم السلام، فإنّ ثمة سبباً آخر نرجّحه على غيره ونراه السبب الأساس وهو وضع الجاسوس والرقيب الخاص على الإمام (عليه السلام) يلازمه في بيته، يحصي عليه سكناته وحركاته ويرفعها الى الجهة التي زرعته وهكذا كانت اُمّ الفضل ابنة المأمون العبّاسي مع الإمام الجواد عليه السلام.


اسباب استشهاد الإمام الجواد عليه السلام
لم تكن المدة التي قضاها الإمام الجواد (عليه السلام) في خلافة المعتصم طويلة فهي لم تتجاوز السنتين ، كان ختامها شهادة الإمام (عليه السلام) على يد النظام المنحرف ، وفيما يلي استعراض للعلاقة بين الإمام الجواد (عليه السلام) والمعتصم .
1 - لقد خشي المعتصم من بقاء الإمام الجواد (عليه السلام) بعيداً عنه في المدينة ، لذلك قرر استدعاءه الى بغداد، حتى يكون على مقربة منه يحصي عليه انفاسه ويراقب حركاته ، ولذلك جلبه من المدينة، فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين ومائتين ، وتوفي بها(عليه السلام) في ذي القعدة من هذه السنة.
لقد كان هذا الاستقدام بمثابة الاقامة الجبرية تتبعه عملية اكبر وهي التصفية الجسدية .
2 ـ كان وجود الإمام الجواد (عليه السلام) يمثل خطراً على النظام الحاكم لما كان يملكه هذا الإمام من دور فاعل وقيادي للاُمة ، لذلك قررت السلطة أن تتخلّص منه مع عدم استبعادها وجود العلاقة بين الإمام القائد والتحركات النهضوية في الاُمة .
فقد روى المؤرخون عن زرقان صاحب ابن أبي دؤاد قاضي المعتصم قوله : " رجع ابن أبي دؤاد ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتمّ فقلت له في ذلك ، فقال وددت اليوم اني قد مت منذ عشرين سنة ، قال قلت له : ولم ذاك ؟ قال : لما كان من هذا الاسود أبي جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين ، قال : قلت له : وكيف كان ذلك ؟ قال : إن سارقاً اقرّ على نفسه بالسرقة ، وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه ، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن علي فسألناه عن القطع في اي موضع يجب أن يقطع ؟ قال : فقلت : من الكرسوع .
قال : وما الحجة في ذلك ؟ قال : قلت : لأن اليد هي الاصابع والكفّ الى الكرسوع, لقول الله في التيمم ( فامسحوا بوجوهكم وايديكم ) واتفق معي ذلك قوم .
وقال آخرون : بل يجب القطع من المرفق ، قال : وما الدليل على ذلك ؟ قالوا : لأن الله لمّا قال: ( وايديكم الى المرافق ) في الغسل دلّ ذلك على ان حدّ اليد هو المرفق .
قال : فالتفت الى محمد بن علي (عليه السلام) فقال : ما تقول في هذا ياأبا جعفر ؟ فقال : قد تكلم القوم فيه ياأمير المؤمنين ، قال : دعني ممّا تكلموا به ! اي شيء عندك ؟ قال: اعفني عن هذا ياأمير المؤمنين ، قال : اقسمت عليك بالله لمّا اخبرت بما عندك فيه .
فقال : أمّا اذا أقسمت عليّ بالله اني اقول انهم اخطأوا فيه السنّة ، فإن القطع يجب ان يكون من مفصل اُصول الاصابع ، فيترك الكفّ ، قال : وما الحجة في ذلك ؟ قال : قول رسول الله : السجود على سبعة أعضاء : الوجه واليدين والركبتين والرجلين ، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها وقال الله تبارك وتعالى : ( وان المساجد لله )يعني بهذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ( فلا تدعوا مع الله أحداً ) وما كان لله لم يقطع .
قال : فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكفّ .
قال ابن أبي دؤاد : قامت قيامتي وتمنّيت أني لم أك حيّاً .
قال زرقان : قال ابن أبي دؤاد : صرت الى المعتصم بعد ثالثة ، فقلت : ان نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة وانا أكلّمه بما أعلم أني ادخل به النار ، قال : وما هو ؟ قلت : اذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من اُمور الدين ، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك ، وقد حضر مجلسه أهل بيته وقوّاده ووزراؤه وكتّابه ، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ، ثمّ يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل شطر هذه الأمة بامامته ، ويدّعون أ نّه أولى منه بمقامه ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء ؟
قال : فتغير لونه وانتبه لما نبّهته له ، وقال : جزاك الله عن نصيحتك خيراً . قال : فأمر اليوم الرابع فلاناً من وزرائه بأن يدعوه [ اي الجواد(عليه السلام) ] الى منزله فدعاه فأبى ان يجيبه وقال(عليه السلام): قد علمت اني لا أحضر مجالسكم ، فقال : إني انما ادعوك الى الطعام واحبّ ان تطأ ثيابي ، وتدخل منزلي فأتبرّك بذلك ، فقد احبّ فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك، فصار اليه، فلمّا طعم منها أحس السمّ فدعا بدابّته فسأله رب المنزل ان يقيم . قال(عليه السلام) : خروجي من دارك خير لك ، فلم يزل يومه ذلك وليله في خلفة حتى قبض (عليه السلام) ".
لقد كان الإمام الجواد (عليه السلام) يتوقع استشهاده بعد هذا الاستدعاء فقد روي عن اسماعيل بن مهران قوله : "لمّا اُخرج أبو جعفر (عليه السلام) من المدينة إلى بغداد في الدفعة الاولى من خرجتيه قلت له عند خروجه : جُعلت فداك ، إني أخاف عليك من هذا الوجه ، فإلى من الأمر بعدك ؟ قال : فكرّ بوجهه اليّ ضاحكاً وقال : ليس حيث ظننت في هذه السنة .
فلمّا استدعي به الى المعتصم صرتُ اليه فقلتُ له : جُعلتُ فداك ، أنت خارجٌ ، فإلى من هذا الأمرُ من بعدك ؟ فبكى حتى اخضلّت لحيته ثم التفتَ اليّ فقال : عند هذه يُخاف عليّ ، الأمرُ من بعدي الى ابني علي".
لقد درس المعتصم اكثر السبل التي يستطيع بها ان يصفي الإمام، فاعلية وأقلها ضرراً ، فلم يجد افضل من اُم الفضل بنت أخيه المأمون للقيام بهذه المهمّة فهي التي تستطيع ان تقتله بصورة اكيدة دون ان تثير ضجة في الاُمة ، مستغلاً نقطتين في شخصيتها، هما :
أ ـ كونها تنتمي للخط الحاكم انتماءً حقيقياً ، فهي بنت المأمون وعمّها المعتصم ، وليست بالمستوى الايماني الذي يجعلها تنفك عن انتمائها النسبي هذا ، لذلك كانت تخضع لتأثيراته وتنفذ ما يريده ضد الإمام .
ب ـ غيرتها وحقدها على الإمام بسبب تسريه وتزوّجه من نساء اُخريات خصوصاً وانها لم تلد للامام وإنما رزق الإمام من غيرها ولده الهادي (عليه السلام) .
ولقد كان أمر غيرتها شائعاً بين الناس لذلك قال المؤرخون : "وقد روى الناس ان اُم الفضل كتبت الى أبيها من المدينة تشكو أبا جعفر وتقول : انه يتسرى علي ويغيرني . فكتب اليها المأمون: يابنيّة انا لم نزوجك أبا جعفر لنحرّم عليه حلالاً ، فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها".
ولم تخل هذه الفترة من الاعتداءات الظاهرية على الإمام (عليه السلام) من أذناب السلطة ، ومن ذلك ما فعله عمر بن فرج الرخجي الرجل المعادي لأهل البيت (عليهم السلام) والعامل عند السلطة العباسية . فمثلاً روى المؤرخون عن محمد بن سنان قوله : دخلت على أبي الحسن الهادي(عليه السلام) فقال : يامحمد حدث بآل فرج حدث ؟ فقلت : مات عمر . فقال: الحمد لله على ذلك، أحصيت أربعاً وعشرين مرة، ثم قال: أو لا تدري ما قال ـ لعنه الله ـ لمحمد بن علي أبي؟ قال: قلت: لا، قال: خاطبه في شيء، فقال: أظنّك سكران، فقال أبي: اللهمّ إن كنت تعلم أني أمسيت لك صائماً فأذقه طعم الحرب وذلّ الأسر. فوالله إن ذهبت الأيام حتى حُرب ماله، وما كان له، ثم اُخذ أسيراً فهو ذا مات".


استشهاد الإمام الجواد عليه السلام
تحدثنا عن دوافع المعتصم في اغتيال الإمام الجواد (عليه السلام) وعن اختياره اُم الفضل لتنفيذ الجريمة .
ومما يشير الى أسباب استغلال المعتصم لاُمّ الفضل وكيفية تحريضها على الاقدام على قتل الإمام (عليه السلام) ما روي من شدة غيرتها أيام أبيها وتوريطها لأبيها على ارتكاب جريمة قتل الإمام من قبل المأمون نفسه .
قال أبو نصر الهمداني: "حدثتني حكيمة بنت محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر عمّة أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) .
قالت : لمّا مات محمّد بن عليّ الرّضا (عليه السلام) أتيت زوجته اُم عيسى بنت المأمون فعزّيتها فوجدتها شديدة الحزن والجزع عليه تقتل نفسها بالبكاء والعويل ، فخفت عليها ان تتصدّع مرارتها فبينما نحن في حديثه وكرمه ووصف خُلقه وما اعطاه الله تعالى من الشّرف والاخلاص ومَنَحَهُ من العزّ والكرامة ، اذ قالت امّ عيسى : الا اخبرك عنه بشيء عجيب وأمر جليل فوق الوصف والمقدار ؟ قلت : وما ذاك ؟
قالت : كنت أغار عليه كثيراً وأراقبه ابداً وربما يسمعني الكلام فاشكو ذلك الى أبي فيقول يابنيّة احتمليه فانّه بضعة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فبينما انا جالسة ذات يوم اذ دخلت عليّ جارية فسلّمت ، فقلت : من انت ؟ فقالت : انا جارية من ولد عمّار بن ياسر وانا زوجة أبي جعفر محمّد بن عليّ الرضا (عليه السلام) زوجك .
فدخلني من الغيرة ما لا اقدر على احتمال ذلك هممت ان اخرج واسيح في البلاد وكاد الشيطان ان يحملني على الإساءة اليها، فكظمت غيظي واحسنت رفدها وكسوتها ، فلمّا خرجت من عندي المرأة نهضت ودخلت على أبي وأخبرته بالخبر وكان سكراناً لا يعقل . فقال : ياغلام عليّ بالسّيف ، فاتى به ، فركب وقال : والله لاقتلنّه فلمّا رايت ذلك قلت : انّا لله وانّا اليه راجعون ، ما صنعت بنفسي وبزوجي وجعلت ألطم حرّ وجهي ، فدخل عليه والدي وما زال يضربه بالسيف حتى قطعه .
ثم خرج من عنده وخرجت هاربة من خلفه فلم ارقد ليلتي فلمّا ارتفع النّهار اتيت أبي فقلت : اتدري ما صنعت البارحة ؟ قال : وما صنعتُ ؟ قلت : قتلتَ ابن الرّضا (عليه السلام) ، فبرق عينه وغشي عليه ثم افاق بعد حين وقال : ويلك ما تقولين ؟ قلت : نعم والله يا ابه دخلت عليه ولم تزل تضربه بالسّيف حتى قتلته ، فاضطرب من ذلك اضطراباً شديداً وقال : عليّ بياسر الخادم فجاء ياسر .
فنظر اليه المأمون وقال : ويلك ما هذا الّذي تقول هذه ابنتي قال : صدقَتْ ياامير المؤمنين فضرب بيده على صدره وخدّه ، وقال : انّا لله وانّا اليه راجعون هلكنا بالله وعطبنا وافتضحنا الى آخر الابد ويلك ياياسر فانظر ما الخبر والقصة عنه(عليه السلام) ؟ وعجّل عليّ بالخبر فان نفسي تكاد ان تخرج السّاعة فخرج ياسر وانا ألطم حرّ وجهي، فما كان ياسر من ان رجع ، فقال : البشرى ياامير المؤمنين . قال : لك البشرى فما عندك ؟
قال ياسر : دخلت عليه فاذا هو جالس وعليه قميص ودواج وهو يستاك فسلّمت عليه وقلت : ياابن رسول الله اُحب أن تهب لي قميصك هذا اصلّي فيه واتبرك به ، وانما اردت ان انظر اليه والى جسده هل به اثر السّيف فوالله كأنّه العاج الّذي مسّه صفرة ما به اثر . فبكى المأمون طويلاً وقال : ما بقى مع هذا شيء إنّ هذا لعبرة للأوّلين والآخرين .
وقال : ياياسر امّا ركوبي اليه واخذي السّيف ودخولي عليه فاني ذاكر له وخروجي عنه فلست اذكر شيئاً غيره ولا اذكر ايضاً انصرافي الى مجلسي فكيف كان امري وذهابي اليه ، لعن الله هذه الابنة لعناً وبيلاً، تقدّم اليها وقل لها يقول لك ابوك والله لئن جئتني بعد هذا اليوم شكوت او خرجت بغير اذنه لانتقمنّ له منك .
ثم سر الى ابن الرّضا وابلغه عني السّلام واحمل اليه عشرين الف دينار وقدّم اليه الشهري الّذي ركبته البارحة ، ثم أمر بعد ذلك الهاشميّين ان يدخلوا عليه بالسّلام ويسلّموا عليه . قال ياسر : فأمرت لهم بذلك ودخلت انا ايضاً معهم وسلّمت عليه وابلغت التّسليم ووضعت المال بين يديه وعرضت الشّهري عليه فنظر اليه ساعة ثم تبسّم .
فقال(عليه السلام) : ياياسر هكذا كان العهد بيننا وبينه حتّى يهجم علي ، اما علم ان لي ناصراً وحاجزاً يحجز بيني وبينه . فقلت : ياسيّدي ياابن رسول الله دع عنك هذا العتاب واصفح ، والله وحق جدّك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كان يعقل شيئاًمن امره وما علم اين هو من ارض الله وقد نذر لله نذراً صادقاً وحلف ان لا يسكر بعد ذلك ابداً ، فان ذلك من حبائل الشّيطان ، فاذا انت ياابن رسول الله اتيته فلا تذكر له شيئاً ولا تعاتبه على ما كان منه .
فقال (عليه السلام) : هكذا كان عزمي ورأيي والله ، ثم دعا بثيابه ولبس ونهض وقام معه الناس اجمعون حتى دخل على المأمون فلمّا رآه قام اليه وضمّه الى صدره ورحّب به ولم يأذن لأحد في الدخول عليه ولم يزل يحدّثه ويستأمره ، فلمّا انقضى ذلك قال أبو جعفر محمّد بن علي الرّضا (عليه السلام) : "يا أمير المؤمنين" ، قال : لبيّك وسعديك . قال : "لك عندي نصيحة فاقبلها" .
قال المأمون : بالحمد والشكر فما ذاك ياابن رسول الله؟
قال(عليه السلام): احبّ لك ان لا تخرج باللّيل فإني لا آمن عليك من هذا الخلق المنكوس وعندي عقد تحصّن به نفسك وتحرّز به من الشرور والبلايا والمكاره والآفات والعاهات ، كما انقذني الله منك البارحة ولو لقيت به جيوش الرّوم والتّرك واجتمع عليك وعلى غلبتك اهل الأرض جميعاً ماتهيّأ لهم منك شيء بإذن الله الجبّار . وان احببت بعثت به اليك لتحترز به من جميع ما ذكرت لك . قال : نعم ، فاكتب ذلك بخطّك وابعثه اليّ ، قال : نعم .
قال ياسر : فلمّا اصبح أبو جعفر (عليه السلام) بعث اليّ فدعاني فلمّا صرت اليه وجلست بين يديه دعا برقّ ظبي من ارض تهامة ثم كتب بخطّه هذا العقد .
ثم قال(عليه السلام) : ياياسر احمل هذا الى امير المومنين وقل له : حتى يصاغ له قصبة من فضّة منقوش عليها ما اذكره بعده فإذا اراد شدّه على عضده فليشدّه على عضده الأيمن وليتوضّأ وضوءاً حسناً سابغاً وليصل اربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة: فاتحة الكتاب مرّة وسبع مرّات: آية الكرسي وسبع مرات: شهد الله وسبع مرّات والشمس وضحاها وسبع مرّات: واللّيل اذا يغشى وسبع مرّات: قل هو الله احد .
فاذا فرغ منها فليشدّه على عضده الايمن عند الشّدائد والنوائب يسلم بحول الله وقوته من كلّ شيء يخافه ويحذره وينبغي ان لا يكون طلوع القمر في برج العقرب ولو انه غزى اهل الرّوم وملكهم لغلبهم باذن الله وبركة هذا الحرز .
وروي انه لمّا سمع المأمون من أبي جعفر في أمر هذا الحرز هذه الصفات كلّها غزا اهل الرّوم فنصره الله تعالى عليهم ومنح منهم من المغنم ما شاء الله ولم يفارق هذا الحرز عند كلّ غزاة ومحاربة وكان ينصره الله عزوجلّ بفضله ويرزقه الفتح بمشيّته انَّه وليّ ذلك بحوله وقوته ".
ويقول المؤرخون إن اُم الفضل ارتكبت جريمتها بحقّ الإمام الجواد (عليه السلام) عندما سقته السمّ .
فقد روي : " أنّ المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر (عليه السلام) وأشار على ابنة المأمون زوجته بأن تسمّه لأنّه وقف على انحرافها عن أبي جعفر (عليه السلام) وشدّة غيرتها عليه . . . فأجابته الى ذلك وجعلت سمّاً في عنب رازقي ووضعته بين يديه ، فلمّا أكل منه ندمت وجعلت تبكي فقال : ما بكاؤك ؟ والله ليضربنّك الله بفقر لا ينجبر ، وبلاء لا ينستر ، فماتت بعلّة في اغمض المواضع من جوارحها ، صارت ناصوراً فانفقت مالها وجميع ما ملكته على تلك العلّة ، حتى احتاجت الى الاسترفاد".
وأثّر السمّ في الإمام تأثيراً شديداً حتى لفظ انفاسه الاخيرة ولسانه يلهج بذكر الله تعالى ، وقد انطفأت باستشهاده شعلة مشرقة من الامامة والقيادة المعصومة في الاسلام .
لقد استشهد الإمام الجواد (عليه السلام) على يد طاغية زمانه المعتصم العباسي وقد انطوت بموته صفحة من صفحات الرسالة الاسلامية التي اضاءت الفكر ورفعت منار العلم والفضيلة في الأرض .


تجهيزه ودفنه عليه السلام
وجُهّز بدن الإمام (عليه السلام) فغسّل واُدرج في اكفانه ، وبادر الواثق والمعتصم فصليا عليه، وحمل الجثمان العظيم الى مقابر قريش ، وقد احتفت به الجماهير الحاشدة ، فكان يوماً لم تشهد بغداد مثله فقد ازدحمت عشرات الآلاف في مواكب حزينة وهي تردد فضل الإمام وتندبه ، وتذكر الخسارة العظمى التي مني بها المسلمون في فقدهم للامام الجواد (عليه السلام) وحفر للجثمان الطاهر قبر ملاصق لقبر جده العظيم الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) فواروه فيه وقد واروا معه القيم الانسانية ، وكل ما يعتز به الانسان من المثل الكريمة.
عن أبي جعفر المشهدي باسناده عن محمد بن رضيّة عن مؤدّب لأبي الحسن]الهادي(عليه السلام)[ ، قال : "انه كان بين يدي يوماً يقرأ في اللوح اذ رمى اللوح من يده وقام فزعاً وهو يقول : انا لله وانا اليه راجعون مضى والله أبي (عليه السلام) فقلت : من اين علمت هذا ؟ فقال(عليه السلام) : من اجلال الله وعظمته شيء لا أعهده .
فقلت : وقد مضى ، قال : دع عنك هذا ائذن لي ان ادخل البيت واخرج اليك واستعرضني بآي القرآن ان شئت اقل لك بحفظ، فدخل البيت فقمت ودخلت في طلبه اشفاقاً مني عليه وسألت عنه فقيل دخل هذا البيت وردّ الباب دونه وقال لي : لا تؤذن عليّ أحداً حتى أخرج عليكم .
فخرج(عليه السلام) الي متغيّراً وهو يقول : انا لله وانا اليه راجعون مضى والله أبي، فقلت : جعلت فداك، قد مضى فقال : نعم وتولّيت غسله وتكفينه وما كان ذلك لِيلَي منه غيري ثم قال لي: دع عنك واستعرضني آي القرآن ان شئت أفسر لك تحفظه"
فقلت : الاعراف . فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ثم قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم * واذ نتقنا الجبل فوقهم كانّه ظلّة وظنوا انه واقع بهم ).


تاريخ استشهاده عليه السلام
استشهد الإمام الجواد (عليه السلام) سنة ( 220 هـ ) يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي القعدة ، وقيل: لخمس ليال بقين من ذي الحجة وقيل: لست ليال خلون من ذي الحجة، وقيل: في آخر ذي القعدة , وقيل غير ذلك:
الكافي: ... قبض سنة عشرين ومائتين في آخر ذي القعدة وهو ابن خمس وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوما... .
روضة الواعظين: ... قبض ببغداد قتيلا مسموما في آخر ذي القعدة، وقيل وفاته يوم السبت لست خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين
الإرشاد: قبض في بغداد في ذي القعدة سنة عشرين ومائتين، وله خمس وعشرون سنة ... .
بصائر الدرجات: محمد بن عيسى، عن قارن، عن رجل كان رضيع أبي جعفر قال: بينا أبو الحسن جالس مع مؤدب له يكنى أبا زكريا وأبو جعفر عندنا أنه ببغداد وأبو الحسن يقرأ من اللوح على مؤدبه، إذ بكى بكاء شديدا فسأله المؤدب: ما بكاؤك ؟ فلم يجبه، وقال: ائذن لي بالدخول، فأذن له فارتفع الصياح والبكاء من منزله, ثم خرج إلينا فسألناه عن البكاء ؟ فقال: إن أبي قد توفي الساعة، فقلنا: بما علمت ؟ قال: قد دخلني من إجلال الله ما لم أكن أعرفه قبل ذلك فعلمت أنه قد مضى، فتعرفنا ذلك الوقت من اليوم والشهر فإذا هو مضى في ذلك الوقت .
كشف الغمة: قال محمد بم طلحة: وأما عمره فإنه مات في ذي الحجة من سنة مائتين وعشرين للهجرة في خلافة المعتصم، فيكون عمره خمسا وعشرين سنة ... .
وقال الحافظ عبد العزيز: ... قبض ببغداد في آخر ذي الحجة سنة عشرين ومائتين وهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة ... .
قال محمد بن سعيد: سنة عشرين ومائتين فيها توفي محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد ببغداد وكان قدمها فتوفي بها يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي الحجة .


محل دفنه عليه السلام
دفن في العراق ببغداد في مقابر قريش عند قبر جده موسى الكاظم عليهم السلام.


عمره الشريف عليه السلام
عمر الإمام الجواد(عليه السلام) حين قضى نحبه مسموماً فكان خمساً وعشرين سنة على ما هو المعروف، وهو أصغر الائمة الطاهرين الاثني عشر(عليهم السلام) سنّاً.


مدة إمامة الجواد(عليه السلام) في عهد المأمون
استلم الإمام الجواد (عليه السلام) منصب الامامة ونهض بأعباء قيادة الاُمة سنة (203 هـ ) بعد شهادة أبيه الإمام الرضا (عليه السلام) ، وكان المأمون قد تسنّم منبر الخلافة وقتذاك . وتوفي المأمون سنة ( 218 هـ ) بالبدندون من اقصى الروم ونقل إلى طوس فدفن فيها.
وبذلك يكون الإمام الجواد (عليه السلام) قد قضى خمس عشرة سنة من إمامته التي استمرت سبع عشرة سنة في خلافة المأمون، وهذا يعني أنّ أغلب سنوات إمامته كانت في فترة حكم المأمون .


مدة امامته عليه السلام
الإرشاد:... كانت مدة خلافته لأبيه وإمامته من بعده سبعة عشر سنة... .


كلمات فيه عليه السلام
1 ـ والده الإمام الرضا (عليه السلام) : لقد وصف الإمام الرضا (عليه السلام) ابنه الجواد بما يلي :
أ ـ قال عنه قبل ولادته للحسين بن بشار : "والله لا تمضي الأيّام والليالي حتى يرزقني الله ولداً ذكراً يفرّق به بين الحقّ والباطل.
وزاد في نص آخر : "حتى يولد ذكر من صُلبي يقوم مثل مقامي يحيي الحق ويمحي الباطل".
ب ـ وقال عنه بعد ولادته : "هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه".
ج ـ وقال أيضاً : "هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته مكاني".
د ـ وقال أيضاً لصفوان بن يحيى : "كان أبو جعفر محدَّثاً".
2 ـ علي بن جعفر ( عمّ أبيه) : "قال محمد بن الحسن بن عمّار : دخل أبو جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء، فقبّل يديه وعظّمه . فقال له أبو جعفر : يا عمّ اجلس رحمك الله ، فقال : يا سيّدي كيف أجلس وأنت قائم ؟ !
فلّما رجع علي بن جعفر الى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه ويقولون : أنت عمّ أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل ؟ !
فقال : اسكتوا إذا كان الله عزّوجلّ ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهّل هذه الشيبة وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه ، اُنكِرُ فضله؟! نعوذ بالله ممّا تقولون ! بل أنا له عبد".
3 - قال الشيخ محمود الشيخاني: (وكان محمد الجواد (رضي الله عنه) جليل القدر، عظيم المنزلة... قالوا: إنّ كراماته ومكاشفاته كثيرة لا يحمله الدفاتر ومن كمال علمه أنه غلب في طفوليّته قاضي المأمون وهو يحيى بن أكثم).
4 ـ قال الشيخ المفيد : وكان المأمون قد شغف بأبي جعفر (عليه السلام) لِما رأى من فضله مع صغر سنّه وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان ، فزوّجه ابنته أمّ الفضل وحملها معه الى المدينة ، وكان متوفّراً على إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره .
وقال في وصف الإمام أبي جعفر (عليه السلام) حينما أراد تزويجه واعترض عليه العباسيون : "وأما أبو جعفر محمد بن علي قد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنّه والاُعجوبة فيه بذلك . . ثم قال لهم : وَيْحَكم إني أعرف بهذا الفتى منكم ، وإنّ هذا من أهل بيت علمهم من الله ، ومواده وإلهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال .
وقال له المأمون أيضاً بعد أوّل لقاء معه بعد وفاة أبيه الرضا(عليه السلام) وبعد أن اختبره ـ والإمام لم يتجاوز العقد الأول من عمره ـ : "أنت ابن الرضا حقاً ومن بيت المصطفى صدقاً وأخذه معه وأحسن اليه وقرّبه وبالغ في إكرامه وإجلاله وإعظامه".
5 - قال ابن حجر الهيتمي: (أجلّهم ـ يعني أولاد الرضا ـ محمد الجواد لكنّه لم تطل حياته).
4 ـ وعزّى أبو العيناء ابن الرضا (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) فقال له : "أنت تجلّ عن وصفنا ونحن نقلّ عن عظتك، وفي علم الله ما كفاك، وفي ثواب الله ما عزّاك".
6 ـ وقال عنه العلاّمة سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفّى سنة ( 654 هـ ): "ومحمد، الإمام أبو جعفر الثاني كان على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد والجود.. وكان يلقّب بالمرتضى والقانع..."
7 ـ وقال عنه الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي المتوفّى سنة (652 هـ ) : "وان كان صغير السن فهو كبير القدر رفيع الذكر ..
وقال أيضاً : مناقب أبي جعفر محمدالجواد ما اتسعت حلبات مجالها ولا امتدّت أوقاف آجالها بل قضت عليه الأقدار الإلهية بقلّة بقائه في الدنيا بحكمها وسجالها فقلّ في الدنيا مقامه وعجّل عليه فيها حمامه فلم تطل لياليه ولا امتدّت أيّامه غير أن الله خصّه بمنقبة أنوارها متألّقة في مطالع التعظيم وأخبارها مرتفعة في معارج التفضيل والتكريم ... ثم ذكر تلك المنقبة التي اعترف بعدها المأمون له بالفضل والسموّ".
8 - قال ابن خلكان: أبو جعفر محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر... المعروف بالجواد أحد الأئمّة الاثني عشر).
9 ـ وأدلى علي بن عيسى الأربلي المتوفّى سنة ( 693 هـ ) في حقّه وشأنه(عليه السلام) بكلمات أعرب فيها عن عمق ايمانه به وولائه له صلوات الله عليه، فقال : "الجواد (عليه السلام) في كل أحواله جواد ، وفيه يصدق قول اللُغوي : جواد من الجودة من أجواد ، فاق الناس بطهارة العُنصر ، وزكاء الميلاد ، وافترع قُلَّة العلاء فما فاز به أحد ولا كاد . مجده عالي المراتب ، ومكانته الرفيعة تسمو على الكواكب ، ومنصبه يشرف على المناصب ، إذا آنس الوفد ناراً قالوا : ليتها نارُه، لا نار غالب . له إلى المعالي سُموّ ، والى الشّرف رواح وغُدُوّ ، وفي السيادة إغراق وغُلُوّ ، وعلى هام السماك ارتفاع وعُلوّ ، ومن كل رذيلة بُعْدٌ ، وإلى كل فضيلة دُنُوّ . تتأرّج المكارم من أعطافه ، ويقطر المجد من أطرافه ، وتُروى اخبار السماح عنه وعن أبنائه وأسلافه ، فطوبى لمن سعى في ولائه ، والويل لمن رغب في خلافه . إذا اقتُسمتْ غنائم المجد والمعالي والمفاخر كان له صفاياها ، وإذا امتُطيت غوارب السؤدد كان له أعلاها وأسماها . يباري الغيث جوداً وعطيةً ، ويجاري الليث نجدةً وحميّة ، ويبذّ السير سيرةً رضية ، مرضية سريّة . إذا عُدِّدَ آباؤه الكرام ، وأبناؤه (عليهم السلام) نظَم اللئالي الأفراد في عدِّه ، وجاء بجماع المكارم في رسمه وحدِّه ، وجَمَع أشتات المعالي فيه ، وفي آبائه من قبله ، وفي أبنائه من بعده ، فمن له أبٌ كأبيه أو جد كجدّه ؟ ! . فهو شريكهم في مجدهم ، وهم شركاؤه في مجده ، وكما ملأوا أيدي العفاة بِرِفْدِهم ، ملأ أيديهم بِرِفده . . . بهم اتَّضحت سُبُل الهُدى ، وبهم سُلِمَ من الردى ، وبِحُبِّهم تُرجى النجاة والفوز غداً، وهم أهل المعروف ، وأولوا النَّدى . كُلُّ المدائح دون استحقاقهم ، وكُلُّ مكارم الأخلاق مأخوذة من كريم أخلاقهم وكُلّ صفات الخير مخلوقة في عنصرهم الشريف وأعراقهم ، فالجنة في وصالهم ، والنار في فراقهم . وهذه الصفات تصدق على الجمع والواحد ، وتثبت للغائب منهم والشاهد، وتتنزَّل على الولد منهم والوالد . حُبُّهم فريضة لازمة ، ودولتهم باقية دائمة ، وأسواق سُؤدَدِهم قائمة ، وثغور محبيهم باسمة ، وكفاهم شَرَفاً أن جدّهم محمد ، وأبوهم علي ، وأُمُّهم فاطمة (عليهم السلام) ".
10 ـ وقال الذهبي : " كان محمّد يلقّب بالجواد وبالقانع والمرتضى ، وكان من سروات آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) . . وكان أحد الموصوفين بالسخاء فلذلك لقّب بالجواد ...".
11 ـ وقال عنه ابن الصبّاغ المالكي المتوفّى سنة ( 855 هـ ) : "وهو الإمام التاسع . . عرف بأبي جعفر الثاني ، وإن كان صغير السن فهو كبير القدر رفيع الذكر القائم بالإمامة بعد علي بن موسى الرضا . . للنص عليه والإشارة له بها من أبيه كما أخبر بذلك جماعة من الثقات العدول".
12 ـ وقال الشيخ عبدالله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي المتوفّى سنة (1154 هـ ) : التاسع من الأئمة محمد الجواد . . . ثم ذكر نسب الإمام وولادته سنة ( 195 هـ ) ثم قال : وكراماته رضي الله عنه كثيرة ومناقبه شهيرة ، ثم ذكر بعض مناقبه وختم حديثه بقوله : وهذا من بعض كراماته الجليلة ومناقبه الجميلة.
13 ـ وقال عنه يوسف اسماعيل النبهاني : "محمد الجواد بن علي الرضا أحد أكابر الأئمة ومصابيح الاُمة من ساداتنا أهل البيت . ..".
14 ـ ووصفه محمود بن وهيب البغدادي بقوله : "هو الوارث لأبيه علماً وفضلاً وأجلّ إخوته قدراً وكمالاً..".
15 ـ وذكره الفضل بن روزبهان المتوفّى سنة ( 927 هـ ) في شرحه للصلوات التي أنشأها لبيان فضل النبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين فقال ما نصّه : "اللهم وصلّ وسلّم على الإمام التاسع الأوّاب السجّاد، الفائق في الجود على الأجواد ، مانح العطايا والأوفاد لعامّة العباد ، ماحي الغواية والعناد ، قامع أرباب البغي والفساد ، صاحب معالم الهداية والإرشاد إلى سبل الرشاد ، المقتبس من نور علومه الأفراد من الأبدال والأوتاد أبي جعفر محمّد التقيّ الجواد بن علي الرّضا ساكن روضة الجنة بأنعم العيش ، المقبور عند جدّه بمقابر قريش، اللّهم صلّ على سيّدنا محمد وآل سيّدنا سيّما الإمام السجّاد محمد التقي الجواد".
16 ـ وقال عنه خير الدين الزركلي : "كان رفيع القدر كأسلافه ذكيّاً طلق الّلسان قويّ البديهة . .


الكتب التي الفة في حقه
1 - آداب حرز الجواد (عليه السلام). لبهاء الدين محمد بن حسن علي بن عبد الله التستري الاصفهاني.
2 - أبو جعفر محمد الجواد.. تاسع ائمة أهل البيت الطاهر صلوات الله عليهم أجمعين، مولده ووفاته ومدة عمره ومدفنه. في: أعيان الشيعة 2/32-36.
3 - احتجاجات الامام ابي جعفر الجواد(عليه السلام). للشيخ احمد معرفة.
4 - كتاب أخبار أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام). لأبي أحمد عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودي الأزدي البصري.
5 - كتاب أخبار أبي جعفر الثاني (عليه السلام). لأبي عبد الله الدبيلي محمد بن وهيان بن محمد بن حماد بن بشر البصري.
6 - كتاب أخبار أبي جعفر الثاني لخير الدين الزركلي.
7 - اعلام الهداية الامام محمد بن علي الجواد عليه السلام.
8 - الامــام الجـــواد (عليه السلام) قدوة وأسوة آية الله السيد محمد تقي المدرسي
9 - الإمام محمد الجواد عليه السلام. مركز الرسالة
10 - الإمام محمد الجواد عليه‌السّلام سيرة و تاريخ. السيد عدنان الحسيني
11 - موسوعة الإِمام الجوادعليه السلام. اللجنة العلميّة في مؤسّسة وليّ العصر(عج) للدراسات الإسلاميّة
12 - حياة الإمام الجواد (ع).. دراسة وتحليل. باقر شريف القرشي
12 - الإمام محمد بن علي الجواد عليهما السلام. المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)


مكان مدفنه عليه السلام
محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله: ودفن [ أبو جعفر محمد بن علي الثاني ] ببغداد في مقابر قريش عند قبر جده موسى .
الحضيني رحمه الله : ومشهده [ أي أبي جعفر الثاني ] في مقابر قريش إلى جانب مشهد جده موسى عليه السلام في القبة .
المسعودي رحمه الله : ودفن [ أبو جعفر محمد الجواد ] ببغداد في تربة جده أبي إبراهيم موسى بن جعفر .
المسعودي رحمه الله : دفن [ أبو جعفر الثاني ] ببغداد في الجانب الغربي من مقابر قريش مع جده موسى بن جعفر .
الشيخ المفيد رحمه الله : وإنه قبض [ أي أبو جعفر الثاني ] ببغداد . . . ودفن في مقابر قريش في ظهر جده أبي الحسن موسى بن جعفر .
الشيخ الطوسي رحمه الله : محمد بن أحمد بن داود ، عن محمد بن همام ، قال : حدثنا أبو جعفر أحمد بن بندار ، عن منصور بن العباس ، عن جعفر الجوهري ، عن زكريا بن آدم القمي ، عن الرضا ، قال : إن الله نجا بغداد بمكان قبور الحسينيين فيها .
الأربلي رحمه الله : قال الشيخ محمد بن طلحة رحمه الله : وقبره [ أي أبي جعفر الثاني ] ببغداد في مقابر قريش . . . قال محمد بن سعيد : . . . قبره [ أي أبي جعفر الثاني ] عند جده موسى بن جعفر . . . وحمل ودفن في مقابر قريش ، يلقب بالجواد . . . حدثنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال : محمد بن علي بن موسى أبو جعفر بن الرضا قدم من المدينة إلى بغداد وافدا على أبي إسحاق المعتصم . . . وتوفي ببغداد ودفن في مقابر قريش عند قبر جده موسى بن جعفر . . . ودفن في مقابر قريش في ظهر جده أبي الحسن موسى بن جعفر
الموسوي المكي رحمه الله: ودفن [ أبو جعفر الجواد] عند جده موسى الكاظم.
القندوزي الحنفي : ومن أئمة أهل البيت : أبو جعفر محمد الجواد ابن علي الرضا ولقبه : التقي رضي الله عنه .


قبره مع جده الكاظم تحت قبة واحدة
ابن شهرآشوب رحمه الله : ابن الهمداني الفقيه في تتمة تاريخ أبي شجاع الوزير : . . . أنة لما حرقوا القبور بمقابر قريش، جادلوا حفر ضريح أبي جعفر محمد بن علي وإخراج رمته وتحويلها إلى مقابر أحمد، فحال تراب الهدم وزناد الحريق بينهم وبين معرفة قبره .
ابن شهرآشوب رحمه الله : ودفن [ أبو جعفر محمد الجواد] في مقابر قريش إلى جنب موسى بن جعفر .
حسين بن عبد الوهاب رحمه الله: وقبره [ أي أبي جعفر الثاني] مشهور ببغداد في مقابر قريش في تربة جده أبي إبراهيم موسى بن جعفر .
الشهيد الأول رحمه الله: ودفن [ أبو جعفر الثاني] في ظهر جده الكاظم عليه السلام بمقابر قريش .
ابن الصباغ: ودفن [ أبو جعفر الثاني] في مقابر قريش في ظهر جده أبي الحسن موسى الكاظم .
الگنجي الشافعي: ودفن [ أبو جعفر الجواد] مع جده موسى .
سبط ابن الجوزي: ودفن [ أبو جعفر الثاني] إلى جانب جده موسى بن جعفر ، بمقابر قريش ، وقبره ظاهر يزار .
ابن أبي الثلج البغدادي: محمد بن علي قبره ببغداد في مقابر قريش .
الخطيب البغدادي: فتوفي [ أبو جعفر الجواد] في بغداد، ودفن في مقابر قريش عند جده موسى بن جعفر .
العلامة المجلسي رحمه الله: وضريح الكاظميين، فهما على نصف النهار من غير انحراف بين .
ابن شهرآشوب رحمه الله: والمعتز حرق المشهد بمقابر قريش، على ساكنها السلام .


فضل زياره الامام الجواد عليه السلام
فضل زيارة الامامين الطاهرين المعصومين أبي الحسن موسى بن جعفر و أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليهم ببغداد وفضل مشهدهما
عن علي بن الخلال قال: ( ما همني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر (عليه السلام) ، و توسلت به إلا سهل الله لي ما أحب ).
ورأى في بغداد امرأة تهرول ، فقيل إلى أين ؟ ، قالت: إلى موسى بن جعفر، فإنه حبس ابني ، فقال لها حنبلي : إنه قد مات في الحبس ، فقالت: بحق المقتول في الحبس أن تريني القدرة ، فإذا بابنها في أطلق وأ خذ ابن المستهزي بجنايته) .
ابن سنان ، قلت للرضا ( عليه السلام ): ما لمن زار أباك ؟ ، قال : ( له الجنة فزره ) .
عن الرضا (عليه السلام) : إن الله نجى بغداد بمكان قبر أبي الحسن (عليه السلام) ، و قال (عليه السلام) :
وقبر ببغداد لنفس زكية
تضمنها الرحمن في الغرفات
وقبر بطوس يا لها من مصيبة
ألحت على الأحشاء بالزفرات
عن ابن سنان ، قال: قلت للرضا (عليه السلام) : ( ما لمن زار أباك؟ ، قال: الجنة فزره ).
عن الرضا (عليه السلام) ، قال: ( إن الله نجا بغداد لمكان قبور الحسينيين فيها ).
عن ابراهيم بن عقبة ، قال : ( كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن زيارة أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) ، و عن زيارة أبي الحسن و أبي جعفر (عليهما السلام) ، فكت إليّ :أبو عبد الله المقدم ، و هذا أجمع و أعظم أجراً ).
عن الوشّا ، قال : ( قلت للرضا (عليه السلام): ما لمن زار قبر أبي الحسن (عليه السلام) ؟، قال: له مثل ما لمن زار قبر أبي عبد الله (عليه السلام).


زيارة الامام محمّد الجواد عليه السلام
قال السّيد ابن طاوُس في المزار: اذا زُرت الامام موسى الكاظم (عليه السلام) فقِف على قبر الجواد (عليه السلام) وقبّله وقُل :
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا جَعْفَر مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَرَّ التَّقِيَّ الاِْمامَ الْوَفِيَّ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نَجِيَّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا سَفيرَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا سِرَّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا ضِياءَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا سَناءَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا كَلِمَةَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا رَحْمَةَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا النُّوُرُ السّاطِعُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْبَدْرُ الطّالِعُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الطَّيِّبُ مِنَ الطَّيِّبينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الطّاهِرُ مِنَ الْمُطَهَّرينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الاْيَةُ الْعُظْمى، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْحُجَّةُ الْكُبْرى، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْمُطَهَّرُ مِنَ الزَّلاَّتِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْمُنَزَّهُ عَنِ الْمُعْضِلاتِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْعَلِىُّ عَنْ نَقْصِ الاَْوْصافِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الرَّضِيُّ عِنْدَ الاَْشْرافِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عَمُودَ الدّينَ، اَشْهَدُ اَنَّكَ وَلِيَّ اللهِ وَحُجَّتُهُ في اَرْضِهِ وَأنَّكَ جَنْبُ اللهِ وَخيَرَةُ اللهِ وَمُسْتَوْدَعُ عِلْمِ اللهِ وَعِلْمِ الاَْنْبِياءِ، وَرُكْنُ الاْيمانِ وَتَرْجُمانُ الْقُرْآنِ، وَاَشْهَدُ اَنَّ مَنِ اتَّبَعَكَ عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدى، وَاَنَّ مَنْ اَنْكَرَكَ وَنَصَبَ لَكَ الْعَداوَةَ عَلَى الضَّلالَةِ وَالرَّدى اَبْرَءُ اِلَى اللهِ وَاِلَيْكَ مِنْهُمْ في الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ، وَاَلسَّلامُ عَلَيْكَ ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ.

وقل في الصّلاة عليه:
اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَاَهْلِ بَيْتِهِ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّد بْنِ عَلِيِّ الزَّكِيِّ التَّقِيِّ وَالْبَرِّ الْوَفِيِّ وَالْمُهَذَّبِ التَّقِيِّ هادِى الاُْمَّةِ، وَوارِثِ الاَْئِمَّةِ، وَخازِنِ الرَّحْمَةِ، وَيَنْبُوعِ الْحِكْمَةِ، وَقائِدِ الْبَرَكَةِ، وَعَديلِ الْقُرْآنِ في الطّاعَةِ، وَواحِدِ الاَْوْصِياءِ في الاِْخْلاصِ وَالْعِبادَةِ، وَحُجَّتِكَ الْعُلْيا وَمَثَلِكَ الاَْعْلى، وَكَلِمَتِكَ الْحُسْنى الدّاعي اِلَيْكَ، وَالدّالِّ عَلَيْكَ، الَّذي نَصَبْتَهُ عَلَماً لِعِبادِكَ، وَمُتَرْجِماً لِكِتابِكَ، وَصادِعاً بِاَمْرِكَ، وَناصِراً لِدينِكَ، وَحُجَّةً عَلى خَلْقِكَ، وَنُوراً تَخْرُقُ بِهِ الظُّلَمَ، وَقُدْوَةً تُدْرَكُ بِهَا الْهِدايَةُ، وَشَفيعاً تُنالُ بِهِ الْجَنَّةُ، اَللّـهُمَّ وَكَما اَخَذَ في خُشُوعِهِ لَكَ حَظَّهُ، وَاسْتَوْفى مِنْ خَشْيَتِكَ نَصيبَهُ، فَصَلِّ عَلَيْهِ اَضْعافَ ما صَلَّيْتَ عَلى وَلِيٍّ ارْتَضَيْتَ طاعَتَهُ، وَقَبِلْتَ خِدْمَتَهُ، وَبَلِّغْهُ مِنّا تَحِيَّةً وَسَلاماً، وَآتِنا في مُوالاتِهِ مِنْ لَدُنْكَ فَضْلاً وَاِحْساناً وَمَغْفِرَةً وَرِضْواناً، اِنَّكَ ذُو الْمَنِّ الْقَديمِ وَالصَّفْحِ الْجَميلِ.
ثمّ صلّ صلاة الزّيارة وقُل بعد السّلام : اَللّـهُمَّ اَنْتَ الرَّبُّ وَاَنَا الْمَرْبُوبُ .. الدعاء .


فضل زيارة الكاظمين (عليهما السلام) وكيفيّتها
اعلم انّه قد ورد لزيارة هـذين الامامين المعصومين فضل كثير وفي اخبار كثيرة انّ زيارة الامام مُوسى بن جعفر (عليهما السلام) هي كزيارة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وفي رواية : من زاره كان كما لو زار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وامير المؤمنين .
وفي حديث آخر : انّ زيارته مثل زيارة الحسين (عليه السلام) .
وفي حديث آخر : من زاره كان له الجنّة .
وروى الصّدوق عن ابراهيم بن عقبة قال : كتبت الى الامام عليّ النّقي (عليه السلام)عن زيارة الحسين (عليه السلام)وزيارة الامام مُوسى بن جعفر والامام محمّد التّقي (عليهما السلام) أي اسأله عن أيّهما أفضل . فكتب اليّ: أبو عبد الله (عليه السلام) المقدّم وزيارتهما اجمع واعظم أجراً .
وامّا في كيفيّة زيارتهما (عليهما السلام) فاعلم انّ الزّيارات الواردة في ذلك الحرم الشّريف بعضها مشترك بين هذين الامامين (عليهما السلام) وبعضها يخصّ احدهما ، امّا ما يخصّ الامام مُوسى (عليه السلام) فهي على ما رواه السّيد ابن طاوُس في المزار كما يلي : اذا أردت زيارته (عليه السلام) فينبغي أن تغتسل ثمّ تأتي المشهد المقدّس وعليك السّكينة والوقار ، فاذا أتيته فقِف على بابه وقُل :
اَللهُ اَكْبَرُ اَللهُ اَكْبَرُ لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَاللهُ اَكْبَرُ اَلْحَمْدُ للهِ عَلى هِدايَتِهِ لِدِينِهِ وَالتَّوْفيقِ لِما دَعا اِلَيْهِ مِنْ سَبيلِهِ، اَللّـهُمَّ اِنَّكَ اَكْرَمُ مَقْصُود، وَاَكْرَمُ مَأتِيٍّ وَقَدْ اَتَيْتُكَ مُتَقَرِّباً اِلَيْكَ بِابْنِ بِنْتِ نَبِيِّكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلى آبائِهِ الطّاهِرينَ وَاَبْنائِهِ الطَّيِّبينَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَلا تُخَيِّبْ سَعْيي وَلا تَقْطَعْ رَجائي وَاجْعَلْني عِنْدَكَ وَجيهاً في الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبينَ .
ثمّ ادخل وقدّم رجلك اليُمنى وقُل :
بِسْمِ اللهِ وَبِاللهِ وَفي سَبيلِ اللهِ وَعَلى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لي وَلِوالِدَيَّ وَلِجَميعِ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ .
فاذا وصلت باب القُبّة فقِف عليه واستأذن ، تقول :
أاَدْخُلُ يا رَسُولَ اللهِ، أَاَدْخُلُ يا نَبِيَّ اللهِ، أَاَدْخُلُ يا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِاللهِ، أَاَدْخُلُ يا اَميرَ الْمُؤْمِنينَ، أَاَدْخُلُ يا اَبا مُحَمَّد الْحَسَنَ، أَاَدْخُلُ يا اَبا عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنَ، أَاَدْخُلُ يا اَبا مُحَمَّد عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، أَاَدْخُلُ يا اَبا جَعْفَر مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، أَاَدْخُلُ يا اَبا عَبْدِ اللهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّد، أَاَدْخُلُ يا مَوْلايَ يا اَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَر، أَاَدْخُلُ يا مَوْلايَ يا اَبا جَعْفَر أَاَدْخُلُ يا مَوْلايَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ .
وادخل وقُل أربعاً : اَللهُ اَكْبَرُ، ثمّ قِف مستقبل القبر واجعل القِبلة بين كتفيك وقُل :
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا ولِيَّ اللهِ وَابْنَ وَلِيِّهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ وَابْنَ حُجَّتِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا صَفِيَّ اللهِ وَابْنَ صَفِيِّهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَمينَ اللهِ وَابْنَ اَمينِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ اللهِ في ظُلُماتِ الاَْرْضِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اِمامَ الْهُدى، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عَلَمَ الدّينِ وَالتُّقى، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خازِنَ عِلْمِ النَّبِيّينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خازِنَ عِلْمِ الْمُرْسَلينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نائِبَ الاَْوْصِياءِ السّابِقينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مَعْدِنَ الْوَحْيِ الْمُبينِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا صاحِبَ الْعِلْمِ الْيَقينِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عَيْبَةَ عِلْمِ الْمُرْسَلينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الاِْمامُ الصّالِحُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الاِْمامُ الزّاهِدُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الاِْمامُ الْعابِدُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الاِْمامُ السَّيِّدُ الرَّشيدُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْمَقْتُولُ الشَّهيدُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ وَابْنَ وَصِيِّهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ مُوسَى بْنَ جَعْفَر وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ عَنِ اللهِ ما حَمَّلَكَ وَحَفِظْتَ مَا اسْتَوْدَعَكَ، وَحَلَّلْتَ حَلالَ اللهِ وَحَرَّمْتَ حَرامَ اللهِ، وَاَقَمْتَ اَحْكامَ اللهِ، وَتَلَوْتَ كِتابَ اللهِ وَصَبَرْتَ عَلَى الاَْذى في جَنْبِ اللهِ، وَجاهَدْتَ في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ حَتّى أتاكَ الْيَقينُ، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ مَضَيْتَ عَلى ما مَضى عَلَيْهِ آباؤُكَ الطّاهِرُونَ وَاَجْدادُكَ الطَّيِّبُونَ الاَْوْصِياءُ الْهادُونَ الاَْئِمَّةُ الْمَهْدِيُّونَ، لَمْ تُؤْثِرْ عَمىً عَلى هُدىً، وَلَمْ تَمِلْ مِنْ حَقٍّ اِلى باطِل، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ نَصَحْتَ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلاَِميرِ الْمُؤمِنينَ، وَاَنَّكَ اَدَّيْتَ الاَْمانَةَ، وَاجْتَنَبْتَ الْخِيانَةَ، وَاَقَمْتَ الصَّلاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكاةَ، وَاَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَبَدْتَ اللهَ مُخْلِصاً مُجْتَهِداً مُحْتَسِباً حَتّى أتاكَ الْيَقينُ فَجَزاكَ اللهُ عَنِ الاِْسْلامِ وَاَهْلِهِ اَفْضَلَ الْجَزاءِ وَاَشْرَفَ الْجَزاءِ، اَتَيْتُكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ زائِراً، عارِفاً بِحَقِّكَ، مُقِرّاً بِفَضْلِكَ، مُحْتَمِلاً لِعِلْمِكَ، مُحْتَجِباً بِذِمَّتِكَ، عائِذاً بِقَبْرِكَ، لائِذاً بِضَريحِكَ، مُسْتَشْفِعاً بِكَ اِلَى اللهِ، مُوالِياً لاَِوْلِيائِكَ، مُعادِياً لاَِعْدائِكَ، مُسْتَبْصِراً بِشَأْنِكَ وَبِالْهُدَى الَّذي اَنْتَ عَلَيْهِ، عالِماً بِضَلالَةِ مَنْ خالَفَكَ وَبِالْعَمَى الَّذي هُمْ عَلَيْهِ، بِاَبي اَنْتَ وَاُمّي وَنَفْسي وَاَهْلي وَمالي وَوَلَدي يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، اَتَيْتُكَ مُتَقَرِّباً بِزِيارَتِكَ اِلَى اللهِ تَعالى، وَمُسْتَشْفِعاً بِكَ اِلَيْهِ فَاشْفَعْ لي عِنْدَ رِبِّكَ لِيَغْفِرَ لي ذُنُوبي، وَيَعْفُوَ عَنْ جُرْمي، وَيَتَجاوَزَ عَنْ سَيِّئاتي، وَيَمْحُوَ عَنّي خَطيئاتي وَيُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، وَيَتَفَضَّلَ عَلَيَّ بِما هُوَ اَهْلُهُ، وَيَغْفِرَ لي وَلاِبائي وَلاِِخْواني وَاَخَواتي وَلِجَميعِ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ في مَشارِقِ الاَْرْضِ وَمَغارِبِها بِفَضْلِهِ وَجُودِهِ وَمَنِّهِ.
ثمّ تنكب على القبر وتقبّله وتعفّر خدّيك عليه وتدعو بما تريد ثمّ تتحوّل الى الرّأس وتقُول :
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا مُوسَى بْنَ جَعْفَر وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَشْهَدُ اَنَّكَ الاِْمامُ الْهادِي وَالْوَلِيُّ الْمُرْشِدُ وَاَنَّكَ مَعْدِنُ التَّنْزيلِ وَصاحِبُ التَّأويلِ وَحامِلُ التَّوْراةِ وَالاِْنْجيلِ، وَالْعالِمُ الْعادِلُ وَالصّادِقُ الْعامِلُ، يا مَوْلايَ اَنَا اَبْرَأُ اِلَى اللهِ مِنْ اَعْدائِكَ وَاَتَقَرَّبُ اِلَى اللهِ بِمُوالاتِكَ، فَصَلَّى اللهُ عَلَيْكَ وَعَلى آبائِكَ وَاَجْدادِكَ وَاَبْنائِكَ وَشيعَتِكَ وَمُحِبّيكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ .
ثمّ تصلّي ركعتين للزّيارة تقرأ فيهما سورة يس والرّحمن أو ما تيسّر من القرآن ثمّ ادعُ بما تريد .


زيارة الإمام الكاظم و الرضا و الجواد و الهادي عليهم السلام
السلام عليكم يا أولياء الله السلام عليكم يا حجج الله السلام عليكم يا نور الله في ظلمات الأرض السلام عليكم صلوات الله عليكم وعلى آل بيتكم الطيبين الطاهرين بأبي انتم وأمي لقد عبدتم الله مخلصين وجاهدتم في الله حق جهاد حتى أتاكم اليقين فلعن الله أعدائكم من الجن والإنس أجمعين وأنا أبرء إلى الله واليكم منهم يا مولاي يا أبا إبراهيم موسى ابن جعفر يا مولاي يا أبا الحسن علي ابن موسى يا مولاي يا أبا جعفر محمد ابن أمين يا مولاي يا أبا الحسن علي ابن محمد أنا مولى لكم مؤمن بسركم وجهركم متضيف بكم في يومكم هذا وهو يوم الأربعاء ومستجير بكم فأغيثوني وأجيروني بال بيتكم الطيبين الطاهرين .

   

 

نسبه الشّريف عليه السّلام
هو الإمام عليّ الهادي بن مُحمّد الجواد بن عليّ الرّضا بن موسى الكاظم بن جعفرالصّادق بن مُحمّد الباقر بن عليّ السّجاد بن الحُسين سيّد الشّهداء بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام.


أُمّه عليه السّلام
أُمّه أُم ولد يُقال لها: سمانة.
ويُقال لها أيضاً: سمانة المغربية.
وعن ابن الخشّاب: يُقال أنّ اسمها متفرّشة المغربية.
وعن الطّبري, يُقال لها: السّيّدة.


تأريخ ولادته عليه السّلام
ولد في صرّيا بإحدى نواحي المدينة المنوّرة للنصف من ذي الحجّة سنة 212 هـ.

وقيل: سنة 214 ه‍ في مُلك المأمون.

وقيل: في الثّاني من رجب.

وقيل: في الثّالثّ منه.

وقيل: في الخامس منه.

وقيل: في يوم 27 من ذي الحجّة.


ألقابه وكُناه عليه السّلام
كنيته "عليه السّلام": أبو الحسن، ويُقال له: أبو الحسن الثّالث.
ألقابه "عليه السّلام" كثيرة، منها: الهادي، والمُرتضى، والعسكري، والخالص، والنّاصح، والفتّاح، والنّقي، والعالم، والدّليل، والموضّح، والرّشيد، والشّهيد، والوفي، والنّجيب، والمُتّقي، والمُتوكّل، والطّيب, والفقيه، والأمين، والمؤتمن.
وأشهرألقابه: الهادي، والنّقي.


عِلم الإمام الهادي عليه السّلام
إنّ علم الأئمّة "عليهم السّلام" بالغيب ليس علماً ذاتيّاً بل بما أعطاهم اللـه سبحانه وتعالى وبالقدر الذي شاءت حكمته، وبطرق شتّى, أبرزها توارث العلم عن النّبيّ "صلّى الله عليه وآله" وعبر آباءهم الطّاهرين.
روى الشّيخ الكُليني "رحمه الله" بإسناده عن عليّ بن مُحمّد النّوفلي، عن أبي الحسن صاحب العسكر "عليه السّلام"، قال: سمعته يقول: اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً، كان عند آصف حرف فتكلّم به، فانخرقت له الأرض في ما بينه وبين سبأ، فتناول عرش بلقيس حتى صيّره إلى سُليمان، ثمّ انبسطت الأرض في أقلّ من طرفة عين، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً، وحرف عند الله مستأثر به في علم الغيب.
وروي عن الإمام الهادي "عليه السّلام" قوله: إنّ الله لم يُظهر على غيبه أحداً إلاّ مَن ارتضى من رسول، فكلّ ما كان عند الرّسول كان عند العالم، وكلّ ما اطلع عليه الرّسول فقد اطلع أوصياؤه عليه، كيلا تخلو أرضه من حجّة يكون معه علم يدلّ على صدق مقالته، وجواز عدالته.
وأليك كنماذك ممّا وصل إلينا من علوم الإمام الهادي "عليه السّلام" ليس إلاّ, وإلاّ لا يسع المقام لدرج كُلّما ورد عن علومه "عليه السّلام"
1 - عن الحُسين بن يحيى، قال: اعتلّ المُتوكّل في أوّل خلافته، فقال: لئن برئت لأتصدقنّ بدنانير كثيرة. فلمّا برئ جمع الفُقهاء، فسألهم عن ذلك فاختلفوا، فبعث إلى عليّ بن مُحمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر "عليهم السّلام" فسأله، فقال: يتصدّق بثلاث وثمانين ديناراً، فعجب قوم من ذلك، وتعصّب قوم عليه, قالوا: تسأله يا أمير المؤمنين من أين له هذا ؟ فرّد الرّسول إليه، فقال له: قُل لأمير المؤمنين في هذا الوفاء بالنّذر؛ لأنّ الله تعالى قال: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ. فروى أهلنا جميعاً أنّ المواطن في الوقائع والسّرايا والغزوات كانت ثلاثة وثمانين موطناً، وأنّ يوم حنين كان الرّابع والثّمانين، وكُلّما زاد أمير المؤمنين في فعل الخير كان أنفع له، وأجر عليه في الدّنيا والآخرة.
2 - روى الطّبرسي عن الإمام الحسن العسكري "عليه السّلام" أنّه قال: اتصل بأبي الحسن عليّ بن مُحمّد العسكري "عليه السّلام" أنّ رجلاً من فُقهاء شيعته كلّم بعض النّصّاب، فأفهمه بحجّته حتى أبان عن فضيحته، فدخل إلى عليّ بن مُحمّد "عليه السّلام" وفي صدر مجلسه دست عظيم منصوب، وهو قاعد خارج الدّست، وبحضرته خلق من العلويين وبني هاشم، فما زال يرفعه حتى أجلسه في ذلك الدّست، وأقبل عليه، فاشتدّ ذلك على أولئك الأشراف، فأمّا العلويون فأجلوه عن العتاب، وأمّا الهاشميون فقال له شيخهم: يا بن رسول الله، هكذا تؤثر عامّياً على سادات بني هاشم من الطّالبيين والعبّاسيين ؟! فقال "عليه السّلام": إيّاكُم أن تكونوا من الذين قال الله تعالى فيهم: أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ. أترضون بكتاب الله حكماً ؟ قالوا: بلى. قال: أليس الله يقول: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ... إلى قوله: يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ. فلم يرض للعالم المؤمن إلاّ أن يرفع على المؤمن غير العالم، كما لم يرض للمؤمن إلاّ أن يرفع على من ليس بمؤمن. أخبروني عنه قال: يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ. أو قال: يرفع الذين أوتوا شرف النّسب درجات ؟ أو ليس قال الله: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ. فكيف تنكرون رفعي لهذا لمّا رفعه الله ؟! إنّ كسر هذا لفلان النّاصب بحجج الله التي علّمه إيّاها، لأفضل له من كلّ شرف في النّسب. فقال العبّاسي: يا بن رسول الله، قد أشرفت علينا، هو ذا تقصير بنا عمّن ليس له نسب كنسبنا، وما زال منذ أوّل الإسلام يقدّم الأفضل في الشّرف على من دونه فيه. فقال "عليه السّلام": سُبحان الله ! أليس العبّاس بايع أبا بكر وهو تيمي، والعبّاس هاشمي ؟ أو ليس عبد الله بن عبّاس كان يخدم عمر بن الخطاب، وهو هاشمي أبو الخُلفاء وعمر عدوي ؟! وما بال عُمر أدخل البُعداء من قُريش في الشّورى ولم يدخل العبّاس ؟ فإن كان رفعنا لِمن ليس بهاشمي على هاشمي مُنكراً فأنكروا على العبّاس بيعته لأبي بكر، وعلى عبد الله بن عبّاس خدمته لعمر بعد بيعته، فإن كان ذلك جائزاً فهذا جائز، فكأنّما القُم الهاشمي حجراً.
3 - وعن جعفر بن رزق الله، قال: قدم إلى المُتوكّل رجل نصراني فجر بامرأة مُسلمة، فأراد أن يُقيم عليه الحد فأسلم، فقال يحيى بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه وفعله. وقال بعضهم: يُضرب ثلاثة حدود. وقال بعضهم: يُفعل به كذا وكذا، فأمر المُتوكّل بالكتاب إلى أبي الحسن العسكري "عليه السّلام" وسؤاله عن ذلك, فلمّا قرأ الكتاب كتب "عليه السّلام": يُضرب حتى يموت. فأنكر يحيى وأنكر فُقهاء العسكر ذلك، فقالوا: يا أمير المؤمنين، سله عن ذلك، فإنّه شيء لم ينطق به كتاب، ولم تجئ به سنّة. فكتب إليه: إنّ الفُقهاء قد أنكروا هذا، وقالوا: لم تجئ به سنّة، ولم ينطق به كتاب، فبيّن لنا لِم أوجبت عليه الضّرب حتى يموت ؟ فكتب: بسم الله الرّحمن الرّحيم: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ... الآية، فأمر به المُتوكّل فضُرب حتى مات.
4 - وفي البحار عن كتاب الاستدراك بإسناده: أنّ المُتوكّل قيل له: إنّ أبا الحسن - يعني عليّ بن مُحمّد بن عليّ الرّضا "عليه السّلام" - يفسّر قول الله عزّ وجلّ: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ... الآيتين، في الأوّل والثّاني. قال: فكيف الوجه في أمره ؟ قالوا: تجمع له النّاس وتسأله بحضرتهم، فإن فسّرها بهذا، كفاك الحاضرون أمره، وإن فسّرها بخلاف ذلك افتضح عند أصحابه. قال: فوجّه إلى القُضاة وبني هاشم والأولياء وسُئل "عليه السّلام" فقال: هذا رجُلان كنى عنهما، ومُنّ بالستر عليهُما، أفيحبّ أمير المؤمنين أن يكشف ما ستره الله ؟ فقال: لا أحبّ.
5 - وعن كتاب الاستدراك أيضاً، قال: نادى المُتوكّل يوماً كاتباً نصرانياً: أبا نوح، فأنكروا كُنى الكتابين، فاستفتى فاختلف عليه، فبعث إلى أبي الحسن "عليه السّلام"، فوقّع "عليه السّلام": بسم الله الرّحمن الرّحيم: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ. فعلم المُتوكّل أنّه يحلّ ذلك؛ لأنّ الله قد كنّى الكافر.
6 - عن مُحمّد بن يحيى المعاذي، قال: قال يحيى بن أكثم في مجلس الواثق والفُقهاء بحضرته: مَن حَلَق رأس آدم حين حجّ ؟ فتعايى القوم عن الجواب، فقال الواثق: أنا أحضركم من ينبئكم بالخبر. فبعث إلى عليّ بن مُحمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن مُحمّد بن عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب "عليهم السّلام" فأُحضر، فقال: يا أبا الحسن، مَن حَلَق رأس آدم ؟ فقال "عليه السّلام": سألتك بالله يا أمير المؤمنين إلاّ أعفيتني. قال: أقسمت عليك لتقولنّ. قال "عليه السّلام": أما إذا أبيت، فإنّ أبي حدّثني عن جدّي، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": أمر جبرئيل أن ينزل بياقوتة من الجنّة، فهبط بها، فمسح بها رأس آدم فتناثر الشّعر منه، فحيث بلغ نورها صار حرماً.
7 - عن أبي مُحمّد الفحّام، قال: سأل المُتوكّل ابن الجهم: من أشعر النّاس ؟ فذكر شُعراء الجاهلية والإسلام، ثمّ إنّه سأل أبا الحسن "عليه السّلام"، فقال "عليه السّلام": الحماني حيث يقول:
لقد فاخرتنا من قُريش عصابة * بمدّ خدود وامتداد أصابع
فلمّا تنازعنا المقال قضى لنا * عليهم بما نهوى نداء الصّوامع
ترانا سكوتاً والشّهيد بفضلنا * عليهم جهير الصّوت في كلّ جامع
فـإنّ رسـول الله أحمـد جدّنا * ونحن بنـوه كالنّـجوم الطّوالع
قال: وما نداء الصّوامع يا أبا الحسن ؟ قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ مُحمّداً رسول الله، جدّي أم جدّك ؟ فضحك المُتوكّل، ثمّ قال: هو جدّك لا ندفعك عنه.


كرامات الإمام الهادي عليه السّلام
1 - روى أنّه كان بأصبهان رجل يُدعى عبد الرّحمن، وكان له لسان وجرأة، وكان شيعيّاً، فقيل له: ما سبب تشيّعك وقولك بإمامة الهادي ؟
قال: أخرجني أهل أصفهان بسنة من السّنين، وذهبوا بي إلى باب المُتوكّل شاكين متظلمين، وفي ذات يوم ونحن وقوف بباب المُتوكّل ننتظر الإذن بالدّخول، إذ خرج الأمر بإحضار عليّ الهادي ، فقُلت لبعض من حضر: مَن هذا الرّجل الذي أمر الخليفة بإحضاره ؟
قال: رجل علوي، تقول الرّافضة بإمامته، ويُريد المُتوكّل قتله.
فقُلت في نفسي: لن أبرح حتى أنظر إليه، ولم يمض أمد من الوقت، حتى أقبل راكباً على فرس، وقد قام النّاس يمنة الطّريق ويسرتها صفّين ينظرون إليه، فلمّا رأيته وقع حبّه في قلبي، ودعوت له في نفسي أن يدفع الله عنه شرّ المُتوكّل.
وأقبل الإمام الهادي يسير بين النّاس، لا ينظر يمنة ولا يسرة، وأنا أكرر في نفسي الدّعاء، فلمّا صار بإزائي، أقبل بوجهه علي، وقال لي: قد استجاب الله دعاءك، وطوّل عمرك، وكثر مالك وولدك.
قال عبد الرّحمن: فارتعدت من هيبته، ووقعت بين أصحابي، فسألوني: ما شأنك ؟ فقُلت: خيراً. ولم أخبر بذلك مخلوقاً، فانصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان، ففتح الله عليّ بدعائه، حتى أنا اليوم أغلق بابي على ألف ألف درهم، سوى أموالي التي خارج الدّار، ورُزقت عشرة من الأولاد، وقد بلغت الآن نيفاً وسبعين سنة.
2 - عن شيلمة الكاتب، وكان قد عمل أخبار سر من رأى، قال: كان المُتوكّل ركب إلى الجامع، ومعه عدد ممّن يصلح للخطابة، وكان فيهم رجل من ولد العبّاس بن مُحمّد يُلقّب بهريسة، وكان المُتوكّل يحقّره، فتقدّم إليه أن يخطب يوماً فخطب وأحسن، فتقدّم المُتوكّل يُصلّي، فسابقه من قبل أن ينزل من المنبر، فجاء فجذب منطقته من ورائه، وقال: يا أمير المؤمنين، مَن خطب يُصلّي. فقال المُتوكّل: أردنا أن نخجله فأخجلنا. وكان أحد الأشرار، فقال يوماً للمُتوكّل: ما يعمل أحد بك أكثر ممّا تعمله بنفسك في عليّ بن مُحمّد، فلا يبقى في الدّار إلاّ من يخدمه، ولا يتبعونه بشيل ستر ولا فتح باب ولا شئ، وهذا إذا علمه النّاس قالوا: لو لم يعلم استحقاقه للامر ما فعل به هذا، دعه إذا دخل يشيل السّتر لنفسه ويمشي كما يمشي غيره، فتمسّه بعض الجفوة. فتقدّم ألاّ يُخدم ولا يُشال بين يديه ستر، وكان المُتوكّل ما رئي أحد ممّن يهتمّ بالخبر مثله. قال: فكتب صاحب الخبر إليه أنّ عليّ بن مُحمّد دخل الدّار، فلم يُخدم ولم يشل أحد بين يديه ستر، فهبّ هواء رفع السّتر له فدخل، فقال: اعرفوا خبر خروجه. فذكر صاحب الخبر أنّ هواء خالف ذلك الهواء شال السّتر له حتى خرج، فقال: ليس نُريد هواء يشيل السّتر، شيلوا السّتر بين يديه.

3 - أبو مُحمّد الفحام، قال: حدّثني المنصوري، عن عم أبيه، وحدّثني عمّي، عن كافور الخادم بهذا الحديث، قال: كان في الموضع مجاور الإمام من أهل الصّنائع صنوف من النّاس، وكان الموضع كالقرية، وكان يونس النّقاش يغشى سيّدنا الإمام ويخدمه، فجاءه يوماً يرعد، فقال له: يا سيّدي، أوصيك بأهلي خيراً. قال: وما الخبر ؟ قال: عزمت على الرّحيل. قال: ولِمَ يا يونس ؟ ـ وهو يتبسّم "عليه السّلام"ـ قال: قال يونس: ابن بغا وجّه إليّ بفصّ ليس له قيمة، أقبلت أنقشه فكسرته باثنين, وموعده غداً وهو موسى بن بغا، إمّا ألف سوط أو القتل. قال: امض إلى منزلك، إلى غد فرج، فما يكون إلاّ خيراً ؟ فلمّا كان من الغد وافى بكرة يرعد، فقال: قد جاء الرّسول يلتمس الفص. قال: امض إليه فما ترى إلاّ خيراً. قال: وما أقول له، يا سيّدي ؟ قال: فتبسّم وقال: امض إليه واسمع ما يخبرك به، فلن يكون إلاّ خيراً. قال: فمضى وعاد يضحك. قال: قال لي، يا سيّدي: الجواري اختصموا، فيمكنك أن تجعله فصّين حتى نُغنيك. فقال سيّدنا الإمام: اللّهمّ لك الحمد إذ جعلتنا ممّن يحمدك حقّاً، فأيّ شيء قُلت له ؟ قال: قُلت: أمهلني حتى أتأمّل أمره كيف أعمله. فقال: أصبت.
4 - عن مُحمّد بن الحسن الأشتر العلوي الحُسيني، قال: كنت مع أبي على باب المُتوكّل، وأنا صبي في جمع من النّاس في ما بين طالبي إلى عبّاسي إلى جعفري إلى غير ذلك، إذ جاء أبو الحسن عليّ بن مُحمّد "عليه السّلام" فترجّل النّاس كلّهم حتى دخل, فقال بعضهم لبعض: لِمَ نترجل لهذا الغلام ؟ فما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا سنّاً ولا بأعلمنا !؟ فقالوا: والله لا ترجلنا له. فقال أبو هاشم الجعفري: والله لتترجلن له [ على ] صغره إذا رأيتموه. فما هو إلاّ أن طلع وبصروا به حتى ترجّل له النّاس كلّهم، فقال لهم أبو هاشم: ألستم زعمتم أنّكم لا تترجلون له ؟ فقالوا: ما ملكنا أنفسنا حتى ترجلنا.


معاجز الإمام الهادي عليه السّلام
1 - عن يحيى بن هرثمة، قال: أنا صحبت أبا الحسن "عليه السّلام" من المدينة إلى سر من رأى في خلافة المُتوكّل، فلمّا صرنا ببعض الطّريق عطشنا عطشاً " شديداً "، فتكلّمنا وتكلّم النّاس في ذلك، فقال أبو الحسن "عليه السّلام": الآن نصير إلى ماء عذب فنشربه. فما سرنا إلاّ قليلاً حتى صرنا إلى تحت شجرة ينبع منها ماء عذب بارد، فنزلنا عليه وارتوينا وحملنا معنا وارتحلنا، وكنت علقت سيفي على الشّجرة فنسيته. فلمّا صرت غير بعيد في بعض الطّريق ذكرته، فقُلت لغلامي: ارجع حتى تأتيني بالسّيف. فمرّ الغلام ركضاً، فوجد السّيف وحمله ورجع متحيّراً "، فسألته عن ذلك, فقال لي: إنّي رجعت إلى الشّجرة، فوجدت السّيف معلّقاً عليها، ولا عين ولا ماء ولا شجر، فعرفت الخبر، فصرت إلى أبي الحسن "عليه السّلام" فأخبرته بذلك، فقال: احلف أن لا تذكر ذلك لاحد. فقُلت: نعم.
2 - عن أبي هاشم الجعفري، قال: خرجت مع أبي الحسن "عليه السّلام" إلى سر من رأى نتلقى بعض القادمين فأبطأوا، فطرح لأبي الحسن "عليه السّلام" غاشية السّرج فجلس عليها، فنزلت عن دابتي وجلست بين يديه وهو يحدّثني، فشكوت إليه قصور يدي، فأهوى بيده إلى رمل كان عليه جالسا وناولني منه كفّاً وقال: اتسع بهذا يا أبا هاشم، واكتم ما رأيت. فجئت به معي ورجعنا, فأبصرته فإذا هو يتقد كالنيران ذهباً أحمر, فدعوت صائغاً إلى منزلي، وقُلت له: اسبك لي هذا. فسبكه وقال لي: ما رأيت ذهباً أجود منه، وهو كهيئة الرّمل، فمن أين لك هذا ؟ فما رأيت أعجب منه ! قُلت: هذا شئ كان عندنا قديماً تدخره لنا عجائزنا على طول الأيّام.
3 - عن أبي هاشم الجعفري, قال: حججت سنة حجّ فيها بغا، فلمّا صرت إلى المدينة إلى باب أبي الحسن "عليه السّلام", وجدته راكباً في استقبال بغا، فسلّمت عليه, فقال: إمض بنا إذا شئت. فمضيت معه حتى خرجنا من المدينة، فلمّا أصحرنا, التفت إلى غلامه وقال: اذهب فانظر في أوائل العسكر. ثمّ قال: انزل بنا يا أبا هاشم. قال: فنزلت وفي نفسي أن أسأله شيئاً وأنا أستحيي منه وأقدّم وأؤخّر, قال: فعمل بسوطه في الأرض خاتم سُليمان، فنظرت فإذا في آخر الأحرف مكتوب: خُذ. وفي الآخر: اكتم. وفي الآخر: اعذر. ثمّ اقتلعه بسوطه وناولنيه, فنظرت فإذا بنقرة صافية فيها أربعمئة مثقال، فقُلت: بأبي أنت وأُمّي ! لقد كنت شديد الحاجة إليها، وأردت كلامك وأقدّم وأؤخّر، والله أعلم حيث يجعل رسالته. ثمّ ركبنا.
4 - عن أبي هاشم الجعفري, قال: دخلت على أبي الحسن "عليه السّلام" فكلّمني بالهنديّة، فلم أحسن أن أرد عليه، وكان بين يديه ركوة ملاى حصا، فتناول حصاة واحدة فوضعها في فيه مليّاً، ثمّ رمى بها إليّ فوضعتها في فمي، فوالله ما رجعت من عنده حتى تكلّمت بثلاث وسبعين لساناً، أوّلها الهنديّة.
5 - عن المنتصر بن المُتوكّل, قال: زرع والدي الاس في بستان وأكثر منه، فلمّا استوى الاس كلّه وحسن، أمر الفراشين أن يفرشوا له على دكان في وسط البستان وأنا قائم على رأسه، فرفع رأسه إليّ وقال: يا رافضي، سل ربّك الأسود عن هذا الأصل الأصفر ماله من بين ما بقي من هذا البستان قد اصفرّ، فإنّك تزعم أنّه يعلم الغيب. فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّه ليس يعلم الغيب. فأصبحت [ وغدوت ] إلى أبي الحسن "عليه السّلام" من الغد وأخبرته بالأمر، فقال: يا بُني، امض أنت واحفر الأصل الأصفر, فإنّ تحته جمجمة نخرة، واصفراره لبخارها ونتنها. قال: ففعلت ذلك فوجدته كما قال "عليه السّلام"، ثمّ قال لي: يا بُني, لا تخبرن أحداً بهذا الأمر إلاّ لِمَن يحدّثك بمثله.
6 - عن أبي هاشم الجعفري، قال: كُنت بالمدينة حين مرّ بها بغا أيّام الواثق في طلب الأعراب، فقال أبو الحسن "عليه السّلام": أخرجوا بنا حتى ننظر إلى لُغة هذا التّركي. فمرّ بنا تركي وكلّمه أبو الحسن "عليه السّلام" بالتركيّة، فنزل عن فرسه وقبّل حافر دابته. قال: فحلف التركي وقُلت له: ما قال الرّجل لك ؟ قال: هذا نبيّ ؟ فقُلت: هذا ليس نبيّاً. قال: دعاني باسم سُميت به في صغري في بلاد التّرك، وما علمه أحد إلى السّاعة.
7 - عن الحسن بن مُحمّد بن جمهور العمي، قال: سمعت من سعيد الصّغير الحاجب قال: دخلت على سعيد بن صالح الحاجب فقلت: يا أبا عثمان قد صرت من أصحابك، وكان سعيد يتشيع. فقال: هيهات. قُلت: بلى والله. فقال: وكيف ذلك ؟ قُلت: بعثني المُتوكّل وأمرني أن أكبس على عليّ بن مُحمّد بن الرّضا "عليهم السّلام" فأنظر ما فعل، ففعلت ذلك فوجدته يُصلّي، فبقيت قائما " حتى فرغ، فلمّا انفتل من صلاته, أقبل عليّ وقال: يا سعيد, لا يكّف عني جعفر - أي المُتوكّل الملعون - حتى يُقطّع إرباً إرباً, اذهب واعزب. وأشار بيده الشّريفة، فخرجت مرعوباً، ودخلني من هيبته ما لا أحسن أن أصفه، فلمّا رجعت إلى المُتوكّل, سمعت الصّيحة والواعية، فسألت عنه, فقيل: قُتل المُتوكّل. فرجعنا وقُلت بها.
8 - عن عبد الله بن طاهر، قال: خرجت إلى سر من رأى لأمر من الأمور أحضرني المُتوكّل، فأقمت مدّة ثمّ ودّعت وعزمت على الانحدار إلى بغداد، فكتبت إلى أبي الحسن "عليه السّلام" أستأذنه في ذلك وأودّعه، فكتب لي: فإنّك بعد ثلاث يحتاج إليك ويحدث أمران. فانحدرت واستحسنته، فخرجت إلى الصّيد ونسيت ما أشار إليّ أبو الحسن "عليه السّلام"، فعدلت إلى المطيرة وقد صرت إلى مصري وأنا جالس مع خاصتي إذ ثمانية فوارس يقولون: أجب أمير المؤمنين المنتصر. فقُلت: ما الخبر ؟ فقالوا: قُتل المُتوكّل، وجلس المنتصر، واستوزر أحمد بن مُحمّد بن الخصيب. فقمت من فوري راجعاً.
9 - عن الطّيب بن مُحمّد بن الحسن بن شمون, قال: ركب المُتوكّل ذات يوم وخلفه النّاس وركب آل أبي طالب إلى أبي الحسن "عليه السّلام" ليركبوا بركوبه, فخرج في يوم صائف شديد الحر والسّماء صافية ما فيها غيم، وهو "عليه السّلام" معقود ذنب الدّابة بسرج جلود طويل وعليه ممطر وبرنس، فقال زيد بن موسى بن جعفر لجماعة آل أبي طالب: انظروا إلى هذا الرّجل يخرج مثل هذا اليوم كأنّه وسط الشّتاء. قال: فساروا جميعاً, فما جاوزوا الجسر ولا خرجوا عنه حتى تغيّمت السّماء وأرخت عزاليها كأفواه القرب، وابتلّت ثياب النّاس، فدنا منه زيد بن موسى بن جعفر وقال: يا سيّدي، أنت قد علمت أنّ السّماء قد تمطر, فهلا أعلمتنا فقد هلكنا وعطبنا.
10 - عن موسى بن جعفر البغدادي, قال: كانت لي حاجة أحببت أن اكتب إلى العسكري "عليه السّلام"، فسألت مُحمّد بن عليّ بن مهزيار أن يكتب في كتابه إليه بحاجتي؛ فإنّي كتبت إليه كتاباً ولم أذكر فيه حاجتي، بل بيّضت موضعها، فورد الكتاب في حاجتي مفسّراً في كتاب لمُحمّد بن إبراهيم الحمصي.
11 - عن صالح بن سعيد, قال: دخلت على أبي الحسن "عليه السّلام" في يوم وروده سر من رأى وهو في خان الصّعاليك، فقُلت له: جُعلت فداك ! في كلّ الأمور أرادوا إطفاء نورك والنّقص بك حتى أنزلوك في هذا الخان الأشنع خان الصّعاليك. فقال: ها هُنا أنت يابن سعيد. ثمّ أومأ بيده الشّريفة, فإذا أنا بروضات أنيقات، وأنهار جاريات، وجنّات فيها خيرات عطرات، وولدان كأنّهن اللؤلؤ المكنون، فحار بصري، وكثر عجبي, فقال لي: حيث كنّا فهذا لنا عتيد يابن سعيد، لسنا في خان الصّعاليك.
13- عن إبراهيم بن بلطون، عن أبيه قال: كُنت أحجب المُتوكّل، فأُهدي له خمسون غلاماً من الخزر, فأمرني أن أتسلمهم وأحسن إليهم، فلمّا تمّت سنة كاملة كنت واقفاً بين يديه, إذ دخل عليه أبو الحسن عليّ بن مُحمّد النّقي "عليهما السّلام"، فلمّا أخذ مجلسه, أمرني أن أخرج الغلمان من بيوتهم، فأخرجتهم، فلمّا بصروا بأبي الحسن "عليه السّلام" سجدوا له بأجمعهم، فلم يتمالك المُتوكّل أن قام يجرّ رجليه حتى توارى خلف السّتر، ثمّ نهض أبو الحسن "عليه السّلام", فلمّا عَلِم المُتوكّل بذلك, خرج إليّ وقال: ويلك يا بلطون، ما هذا الذي فعل هؤلاء الغلمان ؟ فقُلت: لا والله ما أدري. قال: سلهم. فسألتهم عمّا فعلوا, فقالوا: هذا رجل يأتينا كلّ سنة فيعرض علينا الدّين، ويُقيم عندنا عشرة أيّام وهو وصي نبيّ المُسلمين. فأمرني بذبحهم، فذبحتهم عن آخرهم, فلمّا كان وقت العتمة, صرت إلى أبي الحسن "عليه السّلام"، فإذا خادم على الباب فنظر إليّ، فلمّا بصر بي قال: ادخل. فدخلت فإذا هو "عليه السّلام" جالس, فقال: يا بلطون ما صنع القوم ؟ فقُلت: يا بن رسول الله, ذُبحوا والله عن آخرهم. فقال لي: كلّهم ؟ فقُلت: إي والله. فقال "عليه السّلام": أتحبّ أن تراهم ؟ قُلت: نعم يا بن رسول الله. فأومأ بيده أن ادخل السّتر، فدخلت, فإذا أنا بالقوم قعود وبين أيديهم فاكهة يأكلون.


حِكم الإمام الهادي عليه السّلام
1 - أبقوا النّعم بحسن مجاورتها، والتمسوا الزّيادة فيها بالشّكر عليها.
2 - إذا كُنتم في زمان العدل فيه أغلب من الجور، فحرام أن يظنّ أحد بأحد سوءاً حتى يعلم ذلك منه، وإذا كُنتم في زمان الجور فيه أغلب من العدل، فليس لأحد أن يظنّ بأحد خيراً ما لم يعلم ذلك منه.
3 - اذكر حسرات التّفريط بأخذ تقديم الحزم.
4 - اذكر مصرعك بين يدي أهلك، فلا طبيب يمنعك، ولا حبيب ينفعك.
5 - اعلموا أنّ النّفس أقبل شيء لمّا أُعطيت، وأمنع شيء لمّا مُنعت.
6 - إنّ الله جعل الدّنيا دار بلوى، والآخرة دار عُقبى، وجعل بلوى الدّنيا لثواب الآخرة سبباً، وثواب الآخرة من بلوى الدّنيا عوضاً.
7 - إنّ الرّجل ليكون قد بقي من أجله ثلاثون سنة، فيكون وصولاً لقرابته وصولاً لرحمه، فيجعلها الله ثلاثة وثلاثين سنة، وإنّه ليكون قد بقي من أجله ثلاث وثلاثون سنة, فيكون عاقّاً لقرابته قاطعاً لرحمه، فيجعلها الله ثلاث سنين.
8 - إنّ الظّالم الحالم يكاد أن يعفى على ظلمه بحلمه، وإنّ المُحق السّفيه يكاد أن يطفئ نور حقّه بسفهه.
9 - إنّ لله بقاعاً يحبّ أن يُدعى فيها فيستجيب لِمن دعاه، والحائر منها.
10 - إنّ من الغرّة بالله أن يصرّ العبد على المعصية، ويتمنّى على الله المغفرة.
11 - إيّاكم والحسد، فإنّه يبين فيكم ولا يعمل في عدوكم.
12 - أورع النّاس من وقف عند الشّبهة، وأعبد النّاس من أقام الفرائض، وأزهد النّاس من ترك الحرام.
13 - بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطري أخاه شاهداً، ويأكله غائباً.
14 - البخل أذمّ الأخلاق، والطّمع سجية سيئة.
15 - الجاهل أسير لسانه.
16 - الجهل والبخل أذمّ الأخلاق.
17 - الحسد ماحق الحسنات، والزّهو جالب المقت، والعجب صارف عن طلب العلم داع إلى الغمط.
18 - حسن الصّورة جمال ظاهر، وحسن العقل جمال باطن.
19 - الحكمة لا تنجع في الطّباع الفاسدة.
20 - الحلم أن تملك نفسك، وتكظم غيظك مع القدرة عليه.
21 - خير من الخير فاعله، وأجمل من الجميل قائله، وأرجح من العلم حامله، وشرّ من الشّرّ جالبه، وأهول من الهول راكبه.
22 - الدّنيا سوق، ربح فيها قوم وخسر آخرون.
23 - راكب الحرون أسير نفسه، والجاهل أسير لسانه.
24 - السّهر ألذّ للمنام، والجوع يزيد في طيب الطّعام.
25 - الشّاكر أسعد بالشّكر منه بالنّعمة التي أوجبت الشّكر؛ لأنّ النّعم متاع، والشّكر نعم وعقبى.
26 - شرّ الرّزية سوء الخُلق.
27 - صلاح من جهل الكرامة هوانه.
28 - العتاب مفتاح التّقالي، والعتاب خير من الحقد.
29 - العجب صارف عن طلب العلم وتهذيب النّفس، ويجعله يرتطم في الجهل.
30 - العقوق يعقب القلّة، ويؤدي إلى الذّلة.
31 - الغضب على مَن تملّك لؤم.
32 - الغنى قلّة تمنيك، والرّضا بما يكفيك.
33 - الفقر شره النّفس وشدّة القنوط.
34 - الكفر للنعم أمارة البطر، وسبب للتغيير.
35 - لا نجع في الطّبائع الفاسدة.
36 - اللجاجة مسلبة للسلامة، ومؤدية للندامة.
37 - ما استراح ذو الحرص والحكمة.
38 - مخالطة الأشرار تدل على شرّ من يخالطهم.
39 - المراء يفسد الصّداقة القديمة، ويحلل العقدة الوثيقة، وأقلّ ما فيه أن تكون فيه المغالبة، والمغالبة أُسّ أسباب القطيعة.
40 - المصيبة للصابر واحدة، وللجازع اثنتان.
41 - المقادير تريك ما لم يخطر ببالك.
42 - مَن اتقى الله يُتقى، ومَن أطاع الله يُطاع، ومَن أطاع الخالق لم يُبال بسخط المخلوقين، ومَن أسخط الخالق فلييقن أن يحلّ به سخط المخلوقين.
43 - مَن أمن مكر الله أخذه تكبّر حتى يحلّ به قضاؤه ونافذ أمره.
44 - مَن جمع لك ودّه ورأيه، فاجمع له طاعتك.
45 - مَن رضي عن نفسه كثر السّاخطون عليه.
46 - مَن سأل فوق قدر حقّه، فهو أولى بالحرمان.
47 - مَن كان على بيّنة من ربّه هانت عليه مصائب الدّنيا ولو قُرض ونشر.
48 - مَن لم يحسن أن يمنع، لم يحسن أن يعطي.
49 - مَن هانت عليه نفسه، فلا تأمن شرّه.
50 - النّاس في الدّنيا بالأموال، وفي الآخرة بالأعمال.
51 - الهزل فكاهة السّفهاء، وصناعة الجهّال.
52 - عن سهل بن زياد، قال: كتب إليه "عليه السّلام" بعض أصحابنا يسأله أن يعلمه دعوة جامعة للدُنيا والآخرة، فكتب إليه: أكثر من الاستغفار والحمد، فإنّك تدرك بذلك الخير كلّه.
53 - قال يحيى بن عبد الحميد: سمعت أبا الحسن الهادي "عليه السّلام" يقول لرجل ذمّ إليه ولداً له, فقال: العقوق ثكل من لم يثكل.
54 - وعن الدّرّة الباهرة، قال أبو الحسن الثّالث "عليه السّلام" لرجل وقد أكثر من إفراط الثّناء عليه: أقبل على شأنك، فإنّ كثرة الملق يهجم عليّ الظّنّة، وإذا حللت من أخيك في محل الثّقة، فاعدل عن الملق إلى حسن النّيّة.
55 - وقال "عليه السّلام" للمُتوكّل في حوار جرى بينهما: لا تطلب الصّفاء ممّن كدرت عليه عيشه، ولا الوفاء ممّن غدرت به، ولا النّصح ممّن صرفت سوء ظنّك إليه، فإنّما قلب غيرك لك كقلبك له.
56 - وقال "عليه السّلام" لبعض مواليه: عاتب فلاناً، وقُل له: إنّ الله إذا أراد بعبد خيراً، إذا عوتب قَبِل.
57 - وعن أبي هاشم الجعفري، قال: أصابتني ضيقة شديدة، فصرت إلى أبي الحسن عليّ بن مُحمّد "عليه السّلام" فأذن لي، فلمّا جلست, قال: يا أبا هاشم، أيّ نعم الله عزّ وجلّ عليك تريد أن تؤدّي شكرها ؟ قال أبو هاشم: فوجمت فلم أدر ما أقول له، فابتدأ "عليه السّلام" فقال: رزقك الإيمان فحرّم به بدنك على النّار، ورزقك العافية فأعانتك على الطّاعة، ورزقك القنوع فصانك عن التّبذّل, يا أبا هاشم، إنّما ابتدأتك بهذا؛ لأنّي ظننت أنّك تُريد أن تشكو إليّ مَن فعل بك هذا، وقد أمرت لك بمئة دينار فخذها.
58 - وسُئل "عليه السّلام" عن الحزم، فقال "عليه السّلام": هو أن تنظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك.
59 - وقال "عليه السّلام": إنّ الله يحبّ الجمال والتّجمّل، ويكره البؤس والتّباؤس، فإنّ الله عزّ وجلّ إذا أنعم على عبده نعمة أحبّ أن يرى عليه أثرها. فقيل له: وكيف ذلك، يا بن رسول الله ؟ قال "عليه السّلام": ينظّف ثوبه، ويطيّب ريحه، ويحسن داره، ويكنس أفنيته، حتى إنّ السّراج قبل مغيب الشّمس ينفي الفقر، ويزيد في الرّزق.
60 - وعن أحمد بن هلال، قال: سألت أبا الحسن الأخير "عليه السّلام" عن التّوبة النّصوح ما هي ؟ فكتب "عليه السّلام": أن يكون الباطن كالظّاهر، وأفضل من ذلك.
61 - عن مُحمّد بن الفرج، عن أبي دعامة، أنّه قال: أتيت عليّ بن مُحمّد بن عليّ بن موسى "عليه السّلام" عائداً في علّته التي كانت وفاته منها، فلمّا هممت بالانصراف, قال لي: يا أبا دعامة، قد وجب حقّك عليّ، أفلا أحدّثك بحديث تسرّ به ؟ فقُلت: ما أحوجني إلى ذلك يا بن رسول الله ! قال: حدّثني أبي مُحمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن مُحمّد، عن أبيه مُحمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحُسين، عن أبيه الحُسين بن عليّ، عن عليّ "عليه السّلام"، أنّ النّبيّ "صلّى الله عليه وآله" قال له: اكتب يا علي. قال: قُلت: وما أكتب ؟ قال لي: اكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم، الإيمان ما وقّرته القلوب، وصدّقته الأعمال، والإسلام ما جرى به اللسان، وحلّت به المناكحة. فقُلت: يا بن رسول الله، ما أدري والله أيّهما أحسن: الحديث، أم الإسناد ؟ فقال: إنّها لصحيفة بخط عليّ بن أبي طالب، وإملاء رسول الله "صلّى الله عليه وآله"، نتوارثها صاغراً عن كابر.
62 - عن الشّيخ عبد الله بن مُحمّد بن عُبيد الله، قال: سمعت العبد الصّالح عليّ بن مُحمّد بن عليّ الرّضا "عليه السّلام" بسر من رأى يذكر عن آبائه "عليهم السّلام"، قال: قال أمير المؤمنين "صلوات الله عليه": العلم وراثة كريمة، والآداب حلل حسان، والفكرة مرآة صافية، والاعتبار منذر ناصح، وكفى بك أدباً لنفسك تركك ما كرهته من غيرك.


عبادة الإمام الهادي عليه السّلام
1 - عندما أمر المُتوكّل بتفتيش دار الإمام الهادي"عليه السّلام" في سامراء، اقتحم سعيد الحاجب دار الإمام، قال سعيد: فنزلت فوجدت عليه جبّة صوف وقلنسوة منها، وسجادته على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة.
2 - في مرّة أُخرى هوجمت دار الإمام "عليه السّلام" من قبل جند المُتوكّل الأتراك، فوصف أصحاب السّير حال الإمام "عليه السّلام" حين هوجم ليلاً وفتّشت داره, حيث قالوا: وجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرّمل والحصى، وهو متوجه إلى الله تعالى يتلو آيا من القرآن الكريم.
3 - عن يحيى بن عبد الرّحمن بن خاقان، قال: رأيت أبا الحسن الثّالث "عليه السّلام" سجد سجدة الشّكر، فافترش ذراعيه، فألصق جؤجؤه وبطنه بالأرض، فسألته عن ذلك، فقال: كذا نحبّ.
4 - عن حفص الجوهري، قال: صلّى بنا أبو الحسن عليّ بن مُحمّد "عليه السّلام" صلاة المغرب، فسجد سجدة الشّكر بعد السّابعة، فقُلت له "عليه السّلام": كان آباؤك يسجدون بعد الثّلاثة ؟ فقال "عليه السّلام": ما كان أحد من آبائي يسجد إلاّ بعد السّابعة.
5 - وكان "عليه السّلام" يقرأ في الرّكعة الثّالثة من نافلة المغرب سورة الحمد وأوّل سورة الحديد إلى قوله تعالى: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ. ويقرأ في الرّكعة الرّابعة سورة الحمد وآخر سورة الحشر.
6 - ونُسبت إليه صلاة نافلة كان "عليه السّلام" يُصلّي فيها ركعتين، يقرأ في الأولى الفاتحة وياسين، وفي الثّانية سورة الفاتحة وسورة الرّحمن.


أدعية الإمام الهادي عليه السّلام
1 - من أدعية الإمام الهادي "عليه السّلام": الحمد لله الذي لا من شيء كان، ومن لا شيء كوّن ما قد كان، مستشهداً بحدوث الأشياء على أزليته، وبما وسمها به من العجز على قدرته، وبما اضطرّها إليه من الفناء على دوامه.
2 - عن دعوات الرّاوندي بالإسناد، قال: تسبيح عليّ بن مُحمّد "عليه السّلام": سُبحان من هو دائم لا يسهو، سُبحان من هو قائم لا يلهو، سُبحان من هو غني لا يفتقر، سُبحان الله وبحمده.
3 - وروى الشّيخ الطّوسي في الأمالي بالإسناد عن المنصوري، عن عم أبيه - في حديث طويل - قال: قُلت للإمام الهادي "عليه السّلام": يا سيّدي، فتعلمني دعاء أختصّ به من الأدعية. فقال "عليه السّلام": هذا الدّعاء كثيراً ما أدعو الله به، وقد سألت الله أن لا يخيب من دعا به في مشهدي بعدي، وهو: يا عدّتي عند العدد، ويا رجائي والمعتمد، ويا كهفي والسّند، ويا واحد يا أحد، يا قُل هو الله أحد، أسألك اللّهمّ بحقّ من خلقته من خلقك، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحداً، أن تُصلي عليهم، وتفعل بي كيت وكيت.
4 - كان "عليه السّلام" يقنت في صلاته بالدّعاء التّالي: مناهل كراماتك بجزيل عطياتك مترعة، وأبواب مناجاتك لِمن أمك مشرعة، وعطوف لحظاتك لِمن ضرع إليك غير منقطعة، وقد ألجم الحذار، واشتدّ الاضطرار، وعجز عن الاصطبار أهل الانتظار، وأنت اللّهمّ بالمرصد من المكار، اللّهمّ وغير مهمل مع الإمهال, واللائذ بك آمن، والرّاغب إليك غانم، والقاصد اللّهمّ لبابك سالم، اللّهمّ فعاجل من قد استنّ في طغيانه، واستمرّ على جهالته لعقباه في كفرانه، وأطمعه حلمك عنه في نيل إرادته، فهو يتسرع إلى أوليائك بمكارهه، ويواصلهم بقبائح مراصده، ويقصدهم في مظانهم بأذيته. اللّهمّ اكشف العذاب عن المؤمنين، وابعثه جهرة على الظّالمين، اللّهمّ اكفف العذاب عن المستجيرين، واصببه على المغترّين، اللّهمّ بادر عصبة الحقّ بالعون، وبادر أعوان الظّلم بالقصم، اللّهمّ أسعدنا بالشّكر، وامنحنا النّصر، وأعذنا من سوء البداء والعاقبة والختر.
5 - وروي عنه قنوت آخر كان يدعو به "عليه السّلام" في صلاته: يا مَن تفرّد بالرّبوبية، وتوحّد بالوحدانية، يا من أضاء باسمه النّهار، وأشرقت به الأنوار، وأظلم بأمره حندس الليل، وهطل بغيثه وابل السّيل. يا من دعاه المضطرون فأجابهم، ولجأ إليه الخائفون فأمنهم، وعبده الطّائعون فشكرهم، وحمده الشّاكرون فأثابهم، ما أجلّ شأنك، وأعلى سُلطانك، وأنفذ أحكامك. أنت الخالق بغير تكلّف، والقاضي بغير تحيّف, حجّتك البالغة، وكلمتك الدّامغة، بك اعتصمت وتعوذت من نفثات العندة، ورصدات المُلحدة، الذين ألحدوا في أسمائك، ورصدوا بالمكاره لأوليائك، وأعانوا على قتل أنبيائك وأصفيائك، وقصدوا لإطفاء نورك بإذاعة سرّك، وكذّبوا رسلك، وصدّوا عن آياتك، واتخذوا من دونك ودون رسولك ودون المؤمنين وليجة؛ رغبة عنك، وعبدوا طواغيتهم وجوابيتهم بدلاً منك، فمننت على أوليائك بعظيم نعمائك، وجدت عليهم بكريم آلائك، وأتممت لهم ما أوليتهم بحُسن جزائك، حفظاً لهم من معاندة الرّسل، وضلال السّبل، وصدقت لهم بالعهود ألسنة الإجابة، وخشعت لك بالعقود قلوب الإنابة.
أسألك اللّهمّ باسمك الذي خشعت له السّماوات والأرض، وأحييت به موات الأشياء، وأمتّ به جميع الأحياء، وجمعت به كلّ متفرّق، وفرّقت به كلّ مجتمع، وأتممت به الكلمات، وأريت به كُبرى الآيات، وتبت به على التوّابين، وأخسرت به عمل المفسدين، فجعلت عملهم هباء منثوراً وتبّرتهم تتبيراً, أن تصلّي على مُحمّد وآل مُحمّد، وأن تجعل شيعتي من الذين حملوا فصدقوا، واستنطقوا فنطقوا، آمنين مأمونين.
اللّهمّ إنّي أسألك لهم توفيق أهل الهُدى، وأعمال أهل اليقين، ومناصحة أهل التّوبة، وعزم أهل الصّبر، وتقية أهل الورع، وكتمان الصّديقين حتى يخافوك.
اللّهمّ مخافة تعجزهم عن معاصيك، وحتى يعملوا بطاعتك لينالوا كرامتك، وحتى يناصحوا لك وفيك خوفاً منك، وحتى يخلصوا لك النّصيحة في التّوبة حبّاً لهم، فتوجب لهم محبّتك التي أوجبتها للتوّابين، وحتى يتوكّلوا عليك في أُمورهم كلّها حسن ظنّ بك، وحتى يفوضوا إليك أمورهم ثقة بك. اللّهمّ لا تنال طاعتك إلاّ بتوفيقك، ولا تنال درجة من درجات الخير إلاّ بك.
اللّهمّ يا مالك يوم الدّين، العالم بخفايا صدور العالمين، طهّر الأرض من نجس أهل الشّرك، وأخرس الخرّاصين عن تقوّلهم على رسولك الإفك.
اللّهمّ اقصم الجبّارين، وأبر المفترين والأفّاكين الذين إذا تُتلى عليهم آيات الرّحمان قالوا أساطير الأوّلين، وأنجز لي وعدك إنّك لا تخلف الميعاد، وعجّل فرج كلّ طالب مرتاد، إنّك لبالمرصاد للعباد.
وأعوذ بك من كلّ لبس ملبوس، ومن كلّ قلب عن معرفتك محبوس، ومن نفس تكفر إذا أصابها بؤس، ومن واصف عدل عمله عن العدل معكوس، ومن طالب للحقّ وهو عن صفات الحقّ منكوس، ومن مكتسب إثم بإثمه مركوس، ومن وجه عند تتابع النّعم عليه عبوس، أعوذ بك من ذلك كلّه، ومن نظيره وأشكاله وأمثاله إنّك عليم حكيم.


مناظرات الإمام الهادي عليه السّلام
1 - قال موسى بن مُحمّد بن الرّضا: لقيت يحيى بن أكثم في دار العامّة، فسألني عن مسائل، فجئت إلى أخي عليّ بن مُحمّد "عليه السّلام" فدار بيني وبينه من المواعظ ما حملني وبصرني طاعته، فقُلت له: جُعلت فداك، إنّ ابن أكثم كتب يسألني عن مسائل لأفتيه فيها.
فضحك "عليه السّلام" ثمّ قال: فهل أفتيته ؟ قُلت: لا، لم أعرفها.
قال "عليه السّلام": وما هي ؟
قُلت: كتب يسألني عن قول الله: قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ. نبيّ الله كان محتاجاً إلى علم آصف ؟
وعن قوله: وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا. سجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء ؟
وعن قوله: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ. مَن المُخاطب بالآية ؟ فإن كان المُخاطب النّبيّ "صلّى الله عليه وآله" فقد شكّ، وإن كان المُخاطب غيره فعلى مَن إذاً أنزل الكتاب ؟
وعن قوله: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ. ما هذه الأبحر، وأين هي ؟
وعن قوله: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ. فاشتهت نفس آدم "عليه السّلام" أكل البر فأكل وأطعم، وفيها ما تشتهي الأنفس، فكيف عوقب ؟
وعن قوله: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا. يزوج الله عباده الذّكران، وقد عاقب قوماً فعلوا ذلك ؟
وعن شهادة المرأة جازت وحدها، وقد قال الله: وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ ؟
وعن الخُنثى وقول عليّ "عليه السّلام": يورث من المال. فمَن ينظر إذا بال إليه ؟ مع أنّه عسى أن يكون امرأة وقد نظر إليه الرّجال، أو عسى أن يكون رجُلاً وقد نظرت إليه النّساء، وهذا ما لا يحلّ، وشهادة الجار إلى نفسه لا تُقبل.
وعن رجل أتى إلى قطيع غنم، فرأى الرّاعي ينزو على شاة منها، فلمّا أبصر بصاحبها خلّى سبيلها، فدخلت بين الغنم، كيف تُذبح، وهل يجوز أكلها أم لا ؟
وعن صلاة الفجر لِمَ يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النّهار، وإنّما يجهر في صلاة الليل ؟
وعن قول عليّ "عليه السّلام" لابن جرموز: بشّر قاتل ابن صفية بالنّار. فلم يقتله وهو إمام ؟
وأخبرني عن عليّ "عليه السّلام" لِمَ قتل أهل صفّين، وأمر بذلك مقبلين ومدبرين، وأجاز على الجرحى, وكان حكمه يوم الجمل أنّه لم يقتل مولّياً، ولم يجز على جريح، ولم يأمر بذلك، وقال: مَن دخل داره فهو آمن، ومَن ألقى سلاحه فهو آمن ، لِمَ فعل ذلك ؟ فإن كان الحُكم الأوّل صواباً، فالثّاني خطأ.
وأخبرني عن رجل أقرّ باللواط على نفسه أيُحدّ، أم يُدرأ عنه الحدّ ؟
جواب الإمام الهادي "عليه السّلام" قال "عليه السّلام": اكتب إليه.
قُلت: وما أكتب ؟
قال "عليه السّلام": اكتب: بسم الله الرّحمن الرّحيم, وأنت - فألهمك الله الرّشد - أتاني كتابك، فامتحنتنا به من تعنّتك؛ لتجد إلى الطّعن سبيلاً إن قصرنا فيها، والله يكافيك على نيّتك، وقد شرحنا مسائلك، فأصغ إليها سمعك، وذلّل لها فهمك، واشغل بها قلبك، فقد لزمتك الحجّة والسّلام.
سألت عن قول الله جلّ وعزّ: قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ. فهو آصف بن برخيا، ولم يعجز سُليمان "عليه السّلام" عن معرفة ما عرف آصف، لكنّه صلوات الله عليه أحبّ أن يعرّف أُمّته من الجنّ والإنس أنّه الحجّة من بعده، وذلك من علم سُليمان "عليه السّلام" أودعه عند آصف بأمر الله، ففهمه ذلك؛ لئلاّ يختلف عليه في إمامته ودلالته، كما فهم سُليمان "عليه السّلام" في حياة داود "عليه السّلام"؛ لتُعرف نبوته وإمامته من بعده لتؤكّد الحجّة على الخلق.
وأمّا سجود يعقوب "عليه السّلام" وولده، فكان طاعة لله ومحبّة ليوسف "عليه السّلام"، كما أنّ السّجود من الملائكة لآدم "عليه السّلام" لم يكُن لآدم "عليه السّلام" وإنّما كان ذلك طاعة لله ومحبّة منهم لآدم "عليه السّلام"، فسجود يعقوب "عليه السّلام" وولده ويوسف "عليه السّلام" معهم كان شكراً لله باجتماع شملهم، ألم تر يقول في شكره ذلك الوقت: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ... إلى آخر الآية.
وأمّا قوله: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ. فإنّ المُخاطب به رسول الله "صلّى الله عليه وآله" ولم يكُن في شكّ ممّا أُنزل إليه، ولكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث الله نبيّاً من الملائكة، إذ لم يفرّق بين نبيّه وبيننا في الاستغناء عن المآكل والمشارب والمشي في الأسواق، فأوحى الله إلى نبيّه: فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ. بمحضر الجهلة، هل بعث الله رسولاً قبلك إلاّ وهو يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق ولك بهم أسوة، وإنّما قال: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ. ولم يكُن شكّ، ولكن للنصفة، كما قال: تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ. ولو قال: عليكم, لم يجيبوا إلى المباهلة، وقد علم الله أنّ نبيّه يؤدّي عنه رسالاته، وما هو من الكاذبين، فكذلك عرف النّبيّ أنّه صادق في ما يقول، ولكن أحبّ أن ينصف من نفسه.
وأمّا قوله: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ. فهو كذلك، لو أنّ أشجار الدّنيا أقلام والبحر يمدّه سبعة أبحر وانفجرت الأرض عيوناً، لنفدت قبل أن تنفد كلمات الله، وهي عين الكبريت، وعين التّمر، وعين برهوت، وعين طبرية، وحمة ماسبذان، وحمة إفريقية يُدعى لسنان، وعين بحرون، ونحن كلمات الله التي لا تنفد ولا تُدرك فضائلنا.
وأمّا الجنّة, فإنّ فيها من المآكل والمشارب والملاهي ما تشتهي الأنفس، وتلذّ الأعيُن، وأباح الله ذلك كُلّه لآدم "عليه السّلام"، والشّجرة التي نهى الله عنها آدم "عليه السّلام" وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد، عهد إليهما أن لا ينظرا إلى من فضّل الله على خلائقه بعين الحسد، فنسي ونظر بعين الحسد، ولم يجد له عزماً.
وأمّا قوله: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا. أي يولد له ذكوراً، ويولد له إناثاً، يُقال لكلّ اثنين مقرنين زوجان، كلّ واحد منهما زوج، ومعاذ الله أن يكون عنى الجليل ما لبست به على نفسك تطلب الرّخص لارتكاب المآثم : وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إن لم يتب.
وأمّا شهادة المرأة وحدها التي جازت، فهي القابلة، جازت شهادتها مع الرّضا، فإن لم يكن رضى فلا أقلّ من امرأتين, تقوم المرأتان بدل الرّجل للضرورة؛ لأنّ الرّجل لا يمكنه أن يقوم مقامها، فإن كانت وحدها قُبل قولها مع يمينها.
وأمّا قول عليّ "عليه السّلام" في الخُنثى فهي كما قال: ينظر قوم عدول يأخذ كلّ واحد منهم مرآة، وتقوم الخُنثى خلفهم عريانة، وينظرون في المرايا، فيرون الشّبح فيحكمون عليه.
وأمّا الرّجل النّاظر إلى الرّاعي وقد نزا على شاة، فإن عرفها ذبحها وأحرقها، وإن لم يعرفها قسّم الغنم نصفين، وساهم بينهما، فإذا وقع على أحد النّصفين فقد نجا النّصف الآخر، ثمّ يفرّق النّصف الآخر، فلا يزال كذلك حتى تبقى شاتان، فيُقرع بينهما، فأيّتها وقع السّهم بها ذُبحت وأُحرقت، ونجا سائر الغنم.
وأمّا صلاة الفجر، فالجهر فيها بالقراءة؛ لأنّ النّبيّ "صلّى الله عليه وآله" كان يغلس بها فقراءتها من الليل.
وأمّا قول عليّ "عليه السّلام": بشّر قاتل ابن صفية بالنّار. فهو لقول رسول الله "صلّى الله عليه وآله"، وكان ممّن خرج يوم النّهروان، فلم يقتله أمير المؤمنين "عليه السّلام" بالبصرة؛ لأنّه علم أنّه يُقتل في فتنة النّهروان.
وأمّا قولك: إنّ عليّاً "عليه السّلام" قتل أهل صفّين مُقبلين ومُدبرين، وأجاز على جريحهم، وإنّه يوم الجمل لم يتبع مولّياً، ولم يجز على جريح، ومَن ألقى سلاحه آمنه، ومن دخل داره آمنه، فإنّ أهل الجمل قُتل إمامهم، ولم تكُن لهم فئة يرجعون إليها، وإنّما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا منابذين ، رضوا بالكفّ عنهم، فكان الحُكم فيهم رفع السّيف عنهم، والكفّ عن أذاهم، إذ لم يطلبوا عليه أعواناً، وأهل صفّين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدّة, وإمام يجمع لهم السّلاح والدّروع والرّماح والسّيوف، ويسني لهم العطاء، يهيئ لهم الأنزال، ويعود مريضهم، ويجبر كسيرهم، ويداوي جريحهم، ويحمل راجلهم، ويكسو حاسرهم، ويردّهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم، فلم يساو بين الفريقين في الحُكم، لِما عُرف من الحُكم في قتال أهل التّوحيد، لكنّه شرح ذلك لهُم، فمن رغب عُرض على السّيف، أو يتوب من ذلك.
وأمّا الرّجل الذي اعترف باللواط، فإنّه لم تقم عليه بيّنة، وإنّما تطوّع بالإقرار من نفسه، وإذا كان للإمام الذي من الله أن يُعاقب عن الله، كان له أن يمنّ عن الله، أما سمعت قول الله: هَذَا عَطَاؤُنَا. الآية.
قد أنبأناك بجميع ما سألتنا عنه، فاعلم ذلك، والحمد لله ربّ العالمين.
2 - وروى ابن شهرآشوب نحو ما تقدّم مع اختلاف في أوّل الحديث، ونحن نورد أوّل الحديث عن المناقب؛ لأنّ آخره مُشابه لما أوردناه في الحديث الأوّل.
قال ابن شهرآشوب: قال المُتوكّل لابن السّكّيت: اسأل ابن الرّضا مسألة عوصاء بحضرتي. فسأله فقال: لِمَ بعث الله موسى "عليه السّلام" بالعصا، وبعث عيسى "عليه السّلام" بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وبعث مُحمّداً "صلّى الله عليه وآله" بالقُرآن والسّيف ؟
فقال أبو الحسن "عليه السّلام": بعث الله موسى "عليه السّلام" بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السّحر، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم وأثبت الحجّة عليهم، وبعث عيسى "عليه السّلام" بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله في زمان الغالب على أهله الطّب، فأتاهم من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله فقهرهم وبهرهم، وبعث مُحمّداً "صلّى الله عليه وآله" بالقُرآن والسّيف في زمان الغالب على أهله السّيف والشّعر، فأتاهم من القُرآن الزّاهر والسّيف القاهر ما بهر به شعرهم، وقهر سيفهم، وأثبت الحجّة عليهم.
فقال ابن السّكّيت: فما الحجّة الآن ؟ قال: العقل، يُعرف به الكاذب على الله فيكذّب.
فقال يحيى بن أكثم: ما لابن السّكّيت ومناظراته، وإنّما هو صاحب نحو وشعر ولغة، ورفع قرطاساً فيه مسائل، فأملى عليّ بن مُحمّد "عليه السّلام" على ابن السّكّيت جوابها ... الحديث، وأورد بعدها المسائل وجوابها بنحو ما تقدّم في الحديث الأوّل.


النّصّ على إمامة الإمام الهادي عليه السّلام
فيما يلي بعض الرّوايات النّاصّة عليه "عليه السّلام" بالإمامة:
1 - عن إسماعيل بن مهران، قال: لمّا أُخرج أبو جعفر "عليه السّلام" من المدينة إلى بغداد في الدّفعة الأولى من خرجته، قُلت له عند خروجه: جُعلت فداك، إنّي أخاف عليك من هذا الوجه، فإلى مَن الأمر بعدك ؟ قال: فكرّ بوجهه إليّ ضاحكاً، وقال: ليس حيث ظننت في هذه السّنة. فلمّا اُستدعي به إلى المعتصم في المرّة الثّانية صرت إليه، فقُلت له: جُعلت فداك، أنت خارج، فإلى مَن هذا الأمر من بعدك ؟ فبكى حتى اُخضلت لحيته، ثمّ التفت إليّ فقال: عند هذه يُخاف عليّ، الأمر من بعدي إلى ابني عليّ.
2 - وعن الخيراني، عن أبيه، أنّه قال: كُنت ألزم باب أبي جعفر "عليه السّلام" للخدمة التي وكّلت بها، وكان أحمد بن مُحمّد بن عيسى الأشعري يجئ في السَّحر من آخر كلّ ليلة؛ ليتعرف خبر علّة أبي جعفر "عليه السّلام"، وكان الرّسول الذي يختلف بين أبي جعفر وبين الخيراني إذا حضر قام أحمد الأشعري وخلا به, قال الخيراني: فخرج ذات ليلة، وقام أحمد بن مُحمّد بن عيسى الأشعري عن المجلس وخلا بي الرّسول، واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام، فقال الرّسول: إنّ مولاك يقرأ عليك السّلام ويقول لك: إنّي ماض، والأمر صائر إلى ابني عليّ، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي. ثمّ مضى الرّسول ورجع أحمد إلى موضعه، فقال لي: ما الذي قال لك ؟ قُلت: خيراً، قال: قد سمعت ما قال. وأعاد عليّ ما سمع، فقُلت له: قد حرّم الله عليك ما فعلت؛ لأنّ الله تعالى يقول: وَلاَ تَجَسَّسُوا. فإذا سمعت فاحفظ الشّهادة لعلّنا نحتاج إليها يوماً ما، وإيّاك أن تظهرها إلى وقتها. قال: وأصبحت وكتبت نسخة الرّسالة في عشر رقاع، وختمتها ودفعتها إلى عشرة من وجوه أصحابنا، وقُلت: إن حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها. فلمّا مضى أبو جعفر "عليه السّلام" لم أخرج من منزلي حتى عرفت أنّ رؤساء العصابة قد اجتمعوا عند مُحمّد بن الفرج يتفاوضون في الأمر، وكتب إليّ مُحمّد بن الفرج يعلمني باجتماعهم عنده, ويقول: لولا مخافة الشّهرة لصرت معهم إليك، فأحبّ أن تركب إليّ. فركبت وصرت إليه، فوجدت القوم مجتمعين عنده، فتجارينا في الباب، فوجدت أكثرهم قد شكوا، فقُلت لِِمن عنده الرّقاع ـ وهم حضور ـ أخرجوا تلك الرّقاع. فأخرجوها، فقُلت لهم: هذا ما أُمرت به. فقال بعضهم: قد كُنّا نحبّ أن يكون معك في هذا الأمر آخر ليتأكّد القول. فقُلت لهم: قد أتاكم الله بما تحبّون، هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرّسالة فاسألوه. فسأله القوم، فتوقّف عن الشّهادة، فدعوته إلى المُباهلة، فخاف منها وقال: قد سمعت ذلك، وهي مكرمة كنت أحبّ أن تكون لرجل من العرب، فأمّا مع المُباهلة فلا طريق إلى كتمان الشّهادة. فلم يبرح القوم حتى اعترفوا بإمامة أبي الحسن وزال عنهم الرّيب في ذلك.
3 - وعن الصّقر بن دلف، قال: سمعت أبا جعفر مُحمّد بن عليّ الرّضا "عليه السّلام" يقول: إنّ الإمام بعدي ابني عليّ، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمامة بعده في ابنه الحسن.
4 - عن أحمد بن مُحمّد بن عيسى، عن أبيه: أنّ أبا جعفر "عليه السّلام" لمّا أراد الخروج من المدينة إلى العراق ومعاودتها، أجلس أبا الحسن "عليه السّلام" في حجره بعد النّص عليه، وقال له: ما الذي تحبّ أن أهدي إليك من طرائف العراق ؟ فقال "عليه السّلام": سيفاً كأنّه شعلة نار. ثمّ التفت إلى موسى ابنه وقال له: ما تحبّ أنت ؟ فقال: فرساً. فقال "عليه السّلام": أشبهني أبو الحسن، وأشبه هذا أُمّه.
5 - وعن أُميّة بن عليّ القيسي، قال: قُلت لأبي جعفر الثّاني "عليه السّلام": مَن الخلف من بعدك ؟ قال: ابني عليّ.
6 - وعنه، قال: أخبرني مُحمّد بن إسماعيل بن بزيع أنّه حضر أُميّة بن عليّ وهو يسأل أبا جعفر الثّاني "عليه السّلام" عن ذلك, فأجاب بمثل ذلك الجواب.


النّصّ على الإمام من بعد الإمام الهادي عليهم السّلام
كان الإمام بعد أبي الحسن عليّ بن مُحمّد الهادي "عليه السّلام" ابنه أبا مُحمّد الحسن بن عليّ العسكري "عليه السّلام"؛ لنصّ أبيه "عليه السّلام" عليه، وإشارته بالخلافة إليه، وفيما يلي طرف من تلك الأخبار:
1 - عن يحيى بن يسار القنبري، قال: أوصى أبو الحسن عليّ بن مُحمّد [الهادي] إلى ابنه الحسن "عليه السّلام" قبل مضيه بأربعة أشهر، وأشار إليه بالأمر من بعده، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي.
2 - عن عليّ بن عمرو النّوفلي، قال: كُنت مع أبي الحسن "عليه السّلام" في صحن داره، فمرّ بنا مُحمّد ابنه الخلف، فقُلت: جُعلت فداك، هذا صاحبنا بعدك ؟ فقال: لا، صاحبكم بعدي الحسن.
3 - عن عبد الله بن مُحمّد الأصبهاني، قال: قال أبو الحسن "عليه السّلام": صاحبكم بعدي الذي يصلّي عليّ. قال: ولم نكن نعرف أبا مُحمّد قبل ذلك، قال: فخرج أبو مُحمّد بعد وفاته "عليه السّلام" فصلّى عليه.
4 - عن عليّ بن جعفر، قال: كُنت حاضراً أبا الحسن "عليه السّلام" لمّا توفي ابنه مُحمّد فقال للحسن: يا بُني، أحدث لله شكراً، فقد أحدث فيك أمراً.
5 - وعن أحمد بن مُحمّد بن عبد الله بن مروان الأنباري، قال: كُنت حاضراً عند مضي أبي جعفر مُحمّد بن عليّ "عليه السّلام"، فجاء أبو الحسن "عليه السّلام" فوضع له كرسي فجلس عليه، وحوله أهل بيته، وأبو مُحمّد ابنه قائم في ناحية، فلمّا فرغ من أمر أبي جعفر, التفت إلى أبي مُحمّد "عليه السّلام"، فقال: يا بُني، أحدث لله شكراً، فقد أحدث فيك أمراً.
6 - وعن عليّ بن مهزيار، قال: قُلت لأبي الحسن "عليه السّلام": إن كان كون - وأعوذ بالله - فإلى مَن ؟ قال: عهدي إلى الأكبر من ولدي، يعني الحسن "عليه السّلام".
7 - عن عليّ بن عمرو العطار، قال: دخلت على أبي الحسن "عليه السّلام" وابنه أبو جعفر يحيا، وأنا أظنّ أنّه هو الخَلَف من بعده، فقُلت له: جُعلت فداك، من أخص من ولدك ؟ فقال: لا تخصّوا أحداً حتى يخرج إليكم أمري. قال: فكتبت إليه بعد: في مَن يكون هذا الأمر ؟ قال: فكتب إليّ: في الأكبر من ولدي. قال: وكان أبو مُحمّد "عليه السّلام" أكبر من جعفر.
8 - وعن سعد بن عبد الله، عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحُسين الأفطس، أنّهم حضروا يوم توفّي مُحمّد بن عليّ بن مُحمّد "عليه السّلام" دار أبي الحسن "عليه السّلام" وقد بسط له في صحن داره، والنّاس جلوس حوله، فقالوا: قدّرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني العبّاس وقُريش مئة وخمسون رجلاً سوى مواليه وسائر النّاس، إذ نظر إلى الحسن بن عليّ "عليه السّلام" وقد جاء مشقوق الجيب حتى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه، فنظر إليه أبو الحسن "عليه السّلام" بعد ساعة من قيامه، ثمّ قال له: يا بُني، أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً. فبكى الحسن "عليه السّلام" واسترجع، فقال: الحمدُ لله ربّ العالمين، وإيّاه أسأل تمام نعمه علينا، إنّا لله وإنّا إليه راجعون. فسألناه عنه، فقيل لنا: هذا الحسن ابنه، فقدرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة ونحوها، فيومئذ عرفناه وعلمنا أنّه قد أشار إليه بالإمامة، وأقامه مقامه.
9 - وعن مُحمّد بن يحيى، قال: دخلت على أبي الحسن "عليه السّلام" بعد مضي أبي جعفر ابنه، فعزيته عنه، وأبو مُحمّد جالس، فبكى أبو مُحمّد، فأقبل عليه أبو الحسن "عليه السّلام"، فقال: إنّ الله تعالى قد جعل فيك خلفاً منه، فأحمد الله عزّ وجلّ.
10 - وعن شاهويه بن عبد الله، قال: كتب إليّ أبو الحسن "عليه السّلام" في كتاب: أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر وقلقت لذلك، فلا تقلق فإنّ الله لا يضلّ قوماً بعد إذ هداهم حتى يُبين لهم ما يتّقون، صاحبك أبو مُحمّد ابني، وعنده ما تحتاجون إليه، يقدّم الله ما يشاء ويؤخّر ما يشاء: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا.
11 - وعن داود بن القاسم الجعفري، قال: سمِعت أبا الحسن "عليه السّلام" يقول: الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكُم بالخلف من بعد الخلف ؟ فقُلت: ولِم جعلني الله فداك ؟ فقال: إنّكم لا ترون شخصه، ولا يحلّ لكم ذكره باسمه. فقُلت: فكيف نذكره ؟ فقال: قولوا: الحجّة من آل مُحمّد (عليه السّلام وعليهم).
12 - وعن السّيّد عبد العظيم الحسني, قال: دخلت على سيّدي عليّ بن مُحمّد "عليه السّلام"، فلمّا بصرني قال لي: مرحباً بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقّاً. قال: فقُلت له: يا بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله), إنّي أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضياً ثبّت عليه حتى ألقى الله عزّ وجلّ. فقال: هات يا أبا القاسم. فقُلت: إنّي أقول: إنّ الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء، خارج من الحدّين ـ حدّ الإبطال، وحدّ التّشبيه ـ وأنّه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسّم الأجسام، ومصوّر الصّور، وخالق الأعراض والجواهر، وربّ كلّ شيء ومالكه وجاعله ومحدثه، وأنّ مُحمّداً عبده ورسوله، خاتم النّبيين لا نبي بعده إلى يوم القيامة، وأنّ شريعته خاتمة الشّرائع، ولا شريعة بعدها إلى يوم القيامة. وأقول: إنّ الإمام والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحُسين، ثمّ عليّ بن الحُسين، ثمّ مُحمّد بن عليّ، ثمّ جعفر بن مُحمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ مُحمّد بن عليّ، ثمّ أنت يا مولاي. فقال "عليه السّلام": ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده ؟ قال: فقُلت: وكيف ذلك يا مولاي ؟ قال: لأنّه لا يُرى شخصه، ولا يحلّ ذكره باسمه حتى يخرج، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً. قال: فقُلت: أقررت ... الحديث.
13 - وعن عبد الله بن سُليمان الخلال، قال: كُنت رويت عن أبي الحسن الرّضا "عليه السّلام" في أبي جعفر "عليه السّلام" روايات تدلّ عليه، فلمّا مضى أبو جعفر "عليه السّلام" قُلقت لذلك وبقيت متحيّراً لا أتقدم ولا أتأخّر، وخفت أن أكتب إليه في ذلك ولا أدري ما يكون, وكتبت إليه أسأله الدّعاء أن يفرّج الله عنّا في أسباب من قبل السّلطان، كنّا نغتمّ بها من غلماننا، فرجع الجواب بالدّعاء وردّ علينا الغلمان، وكتب في آخر الكتاب: أردت أن تسأل عن الخلف بعد مضي أبي جعفر "عليه السّلام"، فقلقت لذلك: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ. صاحبك بعدي أبو مُحمّد ابني عنده ما تحتاجون إليه، يقدّم الله ما يشاء ويؤخّر: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا. قد كتبت بما فيه بيان وإقناع لذي عقل يقظان.
14 - وعن أبي بكر الفهفكي، قال: كتب إليّ أبو الحسن "عليه السّلام": أبو مُحمّد ابني أصحّ آل مُحمّد غريزة، وأوثقهم حجّة، وهو الأكبر من ولدي، وهو الخلف، وإليه تنتهي عُرى الإمامة وأحكامها، وما كنت سائلي عنه فسله عنه، فعنده ما تحتاج إليه، ومعه آلة الإمامة.
15 - وعن الصّقر بن دلف، قال: سمعت عليّ بن مُحمّد بن عليّ الرّضا "عليه السّلام" يقول: الإمام بعدي الحسن، وبعد الحسن ابنه القائم، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظُلماً.
16 - وعن أحمد بن عيسى العلوي ـ من ولد عليّ بن جعفر ـ قال: دخّلت على أبي الحسن "عليه السّلام" بصرياً، فسلّمنا عليه، فإذا نحن بأبي جعفر وأبي مُحمّد قد دخلا، فقمنا إلى أبي جعفر لنسلّم عليه، فقال أبو الحسن "عليه السّلام": ليس هذا صاحبكم، عليكم بصاحبكم. وأشار إلى أبي مُحمّد "عليه السّلام".
17 - وعن يحيى بن يسار القنبري، قال: أوصى أبو الحسن "عليه السّلام" إلى ابنه الحسن "عليه السّلام" قبل مضيه بأربعة أشهر، وأشار إليه بالأمر من بعده، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي.


أصحاب وروات الإمام الهادي عليه السّلام
1 - أحمد بن حمزة بن اليسع.
2 - صالح بن مُحمّد الهمداني.
3 - مُحمّد بن جزك الجمّال.
4 - يعقوب بن يزيد الكاتب.
5 - أبو الحُسين بن هلال.
6 - إبراهيم بن إسحاق.
7 - خيران الخادم.
8 - النّضر بن مُحمّد الهمداني.
9 - إبراهيم, يُكنّى أبا مُحمّد.
10 - إبراهيم بن أبي بكر الرّازي, أبو مُحمّد.
11 - إبراهيم بن إسحاق.
12 - إبراهيم بن إدريس القُمّي.
13 - إبراهيم بن إسحاق بن أزور.
14 - إبراهيم بن داود بن عليّ بن يعقوب اليعقوبي.
15 - إبراهيم بن شيبة الأصفهاني.
16 - إبراهيم بن عبدة النّيسابوري.
17 - إبراهيم بن عقبة.
18 - إبراهيم بن مُحمّد السّابوري.
19 - إبراهيم بن مُحمّد بن فارس النّيسابوري.
20 - إبراهيم بن مُحمّد الهمداني.
21 - إبراهيم بن مهزيار الأهوازي, أبو إسحاق.
22 - أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود بن حمدون.
23 - أحمد بن أبي عبد الله البرقي.
24 - أحمد بن إسحاق الرّازي.
25 - أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري، أبو عليّ القُمّي.
26 - أحمد بن إسماعيل بن يقطين.
27 - أحمد بن الحسن بن إسحاق بن سعد.
28 - أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال.
29 - أحمد بن حمزة بن اليسع بن عبد الله القُمّي.
30 - أحمد بن زكريا بن بابا القُمّي.
31 - أحمد بن عامر بن سُليمان بن صالح بن وهب بن عامر.
32 - أحمد بن مُحمّد السّياري.
33 - أحمد بن مُحمّد بن عُبيد الله الأشعري القُمّي.
34 - أحمد بن مُحمّد بن عيسى الأشعري القُمّي.
35 - أحمد بن مطهر.
36 - إسحاق بن إسماعيل بن نوبخت.
37 - أيّوب بن نوح بن دراج النّخعي.
38 - بشر بن بشّار النّيشابوري.
39 - بشر بن سُليمان النّخاس.
40 - بوطير الخادم, كان من خدّام الإمام أبي الحسن عليّ بن مُحمّد الهادي "عليه السّلام"، وهو الذي سمّاه بهذا الإسم.
41 - جعفر بن إبراهيم.
42 - جعفر بن أحمد.
43 - جعفر بن رزق الله.
44 - جعفر بن سُليمان.
45 - جعفر بن سهيل الصّيقل.
46 - جعفر بن عبد الله بن الحُسين بن جامع.
47 - جعفر بن عيسى بن يقطين.
48 - جعفر بن مُحمّد بن إسماعيل بن الخطّاب.
49 - جعفر بن مُحمّد بن يونس الأحول, الصّيرفي.
50 - جعفر بن هشام.
51 - جميل بن نوح بن دراج النّخعي.
52 - حاتم بن نوح.
53 - الحسن بن جعفر, المعروف بأبي طالب الفافاني، بغدادي.
54 - الحسن بن الحسن العلوي.
55 - الحسن بن الحُسين العلوي.
56 - الحسن بن خرزاد القُمّي.
57 - الحسن بن راشد.
58 - الحسن بن سفيان الكوفي.
59 - الحسن الصّيقل.
60 - الحسن بن ظريف.
61 - الحسن بن عبد الرّحمن.
62 - الحسن بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن عمر بن عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب، النّاصر للحقّ.
63 - الحسن بن عليّ الوشاء.
64 - الحسن بن مالك.
65 - الحسن بن مُحمّد بن أخي مُحمّد بن رجاء الخيّاط.
66 - الحسن بن مُحمّد بن حي.
67 - الحسن بن مسعود.
68 - الحسن بن مصعب.
69 - الحُسين بن أسد البصري.
70 - الحُسين بن أسد النّهدي.
71 - الحُسين بن إسماعيل.
72 - الحُسين بن إشكيب القُمّي.
73 - الحُسين بن سعيد بن حمّاد الأهوازي.
74 - الحُسين بن عليّ الصّنعاني.
75 - الحُسين بن مالك القُمّي.
76 - الحُسين بن مُحمّد بن جمهور.
77 - الحُسين بن مُحمّد المدائني.
78 - الحُسين بن يحيى.
79 - حفص الجوهري.
80 - حفص المروزي.
81 - حمدان بن إسحاق الخراساني.
82 - حمدان بن إسحاق الزّنجاني القزويني.
83 - حمدان بن سُليمان.
84 - حمزة بن مُحمّد.
85 - الخضر بن مُحمّد البزاز.
86 - خليل بن هشام الفارسي.
87 - خيران بن إسحاق الزّاكاني.
88 - خيران الخادم القراطيسي.
89 - داود بن أبي زيد.
90 - داود الصّرمي.
91 - داود الصّيرفي.
92 - داود بن فرقد الفارسي.
93 - داود بن القاسم الجعفري، داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب, أبو هاشم.
94 - رجاء بن يحيى العبرتائي.
95 - الرّيّان بن الصّلت البغدادي.
96 - زنكان أبو سليم.
97 - زيد بن عليّ بن الحُسين.
98 - السّري بن سلامة الأصفهاني.
99 - سعد بن الأحوص الأشعري.
100 - سعيد بن سهل البصري.
101 - سعيد بن عيسى.
102 - سعيد الملاح.
103 - سُليمان بن جعفر المروزي.
104 - سُليمان بن حفصويه.
105 - سُليمان بن داود المروزي.
106 - السّندي بن مُحمّد.
107 - سهل بن زياد الآدمي.
108 - سهل بن مُحمّد.
109 - سهل بن يعقوب.
110 - شاهويه بن عبد الله.
111 - صالح بن الحكم.
112 - صالح بن سعيد.
113 - صالح بن عيسى بن عمر بن بزيع.
114 - صالح بن مُحمّد الهمداني.
115 - صالح بن مُسلمة الرّازي.
116 - الصّقر الجبلي.
117 - الصّقر بن أبي دلف.
118 - الطّيب بن مُحمّد.
119 - العبّاس بن موسى الورّاق.
120 - العبّاسي.
121 - عبد الرّحمن الأصبهاني.
122 - عبد الرّحمن بن مُحمّد بن طيفور المتطبب.
123 - عبد الرّحمن بن مُحمّد بن معروف القُمّي.
124 - عبد الصّمد بن مُحمّد القُمّي.
125 - عبد العظيم بن عبد الله الحسني.
126 - عبد الله بن جبلة الكناني.
127 - عبد الله بن جعفر.
128 - عبد الله بن مُحمّد بن عُبيد الله.
129 - عتّاب بن أبي عتّاب.
130 - عثمان بن سعيد العُمري.
131 - عروة بن يحيى.
132 - عليّ بن إبراهيم.
133 - عليّ بن إبراهيم الهمداني.
134 - عليّ بن بلال, بغدادي، يُكنّى أبا الحسن.
135 - عليّ بن جعفر الهماني.
136 - عليّ بن جعفر الهمداني.
137 - عليّ بن الحسن.
138 - عليّ بن الحسن بن الحُسين القنوي.
139 - عليّ بن الحسن بن فضّال.
1140 - عليّ بن الحُسين.
141 - عليّ بن الحُسين بن عبد ربّه.
142 - عليّ بن الحُسين الهمداني.
143 - عليّ بن رميس البغدادي.
144 - عليّ بن الرّيان بن الصّلت الأشعري القُمّي.
145 - عليّ بن زياد الصّيمري.
146 - عليّ بن سُليمان بن رشيد البغدادي.
147 - عليّ بن شيرة.
148 - عليّ بن عبد الغفّار.
149 - عليّ بن عبد الله.
150 - عليّ بن عبد الله الزّبيري.
151 - عليّ بن عبد الله بن جعفر الحميري.
152 - عليّ بن عبد الله بن مروان.
153 - عليّ بن عُبيد الله.
154 - عليّ بن عمرو العطّار القزويني.
155 - عليّ بن قرّة, يُكنّى أبا الحسن.
156 - عليّ بن مُحمّد الحذّاء.
157 - عليّ بن مُحمّد بن زياد الصّيمري.
158 - عليّ بن مُحمّد القاساني الأصفهاني.
159 - عليّ بن مُحمّد المنقري.
160 - عليّ بن مُحمّد النّوفلي.
161 - عليّ بن معبد.
162 - عليّ بن مهزيار الأهوازي.
163 - عمران بن إسماعيل القُمّي.
164 - عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور.
165 - الفتح بن خاقان, وزير المُتوكّل.
166 - فتح بن يزيد الجرجاني.
167 - الفضل بن شاذان النّيسابوري, أبو مُحمّد.
168 - الفضل بن كثير, بغدادي.
169 - الفضل بن المبارك.
170 - القاسم الصّيقل.
171 - القاسم بن مُحمّد الزّيّات.
172 - كافور الخادم.
173 - كلثم الكرخية.
174 - مُحمّد بن إبراهيم.
175 - مُحمّد بن أبي الصّهبان, وهو مُحمّد بن عبد الجبّار.
176 - مُحمّد بن أبي طيفور المتطبب.
177 - مُحمّد بن أحمد بن إبراهيم.
178 - مُحمّد بن أحمد بن حمّاد المُحمّدي.
179 - مُحمّد بن أحمد بن عُبيد الله بن المنصور, أبو الحسن.
180 - مُحمّد بن أحمد بن عليّ بن إبراهيم.
181 - مُحمّد بن أحمد بن مطهر.
182 - مُحمّد بن أحمد المنصوري.
183 - مُحمّد بن أحمد بن مهران.
184 - مُحمّد بن إسماعيل البلخي.
185 - مُحمّد بن إسماعيل الصّيمري.
186 - مُحمّد بن أورمة.
187 - مُحمّد بن بحر.
188 - مُحمّد بن جزك الجمّال.
189 - مُحمّد بن جعفر الهمداني.
190 - مُحمّد بن حسّان الرّازي الزّينبي.
191 - مُحمّد بن الحسن الأشتر العلوي.
192 - مُحمّد بن الحسن الحضيني.
193 - مُحمّد بن الحُسين بن أبي الخطّاب, أبو جعفر الزّيّات.
194 - مُحمّد بن الحُصين الأهوازي.
195 - مُحمّد بن حمزة القُمّي.
196 - مُحمّد بن خالد الرّازي, يُكنّى أبا العبّاس.
197 - مُحمّد بن داود القُمّي.
198 - مُحمّد بن رجاء الحنّاط.
199 - مُحمّد بن الرّيّان بن الصّلت الأشعري القُمّي.
200 - مُحمّد بن سرد "سرو".
201 - مُحمّد بن سعيد بن كلثوم, المروزي.
202 - مُحمّد بن سُليمان الجلاب.
203 - مُحمّد بن صيفي.
204 - مُحمّد بن عبد الجبّار القُمّي.
205 - مُحمّد بن عبد الرّحمن الهمداني النّوفلي.
206 - مُحمّد بن عبد الله الطّاهري.
207 - مُحمّد بن عُبيد الله.
208 - مُحمّد بن عثمان العمري.
209 - مُحمّد بن عليّ بن حمزة بن الحُسين بن عُبيد الله بن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب "عليه السّلام"، أبو عبد الله.
210 - مُحمّد بن عليّ بن شجاع النّيسابوري.
211 - مُحمّد بن عليّ بن عيسى, الأشعري، القُمّي.
212 - مُحمّد بن عليّ بن مهزيار.
213 - مُحمّد بن عمر الحضيني.
214 - مُحمّد بن عيسى بن عُبيد اليقطيني.
215 - مُحمّد بن الفرج.
216 - مُحمّد بن الفضل.
217 - مُحمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى العلوي.
218 - مُحمّد بن مروان الجلاب.
219 - مُحمّد بن مروان الخطّاب.
220 - مُحمّد بن موسى الرّبعي.
221 - مُحمّد بن موسى بن فرات.
222 - مُحمّد بن نوح.
223 - مُحمّد بن يحيى, يُكنّى أبا يحيى البصري.
224 - مُحمّد بن يحيى بن درياب.
225 - مسافر, مولاه "عليه السّلام".
226 - مصقلة بن إسحاق الأشعري القُمّي.
227 - معاوية بن حكيم بن معاوية بن عمّار الكوفي.
228 - معلّى بن مُحمّد.
229 - منصور بن العبّاس.
230 - موسى بن داود اليعقوبي.
231 - موسى بن عبد الله النّخعي.
232 - موسى بن عمر بن بزيع.
233 - موسى بن مُحمّد الجواد "عليه السّلام", وهو أخو الإمام الهادي "عليه السّلام"، ويُعرف بموسى المبرقع، وهو جدّ السّادة الرّضوية، ومرقده في قُم.
234 - موسى بن مُحمّد الحضيني.
235 - موسى بن مرشد الوزان النّيسابوري.
236 - نضر بن حازم القُمّي.
237 - النّضر بن مُحمّد الهمداني.
238 - هارون بن الفضل.
239 - هارون بن مُسلم بن سعدان.
240 - هاشم بن هانئ الهمداني المرادي.
241 - هبة الله بن أبي منصور.
242 - يحيى بن أبي بكر الرّازي الضّرير.
243 - يحيى بن عبد الرّحمن.
244 - يحيى بن مُحمّد.
245 - يعقوب بن إسحاق بن السّكّيت.
246 - يعقوب البجلي.
247 - يعقوب بن منقوش.
248 - يعقوب بن يزيد الكاتب.
249 - ابن أبي طيفور.
250 - أبو بكر الرّازي.
251 - أبو بكر الفهفكي.
252 - أبو الحسن بن رجاء العبرتائي.
253 - أبو الحُسين بن الحُصين.
254 - أبو الحُسين بن هلال.
255 - أبو الحُصين بن الحُصين الحُصيني.
256 - أبو دعامة.
257 - أبو طاهر بن حمزة.
258 - أبو طاهر بن مُحمّد, وأبو الحسن، وأبو المتطبب، بنو عليّ بن بلال بن راشته المتطبب.
259 - أبو طاهر البرقي.
260 - أبو الطّيب المديني.
261 - أبو عبد الله بن أبي الحُسين.
262 - أبو عبد الله المعاذي.
263 - أبو عبد الله المكاري.
264 - أبو عليّ بن راشد.
265 - أبو عمرو الحذّاء.
266 - أبو الغوث المنبجي.
267 - أبو مُحمّد بن إبراهيم.
268 - أبو مُقاتل الدّيلمي.
269 - أبو يحيى الجرجاني, وهو أحمد بن داود بن سعيد الفزاري.
270 - أبو يعقوب البجلي.
271 - أبو يعقوب البغدادي.


شهادة الإمام الهادي عليه السّلام
يظهر من حياة الإمام الهادي "عليه السّلام" أنّ السّنين السّبعة التي قضاها في عهد المُنتصر والمستعين والمعتز لم يشهد فيها ما شهده في عهد المُتوكّل من التّحدّيات والوشايات بين الحين والآخر، وقد اكتفى الحكّام الثّلاثة بفرض الإقامة الجبرية عليه في مدينة الجيش سامرّاء، وانتهت بمقتله مسموماً "عليه السّلام" في عهد المعتز.
ولعلّ السّبب في ذلك أنّ سلطة الحكّام العبّاسيين في تلك الفترة من تأريخ خلافة بني العبّاس قد تلاشت تقريباً، ولم يعد للخليفة منها غير الاسم، وأصبح الحكم للقادة الأتراك وغيرهم، فهم يتولون الأمر والنّهي، وهم يعزلون الخليفة أو يقتلونه ويولّون غيره.
وانتهت قصّة الصّراع المرير بين إمامنا الهادي "عليه السّلام" ورموز السّلطة العبّاسية بدس السّم إليه من قبل المعتز، وصلّى عليه ابنه الإمام بعده أبو مُحمّد الحسن العسكري "عليه السّلام"، وذلك في يوم الاثنين المُصادف الثّالث من رجب سنة 254 ه‍. وقيل وفاته في يوم الاثنين الخامس والعشرون من جمادى الآخرة سنة 254 ه‍
واكتظّ النّاس في موكب توديع وتشييع الإمام "عليه السّلام"، وخرج الإمام أبو مُحمّد الحسن العسكري في جنازته مشقوق القميص، وكان أبو أحمد بن هارون الرّشيد، المبعوث من قبل المعتز العبّاسي للصلاة على جثمان الإمام "عليه السّلام" لمّا رأى اجتماع النّاس وضجّتهم أمر بردّ النّعش إلى دار الإمام "عليه السّلام" فدُفن هُناك، وكان المعتز قد أرسل مبعوثه للتغطية على جريمته النّكراء، كما هو ديدن أسلافه العبّاسيين مع الأئمّة الهُداة من عترة المُصطفى "عليهم السّلام".
قال الشّاعر:
ثم نال المعتز ما شاء منه * إذ سقاه السم النقيع جهارا
فاستشاطت له البلاد وصارت * صيحة طبقت بها الأقطارا


فضل زيارة الإمام الهادي عليه السّلام
1 - قيل للإمام الصّادق "عليه السلام": ما لِمَن زار أحداً منكم ؟ قال "عليه السّلام": كمن زار رسول الله "صلّى الله عليه وآله".
2 - عن أبي هاشم الجعفري, قال: قال لي أبو مُحمّد الحسن بن عليّ "عليه السّلام": قبري بسر من رأى, أمان لأهل الجانبين.
3 - وقال العلامة المجلسي "رحمه الله" في زيارة الإمامين العسكريين "عليهما السّلام": اعلم أنّ زيارتهما "صلوات الله عليهما" في الأوقات والأيّام الشّريفة والأزمان المختصّة بهما أفضل وأنسب، كيوم ولادة الإمام الهادي "عليه السّلام" وهو في النّصف من ذي الحجّة، وبرواية ابن عياش ثاني رجب، أو خامسه، وبرواية إبراهيم بن هاشم ثالث عشر رجب، والأوّل أشهر، ولكن كونه في رجب قد ورد به الخبر، ويوم وفاته وهو ثالث رجب برواية إبراهيم بن هاشم وغيره، أو ثانيه وخامسه على بعض الأقوال، أو لأربع بقين من جمادى الآخرة برواية الشّيخ الكليني، ويوم إمامته وهو آخر ذي القعدة أو الحادي عشر منه.
ويوم ولادة الإمام العسكري "عليه السّلام" وهو عاشر ربيع الثّاني على قول المُفيد والشّيخ، أو ثامنه على قول الطّبرسي، أو رابعه على قول الشّهيد، ويوم وفاته وهو ثامن ربيع الأوّل على قول الشّيخ الكُليني والشّيخ الطّوسي في التّهذيب والطّبرسي والشّهيد "رحمهم الله"، أو أوّله على قول الشّيخ الطّوسي في المصباح، ويوم انتقال الخلافة إليه، وهو يوم وفاة والده صلوات الله عليهما.


زيارة الإمام الهادي عليه السّلام
قال الصّدوق "رحمه الله": إذا أردت زيارة قبر الإمامين العسكريين "عليهما السّلام" فاغتسل وتنظّف، والبس ثوبيك الطّاهرين، فإن وصلت إلى قبريهما، وإلاّ أومأت من عند الباب الذي على الشّارع وتقول:
السّلام عليكما يا وليي الله، السّلام عليكما يا حجتي الله، السّلام عليكما يا نوري الله في ظُلمات الأرض، أتيتكما عارفاً بحقّكما، معادياً لأعدائكما، موالياً لأوليائكما، مؤمناً بما آمنتما به، كافراً بما كفرتما به، محقّقاً لما حققتما، مبطلاً لما أبطلتما, أسأل الله ربّي وربّكما أن يجعل حظّي من زيارتي إيّاكما الصّلاة على مُحمّد وآله، وأن يرزقني مرافقتكما في الجنان مع آبائكما الصّالحين، وأسأله أن يعتق رقبتي من النّار، وأن يرزقني شفاعتكما ومصاحبتكما، ويعرّف بيني وبينكما، ولا يسلبني حبّكما وحبّ آبائكما الصّالحين، وأن لا يجعله آخر العهد من زيارتكما، وأن يجعل محشري معكما في الجنّة برحمته.
اللّهمّ ارزقني حبّهما، وتوفني على ملّتهما.
اللّهمّ العن ظالمي آل مُحمّد حقّهم، وانتقم منهم, اللّهمّ العن الأوّلين منهم والآخرين، وضاعف عليهم العذاب الأليم، وبلّغ بهم وبأشياعهم ومحبّيهم وشيعتهم أسفل درك من الجحيم، إنّك على كلّ شيء قدير.
اللّهمّ عجّل فرج وليك وابن وليك، واجعل فرجنا مع فرجه يا أرحم الرّاحمين.
قال: وتجتهد في الدّعاء لنفسك ولوالديك، وصل عندهما لكلّ زيارة ركعتين ركعتين، وإن لم تصل إليهما دخلت بعض المساجد وصليت لكلّ إمام لزيارته ركعتين ركعتين، وادع الله بما أحببت، إنّ الله قريب مُجيب.

   

 

اسمه ونسبه"عليه السّلام"
هوالإمام مُحمّد الحجّة بن الحسن العسكري بن عليّ الهادي بن مُحمّد الجواد بن عليّ الرّضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصّادق بن مُحمّد الباقر بن عليّ السّجاد بن الحُسين سيّد الشّهداء بن عليّ بن أبي طالب "عليهم السّلام".

والدته"عليه السّلام"
هي نرجس أومليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الرّوم، وهي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون.

تاريخ ولادته"عليه السّلام"
ولد"عليه السّلام" في ليلة النّصف من شعبان سنة 255 هـ في سر من رآى" سامرّاء".


كيفية ولادته"عليه السّلام"
1 - عن حكيمة بنت مُحمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن مُحمّد بن عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب"عليهم السّلام"، قالت: بعث إليّ أبومُحمّد الحسن بن عليّ" عليهما السّلام", فقال: يا عمّة, اجعلي إفطارك [ هذه ] الليلة عندنا, فإنّها ليلة النّصف من شعبان, فإنّ الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة وهوحجّته في أرضه. قالت: فقُلت له: ومَن أُمّه ؟ قال لي: نرجس. قُلت له: جعلني الله فداك! ما بها أثر. فقال: هوما أقول لك. قالت: فجئت، فلمّا سلّمت وجلست, جاءت تنزع خفي وقالت لي: يا سيّدتي [ وسيّدة أهلي ] كيف أمسيت ؟ فقُلت: بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي. قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمّة ؟ قالت: فقلت لها: يا بنيّة, إنّ الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدّنيا والآخرة. قالت: فخجلت واستحيت. فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة, أفطرت وأخذت مضجعي فرقدت، فلمّا أن كان في جوف الليل, قمت إلى الصّلاة ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث, ثمّ جلست معقّبة ثمّ اضطجعت ثمّ انتبهت فزعة وهي راقدة، ثمّ قامت فصلّت ونامت.
قالت حكيمة: وخرجت أتفقّد الفجر فإذا أنا بالفجر الأوّل كذنب السّرحان وهي نائمة فدخلني الشّكوك، فصاح بي أبومُحمّد"عليه السّلام" من المجلس, فقال: لا تعجلي يا عمّة, فهاك الأمر قد قرب. قالت: فجلست وقرأت ألم السّجدة ويس، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة فوثبت إليها, فقلت: اسم الله عليك. ثمّ قُلت لها: أتحسّين شيئاً ؟ قالت: نعم يا عمّة. فقُلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قُلت لك. قالت: فأخذتني فترة وأخذتها فترة فانتبهت بحسّ سيّدي, فكشفت الثّوب عنه فإذا أنا به"عليه السّلام" ساجداً يتلقّى الأرض بمساجده, فضممته إليّ فإذا أنا به نظيف متنظّف, فصاح بي أبومُحمّد"عليه السّلام": هلمّي إليّ ابني يا عمّة. فجئت به إليه, فوضع يديه تحت أليتيه وظهره ووضع قدميه على صدره, ثمّ أدلى لسانه في فيه وأمرّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثمّ قال: تكلّم يا بُني. فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ مُحمّداً رسول الله"صلّى الله عليه وآله". ثمّ صلّى على أمير المؤمنين وعلى الأئمّة "عليهم السّلام" إلى أن وقف على أبيه، ثمّ أحجم. ثمّ قال أبومُحمّد"عليه السّلام": يا عمّة, اذهبي به إلى أُمّه؛ ليسلّم عليها وائتني به. فذهبت به, فسلّم عليها ورددته فوضعته في المجلس, ثمّ قال: يا عمّة, إذا كان يوم السّابع فأتينا.
قالت حكيمة: فلمّا أصبحت جئت لأسلّم على أبي مُحمّد"عليه السّلام" وكشفت السّتر لا تفقّد سيّدي"عليه السّلام" فلم أره، فقُلت: جُعلت فداك ما فعل سيّدي ؟ فقال: يا عمّة استودعناه الذي استودعته أمّ موسى"عليه السّلام".
قالت حكيمة: فلمّا كان في اليوم السّابع, جئت فسلّمت وجلست, فقال: هلمّي إليّ ابني. فجئت بسيّدي"عليه السّلام" وهو في الخرقة, ففعل به كفعلته الأولى، ثمّ أدلى لسانه في فيه كأنّه يغذّيه لبناً أوعسلاً، ثمّ قال: تكلّم يا بُني. فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله. وثنّى بالصّلاة على مُحمّد وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمّة الطّاهرين" صلوات الله عليهم أجمعين" حتى وقف على أبيه"عليه السّلام"، ثمّ تلا هذه الآية: بِسْمِ اللَّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ.
2 - عن عبد الله الطّهوي قال: قصدت حكيمة بنت مُحمّد"عليه السّلام" بعد مضي أبو مُحمّد"عليه السّلام" أسألها عن الحجّة, وما قد اختلف فيه النّاس من الحيرة التي هُم فيها, فقالت لي: اجلس. فجلست، ثمّ قالت: يا مُحمّد, إنّ الله تبارك وتعالى لا يُخلي الأرض من حجّة ناطقة أوصامتة، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحُسين" عليهما السّلام" تفضيلاً للحسن والحُسين, وتنزيهاً لهما أن يكون في الأرض عديلهما, إلاّ أنّ الله تبارك وتعالى خصّ ولد الحُسين بالفضل على ولد الحسن" عليهما السّلام", كما خصّ ولد هارون على ولد موسى"عليه السّلام" وإن كان موسى حجّة على هارون، والفضل لولده إلى يوم القيامة، ولا بدّ للأُمّة من حيرة يرتاب فيها المُبطلون ويخلص فيها المحقّون، كيلا يكون للخلق على الله حجّة، وإنّ الحيرة لا بدّ واقعة بعد مضي أبي مُحمّد الحسن"عليه السّلام". فقُلت: يا مولاتي, هل كان للحسن"عليه السّلام" ولد ؟ فتبسّمت ثمّ قالت: إذا لم يكُن للحسن"عليه السّلام" عقب فمَن الحجّة من بعده, وقد أخبرتك أنّه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحُسين" عليهما السّلام" ؟! فقُلت: يا سيّدتي, حدّثيني بولادة مولاي وغيبته"عليه السّلام". قالت: نعم, كانت لي جارية يُقال لها " نرجس", فزارني ابن أخي, فأقبل يحدّق النّظر إليها، فقُلت له: يا سيّدي, لعلّك هويتها فأرسلها إليك ؟ فقال لها: لا يا عمّة, ولكنّي أتعجّب منها. فقلت: وما أعجبك [ منها ] ؟ فقال"عليه السّلام": سيخرج منها ولد كريم على الله عزّ وجلّ الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظُلماً. فقُلت: فأرسلها إليك يا سيّدي ؟ فقال: استأذني في ذلك أبي"عليه السّلام". قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن"عليه السّلام", فسلّمت وجلست, فبدأني"عليه السّلام" وقال: يا حكيمة, ابعثي نرجس إلى ابني أبي مُحمّد. قالت: فقُلت: يا سيّدي, على هذا قصدتك على أن أستأذنك في ذلك. فقال لي: يا مُباركة, إنّ الله تبارك وتعالى أحبّ أن يشركك الأجر ويجعل لك في الخير نصيباً.
قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزينتها ووهبتها لأبي مُحمّد"عليه السّلام", وجمعت بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أيّاماً، ثمّ مضى إلى والده" عليهما السّلام" ووجهت بها معه.
قالت حكيمة: فمضى أبوالحسن"عليه السّلام" وجلس أبو مُحمّد"عليه السّلام" مكان والده, وكنت أزوره كما كُنت أزور والده, فجاءتني نرجس يوماً تخلع خفي، فقالت: يا مولاتي, ناوليني خفك. فقُلت: بل أنت سيّدتي ومولاتي, والله لا أدفع إليك خفي لتخلعيه ولا لتخدميني, بل أنا أخدمك على بصري. فسمع أبومُحمّد"عليه السّلام" ذلك, فقال: جزاك الله يا عمّة خيراً. فجلست عنده إلى وقت غروب الشّمس, فصحت بالجارية وقُلت: ناوليني ثيابي لانصرف. فقال"عليه السّلام": لا يا عمّتا, بيتي الليلة عندنا, فإنّه سيولد الليلة المولود الكريم على الله عزّ وجلّ, الذي يحيى الله عزّ وجلّ به الأرض بعد موتها. فقُلت: ممّن يا سيّدي؟ ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحبل ؟ فقال: من نرجس لا من غيرها. قالت: فوثبت إليها فقلّبتها ظهراً لبطن فلم أر بها أثر حبل، فعدت إليه"عليه السّلام" فأخبرته بما فعلت, فتبسّم ثمّ قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل؛ لأنّ مَثلها مثل أُمّ موسى"عليه السّلام" لم يظهر بها الحبل, ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها؛ لأنّ فرعون كان يشقّ بطون الحبالى في طلب موسى"عليه السّلام"، وهذا نظير موسى"عليه السّلام".
قالت حكيمة: فعدت إليها فأخبرتها بما قال وسألتها عن حالها, فقالت: يا مولاتي, ما أرى بي شيئاً من هذا.
قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي لا تقلب جنباً إلى جنب, حتى إذا كان آخر الليل وقت طلوع الفجر, وثبت فزعة فضممتها إلى صدري وسمّيت عليها, فصاح [ إليّ ] أبومُحمّد"عليه السّلام" وقال: اقرئي عليها: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. فأقبلت أقرأ عليها, وقُلت لها: ما حالك؟ قالت: ظهر [ بي ] الأمر الذي أخبرك به مولاي. فأقبلت أقرأ كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما أقرأ وسلّم عليّ.
قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت، فصاح بي أبومُحمّد"عليه السّلام": لا تعجبي من أمر الله عزّ وجلّ, إنّ الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغاراً، ويجعلنا حجّة في أرضه كباراً. فلم يستتمّ الكلام حتى غيّبت عنّي نرجس فلم أرها كأنّه ضُرب بيني وبينها حجاب, فعدوت نحوأبي مُحمّد"عليه السّلام" وأنا صارخة، فقال لي: ارجعي يا عمّة, فإنّك ستجديها في مكانها. قالت: فرجعت فلم ألبث أن كشف الغطاء الذي كان بيني وبينها, وإذا أنا بها وعليها من أثر النّور ما غشى بصري, وإذا أنا بالصّبي"عليه السّلام" ساجداً لوجهه، جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبابتيه، وهويقول:" أشهد أن لا إله إلاّ الله [ وحده لا شريك له ], وأنّ جدّي مُحمّداً رسول الله, وأنّ أبي أمير المؤمنين، ثمّ عدّ إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه. ثمّ قال: اللّهمّ انجز لي ما وعدتني, وأتمم لي أمري, وثبّت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً". فصاح بي أبومُحمّد"عليه السّلام", فقال: يا عمّة, تناوليه وهاتيه. فتناولته وأتيت به نحوه، فلمّا مثلت بين يدي أبيه وهوعلى يدي, سلّم على أبيه, فتناوله الحسن"عليه السّلام" منّي [ والطّير ترفرف على رأسه ], وناوله لسانه فشرب منه، ثمّ قال: امضي به إلى أُمّه لترضعه وردّيه إليّ. قالت: فتناولته أُمّه فأرضعته، فرددته إلى أبي مُحمّد"عليه السّلام" والطّير ترفرف على رأسه, فصاح بطير منها, فقال له: أحمله واحفظه ورده إلينا في كلّ أربعين يوماً. فتناوله الطّير وطار به في جوالسّماء وأتبعه سائر الطّير، فسمعت أبا مُحمّد"عليه السّلام" يقول:" أستودعك الله الذي أودعته أُمّ موسى." فبكت نرجس, فقال لها: اسكتي, فإنّ الرّضاع محرّم عليه إلاّ من ثديك, وسيعاد إليك كما ردّ موسى إلى أُمّه؛ وذلك قول الله عزّ وجلّ: فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ.
قالت حكيمة: فقُلت: وما هذا الطّير ؟ قال: هذا روح القُدس الموكل بالأئمّة"عليهم السّلام", يوفّقهم ويسددهم ويربيهم بالعلم.
قالت حكيمة: فلمّا كان بعد أربعين يوماً, رُدّ الغلام ووجّه إليّ ابن أخي"عليه السّلام" فدعاني، فدخلت عليه, فإذا أنا بالصّبي متحرّك يمشي بين يديه، فقُلت: يا سيّدي, هذا ابن سنتين ؟! فتبسّم"عليه السّلام"، ثمّ قال: إنّ أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمّة ينشؤون بخلاف ما ينشؤ غيرهم، وإنّ الصّبي منّا إذا كان أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة، وإنّ الصّبي منّا ليتكلّم في بطن أُمّه ويقرأ القُرآن ويعبد ربّه عزّ وجلّ، [ و] عند الرّضاع تطيعه الملائكة وتنزل عليه صباحاً ومساء.
قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصّبي في كلّ أربعين يوماً إلى أن رأيته رجلاً قبل مضي أبي مُحمّد"عليه السّلام" بأيّام قلائل فلم أعرفه، فقُلت لابن أخي"عليه السّلام": مَن هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه ؟ فقال لي: هذا ابن نرجس, وهذا خليفتي من بعدي, وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي.
قالت حكيمة: فمضى أبومُحمّد"عليه السّلام" بعد ذلك بأيّام قلائل، وافترق النّاس كما ترى, ووالله, إنّي لأراه صباحاً ومساء, وإنّه لينبئني عمّا تسألون عنه فأخبركم، ووالله, إنّي لأريد أن أسأله عن الشّئ فيبدأني به, وإنّه ليردّ عليّ الأمر فيخرج إليّ منه جوابه من ساعته من غير مسالتي, وقد أخبرني البارحة بمجيئك إليّ, وأمرني أن أخبرك بالحقّ.
قال مُحمّد بن عبد الله: فوالله, لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطّلع عليها أحد إلاّ الله عزّ وجلّ، فعلمت أنّ ذلك صدق وعدل من الله عزّ وجلّ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ قد أطلعه على ما لم يطّلع عليه أحداً من خلقه.

ألقابه وكُناه"عليه السّلام"
ألقابه: المهدي، القائم، المنتظر، والخلف الصّالح, صاحب الزّمان، الحجّة، الخاتم، صاحب الدّار.

أوصافه وشمائله عليه السّلام
1 ـ قال" صلّى الله عليه وآله": المهدي منّي، أجلى الجبهة، أقنى الأنف.
2 ـ وقال" صلّى الله عليه وآله": المهدي رجل من ولدي وجهه كالقمر الدّرّي, اللون لون عربي والجسم جسم اسرائيلي.
3 ـ وقال" صلّى الله عليه وآله": المهدي رجل أجلى الجبهه، أقنى الأنف، أزجّ الحواجب، أبلج، أعين، كثّ اللحية، برّاق الثّنايا، في وجهه خال، في كتفه علامة النّبيّ.
4 ـ وقال" صلّى الله عليه وآله": المهدي رجل من ولدي كأنّه من رجال بني اسرائيل, عليه عباءتان قطوانيتان, كأنّ وجهه الكوكب الدّرّي في اللون، في خدّه الأيمن خال أسود، ابن اربعين سنة.
5 ـ وقال الإمام أميرالمؤمنين"عليه السّلام": المهدي مشرب حمرة، مبدح البطن، عريض الفخذين, عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان، شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة النّبيّ"صلّى الله عليه وآله".
6 ـ قال رسول الله" صلّى الله عليه وآله": المهديُّ من وُلدي، ابن أربعين سنة, كأنَّ وجهه كوكبٌ دُرِّي, في خدِّه خال أسود، عليه عباءتان قطوانيتان كأنَّه من رجال بني إسرائيل يملك عشرين سنة، يستخرج الكنوز، ويفتح مدائن الشّرك".
7 ـ وقال الإمام أميرالمؤمنين"عليه السّلام" ـ في خطبة البيان:... هوصاحب الوجه الأقمر, والجبين الأزهر, وصاحب العلامة والشّامة، العالم غير معلَّم, المُخبر بالكائنات قبل أن يُعلم...
ألا وإنَّ المهدي يطلب القصاص ممّن لا يعرف حقَّنا، وهوالشّاهد بالحقّ وخليفة الله على خلقه، اسمه كاسم جدّه رسول الله" صلّى الله عليه وآله", ابن الحسن بن عليّ" العسكري" " عليهما السّلام"، من ولد فاطمة، من ذرّيّة الحُسين ولدي....

مَن رآه عليه السّلام قبل الغيبة الصّغرى
1 ـ عن عمر الأهوازي, قال: أراني أبومُحمّد ابنه "رضي الله عنهما" وقال: هذا إمامكم من بعدي.
2 ـ عن مُحمّد بن إسماعيل بن موسى الكاظم" رضي الله عنهم", قال: رأيت ولد أبي مُحمّد, ولد قدر جليل.
3 ـ عن إبراهيم بن إدريس, قال: رأيت المهدي بعد أن مضى أبومُحمّد" رضي الله عنهما" حين كان غلاماً أيفع, وقبّلت يديه ورأسه الشّريف.
4 ـ عن كامل بن إبراهيم, قال: دخلت على أبي مُحمّد الحسن وعلى باب بيته ستر, فجاءت الرّيح فكشفت طرف السّتر, فإذا غلام كأنّه القمر, فقال أبومُحمّد: يا كامل, قد أنبأك بحاجتك، هذا الحجّة من بعدي.
5 ـ عن الخادم الفارسي, قال: كنت بباب الدّار خرجت جارية من البيت ومعها شيء مغطّى، فقال لها أبومُحمّد: اكشفي عمّا معك. فكشفت, فإذا غلام أبيض حسن الوجه, فقال: هذا إمامكم من بعدي. قال: فما رأيته بعد ذلك.
6 ـ عن أبي غانم الخادم, قال: ولد لأبي مُحمّد الحسن مولود فسمّاه مُحمّداً, فعرضه على أصحابه يوم الثّالث وقال: هذا إمامكم من بعدي, وخليفتي عليكم, وهوالقائم الذي تمتدّ عليه الأعناق بالانتظار, فإذا امتلأت الأرض جوراً وظُلماً, خرج فملأها قسطاً وعدلاً.
7 ـ عن أبي غانم الخادم, قال: ولد لأبي مُحمّد الحسن"عليه السّلام" مولود فسمّاه مُحمّداً, فعرضه على أصحابه يوم الثّالث, وقال: هذا إمامكم من بعدي, وخليفتي عليكم, وهوالقائم الذي تمتدّ عليه الأعناق بالانتظار, فإذا امتلأت الأرض جوراً وظُلماً, خرج فيملأها قسطاً وعدلاً.
8 ـ عن مُحمّد بن الحسن الكرخي, قال: سمعت أبا هارون رجلاً من أصحابنا يقول: رأيت صاحب الزّمان ووجه يضئ كأنّه القمر ليلة البدر, ورأيت على سرّته شعراً يجري كالخط, وكشفت الثّوب عنه فوجدته مختوناً, فسألت أبا مُحمّد"عليه السّلام" عن ذلك, فقال: هكذا وِلد وهكذا ولدنا, ولكنّا سنمر الموسى عليه لإصابة السّنة.
9 ـ عن يعقوب بن منفوس, قال: دخلت على أبي مُحمّد الحسن العسكري وعلى باب البيت ستر مُسبَل, فقُلت له: يا سيّدي, من صاحب هذا الأمر بعدك ؟ فقال: ارفع السّتر. فرفعته, فخرج غلام فجلس على فخذ أبي مُحمّد" رضي الله عنهما" وقال لي أبومُحمّد: هذا إمامكم من بعدي. ثمّ قال: يا بني, ادخل البيت. فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثمّ قال: يا يعقوب, انظر في البيت. فدخلته فما رأيت أحداً.
10 ـ عن معاوية بن حكيم, ومُحمّد بن أيّوب بن نوح, ومُحمّد بن عثمان العمري" رضي الله عنهم" قالوا: عرض علينا أبومُحمّد الحسن بن عليّ" عليهما السّلام" ـ يعني ولده ـ ونحن في منزله, وكُنّا أربعين رجلاً، فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم, أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أما أنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا.
قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلاّ أيّام قلائل حتى مضى أبومُحمّد"عليه السّلام".
11 ـ عن يعقوب بن منقوش, قال: دخلت على أبي مُحمّد الحسن بن عليّ" عليهما السّلام" وهوجالس على دكان في الدّار, وعن يمينه بيت وعليه ستر مسبل, فقُلت: يا سيّدي, مَن صاحب هذا الأمر ؟ فقال: ارفع السّتر. فرفعته, فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أوثمان أونحوذلك، واضح الجبين، أبيض درّي المقلتين، شثن الكفّين، معطوف الرّكبتين، في خدّه الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي مُحمّد, ثمّ قال لي: هذا هو صاحبكم. ثمّ ثوب فقال له: يا بني, ادخل إلى الوقت المعلوم. فدخل البيت وأنا انظر إليه, ثمّ قال لي: يا يعقوب, انظر إلى مَن في البيت. فدخلت فما رأيت أحداً.
12 ـ عن ضوء بن عليّ العجلي, عن رجل من أهل فارس سمّاه, قال: أتيت سر من رأى فلزمت باب أبي مُحمّد"عليه السّلام", فدعاني من غير أن أستأذن, فلمّا دخلت وسلّمت, قال لي: يا أبا فلان, كيف حالك ؟ ثمّ قال لي: اقعد يا فلان. ثمّ سألني عن رجال ونساء من أهلي, ثمّ قال لي: ما الذي أقدمك عليّ ؟ قُلت: رغبة في خدمتك. قال لي: فقال: الزم الدّار. قال: فكنت في الدّار مع الخدم, ثمّ صرت أشتري لهم الحوائج من السّوق, وكنت أدخل عليه من غير إذن إذا كان في دار الرّجال، فدخلت عليه يوماً وهوفي دار الرّجال, فسمعت حركة في البيت, فناداني: مكانك لا تبرح. فلم أجسر أخرج ولا أدخل, فخرجت عليّ جارية ومعها شيء مُغطّى, ثمّ ناداني: ادخل. فدخلت, ونادى الجارية فرجعت, فقال لها: اكشفي عمّا معك. فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه, وكشفت عن بطنه, فإذا شعر نابت من بنته إلى سرّته أخضر ليس بأسود، فقال: هذا صاحبكم. ثمّ أمرها فما رأيته بعد ذلك حتى مضى أبو مُحمّد"عليه السّلام".
قال ضوء بن عليّ: فقُلت للفارسي: كم كُنت تقدّر له من السّنين ؟ فقال: سنتين. قال العبدي: فقُلت لضوء: كم تقدّر له الآن في وقتنا ؟ قال: أربع عشرة سنة. قال أبوعليّ وأبوعبد الله: ونحن نقدّر له الآن إحدى وعشرين سنة.

المهدي عليه السّلام في القرآن الكريم
1 ـ " ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الذينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ". سورة البقرة: 2 - 3.
عن يحى بن أبي القاسم، قال: سألت الإمام الصّادق "عليه السّلام" عن قوله تعالى: " ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ". فقال "عليه السّلام": المتّقون شيعة عليّ "عليه السّلام"، والغيب هوالحجّة الغائب، وشاهد ذلك قوله تعالى: وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ".
وفي كمال الدّين وتمام النّعمة عن أبي عبدالله "عليه السّلام" قال: مَن أقرّ بقيام القائم "عليه السّلام" أنّه حقّ.
2 ـ " وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ". سورة القصص: 5.
عن رسول الله "صلّى الله عليه وآله" قال: "أنتم المستضعفون بعدي".
وعن الإمام أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب "عليه السّلام", قال: المستضعفون في الأرض المذكورون في الكتاب، الذين يجعلهم الله أئمّة: نحن أهل البيت، يبعث الله مهديَّهم فيعزّهم ويذلّ عدوّهم.
وعن الإمام أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب "عليه السّلام": لتعطفنّ الدّنيا علينا بعد شماسها عطف الضّروس على ولدها. وتلا قوله تعالى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ.
وروى البحراني في تفسيره البرهان عن العالم الحنفي الشّيباني في كشف البيان، عن أبي جعفر وأبي عبدالله أنّهما قالا: إنّ هذه الآية مخصوصة بصاحب الأمر الذي يظهر في آخر الزّمان ويبيد الجبابرة والفراعنة.
3 ـ " هُوالذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ وَلَوكَرِهَ الْمُشْرِكُونَ". سورة التّوبة: 33.
عن عبابة أنّه سمع أمير المؤمنين "عليه السّلام" يقول:" هُوالذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدّين كله". أظهر ذلك بعد ؟
قالوا: نعم.
قال "عليه السّلام": كلا، فوالذي نفسي بيده, حتى لا تبقى قرية إلاّ وينادي فيها بشهادة أن لا إله إلاّ الله بكرة وعشيّاً.
وفي تفسير البرهان: فلا، والذي نفسي بيده, حتى لا تبقى قرية إلاّ ونودي فيها بشهادة أن لا اله إلاّ الله وأن مُحمّداً رسول الله بكرة وعشيّاً.
وفي تفسير البرهان ـ أيضاً ـ عن إبن عبّاس في قوله عزّ وجلّ: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ وَلَوكَرِهَ الْمُشْرِكُونَ". قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملّة إلاّ صار إلى الإسلام، حتى تأمن الشّاة والذّئب، والبقرة والأسد، والإنسان والحيّة، حتى لا تقرض فارة جراباً، وحتى توضع الجزية ويُكسر الصّليب, ويُقتل الخنزير، وهوقوله تعالى:" لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ وَلَوكَرِهَ الْمُشْرِكُونَ". وذلك يكون عند قيام القائم "عج".
وعن أبي بصير, قال: سألت أبا عبدالله الصّادق "عليه السّلام" عن قوله تعالى:" هُوالذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ وَلَوكَرِهَ الْمُشْرِكُونَ".
فقال "عليه السّلام": والله, ما نزل تأويلها بعد.
قُلت: جعلت فداك ومتى ينزل ؟ قال: حتى يقوم القائم إن شاء الله، فإذا خرج القائم لم يبق مشرك... إلى آخر الزّمان.
وروى الحافظ القندوزي في ينابيع المودّة عن الصّادق "عليه السّلام" قال: والله, ما يجيء تأويلها حتى يخرج القائم المهدي "عج"، فإذا خرج القائم لم يبق مشرك إلاّ كره خروجه، ولا يبقى كافر إلاّ قُتل".
4 ـ " يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوكَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ". سورة الأنعام: 158.
عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبد الله "عليه السّلام", أنّه قال في قول الله عزّ وجلّ:" يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوكَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ". فقال "عليه السّلام": الآيات هُم الأئمّة، والآية المنتظرة هي القائم "عليه السّلام"، فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسّيف، وإن آمنت بمن تقدّم من آبائه "صلوات الله عليهم أجمعين".
5 ـ " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصّالِحُونَ". سورة الأنبياء: 105.
عن الإمام الباقر "عليه السّلام": إنّ ذلك وعد الله للمؤمنين بأنّهم يرثون جميع الأرض.
وأخرج القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة: عن الباقر والصّادق "عليهم السّلام" قالا: هُم القائم وأصحابه.
6 ـ " وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا. سورة النّساء: 159.
روى الحافظ القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة باسناده, قال: عن مُحمّد الباقر "عليه السّلام" في قوله تعالى: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً".
قال: إنّ عيسى "عليه السّلام" ينزل قبل يوم القيامة إلى الدّنيا، فلا يبقى أهل ملّة يهودي ولا غيره إلاّ آمنوا به ـ أي: بالمهدي ـ قبل موتهم, ويصلّي عيسى خلف المهدي.
7 ـ " قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ". سورة الحجر: 36 - 38.
أخرج الحمويني في فرائد السّمطين عن الحسن بن خالد, قال: قال عليّ بن موسى الرّضا "عليه السّلام": إلى يوم الوقت المعلوم, وهويوم خروج قائمنا.
8 ـ " اذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين". سورة القلم: 15.
روى المشهداني في كنز الدّقائق, عن أبي عبدالله "عليه السّلام", قال: يعني تكذيبه بقائم آل مُحمّد "عليه السّلام".
9 ـ " اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا". سورة الحديد: 17.
روى الطّوسي في غيبته عن ابن عبّاس, قال: يعني يصلح الأرض بقائم آل مُحمّد من بعد موتها.
10 ـ " وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ". سورة السّجدة: 21.
روى العلامة السيّد هاشم البحراني في تفسيره البرهان, عن مُحمّد بن الحسن بن فرقد الشّيباني الحنفي, أنّه قال: روي عن الصّادق "رضي الله عنه": أنّ الأدنى القحط والجدب، والأكبر خروج القائم المهدي بالسّيف في آخر الزّمان.
11 ـ " فَوَرَبِّ السّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ". سورة الذّاريات: 23.
روى الطّوسي في غيبته عن ابن عبّاس, قال: قيام القائم "عليه السّلام".
12 ـ " قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين". سورة الملك: 30.
روى الصّدوق في كمال الدّين وتمام النّعمة, عن أبي جعفر "عليه السّلام", قال: هذه نزلت في القائم. وقال: والله, ما جاء تأويل هذه الآية ولابدّ أن يجيء تأويلها.
13 ـ " أذن للذين يقاتلون بأنّهم ظلموا وأنّ الله على نصرهم لقدير". سورة الحج: 39.
أخرج النّعماني في غيبته, عن أبي عبدالله "عليه السّلام", قال: هي في القائم "عليه السّلام" وأصحابه.
14 ـ " إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ". سورة الشّعراء: 4.
قال الحافظ القندوزي في ينابيع المودّة: عن عليّ بن موسى الرّضا "رضي الله عنه", قال: إنّ الرّابع من ولدي ابن سيّدة الاماء هوالذي له يُنادي مناد مَن السّماء يسمعه جميع أهل الأرض: إلاّ أنّ حجّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتّبعوه, فإنّ الحقّ فيه ومعه. ثمّ قال "عليه السّلام": وهوقول الله عزّ وجلّ إن شاء الله.
15 ـ " بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ". سورة الإسراء: 5.
أخرج المجلسي في بحاره عن أبي جعفر "عليه السّلام" قال: هوالقائم وأصحابه أولى بأس شديد.
16 ـ " سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ". سورة فصلت: 53.
أخرج الكليني في الكافي عن أبي عبدالله "عليه السّلام", قال: خروج القائم هوالحقّ من عند الله عزّ وجلّ، يراه الخلق لابدّ منه.
17 ـ " أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ". سورة النّمل: 62.
أخرج المجلسي في بحاره عن أبي عبدالله "عليه السّلام", قال: نزلت في القائم "عج"، وهو والله المضطر إذا صلّى في المقام ركعتين, ودعا الله فأجابه, ويكشف السّوء, ويجعله خليفة في الأرض.
18 ـ " حتى إذا رأوا ما يوعدون". سورة مريم: 75.
أخرج الكليني في الكافي عن أبي عبدالله "عليه السّلام", قال: هوخروج القائم "عليه السّلام".
19 ـ " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره". سورة الصّف: 8.
أخرج المجلسي في بحاره عن أبي عبدالله "عليه السّلام", قال: بالقائم من آل مُحمّد "صلوات الله عليهم" إذا خرج ليظهره على الدّين كلّه؛ حتى لا يعبد غير الله.
20 ـ " أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً". سورة آل عمران: 83.
روى الحافظ القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة بسنده عن الصّادق "عليه السّلام", قال: إذا قام القائم المهدي لا يبقى أرض إلاّ نودي فيها بشهاة: أن لا إله إلاّ الله, مُحمّد رسول الله.
21 ـ " بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ". سورة هود: 86.
قال الشّبلنجي في نور الأبصار, عن أبي جعفر "عليه السّلام", قال: إذا خرج - يعني المهدي - أسند ظهره إلى الكعبة, واجتمع إليه ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً من أتباعه، فأوّل ما ينطق به هذه الآية، ثمّ يقول: أنا بقيّة الله وخليفته وحجّته عليكم. فلا يسلّم عليه أحد إلاّ قال: السّلام عليك يا بقية الله في الأرض.
22 ـ " فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ". سورة الأنعام: 89.
روى الحافظ القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة, بسنده عن جعفر الصّادق "عليه السّلام", قال: إنّ صاحب هذا الأمر ـ يعني القائم المهدي ـ محفوظ، لوذهب النّاس جميعاً أتى الله بأصحابه.

المهدي "عليه السّلام" في الأحاديث الشّريفة
1 ـ عن حذيفة قال: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": المهدي رجل من وُلدي، وجهه كالكوكب الدّرِّي.
2 ـ قال "صلّى الله عليه وآله" ـ في خُطْبة يوم الغدير وبحضور مئة وعشرين ألف شخص ـ:... مَعاشِر النّاس: النّور مِن الله عزّ وجلّ فيَّ مَسلوك، ثمّ في عليٍ، ثمّ في النّسل منه إلى القائم المهدي، الذي يأخذ بحقّ الله وبكلِّ حقٍّ هو لنا... إلى آخر الخطبة الشّريفة.
3ـ عن الإمام مُحمّد بن عليّ الباقر عن آبائه عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب "صلوات الله عليهم أجمعين", قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": المهدي من وُلدي، يكون له غيبة وحيرة تضلّ فيها الأُمم، يأتي بذخيرة الأنبياء "عليهم السّلام", فيملؤها عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظُلماً.
4 ـ روى القندوزي الحنفي عن أبي بصير عن الإمام الصّادق جعفر بن مُحمّد عن آبائه عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب "عليهم السّلام", قال: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": المهدي من وُلدي، اسمه اسمي، وكُنيته كُنيتي، وهوأشبه النّاس بي خَلقاً وخُلقاً، يكون له غيبة وحيرة في الأُمم حتى تَضِلّ الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشّهاب الثّاقب، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظُلماً وجوراً.
5 ـ عن الإمام عليّ بن موسى الرّضا عن أبيه عن آبائه "عليهم السّلام", قال: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": مَن أحبَّ أن يتمسَّك بديني ويركب سفينة النّجاة بعدي, فليقتدِ بعليّ بن أبي طالب، وليُعادِ عدوَّه، وليوالِ وليَّه، فإنّه وصيِّي وخليفتي على أُمّتي في حياتي وبعد وفاتي، وهوإمام كلّ مُسلم، وأمير كلّ مؤمن بعدي، قوله قولي، وأمرُه أمري، ونهيُه نهيي، وتابعُه تابعي، وناصرُه ناصري، وخاذِلُه خاذِلي.
ثمّ قال "صلّى الله عليه وآله": مَن فارق عليّاً بعدي لم يرنِ ولم أرَه يوم القيامة، ومَن خَلَف عَليّاً حرَّم الله عليه الجنّة وجعل مأواه النّار, ومَن خَذَل عليّاً خذلَه الله يوم يُعرض عليه، ومَن نصر عليّاً نصره الله يوم يلقاه، ولقَّنَه حجَّته عند المسألة.
ثمّ قال "صلّى الله عليه وآله": الحسن والحُسين إماما أُمّتي بعد أبيهما، وسيّدا شباب أهل الجنّة، أمُّهما سيّدة نساء العالمين، وأبوهما سيّد الوصيَّين، ومِن وُلد الحُسين تسعة أئمّة، تاسعهم القائم من ولُدي، طاعتهم طاعتي، ومعصيتهم معصيتي.
إلى الله أشكوالمنكرين لفضلهم، والمضيِّعين لحُرْمتهم بعدي، كفى بالله وليّاً وناصراً لعترتي وأئمّة أُمّتي، ومنتقماً من الجاحدين حقَّهم، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ مُنقلب ينقلبون.
6 ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري, قال: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": ينزل عيسى بن مريم "عليه السّلام" فيقول أميرهم المهدي: تعال صَلِّ بنا. فيقول: ألا وإن بعضكم على بعض أمراء تكرمةً من الله عزّ وجلّ لهذه الأمَّة.
7 ـ عن حذيفة قال: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": المهدي رجل مِن وُلدي، وجهه كالكوكب الدّرِّي، اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً، يرضى في خلافته أهل السّماء والطّير في الجو، يَملك عشرين سنة.
8 ـ روى المجلسي عن الشّيخ المفيد عن أبي أيّوب الأنصاري, قال: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله" لفاطمة ـ "في مرضه ـ: والذي نفسي بيده, لابدَّ لهذه الأُمّة مِن مهدي، وهووالله مِن وُلدِك.
9 ـ عن مكحول عن عليّ بن أبي طالب "عليه السّلام", قال: قُلت: يا رسول الله, أمِنَّا ـ آل مُحمّد ـ المهدي أم مِن غيرنا ؟ فقال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": لا، بل مِنّا، بنا يختم الله الدّين كما فتح الله بنا، وبنا يُنقَذون عن الفتنة كما أنقذوا مِنْ الشّرك، وبنا يؤلِّف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخواناً كما ألَّف بين قلوبهم بعد عداوة الشّرك، وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً كما أصبحوا بعد عداوة الشّرك إخواناً.
10 ـ عن ابن عبّاس, قال: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": عليّ بن أبي طالب إمام أُمّتي، وخليفتي عليهم بعدي، ومِن وُلده القائم المنتظر الذي يملأ الله "عزّ وجلّ" به الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظُلماً، والذي بعثني بالحقّ بشيراً, إنَّ الثّابتين على القول به ـ في زمان غيبته ـ لأعزَّ ـ أي أقلّ وأندر ـ من الكبريت الأحمر.
فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري, فقال: يا رسول الله, وللقائم من وُلدك غيبة ؟ فقال: إي وربّي, وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الذينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ. يا جابر, إنّ هذا لأمر من أمر الله، وسِرٌّ من سرِّ الله، مَطوي ـ أي مستور ـ عن عباده، فإيّاك والشّك في أمر الله فهو كفر.
11 ـ عن هشام بن سالم عن الإمام الصّادق جعفر بن مُحمّد عن أبيه عن جدِّه "عليهم السّلام", قال: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": القائم من وُلدي، إسمه إسمي، وكُنيته كُنيتي، وشمائله، وسُنَّته سُنَّتي، يقيم النّاس على مِلَّتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب الله عزّ وجلّ، مَن أطاعه أطاعني، ومَن عصاه عصاني، ومَن أنكره في غيبته فقد أنكرني، ومَن كذَّبه فقد كذَّبني، ومَن صدَّقه فقد صدّقني، إلى الله أشكوالمكذِّبين لي في أمره، والجاحدين لقولي في شأنه، والمضلّين لأُمّتيَّ عن طريقته، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ مُنقلب ينقلبون.
12 ـ عن أبي سعيد الخدري ـ في حديث طويل ـ قال: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله" لفاطمة ـ: يا بُنَيَّة, إنّا أُعطينا ـ أهل البيت ـ سبعاً لم يُعطها أحد قبلنا:
1 ـ نبيُّنا خير الأنبياء، وهوأبوك.
2 ـ ووصيُّنا خير الأوصياء, وهوبعلك.
3 ـ وشهيدنا خير الشّهداء, وهوعمُّ أبيكِ حمزة.
4 ـ ومِنّا مَن له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنّة, وهوابن عمِّك جعفر.
5 ـ 6 ـ ومِنّا سبطا هذه الأُمّة, وهُما إبناك الحسن والحُسين.
7 ـ ومنّا ـ والله الذي لا إله إلاّ هوـ مهدي هذه الأُمّة، الذي يصلّي خلفه عيسى بن مريم. ثمّ ضرب بيده على منكب الحُسين "عليه السّلام" فقال: مِن هذا ثلاثاً. أي قال "صلّى الله عليه وآله": من هذا ثلاث مرّات. وفي كتاب "البيان" للشافعي الكُنجي،: قال "صلّى الله عليه وآله": مِن هذا مهدي الأُمَّة.
13 ـ قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": إنَّ خُلفائي وأوصيائي وحُجج الله على الخلق بعدي لاثنا عشر، أوَّلهم أخي وآخرهم ولدي. قيل: يا رسول الله, ومَن أخوك ؟ قال: عليّ بن أبي طالب. قيل وَمَن وَلَدَك ؟ قال: المهدي الذي يملؤها ـ أي الأرض ـ قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظُلماً، والذي بعثني بالحقّ بشيراً, لولم يبق من الدّنيا إلاّ يوم واحد لَطوَّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روحُ الله عيسى بن مريم فيصلّي خلفه، وتُشرق الأرض بنور ربّها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب.
14 ـ عن أبي جعفر الثّاني "الإمام مُحمّد الجواد" عن آبائه عن أمير المؤمنين "عليه السّلام" قال: للقائم منّا غيبة أمدها طويل، كأنّي بالشّيعة يجولون جولان النّعم في غيبته، يطلبون المرعى فلا يجدونه, ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول أمد إمامه, فهومعي في درجتي يوم القيامة. ثمّ قال: إنّ القائم منّا, إذا قام لم يكُن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفي ولادته ويغيب شخصه.
15 ـ عن الإمام الرّضا عن آبائه عن أمير المؤمنين "عليهم السّلام", أنّه قال للحُسين "عليه السّلام": التّاسع من ولدك يا حُسين هوالقائم بالحقّ، المظهر للدين، الباسط للعدل. قال الحُسين "عليه السّلام": فقلت يا أمير المؤمنين, وأنّ ذلك لكائن ؟.. فقال: إي والذي بعث مُحمّداً بالنّبوّة واصطفاه على جميع البريّة، ولكن بعد غيبة وحيرة، لا يثبت فيها على دينه إلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ الله ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان, وأيّدهم بروح منه.
16 ـ عن أمير المؤمنين "عليه السّلام" في كتاب نهج البلاغة: قال "عليه السّلام": فانظروا أهل بيت نبيّكم, فلئن لبدوا فالبدوا, وإن استنصروكم فانصروهم, فليفرّجنّ الله الفتنة برجل منّا أهل البيت، يأتي ابن خير الإماء، لا يعطيهم إلاّ السّيف هرجاً هرجاً موضوعاً على عاقته ثمانية أشهر، حتى تقول قُريش: لوكان هذا من ولد فاطمة لرحمنا, يغريه الله ببني أُميّه ـ أي يسلطه الله عليهم ـ حتى يجعلهم حطاماً ورفاتاً، ملعونين أينما ثقفوا أُخذوا وقتّلوا تقتيلاً، سُنّة الله في الذين خلوا من قبل, ولن تجد لسنّة الله تبديلاً.
17 ـ وعن مولانا أمير المؤمنين "عليه السّلام" أنّه قال: سيأتي الله بقوم يحبّهم الله ويحبّونه، ويملك من هو بينهم غريب، فهوالمهدي، أحمر الوجه، بشعره صهوبة, يملأ الأرض عدلاً بلا صعوبة، يعتزل في صغره عن أُمّه وأبيه، ويكون عزيزاً في مرباه، فيملك بلاد المُسلمين بأمان، ويصفو له الزّمان، ويسمع كلامه، ويطيع الشّيوخ والفتيان، ويملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً، فعند ذلك كملت إمامته وتقرّرت خلافته، والله يبعث مَن في القبور, فأصبحوا لا ترى إلاّ مساكنهم، وتعمّر الأرض وتصفو, تزهو بمهديها، وتجري به أنهارها، وتعدم الفتن والغارات، ويكثر الخير والبركات.
18 ـ عن عليّ "عليه السّلام" عن رسول الله "صلّى الله عليه وآله", قال: إذا توالت أربعة اسماء من الأئمّة من ولدي، مُحمّد وعليّ والحسن, فرابعها هوالقائم المأمول المنتظر.
19 ـ وعن سلمان الفارسي "رحمه الله", قال: دخلت على النّبي "صلّى الله عليه وآله", فإذا الحُسين على فخذه وهويقبّل عينيه ويلثم فاه ويقول: أنت سيّد ابن سيّد, أنت إمام ابن إمام أخوإمام أبوالأئمّة, أنت حجّة الله ابن حجّته وابوحجج تسعة, من صلبك تاسعهم قائمهم.
20 ـ عن عليّ "عليه السّلام" قال: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": الأئمّة بعدي إثنا عشر, أوّلهم أنت يا عليّ, وآخرهم القائم الذي يفتح الله عزّ وجلّ على يديه مشارق الأرض ومغاربها.
21 ـ عن الصّادق جعفر بن مُحمّد عن أبيه عن جدّه, قال: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": الأئمّة بعدي إثنا عشر, أوّلهم عليّ بن ابي طالب, وآخرهم القائم, هُم خُلفائي وأوصيائي وأوليائي, وحجج الله على أُمّتي بعدي, المقرّ بهم مؤمن والمنكر لهم كافر.
22 ـ عن عبد الرّحمن بن سمرة, قال: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": يا بن سمرة, إنّ عليّاً روحه من روحي وطينته من طينتي ... وإنّ منه إمامي أًُمتي, وسيّدي شباب أهل الجنّة الحسن والحُسين وتسعة من ولد الحُسين تاسعهم قائم أُمّتي, يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظُلماً.
23 ـ عن أبي عبد الله "عليه السّلام" قال: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": طوبى لِمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه, يأتمّ به وبأئمّة الهُدى من قبله, وتبرّأ إلى الله عزّ وجلّ من عدوّهم.
24 ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري, قال: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله": المهدي من ولدي, إسمه إسمي وكُنيته, أشبه النّاس بي خَلقاً وخُلقاً, تكون له غيبة وحيدة تضلّ فيها الأُمم, ثمّ يقبل كالشّهاب الثّاقب يملأها عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظُلماً وجوراً.
25 ـ عن عليّ بن موسى الرّضا "عليه السّلام" عن أبيه عن آبائه, قال: قال رسول الله "صلّى الله عليه وآله":... ومن عليّ سبطا أُمّتي, وسيّدا شباب أهل الجنّة الحسن والحُسين, ومن ولد الحُسين تسعة أئمّة, طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي تاسعهم قائمهم مهديهم.
26 ـ عن أمير المؤمنين "عليه السّلام" في خطبة في مدح النّبيّ والأئمّة "عليهم السّلام" قال: فنحن أنوار السّماوات والأرض وسفن النّجاة، وفينا مكنون العلم، وإلينا مصير الأمور، وبمهدينا تقطع الحجج، فهوخاتم الأئمّة، ومنقذ الأُمّة، ومنتهى النّور، وغامض السّر، فليهنأ من استمسك بعروتنا وحشر على محبّتنا.
27 ـ عن الإمام أمير المؤمنين "عليه السّلام": يظهر صاحب الرّاية المُحمّدية، والدّولة الأحمدية، القائم بالسّيف, والحال الصّادق في المقال، يمهّد الأرض، ويحيي السّنّة والفرض.
28 - عن عليّ بن أبي طالب"عليه السّلام", قال: إذا نادى مناد من السّماء: إنّ الحقّ في آل مُحمّد. فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه النّاس يشربون ذكره، فلا يكون لهم ذكر غيره.
29 ـ عن أبي جعفر "الإمام مُحمّد الباقر" عن أبيه عن جدّه "عليهم السّلام", قال: قال أمير المؤمنين "عليه السّلام" - وهوعلى المنبرـ: يخرج رجل من ولدي في آخر الزّمان، أبيض اللون، مشرب بالحمرة, مبدح البطن, عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين, بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النّبيّ "صلّى الله عليه وآله", له اسمان: اسم يخفي واسم يعلن: فأمّا الذي يخفي فأحمد، وأمّا الذي يعلن: مُحمّد, فإذا هزّ رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ويضع يده على رؤوس العباد, فلا يبقى مؤمن إلاّ صار قلبه أشدّ من زبر الحديد، وأعطاه الله قوّة أربعين رجلاً، ولا يبقى ميّت من المؤمنين إلاّ دخلت عليه تلك الفرحة في قلبه وهوفي قبره، وهم يتزاورون في قبورهم، يتباشرون بقيام القائم "عليه السّلام".
30 - عن الإمام الحسن "عليه السّلام" قال:... أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلاّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم الذي يصلّي روح الله عيسى بن مريم خلفه، فإنّ الله عز ّوجلّ يخفي ولادته ويغيب شخصه؛ لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذاك التّاسع من ولد الحُسين ابن سيّدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثمّ يظهره بقدرته في صورة شاب ابن دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير.
31 ـ عن الإمام الحُسين "عليه السّلام" قال: لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله "عزّ وجلّ" ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي, يملأها عدلاً وقسطاً كما مُلأت جوراً وظلماً، كذلك سمعت رسول الله "صلّى الله عليه وآله" يقول.
32 ـ عن الإمام الحُسين "عليه السّلام" قال: قائم هذه الأُمّة هوالتّاسع من ولدي، وهوصاحب الغيبة، وهوالذي يقسّم ميراثه وهو حيّ.
33 ـ عن الحُسين بن عليّ "عليهما السّلام" قال: لو قام المهدي لأنكره النّاس؛ لأنّه يرجع إليهم شابّاً وهم يحسبونه شيخاً كبيراً.
34 ـ عن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب "عليهما السّلام", قال: منّا اثنا عشر مهديّاً، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وآخرهم التّاسع من ولدي، وهوالإمام القائم بالحقّ، يحيي الله به الأرض بعد موتها, ويظهر به دين الحقّ على الدّين كلّه ولوكره المشركون، له غيبة يرتدّ فيها أقوام، ويثبت فيها على الدّين آخرون، فيؤذون ويُقال لهم: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين.
أما إنّ الصّابر ـ في غيبته ـ على الأذى والتّكذيب بمنزلة المجاهد بالسّيف بين يدي رسول الله "صلّى الله عليه وآله".
35 ـ عن عيسى الخشّاب, قال: قُلت للحُسين بن عليّ "عليهما السّلام": أنت صاحب هذا الأمر؟
قال: لا... ولكن صاحب الأمر الطّريد الشّريد، الموتور بأبيه، المُكنّى بعمّه, يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر.
36 ـ زين العابدين وسيّد السّاجدين الإمام عليّ بن الحُسين "عليهما السّلام" قال ـ في ضمن خطبته ـ:
أيّها النّاس: أُعطينا ستّاً، وفضّلنا بسبع: أُعطينا العلم والحلم والسّماحة والفصاحة والشّجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين, وفضّلنا: بأنّ منّا النّبيّ المختار, ومنّا الصّدّيق, ومنّا الطّيار, ومنّا أسد الله وأسد رسوله, ومنّا سبطا هذه الأُمّة، ومنّا مهدي هذه الأُمّة... إلى آخر الخطبة.
37 ـ عن الإمام عليّ بن الحُسين سيّد العابدين "عليه السّلام": القائم منّا, تخفى ولادته على النّاس حتى يقولوا: لم يولد بعد، ليخرج حين يخرج وليس لأحد في عنقه بيعة.

الإمام المهدي في الملل والنحل والأديان
الإمام المهدي في الأديان السماوية والملل والنحل
منذ تقادم العصور وازدياد الظلم بين البشرية، كانت الأمم تتطلع إلى رجل مصلح يظهر ليحررها من نير الذّل والعبودية والاضطهاد، وظلت ترنيمة المخلص الموعود ترددها البشرية وتلهج بها الشعوب.
وقد وصل بأيدينا من آثار السلف الماضي ما يدل على أن القرون الماضية كانت تتطلع بلهفة وشوق إلى ذلك المصلح الموعود، بل البشرية جمعاء ، فقضية ظهور المصلح وانقاذ الانسان من العبودية للمخلوق والتوجه الى العبودية المطلقة لله تعالى هي أصل مسلم عند جميع الأديان السماوية ، ولكن تجد هذه القضية أكثر جلاءً وأوضح استدلالاً في ديننا الاسلامي الحنيف الذي جعل من هذه القضية أصلا اعتقاديا تتوقف عليه جملة من الأمور وقد نصّ على أهمية هذا الموضوع كتاب الله العظيم ورسوله الكريم والأئمة الطاهرين وكذا السلف والخلف .
وبشائر وتنبؤات كثيرة حول المهدي الموعود، وظهوره نجدها في ما وقع بأيدينا من الكتب السماوية المقدسة وآثار السلف الأخرى وما وصلنا من مقولات الحكماء القدامى، وقد جمع بعض المتتبعين قسماً من هذه الباشر والمقولات. بل حتى الآثار المصرية القديمة توجد منها دلالات وإشارات حول المصلح والمنقذ.
وللتأكيد على هذا المطلب نعرض هنا مجموعة من البشائر التي ذكرتها الكتب المقدسة عند الأديان.

أوّلاً: المهدي في الديانة اليهودية
الملة اليهودية من قبل أن يبعث النبي عيسى (عليه السلام) و بعد بعثته أيضا كانت ولا تزال تنتظر موعودها المؤمل، فقد أشير باستمرار إلى الموعود في آثار الديانة اليهودية.. وأسفار التوراة وكتب اخرى تشير إلى ذلك.
وإذا أردنا الاعتماد على الأفكار التي جاءت في كتاب (نبؤة هيلد) معناها وحي الطفل . فسوف نضع اليد على أفكار كثيرة بصدد ظهور الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) ومقاطع من تاريخه وسيرته وتوابع ومستلزمات بعثته وبعض مؤشرات آخر الزمان لشخصية الإمام المهدي (أرواحنا فداه) بل هناك إشارات أيضاً يمكن أن نلحظها حول واقعة عاشوراء (واقعة الطف الخالدة).
وحيث إن الشعب اليهودي لم يؤمن بالسيد المسيح (عليه السلام) ورسالته بل خُيّل لهم بانهم قتلوه وصلبوه فموعودهم لم يظهر حتى الآن، وإذا تأملنا في مجموع التراث اليهودي المقدس نجد فيه تصويراً لملامح موعودين ثلاثة: السيد المسيح (عليه السلام)، الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله)، الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه).
ومع وضوح هذه الرؤية وتلك الملامح الواضحة للموعودين الثلاثة في الفكر اليهودي، ولم نر اليهود يتابعون أياً من المسيح (عليه السلام)، والرسول محمد (صلى الله عليه وآله)، ومن هنا فإنهم سيظلون قلقين إزاء قضية الموعود ومفهوم الانتظار، وعلى هذا الأساس فعليهم أن لا يمروا على كل البشائر والإشارات التي وردت في نصوصهم وكتبهم مرور الكرام
فالملة اليهودية لابد وأن تكون أشد انتظاراً من المتظرين الآخرين، وأن يعكفوا بشكل أكبر على تأمل مفهوم الإنتظار، والإستعداد ليوم الظهور، وأن يرفعوا اليد عن كل ألوان الظلم والخيانة التي مارسوها ومازالوا بحق البشرية، ويخشوا عواقب الظلم والعدوان، فهؤلاء لم يذعنوا لموعوديهم المسيح بن مريم (عليه السلام) والرسول محمد (صلى الله عليه وآله).
إلا أنهم سوف لا ينجون من سطوة الموعود الثالث وعدله.. ولذا يرد في الروايات أن جماعة من اليهود تلتف حول (الدجال) وتسنده، وبظهور المهدي ونزول السيد المسيح إلى الأرض يقتل هؤلاء قتلاً جماعياً لتعود ساحة التاريخ والإنسانية نقية من وجود هذه الجرثومة الملوثة، وهذا نموذج آخر لخبث وانحطاط هؤلاء القوم، فحتى في آخر الزمان لن يخضعوا للحق، بل سوف ينضمون إلى زمرة أنصار الدجال
وأريد أن أشير هنا إلى أن البشائر المذكورة في آثار اليهود المقدسة بأجمعها واقعية وصحيحة، وقد تحقق قسم منها، والقسم الآخر سيتحقق، إلا أن اليهود لم يقبلوا منطق الحق لا من النبي عيسى (عليه السلام) ولا من الرسول محمد (صلى الله عليه وآله)، (رغم أن البشارة بهذين النبيين العظيمين قد وردت في كتب اليهود أنفسهم)، إلاّ أنهم سيقبلون بحد سيف الإمام المهدي (أرواحنا فداه) كما يصرّح بذلك القرآن الكريم والسنة الشريفة.
وبغض النظر عن حقانية اليهود وعدمها، وتسليمهم لمنطق الحق وعدمه، فقد جاء بعد نبي الله موسى (عليه السلام) نبي الله عيسى بن مريم (عليه السلام) ونسخ دين موسى وأضحت الديانة اليهودية ديانة منسوخة وشريعة مهملة عملياً.
ومنذ فجر الإسلام وحتى اليوم والى قيام الساعة ينفرد الإسلام على وجه الأرض بوصفه الدين السماوي المبني على أساس الوحي والنبوة ولا يقبل سواه قال تعالى: ((ومن يبتغي غير الاسلام دينا لم يقبل منه)) ، وكتاب الله بين الناس يبقى على الدوام (القرآن) والموعود اليوم هو الإمام المهدي (أرواحنا فداه).
وبهذه تكون البشائر والإشارات التي وصلتنا عن طريق الأنبياء والأئمة وكبار السلف الصالح صادقة بحق الإمام المهدي (أرواحنا فداه وعجل الله تعالى فرجه الشريف) وهي تنظر إليه وتقصده وتلحظ ظهوره فهو المصداق الواقعي لها جميعاً.
وهذه مجموعة من كتب اليهودية والعهد القديم التي ورد فيها الحديث عن المنتظر الموعود:
1 ـ كتاب دانيال النبي.
2 ـ كتاب حجي (حكي) (حقي) النبي.
3 ـ كتاب حفينا النبي.
4 ـ كتاب أشعيا النبي.
وقد جاء في زبور داوود (عليه السلام) أيضاً أفكار بهذا الصدد كما تحدث القرآن، وثبت مبدأ غلبة الصالحين حيث قال: ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)).

ثانياً: المهدي في الديانة المسيحية
لقد بشرنا سيدنا عيسى (عليه السلام) بظهور نبي آخر الزمان وبأوصيائه الإثنا عشر (صلوات الله عليهم أجمعين) وبقي ذلك راسخاً في التراث المسيحي، والأمر يعود في ذلك إلى أسباب عديدة منها :
1 ـ لأنّ الديانة المسيحية هي الأقرب إلى الاسلام من غيرها .
2 ـ ولأنّ المسيحية هي آخر الديانات قبل الإسلام فتكون الدلالات محفوظة فيها أكثر .
3 ـ وكذلك لأن قضية رفع الله تعالى المسيح وطول عمره يقر بها المسيحيون لذا إذا واجهتهم قضية شبيه لذلك فهم لا يرفضوها من الأصل بل يحاولون أن يدرسوها ويتمعنوا فيها .
4 ـ خط آثار المسيحية من التحريف أقل نسبياً مما عليه من آثار الملل السابقة، وترتبط هذه القضية بالزمن أيضاً، إذ أن آثار اليهود المقدسة ابتداءاً من مرحلة نزولها وصدورها قطعت زمناً أكبر مما قطعته الآثار المسيحية.
وقد كان هذا الأمر سبباً في عدم إتاحة الفرصة ليد التحريف والتعمية لتلعب الدور نفسه الذي لعبته في آثار اليهودية وتراثها، بالإضافة إلى الجهد الذي بذله علماء المسيحية في هذا الصدد وأخذهم ظاهرة التحريف بعين الاعتبار في قبولهم وردهم للأناجيل.
ولهذا، فإننا نجد هذه البشائر بالمخلص الموعود حاضرة في التراث المسيحي بشكل واضح، ونشير هنا إلى بعض الكتب التي وردت فيها تلك البشائر والإشارات حول ظهوره في آخر الزمان: إنجيل متى، إنجيل لوقا، إنجيل مرقس، مكاشفات يوحنا، إنجيل برنابا.
ففي الفصل السادس والتسعون من إنجيل برنابا المترجم من الانجليزية . يسأل الكاهن السيد المسيح (عليه السلام): هل أنت مسيح الله الذي ننتظره؟
أجاب يسوع: حقاً إن الله وعد هكذا ولكني لست هو لأنه خلق قبلي وسيأتي بعدي.
أجاب الكاهن: إننا نعتقد من كلامك وآياتك على كل حال أنك نبي وقدوس الله لذلك أرجوك باسم اليهودية كلها وإسرائيل أن تفيدنا حباً في الله بأية كيفية سيأتي (مسّيا)؟
أجاب يسوع: لعمر الله الذي تقف بحضرته نفسي إني لست (مّسياً) الذي تنتظره كل قبائل الأرض كما وعد الله أبانا إبراهيم قائلاً: بنسلك أبارك كل قبائل الأرض ولكن عندما يأخذني الله من العالم سيثير الشطيان مرة اخرى هذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عدم التقوى على الاعتقاد بأني الله وابن الله، فيتنجس بسبب هذا كلامي وتعليمي حتى لا يبقى ثلاثون مؤمناً، حينئذٍ يرحم الله العالم ويرسل رسوله الذي خلق كل الأشياء لأجله، الذي سيأتي من الجنوب بقوة، وسيبيد الأصنام وعبدة الأصنام، وسينزع من الشيطان سلطته على البشر، وسيأتي برحمة الله لخلاص الذين يؤمنون به، وسيكون من يؤمن به مباركاً.
وجاء في الفصل السابع والتسعون: ومع أني لست مستحقاً أن أحلّ سير حذائه، وقد نلت نعمة ورحمة من الله لأراه....
ثم يستطرد قائلاً: إن اسم (مسيّاً) عجيب لأن الله نفسه سماه لما خلق نفسه ووضعها في بهاء سماوي.
وقد ورد في المزمور 72 من مزامير داوود (عليه السلام) ذكر النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، والامام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) فإن صياغته شبيهة بالأدعية والتوسل إلى الله عز وجل حيث ننقل نص الترجمة العربية لهذا المزمور كما وردت في (كتاب المقدس) الصادر عن دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، فقد جاء في هذا المزمور:
اللهم أعط شريعتك للملك وعدلك لابن الملك...
ليحكم بين شعبك بالعدل ولعبادك المساكين بالحق. ...
فلتحمل الجبال والآكام السلام للشعب في ظل العدل. ...
ليحكم المساكين الشعب بالحق ويخلص البائسين ويسحق الظالم! ...
يخشونك ما دامت الشمس وما أنار القمر على مرّ الأجيال والعصور! ...
سيكون كالمطر يهطل على العشب وكالغيث الوارف الذي يروي الأرض العطشى!. . .
يشرق في أيامه الأبرار ويعم السلام إلى يوم يختفي القمر من الوجود. ...
ويملك من البحر إلى البصر ومن النهر إلى أقاصي الأرض. ...
أمامه يجثوا أهل الصحراء ويلحس أعداؤه التراب. ...
ملوك ترسيس والجزائر يدفعون الجزية، وملوك سبأ وشبا يقدمون الهدايا...
يسجد له كل الملوك، وتخدمه كل الأمم. ...
لأنه ينجّي الفقير المستغيث به والمسكين الذي لا معين له. ...
يشفق على الضعفاء والبائسين ويخلص أنفس الفقراء. ...
ويحررهم من الظلم والجور وتكرم دماؤهم في عينيه. ...
فليعش طويلاً وليعط له ذهب سبأ، وليصل عليه دائماً وليبارك كل يوم. ...
فليكثر القمح والبر في البلاد حتى أعالي البلاد! ولتتمايل سنابل القمح كأشجار جبل لبنان! وليشرق الرجال في المدينة كحشائش الحقول! ...
ويبقى اسمه أبد الدهر، وينتشر ذكره واسمه أبداً ما بقيت الشمس مضيئة!
وليتبارك به الجميع، وجميع الأمم تنادي باسمه سعيدة. ...
يقول الأستاذ تامر مير مصطفى: اضطررنا للاستغاثة بالترجمة الفرنسية التي استفدنا منها هي من ترجمة: LECHANOINE.A.CRAMPON.
ويستطرد قائلاً: ينسب بعض مترجمي ومفسري العهد القديم من اليهود والنصارى هذا المزمور إلى نبي الله داوود (عليه السلام)، كما ينسبه البعض الآخر منهم إلى ابنه سليمان (عليه السلام)، وقد اختلف اليهود والنصارى في تعيين الشخصيتين المتوسل إلى الله تعالى بهما في بداية هذا المزمور بأن يرسلهما لإنقاذ المستضعفين من الناس وللعمل بشريعة الله وإقامة عدله في الارض، فقالت اليهود بأن المقصود بالملك في هذا المزمور هو نفسه نبي الله داوود (عليه السلام) وبابن الملك سليمان ابنه، ولكن النصارى قالوا بأن المقصود بالملك هنا عيسى (عليه السلام) وبأن جميع ما جاء في هذا المزمور جاء بشارة به (عليه السلام)، ولكنهم لم يعطوا أي تفسير بما يخص (ابن الملك).
أما نحن فنقول: بأن ادعاء الفريقين واضح البطلان ولتبيين ذلك نبدأ بما يدعيه اليهود من أن المقصود (بالملك) هو داوود نفسه وأن (ابن الملك) هو سليمان (عليه السلام) فادعاؤهم هذا باطل من عدة وجوه:
أولاً: إن النبي داوود (عليه السلام) لم يكن صاحب شريعة لكي يقول: اللهم أعط شريعتك للملك لأنه (عليه السلام) لم يأت بشريعة بل كان نفسه خاضعاً لشريعة موسى (عليه السلام).
ثانياً: لا يعقل أن يسمي داوود (عليه السلام) نفسه بالملك وهو في مقام تذلّل وتضرع وخشوع أمام ملك الملوك وخالق السموات والأرض، فإن ذلك لا يصدر عن أكثر الناس جهلاً بمقام الربوبية فضلاً عن أن يصدر عن نبي من أنبياء الله تعالى.
كما أن المعروف عن نبي الله داود (عليه السلام) هو خضوعه وخشوعه التامان لله عز وجل خصوصاً في أوقات الدعاء كما دلت الكتب المقدسة. ولذا نستعيد أن يكون نبي الله داود قد كنى عن نفسه بالملك وهو في حال التذلل والتضرع أمام الله عز وجل.
ثالثاً: إن ما جاء في الفقرة الخامسة من هذه البشارة: يخشونك ما دامت الشمس وما أنار القمر على مرّ الأجيال والعصور وأيضاً ما جاء في الفقرة الحادية عشرة: يسجد له كل الملوك وتخدمه كل الأمم لا ينطبق على النبي داود (عليه السلام). حيث لم يعرف أن الأمم والشعوب خارج فلسطين كانت وما تزال تخشاه على مر العصور والأجيال ولا إن الملوك والأمم من خارج فلسطين كانت تطيعه وتخدمه.
ونحن إذا ما أخذنا بما جاء في الفقرة الخامسة عشرة، والفقرة السابعة عشرة لوجدنا أن أياً من الصفات لا تنطبق على نبي الله داود (عليه السلام)، وإنما تشير إلى أن وعد الله لإبراهيم (عليه السلام) بأن يجعل جميع الأمم تتبارك به قد تحقق بظهور هاتين الشخصيتين العظيمتين من نسله والتي يناجي داود (عليه السلام) ربه لكي يرسلهما للناس لينشرا شريعته ويقيما عدله على الأرض بين الناس.
رابعاً: هو أنه بعد أن دعا نبي الله داود (عليه السلام) ربه لكي يرسل تلك الشخصية العظيمة المعبر عنها بالملك بالشريعة الإلهية ليحكم بها بين الناس، شرع بالتحدث بصيغة الغائب مصوراً لنا المستقبل بعد مجيء هذا المبشر به الذي يسحمل شريعة الله إلى الناس حيث ستخضع لها الشعوب والأمم وسيقوم ابنه أو (حفيده) بإقامة عدل الله في الأرض بحسب قوانين هذه الشريعة الإلهية الخاتمة.
إذن إن هاتين الشخصيتين العظيمتين ستأتيان بعد عصر داود (عليه السلام) وهذا ما يبطل ادعاء علماء اليهود من كون المقصود بالملك هو داوود (عليه السلام).
وإذا بطل بالتحقيق كون الشخصية الأولى (أي الملك) هي داوود (عليه السلام) بطل بالنتيجة الثانية (أي ابن الملك) هو سليمان (عليه السلام).
ويمكن أيضاً إبطال دعواهم من كون المقصود بابن الملك هو سليمان (عليه السلام) من وجهين:

الوجه الأول: بحسب اعتقاد أهل الكتاب وتصريح كتابهم المقدس فإن سليمان (عليه السلام) قد ارتد عن عبادة الله تعالى وعكف على عبادة الأوثان. (ونعوذ بالله من افتراءاتهم الباطلة على أنبياء الله ورسله).
حيث أقام معابد مرتفعة للأصنام مقابل هيكل الرب وكانت زوجاته يعبدن الأصنام في بيته فأي ظلم أعظم وأشنع من هذا الظلم؟!
كما أنب نبي الله أشعياء (عليه السلام) بني اسرائيل لانحرافهم عن دين التوحيد وجعلهم شركاء مع الله تعالى فقد لهم:.. فبمن تشبهون الله، وأي شبه تعادلون به؟! ألا تعلمون؟! الله هو الرب إلى الأبد.
وجاء في القرآن الكريم على لسان لقمان وهو يعظ ابنه: ((يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)).
ينطبق أيضاً جميع ما أوردناه أعلاه حول عدم خصوصية هذه البشارة بداود (عليه السلام) على ابنه سليمان (عليه السلام).
الوجه الثاني: ربما احتج بعضهم بأن أوصاف هذا الملك العظيم الواردة في هذه البشارة يمكن لها أن تنطبق على ملك سليمان (عليه السلام) حيث جاء في القرآن الكريم أن دعا ربه قائلاً: ((وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)).
ويقولون إن سليمان (عليه السلام) دعا الله تعالى أن لا يؤتي مثل ما أوتيه من الملك لأحد من العالمين غيره. ولكن الحق كما ذكره العلامة المرحوم محمد حسين الطباطبائي حيث قال:.. ويدفعه أن فيه سؤال ملك يختص به لا سؤال أن يمنعن غيره عن مثل ما أتاه ويحرمه، ففرق بين أن يسأل أوتيه ملكاً اختصاصياً وأن يسأل الاختصاص بملك اوتيه.
كما أن الواقع التاريخي يثبت لنا أن مملكة سليمان لم تزدد سعة عما كانت عليه أيام أبيه داوود (عليه السلام)، وسلطته لم تكن إلاّ على بني إسرائيل فقط، فهو لم يملك مصر ولا العراق ولا حتى سورية، بل كان على علاقات ودية في غالب الأحيان مع الممالك المجاورة لمملكته. ومجيء بلقيس ملكة سبأ إليه كان لكثرة ما سمعته عن حكمته ودين التوحيد الذي كان يدعو الناس إليه، فقد كان نبياً ملكاً، أتاه الله تعالى من الحكمة والعلم ما لم يؤته أحداً في زمانه.
ومما يدل على ذلك ما جاء في سفر الملوك الأول في قصة ورود الملكة بلقيس على سليمان (عليه السلام): وسمعت ملكة سبأ بخبر سليمان واسم الرب فقدمت لتختبره بأحاجي.. وقالت للملك: حقاً كان الكلام الذي بلغني في أرضي عن أقوالك وعن حكمتك ولم أصدق ما قيل لي حتى قدمت وعاينت بعيني فإذا إني لم أخبر بالنصف فقد زدت حكمة وصلاحاً على الخبر الذي سمعته... تبارك الرب إلهك الذي رضي منك وأجلسك على عرش إسرائيل. وقولها له: تبارك الرب إلهك الذي رضي منك وأجلسك على عرش إسرائيل دليل على أن سلطته كانت على بني إسرائيل فقط وليس على بقية الشعوب والأمم.
فدعاؤه (عليه السلام) كان بأن لا يهب الله تعالى ملكه الذي أعطاه إياه لأحد من بعده، وذلك لما أطلعه الله على فساد الذين سيرثونه من بعده.
وقد استجاب الله عز وجلّ دعاءه فسرعان ما انقسمت مملكته من بعده فاختص ابنه (رجبعام) بجزء صغير من مملكة أبيه سليمان (عليه السلام)، وأسّس فيه مملكة إسرائيل في منطقة نابلس التي كانت تسمى (السامرة) ونتيجة للحروب التي قامت بين ممكلة يهوذا في القدس ومملكة إسرائيل في السامرة فقد ضعفتا وأصبحتا هدفاً لاجتياح الإمبراطوريات والممالك المجاورة لهما كالفراعنة والآشوريين والبابليين حتى تلاشتا من الوجود، وبذلك استجاب الله تعالى دعاء سليمان إياه بأن لا يهب ملكه لأحد من بعده فلم يملك أحد من بني إسرائيل ملكاً كملك سليمان من بعده.
وبهذا ظهر لنا بطلان ادعاء اليهود من أن البشارة الواردة في المزمور 72 جاءت بحق داوود وابنه سليمان (عليهما السلام).
وأما ادعاء النصارى بأن هذه البشارة قد وردت بحق عيسى المسيح (عليه السلام) فإنه ادعاء باطل أيضاً من عدة وجوه:
الوجه الأول : عيسى بن مريم (عليه السلام) لم يكن صاحب ملك ولم يحكم ولا يوماً واحداً بل على العكس كان لليهود السلطة عليه فقد أخذوه وأهانوه وضربوه واستهزؤوا به وقتلوه على حسب زعمهم
كما إنه لم يكن له ابن فهو لم يتزوج في حياته حتى يقال بأن الدعاء: وأعط عدلك لابن الملك، جاء بحقه.
وأيضاً فإن السيد المسيح (عليه السلام) لم يأت بأحكام جديدة حتى يقال بأن ما جاء في هذا الدعاء: وأعط شريعتك للملك مختصّ به (عليه السلام)، وهذا بشهادة الأناجيل الاربعة الموجودة بين أيدي الناس اليوم فإنها تكاد تكون خالية من الأحكام، فالسيد المسيح (عليه السلام) اعترف بنفسه قائلاً: لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل.
كما ان معظم الصفات الواردة في هذا المزمور الثاني والسبعين لا تنطبق على عيسى المسيح (عليه السلام).
وهكذا وبعد أن بينا بطلان ادعاءات كل من اليهود والنصارى حول هذه البشارة نقول بأن جميع الأوصاف الواردة فيها تشير وبدون تكلف إلى رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) الذي تم التعبير عنه في هذا المزمور بالملك والى حفيدة الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) المعبر عنه بابن الملك.
فالفقرة الأولى من هذه البشارة والتي جاءت على شكل دعاء: اللهم أعط شريعتك للملك وعدلك لابن الملك، تشير إلى أنه سوف تظهر بعد زمن داوود (عليه السلام) شخصيتان عظيمتان: إحداهما سوف تحمل شريعة الله إلى الناس كافة، أما الثاني وهو ابن الملك فليس بنبي ولا صاحب شريعة إنما سيكلف من قبل الباري عز وجل بإقامة العدل في الأرض على أساس الشريعة الإلهية التي بعث بها ذلك النبي المرسل، إذاً وابن الملك سيكون بمثابة إمام يهدي الناس إلى الله ويحكم بينهم بالعدل على أساس شريعة ذلك النبي المرسل، أما بقية الصفات الواردة في هذه البشارة فهي مشتركة بين النبي الملك صاحب الشريعة والإمام ابن الملك الذي سيقيم العدل على الأرض.
بقي أن نعرف بأن بين هاتين الشخصيتين العظيمتين يوجد نسب قرابة حيث عبر عنهما (بالملك) و (ابن الملك) وهذا ينطبق على رسول الله (صلى الله عليه وآله) العبر عنه (بالملك) وعلى حفيده وابنه الإمام المهدي المنتظر المعبر عنه (بابن الملك).
وفي الحقيقة فإن ما جاء في المزمور 72 يعد من أقوى البشارات في حق كل من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحفيده المهدي المنتظر عجل الله فرجه حيث جمعت خلاصة أمريهما صلوات الله عليهما، ولم يستطع التحريف الذي أحدث فيها من أن ينال منها وظلت متماسكة البناء واضحة المعاني والدلالات.
ولمزيد من الإيضاح نقوم بتسليط الضوء بشيء من التفصيل على الأوصاف الواردة في هذه البشارة لنرى كيف أنها تشير بوضوح إلى كل من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحفيده الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف. فالفقرة الأولى منها تشير إلى أن المبشر به سيكون له سلطان على الناس حيث عبر عنه بالملك وسيكون صاحب شريعة وأحكام لجميع الناس حيث يلزم على جميع الشعوب والأمم الانضواء تحت راتيها.
ومن المعلوم أن هذه الصفة لا تنطبق إلاّ على رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) صاحب الشريعة المستقلة عن جميع الشرائع السابقة وصاحب السلطة الإلهية على جميع البشر حيث أرسله الله تعالى للناس كافة حيث قال: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)). وجعله رحمة للعالمين، حيث قال سبحانه وتعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)).
بينما أرسل بقية الأنبياء برسالة خاصة كل إلى قومه؛ فقد جاء في سفر الملوك الأول أن الله تعالى منع أنبياء بني إسرائيل وقومهم من الدخول على الأقوام الأخرى خشية أن تميل قلوبهم إلى آلهة تلك الأقوام والشعوب: وأحب الملك سليمان نساء غريبات كثيرة مع بنت فرعون: موآبيات وعمونيات وأدوميات وصيدونيات وحثيات من الأمم الذين قال عنهم الرب لبني إسرائيل: لا تدخلون إليهم وهم لا يدخلون اليكم لأنهم يميلون قلوبكم وراء آلهتهم.
كما صرح عيسى بن مريم (عليه السلام) أنه لم يرسل إلاّ إلى خراف بني إسرائيل الضالة، ولذا تم التعبير عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) بالملك لأن شريعته ستحكم جميع الشعوب والأمم.
وهذا ما دعا نبي الله دانيال (عليه السلام) إلى الإشارة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنه صاحب السلطان والمملكة التي ستبقى إلى الأبد، فقد ورد في كتاب دانيال ما نصه: وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة أي شريعة لن تنقرض ابداً وملكها لا يترك لشعب آخر، وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد.
كما تنبأ دانيال (عليه السلام) مرة ثانية بمجيء محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبأن شريعته لن تنمحي أبداً فقال: "كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحاب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض.
كما نادى نبي الله يحيى (عليه السلام) ببني إسرائيل وهو يعمدهم بأن يتوبوا إلى الله ويعدوا أنفسهم ويعدوا الناس لاستقبال شريعة الله الخاتمة والخالدة التي عبر عنها بملكوت السموات فقال لهم: توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات فإن هذا هو الذي تكلم عنه النبي أشعيا قائلاً: صوت صارخ في الصحراء أعدوا طريق الرب، اصنعوا سبله مستقيمة.
ومعلوم أن هذا الصوت الصارخ في الصحراء والذي دعا إلى عقيدة التوحيد الخالص والى التمسك بصراط الله المستقيم هو محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وأيضاً ما جاء على لسان زكريا (عليه السلام) من بشارة تنطبق على تلك الشخصيتين العظيمتين المبشر بهما في المزمور الثاني والسبعين من مزامير داود (عليه السلام) والتي أثبتنا أعلاه أنهما محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحفيده الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف، فقد نسب إلى زكريا (عليه السلام) القول:
ابتهجي جداً يا ابنة صهيون، اهتفي يا بنت أورشليم، هوذا ملكك قادم اليك هو عادل ومنصور.
وهاتان الصفتان العادل والمنصور هما صفتان مشتركتان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولحفيده الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه.
ولكن النصارى يدعون أن بشارة زكريا هذه جاءت خاصة بعيسى المسيح (عليه السلام)، إلاّ أن ادعاءهم هذا باطل لأن عيسى (عليه السلام) لم يكن صاحب سلطة يحكم بها ولا خاض حرباً ما حتى يوصف بالمنصور، ولهذا السبب تردد مترجمو العهد القديم من النصارى إلى اللغة الفرنسية في كلمة منصور فلم يختاروا ما يقابلها بالفرنسية.
(vainqueur) لما رأوا أن هذا الوصف لا يناسب وضع نبي الله عيسى (عليه السلام) ولذا عمدوا إلى تحريف المعنى وترجموها المحمي من قبل الله protge DE DIEU.
ومن ذلك فإن هذه الصفة الجديدة المحمي من قبل الله لا تنطبق على عيسى (عليه السلام) وذلك لما ذكر في أناجيلهم من أن اله لم يحمه من كيد ومكر أعدائه، بل تركه فريسه سهلة لحقدهم عليه وإيذائهم له حتى اضطر أن يصرخ ــ كما يزعمون ــ قائلاً إيلي إيلي لما شبقتني أي إلهي إلهي لم تركتني. وبهذا يظهر لنا أن بشارة زكريا (عليه السلام) هذه ليست خاصة بنبي الله عيسى بن مريم (عليه السلام) بل جاءت بخصوص محمد خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله) الذي أنقذ البشرية بنور شريعة الإسلام الإلهية وأخرجهم من ظلمات العبودية لغير الله إلى نور العبودية لله الواحد الأحد، وأيضاً تنطبق هاتان الصفتان على حفيد رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الذي سينقذ البشرية من ظلمات الظلم والجور والاستغلال وينشر العدل في الأرض على أساس شريعة الإسلام الإلهية حيث ستكون معركته الحاسمة مع القوى المادية الصهيونية والاستكبار العالمي محرراً بذلك أرض فلسطين والمسجد الأقصى من براثينهما الخبيثة.
ومن الواضح تاريخياً أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خاض حروباً كثيرة نصره الله فيها جميعاً على أعدائه حتى هابته الرؤساء والملوك وأذعن الكثير منهم لإرادته، وقد وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تشير إلى نصر الله تعالى لرسوله محمد (صلى الله عليه وآله) نذكر منها:
((وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً)).
وقال أيضاً: ((لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ)).
وقال: ((ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ)).
وحتى عدول النصارى عن كلمة (منصور) الواردة في بشارة زكريا (عليه السلام) وتحويلها إلى المحمي من قبل الرب لا يجعلها تنطبق على عيسى (عليه السلام) كما بينا ذلك أعلاه، بل أن هذه الصفة الجديدة (المحمي) هي أيضاً من صفات رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) الذي حماه الله من جميع المؤامرات التي حيكت ضده من قبل الكفار والمشركين والمنافقين واليهود.
فقد تكفل الله تعالى بحمايته من مكائد الناس ومكرهم به فقال عز وجل مخاطباً رسوله الكريم: ((وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)).
وعودة إلى البشارات الواردة في المزمور 72 فإن جميع ما ورد فيه جاء مشتركاً بين رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) وحفيده المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، إلاّ بما يخص الرسالة والنبوة فإنها من خصوصيات رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله).
فالصفات الواردة في كل من الفقرات 2 و 3 و 4 مشتركة بين رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) وحفيده المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه حيث أن مهمتهما بعد دعوة الناس إلى طاعة الله وعبوديته رفع الظلم عن كاهل الشعوب وردع الظالمين وسحقهم ونصره المظلومين والفقراء والمساكين وحرباً على الظالمين والمستكبرين.
وهكذا سيكون حفيده المهدي المنتظر عجل الله فرجه، فإنه سينشر القسط والعدل في الأرض بعد أن تكون قد ملئت ظلماً وجوراً، كما ورد في الأحاديث النبوية المتواترة عند المسلمين.
أما ما ورد في الفقرة الخامسة: ويخشونك ما دامت الشمس وما أنار القمر على مر الأجيال والعصور فإنها حقيقة واضحة فالذين آمنوا برسالة الإسلام التي حملها رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخشون أن يخالفوا أوامر شريعته فيخسرون يوم القيامة شفاعته وينالهم بذلك عذاب الله وسخطه.
أما الطواغيت والمستكبرون كفروا برسالته فإنهم يخافون دوماً وأبداً من أن يحكموا يوماً بشريعته لأنها تقف سداً مانعاً أمام طغيانهم واستكبارهم وأطماعهم وتمنعهم من استغلال الآخرين من المستضعفين والفقراء والمساكين، ولذلك قال عنه السيد المسيح (عليه السلام) مبشراً بقدومه (صلى الله عليه وآله):
ومتى جاء ذلك (البركليت = أحمد) فإنه سيبكّت العالم على خطيئة وعلى برٍ وعلى دينونه.
وهذا أيضاً ينطبق على الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) وما سيقوم به من حروب ضد الظالمين والمستكبرين، فإن أقطاب الكفر والاستكبار العالمي يخشون حتى من ذكر اسمه ويحاولون إيهام الناس بأن موضوع الإمام المهدي هو مجرد فكرة خرافية وذلك لأنهم يعلمون بأن أول ما سيقوم به هو محاربتهم وتخليص العباد من ظلمهم وجورهم.
وأما ما ورد في الفقرة السادسة:
سيكون كالمطر يهطل على العشب كالغيث الوارف الذي يروي الأرض العطشى.
فكما جاء في هذه الفقرة يمثل وصفاً صادقاً لوضع البشرية المخزي أثناء بعثة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث كانت الإنسانية متعطشة إلى الرحمة والعدالة والعيش في ظل شريعة سمحة، فكان (صلى الله عليه وآله) بالنسبة لها كالغيث الهاطل والمطر الوارف الذي يسقي الأرض العطشى حاملاً معه الرحمة والعدالة والمساواة ضمن قوانين شريعة إلهية سمحاء ليخرجهم بها من ظلمات الجهل والظلم والانحراف إلى نور التوحيد والمعرفة والعدل.
وكذلك الأمر بالنسبة للإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه فإنه قبل ظهوره الشريف سيعم الظلم والكفر بالله ونوع من الفوضى في المعاملات بين بني البشر على سطح الأرض وعندها سوف يأذن الله عز وجل له بالظهور والقيام لتطهير الأرض من كافة أنواع الظلم والكفر وجميع المفاسد التي ظهرت بين الناس، ويقيم القسط والعدل وينشر راية التوحيد والاسلام الصحيح لينعم الناس بظل عدالته الوارفة وبهذا سيكون ظهوره عجل الله فرجه بالنسبة للإنسانية كالغيث المنهمر على أرض عطشى.
وكذلك بالنسبة لما ورد في الفقرات من 7 إلى 14 فإنها جميعها تنطبق على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكذلك على حفيدة المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وإن ما جاء في هذه الفقرات الثماني ليعد أفضل وصف لما سيكون في أيام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف من عدول واستقامة حيث سيشرق الأبرار والصالحون في أيامه وسيعم ملكه وعدله على جميع اليابسة بعد أن يقضي على حكم الظالمين والمستكبرين ويمحو من الأرض آثار طغيانهم وجبروتهم ويخضعهم لسلطانه ويرتفع شأن الفقراء والمستضعفين ويصلح حالهم وينعمون بحياة حرة كريمة بعد أن عانوا على مدى أجيال عديدة من ظلم الظالمين وحكم الطغاة والجائرين.
أما ما ورد في الفقرات 15 و 16 و 17 فإن جميع ما جاء فيها من بشارات إنما جاء بخصوص رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعبارة: ليصل عليه دائماً وليباركك كل يوم خاصة برسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) لم يشاركه فيها أحد من الناس ولا من الخلائق أجمعين.
فهو يصلي عليه من قبل أتباعه (البالغ عددهم أكثر من مليار مسلم) المنتشرين في كافة أقطار الأرض، حيث يذكر اسمه كل يوم أثناء الأذان في كافة أنحاء العالم ويصلى عليه كلما تم ذكر اسمه على شفة ولسان.
وأيضاً عبارة: ويبقى اسمه أبد الدهر، ما بقيت الشمس مضيئة، وليبارك به الجميع وجميع الأمم تنادي باسمه سعيدة.
فإنها من خصوصيات رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) لم يشاركه فيها أحد من الأنبياء والمرسلين ولا من الخلائق أجمعين، فاسمه (صلى الله عليه وآله) باق أبد الدهر، كما يزداد انتشار اسمه في أوساط الناس من جميع الشعوب والأمم حيث كل يوم يعتنق دين الإسلام الكثير من الناس أفراداً وجماعات، الذين ما إن ينطقوا بالشهادتين: (أشهد أن لا إله الله وأشهد أن محمد رسول الله) حتى تظهر آثار الشعادة والبشر على محياهم ويبدؤون ينادون باسمه الشريف متبركين به في كل أذان وكل إقامة.
وأيضاً توجه الناس من المسلمين على اختلاف درجاتهم وطبقاتهم، فقيرهم وغنيهم، حاكمهم ومحكومهم لزيارة مرقده الطاهر ومسجده المبارك في المدينة المنورة في أرض الحجاز، كل يصلي عليه ويلتمس منه الشفاعة عند الله يوم القيامة.
فصلاة الله وسلامه عليك يا سيدي يا رسول الله، يا رسول الرحمة والعدالة والاستقامة يا منقذ البشرية من ظلمات الجاهلية والضلال ومخرجهم بإذن ربك إلى نور الحق والهداية، وعلى آل بيتك الطاهرين والبررة من أصحابك المنتجبين خصوصا ابنك الامام المهدي المنتظر (عج) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

ثالثاً: المهدي في معقتدات الزرادشتية
هناك مجموعة من الكتب الزرادشتية جاء فيها من الأخبار الكثيرة حول آخر الزمان، وعن ظهور الموعود الذي سيخلص البشرية من الكبت الحرمان ومن ضغوط الحكام الطواغيت الذين يسعون في الأرض فساداً ومن جملة هذه الكتب:
كتاب أوستا ــ كتاب زند ــ كتاب رسالة جاماست ــ كتاب قصة دينيك ــ كتاب رسالة زرادشت.
وقد طرحت الديانة الزرادشتية موعودين يطلق على كل منهم اسم ((سوشيانت)). وكان هؤلاء الموعودون ثلاثة، أكثرهم أهمية الموعود الثالث، وقد كانوا يلقبونه ((سوشيانت المنتصر)) وسوشيانت هذا هو الموعود حيث قالوا:
إن سوشيانت المزدية بمثابة كريشناي البراهمة، وبوذا الخامس لدى البوذية، والمسيح لدى اليهودية، وفارقليط عند العيسوية، وبمنزلة المهدي لدى المسلمين.
وجاء في كتاب شابوهرجان، من الكتب المانوية المقدسة عندهم:
....خرد شهر إيزد لابدّ أن يظهر في آخر الزمان وينشر العدل في العالم... سوشيانت، من الكتب الزرادشتية المقدسة جاء فيه:
... استوت إرت، سوشيانت أو ألمنقذ العظيم. سوشيانس، أو موعود آخر الزمان.. وسيلة وعلاج جميع الالام به، يقتلع جذور الألم والمرض والعجز والظلم والكفر، يهلك ويسقط الرجال الأنجاس..
رسالة جاماسب، صفحة121:
... سينشر (شوشيانت، المنقذ) الدين في العالم فكراً وقولاً وسلوكاً.

رابعاً: المهدي في المعتقدات الهندية
جاء الحديث حول المنقذ والموعود في أعراف الهنود وكتبهم، مثل كتاب (مهابهارتا) وكتاب (بورانه ها) حيث قالوا:
تذهب الأديان جميعاً إلى أنه في نهاية كل مرحلة من مراحل التاريخ يتجه البشر نحو الانحطاط المعنوي والأخلاقي وحيث يكونون في حال هبوط فطري وابتعاد عن المبدأ، ويمضون في حركتهم مضي الأحجار الهابطة نحو الأسفل فلا يمكنهم أنفسهم ان يضعوا نهاية لهذه الحركة التنازلية والهبوط المعنوي والأخلاقي، إذن لابد من يوم تظهر فيه شخصية معنوية على مستوى رفيع تستلهم مبدأ الوحي وتنتشل العالم من ظلمات الجهل والضياع والظلم والتجاوز، وقد أشير لهذه الحقائق في تعاليم كل دين إشارة رمزية منسجمة مع المعتقدات والقيم الأخرى انسجاماً كاملاً.
فمثلاً: في الديانة الهندية وفي كتب بورانا (burana) شرح تفصيلي حول مرحلة العصر الكالي (kali) يعني: آخر مرحلة قبل ظهور أو تاراي ويشنو العاشر.

خامساً: المهدي في المعتقدات البوذية
فقد ورد في بعض المصادر والدراسات أن مسألة الانتظار قضية مطروحة في الديانة البوذية (ففي الأعراف البوذية) كان هناك انتظار، والمنتظر هو بوذا الخامس.
إن كل أمة من الأمم وشعب من الشعوب له معتقداته الخاصة وثقافته التي ورثها وأمله الذي ينتظره ليخلصه من محنه وآلامه، فكما أن الديانات الأخرى لها منقذها ومخلصها الذي سيظهر في آخر الزمان، كذلك البوذيين فإن مخلصهم ومنقذهم هو بوذا الخامس.

سادساً: المهدي في المعتقدات الصينية
جاء في كتاب أوبانيشاد. المقدمة صفحة 54 ما نصّه:
... حينما يمتلىء العالم بالظلم يظهر الشخص الكامل الذي يسمى (يترتنكر: المبشر) ليقضي على الفساد ويؤسس للعدل والطهر... سيُنجي كريشنا العالم حينما يظهر البراهميتون.
وجاء في كتاب ريك ودا، ماندالاي ص 4 و24:
يظهر ويشنو بين الناس.. يحمل بيده سيفاً كما الشهاب المذنب ويضع في اليد الأخرى خاتماً براقاً، حينما يظهر تكسف الشمس، ويخسف القمر وتهتز الأرض.
فجميع الأديان والملل والنحل كان لها منقذ مستقل أو مشترك سموه باسماء مختلفة منها:
آرثر، أودين، كالويبرك، ماركو كر اليويج، بوخص، بوريان بو روبهم و.... يعتقدون أنهم حينما يظهرون يسنشرون العدالة في الأرض.

الغيبة الصّغرى للإمام الحجة "عجّل الله تعالى فرجه"
إنّ موضوع الغيبة في غاية الأهمّيّة، ولا يصحّ أن يترك بوجه لأسباب عديدة, نحن هُنا ليس بصدد ذكرها, ولكن نقول: إنّ الرّسول الأعظم "صلّى الله عليه وآله" والأئمّة المعصومين "عليهم السّلام" ركّزوا على هذا الأمر تركيزاً تقتضيه أهمّية ذلك الأمر, لذا هيّأوا أذهان الأُمّة لتقبّل هذا الأمر وما يكتنفه من ظروف, وأزالوا الغموض والأبهام عن هذه القضية الهامّة.
حيث نجد ذلك واضحاً في أحاديث رسول الله "صلّى الله عليه وآله" ممّا يرويه عُلماء الفريقين وفي أحاديث الأئمّة المعصومين "عليهم السّلام", والهدف من كلّ هذا الحشد من الأحاديث هوالتّعبئة النّفسيّة العامّة, لتقبّل فكرة الإمام الغائب "عجّل الله تعالى فرجه" وإنّها حقيقة واقعة لا محالة ...
ولا نريد أن نكرّر ما صدر عنهم "عليهم السّلام" بهذا الخصوص, ولكن نشير إلى قول الإمام الحسن العسكري "عليه السّلام" إلى رجل بقوله: عثمان بن سعيد العمري وكيلي وإنّ ابنه مُحمّداً وكيل ابني مهديّكم.
فبهذا القول أشار الإمام "صلوات الله عليه" إلى خصوصية خاصّة, وهي زرع الإطمئنان الحسّي في نفوس الخاصّة والعامّة من خلال تنصيب نائباً عنه وعن ابنه "عليهما السّلام"؛ حتى لا تفاجأ الأُمّة بعد ذلك..., حيث بدأ الإمام "عليه السّلام" غيبته بالسّفراء, وهذا أقرب إلى أذهان النّاس وأشدّ أُنساً, لاسيّما وأنّ هؤلاء السّفراء أوّلهم نصّ عليه الإمام الحاضر وهوالإمام العسكري "عليه السّلام", وفي نفس الوقت نصّ على من يأتي بعده, فبهذه الخصوصيات وغيرها تكون الأُمّة مهيّأة ذهنيّاً ونفسيّاً لتلقّي خبر غيبة الإمام "عجّل الله تعالى فرجه الشّريف" بلا أدنى تشكيك, وبالخصوص عندما كانت تأتي توقيعات من الإمام نفسه بيد السّفراء المعينين من قبل أبيه ومن قبله ...
إلاّ أنّ كلامنا هُنا يبقى في مبدأ هذه الغيبة, أي في زمان حصول الغيبة الصّغرى بالتّحديد, فالأقوال في ذلك ثلاثة:
القول الأوّل
الغيبة الصّغرى بدأت بمولده "عجّل الله تعالى فرجه"، حيث كان مولده مبنيّاً على الكتمان، فكان الإمام "سلام الله عليه" غائباً منذ ذلك الحين وإلى أن يظهر للعيان بشكل علني عام.
ولكن أورد البعض على هذا القول: بأنّ الإمام من مولده إلى شهادة أبيه الإمام العسكري "سلام الله عليه"، في هذه الفترة الإمامة لم تكن له، وهذا خارج عن موضوع الغيبة التي نتحدّث عنها، فإنّ الحديث عن غيبته في فترة إمامته.
نقول: هذا الأمر سهل؛ لأنّ الفرض من الغيبة مُطلق الغيبة، سواء غيبته في عصر إمامة أبيه "سلام الله عليه" أوغيبته في عصر إمامته، الغرض ملفّق من هذا وذاك, بحيث المجموع يكون هذه الفترة من مولده "عليه السّلام" إلى وفاة آخر نائب من النّواب الأربعة, وهوأبوالحسن عليّ بن مُحمّد السّمري "رحمه الله" سنة ثلاثمئة وتسعة وعشرين من الهجرة الشّريفة، فإذا بدأنا بسنة مئتين وخمس وخمسين ـ أي سنة مولد الإمام "عجّل الله تعالى فرجه" ـ إلى سنة ثلاثمئة وتسعة وعشرين، يعني قرابة أربع وسبعين سنة، هذا التّحديد طبق النّظرية التي ذهب إليها الشّيخ المفيد "رحمه الله".
والمناقشة في هذا القول لا من هذه الجهة التي ذكرها البعض، بل المناقشة من جهة أُخرى: حيث أنّ ظاهر جملة من الرّوايات أنّ الإمام "سلام الله عليه" لم يكن غائباً بالمعنى المتعارف منذ ولادته، نعم كان محفوظاً إلاّ عن الخاصّة، وكان هناك تكتّم على اللقاء به على الاجمال, حيث كانت هناك محدوديّة في قضية رؤيته، أمّا غيبته "عجّل الله تعالى فرجه" بتمام المعنى لم تشرع، والدّليل على جملة من الرّوايات، حيث أنّ الإمام العسكري "سلام الله عليه" كان يأتي إليه مجاميع من أصحابه فيطلعهم عليه، فالغيبة إذن لم تبدأ من حين مولده.
القول الثّاني:
الغيبة بدأت من حين شهادة والده الإمام العسكري "سلام الله عليهم"، وبالضّبط بعد صلاته على جنازة الإمام العسكري "عليهم السّلام" في القضية التي رواها بعض الرّواة.
وهذا القول يمكن الأخذ به لولا تعارضه مع قول آخر.
القول الثّالث:
وهوقول متوسط بين ما ذكرنا, وهومطابق للنصّ الذي ورد في غيبة الشّيخ الطّوسي "أعلى الله مقامه"، حاصله:
إنّ غيبته بدأت بعد مولده "عليه السّلام" بفترة، بدأت الغيبة وأعلن عن غيبته "عليه السّلام" نفس والده الإمام العسكري "عليه السّلام".
وفي هذا عناية بليغة في واقع الأمر؛ لأنّ الإمام "عليه السّلام" إمام حاضر، فحينما ينبىء عن غيبة ابنه الإمام المهدي "سلام الله عليه" يكون سكون النّفوس إلى ذلك أكثر، بعكس ما لوالإمام "سلام الله عليه" يغيب فجأة بدون سبق إنذار، فالإمام العسكري "عليه السّلام" حينما عرضه على من حضر عنده من شيعته, قال: ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتمّ له عمر....
إنّ الذي نفهمه إذن ـ والله العالم ـ: أنّ مبدأ الغيبة الصّغرى من هذا الاعلام بالضّبط.
ولقد كانت الغَيبة الصّغرى مقدمةً تمهيدية ومدخلاً للغيبة الكبرى، والغيبة الكبرى مقدمةً للظهور، وأيضاً كانت الغيبة الصّغرى حدّاً وسطاً بين الغيبة الكبرى ـ التي انقطعت الاتصالات فيها بين الشّيعة وبين الإمام المهدي "عليه السّلام" ـ وبين تواجد الإمام المهدي"عجّل الله تعالى فرجه" في المجتمعات البشرية.
وتَمْتَدُّ الغيبة الصّغرى مِن ولادته إلى انقطاع السّفارة بينه وبين شيعته بوفاة آخر السّفرَاء الأربعة عليّ بن مُحمّد السّمري عام 329 هـ , في هذه الفترة كان السّفَرَاء يرونه وربما رآه غيرهم ، ويصِلُون إلى خدمته، وتخرج على أيديهم توقيعات منه إلى شيعته في أمورٍ شَتَّى.

النّواب الأربعة
ونتيجة لإلحاح السّلطة الحاكمة على تعقّب الإمام المهدي "عليه السّلام", توارى الإمام عن الأنظار في غيبة سُمّيت الغيبة الصّغرى، وقد شغل منصب النّيابة عن الإمام في إدارة شؤون الأُمّة ولمدة سبعين سنة أربعة نواب عُرفوا بالسّفراء، هُم:
1ـ عثمان بن سعيد العَمْري، كنيته أبوعمرو, وكان يُقال له الأسدي؛ لأنّه ينتمي إلى قبيلة بني أسد, ولقبه العسكر؛ لأنّه كان يسكن مع الإمامين العسكريين "عليهما السّلام" في المنطقة العسكرية بسامراء التي فرض المتوكّل العبّاسي عليهما الإقامة الجبرية فيها, ولُقّب أيضاً بـ"الزّيّات"؛ لأنّه كان يتّجر في السّمن والزّيت تغطية على عمله مع الأئمّة "عليهم السّلام"، فإذا حمل الشّيعة إليه مالاً أوكتاباً جعله في جراب السّمن وأوصله إلى الإمام"عليه السّلام". وقبره في الجانب الغربي ببغداد، وله مقام معروف.
2ـ مُحمّد بن عثمان العمري، وكنيته أبوجعفر، ونسبه أسدي، ولقبه العسكري، الزّيّات, وروي أنّه حفر لنفسه قبراً، وسوّاه بالسّاج، ونقش فيه آيات من القرآن وأسماء الأئمّة على حواشيه, فلمّا سُئل عن ذلك قال: للناس أسباب. وكان في كلّ يوم ينزل في قبره، ويقرأ جزءاً من القرآن، ثمّ يصعد, ثمّ سُئل بعد ذلك، فقال: أُمرت أن أجمع أمري. فمات بعد شهرين من ذلك، في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثمئة بعد الهجرة، وقال عند موته: أُمرت أن أُوصي إلى أبي القاسم الحُسين بن روح. وأوصى إليه, وقبره في بغداد وله مقام يُعرف بـ" الخلاني".
3ـ الحُسين بن روح بن أبي بحر, كنيته أبوالقاسم، ولقبه النّوبختي، نسبة إلى نوبخت من عوامل فارس, وكانت مدّة نيابته إحدى وعشرين سنة، وتوفّي سنة 326هـ، وقبره في بغداد يُعرف بإسمه في سوق الشّورجة.
4ـ عليّ بن مُحمّد السّمَري, أوالسّيمري، أوالصّيمري، والمشهور المعروف هوالأوّل، وكُنيته: أبوالحسن, تولّى السّفارة عن النّاحية المقدّسة من 326 ـ وهو عام وفاة الحُسين بن روح ـ إلى 329 عام وفاته في النّصف من شعبان.
وقبل ستة أيّام من موته خرج من النّاحية المقدّسة توقيع على يده بانقطاع الغيبة الصّغرى، وأن ? يوصي إلى أحد, وأنّه ميت بينه وبين ستة أيّام، فلمّا أن كان اليوم السّادس وكان يجود بنفسه, قيل له: مَن وصيّك من بعدك ؟ فقال: لله أمر هو بالغه. ومات "رضوان الله عليه"، وله مزار معروف في بغداد وهوموقع قبره.

الغيبة الكبرى للإمام الحجّة "عجّل الله تعالى فرجه"
إمتدّت الغيبة الصّغرى منذ وفاة الإمام العسكري "عليه السّلام" سنة 260هـ, حتى سنة 329هـ.
وبعد أن حقّقت الغيبة الصّغرى أهدافها فحصّنت الشّيعة من الإنحراف, وجعلتهم يتقبلون فكرة النّيابة التي تحوّلت من أفراد منصوص عليهم إلى خطّ عام هوخطّ المرجعية..., بدأت الغيبة الكبرى بوفاة السّفير السّمري "رحمه الله" سنة 328هـ أو329 هـ, وستبقى مستمرة حتى يأذن الله تعالى.
ونحن اليوم في غيبة الإمام المهدي "عليه السّلام" مع أنّه نعيش حضوره؛ لأنّه إذا غاب عنّا بشخصه، لم يغب عنّا برسالته، وذلك لقوله "عليه السّلام": وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا, فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله. يعني وكأنّه قال لنا: ارجعوا إلى تراث النّبيّ صلّى الله عليه وآله" والأئمّة "عليهم السّلام" من آبائي، فهوالنّور الذي يضيء لكم الطّريق عندما أغيب عنكم؛ لأنّ الأئمّة "عليهم السّلام" كانوا يضيئون لكم الطّريق من خلال قولهم، ومن خلال فعلهم، ولذلك فإنّهم حاضرون في ذلك كلّه.
وربما كان نهاية الغيبة الكبرى هوحينما تتمخّض الظّروف الاجتماعيّة عن الأجواء الملائمة لثورة الإمام المنتظر "عليه السّلام", التي حددتها جملة من الأحاديث الواردة عن المعصومين "عليهم السّلام" والتي نستطيع أن نصنّفها إلى طائفتين:
1ـ الطّائفة التي حددت خروج الإمام المنتظر "عليه السّلام" بعد ملء الأرض ظلماً وجوراً. أمثال: لا تقوم السّاعة حتى تملأ الأرض ظُلماً وجوراً وعدواناً، ثمّ يخرج من أهل بيتي من يملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظُلماً وجوراً.
2ـ الطّائفة التي أشارت إلى أنّ الإمام المنتظر "عليه السّلام" سيأتي بأمر جديد، بعد اندثار معالم الإسلام، وابتعاده عن الواقع الاجتماعي والواقع الفكري وانحساره عن مجالهما, أمثال ما روي عن الإمام الصّادق "عليه السّلام":
أـ قال: إذا قام القائم "عليه السّلام" دعا النّاس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دثر فضلّ عنه الجمهور،..
ب ـ قال: إذا قام القائم جاء بأمر جديد، كما دعا رسول الله "صلّى الله عليه وآله" في بدوالإسلام إلى أمر جديد.

علّة غيبته "عليه السّلام"
ومن الملاحظ له أنّ علّة الغيبة جاءت ترفدها عدّت روايات وأحاديث تبيّن وتظهر تلك العلّة من غيبته "عليه السّلام" نورد منها:
1 ـ عن أبي بصير، عن أبي عبد الله "عليه السّلام", قال: صاحب هذا الأمر تعمى ولادته على " هذا " الخلق"؛ لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج.
2 ـ عن جميل بن صالح، عن أبي عبد الله "عليه السّلام", قال: يُبعث القائم وليس في عنقه بيعة لأحد.
3 ـ عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله "عليه السّلام", قال: يقوم القائم "عليه السّلام "وليس لأحد في عنقه بيعة.
4 - عن عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا "عليهما السّلام", أنّه قال: كأنّي بالشّيعة عند فقدهم الثّالث من ولدي كالنّعم يطلبون المرعى فلا يجدونه. قُلت له: ولِم ذاك يا بن رسول الله ؟ قال: لأنّ إمامهم يغيب عنهم. فقُلت: ولِم ؟ قال: لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسّيف.
5 ـ عن أبي بصير، عن أبي عبد الله "عليه السّلام", قال: صاحب هذا الأمر تغيب ولادته عن هذا الخلق؛ كيلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج, ويصلح الله عزّ وجلّ أمره في ليلة "واحدة".
6 ـ عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي عبد الله "عليه السّلام", قال: إنّ للقائم منّا غيبة يطول أمدها. فقُلت له: يا بن رسول الله ولِم ذلك ؟ قال: لأنّ الله عزّ وجلّ أبى إلاّ أن تجري فيه سنن الأنبياء "عليهم السّلام" في غيباتهم، وإنّه لا بدّ له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ. أي سنن من كان قبلكم.
7 ـ عن زرارة, قال: سمعت أبا جعفر "عليه السّلام" يقول: إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم. قال: قُلت: ولِم ؟ قال: يخاف. وأومأ بيده إلى بطنه.
8 ـ عن زرارة, قال: قال أبوعبد الله "عليه السّلام": يا زرارة, لا بدّ للقائم من غيبة. قُلت: ولِم ؟ قال: يخاف على نفسه. وأومأ بيده إلى بطنه.
9 ـ عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر "عليه السّلام" يقول: إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره. قُلت: ولِم ؟ قال: يخاف. وأومأ بيده إلى بطنه. قال زرارة: يعني القتل.
10 ـ عن زرارة، عن أبي عبد الله "عليه السّلام", قال: للقائم غيبة قبل قيامه. قُلت: ولِم ؟ قال: يخاف على نفسه الذّبح.
11 ـ عن عبد الله بن الفضل الهاشمي, قال: سمعت الصّادق جعفر بن مُحمّد "عليهما السّلام" يقول: إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدّ منها, يرتاب فيها كلّ مبطل. فقُلت: ولِم جعلت فداك ؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم ؟ قُلت: فما وجه الحكمة في غيبته ؟ قال: وجه الحكمة في غيبته, وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر "عليه السّلام" من خرق السّفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى "عليه السّلام" إلى وقت افتراقهما. يا بن الفضل: إنّ هذا الأمر أمر من " أمر " الله تعالى, وسرّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنّه عزّ وجلّ حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة, وإن كان وجهها غير منكشف.

رسائل الإمام المهدي "عليه السّلام"
نقدم في هذا الفصل طائفة من رسائل الإمام المهدي "عليه السّلام" إلى شيعته وأوليائه، كتب بعضها أجوبة لمسائل وردت عليه وبعضها ابتدأ بها بعض المخلصين من أنصاره وأعوانه, وهذه الرّسائل إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على اتصاله "عليه السّلام" بشيعته، ووقوفه على أمورهم، ورعايته لشؤونهم منها:
1ـ من كتاب له "عليه السّلام" إلى مُحمّد بن إبراهيم بن مهزيار:
قد فهمنا ما حكيته عن موالينا بناحيتكم فقل لهم: أما سمعتم الله عزّ وجلّ يقول: يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ. هل أمر إلا بما هو كائن إلى يوم القيامة، أولم تروا أنّ الله عزّ وجلّ جعل لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاماً تهتدون بها من لدن آدم "عليه السّلام" إلى أن ظهر الماضي "صلوات الله عليه"، كلّما غاب عَلَمٌ بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم، فلمّا قبضه الله إليه ظننتم أنّ الله عزّ وجلّ قد قطع السّبب بينه وبين خلقه، كلاّ ما كان ذلك ولا يكون إلى أن تقوم السّاعة، ويظهر أمر الله عزّ وجلّ وهم كارهون.
يا مُحمّد بن إبراهيم لا يدخل الشّك فيما قدّمت له؛ فإن الله عزّ وجلّ لا يخلوالأرض من حجّة... الخ.
2ـ من كتاب له "عليه السّلام" إلى أبي جعفر العمري "رضوان الله عليه" يعزيه بأبيه:
إنّا لله وإنّا إليه راجعون، تسليماً لأمره، ورضاً بقضائه، عاش أبوك سعيداً ومات حميداً، فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه "عليهم السّلام"، فلم يزل مجتهداً في أمرهم، ساعياً فيما يقرّبه إلى الله عزّ وجلّ، نظر الله وجهه، وأقاله عثرته.
وفي فصل منه: أجزل الله لك الثّواب، وأحسن لك العزاء، رُزئت ورزئنا، وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسرّه الله في منقلبه، كان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره.
3 ـ من كتاب له "عليه السّلام" إلى الشيخ المفيد:
من عبد الله المرابط في سبيله، إلى مُلهم الحقّ ودليله.
بسم الله الرّحمن الرّحيم. سلام الله عليك أيّها النّاصر للحقّ، الدّاعي إليه بكلمة الصّدق.
فإنّنا نحمد الله إليك الذي ? إله إلاّ هو إلهنا وإله آبائنا الأوّليين، ونسأله الصّلاة على سيّدنا ومولانا مُحمّد خاتم النّبيّين وعلى أهل بيته الطّاهرين.
وبعد:
فقد كُنّا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسّبب الذي وهبه الله لك من أوليائه، وحرسك به من كيد أعدائه, وشفعنا ذلك الآن من مستقرّ لنا, ينصبّ في شمراخ من بهماء صرنا إليه آنفاً من غماليل ألجأنا إليه السّباريت من الأيمان, ويوشك أن يكون هبوطنا إلى ضحضح من غير بعد من الدّهر، ولا تطاول من الزّمان، ويأتيك نبأ منّا بما يتحدّد لنا من حال فتعرف بذلك ما يعتمد " نعتمده" من الزّلفة إلينا بالأعمال، والله موفّقك لذلك برحمته.
فلتكن ـ حرسك الله بعينه التي ? تنام ـ أن تقابل بذلك فتنة تبسل نفوس قومٍ حرثت باطلاً لاسترهاب المبطلين يبتهج لدمارها المؤمنون، ويحزن لذلك المجرمون.
وآية حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالحرم المعظّم، من رجس منافق مذمّم، ستحلّ للدم المحرّم، يعمد بكيده أهل الإيمان، ولا يبلغ بذلك غرضه من الظّلم والعدوان، لأنّنا من وراء حفظهم بالدّعاء الذي ? يحجب عن ملك الأرض والسّماء, فلتطمئنّ بذلك من أوليائنا القلوب، وليتّقوا بالكفاية منه وإن راعتهم بهم الخطوب، والعاقبة ـ بجميل صنع الله سُبحانه ـ تكون حميدة ما اجتنوا المنهي عنه من الذّنوب.
ونحن نعهد إليك ـ أيّها الوليّ المخلص المجاهد فينا ـ الظّالمين أيّدك الله بنصره الذي أيّد به السّلف من أوليائنا الصّالحين: إنّه من اتّقى ربّه من إخوانك في الدّين، وأخرج ممّا عليه إلى مستحقّيه، كان آمناً في الفتنة المبطلة، ومحنها المظلمة المضلّة، ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته على من أمره بصلته، فإنّه يكون خاسراً بذلك لأولاه وآخرته.
ولوأنّ أشياعنا وفّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم, لما تأخّر عنهم اليمين بلقائنا، ولتعجّلت لهم السّعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلاّ ما يتصل بنا ممّا نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان، وهوحسبنا ونعم الوكيل، وصلواته على سيّدنا البشير النّذير مُحمّد وآله الطّاهرين وسلّم.
وكتب في غرّة شوّال من سنة اثنتي عشرة وأربعمئة.
نسخة التّوقيع
باليد العليا صلوات الله على صاحبها
هذا كتابنا إليك أيّها الوليّ الملهم للحقّ العليّ بإملائنا وخطّ ثقتنا، فأخفه عن كلّ أحد، واطوه, واجعل له نسخة تطّلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا، شملهم الله ببركاتنا إن شاء الله.
الحمد لله والصّلاة على سيّدنا مُحمّد النّبيّ وآله الطّاهرين.
جواب مسائل الأسدي:
.... أمّا ما سألت عنه من الصّلاة عند طلوع الشّمس وعند غروبها ؟ فلئن كان كما يقول النّاس: إنّ الشّمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان, فما أرغم أنف الشّيطان شيء أفضل من الصّلاة، فصلها أرغم الشّيطان أنفه.
أمّا ما سألت عنه من أمر الوقف على ناحيتنا وما يجعل لنا, ثمّ يحتاج إليه صاحبه فيه احتاج أولم يحتج، افتقر إليه أواستغنى عنه.
وأمّا ما سألت عنه من أمر من يستحلّ ما في يده من أموالنّا ويتصرّف فيه تصرّفه في ماله من غير أمرنا ؟ فمن فعل ذلك فهوملعون، ونحن خصماؤه يوم القيامة، وقد قال النّبيّ "صلّى الله عليه وآله": المستحلّ من عترتي ما حرّم الله ملعون على لساني ولسان كلّ نبيّ مجاب. فمن ظلمنا حقّنا كان في جملة الظّالمين لنا، وكانت لعنة الله عليه لقوله عزّ وجلّ: ألا لعنة الله على الظّالمين.
وأمّا ما سألت عنه عن أمر المولود الذي نبتت غلفته بعد ما يختن مرّة أُخرى، فإنّه يجب أن يقطع غلفته؛ فإنّ الأرض تضجّ إلى الله تعالى من بول الأغلف أربعين صباحاً.
وأمّا ما سألت عنه عن أمر المُصلي والنّار والصّورة والسّراج بين يديه، هل يجوز صلاته, فإنّ النّاس قد اختلفوا في ذلك قبلك ؟
فإنّه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنّيران أنّ يصلي والنّار "والصّورة" والسّراج بين يديه، ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان والنّيران.
وأمّا ما سألت عنه عن أمر الضّياع التي لناحيتنا، هل يجوز القيام بعمارتها وأداء الخراج منها، وصرف ما يفضل من دخلها إلى النّاحية، احتساباً للأجر، وتقرّباً إليكم ؟
فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحلّ ذلك في مالنا ؟ من فعل ذلك بغير أمرنا, فقد استحلّ منّا ما حرّم عليه, ومن أكل من أموالنا شيئاً, فإنّما يأكل في بطنه ناراً وسيصلى سعيراً.
وأمّا ما سألت عنه من أمر الرّجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة، ويسلمها من قيّم يقوم بها ويعمّرها، ويؤدّي من دخلها خراجها ومؤنتها، يجعل ما بقي من الدّخل لناحيتنا ؟
فإنّ ذلك جائز لمن جعله صاحب الضّيعة قيّماً عليها، إنّما ? يجوز ذلك لغيره.
وأمّا ما سألت عنه من الثّمار من أموالنا يمرّ به الماء فيتناول منه ويأكل, هل يحلّ ذلك ؟
فإنّه يحلّ له أكله ويحرم عليه حمله.
4 ـ من كتاب له "عليه السّلام" إلى إسحاق بن يعقوب جواباً عن كتاب كتبه إليه بواسطة مُحمّد بن عثمان العمري, يسأله عن بعض المسائل:
أمّا ما سألت عنه, ـ أرشدك الله وثبّتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمّنا ـ، فاعلم أنّه ليس بين الله عزّ وجلّ وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس منّي, وسبيله سبيل ابن نوح "عليه السّلام"، وأمّا سبيل عمّي جعفر وولده فسبيل أخوة يوسف "عليه السّلام".
وأمّا الفقاع فشربه حرام ولا بأس بالسّلماب، وأمّا أموالكم فلا نقبلها إلاّ لتطهروا، فمن شاء فليصل، ومن شاء فليقطع، فما آتاني الله خير ممّا آتاكم.
وأمّا ظهور الفرج, فإنّه إلى الله تعالى ذكره، وكذب الوقّاتون.
وأمّا قول من زعم أنّ الحُسين "عليه السّلام" لم يُقتل، فكفرٌ وتكذيب وضلال.
وأمّا الحوادث الواقعة, فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة الله عليهم.
وأمّا مُحمّد بن عثمان العمري "رضي الله عنه" وعن أبيه من قبل، فإنّه ثقتي، وكتابه كتابي.
وأمّا مُحمّد بن عليّ بن مهزيار، فسيصلح الله له قلبه، ويزيل عنه شكّه.
وأمّا ما وصلتنا به, فلا قبول عندنا إلاّ لما طاب وطهر، وثمن المغنّية حرام.
وأمّا مُحمّد بن شاذان بن نعيم، فهو رجل من شيعتنا أهل البيت.
وأمّا أبوالخطّاب مُحمّد بن أبي زينب الأجدع فملعون، وأصحابه ملعونون، فلا تجالس أهل مقالتهم, فإنّي منهم بريء، وآبائي "عليهم السّلام" منهم بُراء.
وأمّا المتلبّسون بأموالنا, فمن استحلّ منها شيئاً فأكله فإنّما يأكل النّيران.
وأمّا الخمس فقد أُبيح لشيعتنا، وجعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا، لتطيب ولادتهم ولا تخبث.
وأمّا ندامة قوم قد شكّوا في دين الله عزّ وجلّ على ما وصلونا به، فقد أقلنا من استقال، ولا حاجة لنا في صلة الشّكّاكين.
وأمّا علّة ما وقع من الغيبة، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ. إنّه لم يكن أحد من آبائي "عليهم السّلام" إلاّ وقد أوقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطّواغيت في عنقي.
وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشّمس إذا غيّبها عن الأبصار السّحاب، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النّجوم أمان لأهل السّماء، فأغلقوا باب السّؤال عمّا لا يعنيكم، ولا تكلّفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدّعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلك فرجكم، والسّلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى.
5 ـ من كتاب له "عليه السّلام" إلى جماعة من الشّيعة وقع بينهم تشاجر في الإمامة، فكتبوا له "عليه السّلام"، فورد جواب كتابهم بخطّه "صلوات الله عليه":
بسم الله الرّحمن الرّحيم، عافانا الله وإيّاكم من الفتن، ووهب لنا ولكم روح اليقين، وأجارنا وإيّاكم من سوء المُنقلب، إنّه أُنهي إليّ ارتياب جماعة منكم في الدّين، وما دخلهم من الشّك والحيرة في ولاة أمرهم، فغمّنا ذلك لكم لا لنا، وساءنا فيكم لا فينا؛ لأنّ الله معنا فلا فاقة بنا إلى غيره، والحقّ معنا فلن يوحشنا من قعد عنّا، ونحن صنائع ربّنا، والخلق بعد صنائعنا، يا هؤلاء, ما لكم في الرّيب تتردون، وفي الحيرة تنعكسون، أوما سمعتم الله عزّ وجلّ يقول: يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ. أوما علمتم ما جاءت به الآثار ممّا يكون ويحدث في أئمّتكم، على الماضين والباقين منهم "عليهم السّلام"، أوما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاماً تهتدون بها من لدن آدم إلى أن ظهر الماضي "عليه السّلام"، كلّما غاب عَلَم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم، فلمّا قبضه الله إليه ظننتم أنّ الله أبطل دينه، وقطع السّبب بينه وبين خلقه، كلاّ ما كان ذلك ولا يكون حتّى تقوم السّاعة ويظهر أمر الله وهم كارهون.
وإنّ الماضي مضى سعيداً فقيداً على منهاج آبائه "عليهم السّلام"، حذوالنّعل بالنّعل، وفينا وصيته وعلمه، ومنه خلفه ومن يسد مسدّه، ولا ينازعنا موضعه إلاّ ظالم آثم، ولا يدّعيه دوننا إلاّ جاحد كافر، ولولا أنّ أمر الله لا يغلب، وسرّه لا يظهر ولا يعلن، لظهر لكم من حقّنا ما تبهر منه عقولكم، ويزيل شكوككم، لكنّه ما شاء الله كان، ولكلّ أجل كتاب، فاتقوا الله وسلّموا لنا، وردّوا الأمر إلينا، فعلينا الإصدار كما كان منّا الإيراد، ولا تحاولوا كشف ما غطي عنكم، ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا إلى اليسار، واجعلوا قصدكم إلينا بالمودّة على السّنّة الواضحة, فقد نصحت لكم والله شاهد عليّ وعليكم، ولولا ما عندنا من محبّة صلاحكم ورحمتكم، والإشفاق عليكم، لكنّا عن مخاطبتكم في شغل ممّا قد امتحنا من منازعة الظّالم العتل الضّال المتابع في غيّه، المضاد لربّه، المدّعي ما ليس له، الجاحد عن حقّ من افترض الله طاعته، الظّالم الغاصب، وفي ابنة رسول الله "صلّى الله عليه وآله" لي أسوة حسنة، وسيردي الجاهل رداء عمله، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدّار.
عصمنا الله وإيّاكم من المهالك والأسواء والعاهات كلّها برحمته، فإنّه ولي ذلك والقادر على ما يشاء، وكان لنا ولكم وليّاً وحافظاً، والسّلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة الله وبركاته، وصلّى الله على مُحمّد النّبيّ وآله وسلم تسليماً.
6 ـ من كتاب له "عليه السّلام" إلى عثمان بن سعيد وابنه مُحمّد بن عثمان "رحمهما الله":
وفقكما الله لطاعته، وثبّتكما على دينه، وأسعدكم بمرضاته, انتهى إلينا ما ذكرتما أنّ الميسمي أخبركما عن المختار ومناظرته من لقي، واحتجاجه بأنّه لا خلف غير جعفر بن عليّ وتصديقه إيّاه، وفهمت جميع ما كتبتما به ممّا قال أصحابكم عنه, وأنا أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء، ومن الضّلالة بعد الهُدى، ومن موبقات الأعمال، ومرديات الفتن، فإنّه عزّ وجلّ يقول: ألم أَحَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ. كيف يتساقطون في الفتنة، ويترددون في الحيرة، ويأخذون يميناً وشمالاً، فارقوا دينهم، أم ارتابوا، أم عاندوا الحقّ، أم جهلوا ما جاءت به الرّوايات الصّادقة والأخبار الصّحيحة، أوعلموا ذلك فتناسوا ما يعلمون، أنّ الأرض لا تخلو من حجّة إمّا ظاهراً وإمّا مغموراً، أولم يروا انتظام أئمّتهم بعد نبيّهم "صلّى الله عليه وآله" واحداً بعد واحد، إلى أن أفضي بأمر الله عزّ وجلّ إلى الماضي ـ يعني الحسن بن عليّ "عليهما السّلام" ـ فقام مقام آبائه "عليهم السّلام"، يهدي إلى الحقّ والى طريق مُستقيم، كان نوراً ساطعاً، وشهاباً لامعاً، وقمراً ظاهراً، ثمّ اختار الله عزّ وجلّ له ما عنده, فمضى على منهاج آبائه "عليهم السّلام" حذو النّعل بالنّعل، على عهد عهده، ووصية أوصى بها إلى وصي ستره الله عزّ وجلّ بأمره إلى غايته، وأخفى مكانه بمشيئته للقضاء السّابق، والقدر النّافذ، وفينا موضعه ولنا فضله، ولو قد أذن الله عزّ وجلّ فيما قد منعه عنه، وأزال عنه ما قد جرى به حكمه، لأراهم الحقّ ظاهراً بأحسن حيلة وأبين دلالة وأوضح علامة، ولأبان عن نفسه وأقام الحجّة، ولكن أقدار الله عزّ وجلّ لا تغلب، وإرادته لا ترد، وتوقيعه لا يسبق، فليدعوا عنهم اتباع الهوى، وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه، ولا يبحثوا عمّا ستر عنهم فيأثموا، ولا يكشفوا سر الله عزّ وجلّ فيندموا، وليعلموا أنّ الحقّ معنا وفينا، ولا يقول ذلك سوانا إلاّ كذّاب منهمك، ولا يدّعيه غيرنا إلاّ ضالّ غوي، فليقتصروا منّا على هذه الجملة دون التّفسير، ويقنعوا من ذلك بالتّعريض دون التّصريح إن شاء الله.
علامات ظهور الإمام المهدي "عليه السّلام"
وردت علامات لظهور الإمام المهدي "عليه السّلام" في الرّوايات الشّريفة: منها بعيد مثل اختلاف بني العبّاس وزوال ملكهم وغير ذلك, ومنها قريب كخروج السّفياني وطلوع الشّمس من مغربها وغير ذلك.
ومنها محتوم كما نصّ عليه في الرّوايات كالسّفياني واليماني والصّيحة من السّماء وغير ذلك, ومنها غير محتوم.
قال الشّيخ المفيد ـ بعد سرده لعلامات الظّهور كما سيأتي ـ: ومن جملة هذه الأحداث محتومة ومنها مشترطة.
أقول: ولعلّ المراد بالمحتوم ما لا بدّ من وقوعه ولا يمكن أن يلحقه البداء الذي هوإظهار بعد إخفاء لا ظهور بعد خفاء والذي هونسخ في التّكوين, كما أنّ النّسخ المعروف نسخ في التّشريع وبغير المحتوم أوالمشترط ما يمكن أن يلحقه البداء, والمحو والنّسخ في التّكوين يمحو الله ما يشاء فهومشترط بعدم لحوق ذلك.
فأمّا المحتوم: فقد اختلفت الرّوايات في تعداده زيادة ونقيصة, ففي بعضها خمس علامات محتومات قبل قيام القائم "عليه ‏السّلام": السّفياني, واليماني, والمنادي من السّماء باسم المهدي, وخسف في البيداء, وقتل النّفس الزّكية.
وفي بعضها قال من المحتوم وعدّ المذكورات, إلاّ أنّه قال بدل اليماني: وكفّ تطلع من السّماء. وعدّ معها القائم.
وفي بعضها قال من المحتوم وعدّ المذكورات أيضاً, إلاّ أنّه ذكر طلوع الشّمس من مغربها واختلاف بني العبّاس في الدّولة بدل اليماني والخسف, وعدّ معها قيام القائم من آل مُحمّد "صلّى ‏الله‏ عليه ‏وآله".
قال النّعماني في غيبته: هذه العلامات التي ذكرها الأئمّة "عليهم ‏السّلام" مع كثرتها واتصال الرّوايات بها وتواترها واتفاقها, موجبة أن لا يظهر القائم "عليه ‏السّلام" إلاّ بعد مجيئها, إذ كانوا قد أخبروا أنّه لا بدّ منها وهُم الصّادقون, حتى إنّه قيل لهم: نرجوأن يكون ما نؤمل من أمر القائم ولا يكون قبله السّفياني.
فقالوا: بلى والله إنّه لمن المحتوم الذي لا بدّ منه. ثمّ حققوا كون العلامات الخمس ـ أي اليماني والسّفياني والنّداء من السّماء وخسف بالبيداء وقتل النّفس الزّكية ـ التي هُم أعظم الدّلائل على ظهور الحقّ بعدها, كما أبطلوا أمر التّوقيت.
وقالوا: من روى لكم عنّا توقيتاً فلا تهابوا أن تكذّبوه كائناً ما كان فإنّا لا نوقّت. وهذا من أعدل الشّواهد على بطلان أمر كلّ من ادعى ذلك قبل مجي‏ء هذه العلامات, انتهى.
وقال المفيد في الإرشاد: قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي "عليه ‏السّلام" وحوادث تكون أمام قيامه وآيات ودلالات:
فمنها ـ خروج السّفياني وقتل الحسني واختلاف بني العبّاس في المُلك, وكسوف الشّمس في النّصف من شهر رمضان, وخسوف القمر في آخره على خلاف العادة, وخسف بالبيداء وخسف بالمشرق ــ هوالخسف ببغداد والبصرة كما سيأتي ــ , وخسف بالمغرب ـــ هوالخسف بالشّام كما سيأتي ـــ , وركود الشّمس من عند الزّوال إلى وسط أوقات العصر وطلوعها من المغرب, وقتل نفس زكية يظهر [بظهر] الكوفة في سبعين من الصّالحين, وذبح رجل هاشمي بين الرّكن والمقام, وهدم حائط مسجد الكوفة, وإقبال رايات سود من قبل خراسان, وخروج اليماني, وظهور المغربي بمصر وتملّكه الشّامات, ونزول التّرك الجزيرة, ونزول الرّوم الرّملة, وطلوع نجم بالمشرق يضي‏ء كما يضي‏ء القمر ثمّ ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه, وحمرة تظهر في السّماء وتنتشر في آفاقها, ونار تظهر بالمشرق طولاً وتبقى في الجوثلاثة أيّام أوسبعة أيّام, وخلع العرب أعنّتها ـــ خلع العرب أعنّتها كناية عن خروجها عن الطّاعة لغيرها, تشبيهاً بالفرس الذي خلع عنانه فلا يكون له عنان يقاد به ويمسك ومنه, قولهم: خلع فلان عذاره. أي أصبح كالفرس المرسل الذي لا عذار في رأسه, يفعل ما يشاء ويذهب أين شاء, ومقابله قولهم: ملك فلان زمام الأمر أومقاليده وغير ذلك ـــ وتملّكها البلاد وخروجها عن سلطان العجم, وقتل أهل مصر أميرهم, وخراب الشّام, واختلاف ثلاث رايات فيه, ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ورايات كندة إلى خراسان, وورود خيل من قبل المغرب حتى تربط بفناء الحيرة, وإقبال رايات سود من قبل المشرق نحوها, وبشق في الفرات حتى يدخل الماء أزقّة الكوفة, وخروج ستين كذّاباً كلّهم يدّعي النّبوّة, وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلّهم يدّعي الإمامة لنفسه, وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العبّاس بين جلولاء وخانقين وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة بغداد, وارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النّهار وزلزلة حتى ينخسف كثير منها, وخوف يشمل أهل العراق وبغداد, وموت ذريع ونقص من الأموال والأنفس والثّمرات, وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتى يأتي على الزّرع والغلات, وقلّة ريع لما يزرعه النّاس, واختلاف صنفين من العجم, وسفك دماء كثيرة فيما بينهم, وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم, ومسخ القوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير, وغلبة العبيد على بلاد السّادات, ونداء من السّماء حتى يسمعه أهل الأرض كلّ أهل لغة بلغتهم, ووجه وصدر يظهران من السّماء للناس في عين الشّمس, وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدّنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون, ثمّ يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتصل, فتحيى بها الأرض بعد موتها وتعرف بركاتها, وتزول بعد ذلك كلّ عاهة عن معتقدي الحقّ من شيعة المهدي, فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكّة, ويتوجّهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الأخبار.
قال: ذكرناها على حسب ما ثبت في الأصول وتضمّنتها الآثار المنقولة, وبالله نستعين وإيّاه [نستعين وإيّاه] نسأل التّوفيق. ثمّ أورد المفيد " رضي الله عنه " عدّة أحاديث مسندة في علامات الظّهور ننقلها في تضاعيف ما يأتي, إن شاء الله.
وعن كتاب العدد القوية: قد ظهر من العلامات عدّة كثيرة, مثل خراب حائط مسجد الكوفة, وقتل أهل مصر أميرهم, وزوال ملك بني العبّاس على يد رجل خرج عليهم من حيث بدأ ملكهم, وموت عبد الله آخر ملوك بني العبّاس, وخراب الشّامات, ومد جسر ممّا يلي الكرخ ببغداد, كلّ ذلك في مدّة يسيرة, وانشقاق الفرات وسيصل الماء إن شاء الله إلى أزقّة الكوفة.
أقول: يمكن أن تكون هذه علامات بعيدة, ويمكن كون العلامة غير ما حصل بل شي‏ء يحصل فيما بعد, ولنشرع في تفصيل تلك العلامات المستفادة من الرّوايات فنقول:
العلامة الأولى: اختلاف بني العبّاس وذهاب ملكهم واختلاف بني أُميّة وذهاب ملكهم.
أمّا الأوّل فقد جاء في كثير من الرّوايات جعله من علامات الظّهور, بل في بعضها أنّ اختلافهم من المحتوم, وفي جملة منها التّعبير ببني فلان تقية, قال الباقر "عليه‏ السّلام": لا بدّ أن يملك بنوالعبّاس, فإذا ملكوا واختلفوا وتشتت أمرهم, خرج عليهم الخراساني والسّفياني هذا من المشرق وهذا من المغرب, يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان, هذا من هاهنا وهذا من هاهنا حتى يكون هلاكهم على أيديهما, أمّا أنّهما لا يبقون منهم أحداً.
ويأتي في بعض الرّوايات: فعند ذلك زال ملك القوم, وعند زواله خروج القائم ـ وأنّ ـ آخر ملك بني فلان قتل النّفس الزّكية, وأنّه ما لهم ملك بعده غير خمس عشرة ليلة ـ وأنّ ـ قدام القائم بلوى من الله. فقيل: ما هي ؟ فقرأ: ولنبلونّكم ... الآية. ثمّ قال: الخوف من ملوك بني فلان.
وقال الباقر "عليه ‏السّلام": إذا اختلف بنوالعبّاس فيما بينهم, فانتظروا الفرج, وليس فرجكم إلاّ في اختلاف بني فلان, فإذا اختلفوا, فتوقّّعوا الصّيحة في شهر رمضان وخروج القائم, ولن يخرج ولا ترون ما تحبّون حتى يختلف بنوفلان فيما بينهم.
وقال "عليه ‏السّلام": إنّ ذهاب ملك بني فلان, كقصع الفخار وكرجل كانت بيده فخارة وهويمشي إذ سقطت من يده وهوساه فانكسرت, فقال حين سقطت: هاه شبه الفزع. فذهاب ملكهم هكذا أغفل ما كانوا عن ذهابه.
العلامة الثّانية: خروج ستّين كذابّاً كلّهم يقول أنا نبيّ.
المفيد بسنده عن عبد الله بن عمر, عن النّبي "صلّى ‏الله‏ عليه ‏وآله": لا تقوم السّاعة حتى يخرج المهدي من ولدي, ولا يخرج المهدي حتى يخرج ستون كذابّاً كلّهم يقول أنا نبيّ.
العلامة الثّالثة: خروج إثني عشر من بني هاشم كلّهم يدعوإلى نفسه.
المفيد بسنده عن الصّادق "عليه ‏السّلام" : لا يخرج القائم حتى يخرج قبله إثنا عشر من بني هاشم, كلّهم يدعوإلى نفسه.
العلامة الرّابعة: قول إثني عشر رجلاً أنّهم رأوه.
النّعماني بسنده عن الصّادق "عليه ‏السّلام" : لا يقوم القائم حتى يقوم إثنا عشر رجلاً, كلّهم يجمع على قول أنّهم قد رأوه فيكذبونهم.
العلامة الخامسة: خروج كاسر عينه بصنعاء.
النّعماني بسنده عن عبيد بن زرارة ذكر عند الصّادق "عليه ‏السّلام" السّفياني, فقال: أنّى يخرج ذلك ولم يخرج كاسر عينه بصنعاء. ـ ويحتمل ـ أن يكون هواليماني والله أعلم.
العلامة السّادسة: خروج السّفياني والخراساني واليماني وحدوث خسف بالبيداء.
وقد استفاضت الرّوايات في أنّ السّفياني من المحتوم الذي لا بدّ منه, وأنّه لا يكون قائم إلاّ بسفياني, ونحوذلك, وقال عبد الملك بن أعين: كنت عند أبي جعفر "عليه ‏السّلام" فجرى ذكر القائم, فقلت له: أرجوأن يكون عاجلاً ولا يكون سفياني. فقال: لا والله, أنّه لمن المحتوم الذي لا بدّ منه. ومرّ في بعض الرّوايات أنّ اليماني أيضاً من المحتوم.
وعن الباقر "عليه ‏السّلام": السّفياني والقائم في سنة واحدة. وفي عدّة روايات: أنّ خروج السّفياني واليماني والخراساني يكون في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد. وفي رواية: ونظام كنظام الخرز, يتبع بعضه بعضاً, فيكون البأس من كلّ وجه, ويل لمن ناواهم. وتدلّ بعض الرّوايات على أنّ خروج اليماني قبل خروج السّفياني.
أمّا اليماني فيكون خروجه من اليمن, والمروي أنّه ليس في الرّايات الثّلاث راية أهدى من راية اليماني؛ لأنّه يدعوإلى الحقّ, أولأنّه يدعوإلى صاحبكم, فإذا خرج حرم بيع السّلاح, وإذا خرج فانهض إليه, فإنّ رايته راية هدى, ولا يحلّ لمسلم أن يلتوي عليه, ولمّا خرج طالب الحقّ باليمن ـ وهومن رؤساء الخوارج ـ قيل للصادق "عليه ‏السّلام": نرجوأن يكون هذا اليماني. فقال: لا, اليماني يتوالى عليّاً وهذا يبرأ منه.
وأمّا الخراساني فيخرج من خراسان, وفي بعض الرّوايات من المشرق, وعن أمير المؤمنين "عليه ‏السّلام" في ذكر العلامات: إذا قام القائم بخراسان وغلب على أرض كرمان والملتان " بلد بالهند ", وحاز جزيرة بني كاوان " كاوان جزيرة في بحر البصرة ".
وأمّا السّفياني فيخرج من وادي اليابس مكان بفلسطين, وعن الصّادق "عليه ‏السّلام" أنّ خروجه في رجب, وعن أمير المؤمنين "عليه ‏السّلام": يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس, وهورجل ربعة وحش الوجه ضخم الهامة بوجهه أثر الجدري, إذا رأيته حسبته أعور, اسمه عثمان وأبوه عنبسة, وهو من ولد أبي سفيان, حتى يأتي أرض قرار ومعين فيستوي على منبرها. والظاهر أنّها دمشق كما تدلّ عليه رواية أُخرى: أنّه يخرج من وادي اليابس حتى يأتي دمشق فيستوي على منبرها.
وعن الصّادق "عليه ‏السّلام": إنّك لورأيته رأيت أخبث النّاس, أشقر أحمر أزرق, يقول: يا ربّ يا ربّ يا ربّ. أو: يا ربّ ثاري ثاري, ثمّ للنار, أو: يا ربّ ثاري والنّار. ولقد بلغ من خبثه أنّه يدفن أُمّ ولد له وهي حيّة؛ مخافة أن تدلّ عليه.
وعن الباقر "عليه‏ السّلام": السّفياني أحمر أصفر أزرق لم يعبد الله قط ولم ير مكّة ولا المدينة قط.
وعن زين العابدين "عليه ‏السّلام", أنّه من ولد عتبة بن أبي سفيان, وأنّه إذا ظهر اختفى المهدي ثمّ يظهر ويخرج بعد ذلك.
وعن عمّار بن ياسر: إذا رأيتم أهل الشّام قد اجتمع أمرها على ابن أبي سفيان, فألحقوا بمكّة ـ أي أنّ المهدي قد ظهر بها ـ, ويجتمع في الشّام ثلاث رايات كلّهم يطلب المُلك: راية السّفياني, وراية الأصهب, وراية الأبقع, ثمّ إنّ السّفياني يقتل الأصهب والأبقع.
وقال الصّادق "عليه ‏السّلام": السّفياني يملك بعد ظهوره على الكور الخمس حمل امرأة, ثمّ قال: أستغفر الله حمل جمل.
وفي رواية عن الصّادق "عليه ‏السّلام": يملك تسعة أشهر كحمل المرأة.
وفي رواية عنه عليه‏ السّلام: إذا ملك كور الشّام الخمس دمشق وحمّص وفلسطين والأردن وقنسرين, فتوقّعوا عند ذلك الفرج. قُلت: يملك تسعة أشهر؟ قال: لا, ولكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوماً.
وعن الصّادق عليه‏ السّلام, أنّه من أوّل خروجه إلى آخره خمسة عشر شهراً, ستة أشهر يُقاتل فيها, فإذا ملك الكور الخمس, ملك تسعة أشهر ولم يزد عليها يوماً, وبهذا يجمع بين الخمسة عشر شهراً والتّسعة أشهر, واحتمل المجلسي حمل بعض أخبار مدّته على التّقية لذكره في رواياتهم.
وروى هشام بن سالم عن الصّادق "عليه ‏السّلام": إذا استولى السّفياني على الكور الخمس, فعدّوا له تسعة أشهر. وزعم هشام أنّ الكور الخمس دمشق وفلسطين والأردن وحمّص وحلب, ثمّ إنّ السّفياني بعد ما يقتل الأصهب والأبقع لا يكون له همّة إلاّ العراق, وفي رواية: إلاّ آل مُحمّد وشيعتهم, فيبعث جيشين, جيشاً إلى العراق وآخر إلى المدينة, فأمّا جيش العراق فروى أنّ عدّتهم سبعون ألفا.
وعن النّبي "صلّى ‏الله‏ عليه ‏وآله": حتى ينزلوا بأرض بابل من المدينة الملعونة ـ يعني بغداد ـ, فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويفضحون أكثر من ثلاثمئة امرأة ويقتلون ثلاثمئة كبش من بني العبّاس, ثمّ ينحدرون إلى الكوفة, فيخرّبون ما حولها ـ الحديث ـ ويصيبون من أهل الكوفة - وفي رواية ـ من شيعة آل مُحمّد بالكوفة قتلاً وصلباً وسبياً ويمرّ جيشه بقرقيسا ـ بلد على الفرات ـ فيقتتلون بها. هكذا في الرّواية, وليس فيها تصريح بأنّ المقاتل لجيش السّفياني من هو, فيحتمل أن يكون بعض من يدعو لآل مُحمّد "صلّى ‏الله‏ عليه ‏وآله", ويحتمل أن يكون أهل قرقيسا وما جاورها, فيقتل بها من الجبّارين مئة ألف.
وعن الصّادق عليه‏ السّلام: أنّ لله مائدة أومأدبة بقرقيسا, يطلع مطلع من السّماء فينادي: يا طير السّماء, ويا سباع الأرض, هلمّوا إلى الشّبع من لحوم الجبّارين. فبينما هُم كذلك, إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان تطوي المنازل طيّاً حثيثاً حتى تنزل ساحل الدّجلة, ومعهم نفر من أصحاب القائم, ويخرج رجل من موالي أهل الكوفة ضعيف في ضعفاء, فيقتله أمير جيش السّفياني بظهر الكوفة ـ وفي رواية ـ بين الحيرة والكوفة.
وقال الصّادق عليه‏ السّلام: كأنّي بالسّفياني أوبصاحب السّفياني ـ الصّحيح بصاحب السّفياني, ولوقيل بالسّفياني لكان المراد صاحب جيشه مجازاً؛ لأنّ المروي أنّ السّفياني يظهر بالشّام ويُقتل بها ولا يدخل العراق ـ قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة, فنادى مناديه: من جاء برأس شيعة عليّ فله ألف درهم. فيثب الجار على جاره ويقول: هذا منهم. فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم, أما إنّ إمارتكم يومئذ لا تكون إلاّ لأولاد البغايا, وكأنّي أنظر إلى صاحب البرقع. قيل: ومن صاحب البرقع ؟ قال: رجل منكم يقول بقولكم يلبس البرقع فيحوشكم فيعرفكم ولا تعرفونه, فيغمز بكم رجلاً رجلاً, أما أنّه لا يكون إلاّ ابن بغي.
وعن النّبيّ "صلّى ‏الله‏ عليه ‏وآله": ثمّ يخرجون ـ أي جيش السّفياني ـ متوجّهين إلى الشّام, فتخرج راية هدى من الكوفة فتلحق ذلك الجيش, فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر, ويستنقذون ما في أيديهم من السّبي والغنائم ـ وأمّا الجيش الذي يبعثه السّفياني إلى المدينة ـ فيقتل بها رجلاً ويؤخذ آل مُحمّد صغيرهم وكبيرهم, فيحسبون وينهبون المدينة ثلاثة أيّام بلياليها, ويكون المهدي "عليه ‏السّلام" بالمدينة, فيخرج منها إلى مكّة على سنّة موسى بن عمران "عليه ‏السّلام" خائفاً يترقّب.
وفي رواية: أنّه يهرب من بالمدينة من أولاد عليّ "عليه ‏السّلام" إلى مكّة, فيلحقون بصاحب الأمر "عليه ‏السّلام", فيبلغ ذلك أمير جيش السّفياني, فيبعث جيشاً على إثره فلا يدركه, وينزل الجيش البيداء ـ وهي أرض بين مكّة والمدينة لها ذكر كثير في الأخبار ـ, فينادي مناد من السّماء: يا بيداء, بيدي بالقوم. فيخسف بهم, فلا يفلت منهم إلاّ مخبر ـ وفي رواية ـ إلاّ ثلاثة نفر, حتى إذا كانوا بالبيداء يحوّل الله وجوههم إلى أقفيتهم وهم من كلب.
وفي رواية عن النّبي "صلّى ‏الله‏ عليه ‏وآله": يبعث الله جبرئيل فيقول: يا جبرئيل, اذهب فأبدهم. فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم عندها, ولا يفلت منهم إلاّ رجلان من جهينة. فلذلك جاء القول: عند جهينة الخبر اليقين. فذلك قوله تعالى: ولوترى إذ فزعوا ... الآية. أورده الثّعلبي في تفسيره, وروى صاحب الكشاف أيضاً أنّها نزلت في خسف البيداء, وروى الطّبرسي عن زين العابدين "عليه ‏السّلام" قال: هوجيش البيداء يؤخذون من تحت أقدامهم.
وروى عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن أبي جعفر "عليه‏ السّلام" ‏في قوله تعالى: وأخذوا من مكان قريب. قال: من تحت أقدامهم خسف بهم. وفي قوله تعالى: قُل هوالقادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم. قال: هوالدّجال والصّيحة, أومن تحت أرجلكم وهوالخسف, والقائم "عليه ‏السّلام" يومئذ بمكّة, فيجمع الله عليه أصحابه وهُم ثلاثمئة وبضعة عشر رجلاً ـ وفي رواية: وثلاثة عشر رجلاً عدد أهل بدر ـ فيبايعونه بين الرّكن والمقام, ثمّ يخرج بهم من مكّة فينادي المنادي باسمه وأمره من السّماء حتى يسمعه أهل الأرض كلّهم, ثمّ يأتي الكوفة فيطيل بها المكث حتى يظهر عليها, ثمّ يسير إلى الشّام ـ وفي رواية ـ ثمّ يسير حتى يأتي العذراء " لعلّها القرية التي شرقي دمشق وإليها ينسب مرج عذراء ـ والسّفياني يومئذ بوادي الرّملة, حتى إذا التقوا ـ وهويوم الإبدال ـ يخرج أُناس كانوا مع السّفياني من شيعة آل مُحمّد "صلّى ‏الله‏ عليه ‏وآله", ويخرج ناس كانوا مع آل مُحمّد "صلّى ‏الله‏ عليه ‏وآله" إلى السّفياني, ويُقتل يومئذ السّفياني ومن معه, والخائب يومئذ من خاب من غنيمة كلب, ثمّ يقبل إلى الكوفة فيكون منزله بها.
العلامة السّابعة: خسف الجابية, وكثرة الاختلاف والحروب, وخروج الأصهب والأبقع, وخراب الشّام.
المفيد بسنده عن الباقر "عليه ‏السّلام", قال: الزم الأرض ولا تحرّك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك, وما أراك تدرك ذلك: اختلاف بني العبّاس, ومناد ينادي من السّماء, وخسف قرية من قرى الشّام تسمّى الجابية ـ هي قرية كانت قريباً من دمشق وخربت, وإليها ينسب باب الجابية, ولا يعرف الآن محلّها, ويمكن أن يكون قد بني مكانها قرية تسمّى بغير هذا الاسم ـ ونزول التّرك الجزيرة, ونزول الرّوم الرّملة, واختلاف كثير عند ذلك في كلّ أرض حتى تخرب الشّام, ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها: راية الأصهب وراية الأبقع وراية السّفياني.
وفي رواية الشّيخ في غيبته: فتلك السنة فيها اختلاف كثير في كلّ أرض من ناحية المغرب ـ هي الشّام وما يليها, فإنّها مغرب بالنّسبة إلى العراق, وتدلّ عليه الرّوايات التي سمّت الشّام مغرباً والعراق مشرقاً ـ أوفي كلّ أرض من أرض العرب, فأوّل أرض تخرب الشّام, يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات إلخ. وفي رواية: راية حسنيّة وراية أمويّة وراية قيسيّة.
غيبة الشّيخ بسنده عن عمار بن ياسر, وذكر جملة من العلامات ـ إلى أن قال: وتكثر الحروب في الأرض ـ إلى أن قال: ويظهر ثلاثة نفر بالشّام, كلّهم يطلب الملك: رجل أبقع ورجل أصهب ورجل من أهل بيت أبي سفيان يخرج في كلب ... الحديث.
وفي رواية العياشي: مع بني ذنب الحمار مضر, ومع السّفياني أخواله من كلب, فيظهر السّفياني ومن معه على بني ذنب الحمار حتى يقتلوا قتلاً لم يقتله شي‏ء قط, ويحضر رجل بدمشق فيقتل هو ومن معه قتلاً لم يقتله شي‏ء قط وهو من بني ذنب الحمار. وفي رواية النّعماني: فيلتقي السّفياني بالأبقع فيقتتلون, فيقتله السّفياني ومن تبعه ثمّ يقتل الأصهب.
العلامة الثّامنة: اختلاف رمحين بالشّام, ورجفة بها وخسف بحرستا, وإقبال قوم من المغرب إليه.
غيبة الشّيخ بالإسناد عن أمير المؤمنين "عليه ‏السّلام": إذا اختلف رمحان بالشّام فهوآية من آيات الله تعالى. قيل: ثمّ مه ؟ قال: ثمّ رجفة تكون بالشّام يهلك فيها مئة ألف, يجعلها الله رحمة للمؤمنين وعذاباً على الكافرين, فإذا كان ذلك, فانظروا إلى أصحاب البراذين الشّهب والرّايات الصّفر, تقبل من المغرب حتى تحلّ بالشّام, فإذا كان ذلك, فانتظروا خسفاً بقرية من قرى الشّام يُقال لها حرستا, فإذا كان ذلك, فانتظروا ابن آكلة الأكباد بوادي اليابس.
غيبة النّعماني, مثله, إلاّ أنّه قال: لم تنجل إلاّ عن آية من آيات الله. قيل: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: رجفة تكون بالشّام يُقتل فيها أكثر من مئة ألف. وقال: البراذين الشّهب المحذوقة. وزاد بعد قوله: تحلّ بالشّام, وذلك عند الجزع الأكبر والموت الأحمر. وبعد قوله: حرستا, فإذا كان ذلك, خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس حتى يستوي على منبر دمشق, فإذا كان ذلك, فانتظروا خروج المهدي.
النّعماني بسنده عن أمير المؤمنين "عليه ‏السّلام": انتظروا الفرج من ثلاث: اختلاف أهل الشّام بينهم, والرّايات السّود من خراسان, والفزعة في شهر رمضان, ... الحديث.
وبسنده عن الباقر "عليه ‏السّلام": لا يظهر القائم حتى يشمل الشّام فتنة يطلبون المخرج منها فلا يجدونه ... الحديث.
العلامة التّاسعة: سقوط طائفة من مسجد دمشق الأيمن.
رواه جابر الجعفي عن الباقر "عليه ‏السّلام" في جملة العلامات, قال: وتسقط طائفة من مسجد دمشق الأيمن, هكذا وجدناه. ولعلّ الصّواب من الجانب الأيمن, أومن جانب مسجد دمشق الأيمن.
غيبة الشّيخ بسنده عن عمار بن ياسر, قال في حديث: ويخسف بغربي مسجد دمشق حتى يخد حائطه ـ وفي رواية ـ ويخرب حائط مسجد دمشق.
العلامة العاشرة: النّداء عن سور دمشق.
غيبة الشّيخ بسنده عن عمار بن ياسر في حديث: وينادي مناد على سور دمشق: ويل لأهل الأرض من شرّ قد اقترب ! ـ وفي رواية ـ ويل لازم.
وفي رواية أُخرى عن الباقر "عليه ‏السّلام": ويجيئكم الصّوت من ناحية دمشق بالفتح.
وفي رواية العياشي: وترى منادياً يُنادي بدمشق.
النّعماني بسنده عن الباقر "عليه ‏السّلام": توقّعوا الصّوت يأتيكم بغتة من قبل دمشق فيه لكم فرج عظيم.
العلامة الحادية عشر: خروج المرواني وعوف السّلمي وشعيب بن صالح.
غيبة النّعماني بسنده عن الرّضا "عليه ‏السّلام": قبل هذا الأمر السّفياني واليماني والمرواني وشعيب بن صالح وكيف يقول هذا وهذا.
وبسنده عن الباقر "عليه ‏السّلام": أنّ لولد العبّاس وللمرواني لوقعة بقرقيسا يشيب فيها الغلام الحزور ـ القوي, ومن الغريب ضبط المجلسي له بالخاء المعجمة وتكلّفه في تفسيره ـ يرفع الله عنهم النّصر, ويوحي إلى طير السّماء وسباع الأرض: اشبعي من لحوم الجبّارين. ثمّ يخرج السّفياني.
أقول: ظاهر بعض الأخبار الواردة في السّفياني, أنّ وقعة قرقيسا مع جيشه والتّعدد جائز, والله أعلم.
غيبة الشّيخ بسنده عن عليّ بن الحُسين "عليهما السّلام": يكون قبل خروج المهدي خروج رجل يُقال له عوف السّلمي بأرض الجزيرة, ويكون مأواه تكريت, وقتله بمسجد دمشق, ثمّ يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند, ثمّ يخرج السّفياني الملعون من الوادي اليابس ... الحديث.
وبسنده عن عمار بن ياسر في حديث: ثمّ يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح.
العلامة الثّانية عشر: خروج الحسني وقتله
وقد مرّ في الأمر الأوّل عن الصّادق "عليه ‏السّلام": إذا اختلف ولد العبّاس, وخلعت العرب أعنّتها, ورفع كلّ ذي صيصية صيصيته, وظهر السّفياني, وأقبل اليماني, وتحرّك الحسني, خرج صاحب هذا الأمر ... الحديث.
وفي رواية: أنّ المهدي "عليه ‏السّلام" حينما يريد الخروج, يطلع على ذلك بعض مواليه, فيأتي الحسني فيخبره الخبر, فيبتدره الحسني إلى الخروج, فيثبت عليه أهل مكّة فيقتلونه ويبعثون برأسه إلى الشّامي ـ أي السّفياني ـ, فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر ... الحديث.
العلامة الثّالثة عشر: خروج رايات من مصر إلى الشّام وخروج المصري.
المفيد بسنده عن الرّضا "عليه ‏السّلام": كأنّي برايات من مصر مقبلات خضر مصبغات حتى تأتي الشّامات, فتهدي إلى ابن صاحب الوصيات.
وفي رواية عن أمير المؤمنين "عليه ‏السّلام" أنّه قال: في جملة العلامات, وقام أمير الأمراء بمصر.
غيبة الشّيخ بسنده عن مُحمّد بن مُسلم يخرج: قبل السّفياني مصري ويماني.
العلامة الرّابعة عشر: ركز رايات قيس بمصر ورايات كندة بخراسان.
المفيد بسنده: سأل رجل الحسن "عليه ‏السّلام" عن الفرج , فقال "عليه ‏السّلام": تريد الإكثار أم أجمل لك ؟ فقال: بل تجمل لي. قال: إذا ركزت رايات قيس بمصر ورايات كندة بخراسان.
النّعماني بسنده عن الصّادق "عليه ‏السّلام": قبل قيام القائم تحرّك حرب قيس.
العلامة الخامسة عشر: نزول التّرك الجزيرة والرّوم الرّملة.
وجاء ذلك في عدّة روايات مسندة عن جابر الجعفي, عن الباقر"عليه ‏السّلام", قال: الزم الأرض ولا تحرّك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها وما أراك تدرك ذلك, ولكن حدّث به من بعدي عنّي وذكر جملة منها ـ إلى أن قال ـ ونزول التّرك الجزيرة ونزول الرّوم الرّملة, ـ وفي رواية: وتنزل الرّوم فلسطين, ـ وفي رواية: وستقبل إخوان التّرك حتى ينزلوا الجزيرة, وستقبل إخوان مارقة الرّوم حتى ينزلوا الرّملة, ـ وفي رواية: ومارقة تمرق من ناحية التّرك حتى تنزل الجزيرة, وستقبل مارقة الرّوم حتى ينزلوا الرّملة. والظّاهر أنّ المراد بالجزيرة جزيرة العرب والرّملة بلد بفلسطين
وفي رواية: إذا خالف التّرك الرّوم. أو: ويتخالف التّرك والرّوم. والظّاهر أنّه بمعنى نزول التّرك الجزيرة والرّوم الرّملة.
وفي رواية: فإذا استأثرت عليكم الرّوم والتّرك وجهزت الجيوش ... الحديث.
وفي رواية عن أمير المؤمنين "عليه ‏السّلام": وظهرت رايات التّرك متفرّقات في الاقطار والجنبات, وكانوا بين هن وهنات.
العلامة السّادسة عشر: حصار الكوفة, ولعلّه من جهة السّفياني.
العلامة السّابعة عشر: تخريق الرّوايا في سكك الكوفة.
أي: روايا الماء. والظّاهر أنّه بغلبة أحد الفريقين المتحاربين على الآخر.
العلامة الثّامنة عشر: تعطيل المساجد أربعين ليلة, والظّاهر أنّه بالكوفة.
العلامة التّاسعة عشر: كشف الهيكل, والمراد منه غير واضح.
العلامة العشرون: خفوق رايات حول المسجد الأكبر بالكوفة.
العلامة الحادية والعشرون: قتل النّفس الزّكية بظهر الكوفة في سبعين.
والذي ذكره المفيد ـ كما مرّ ـ قتل نفس زكية في سبعين من الصّالحين.
العلامة الثّانية والعشرون: قتل الأشفع صبراً في بيعة الأصنام.
والمراد بالأشفع غير ظاهر, ولعلّه مصحف, وبيعة الأصنام أي الكنيسة أونحوها ذات الأصنام.
العلامة الثّالثة والعشرون: سبي سبعين ألف بكر من الكوفة.
ويروى أنّ الكوفة تعظم كثيراً تتصل بكربلاء فلا يستبعد ذلك.
العلامة الرّابعة والعشرون: خروج مئة ألف من الكوفة إلى السّفياني.
العلامة الخامسة والعشرون: خروج رايات من شرقي الأرض مع رجل من آل مُحمّد "صلّى ‏الله‏ عليه ‏وآله".
العلامة السّادسة والعشرون: خروج رجل من نجران يستجيب للإمام "عليه ‏السّلام".
العلامة السّابعة والعشرون: نداء من جهة المشرق: يا أهل الهدى, اجتمعوا. ومن جهة المغرب: يا أهل الباطل, اجتمعو.
العلامة الثّامنة والعشرون: تلّون الشّمس.
العلامة التّاسعة والعشرون: بعث أهل الكهف وخروجهم مع القائم "عليه ‏السّلام"
وهذه العلامات من السّادس عشر إلى التّاسع والعشرين مع غيرها منقولة عن كتاب سرور أهل الإيمان في جملة رواية عن أمير المؤمنين "عليه ‏السّلام", قال: ولذلك آيات وعلامات:
أوّلهن ـ حصار الكوفة بالرّصد والخندق, وتخريق الرّوايا في سكك الكوفة, وتعطيل المساجد أربعين ليلة, وكشف الهيكل, وخفق رايات حول المسجد الأكبر تهتزّ, القاتل والمقتول في النّار, وقتل سريع, وموت ذريع, وقتل النّفس الزّكية بظهر الكوفة في سبعين, والمذبوح بين الرّكن والمقام ـ اشارة إلى النّفس الزّكية أوإلى الحسني ـ وقتل الأشفع صبراً في بيعة الأصنام, وخروج السّفياني براية حمراء أميرها رجل من بني كلب, وإثنا عشر ألف عنان من خيل السّفياني تتوجه إلى مكّة والمدينة, أميرها رجل من بني أُميّة يقال له خزيمة, أطمس العين الشّمال على عينه ظفرة غليظة يمثل بالرّجال, لا ترد له راية حتى ينزل المدينة في دار يُقال لها دار أبي الحسن الأموي, ويبعث خيلاً في طلب رجل من آل مُحمّد إلى مكّة أميرها رجل من غطفان, ـ إلى أن قال ـ ويبعث مئة وثلاثين ألفاً إلى الكوفة, وينزلون الرّوحاء ـ في بعض الرّوايات: ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يُقال لها الرّوحاء قريباً من كوفتكم. وفي معجم البلدان: الرّوحاء: قرية من قرى بغداد, وقرية بين مكّة والمدينة ـ والفاروق ـ كذا في النّسخة, والظّاهر أنّه الفاروث, قرية على شاطئ دجلة بين واسط والمذار, أمّا الفاروق, فقرية من قرى إصطخر فارس, وإرادتها لا تناسب المقام ـ فيسير منها ستون ألفاً حتى ينزلوا الكوفة موضع قبر هود "عليه ‏السّلام" بالنّخيلة, فيهجمون عليهم يوم الزّينة, وأمير النّاس جبّار عنيد يُقال له الكاهن السّاحر, فيخرج من مدينة الزّوراء إليهم أمير في خمسة آلاف من الكهنة, ويقتل على جسرها ـ أي الكوفة ـ سبعين ألفاً, حتى تحتمي النّاس من الفرات ثلاثة أيّام من الدّماء ونتن الأجساد, ويسبى من الكوفة سبعون ألف بكر, لا يكف عنها كف ولا قناع حتى يوضعن في المحامل ويذهب بهن إلى الثّوية وهي الغري.
ثمّ يخرج من الكوفة مئة ألف ما بين مشرك ومنافق حتى يقدموا دمشق لا يصدّهم عنها صاد وهي إرم ذات العماد, وتقبل رايات من شرقي الأرض غير معلمة, ليست بقطن ولا كتان ولا حرير, مختوم في رأس القنا بخاتم السّيّد الأكبر, يسوقها رجل من آل مُحمّد, تظهر بالمشرق وتوجد ريحها بالمغرب كالمسك الأذفر, يسير الرّعب أمامها شهراً حتى ينزلوا الكوفة؛ طالبين بدماء آبائهم, فبينا هُم على ذلك, إذ أقبلت خيل اليماني والخراساني يستبقان كأنّهما فرسا رهان شعث عبر جرد, ويخرج رجل من أهل نجران يستجيب للإمام, فيكون أوّل النّصارى إجابة, فيهدم بيعته ويدق صليبه, فيخرج بالموالي وضعفاء النّاس, فيسيرون إلى النّخيلة بأعلام هدى, فيكون مجمع النّاس جميعاً في الأرض كلّها بالفاروق, فيقتل يومئذ ما بين المشرق والمغرب ثلاثة آلاف ألف, وينادي مناد في شهر رمضان من ناحية المشرق عند الفجر: يا أهل الهدى, اجتمعوا. وينادي مناد من قبل المغرب ـ بعد ما يغيب الشّفق ـ: يا أهل الباطل, اجتمعوا. ومن الغد عند الظّهر تتلوّن الشّمس تصفرّ فتصير سوداء مظلمة, ويوم الثّالث يفرّق الله بين الحقّ والباطل, وتخرج دابة الأرض, وتقبل الرّوم عند ساحل البحر عند كهف الفتية, فيبعث الله الفتية من كهفهم مع كلبهم معهم رجل يُقال له مليخا وآخر حملاها, وهُما الشّاهدان المُسلمان للقائم "عليه ‏السّلام".
العلامة الثّلاثون: ظهور نار بالكوفة.
النّعماني بسنده عن الصّادق "عليه ‏السّلام", في قوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع. قال: تأويلها: فيما يأتي عذاب يقع في الثّوية ـ يعني ناراً ـ حتى ينتهي إلى الكناسة كناسة بني أسد حتى تمرّ بثقيف, لا تدع وتراً لآل مُحمّد إلاّ أحرقته, وذلك قبل خروج القائم "عليه ‏السّلام". الثّوية: موضع قرب الكوفة. والكناسة: محلّة بالكوفة.
العلامة الحادية والثّلاثون: ظهور نار من المشرق.
النّعماني بسنده عن الباقر "عليه ‏السّلام": إذا رأيتم ناراً من المشرق شبه الهردي ـ الهردي: الثّوب المصبوغ بالهرد ـ بالضّم وهو: الكركم الأصفر وطين أحمر يصبغ به, واسم لصبغ أصفر يسمّى العروق, والمناسب هُنا, إرادة الطّين الأحمر؛ لأنّ المصبوغ به هوالذي تشبهه النّار, وما في البحار من جعله بالواولا بالدّال اشتباه وتصحيف ـ العظيم تطلع ثلاثة أيّام أوسبعة, فتوقّعوا فرج آل مُحمّد "صلّى ‏الله‏ عليه ‏وآله".
وبسنده عنه "عليه ‏السّلام": إذا رأيتم علامة في السّماء ناراً عظيمة من قبل المشرق تطلع ليالي, فعند ما [فعندها] فرج النّاس, وهي قدّام القائم بقليل.
العلامة الثّانية والثّلاثون: النّار والحمرة في السّماء.
المفيد بسنده عن الصّادق "عليه ‏السّلام": يزجر النّاس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر في السّماء وحمرة تجلّل السّماء ... الحديث.
العلامة الثّالثة والثّلاثون: انبثاق الفرات.
المفيد بسنده عن الصّادق "عليه ‏السّلام": سنة الفتح, ينبثق الفرات حتى يدخل في أزقّة الكوفة.
العلامة الرّابعة والثّلاثون: كثرة القتل بين الحيرة والكوفة.
المفيد بسنده عن جابر, قُلت لأبي جعفر "عليه ‏السّلام": متى يكون هذا الأمر ؟ فقال أنى يكون ذلك يا جابر, ولمّا يكثر القتل بين الحيرة والكوفة.
النّعماني بسنده عن الباقر "عليه ‏السّلام": لا يظهر القائم "عليه ‏السّلام" ـ إلى أن قال ـ ويكون قتل بين الكوفة والحيرة, قتلاهم على سواء ... الحديث.
وفي البحار: على سواء. أي في وسط الطّريق. أقول: الظّاهر أنّ المراد تساوي قتلاهم في العدد.
العلامة الخامسة والثّلاثون: قتل رجل من الموالي بين الحيرة والكوفة.
النّعماني بأسانيده عن الباقر "عليه ‏السّلام" في حديث: ثمّ يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في ضعفاء, فيقتله أمير جيش السّفياني بين الحيرة والكوفة.
العلامة السّادسة والثّلاثون: هدم حائط مسجد الكوفة.
النّعماني بسنده عن الصّادق "عليه ‏السّلام": إذا هدم حائط مسجد الكوفة من مؤخّرة مما يلي دار ابن مسعود, فعند ذلك زال ملك بني فلان, أمّا أن هادمه لا يبنيه.
المفيد بسنده عن الصّادق "عليه ‏السّلام": إذا هدم حائط مسجد الكوفة مما يلي القائم "عليه ‏السّلام". والقوم وبنو فلان عبارة عن بني العبّاس, وقد مرّ في الأمر الأوّل أنّ زوال ملكهم من العلامات, ومرّ الجواب عن قوله وعند زواله خروج القائم "عليه ‏السّلام".
العلامة السّابعة والثّلاثون: خسف ببغداد والبصرة, وقتل بالبصرة وخراب. وفناء وخوف بالعراق.
المفيد بسنده عن الصّادق "عليه ‏السّلام", وذكر بعض علامات المهدي إلى أن قال: وخسف ببغداد, وخسف ببلد البصرة ودماء تسفك بها وخراب دورها وفناء يقع في أهلها, وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار.
العلامة الثّامنة والثّلاثون: خراب البصرة.
وهو مروي عن أمير المؤمنين "عليه ‏السّلام": وقد مر في الأمر السّابق أن من العلامات خراب دورها.
العلامة التّاسعة والثّلاثون: خراب الرّي
النّعماني بسنده عن كعب الأحبار, قال: وخراب الزّوراء وهي الرّي وخسف المزورة وهي بغداد. المشهور أنّ بغداد تسمّى الزّوراء وقد جعله في الخبر اسماً للري وسمّى بغداد المزورة ... الحديث.
العلامة الأربعون: خروج الرّايات السّود من خراسان.
غيبة الشّيخ بسنده عن الباقر "عليه ‏السّلام": تنزل الرّايات السّود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة, فإذا ظهر المهدي "عليه ‏السّلام", بعث إليه بالبيعة.
النّعماني بسنده عن أبي جعفر "عليه ‏السّلام", عن أمير المؤمنين "عليه ‏السّلام": انتظروا الفرج من ثلاث, وعدّ منها الرّايات السّود من خراسان.
وبسنده عن معروف بن خربوذ: ما دخلنا على أبي جعفر الباقر "عليه ‏السّلام" قط إلاّ قال: خراسان خراسان سجستان سجستان. كأنّه يبشّرنا بذلك.
العلامة الحادية والأربعون: خروج قوم بالمشرق.
النّعماني بسنده عن الباقر "عليه ‏السّلام": كأنّي بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحقّ فلا يعطونه, ثمّ يطلبونه فلا يعطونه, فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم, فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يقوموا ولا يدفعونها إلاّ إلى صاحبكم, قتلاهم شُهداء, أما إنّي لوأدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر.
العلامة الثّانية والأربعون: رفع اثنتي عشرة راية مشتبهة.
عن الصّادق "عليه ‏السّلام": لترفعن ـ يعني عند خروج المهدي "عليه‏ السّلام" ـ اثنتا عشرة راية مشتبهة, ولا يدري أيّ من أيّ. فبكى الرّاوي وقال: فكيف نصنع ؟ فنظر "عليه ‏السّلام" إلى شمس داخلة في الصّفة, فقال: والله, لأمرنا أبين من هذه الشّمس.
العلامة الثّالثة والأربعون: قيام قائم من أهل البيت بجيلان.
النّعماني بسنده عن أمير المؤمنين "عليه ‏السّلام" في حديث: وقام قائم منّا بجيلان وأجابته الأبر ـ قرية قرب أسترآباد ـ والدّيلم.
العلامة الرّابعة والأربعون: حدث بين المسجدين, وقتل خمسة عشر كبشاً من العرب.
المفيد بسنده عن الرّضا "عليه ‏السّلام": إنّ من علامات الفرج حدثاً يكون بين المسجدين, ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشاً من العرب.
والمراد بالمسجدين [ ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشاً من العرب ـ والمراد ـ بالمسجدين] مسجدا مكّة والمدينة, بدليل قول الصّادق "عليه ‏السّلام": إنّ قدام هذا الأمر علامات, حدث يكون بين الحرمين. قيل ما الحدث ؟ قال: عصبة تكون, ويقتل فلان من آل فلان خمسة عشر رجلاً.
والمراد بفلان وفلان. رجل من ولد العبّاس؛ لأنّ المتعارف في ذلك الوقت التّعبير عن بني العبّاس, ببني فلان كما في كثير من الرّوايات تقية.
العلامة الخامسة والأربعون: الاختلاف الشّديد في الدّين.
غيبة الشّيخ بسنده عن الحسن بن عليّ "عليه ‏السّلام": لا يكون هذا الأمر الذي تنتظرون حتى يبرأ بعضكم من بعض, ويلعن بعضكم بعضاً, ويتفل بعضكم في وجه بعض, وحتى يشهد بعضكم بالكفر على بعض. قُلت: ما في ذلك خير. قال: الخير كلّه في ذلك, عند ذلك يقوم قائمنا, فيرفع ذلك كلّه.
عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن الباقر "عليه ‏السّلام" في قوله تعالى: أويلبسكم شيعاً. قال: هوالاختلاف في الدّين, وطعن بعضكم على بعض. بعد ما ذكر الدّجال والصّيحة والخسف.
العلامة السّادسة والأربعون: ظهور الفساد والمنكرات.
إكمال الدّين بسنده عن مُحمّد بن مُسلم عن الباقر "عليه ‏السّلام" في حديث, قُلت له: يا بن رسول الله, متى يخرج قائمكم ؟ قال: إذا تشبّه الرّجال بالنّساء والنّساء بالرّجال, واكتفى الرّجال بالرّجال والنّساء بالنّساء, وركب ذوات الفروج السّروج, وقبلت شهادات الزّور, وردّت شهادات العدل, واستخف النّاس بالدّماء, وارتكاب الزّنا, وأكل الرّبا, واتقي الأشرار مخافة السّنتهم, ـ إلى أن قال ـ وجاءت صيحة من السّماء بأنّ الحقّ فيه ـ الظّاهر رجوع الضّمير الى القائم "عليه ‏السّلام", ويحتمل رجوعه إلى عليّ "عليه ‏السّلام" كما في بعض الرّوايات ـ وفي شيعته, فعند ذلك خروج قائمنا ... الحديث.
وبسنده أنّ أمير المؤمنين "عليه ‏السّلام", قال: إنّ علامة خروج الدّجال إذا أمات النّاس الصّلاة, وأضاعوا الأمانة, واستحلّوا الكذب, وأكلوا الرّبا, وأخذوا الرّشا, وشيدوا البنيان, وباعوا الدّين بالدّنيا, واستعملوا السّفهاء, وشاوروا النّساء, وقطعوا الأرحام, واتبعوا الأهواء, واستخفوا بالدّماء, وكان الحلم ضعفاً والظّلم فخراً, وكان الأمراء فجرة والوزراء ظلمة والعرفاء خونة والقرّاء فسقة, وظهرت شهادات الزّور, واستعلن الفجور وقول البهتان والإثم والطّغيان, وحليت المصاحف, وزخرفت المساجد, وطولت المنار, وأكرم الأشرار, وازدحمت الصّفوف, واختلفت الأهواء, ونقضت العقود, واقترب الموعود, وشارك النّساء أزواجهن في التّجارة؛ حرصاً على الدّنيا, وعلت أصوات الفسّاق واستمع منهم, وكان زعيم القوم أرذلهم, واتّقي الفاجر مخافة شرّه, وصدق الكاذب, واؤتمن الخائن, واتخذت القيان والمعازف, ولعن آخر هذه الأمّة أوّلها, وركب ذوات الفروج السّروج, وتشبّه النّساء بالرّجال والرّجال بالنّساء, وشهد الشّاهد من غير أن يستشهد, وشهد الآخر قضاء الذّمام بغير حقّ, وتفقّه لغير الدّين, وآثروا عمل الدّنيا على الآخرة, ولبسوا جلود الضّأن على قلوب الذّئاب وقلوبهم أنتن من الجيف وأمرّ من الصّبر, فعند ذلك الوحا الوحا, العجل العجل, خير المساكن يومئذ بيت المقدس, ليأتين على النّاس زمان يتمنّى أحدهم أنّه من سكانه ... الحديث.
الكليني في روضة الكافي بسنده عن الصّادق "عليه ‏السّلام" في حديث, قال: ألا تعلم أنّ من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف هوغداً في زمرتنا, فإذا رأيت الحقّ قد مات وذهب أهله, والجور قد شمل البلاد, والقرآن قد خلق وأحدث فيه ما ليس فيه ووجه على الأهواء, والدّين قد انكفأ كما ينكفئ الإناء, وأهل الباطل قد استعلوا على أهل الحقّ, والشّر ظاهراً لا ينهى عنه ويعذر أصحابه, والفسق قد ظهر, واكتفى الرّجال بالرّجال والنّساء بالنّساء, والمؤمن صامتاً لا يقبل قوله, والفاسق يكذب ولا يردّ عليه كذبه وفريته, والصّغير يستحقر الكبير, والأرحام قد تقطّعت, ومن يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يرد عليه قوله, والغلام يعطي ما تعطي المرأة, والنّساء يتزوجن النّساء, والثّناء قد كثر, والرّجل ينفق المال في غير طاعة الله فلا ينهي ولا يؤخذ على يديه, والنّاظر يتعوّه بالله ممّا يرى المؤمن فيه من الاجتهاد, والجار يؤذي جاره وليس له مانع, والكافر فرحاً لما يرى في المؤمن, مرحاً لما يرى في الأرض من الفساد والخمور تشرب علانية, ويجتمع عليها من لا يخاف الله عزّ وجلّ, والآمر بالمعروف ذليلاً, والفاسق فيما لا يحبّ الله قوياً محموداً.
وأصحاب الآيات ـ الآثار خ ل ـ يحقرون ويحتقر من يحبّهم, وسبيل الخير منقطعاً, وسبيل الشّر مسلوكاً, وبيت الله قد عطل ويؤمر بتركه, والرّجل يقول ما لا يفعله, والنّساء يتخذن المجالس كما يتخذها الرّجال, والتّأنيث في ولد العبّاس قد ظهر, وأظهروا الخضاب وامتشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها, وكان صاحب المال أعزّ من المؤمن, والرّبا ظاهراً لا يعير به, والزّنا يمتدح به النّساء ورأيت أكثر النّاس, وخير بيت من يساعد النّساء على فسقهن, والمؤمن محزوناً محتقراً ذليلاً, والبدع والزّنا قد ظهر, والنّاس يعتدون بشاهد الزّور, والحرام يحلل والحلال يحرم, والدّين بالرّأي, وعطلّ الكتاب وأحكامه, والليل لا يستخفى به من الجرأة على الله, والمؤمن لا يستطيع أن ينكر إلا بقلبه, والعظيم من المال ينفق في سخط الله عزّ وجلّ, والولاة يقربون أهل الكفر ويباعدون أهل الخير ويرتشون في الحكم, والولاية قبالة لمن زاد, والمرأة تقهر زوجها وتعمل ما لا يشتهي وتنفق على زوجها, والقمار قد ظهر, والشّراب يباع ظاهراً ليس عليه مانع, والملاهي قد ظهرت, يمرّ بها لا يمنعها أحد أحداً ولا يجترئ أحد على منعها, والشّريف يستذله الذي يخاف سلطانه, والزّور من القول يتنافس فيه, والقرآن قد ثقل على النّاس استماعه وخفّ على النّاس استماع الباطل, والجار يكرم الجار خوفاً من لسانه, والحدود قد عطّت [عطلّت] وعمل فيها بالأهواء, والمساجد قد زخرفت, وأصدق النّاس عند النّاس المفتري الكذب, والشّر قد ظهر, والسّعي بالنّميمة والبغي قد فشا, والغيبة تستملح ويبشر بها النّاس بعضهم بعضا, وطلب الحج والجهاد لغير الله, والسّلطان يذل للكافر المؤمن, والخراب قد أديل من العمران, والرّجل معيشته من بخس المكيال والميزان, وسفك الدّماء يستخف بها, والرّجل يطلب الرّئاسة لعرض الدّنيا ويشهر نفسه بخبث اللسان؛ ليتقي وتسند إليه الأمور, والصّلاة قد استخفّ بها, والرّجل عنده المال الكثير لم يزكه منذ ملكه, والهرج قد كثر, والرّجل يمسي نشوان ويصبح سكران لا يهتمّ بما النّاس فيه, والبهائم يفرس بعضا [بعضها] بعضاً, والرّجل يخرج إلى مصلاه ويرجع وليس عليه شي‏ء من ثيابه, وقلوب النّاس قد قست وجمدت أعينهم وثقل الذّكر عليهم, والسّحت قد ظهر يتنافس فيه, والمصلّي إنّما يصلّي ليراه النّاس, والفقيه يتفقه لغير الدّين بطلب الدّنيا والرّئاسة, والنّاس مع من غلب, وطالب الحلال يذم ويعير وطالب الحرام يمدح ويعظم.
والحرمين يعمل فيهما بما لا يحبّ الله لا يمنعهم مانع ولا يحول بينهم وبين العمل القبيح أحد, والمعازف ظاهرة في الحرمين, والرّجل يتكلّم بشي‏ء من الحقّ ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, فيقوم إليه من ينصحه في نفسه, فيقول: هذا عنك موضوع. والنّاس ينظر بعضهم إلى بعض ويقتدون بأهل الشّر, ومسلك الخير وطريقه خالياً لا يسلكه أحد, والميت يمرّ به فلا يفزع له أحد, وكلّ عام يحدث فيه من البدعة والشّر أكثر ممّا كان, والخلق والمجالس لا يتابعون إلاّ الأغنياء, والمحتاج يعطي على الضّحك به ويرحم لغير وجه الله, والآيات في السّماء لا يفزع لها أحد, والنّاس يتسافدون كما تتسافد البهائم, لا ينكر أحد منكراً؛ تخوفاً من النّاس, والرّجل ينفق الكثير في غير طاعة الله ويمنع اليسير في طاعة الله, والعقوق قد ظهر, واستخفّ بالوالدّين وكانا من اسوأ النّاس حالاً عند الولد ويفرح بأن يفتري عليهما, والنّساء قد غلبن على الملك وغلبن على كلّ أمر لا يؤتى إلاّ ما لهن فيه هوى.
وابن الرّجل يفتري على أبيه ويعلوعلى والدّيه ويفرح بموتهما, والرّجل إذا مر ّبه يوم ولم يكسب فيه الذّنب العظيم من فجور أوبخس مكيال أوميزان أوغشيان حرام أوشرب مسكر, يرى كئيباً حزيناً, يحسب أنّ ذلك اليوم عليه وضيعة من عمره, والسّلطان يحتكر الطّعام, وأموال ذوي القربى تقسّم في الزّور ويتقامر بها ويشرب بها الخمور, والخمر يتداوى بها وتوصف للمريض ويستشفى بها, والنّاس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وترك التّدين به, ورياح المنافقين وأهل النّفاق دائمة, ورياح أهل الحقّ لا تحرّك, والأذان بالأجر, والصّلاة بالأجر, والمساجد محتشية ممّن لا يخاف الله مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحقّ, ويتواصفون فيها شراب المسكر, والسّكران يصلّي بالنّاس فهو لا يعقل ولا يشان بالسّكر, وإذا سكر أكرم واتقي وخيف وترك لا يعاقب ويعذر بسكره, ومن أكل أموال اليتامى يحدّث بصلاحه, والقضاة يقضون بخلاف ما أمر الله, والولاة يأتمنون الخونة للطمع, والميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسوق والجرأة على الله, يأخذون منهم ويخلونهم وما يشتهون, والمنابر يؤمر عليها بالتّقوى ولا يعمل القائل بما يأمر, والصّلاة قد استخفّ بأوقاتها, والصّدقة بالشّفاعة لا يراد بها وجه الله وتعطي لطلب النّاس, والنّاس همّهم بطونهم وفروجهم, لا يبالون بما أكلوا وبما نكحوا والدّنيا مقبلة عليهم, وأعلام الحقّ قد درست, فكن على حذر, واطلب من الله عزّ وجلّ النّجاة ... الحديث .
العلامة السّابعة والأربعون: عضّ الزّمان, وجفاء الإخوان, وظلم السّلطان, وخروج زنديق من قزوين.
غيبة الشّيخ بسنده عن مُحمّد بن الحنفية, قيل له: قد طال هذا الأمر حتى متى ؟ فحرّك رأسه ثمّ قال: أنّى يكون ذلك ولم يعضّ الزّمان ولم.

المهدي"عليه السّلام" والأدب الشّعري
1 - لله يا حامي الشّريعة
لله يا حامي الشــــــريعة * * * أتقر وهي كــــــــــــــذا مروعه
بك تســـتغيـــــــث وقلبها * * * لك عن جوى يشـــــكو صدوعه
تدعو وجرد الخيل مصغيه * * * لدعوتهـــــــــــــــــا سميعـــــــه
وتكاد ألسنة الســــــ‎ـيوف * * * تجيب دعوتهــــــــــــــا سـريعه
فصدورها ضاقت بســــــر * * * الموت فــــــــــــــــأذن أن تذيعه
ضربا رداء الحـــرب يبدو * * * منه محــــــــــــــــــمر الوشيعه
لا تشفتي أو تــــــــ‎نز عن * * * غروبها مــــــــــــــــن كل شيعه
أين الذريعــــــــ‎ـة لا قـرار * * * على العدى أيــــــــــــــن الذريعه
لا ينجع الأمــــ‎ــ‎هال بالــعا * * * تي فقـــــــــــــــــم وأرق نجيعه
للصنع ما أبـــقى التحمــل * * * موضعا فــــــــــــــــدع الصنيعه
طعنا كما دفـــــقت أفاويـق * * * الحيا مـــــــــــــــــــــزن سريعه
يا بن الترائــــك والبواتك * * * من ضبا البيــــــــــض الصنيعه
وعميد كــــــــــــل مغامــر * * * يقظ الحفيظة فـــــــــــي الوقيعه
تنميه للعليـــــــــــاء هاشم * * * أهل ذروتهـــــــــــــــــا الرفيعه
وذووا السوابـ‎‎ق والسوابغ * * * والمثقفة اللمــــــــــــــــــــــ‎وعه
من كل عبـــــل الساعدين * * * تراه أو ضخــــــــــــــم الدسيعه
إن يلتمس غرضا فحـد الـ * * * ـسيف يجعلـــــــــــــــــــه شفيعه
ومقارع تحـــــــــــت القنا * * * يلقى الردى منـــــــــــــــه قريعه
لم يسر فـــــــــــي ملمومة * * * إلا وكان لهــــــــــــــــــــا طليعه
ومضاجــــــــــع ذا رونق * * * ألهاه عن ضــــــــــــم الضجيعه
نسي الهجــوع ومـن تيقـظ * * * عزمه ينســــــــــــــــى هجوعه
مات التصــــــــبر بانتظــا * * * رك أيها المحيــــــــــي الشريعه
فنهض فما أبـــ‎قى التحمل * * * غير أحشـــــــــــــــــاء جزوعه
قد مزقت ثــــــ‎وب الأسى * * * وشكت لوصــــــــــالها القطيعه
فالسيف أن بــــــــه شفاء * * * قلوب شيعتــــــــــــــك الوجيعه
فسواه منهم ليــــ‎س ينعش * * * هذه النفــــــــــــــــس الصريعه
طالت حبـــــ‎ــــال عواتـق * * * فمتى تعــــــــــــــــود به قطيعه
كم ذا القعــــــــــود ودينكم * * * هدمت قواعــــــــــــــده الرفيعه
تنعى فـــــــــروع أصولــه * * * وأصوله تنـــــــــــــــعى فروعه
فيه تحكـــم مـــن أباح الــ * * * ـيوم حرمتــــــــــــــــــه المنيعه
من لو بــــــــــــقيمة قدره * * * غاليت ماســـــــــ‎ــــاوى رجيعه
فاشحذ شبا غضـ‎ب لـه الأ * * * رواح منذعـــــــــــــــنة مطيعه
إن يدعها خفـــــــت لدعـ * * * ـوته وان ثقلـــــــــ‎ـــ‎ـت سريعه
وطلب به بـــــــــدم القتيل * * * بكربلا في خيـــــــــــــــر شيعه
ماذا يهيــــجك إن صبـرت * * * لوقعة الطــــــــــــــــف الفظيعه
أترى تــــــــــجيء فجيعة * * * بأمض من تلـــــــ‎ـــــك الفجيعه
حيث الحسين علـى الثرى * * * خيل العدى طــــــحنت ضلوعه
قتلته آل أمــــــــ‎ـــــــــــية * * * ظام إلى جنـــــــــــــب الشريعه
ورضيعه بــــــ‎ـــدم الوريد * * * مخضب فاطــــــــــلب رضيعه
يا غيــــــــــرة الله اهتفي * * * بحمية الديـــــــــــــــــن المنيعه
وضبا انتـــــ‎قامك جــردي * * * لطلا ذوي البغـــــــــــــي التليعه
ودعي جــــــنود الله تمـلأ * * * هذه الأرض الـــــــــــــــوسيعه
وستأصلي حتــى الرضيع * * * لآل حرب والــــــــــــــرضيعه
ما ذنب أهــــل البيت حــ * * * ـتى منهم أخـــــــــــلــوا ربوعه
تركوهم شتى مصــارعهم * * * وأجمعهـــــــــــــــــــا فضيعـــه
فمغيب كالبـــــــدر ترتقب * * * الورى شوقــــــــــــــا طلوعـــه
ومكابد للســـــــم قد سقيت * * * حشاشــــــــــــــــــــــته نقيعـــه
ومضرج بالـــــــسيف آثر * * * عزه وأبـــــــــــــى خضوعــــه
ألفى بمشـــــــرعة الردى * * * فخرا علــــــــى ظما شروعــــه
فقضى كما أشتهت الحمية * * * تشكر الهيجــــــــــاء صنيعــــه
ومصــــــــــــــفد لله سلم * * * أمر ما قاســـــــــــــى جميعــــه
فلقسره لــــــــم تلقى لولا * * * الله كفا مســــــــــــــــتطيعــــــه
وسبية بـــــــــاتت بأفعى * * * الهم مهجتهـــــــــــــا لسيعــــــه
سلبت وما سلـــــبت محا * * * مد عزها الغـــــــــر البديعــــــه
فلتغد أخبــــــــــية الخدود * * * تطيح أعمـــــــــــدها الرفيعـــــه
ولتبد حاســــــرة عن الو * * * جه الشريفــــــــة كالوضيعـــــه
فأرى كريــــ‎م من يواري * * * الخدر آمــــــــــــ‎ــــنة منيعـــــه
وكرائم التـــــــــنزيل بين * * * أمية برزت مــــــــــــروعـــــه
تدعو ومن تــــدعو وتلك * * * كفاة دعوتهـــــــــــا صريعـــــه
واها عرانـــــــــين العلى * * * عادت أنوفكــــــــــــم جديعـــــه
ماهز أضلعـــــــــكم حداء * * * القوم بالعــــــــــيس الظليعـــــه
حملت ودائــــــ‎عـــكم إلى * * * من ليس يعــــرف ماالوديعـــــه
يا ظل سعــــــــــــيك أمة * * * لم تشكر الهــــــــادي صنيعـــــه
أأضعت حافــــــــظ دينــه * * * وحفظت جاهــــــلة مضيعــــــه
آل الرسالة لــــــــــم تزل * * * كبدي لرزؤكـــــــــم صديعـــــه
ولكــم حلــــــــوبـة فكري * * * در الثنا تمـــــــري ضروعــــه
وبكـم أروض مــــن القوا * * * في كل فاركـــــــــة شــموعـــــه
تحكي مخائلـــــهــا بـروق * * * الغيث معطيــــــــــة منوعــــــه
فلدي وكفــــــــهـــا وعنه * * * سواي خلبهــــــــــــا موعـــــــه
فتقبلوهـــــــــــــــا أننـــي * * * لغد أقدمهــــــــــــــا ذريعــــــــه
أرجو بها فـــــــي الحشــر * * * راحة هذه النفـس الهلوعــــــــه
وعليكــم الصلــــوات مـــا * * * حنت مطوقــــــة سجوعـــــــــه
2 - الإمام عليّ و المهدي " عليهم السّلام": ذكر القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة "ص 438" شعراً منسوباً الى مولانا أميرالمؤمنين "عليه السّلام", يذكر فيه الإمام المهدي "عليه السّلام":
حسين اذا كنت في بلدة * * * غريبا فعاشر بآدابها
كأني بنفسي واعقابها * * * وفي كربلاء ومحرابها
فتخضب منا اللحى بالدما * * * خضاب العروس بأثوابها
أراها ولم يك رأي العيان * * * واوتيت مفتاح أبوابها
سقى الله قائمنا صاحب * * * القيمة والناس في دأبها
هو المدرك الثار لي يا حسين * * * بل لك فاصبر لاتعابها
وذكر أيضاً في صفحة" 439" عنه "عليه السّلام" :
فلله در من امام صميدع * * * يذل جيوش المشركين بصارم
ويظهر هذا الدين في كل بقعة * * * ويرغم انف المشركين الغواشم
وما قلت هذا القول فخرا وانما * * * قد اخبرني المختار من آل هاشم
3 - دعبل الخزاعي والمهدي: في حديث ورود دعبل على أبي الحسن الرّضا "عليه السّلام" وانشاده القصيدة التّائية المعروفة, قال دعبل: ثمّ قرأت باقي القصيدة, فلمّا انتهيت إلى قولي :
خروج الامام لا محالة واقع * * * يقوم على اسم الله بالبركات
يميز فينا كل حق وباطل * * * ويجزي على النعماء والنقمات
بكى الرّضا بكاء شديداً, ثمّ قال: يا دعبل, نطق روح القدس بلسانك.
4 - عبدالله بن بشار والمهدي: ذكر العلامة الشّافعي في عقد الدّرر قصيدة ثمينة لعلامة الأدب في عصره عبدالله بن بشّار, يذكر فيها الإمام المهدي "عليه السّلام".
وفي قتل نفس عند ذاك زكية * * * امارات حق عند من يتذكر
وآخر عن البيت يقتل ضيعة * * * يقوم ويدعو للامام ويخبر
وتدخل نار جوف كوفة ضحوة * * * تسيل بها سيلا فتحرق ادور
ويبعث اهل الشام بعثا عليهم * * * نباحية البيداء خسف مقدر
وخيل تقاد بالكماة كأنما * * * هي الريح اذ تحت العجاجة تبصر
يقود نواصيها شعيب بن صالح * * * الى سيد من آل هاشم يظهر
على شقه شق اليمين علامة * * * لدى الخد عند الصدغ خال مصور
5 - اليماني والإمام المهدي: ذكر القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة صفحة" 466" أبيات من قصيدة الشّيخ عبدالكريم اليماني في الإمام المهدي "عليه السّلام":
وفي يمن امن يكون لأهلها * * * الى ان ترى نور الهداية مقبلا
بميم مجيد من سلالة حيدر * * * ومن آل بيت طاهرين بمن علا
يلقب بالمهدي بالحق ظاهر * * * بسنة خير الخلق يحكم أولا
6 - ابن عربي والإمام المهدي"عليه السّلام": وردت بعض الأبيات عن الشّيخ محي الدّين بن عربي صاحب الفتوحات المكّية تنصّ على قيام الإمام المهدي "عليه السّلام":
اذا دار الزمان على حروف * * * ببسم الله فالمهدي قاما
ويخرج بالحطيم عقيب صوم * * * الى فاقرئه من عندي السلاما
وورد عنه أيضاً :
الا أن ختم الأولياء شهيد * * * وعين امام العالمين فقيد
هو السيد المهدي من آل أحمد * * * هو الصارم الهندي حين يبيد
هو الشمس يجلو كل غم وظلمة * * * هو الوابل الوسمي حين يجود
7 - ابن طلحة والإمام المهدي"عليه السّلام": أورد مُحمّد بن طلحة في كتابه مطالب السّؤول قال: الباب الثّاني عشر في أبي القاسم مُحمّد بن الحسن الخالص بن عليّ المتوكّل بن مُحمّد القانع بن عليّ الرّضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصّادق بن مُحمّد الباقر بن عليّ بن الحُسين الزّكي بن عليّ المُرتضي أميرالمؤمنين بن أبي طالب.
المهدي الحجّة الخلف الصّالح المنتظر "عليهم السّلام ورحمة الله وبركاته":
فهذا الخلف الحجّة قد ايده الله
هداه منهج الحق واتاه سجاياه
واعلى في ذرى العليا بالتأييد مرقاه
واتاه حلى فضل عظيم فتحلاه
وقد قال رسول الله قولا قد رويناه
وذو العلم بما قال اذا ادرك معناه
يرى الأخبار في المهدي قد جاءت بسيماه
وقد ابداه بالنسبة والوصف وسماه
ويكفي قوله مني لاشراق محياه
ومن بضعته الزهراء مرساه ومسراه
ولن يبلغ ما اوتيته امثال واشباه
فمن قالوا هو المهدي مامانوا بما فاهوا
8 - البسطامي والمهدي"عليه السّلام": للشيخ عبدالرّحمن البسطامي صاحب كتاب درّة المعارف بعض النّظم في الإمام المهدي "عليه السّلام":
ويظهر ميم المجد من آل أحمد * * * ويظهر عدل الله في الناس أولا
كما قد روينا عن أبي الحسن الرضا * * * وفي كنز علم الحرف اضحى محصلا
وذكر له أيضاً:
ويخرج حرف الميم من بعد شينه * * * بمكة نحو البيت بالنصر قد علا
فهذا هو المهدي بالحق ظاهر * * * سيأتي من الرحمن للحق مرسلا
ويملأ كل الأرض بالعدل رحمة * * * ويمحو ظلام الشرك والجور اولا
ولايته بالأمن من عند ربه * * * خليفة خير الرسل من عالم العلا
9 - القونوي والإمام المهدي"عليه السّلام": للشيخ صدرالدّين القونوي أبيات جليلة في قيام الإمام المهدي المنتظر "عليه السّلام":
يقوم بأمر الله في الأرض ظاهرا * * * على رغم شيطانين يمحق للكفر
على يده محق اللئام جميعهم * * * بسيف قوي المتن علك أن تدري
حقيقة ذاك السيف والقائم الذي * * * تعين للدين القويم على الأمر
يفيض على الأكوان ما قد أفاضه * * * عليه اله العرش في ازل الدهر
10 - بعض الشّافعية والمهدي"عليه السّلام": وردت هذه الأبيات لأحد الشّعراء من الشّافعية قال فيها:
وسائلي عن حب أهل البيت هل * * * اسر اعلانا بهم أم اجهد
والله مخلوط بلحمي ودمي * * * حبهم هم الهدى والرشد
حيدرة والحسنان بعده * * * ثم علي وابنه محمد
وجعفر الصادق وابن جعفر * * * موسى ويتلوه علي السند
اعني الرضا ثم ابنه محمد * * * ثم علي وابنه المسدد
والحسن التالي ويتلو تلوه * * * محمد بن الحسن الممجد
فانهم أئمتي وسادتي * * * وان لحاني معشر وفندوا
أئمة أكرم بهم أئمة * * * أسماؤهم مسرودة تستطرد
هم حجج الله على عباده * * * وهم اليه منهج ومقصد
هم النهار صوم لربهم * * * وفي الدياجي ركع وسجد
قوم لهم مكة والأبطح والخيف * * * وجمع والبقيع الفرقد
قوم منى والمشعران لهم * * * والمروتان لهم والمسجد
قوم لهم في كل أرض مشهد * * * لا بل لهم في كل قلب مشهد

أدعية الإمام المهدي "عليه السّلام"
1 ـ من دعاء له "عليه السّلام":
بسم الله الرّحمن الرّحيم، يا مالك الرّقاب، ويا هازم الأحزاب، يا مفتّح الأبواب، يا مسبّب الأسباب، سبّب لنا سبباً لا نستطيع له طلباً بحقّ لا إله إلا الله، مُحمّد رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين.
2 ـ من دعاء له "عليه السّلام":
يا نور النّور، يا مدبّر الأمور، يا باعث من في القبور، صلّ على مُحمّد وآل مُحمّد, واجعل لي ولشيعتي من الضّيق فرجاً، ومن الهمّ مخرجاً، وأوسع لنا المنهج، وأطلق لنا من عندك ما يفرّج، وافعل بنا ما أنت أهله يا كريم، يا أرحم الرّاحمين.
3 ـ من دعاء له "عليه السّلام":
اللّهمّ بحقّ من ناجاك، وبحقّ من دعاك في البرّ والبحر، صلّ على مُحمّد وآله, وتفضلّ على فقراء المؤمنين والمؤمنات بالغنى والسّعة، وعلى مرضى المؤمنين والمؤمنات بالشّفاء والصّحة والرّاحة، وعلى أحياء المؤمنين والمؤمنات باللطف والكرامة، وعلى أموات المؤمنين والمؤمنات بالمغفرة والرّحمة، وعلى غُرباء المؤمنين والمؤمنات بالرّد إلى أوطانهم سالمين غانمين بحقّ مُحمّد وآله أجمعين.
4 ـ من دعاء له "عليه السّلام":
إلهي عظم البلاء، وبرح الخفاء، وانكشف الغطاء، وانقطع الرّجاء، وضاقت الأرض، ومُنعت السّماء، وأنت المُستعان، وإليك المُشتكى، وعليك المعوّل في الشّدة والرّخاء.
اللّهمّ صلّ على مُحمّد وآل مُحمّد أولي الأمر الذين فرضت علينا طاعتهم، وعرّفتنا بذلك منزلتهم، ففرّج عنّا بحقّهم فرجاً عاجلاً قريباً كلمح البصر أوهو أقرب، يا مُحمّد يا عليّ, يا عليّ يا مُحمّد أكفياني بالله فإنّكما كافيان، وانصراني بالله فإنّكما ناصران، يا مولانا يا صاحب الزّمان الغوث الغوث الغوث، أدركني أدركني أدركني، السّاعة السّاعة السّاعة، العجل العجل العجل، يا أرحم الرّاحمين بحقّ مُحمّد وآله الطّاهرين.
5 ـ من دعاء له "عليه السّلام" للحاجة:
بسم الله الرّحمن الرّحيم، أنت الله الذي لا إله إلاّ أنت مبدي الخلق ومعيدهم، وأنت الله الذي لا إله إلاّ أنت مدبّر الأمور وباعث من في القبور، وأنت الله الذي لا إله إلاّ أنت وارث الأرض ومن عليها، أسألك باسمك الذي إذا دُعيت به أجبت، وإذا سُئلت به أعطيت، وأسألك بحقّ مُحمّد وأهل بيته، وبحقّهم الذي أوجبته على نفسك, أن تصلّي على مُحمّد وآل مُحمّد، وأن تقضي لي حاجتي السّاعة السّاعة، يا سيّداه يا مولاه يا غياتاه، أسألك بكلّ اسم سمّيت به نفسك، أواستأثرت به في علم الغيب عندك، أن تصلّي على مُحمّد وآل مُحمّد، وأن تعجّل خلاصنا من هذه الشّدّة، يا مُقلّب القلوب والأبصار، يا سميع الدّعاء، إنّك على كلّ شيء قدير، برحمتك يا أرحم الرّاحمين.
6 ـ من دعاء له "عليه السّلام" في القنوت:
اللّهمّ صلّ على مُحمّد وآل مُحمّد، وأكرم أولياءك بإنجاز وعدك، وبلّغهم درك ما يأملون من نصرك، واكفف عنهم بأس من نصب الخلاف عليك، وتمرّد بمنعك على ركوب مخالفتك، واستعان برفدك على فلّ حدك، وقصد لكيدك بأيدك، ووسعته حلماً لتأخذه على جهرة، وتستأصله على غرّة، فإنّك اللّهمّ قُلت وقولك الحقّ: حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَونَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وقُلت: فَلَمَّا ءَاسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ. وإنّ الغاية عندنا قد تناهت، وإنّا لغضبك غاضبون، وعلى نصر الحقّ متعاصبون، وإلى ورود أمرك مشتاقون، ولإنجاز وعدك مرتقبون، ولحلول وعيدك بأعدائك متوقّعون.
اللّهمّ فأذن بذلك وافتح طرقاته، وسهّل خروجه، ووطئ مسالكه، وأشرع شرائعه، وأيّد جنوده وأعوانه، وبادر بأسك القوم الظّالمين، وأبسط سيف نقمتك على أعدائك المُعاندين، وخذ بالثّأر إنّك جواد كريم.
7 ـ من دعاء له "عليه السّلام":
اللّهمّ ارزقنا توفيق الطّاعة، وبُعد المعصية، وصدق النّية، وعرفان الحرمة، وأكرمنا بالهُدى والاستقامة، وسدّد السنتنا بالصّواب والحكمة، واملأ قلوبنا بالعلم والمعرفة، وطهّر بطوننا من الحرام والشّبهة، واكفف أيدينا عن الظّلم والسّرقة، واغضض أبصارنا عن الفجور والخيانة، واسدد أسماعنا عن اللغو والغيبة، وتفضّل على علمائنا بالزّهد والنّصيحة، وعلى المتعلمين بالجهد والرّغبة، وعلى المستمعين بالاتباع والموعظة، وعلى مرضى المُسلمين بالشّفاء والرّاحة، وعلى موتاهم بالرّأفة والرّحمة، وعلى مشايخنا بالوقار والسّكينة، وعلى الشّباب بالإنابة والتّوبة، وعلى النّساء بالحياء والعفّة، وعلى الأغنياء بالتّواضع والسّعة وعلى الفقراء بالصّبر والقناعة، وعلى الغزاة بالنّصر والغلبة، وعلى الأسراء بالخلاص والرّاحة، وعلى الأمراء بالعدل والشّفقة، وعلى الرّعيّة بالإنصاف وحسن السّيرة، وبارك للحجاج والزّوار في الزّاد والنّفقة، واقض ما أوجبت عليهم من الحجّ والعمرة، بفضلك ورحمتك يا أرحم الرّاحمين.
8 ـ من دعاء له "عليه السّلام" للحاجة:
اللّهمّ إن أطعتك فالمُحمّدة لك، وإن عصيتك فالحجّة لك، منك الرّوح ومنك الفرج، سُبحان من أنعم وشكر، سُبحان من قدر وغفر، اللّهمّ إن كنت قد عصيتك فإنّي قد أطعتك في أحبّ الأشياء وهوالإيمان بك، لم اتّخذ لك ولداً، ولم أدع لك شريكاً، منّاً منك به عليَّ لا منّاً منّي به عليك، وقد عصيتك يا الهي على غير وجه المكابرة، ولا الخروج عن عبوديتك، ولا الجحود لربوبيتك، ولكن أطعت هواي، وأزلّني الشّيطان، فلك الحجّة عليّ والبيان، فإن تعذبني فبذنوبي غير ظالم، وإن تغفر لي وترحمني فإنّك جواد كريم، يا كريم يا كريم ــ حتى ينقطع النّفس ــ يا آمناً من كلّ شئ وكلّ شئ منك خائف حذر، أسألك بأمنك من كلّ شئ وخوف كلّ شئ منك أن تصلّي على مُحمّد وآل مُحمّد, وأن تعطيني أماناً لنفسي وأهلي وولدي وسائر ما أنعمت به عليّ حتى لا أخاف أحداً، ولا أحذر من شئ أبداً، إنّك على كلّ شئ قدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل، يا كافي إبراهيم نمرود، ويا كافي موسى فرعون، أسألك أن تصلّي على مُحمّد وآل مُحمّد وأن تكفيني شرّ فلان ابن فلان.
9 ـ دعاء التّوحيد:
اللّهمّ إنّي أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك المأمونون على سرّك المستبشرون بأمرك الواصفون لقدرتك المعلنون لعظمتك, أسألك بما نطق فيهم من مشيئتك, فجعلتهم معادن لكلماتك وأركاناً لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كلّ مكان, يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها إلاّ أنّهم عبادك وخلقك, فتقها ورتقها بيدك, بدؤها منك وعودها إليك أعضاد وأشهد ومناة وأذواد وحفظة ورواد, فبهم ملأت سماءك وأرضك حتى ظهر أن لا إله إلاّ أنت, فبذلك أسألك وبمواقع العزّ من رحمتك وبمقاماتك وعلاماتك أن تصلّي على مُحمّد وآله, وأن تزيدني إيماناً وتثبيتاً يا باطناً في ظهوره وظاهراً في بطونه ومكنونه, يا مفرّقاً بين النّور والدّيجور, يا موصوفاً بغير كنه ومعروفاً بغير شبه, حادّ كلّ محدود, وشاهد كلّ مشهود, وموجد كلّ موجود, ومحصي كلّ معدود, وفاقد كلّ مفقود, ليس دونك من معبود, أهل الكبرياء والجود, يا من لا يكيف بكيف, ولا يؤين بأين, يا محتجباً عن كلّ عين, يا ديموم يا قيّوم وعالم كلّ معلوم, صلّ على مُحمّد وآله, وعلى عبادك المنتجبين وبشرك المحتجبين, وملائكتك المقرّبين والبهم الصّافين الحافين, وبارك لنا في شهرنا هذا المرجّب المكرّم وما بعده من الأشهر الحرم, وأسبغ علينا فيه النّعم, وأجزل لنا فيه القسم, وأبرز لنا فيه القسم الذي وضعه على النّهار فأضاء وعلى الليل فأظلم, واغفر لنا ما تعلم منّا وما لا نعلم, واعصمنا من الذّنوب خير العصم, واكفنا كوافي قدرك, وامنن علينا بحسن نظرك, ولا تكلنا إلى غيرك, ولا تمنعنا من خيرك, وبارك لنا فيما كتبت لنا من أعمارنا, واصلح لنا خبيئة أسرارنا, واعطنا منك الأمان, واستعملنا بحسن الأيمان, وبلّغنا شهر الصّيام وما بعده من الأيّام والأعوام, يا ذا الجلال والإكرام.

ما أُلّف بحقّ الإمام المهدي "عليه السّلام"
1 - كتاب الغيبة. مُحمّد بن إراهيم النّعماني
2 - رسائل في الغيبة. الشّيخ المفيد
3 - الغيبة. الشّيخ الطّوسي
4 - بحث حول المهدي "عج". السّيّد الشّهيد مُحمّد باقر الصّدر
5 - الغيبة الكبرى. السّيّد الشّهيد مُحمّد صادق الصّدر
6 - الغيبة الصّغرى. السّيّد الشّهيد مُحمّد صادق الصّدر
7 - الغيبة. الشّيخ مُحمّد رضا الجعفري
8 - الإمام المهدي "عج" بين التّواتر وحساب الاحتمال. الشّيخ مُحمّد باقر الأيرواني
9 - الغيبة الصّغرى والسّفراء الأربعة. الشّيخ فاضل المالكي
10 - الغيبة. الشّيخ مُحمّد رضا الجعفري
11 - الإمام المهدي "عليه السّلام". السّيّد عليّ الحُسيني الميلاني
12 - في انتظار الإمام. عبد الهادي الفضلي
13 - شمس خلف السّحاب. ماهر آل شبّر
140 - الفجر المقدّس. مجتبى السّادة
15 - الطّريق الى المهدى المنتظر "عجّل الله تعالى فرجه الشّريف". سعيد ايوب
16 - الإمام المهدي "عليه السّلام" أمل الشّعوب. حسن موسى الصّفار
17 - الإمام المهدي "عج" قدوة الصّديقين. السّيّد مُحمّد تقي المدرسي
18 - الرّوض الفسيح في بيان الفوارق بين المهدي والمسيح. الشّيخ مُحمّد بقار الالهي القُمّي
19 - كلمة الإمام المهدي "عليه السّلام". السّيّد الشّهيد حسن الشّيرازي
20 - تطبيق المعايير العلمية على ما اختلف وتعارض من أحاديث المهدي بكتب الفريقين. السّيّد ثامر هاشم حبيب العميدي

ما أُلّف بحقّ الإمام المهدي "عليه السّلام"
سلام الله وبركاته وتحياته وصلواته على مولاي صاحب الزّمان, صاحب الضّياء والنّور, والدّين المأثور, واللواء المشهور, والكاتب المنشور, وصاحب الدّهور والعصور, وخلف الحسن, الإمام المؤتمن, والقائم المعتمد, المنصور المؤيّد, والكهف والعضد, وعماد الإسلام, وركن الأنام, ومفتاح الكلام, وولي الأحكام, وشمس الظّلام, والبدر التّمام، ونضرة الأيّام، وصاحب الصّمصام، وفلاّق الهام، والبحر القمقام, والسيّد الهمّام, وحجّة الخصام, وباب المقام ليوم القيام والسّلام على مفرج الكربات, وخواض الغمرات, ومنفّس الحسرات, وبقية الله في أرضه, وصاحب فرضه, وحجّته على خلقه, وعيبة عمله, وموضع صدقه, والمُنتهى إليه مواريث الأنبياء, ولديه موجود آثار الأوصياء, وحجّة الله وابن رسوله, والقيم مقامه, وولي أمر الله, ورحمة الله وبركاته.
اللّهمّ كما انتجبته لعلمك, واصطفيته لحكمك, وخصصته بمعرفتك, وجللته بكرامتك, وغشيته برحمتك, وربّيته بنعمتك, وغذّيته بحكمتك, واخترته لنفسك, واجتبيته لبأسك, وارتضيته لقدسك, وجعلته هادياً لمن شئت من خلقك, وديان الدّين بعدلك, وفصل القضايا بين عبادك, ووعدته أن تجمع به الكلم, وتفرّج به عن الأُمم, وتنير بعدله الظّلم, وتطفئ به نيران الظّلم, وتقمع به حر الكفر وآثاره, وتطهر به بلادك, وتشفي به صدور عبادك, وتجمع به الممالك كلّها, قريبها وبعيدها, عزيزها وذليلها, وشرقها وغربها, وسهلها وجبلها, صباها ودبورها, شمالها وجنوبها, برّها وبحرها, حزونها ووعورها, يملأها قسطاً وعدلاً كما مُلأت ظلماً وجوراً, وتمكّن له فيها, وتنجز به وعد المؤمنين, حتى لا يشرك بك شيئاً, وحتى لا يبقى حقّ إلا ظهر, ولا عدل إلاّ زهر, وحتى لا يستخفي بشيء من الحقّ, مخافة أحد من الخلق.
اللّهمّ صلّ عليه صلاة تظهر بها حجّته, وتوضّح به بهجته, وترفع بها درجته, وتؤيد بها سُلطانه, وتعظّم بها برهانه, وتشرف بها مكانه, وتعلي بها بنيانه, وتعزّ بها نصره, وترفع بها قدره, وتسمّي بها ذكره, وتظهر بها كلمته, وتكثّر بها نصرته, وتعزّ بها دعوته, وتزيده بها إكراماً, وتجعله للمتّقين إماماً, وتبلغه في هذا المكان, مثل هذا الأوان, وفي كلّ مكان وأوان, منّا تحية وسلاماً, لا يبلى جديده, ولا يفني عديده.
السّلام عليك يا بقية الله في أرضه وبلاده, وحجّته على عباده, السّلام عليك يا خلف السّلف, السّلام عليك يا صاحب الشّرف, السّلام عليك يا حجّة المعبود, السّلام عليك يا كلمة المحمود, السّلام عليك يا شمس الشّموس, السّلام عليك يا مهدي الأرض, ومبين عين الفرض, السّلام عليك يا مولاي يا صاحب الزّمان والعالي الشّأن, السّلام عليك يا خاتم الأوصياء, ابن خاتم الأنبياء, السّلام عليك يا معز الأولياء ومذل الأعداء, السّلام عليك أيّها الإمام الوحيد, والقائم الرّشيد, السّلام عليك أيّها الإمام الفريد, السّلام عليك أيّها الإمام المنتظر, والحقّ المشتهر, السّلام عليك أيّها الإمام الولي المجتبى, والحقّ المنتهى, السّلام عليك أيّها الإمام المرتجى لإزالة الجور والعدوان, السّلام عليك أيّها الإمام المبيد, لأهل الفسوق والطّغيان, السّلام عليك أيّها الإمام الهادم بنيان الشّرك والنّفاق, والحاصد فروع الغي والشّقاق, السّلام عليك أيّها المدّخر لتجديد الفرائض والسّنن, السّلام عليك يا طامس آثار الزّيغ والأهواء, وقاطع حبائل الكذب والفتن والإمراء, السّلام عليك أيّها المؤمّل لإحياء الدّولة الشّريفة, السّلام عليك يا جامع الكلمة على التّقوى, السّلام عليك يا باب الله, السّلام عليك يا ثار الله, السّلام عليك يا محيي معالم الدّين وأهله, السّلام عليك يا قاسم شوكة المعتدين, السّلام عليك يا وجه الله الذي لا يهلك ولا يبلى إلى يوم الدّين, السّلام عليك يا ركن الإيمان, السّلام عليك أيّها السّبب المتصل بين الأرض والسّماء, السّلام عليك يا صاحب الفتح وناشر راية الهُدى, السّلام عليك يا مؤلّف شمل الصّلاح والرّضا, السّلام عليك يا طالب آثار الأنبياء, وأبناء الأنبياء, والثائر بدم المقتول بكربلاء, السّلام عليك أيّها المنصور على من اعتدى, السّلام عليك أيّها المضطر المجاب إذا دعا, السّلام عليك يا بقية الخلائف, البرّ التّقي الباقي لإزالة الجور والعدوان.
السّلام عليك يا بن النّبيّ المصطفى, السّلام عليك يا بن عليّ المُرتضى, السّلام عليك يا بن فاطمة الزّهراء, السّلام عليك يا بن خديجة الكُبرى, السّلام عليك يا بن السّادة المقرّبين, والقادة المتّقين, السّلام عليك يا بن النّجباء الأكرمين, السّلام عليك يا بن الأصفياء المهتدين, السّلام عليك يا بن الهداة المهتدين, السّلام عليك يا بن خيرة الخير, السّلام عليك يا بن سادة البشر, السّلام عليك يا بن الغطارفة الأكرمين والأطايب المطهرين, السّلام عليك يا بن البررة المنتجبين, والخضارمة الأنجبين, السّلام عليك يا بن الحجج المنيرة, والسّراج المضيئة, السّلام عليك يا بن الشّهب الثّاقبة, السّلام عليك يا بن قواعد العلم, السّلام عليك يا بن معادن الحلم, السّلام عليك يا بن الكواكب الزّاهرة, والنّجوم الباهرة, السّلام عليك يا بن الشّموس الطّالعة, السّلام عليك يا بن الأقمار السّاطعة, السّلام عليك يا بن السّبل الواضحة والأعلام اللائحة, السّلام عليك يا بن السّنن المشهورة, السّلام عليك يا بن المعالم المأثورة, السّلام عليك يا بن الشّواهد المشهودة والمعجزات الموجودة, السّلام عليك يا بن الصّراط المُستقيم, والنّبأ العظيم, السّلام عليك يا بن الآيات البيّنات, والدّلائل الظّاهرات, السّلام عليك يا بن البراهين الواضحات, السّلام عليك يا بن الحجج البالغات, والنّعم السّابغات, السّلام عليك يا بن طه المحكمات, وياسين الذّاريات, والطّور والعاديات, السّلام عليك يا بن من دنا فتدلى, فكان قاب قوسين أو أدنى, واقترب من العلي الأعلى، ليت شعري أين استقرّت بك النّوى, أم بأيّ وادي طوى, عزيز عليّ أن ترى الخلق ولا ترى, ولا يسمع لك حسيس ولا نجوى, عزيز عليّ أن تحيط بك الأعداء, بنفسي أنت من مغيّب ما غاب عنّا, بنفسي أنت من نازح ما نزح عنّا, ونحن نقول الحمد لله ربّ العالمين, وصلّى الله على مُحمّد وآله أجمعين.

   

 

نسبه عليه السّلام
هو أبو مُحمّد الحسن العسكري بن عليّ النّقي بن مُحمّد الجواد بن عليّ الرّضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصّادق بن مُحمّد باقر العلم بن عليّ زين العابدين بن الحُسين السّبط الشّهيد بن عليّ أمير المؤمنين "صلوات الله عليهم اجمعين".


والدته عليه السّلام
يُقال لها سوسن، اُمّ ولد، وتُكنّي اُمّ الحسن.
ومن اسمائها: حديث، وحديثة، وسليل، وسمانة، وغيرها.
بعثها الإمام العسكري "عليه السّلام" إلى الحج سنة 259هـ، واخبرها عمّا يناله سنة 60، فاظهرت الجزع وبكت، فقال "عليه السّلام": لابدّ من وقوع أمر الله فلا تجزعي. وفي صفر سنة 260 هـ كانت في المدينة، فجعلت تخرج إلى خارجها تتجسس الأخبار وقد أخذها الحزن والقلق.
وحينما اتصل بها خبر شهادة الإمام "عليه السّلام" عادت إلى سامرّاء، فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر من مطالبته إيّاها بالميراث، وسعايته بها إلى السّلطان، وكشف ما أمر الله عزّ وجلّ ستره.
وتوفّيت في سامراء وكانت قد أوصت أن تُدفن في الدّار التي تقع جنب ولدها الإمام العسكري "عليه السّلام"، فنازعها جعفر وقال: الدّار داري لاتُدفن فيها.


كيفية زواج الإمام العسكري عليه السّلام
روي عن بشر بن سُليمان النّخّاس أنّه قال:
أتاني كافور الخادم ـ خادم الإمام الهادي ـ فقال: مولانا أبو الحسن عليّ الهادي "عليه السّلام" يدعوك إليه. فأتيته, فلمّا جلست بين يديه, قال لي: يابشر, إنّك من ولد الأنصار, وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها الشّيعة في الموالاة بها، بسرّ أطلعك عليه، وأنفذك في ابتياع أمة.
فكتب كتاباً لطيفاً بخط رومي ولغة رومية, وطبع عليه خاتمه, وأخرج شقيقة صفراء فيها مئتان وعشرون ديناراً، فقال: خذها وتوجّه إلى بغداد, واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فاذا وصلت إلى جانبك زواريق السّبايا وترى الجواري فيها, ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العبّاس وشرذمة من فتيان العرب، فإذا رأيت ذلك, فأشرف من البُعد على المسمّى عمر بن يزيد النّخّاس عامّة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين صفيقين, تمتنع من العرض ولمس المعترض والانقياد لِمن يحاول لمسها، وتسمع صرخة رومية من وراء ستر رقيق، " فاعلم " أنّها تقول: واهتك ستراه. فيقول بعض المبتاعين:عليّ ثلاثمئة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة. فتقول له بالعربية: ولو برزت في زيّ سُليمان بن داود وعلى شبه ملكه, ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك. فيقول النّخّاس: فما الحيلة ؟ ولا بدّ من بيعك. فتقول الجارية: وما العجلة ؟ ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى وفائه وأمانته. فعند ذلك قُم إلى عمر بن يزيد النّخّاس, وقُل له: إنّ معك كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخطّ رومي، ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه، فناولها لتتأمّل منه أخلاق صاحبه, فإن مالت إليه ورضيتهُ، فأنا وكيله في ابتياعها منك.
قال بشر بن سُليمان: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن "عليه السّلام" في أمر الجارية, " فلمّا نَظَرَتْ " في الكتاب بكتْ بكاءً شديداً وقالت لعمر بن يزيد: بِعني لصاحب هذا الكتاب. وحلفت بالمحرجة والمغلظة أنّه متى امتنع من بيعها منه قتلتْ نفسها، فما زلت اُشاحّه في ثمنها حتّى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي "عليه السّلام" من الدّنانير، فاستوفاه منّي وتسلّمت الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى الحجيرة التي كُنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولانا "عليه السّلام" من جيبها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها, وتضعه على خدّها وتمسحه على بدنها، فقُلت تعجّباً منها: تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه ؟ فقالت: أيّها العاجز الضّعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء, أعِرني سمعك وفرّغ لي قلبك, أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الرّوم، واُمّي من ولد الحواريين تُنسب إلى وصيّ المسيح شمعون, اُنبّـِئُك بالعجب: إنّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة, فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيّسين والرّهبان ثلاثمئة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمئة رجل، وجمع من اُمراء الأجناد وقوّاد العسكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهيّ ملكه عرشاً مصنوعاً من أصناف الجوهر إلى صحن القصر، ورفعه فوق أربعين مرقاة, فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت الصّلب وقامت الأساقفة عكّفاً ونشرت أسفار الإنجيل, تسافلت الصّلب من الأعلى فلصقت بالأرض, وتقوّضت أعمدة العرش فانهارت إلى القرار, وخرّ الصّاعد من العرش مغشيّاً عليه, فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم.
فقال كبيرهم لجدّي: أيّها الملك, اعفنا من ملاقاة هذه النّحوس الدّالة على زوال دولة هذا الدّين المسيحي والمذهب الملكاني. فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً " وقال " للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصّلبان, وأحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه؛ لاُزوّجه هذه الصّبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده. فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثّاني مثل ما حدث على الأوّل, وتفرّق النّاس وقام جدّي قيصر مغتمّاً فدخل منزل النّساء واُرخيت السّتور, واُريتُ في تلك الليلة كأنّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي, ونصبوا فيه منبراً من نور يُباري السّماء علوّاً وارتفاعاً في الموضع الذي كان نصب جدّي فيه عرشه، ودخل عليهم مُحمّد "صلّى الله عليه وآله" وختنه ووصيّه وعدّة من أبنائه "عليهم السّلام", فتقدّم المسيح إليه فاعتنقه، فيقول له مُحمّد "صلّى الله عليه وآله": ياروح الله, جئتُك خاطباً من وصيّك شمعون فتاتَه مليكة لابني هذا ـ وأوْمأ بيده إلى أبي مُحمّد "عليه السّلام" ابن صاحب هذا الكتاب ـ. فنظر المسيح إلى شمعون وقال له: قد أتاك الشّرف فَصِل رَحِمَك رَحِمَ آلِ مُحمّد "عليهم السّلام". قال: قد فعلتُ. فصعد ذلك المنبر فخطب مُحمّد "صلّى الله عليه وآله" وزوّجني من ابنه وشهد المسيح "عليه السّلام"، وشهد أبناء مُحمّد "عليهم السّلام" والحواريّون.
فلمّا استيقظت أشفقْتُ أنْ أقصّ هذه الرّؤيا على أبي وجدّي؛ مخافة القتل, فكنت اُسِرّها ولا اُبديها لهم, وضُرب صدري بمحبّة أبي مُحمّد "عليه السّلام" حتى امتنعت من الطّعام والشّراب, فضعُفتْ نفسي ودقّ شخصي، ومرضت مرضاً فما بقي في مدائن الرّوم طبيب إلاّ أحضره جدّي وسأله عن دوائي, فلمّا برح به اليأس " قال": ياقرّة عيني, وهل يخطر ببالك شهوة فازوّدكها في هذه الدّنيا ؟ فقُلت: ياجدّي, أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة, فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من اُسارى المُسلمين, وفككت عنهم الأغلال, وتصدّقت عليهم, ومنّيْتهم الخلاص, رجوت أن يهب لي المسيح واُمّه عافية. فلمّا فعل ذلك, تجلّدت في إظهار الصّحة من بدني قليلاً وتناولت يسيراً من الطّعام, فسرّ بذلك وأقبل على إكرام الاُسارى وإعزازهم، فاريتُ بعد أربع عشرة ليلة كأنّ سيّدة نساء العالمين فاطمة "عليها السّلام" قد زارتني ومعها مريم ابنة عمران وألف من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيّدة نساء العالمين أُمّ زوجك أبي مُحمّد "عليه السّلام". فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي مُحمّد "عليه السّلام" من زيارتي، فقالت سيّدة النّساء "عليها السّلام": إنّ ابني أبا مُحمّد لا يزورك وأنت مشركة بالله على مذهب النّصارى، وهذه اُختي مريم بنت عمران تبرأ إلى الله تعالى من دينك, فإن مِلْت إلى رضاء الله ورضاء المسيح ومريم "عليهما السّلام", وزيارة أبي مُحمّد إيّاك فقولي:
أشهد أن لا إله إلاّ الله, وأنّ أبي مُحمّداً رسول الله. فلمّا تكلمت بهذه الكلمة, ضمَّتني إلى صدرها سيّدة نساء العالمين وطَيَّبَتْ نفسي, وقالت: الآن توقَّعي زيارة أبي مُحمّد, فإنّي منفذته إليك. فانتبهت وأنا أقول وأتوقّع لقاء أبي مُحمّد "عليه السّلام"، فلمّا كان في الليلة القابلة, رأيت أبا مُحمّد "عليه السّلام" وكأنّي أقول له: جفوتني ياحبيبي بعد أن أتْلَفَت نفسي معالجة حبّك. فقال: ما كان تأخّري عنك إلاّ لشركك، فقد أسلمت وأنا زائرك في كلّ ليلة إلى أن يجمع الله تعالى شملنا في العيان. فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.
" قال بشر" فقُلت لها: وكيف وقعت في الاُسارى ؟
فقالت: أخبرني أبو مُحمّد "عليه السّلام" ليلة من الليالي: أنّ جدّكِ سيسيّر جيشاً إلى قتال المُسلمين يوم كذا وكذا، ثمّ يتبعهم, فعليك باللّحاق بهم مُتَنَكّـِرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا.
ففعلت ذلك, فوقعت علينا طلايع المُسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت وشاهدت, وما شعر بأنّي ابنة ملك الرّوم إلى هذه الغاية أحد سواك، وذلك باطلاعي إيّاك عليه، ولقد سألني الشّيخ الذي وقعتُ إليه في سهم الغنيمة عن اسمي, فقُلت: نرجس. فقال: اسم الجواري.
قُلت: العجب إنّك روميّة ولسانك عربيّ. قالت: نعم, من ولوع جدّي وحمله إيّاي على تعلّم الآداب أنْ أوعَز إلى امرأة ترجمانة لي في الاختلاف إليّ, وكانت تقصدني صباحاً ومساءاً وتفيدني العربية حتى استمرّ لساني عليها واستقام.
" قال بشر": فلمّا انكفأت بها إلى سرّ من رأى, دخلت على مولاي أبي الحسن "عليه السّلام" فقال: كيف أراكِ اللهُ عزّ الإسلام وذلّ النّصرانيّة، وشرف مُحمّد وأهل بيته "عليهم السّلام" ؟ قالت: كيف أصف لك يابن رسول الله ما أنت أعلم به منّي. قال: فإنّي أحببت أن اكرمك، فما أحبّ إليك عشرة آلاف دينار, أم بُشرى لك بشرف الأبد ؟
قالت: بُشرى بولد لي. قال لها: أبشري بولد يملك الدّنيا شرقاً وغرباً, ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظُلماً وجوراً.
قالت: ممّن ؟ قال: ممّن خطبك رسول الله "صلّى الله عليه وآله" له ليلة كذا في شهر كذا من سنة كذا بالرّومية.
قالت: من المسيح ووصيه ؟ قال لها: ممّن زوجك المسيح "عليه السّلام" ووصيه ؟ قالت: من ابنك أبي مُحمّد "عليه السّلام" ؟
فقال: هل تعرفينه ؟
قالت: وهل خلت ليلة لم يرني فيها منذ الليلة التي أسلمت على يد سيّدة النّساء صلوات الله عليها ؟ قال: فقال مولانا: ياكافور, ادع اُختي حكيمة. فلمّا دخلتْ قال لها: هاهية. فاعتنقتها طويلاً وسرّت بها كثيراً، فقال لها أبوالحسن "عليه السّلام": يابنت رسول الله, خذيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسّنن, فإنّها زوجة أبي مُحمّد واُمّ القائم.


تأريخ ومحل ولادة الإمام العسكري عليه السّلام
ولد الإمام العسكري "عليه السّلام" في المدينة المنوّرة في يوم الجُمُعة الثّامن من ربيع الثّاني سنة232هـ, على القول المشهور.
وقيل: يوم الاثنين الرّابع من شهر ربيع الآخر، أو السّادس، أوالعاشر، من سنة232هـ.
وقيل: يوم الجُمُعة السّادس من ربيع الأوّل، أوالثّامن منه.
وقيل: العاشر من رمضان من سنة232هـ.
وقيل: سنة230هـ، أو231، أو233.


ألقاب وكُنا الإمام العسكري عليه السّلام
كنيته: أبو مُحمّد.
ألقابه: الزّكي، الهادي، العسكري، التّقي، الخالص، السّراج، الصّامت، الرّفيق، المرضي,
الشّافي، الزّكي، النّقي، المضيء، المهتدي، وغيرها من الألقاب التي تحكي مكارم أخلاقه وخصائصه السّامية وصفاته الزّكية.



عِلم الإمام العسكري عليه السّلام
1 - روي أنّه رآه بهلول وهو صبي يبكي والصّبيان يلعبون، فظنّ أنّه يتحسّر على ما في أيديهم، فقال: اشتري لك ما تلعب به ؟ فقال: ما للعب خُلقنا. فقال له: فلماذا خُلقنا ؟ قال: للعلم والعبادة. فقال له: من أين لك هذا ؟ قال: من قوله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ. ثمّ وعظه بأبيات من الشّعر حتى خرّ مغشيّاً عليه.

2 - عن إسحاق بن مُحمّد النّخعي قال: سأل الفهفكي أبا مُحمّد "عليه السّلام": ما بال المرأة المسكينة الضّعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرّجل سهمين ؟ فقال أبو مُحمّد "عليه السّلام": إنّ المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا عليها معقلّة, إنّما ذلك على الرّجال. فقلت في نفسي: قد كان قيل لي: إنّ ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد الله "عليه السّلام" عن هذه المسألة فأجابه بهذا الجواب, فأقبل أبو مُحمّد "عليه السّلام" عليّ, فقال: نعم, هذه المسألة مسألة ابن أبي العوجاء والجواب منّا واحد إذا كان معنى المسألة واحداً، جرى لآخرنا ما جرى لأوّلنا, وأوّلنا وآخرنا في العلم سواء, ولرسول الله "صلّى الله عليه وآله" وأمير المؤمنين "عليه السّلام" فضلهما.

3 - قال الحسن بن ظريف: كتبت إلى أبي مُحمّد "عليه السّلام" أسأله: ما معنى قول رسول الله "صلّى الله عليه وآله" لأمير المؤمنين "عليه السّلام": مَن كنتُ مولاه فهذاعليّ مولاه ؟ قال "عليه السّلام": أراد بذلك أن يجعله علماً يعرف به حزب الله عند الفرقة.

4 - قال داود بن القاسم الجعفري: سالت أبا مُحمّد عن قول الله عزّ وجلّ: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ... .
قال: كُلّهم من آل مُحمّد الظّالم لنفسه الذي لا يقرّ بالإمام، قال: فدمعت عيني وجعلت أفكّر في نفسي في عظم ما اعطى الله آل مُحمّد على مُحمّد وآله السّلام، فنظر إليّ أبو مُحمّد فقال: الأمر أعظم ممّا حدّثتك نفسك من عظم شأن آل مُحمّد، فأحمد الله, فقد جُعلت متمسّكاً بحبلهم تُدعى يوم القيامة بهم إذا دُعى كلّ أُناس بإمامهم, فأبشر يا أبا هاشم فإنّك على خير.

5 - شهد للإمام "عليه السّلام" برجاحة العلم طبيب البلاط بختيشوع، وكان ألمع شخصية في عِلم الطّب في عصره، فقد احتاج الإمام "عليه السّلام" إلى طبيب, فارسل إليه بختيشوع بعض تلامذته وأوصاه قائلاً: طلب منّي ابن الرّضا من يفصده، فصر إليه، وهو اعلم في يومنا هذا بمن هوتحت السّماء، فاحذر أن لاتعترض عليه فيما يأمرك به.


كرامات الإمام العسكري عليه السّلام
1 - وروى عن إسماعيل بن مُحمّد بن عليّ بن إسماعيل بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس، قال: قعدت لأبي مُحمّد الحسن على باب داره حتى خرج, فقمت في وجهه وشكوت إليه الحاجة والضّرورة, واقسمت أنّي لا أملك الدّرهم فما فوقه، فقال: تقسم وقد دفنت مئتي دينار وليس قولي هذا دفعاً لك عن العطيّة, اعطه يا غلام ما معك. فاعطاني الغلام مئة دينار شكرت له تعالى وولّيت, فقال: ما أخوفني أن تفقد المئتي دينار أحوج ما تكون إليها. فذهبت إليها فافتقدتها فإذا هي في مكانها, فنقلتها إلى موضع آخر ودفنتها من حيث لا يطّلع أحد, ثمّ قعدت مدّة طويلة فاضطررت إليها, فجئت أطلبها في مكانها فلم أجدها فجئت، وشقّ ذلك عليَّ, فوجدت إبناً لي قد عرف مكانها وأخذها وأبعدها ولم يحصل لي شيء, فكان كما قال "عليه السّلام".
2 - ما روي عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عيسى بن صبيح, قال: دخل الحسن العسكري "عليه السّلام" علينا الحبس، وكُنت به عارفاً، فقال لي: لك خمس وستون سنة وشهر ويومان. وكان معي كتاب دُعاء عليه تاريخ مولدي، وإنّي نظرت فيه فكان كما قال, وقال: هل رُزقت ولداً ؟ قُلت: لا. فقال: اللّهمّ ارزقه ولداً يكون له عضداً، فنعم العضد الولد. ثمّ تمثّل "عليه السّلام":
مَن كان ذا عضد يدرك ضلامته * إن الذليل الذي ليست له عضد.
قُلت: ألك ولد ؟
قال: إي والله, سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً [ وعدلاً ], فأمّا الآن فلا. ثمّ تمثّل:
لعلّك يوماً أن تراني كأنّما * بني حوالي الأسود اللوابد
فإنّ تميماً قبل أن يلد الحصى* أقام زماناً وهو في النّاس واحد


حِكم الإمام العسكري عليه السّلام
1 - قال أبو هاشم: سمعت أبا مُحمّد يقول: إنّ لكلام الله فضلاً على الكلام كفضل الله على خلقه, ولكلامنا فضل على كلام النّاس كفضلنا عليهم.
2 - قال "عليه السّلام": إنّ في الجنّة باباً يُقال له " باب المعروف" لا يدخله إلاّ أهل المعروف.
3 - وقال "عليه السّلام": مَن رضي بدون الشّرف من المجلس لم يزل الله وملائكته يصلّون عليه حتى يقوم.
4 - وقال "عليه السّلام": ليست العبادة كثرة الصّيام والصّلاة، وإنّما العبادة كثرة التّفكّر في أمر الله.


عبادة الإمام العسكري عليه السّلام
1 - قال الموكلون به في سجن صالح بن وصيف: إنّه يصوم النّهار ويقوم الليل كلّه, لايتكلّم ولايتشاغل بغير العبادة.
2 - قال أبو هاشم داود بن القسم الجعفري: كان الحسن يصوم في السّجن، فإذا أفطرَ أكلنا معه من طعام كان يحمله غلامهُ إليه في جونة مختومة.
3 - قال مُحمّد الشّاكري " أحّد خدمة الإمام "عليه السّلام": كان استاذي أصلح من رأيت من العلويين والهاشميين، ..., كان يجلس في المحراب ويسجد فأنام وأنتبه وأنام وهو ساجد، وكان قليل الأكل، كان يحضره التّين والعنب والخوخ وما شاكله، فيأكل منه الواحدة والثّنتين، ويقول: شل هذا يا مُحمّد إلى صبيانك. فأقول: هذا كلّه. فيقول: خذه ما رأيت قط أسدى منه.
4 - عن عليّ بن عبد الغفّار، قال: دخل العبّاسيون على صالح بن وصيف، ودخل صالح بن عليّ وغيره من المنحرفين عن هذه النّاحية على صالح بن وصيف عندما حبس أبا مُحمّد، فقال لهم صالح: وما أصنع ؟ قد وكّلت به رجلين من أشرّ من قدرت عليه, فقد صارا من العبادة والصّلاة والصّيام إلى أمر عظيم، فقلت لهما: ما فيه ؟ فقالا: ما تقول في رجلٍ يصوم النّهار ويقوم الليل كلّه لا يتكلّم ولا يتشاغل, وإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا, ويداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا. فلمّا سمعوا ذلك انصرفوا خائبين.
5 - عن عليّ بن مُحمّد عن بعض أصحابنا, قال: سُلّم أبو مُحمّد "عليه السّلام" إلى نحرير, فكان يضيّق عليه ويؤذيه، قال: فقالت له امرأته: ويلك اتّق الله، لا تدري مَن في منزلك ؟ وعرّفته صلاحه، وقالت: إنّي أخاف عليك منه. فقال: لأرمينّه بين السّباع. ثمّ فعل ذلك به فرئي "عليه السّلام" قائماً يُصلّي، وهي حوله.
6 - الحُسين بن مُحمّد الأشعري ومُحمّد بن يحيى وغيرهُما, قالوا: كان أحمد بن عُبيد الله بن خاقان على الضّياع والخراج بقُم, فجرى في مجلسه يوماً ذكر العلوية ومذاهبهم ـ وكان شديد النّصب ـ, فقال ـ وهو يصف الإمام العسكري "عليه السّلام" ـ: ... لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العبّاس, ما استحقّها أحد من بني هاشم غير هذا, وإنّ هذا ليستحقّها في فضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه.


أدعية الإمام العسكري عليه السّلام
1 - عن أبي هاشم قال: كتب إلى أبي مُحمّد "عليه السّلام" بعض مواليه يسأله أن يعلّمه دعاء, فكتب إليه أن ادع بهذا الدّعاء:
يا أسمع السّامعين, ويا أبصر المُبصرين, ويا عزّ النّاظرين, ويا أسرع الحاسبين, ويا أرحم الرّاحمين, ويا أحكم الحاكمين صلّ على مُحمّد وآل مُحمّد, وأوسع لي في رزقي, ومد لي في عمري, وامنن عليّ برحمتك, واجعلني ممّن تنتصر به لدينك, ولا تستبدل بي غيري.

2 - عن سهل بن يعقوب بن إسحاق المُلقّب بأبي نؤاس, قال: قُلت للعسكري"عليه السّلام" ذات يوم: يا سيّدي, قد وقع إلى اختيارات الأنام عن سيّدنا الصّادق "عليه السّلام" ممّا حدّثني به الحسن بن عبدالله بن مظفر, عن مُحمّد بن سُليمان الدّيلمي, عن أبيه, عن سيّدنا الصّادق "عليه السّلام" في كلّ شهر فأعرضه عليك ؟ فقال لي: افعل.
فلمّا عرضته عليه وصححته, قُلت له: يا سيّدي, في أكثر هذه الأيّام قواطع عن المقاصد لما ذكر فيها من النّحس والمخاوف, فتدلني على الإحتراز من المخاوف فيها ؟ فإنّما تدعوني الضّرورة إلى التّوجّه في الحوائج فيها.
فقال لي: يا سهل, أنّ لشيعتنا بولايتنا لعصمة لو سلكوا بها في لجّة البحار الغامرة, وسباسب البيداء الغائرة بين سباع وذئاب وأعادي الجنّ والإنس, لأمِنوا من مخاوفهم بولايتهم لنا, فثق بالله عزّ وجلّ, واخلص في الولاء لأئمّتك الطّاهرين وتوجّه حيث شئت, واقصد ما شئت إذا أصبحت وقُلت ثلاثاً:
أصبحت اللّهمّ, معتصماً بذمامك المنيع الذي لا يطاول ولا يحاول, من شرّ كلّ غاشم وطارق, من سائر ما خلقت ومن خلقك الصّامت والنّاطق في جنّة من كلّ مخوف بلباس سابغة ولاء أهل بيت نبيّك, محتجزاً من كلّ قاصد لي أذية بجدار حصين الإخلاص في الإعتراف بحقّهم والتّمسك بحبلهم جميعاً, موقناً بأنّ الحقّ لهُم ومعهم وفيهم, وبهم أوالي مَن والوا وأجانب من جانبوا, فأعذني اللّهمّ من شرّ كلّ ما أتقيه يا عظيم, حجزت الأعادي عنّي ببديع السّماوات والأرض: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ.
وقُلتها عشياً ثلاثاً حصلت في حصن من مخاوفك وأمن من محذورك, فإذا أردت التّوجه في يوم قد حذرت فيه, فقدّم أمام توجهك:
الحمد لله ربّ العالمين, والمعوذتين, وآية الكرسي, وسورة القدر, وآخر آية في سورة آل عمران, وقل:
اللّهمّ بك يصول الصّائل, وبقدرتك يطول الطّائل, ولا حول لكلّ ذي حول إلاّ بك, ولا قوّة يمتارها ذو قوّة إلاّ منك, بصفوتك من خلقك وخيرتك من برّيّتك مُحمّد نبيّك وعترته وسلالته عليه وعليهم السّلام صلّ عليهم, واكفني شرّ هذا اليوم وضرره وارزقني خيره ويمنه, واقض لي في متصرفاتي بحسن العاقبة وبلوغ المحبّة, والظّفر بالأمنية وكفاية الطّاغية الغوية, وكلّ ذي قدرة لي على أذية, حتى أكون في جنّة وعصمة من كلّ بلاء ونقمة, وأبدلني من المخاوف فيه أمناً ومن العوائق فيه يسراً, حتى لا يصدني عن المراد, ولا يحلّ بي طارق من أذى العباد, إنّك على كلّ شيء قدير, والأمور إليك تصير يا مَن ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير.

3 - ذكرعليّ بن عبد الواحد باسناده إلى رجاء بن يحيى بن سامان، قال: خرج إلينا من دار سيّدنا أبى مُحمّد الحسن بن عليّ صاحب العسكر سنة خمس وخمسين ومتين، فذكر الرّسالة المقنعة بأسرها، قال: وليكن ممّا تدعو به بين كلّ ركعتين من نوافل شهر رمضان: اللّهمّ اجعل فيما تقضي وتقدّر من الأمر المحتوم، وفيما تفرّق من الأمر الحكيم في ليلة القدر، أن تجعلني من حجاج بيتك الحرام، المبرور حجّهم، المشكور سعيهم، المغفور ذنوبهم، وأسألك أن تطيل عمري في طاعتك، وتوسّع لي في رزقي، يا أرحم الرّاحمين.

4 - عن أبي مُحمّد عبدالله بن مُحمّد العابد قال: سألت مولاي أبا مُحمّد الحسن بن عليّ "عليه السّلام" في مسير له بسر من رأى سنة خمس وخمسين ومئتين, أن يملي عليّ الصّلاة على النّبيّ وأوصيائه "عليه وعليهم السّلام" أحضرت معي قرطاساً كبيراً, فأملى عليّ لفظاً من غير كتاب, قال: اكتب الصّلاة على النّبيّ "صلّى الله عليه وآله":
اللّهمّ صلّ على مُحمّد كما حمل وحيك وبلّغ رسالاتك, وصلّ على مُحمّد كما أحلّ حلالك وحرّم حرامك وعلّم كتابك, وصلّ على مُحمّد كما أقام الصّلاة, وأدّى الزّكاة, ودعا إلى دينك, وصلّ على مُحمّد كما صدّق بوعدك, وأشفق من وعيدك, وصلّ على مُحمّد كما غفرت به الذّنوب, [و] سترت به العيوب, وفرّجت به الكروب, وصلّ على مُحمّد كما دفعت به الشّقاء, وكشفت به العماء, وأجبت به الدّعاء, ونجيت به من البلاء, وصلّ على مُحمّد كما رحمت به العباد, وأحييت به البلاد, وقصمت به الجبابرة, وهلكت به الفراعنة, وصلّ على مُحمّد كما أضعفت به الأموال, وحذرت به من الأهوال, وكسرت به الأصنام, ورحمت به الأنام, وصلّ على مُحمّد كما بعثته بخير الأديان, وأعززت به الإيمان وتبرت به الأوثان, وعصمت به البيت الحرام, وصلّ على مُحمّد وأهل بيته الطّاهرين الأخيار, وسلم تسليماً.

5 - من تسبيح للإمام أبي مُحمّد الحسن بن عليّ العسكري "عليه السّلام":
سُبحان مَن هو في علوه دان, وفي دنوه عال وفي إشراقه منير وفي سُلطانه قوي, سُبحانه الله وبحمده.

6 - من حرز للإمام أبي مُحمّد العسكري "عليه السّلام":
بسم الله الرّحمن الرّحيم, يا عدّتي عند شدّتي, ويا غوثي عند كربتي, يا مونسي عند وحدتي, احرسني بعينك التي لا تنام, واكنفني بركنك الذي لا يرام.


النّصّ على إمامة الإمام العسكري عليه السّلام
1 ـ عن الصّقر بن أبي دلف، قال: سمعت أبا جعفر مُحمّد بن عليّ الرّضا "عليه السّلام" يقول: إنّ الإمام بعدي ابني عليّ، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه ... .
2 ـ عن عبد السّلام بن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن عليّ الخزاعي يقول: انشدت مولاي الرّضا عليّ بن موسي "عليه السّلام" قصيدتي التي أوّلها:
يقوم علي اسم الله والبركات خروج إمام لا محالة خارج
فلمّا انتهيت إلى قولي:
مدارس ايات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات
ويجزي عليّ النّعماء والنّقمات يميز فينا كلّ حـق وباطل
بكى الرّضا "عليه السّلام" بكاء شديداً، ثمّ رفع رأسه إليّ فقال لي: ياخزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري مَن هذا الإمام ومتى يقوم ؟ فقُلت: لا يا مولاي، إلاّ إنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد، ويملأها عدلاً كما مُلئت جوراً.
فقال: يا دعبل، الإمام بعدي مُحمّد ابني، وبعد مُحمّد ابنه عليّ، وبعدعليّ ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم المُنتظر في غيبته، المُطاع في ظهوره ... .
3 ـ عن أحمد بن عيسى العلوي ـ من ولد عليّ بن جعفر ـ قال: دخلت على أبي الحسن "عليه السّلام " بصريّاً, فسلّمنا عليه، فإذا نحن بأبي جعفر وأبي مُحمّد قد دخلا، فقمنا إلى أبي جعفر لنسلّم عليه، فقال أبو الحسن "عليه السّلام": ليس هذا صاحبكم، عليكم بصاحبكم. وأشار إلى أبي مُحمّد.
4 ـ عن عليّ بن عبدالغفّار، قال: إنّ الإمام الهادي "عليه السّلام " كتب إلى شيعته: الأمر لي مادمت حيّاً، فإذا نزلت بي مقادير الله عزّ وجلّ, أتاكم الله الخلف منّي، وأنّى لكم بالخلف بعد الخلف ؟.
5 ـ عن عليّ بن عمر النّوفلي، قال: كنت مع أبي الحسن العسكري "عليه السّلام " في داره، فمرّ عليه أبوجعفر، فقُلت له: هذا صاحبنا ؟ فقال: لا، صاحبكم الحسن.
6 ـ عن عليّ بن عمر النّوفلي، قال: كُنت مع أبي الحسن "عليه السّلام " في صحن داره، فمرّ بنا مُحمّد ابنه، فقُلت له: جُعلت فداك، هذا صاحبنا بعدك ؟ فقال: لا، صاحبكم بعدي الحسن.
7 ـ عن الصّقر بن أبي دلف, قال: سمعت عليّ بن مُحمّد بن عليّ الرّضا "عليه السّلام " يقول: إنّ الإمام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظُلماً.
8 ـ عن يحيي بن يسار القنبري، قال: أوصى أبوالحسن "عليه السّلام " إلى ابنه الحسن "عليه السّلام " قبل مضيه بأربعة أشهر، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي.
9 ـ عن داود بن القاسم، قال: سمعت أبا الحسن "عليه السّلام " يقول: الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ؟ فقُلت: ولِم جعلني الله فداك ؟ فقال: إنّكم لاترون شخصه, ولايحلّ لكم ذكره باسمه.
10 ـ عن عبدالله بن مُحمّد الأصفهاني، قال: قال أبو الحسن "عليه السّلام": صاحبكم بعدي الذي يُصلّي عليّ. قال: ولم نعرف أبا مُحمّد قبل ذلك, قال: فخرج أبو مُحمّد فصلّى عليه.
11 ـ وعن أبي بكر الفهفكي, قال: كتب إلى أبو الحسن "عليه السّلام": أبو مُحمّد ابني, أنصح آل مُحمّد غريزة، وأوثقهم حجّة، وهو الأكبر من ولدي, وهو الخلف، وإليه تنتهي عُري الإمامة وأحكامها، فما كُنت سائلي فسله عنه، فعنده ما يُحتاج إليه.
12 ـ عن عليّ بن مهزيار، قال: قُلت لأبي الحسن "عليه السّلام": إن كان كون ـ وأعوذ بالله ـ فإلي مَن ؟ قال: عهدي إلى الأكبر من ولدي. وكان الإمام العسكري "عليه السّلام " أكبر ولد الإمام الهادي "عليه السّلام".
13 ـ عن عليّ بن عمرو العطّار، قال: دخلت على أبي الحسن العسكري "عليه السّلام " وأبو جعفر ابنه في الأحياء، وأنا أظنّ أنّه هو، فقُلت له: جُعلت فداك، من أخصّ من ولدك ؟ فقال: لاتخصّوا أحداً حتى يخرج إليكم أمري.
قال: فكتبت إليه بعد: فيمن يكون هذا الأمر؟ قال: فكتب إليّ: في الكبير من ولدي. قال: وكان أبومُحمّد أكبر من أبي جعفر.
14 ـ عن عبد العظيم الحسني, قال: دخلت على سيّدي عليّ بن مُحمّد "عليه السّلام"، فلمّا بصر بي, قال لي: مرحباً بك يا أبا القاسم، أنت وليّنا حقّاً. قال: فقُلت له: يابن رسول الله، إنّي أريد أن أعرض عليك ديني, فإن كان مرضياً, ثبّت عليه حتى القى الله عزّ وجلّ. فقال: هات يا أبا القاسم. فقُلت: إنّي أقول: إنّ الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء ... وأنّ
مُحمّداً "صلّى الله عليه وآله" عبده ورسوله ... وأنّ الإمام والخليفة وولي الأمر بعده, أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب "عليه السّلام"، ثمّ الحسن، ثمّ الحُسين، ثمّ عليّ بن الحُسين، ثمّ مُحمّد بن عليّ، ثمّ جعفر بن مُحمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ مُحمّد بن عليّ، ثمّ أنت يا مولاي. فقال "عليه السّلام": ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للنّاس بالخلف من بعده ؟ قال: فقُلت: وكيف ذاك يا مولاي ؟ قال: لإنّه لايُرى شخصه, ولايحلّ ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظُلماً. قال: فقُلت: أقررت.


أصحاب الإمام العسكري "عليه السّلام"
1 - إبراهيم بن أبي حفص الكاتب.
2 - إبراهيم بن عبدة النّيسابوري.
3 - إبراهيم بن خقيب.
4 - إبراهيم بن عليّ.
5 - إبراهيم بن مُحمّد.
6 - إبراهيم بن مهزيار.
7 - إبراهيم بن يزيد.
8 - أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود بن حمدون.
9 - أحمد بن إبراهيم, يُكنّى أبا أحمد المراغي.
10 - أحمد بن حمّاد المحمودي, يُكنّى أبا عليّ.
11 - أحمد بن عبد الله بن مروان الأنباري.
12 - أحمد بن مُحمّد الحضيني.
13 - أحمد بن إدريس القُمّي.
14 - أحمد بن إسحاق بن عبدالله الأشعري.
15 - أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال.
16 - إسحاق بن إسماعيل النّيسابوري.
17 - إسحاق بن الرّبيع الكوفي.
18 - إسحاق بن مُحمّد البصري، يُكنّى أبا يعقوب.
19 - إسماعيل بن مُحمّد بن عليّ بن إسماعيل.
20 - جابر بن سهيل الصّقيل.
21 - جابر بن يزيد الفارسي, يُكنّى أبا القاسم.
22 - جعفر بن إبراهيم بن نوح.
23 - الحسن بن ظريف.
24 - الحسن بن عليّ بن النّعمان.
25 - الحسن بن أحمد المالكي.
26 - الحسن بن جعفر, المعروف بأبي طالب الفاغاني.
27 - الحسن بن موسى الخشّاب.
28 - الحسن بن النّضر, أبو عون الأبرش.
29 - الحُسين بن اشكيب المروزي.
30 - الحُسين بن مالك القُمّي.
31 - الحُسين بن الحسن بن أبان.
32 - حفص بن عمرو العمري.
33 - حمدان بن سُليمان النّيسابوري.
34 - حمزة بن مُحمّد.
35 - دواد بن أبي زيد النّيسابوري.
36 - داود بن القاسم الجعفري.
37 - داود بن عامر الأشعري، القُمّي.
38 - الرّيان بن الصّلت.
39 - السّندي بن الرّبيع.
40 - سعد بن عبد الله القُمّي.
41 - شاهويه بن عبد الله الجلاب.
42 - صالح بن عبد الله, الجلاب.
43 - صالح بن أبي حمّاد.
44 - عبد العظيم الحسني.
45 - عبدالله بن جعفر الحميري.
46 - عبدالله بن مُحمّد بن خالد الطّيالسي.
47 - عبد الله بن حمدويه البيهقي.
48 - عبد الله بن مُحمّد, يُكنّى, أبا مُحمّد الشّامي الدّمشقي.
49 - عثمان بن سعيد العمري، الزّيّات، ويُقال له السّمان، يُكنّى أبا عمرو.
50 -عليّ بن بلال.
51 -عليّ بن جعفر بن العبّاس الخزاعي.
52 -عليّ بن الحسن بن فضّال الكوفي.
53 -عليّ بن سُليمان بن داود الرّقي.
54 -عليّ بن الرّيان بن الصّلت الأشعري القُمّي.
55 -عليّ رميس.
56 -عليّ بن زيد.
57 -عليّ بن شجاع النّيسابوري.
58 -عليّ بن مُحمّد الصّيمري.
59 -عليّ بن مُحمّد بن إلياس.
60 - عمر بن أبي مُسلم.
61 - عمر بن سويد المدائني.
62 - الفضل بن الحارث.
63 - الفضل بن شاذان النّيسابوري.
64 - قاسم بن هشام اللؤلؤي.
65 - مُحمّد بن إبراهيم بن مهزيار.
66 - مُحمّد بن أحمد بن مطهّر.
67 - مُحمّد بن أحمد بن نعيم، أبو عبد الله الشّاذاني النّيسابوري.
68 - مُحمّد بن أحمد الجعفري القُمّي.
69 - مُحمّد بن جعفر العمري.
70 - مُحمّد بن الرّبيع بن السّويد السّائي.
71 - مُحمّد بن أحمد بن جعفر القُمّي.
72 - مُحمّد بن بلال.
73 - مُحمّد بن الحسن الصّفّار.
74 - مُحمّد بن الحُسين بن أبي الخطّاب.
75 - مُحمّد بن زياد.
76 - مُحمّد بن صالح الأرمني.
77 - مُحمّد بن صالح بن مُحمّد الهمداني.
78 - مُحمّد بن صالح الخشعمي.
79 - مُحمّد بن عبد المجيد بن سالم، العطّار الكوفي.
80 - مُحمّد بن عليّ التّستري.
81 - مُحمّد بن عليّ الزّراع.
82 - مُحمّد بن عليّ القسري.
83 - مُحمّد بن عليّ الكاتب.
84 - مُحمّد بن موسى النّيسابوري.
85 - مُحمّد بن موسى بن فرات.
86 - مُحمّد بن يحيى بن زياد.
87 - مُحمّد بن يحيى المعاذي.
88 - مُحمّد بن يزداد.
89 - مُحمّد بن الرّيان بن الصّلت.
90 - مُحمّد بن أبي الصّهبان.
91 - مُحمّد بن عثمان العمري.
92 - مُحمّد بن عليّ بن بلال.
93 - مُحمّد بن عليّ بن محبوب الأشعري القُمّي.
94 - مُحمّد بن عيسي بن عبيد اليقطيني.
95 - هارون بن مُسلم بن سعدان.
96 - يحيى البصري.
97 - يعقوب بن إسحاق البرقي.
98 - يعقوب بن منقوش.
99 - يوسف بن السّخت.


كلمات في الإمام العسكري عليه السّلام
1- قال الإمام الهادي "عليه السّلام": أبو مُحمّد ابني، أصحّ آل مُحمّد "عليهم السّلام" غريزة، وأوثقهم حجّة، وهو الأكبر من ولدي، وهو الخلف، وإليه تنتهي عُرى الإمامة وأحكامنا ... .
2- قال البستاني: الحسن الخالص بن عليّ الهادي ... ذكروا له كثيراً من المناقب المعروفة في أهل هذا البيت الطّالبيين، وظهر عليه الفهم والحكمة منذ حداثته ... .
3- قال خير الدّين الزّركلي: الحسن بن عليّ الهادي بن مُحمّد الجواد، الهاشمي: أبو مُحمّد الإمام الحادي عشر عند الإماميّة ... بويع بالإمامة بعد وفاة أبيه، وكان على سنن سلفه الصّالح تقاً ونسكاً وعبادة ... .
4- قال العلاّمة السّيّد عبّاس بن نور الدّين المكّي: أبو مُحمّد الإمام الحسن العسكري: نسبه أشهر من القمر ليلة أربعة عشر، يُعرف هو وأبوه بالعسكري, وأمّا فضائله فلا يحصرها الألسن... .
5- راهب دير العاقول, وكان من كُبراء رجال النّصرانية وأعلمهم بها، لمّا سمع بكرامات الإمام "عليه السّلام" ورأى ما رآه، أسلم على يديه, وخلع لباس النّصرانية ولبس ثياباً بيضاء,
ولمّا سأله الطّبيب بختيشوع عمّا أزاله عن دينه، قال: وجدت المسيح أو نظيره فأسلمت على يده ـ يعني بذلك الإمام الحسن العسكري "عليه السّلام" ـ وقال: وهذا نظيره في آياته وبراهينه. ثمّ انصرف إلى الإمام ولزم خدمته إلى أن مات.
6 ـ قال مُحمّد بن طلحة الشّافعي, عن الإمام الحسن العسكري "عليه السّلام": فاعلم المنقبة العُليا, والمزيّة الكُبرى التي خصّه الله عزّ وجلّ بها, وقلّده فريدها, ومنحه تقليدها, وجعلها صفة دائمة, لا يبلي الدّهر جديدها, ولا تنسى الالسن تلاوتها وترديدها: أنّ المهدي مُحمّد نسله، المخلوق منه، وولده المنتسب إليه، وبضعته المُنفصلة عنه.
7- قال اليافعي: الشّريف العسكري، أبو مُحمّد الحسن بن عليّ بن مُحمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر الصّادق, أحد الأئمّة الإثني عشر على اعتقاد الإماميّة، وهو والد المنتظر ""عليه السّلام " ... .
8- قال أبو جعفر رشيد الدّين مُحمّد بن عليّ شهر آشوب السّروي: هو الحسن الهادي بن عليّ ... مذلّل الصّعاب، نقي الجيب، بريء من العيب، أمين على الغيب، معدن الوقار بلا شيب، خافض الطّرف, واسع الكف، كثير الحياء، كريم الوفاء، قليل الإفتاء، لطيف الغذاء، كثير التّبسّم، سريع التّحكّم، أبو الخلف, مُكنّى أبو مُحمّد ... .
9- قال النّسّابة ابن شدقم: كان الحسن العسكري إماماً هادياً، وسيّداً عالياً، ومولى زكياً.
10- قال ركن الدّين الحُسيني الموصلي: الإمام العسكري أبو مُحمّد ... مناقبه وفضائله وكراماته لا تُحصى ... ,وأنّ المنقبة العُليا التي خصّ الله بها وقلّده بها ... أنّ المهدي "عليه السّلام" هو ولده ... .
11- بختشوع الطّبيب, فهو ألمع شخصية طبّيّة في عصر الإمام "عليه السّلام", فهو طبيب الأسرة المالكة, وقد احتاج الإمام إلى طبيب يفصده, فطلب من بختشوع أن يرسل إليه بعض تلامذته ليقوم بذلك، فاستدعى بختشوع تلميذه بطريق، وأمره بالذّهاب لمُعالجة الإمام، وأدلى إليه بحديث أعرب فيه عن سمو منزلت الإمام, قائلاً:
طلب منّي ابن الرّضا من يفصده فصر إليه، وهو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السّماء، فاحذر أن لا تعترض عليه في ما يأمرك به ... .
12- أبو هاشم الجعفري اتصل بالإمامين العسكريين اتصالاً وثيقاً, وعرف واقعهما المشرّق الذي يمثّل هُدى الإسلام، ونظم الكثير من شعره الرّائع في مدحهم، ومما قاله في الإمام أبي مُحمّد "عليه السّلام" هذه الأبيات:
وأعطاه آيات الإمامة كلّها *** كموسى وفلق البحر واليد والعصا
وما قمص الله النّبيين حجّة *** ومعجزة إلا الوصيين قمصاً
وأن كنت مرتاباً بذاك فقصره*** من الأمر أن تتلو الدّليل وتفحصاً

13- أحمد بن عُبيد الله بن خاقان ـ من أبرز رجال الحُكم والسّياسة في عصر الإمام أبي مُحمّد "عليه السّلام"ـ, قال:
ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى رجلاً من العلويّة مثل الحسن بن عليّ بن مُحمّد بن الرّضا، ولا سمعت به في هديه وسكونه، وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسّلطان في جميع بني هاشم، وتقديمهم إيّاه على ذوي السّن منهم والخطر، وكذلك القوّاد والوزراء والكتّاب، وعوام النّاس ... .
14- عُبيد بن خاقان ـ من الشّخصيات السّياسية اللامعة في ذلك العصر ـ، قال:
ولو زالت الخلافة من خُلفاء بني العبّاس، ما استحقّها أحداً من بني هاشم غير هذا - يعني الحسن بن عليّ - فإنّ هذا يستحقّها في فضله، وعفافه، وهديه، وزهده، وعبادته، وجميل أخلاقه، وصلاحه ... .
15- الشّيخ المُفيد، قال: كان الإمام بعد أبي الحسن عليّ بن مُحمّد "عليهم السّلام" ابنه مُحمّد الحسن بن عليّ لاجتماع خلال الفضل فيه، وتقدّمه على كافّة أهل عصره فيما يوجب له الإمامة، ويقتضي له الرّياسة من العلم، والزّهد، وكمال العقل، والعصمة، والشّجاعة، والكرم، وكثرة الأعمال المقرّبة إلى الله عزّ وجلّ ... .
16- ابن الصّباغ عليّ بن مُحمّد المالكي, قال:
مناقب سيّدنا أبي مُحمّد الحسن العسكري دالة على أنّه السّري ابن السّري، فلا يشكّ في إمامته أحد ولا يمتري، واعلم أنّه إذا بيعت مكرمة فسواه بايعها والمشتري ... واحد زمانه من غير مدافع، ونسيج وحده من غير منازع، سيّد أهل عصره، وإمام أهل دهره، أقواله سديدة وأفعاله حميدة، وإذا كانت أفاضل أهل زمانه قصيدة فهو بيت القصيدة، وإن انتظموا عقداً كان مكان الواسطة الفريدة، فارس العلوم الذي لا يُجارى، ومبين غوامضها فلا يجادل، كاشف الحقائق بنظره الصّائب، مظهر الدّقائق بفكره الثّاقب، المحدث في سرّه بالأمور الخفيات، الكريم الأصل والنّفس والذات... .
17- العلاّمة ابن الجوزي, قال: إنّ المنقبة العُليا، والمزية التي خصّه الله بها - أي الإمام الحسن العسكري-، وقلّده فريدها، ومنحه تقليدها, وجعلها صفة دائمة لا يبلي الدّهر جديدها، ولا تنسى الألسنة تلاوتها وترديدها، إنّ المهدي مُحمّد "عليه السّلام" نسله المخلوق منه، وولده المنتسب إليه ... .
18- يوسف بن إسماعيل النّبهاني, قال: الحسن العسكري أحد الأئمّة ساداتنا آل البيت العظام، وساداتهم الكرام "رضي الله عنهم أجمعين"، ذكره الشّبراوي في "الإتحاف بحل الأشراف", ولكنّه اختصر ترجمته ولم يذكر له كرامات، وقد رأيت له كرامة بنفسي، وهو أنّي في سنة "1296هـ" سافرت إلى بغداد من بلدة " كوي سنجق" إحدى قواعد بلاد الأكرام، وكُنت قاضياً فيها, ففارقتها قبل أن أكمل المدّة المعيّنة؛ لشدّة ما وقع فيها من الغلاء والقحط، اللذين عَمّا بلاد العراق في تلك السّنة, فسافرت على الكلك ـ وهو ظروف يشدون بعضها إلى بعض، ويربطون فوقها الأخشاب، ويجلسون عليها ـ فلمّا وصل الكلك قبالة مدينة سامراء، وكانت مقر الخُلفاء العبّاسيين, فأحببنا أن نزور الإمام الحسن العسكري، وخرجنا لزيارته، فحينما دخلت على قبره الشّريف, حصلت لي روحانية لم يحصل لي مثلها قط ... وهذه كرامة له، ثمّ قرأت ما تيسّر من القُرآن، ودعوت بما تيسّر من الدّعوات وخرجت ... .
19- أثنى العلاّمة المحقّق عليّ بن عيسى الأربلي على الإمام أبي مُحمّد "عليه السّلام" ثناءاً عاطراً، وأدلى ببعض مزاياه ومكارم صفاته، وقال في جُملة كلامه ـ وبعضه مرّ معنا آنفاً عن ابن الصّبّاغ ـ .
الإمام الحسن: فارس العلوم الذي لا يُجارى، ومُبين غامضها فلا يُجادل ولا يُمارى، كاشف الحقائق بنظره الصّايب، مُظهر الدّقائق بفكره الثّاقب، المطّلع بتوفيق الله على أسرار الكائنات، المخبر بتوفيق الله عن الغائبات، المحدّث في سرّه بما مضى، وبما هو آت، المُلهم في خاطره بالأمور الخفيات، الكريم الأصل والنّفس والذّات، صاحب الدّلائل والآيات والمُعجزات، مالك أزمة الكشف والنّظر، مُفسّر الآيات، مقرّر الخبر، وارث السّادة الخير، ابن الأئمّة أبو المنتظر، فانظر إلى الفرع والأصل، وجدّد النّظر، واقع بأنّهما "عليهما السّلام" أضوأ من الشّمس وأبهى من القمر، وإذا تبيّن زكاء الأغصان تبيّن طيب الثّمر، فأخبارهم ونعوتهم "عليهم السّلام" عيون التّواريخ، وعنوان السّير.
شرف تتابع كابراً عن كابر *** كالرّمح أنبوباً على أنبوب
ووالله أقسم أنّ من عدّ مُحمّداً "صلّى الله عليه وآله" جدّاً، وعليّاً أباً، وفاطمة أُمّاً، والأئمّة آباء, والمهدي ولداً, لجدير أن يطول السّماء علاء وشرفاً والأملاك سلفاً وذاتاً وخلفاً، والذي ذكرته من صفاته دون مقداره، فكيف لي باستقصاء نعوته وأخباره، ولساني قصير، وطرف بلاغتي حسير، فلهذا يرجع عن شأنه وصفاته كليلاً، ويتضاءل لعجزه وقصوره ... .
20ـ العلاّمة الشّبراوي الشّافعي, قال: الحادي عشر من الأئمّة الحسن الخالص, ويُلقب أيضاً بالعسكري ..., ويكفيه شرفاً أنّ الإمام المهدي المنتظر من أولاده، فللّه درّ هذا البيت الشّريف, والنّسب الخضم المنيف, وناهيك به من فخار, وحسبك فيه من علو مقدار ..., فيا له من بيت عالي الرّتبة سامي المحلّة، فلقد طاول السّما كعلاً ونبلاً، وسما على الفرقدين منزلة ومحملاً, واستغرق صفات الكمال، فلا يستثنى فيه بغير ولا بإلاّ، انتظم في المجد هؤلاء الأئمّة انتظام اللآلي, وتناسقوا في الشّرف فاستوى الأوّل والتّالي، وكم اجتهد قوم في خفض منارهم والله يرفعه ... .


شهادة الإمام العسكري عليه السّلام
كان من الثّابت لدى خُلفاء بني العبّاس إنّ عدد أئمّة أهل البيت "عليهم السّلام" اثنا عشر إماماً, وأنّ الثّاني عشر منهم سوف يظهر بعد غيبته ويطوي سجلّ الظّالمين, ويقضي على حكومات الباطل, ويملأ العالم بالقسط والعدل, وذلك من خلال الأحاديث والرّوايات الواردة عن الرّسول الأعظم "صلّى الله عليه وآله".
والعلم بهذا الموضوع جعلهم يُراقبون الإمام العسكري بشدّة، ويحبّون كثيراً أن لا يولد للإمام مولود، وجميع شؤون الإمام كانت مراقبة بطرق مختلفة, وحتّى أنّهم سجنوا الإمام عدّة مرّات، وأخيراً ولمّا رأى المُعتمد العبّاسيّ أنّ اهتمام النّاس وإقبالهم على الإمام يزداد يوماً بعد يوم, وأنّ السّجن والاضطهاد والرّقابة قد أدّت إلى ما هوالعكس, اتّخذ قراراً بتصفيته جسدياً, وبالفعل دسّ السّم إلى الإمام خُفيةً واستشهد "عليه السّلام" في الثّامن من ربيع الأوّل سنة 260 هجرية.
ومن خلال دراسة الأخبار الواصلة إلينا عن المدّة القصيرة من إمامة الإمام العسكري "عليه السّلام" تقودنا إلى الاعتقاد بأنّ السّلطة العبّاسية كانت مُنذ زمن المعتزّ بصدد الفتك بالإمام قبل أن يولد له ولد، ذلك؛ لأنّها تعتقد أنّ المولود له هو المهدي الموعود خاتم أئمّة الحقّ الاثني عشر, حيث روى أحمد بن مُحمّد بن عبدالله، قال: خرج عن أبي مُحمّد "عليه السّلام" حين قُتل الزّبيري: هذا جزاء من اجترا على الله في أوليائه، يزعم أنّه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأى قدرة الله فيه ؟ وولد له ولد سمّاه مُحمّداً.
وهدّد المُهتدي العبّاسي الإمام "عليه السّلام" بالقتل قائلاً: والله, لاجلينّهم عن جديد الأرض. غير أنّه قُتل قبل تنفيذ هذا الغرض.
وتعرّض الإمام العسكري "عليه السّلام" في زمان المُعتمد لشتّى أنواع التحدّيات والضّغوط، وحاول قتل الإمام "عليه السّلام" على الرّغم من حدوث الولادة في زمان المُعتمد؛ لأنّ الدّولة على المُستوى الرّسمي لم تكُن مطّلعة عليها؛ بسبب اجراءات الإمام "عليه السّلام" القائمة على أساس الكتمان والسّريّة في هذا الأمر، وأبى الله سُبحانه إلاّ أن يُتمّ نوره، فاخفى وليّه الذي ينتظره العالم كلّه؛ ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظُلماً و جوراً.
عن سعد بن عبدالله، قال: حدّثني موسي بن جعفر بن وهب البغدادي، أنّه خرج من أبي مُحمّد "عليه السّلام" توقيع: زعموا أنّهم يُريدون قتلي؛ ليقطعوا هذا النّسل، وقد كذّب الله عزّ وجلّ قولهم والحمدالله.
قال أمين الاسلام الطّبرسي: ذهب كثير من اصحابنا إلى أنّه "عليه السّلام" مضى مسموماً، وكذلك أبوه وجدّه وجميع الأئمّة "عليهم السّلام" خرجوا من الدّنيا بالشّهادة، واستدلّوا على ذلك بما روي عن الصّادق "عليه السّلام" من قوله: مامنّا إلاّ مقتول شهيد. والله اعلم بحقيقة ذلك.
بناء على ذلك فإنّ جميع الأئمّة "عليهم السّلام" خرجوا من الدُنيا بالقتل، وليس فيهم من يموت حتف أنفه، وقاتلهم دائماً هو الحاكم الذي يحذر نشاطهم ويتوجّس منهم خيفة؛ لأنّهم يمثّلون جبهة المعارضة ضد الانحراف الذي يمثّله الحاكم.


الصّلاة على جثمان الإمام العسكري عليه السّلام
عن أحد أقطاب السّلطة ورد حديث طويل يبيّن موقف السّلطة قبل شهادة الإمام "عليه السّلام" وبعدها، ويستعرض موقف جعفر بن عليّ ـ أخي الإمام "عليه السّلام" ـ الذي كان يتربّص الفرصة لاحتلال موقع الإمامة كذباً وبُهتاناً على الله سُبحانه، والحديث بمجموعه يشير إلى تأكيد تُهمة السّلطة بدم الإمام العسكري "عليه السّلام".
قال أحمد بن عبيدالله بن خاقان: والله, لقد ورد على السّلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن عليّ "عليه السّلام" ماتعجبت منه، وما ظننت أنّه يكون، وذلك أنّه لمّا اعتلّ بعث إلى أبي أن ابن الرّضا قد اعتلّ، فركب من ساعته مبادراً إلى دار الخلافة، ثمّ رجع مستعجلاً ومعه خمسة نفر من خدّام أمير المؤمنين كلّهم من ثقاته وخاصّته، فمنهم نحرير، وأمرهم بلزوم دار الحسن بن عليّ "عليه السّلام" وتعرّف خبره وحاله، وبعث إلى نفر من المتطببين فأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده صباحاً ومساء، فلمّا كان بعد ذلك بيومين, جاءه من أخبره أنّه قد ضعف، فركب حتى بكر إليه، ثمّ أمر المتطببين بلزومه، وبعث إلى القُضاء فأحضرهم مجلسه، وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممّن يوثق به في دينه وأمانته وورعه، فأحضرهم, فبعث بهم إلى دار الحسن "عليه السّلام" وأمرهم بلزوم داره ليلاً ونهاراً، فلم يزالوا هُناك حتى توفّي "عليه السّلام" لأيّام مضت من شهر ربيع الأوّل من سنة ستين ومئتين، فصارت سر من رأى ضجّة واحدة: مات ابن الرّضا.
وبعث السّلطان إلى داره من يفتّشها ويفتّش حجرها، وختم على جميع ما فيها، وطلبوا أثر ولده، وجاءوا بنساء يعرفن بالحمل، فدخلن على جواريه فنظرن إليهن، فذكر بعضهن إنّ هُناك جارية بها حمل، فأمر بها فجُعلت في حجرة، ووكّل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم، ثمّ أخذوا بعد ذلك في تهيئته، وعطّلت الأسواق، وركب أبي وبنوهاشم والقوّاد والكتّاب وسائر النّاس إلى جنازته "عليه السّلام"، فكانت سر من رأي يومئذٍ شبيهاً بالقيامة.
فلمّا وضعت الجنازة للصلاة, دنا أبوعيسى منها، فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلويّة والعبّاسية والقوّاد والكتّاب والقُضاة والفُقهاء والمعدلين، وقال: هذا الحسن بن عليّ بن مُحمّد بن الرّضا، مات حتف أنفه على فراشه، حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان، ومن المتطببين فلان وفلان، ومن القُضاة فلان وفلان، ثمّ غطّى وجهه وقام فصلّي عليه وكبّر عليه خمساً، وأمر بحمله, فحُمل من وسط داره، ودُفن في البيت الذي دُفن فيه أبوه "عليه السّلام".
فلمّا دُفن وتفرّق النّاس, اضطرب السّلطان وأصحابه في طلب ولده، وكثر التّفتيش في المنازل والدّور، وتوقفوا على قسمة ميراثه، ولم يزل الذين وكّلوا بحفظ الجارية التي توهّموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين وأكثر حتى تبيّن بطلان الحبل، فقسّم ميراثه بين أُمّه وأخيه جعفر، وادعت أُمّه وصيته، وثبت ذلك عند القاضي والسّلطان على ذلك يطلب أثر ولده ... .
وممّا نقلناه يدلّ على أنّ المُعتمد لم يكن بريئاً من دم الإمام، ولذلك كان الخليفة خائفاً من انكشافف قضيّة دسّ السّم للإمام وقتله وأنّه كان يعدّ الأرضيّة من قبل ليصّور شهادة الإمام بصورة أنّها موت طبيعي.
وهُناك صلاة اُخري قام بها جعفر بن عليّ أخو الإمام العسكري "عليه السّلام".
فقد روي عن أحد خدم الإمام العسكري "عليه السّلام" أنّه قال ـ في حديث طويل ـ يصف فيه تلك الصّلاة: فلمّا همّ "جعفر" بالتكبير, خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، باسنانه تفليج، فجبذ برداء جعفر بن عليّ، وقال: تأخّر ياعم، فأنا أحقّ بالصّلاةِ على أبي. فتأخّر جعفر وقد اربد وجهه واصفرّ.
وهُناك حديث آخر يصف لنا صلاة الإمام المهدي "عليه السّلام" على أبيه لم يرد فيه ذكر عمّه جعفر، رواه الشّيخ الطّوسي عن أحمد بن عبدالله الهاشمي ـ من ولد العبّاس ـ، قال: حضرت دار أبي مُحمّد الحسن بن عليّ "عليه السّلام" بسر من راى يوم توفي، واُخرجت جنازته ووضعت، ونحن تسعة وثلاثون رجلاً قعود ننتظر حتى خرج إلينا غلام عشاري حاف عليه رداء قد تقنّع به، فلمّا أن خرج قمنا هيبة له من غير أن نعرفه، فتقدّم وقام النّاس فاصطفّوا خلفه فصلّى، ومشى فدخل بيتاً غير الذي خرج منه.


فضل زيارة الإمام العسكري عليه السّلام
1 - عن الحُسين بن روح، قال: قال أبو الحسن "عليه السّلام": قبري بسر من رأى أمان لاهن الخافقين.
2 - عن أبي هاشم الجعفري، قال: قال لي أبو مُحمّد الحسن بن عليّ "عليه السّلام": قبري بسر من رأى أمان لأهل الجانبين.
3 - عن المنصوري، عن عمّ أبيه, قال: قُلت للإمام عليّ بن مُحمّد "عليهما السّلام": علّمني يا سيّدي دعاء أتقرّب إلى الله عزّ وجلّ به. فقال لي: هذا دعاء كثيراً ما أدعو به, وقد سألت الله عزّ وجلّ أن لا يخيب من دعا به في مشهدي, وهو: يا عدّتي عند العدد, ويا رجائي والمُعتمد، ويا كهفي والسّند, ويا واحد يا أحد, ويا قُل هو الله أحد، أسألك اللّهمّ بحقّ من خلقته من خلقك، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحداً، صلّي على جماعتهم وافعل بي كذا وكذا.


زياراة الإمام العسكري عليه السّلام
بعد غُسل الزّيارة تقف عَلَى الضريح وتقول:
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا أَبَا مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنَ عَلِيٍّ الْهادِي الْمُهْتَدِيَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ وَابْنَ أَوْلِيائِهِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ وَابْنَ حُجَجِهِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا صَفِيَّ اللهِ وَابْنَ أَصْفِيآئِهِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خَلِيفَةَ اللهِ وَابْنَ خُلَفائِهِ وَأَبا خَلِيفَتِهِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بْنَ خاتَمِ النَّبِيِّينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بْنَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بْنَ الأَئِمَّةِ الْهادِينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ الأَوْصِياءِ الرّاشِدِينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عِصْمَةَ الْمُتَّقِينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا إِمامَ الْفائِزِينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا رُكْنَ الْمُؤْمِنِينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا فَرَجَ الْمَلْهُوفِينَ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ الأَنْبِياءِ الْمُنْتَجَبِينَ,
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خازِنَ عِلْمِ وَصِيِّ رَسُولِ اللهِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الدَّاعِي بِحُكْمِ اللهِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النّاطِقُ بِكِتابِ اللهِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ الْحُجَجِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا هَادِيَ الأُمَمِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ النِّعَمِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عَيْبَةَ الْعِلْمِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا سَفِينَةَ الْحِلْمِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبَا الإِمامِ الْمُنْتَظَرِ, الظّاهِرَةِ لِلْعاقِلِ حُجَّتُهُ, وَالثّابِتَةِ فِي الْيَقِينِ مَعْرَفَتُهُ, الْمُحْتَجَبِ عَنْ أَعْيُنِ الظّالِمِينَ, وَالْمُغَيَّبِ عَنْ دَوْلَةِ الْفاسِقِينَ, وَالْمُعِيد رَبُّنا بِهِ الإِسْلامَ جَدِيداً بَعْدَ اْلاِنْطِماسِ, وَالْقُرْآنَ غَضّاً بَعْدَ اْلاِنْدِراسِ.
أَشْهَدُ يا مَوْلايَ, أَنَّكَ أَقَمْتَ الصَّلاةَ وَآتَيْتَ الزَّكاةَ وَأَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ, وَدَعَوْتَ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ, وَعَبَدْتَ اللهَ مُخْلِصاً حَتّى أَتيكَ الْيَقِينُ.
أَسْأَلُ اللهَ بِالشَّأْنِ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَهُ, أَنْ يَتَقَبَّلَ زِيارَتِي لَكُمْ, وَيَشْكُرَ سَعْيِي إِلَيْكُمْ, وَيَسْتَجِيبَ دُعائِي بِكُمْ, وَيَجْعَلَنِي مِنْ أَنْصارِ الْحَقِّ وَأَتْبَاعِهِ وَأَشْياعِهِ وَمَوالِيهِ وَمُحِبّيهِ, وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.
ثمّ قبّل الضّريح وضع خدّك الأيمن عَلَيْهِ ثمّ الأيسر وقُل:
اَلّلهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ, وَصَلِّ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْهادِي إِلَى دِينِكَ وَالدّاعِي إِلَى سَبيلِكَ, الْهُدى وَمنارِ التُّقى وَمَعْدِنِ الْحِجى, وَمَأْوَى النُّهى وَغَيْثِ الْوَرى, وَسَحابِ الْحِكْمَةِ وَبَحْرِ الْمَوْعِظَةِ, وَوارِثِ الأَئِمَّةِ وَالشَّهِيدِ عَلَى الأُمَّةِ, الْمَعْصُومِ الْمُهَذَّبِ وَالْفاضِلِ الْمُقَرَّبِ, وَالْمُطَهَّرِ مِنَ الرِّجْسِ, الَّذِي وَرَّثْتَهُ عِلْمَ الْكِتابِ, وَأَلْهَمْتَهُ فَصْلَ الْخِطابِ, وَنَصَبْتَهُ عَلَماً لأَهْلِ قِبْلَتِكَ, وَقَرَنْتَ طاعَتَهُ بِطاعَتِكَ, وَفَرَضْتَ مَوَدَّتَهُ عَلَى جَميعِ خَلِيقَتِكَ.
اَلّلهُمَّ فَكَما أَنابَ بِحُسْنِ الإِخْلاصِ فِي تَوْحِيدِكَ, وَأَرْدى مَنْ خاضَ فِي تَشْبيهِكَ, وَحامَى عَنْ أَهْلِ الإِيمانِ بِكَ, فَصَلِّ يا رَبِّ عَلَيْهِ صَلاةً يَلْحَقُ بِها مَحَلَّ الْخاشِعِينَ, وَيَعْلُو فِي الْجَنَّةَ بِدَرَجَةِ جَدِّهِ خاتِمَ النَّبِيِّينَ, وَبَلِّغْهُ مِنَّا تَحِيَّةً وَسَلاماً, وَآتِنا مِنْ لَدُنْكَ فِي مُوالاتِهِ فَضْلاً وَإِحْساناً وَمَغْفِرَةً وَرِضْواناً, إِنَّكَ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ وَمنٍّ جَسِيمٍ.
ثمّ تصلّي صلاة الزّيارة فإذا فرغت فقُل:
يا دائِمُ يا دَيْمُومُ, يا حَيٌّ يا قَيُّومُ, يا كاشِفَ الْكَرْبِ وَالْهَمِّ, وَيا فارِجَ الْغَمِّ, وَيا باعِثَ الرُّسُلِ, وَيا صادِقَ الْوَعْدِ, وَيا حَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ, أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِحَبِيبِكَ مُحَمَّد, وَوَصِيِّهِ عَلِيٍّ ابْنِ عَمِّهِ وَصِهْرِهِ عَلَى ابْنَتِهِ, الَّذِي خَتَمْتَ بِهِمَا الشَّرائِعَ, وَفَتَحْتَ بِهِمَا التَّأويلَ وَالطَّلائِعَ, فَصَلِّ عَلَيْهِمَا صَلاةً يَشْهَدُ بِهَا الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ, وَيَنْجُو بِهَا الأَوْلِياءِ وَالصّالِحُونَ, وَأَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفاطِمَةَ الزَّهْراءِ والِدَةِ الأَئِمَّةِ الْمَهْدِيّينَ, وَسَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ, الْمُشَفَّعَة فِي شِيعَةِ أَوْلادِهَا الطَّيِّبِينَ, فَصَلِّ عَلَيْهِمَا صَلاةً دائِمَةً أَبَدَ اْلآبِدينَ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ, وَأَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِالْحَسَنِ الرَّضِيِّ الطَّاهِرِ الزَّكِيّ, وَالْحُسَيْنِ الْمَظْلُومِ الْمَرْضِيِّ الْبَرِّ التَّقِيّ, سَيِّدَيْ شَبابِ أَهْلِ الْجَنَّةَ, الإِمامَيْنِ الْخَيِّرَيْنِ الطَّيِّبَيْنِ التَّقِيَّيْنِ النَّقِيَّيْنِ, الطَّاهِرينَ الشَّهِيدَيْنِ الْمَظْلُومِيْنَ الْمَقْتُولَيْنِ, فَصَلِّ عَلَيْهِمَا ما طَلَعَتْ شَمْسٌ وَما غَرَبَتْ, صَلاةً مُتَوالِيَةً مُتَتالِيَةً, وَأَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَلِيّ بْنَ الْحُسَيْنِ سَيِّدِ العابِدِينَ, الْمَحْجُوبِ مِنْ خَوْفِ الظّالِمِينَ, وَبِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْباقِرِ الطَّاهِرِ النُّورِ الزّاهِرِ, اْلإِمامَيْنِ السَّيِّدَيْنِ, مَفْتاحَي الْبَرَكاتِ وَمِصْباحَي الظُّلُماتِ, فَصَلِّ عَلَيْهِمَا ما سَرى لَيْلٌ وَما أَضاءَ نَهارٌ, صَلاةً تَغْدُو وَتَرُوحُ, وَأَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصّادِق عَن اللهِ وَالنّاطِق فِي عِلْمِ اللهِ, وَبِمُوسى بْنَ جَعْفَرٍ الْعَبْدِ الصّالِحِ فِي نَفْسِهِ وَالْوَصِيِّ النّاصِحِ, الإِمامَيْن الْهادِيَيْن الْمَهْدِيَّيْن الْوافِيَيْن الْكافِيَيْن, فَصَلِّ عَلَيْهِمَا ما سَبَّحَ لَكَ مَلَكٌ وَتَحَرَّكَ لَكَ فَلَكٌ, صَلاةً تُنْمى وَتَزِيدُ وَلا تَفْنى وَلا تَبيدُ, وَأَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَلِيٍّ بْنِ مُوسَى الرِّضا, وَبِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى, الإِمامَيْنِ الْمُطَهَّرَيْنِ الْمُنْتَجَبَيْنِ, فَصَلِّ عَلَيْهِمَا ما أَضاءَ صُبْحٌ وَدامَ, صلاةً تُرَقْيهِما إِلَى رِضْوانِكَ فِي الْعِلِيّينَ مِنْ جِنانِكَ, وَأَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَلِيّ بْنِ مُحَمَّدٍ الرّاشِدِ, وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْهادِي, الْقائِمِيْنَ بِأَمْرِ عبادِكَ, الْمُخْتَبَرَيْن بِالْمِحَنِ الْهائِلَةِ, وَالصّابِرَيْن فِي اْلإِحَنِ الْمائِلَةِ, فَصَلِّ عَلَيْهِمَا كِفآءَ أَجْرِ الصّابِرِينَ, وَإِزآءَ ثَوابَ الْفائِزينَ, صَلاةً تُمَهِّدُ لَهُمَا الرِّفْعَةَ, وَأَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ يا رَبِّ بِإِمامِنا, وَمُحَقِّق زَمانِنَا, الْيَوْم الْمَوْعُود وَالشّاهِد الْمَشْهُود, وَالنُّور اْلأَزْهَر وَالضِّيآء اْلأَنْوَر, الْمَنْصُور بِالرُّعْبِ وَالْمُظَفَّر بِالسَّعادَةِ, فَصَلِّ عَلَيْهِ عَدَدَ الثَّمَر وَأَوْراق الشَّجَر, وَأَجْزاء الْمَدَر وَعَدَدَ الشَّعْر وَالْوَبَر, وَعَدَدَ ما أَحاطَ بِهِ عِلْمُكَ وَأَحْصاهُ كِتابُكَ, صَلاةً يَغْبِطُهُ بِهَا اْلأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ, اَلّلهُمَّ وَاحْشُرْنا فِي زُمْرَتِهِ, وَاحْفَظْنا عَلَى طاعَتِهِ, وَاحْرُسْنا بِدَوْلَتِهِ, وَاِتْحِفْنا بِوِلايَتِهِ, وَانْصُرْنا عَلَى أَعْدائِنا بِعِزَّتِهِ, وَاجْعَلْنا يا رَبِّ مِنَ التَّوّابِينَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ, اَلّلهُمَّ وَإِنَّ إِبْلِيسَ الْمُتَمَرِّدِ الْلَّعِينَ, قَدِ اسْتَنْظَرَكَ لإِغْواءِ خَلْقِكَ فَأَنْظَرْتَهُ, وَاسْتَمْهَلَكَ لإِضْلالِ عَبيدِكَ فَأَمْهَلْتَهُ بِسابِقِ عِلْمِكَ فِيهِ, وَقَدْ عَشَّشَ وَكَثُرَتْ جُنُودُهُ وَازْدَحَمَتْ جُيُوشُهُ, وَانْتَشَرَتْ دُعاتُهُ فِي أَقْطارِ الأَرْضِ, فَأَضَلُّوا عِبادَكَ وَأَفْسَدُوا دِينَكَ, وَحَرَّفُوا الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ, وَجَعَلُوا عِبادَكَ شِيَعاً مُتَفَرِّقينَ, وَأَحْزاباً مُتَمَرِّدِينَ, وَقَدْ وَعَدْتَ نَقْضَ بُنْيانِهِ وَتَمْزيقَ شَأنِهِ, فَأَهْلِكْ أَوْلادَهُ وَجُيُوشَهُ, وَطَهِّرْ بِلادَكَ مِنِ اخْتِراعاتِهِ وَاخْتِلافاتِهِ, وَأَرِحْ عِبادَكَ مِنْ مَذاهِبِهِ وَقِياساتِهِ, وَاجْعلْ دائِرَةَ السَّوْئِ عَلَيْهِمْ, وَابْسُطْ عَدْلَكَ وَأَظْهِرْ دِينَكَ, وَقَوِّ أَوْلِيائَكَ وَأَوْهِنْ أَعْداءَكَ, وَأَوْرِثْ دِيارَ إِبْليسَ وَدِيارَ أَوْلِيائه أَوْليائَكَ, وَخَلِّدْهُمْ فِي الْجَحِيم, وَأَذِقْهُمْ مِنَ الْعَذابِ اْلأَلِيمِ, وَاجْعَلْ لَعائِنَكَ الْمُسْتَوْدَعَةَ فِي مَناحِسِ الْخِلْقَةِ وَمَشاوي الْفِطْرَةِ, دائرَةً عَلَيْهِمْ وَمَوَكَّلَةً بِهِمْ, وَجارِيَةً فِيهمْ كُلَّ صَباحٍ وَمَسَاءٍ وَغُدُوٍّ وَرَواحٍ, رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً, وَقِنا بِرَحْمَتِكَ عَذّابَ النَّارِ, يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.


الزيارة المشتركة للإمامَين العسكريين (المختصرة)
اَلسَّلامُ عَلَيْكُما يا وَلِيَّيِ اللهِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكُما يا حُجَّتَي اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكُما يا نُورَي اللهِ فِي ظُلُماتِ الأَرْضِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكُما يا مَنْ بَدا لِلَّهِ فِي شَأْنِكُما أَتَيْتُكُما زائِراً عارِفاً بِحَقِّكُما مُعادِياً لأَعْدائِكُما مُوالِياً لأَوْلِيائِكُما مُؤْمِناً بِما آمَنْتُما بِهِ كَفَرْتُما بِهِ مَحَقِّقاً لِما حَقَّقْتُما مُبْطِلاً لِما أَبْطَلْتُما, أَسْأَلُ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُما أَنْ يَجْعَلَ حَظِّي مِنْ زِيارَتِكُما الصَّلاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَنْ يَرْزُقَنِي مُرافَقَتَكُما فِي الْجِنانِ مَعَ آبائِكُمَا الصّالِحِينَ, وأَسْأَلُهُ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَتِي مِنَ النّارِ وَيَرْزُقَنِي شَفاعَتَكُما وَمُصاحَبَتَكُما وَيُعَرِّفَ بَيْنِي وَبَينَكُما وَلا يَسْلُبَنِي حُبّكُما وَحُبَّ آبائِكُما الصّالِحينَ, وَأَنْ لا يَجْعَلَهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتَكُما وَيَحْشُرَنِي مَعَكُما فِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ, اَلّلهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّهُما وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِهِما, اَلّلهُمَّ الْعَنْ ظالِمِي آلِ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ وَانْتَقِمْ مِنْهُمْ, اَلّلهُمَّ الْعَنْ الأَوَّلِينَ مِنْهُمْ وَالآخِرِينَ وَضاعِفْ عَلَيْهِمُ الْعَذابَ وَابْلُغْ بِهِمْ وَبِأَشْياعِهِمْ وَمُحِبِّيهِمْ وَمُتَّبِعِيهِمْ أَسْفَلَ دَرَكٍ مِنَ الْجَحِيمِ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ, اَلّلهُمَّ عَجِّل فَرَجَ وَلِيِّكَ وَابْنِ وَلِيِّكَ وَاجْعَلْ فَرَجَنا يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.


   

 

نسبها الطاهر
قال تعإلى: (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين* ذرية بعضها من بعض والله سميع ‏عليم‎). ‎
زينب بنت عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن ‏غالب بن فهر بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ... ابن اسماعيل ‏بن ابراهيم خليل الرحمن (عليهم السّلام‎) .‎
ورثة المجد والعلو والكمال والرفعة كابر عن كابر. فالقلم يقف عاجزاً والبيان قاصراُ عن الدرك والإحاطة بنسب هذه ‏الصديقة الطاهرة والذي تتقاصر دونه الأنساب مهما علت وشمخت. كيف لا وهي من مختارات الله سبحانه وتعإلى؟ ‏قال تعإلى: (وربّك يخلق ما يشاء ويختار وماكان لهم الخيرة) وقال الله تعإلى في آية آخرى: (وما كان لمؤمن ولا ‏مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً ان يكون لهم الخيرة في أمرهم‎).‎

وبلا أدني شك ولا ريب أنّ محمّداً وآل محمّد صلوات الله عليهم ممن أختارهم وأختصّهم وأصطفاهم الله تعإلى لنفسه ‏من جميع الخلائق. قال تعإلى: (إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين‎).‎
أورد العلامة الطبرسي في تفسير هذه الآية قال: الاصطفاء والاختيار والاجتباء نظائر، وهو افتعل من الصفوة وهذا ‏من أحسن البيان الذي يمثل به المعلوم المرئي، وذلك أنّ الصافي هوالنقيّ من شائب الكدر فيما شاهد. فمثّل الله تعإلى ‏خلوص هؤلاء القوم من الفساد كخلوص الصافي من شائب الأدناس . ثم قال ـ بعد أن ذكر بعض الاقوال في الآية: ‏وفي قراءة أهل البيت: وآل محمّد (عليهم السلام) على العالمين. وقالوا أيضاً: إنّ آل ابراهيم هم آل محمّد (عليهم ‏السلام) الذين هم أهله، ويجب أن يكون الذين اصطفاهم الله تعإلى مطهرين معصومين، منزهين عن القبائح؛ لأنّه ‏تعإلى لا يختار ولا يصطفي إلا من كان كذلك، ويكون ظاهره مثل باطنه في الطهارة والعصمة‏‎.‎
فعلى هذا يختصّ الإصطفاء بمن كان معصوماً من آل ابراهيم وآل عمران، سواء كان نبياً أو إماماً. ويقال الاصطفاء ‏على وجهين: أحدهما: إنه اصطفاه لنفسه أي: جعله خالصاً له، يختص به. والثاني: إنه اصطفاه على غيره أي: أختصّه ‏بالتفضيل على غيره، وعلى هذا الوجه معنى الآية. فإن قيل: كيف اختصهم الله بالتفضيل قبل العمل؟ فالجواب: إنه إذا ‏كان المعلوم ان صلاح المكلفين لا يتم الا بهم، فلابد من تقديم البشارة بهم، والإخبار بما يكون من حسن شمائلهم ‏وأفعالهم، والتشويق إليهم، كما يكون من جلالة أقدارهم، وزكاء خلالهم، ليكون ذلك داعياً للناس إلى القبول منهم، ‏والأنقياد لهم‎.‎

محمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم هم ممن أختارهم وأصطفاهم الله سبحانه على الخلق
ورد في الحديث الشريف عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أنه قال لفاطمة: يا فاطمة، أما تعلمين أن الله ‏تعإلى إطّلع إطلاعه من سمائه إلى أرضه فإختار منها أباك فاتخذه صفياً، وابتعثه برسالته، وأئتمنه على وحيه؟ ‏يافاطمة! أما تعلمين أن الله إطلع إطلاعه من سمائه إلى أرضه فإختار منها بعلك، وأمرني أن أزوجكه وأن أتّخذه ‏وصي‎.‎
وعن عائشة، قالت: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : قال جبرئيل (عليه السلام): لما قلّبت الأرض مشارقها ‏ومغاربها فلم أجد أفضل من محمّد (صلّى الله عليه وآله) وقلّبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد بني اب أفضل من ‏بني هاشم‎.‎
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنّة أنا وحمزة ‏وعلي وجعفر بن أبي طالب والحسن والحسين والمهدي‎.‎
وعن ابن عمر قال: إنّا لقعود بفناء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، إذا مرت به امرأة، فقال بعض القوم: هذه بنت ‏رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال أبو سفيان: مثل محمّد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن. فانطلقت ‏المرأة فأخبرت النبي (صلّى الله عليه وآله) ، فجاء (صلّى الله عليه وآله) يعرف في وجهه الغضب فقال: ما بال اقوام ‏تبلغني عن أقوام، إن الله عزّ وجلّ خلق السموات سبعاً، فإختار العُلى منها، فأسكنها من شاء من خلقه، ثم خلق الخلق، ‏فإختار من الخلق بني آدم، وأختار من بني آدم العرب وأختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشاً، واختار من ‏قريش بني هاشم واختارني من بني هاشم‎.‎
وعن أبي هريرة، عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً، حتى ‏بعثت من القرن الذي كنت فيه‎.‎
وأخرج البيهقي في الدلائل قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : إنّ الله عزّ وجلّ يوم خلق الخلق جعلني في ‏خيرهم، ثم حين فرّقهم جعلني في خير الفريقين، ثمّ حين جعل القبائل جعلني في خير قبيلة، ثم حين جعل البيوت ‏جعلني في خير بيت، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيت‎.‎
وأجاد من قال‎:‎
تنقل أحمد نوراً عظيماً ** تقلب فيهم قرناً فقرناً
تلألأ في جباه الساجدينا ** إلى أن جاء خير المرسلين

ولد فاطمة (عليها السّلام) هم ولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله‎)
إذن، فجميع الخصائص والسجايا الكريمة التي يحملها رسول الله، سيد الكائنات، واشرف المخلوقات، محمّد بن عبد ‏الله (صلّى الله عليه وآله) انتقلت بلا واسطة إلى زينب صلوات الله عليها . ولاعجب في هذه المسألة ولا غلّو فإنها ‏عليها السلام ابنته حقيقة‎.‎
قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : كل بني ام ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة فأني أنا أبوهم وأنا عصبتهم‎. ‎
قال الشيخ محمّد بن عليّ الصبان في اسعاف الراغبين: هذه خصوصية لأولاد فاطمة (عليها السّلام) فقط دون أولاد ‏بقية بناته (صلّى الله عليه وآله) أنه أب لهم، وأنهم بنوه كما يطلق ذلك على أولاد فاطمة (عليها السّلام) فلا يُطلق ‏عليهم أنهم من ذريته ونسله وعقبه‎.‎
وأورد أبن الصباغ المالكي في الفصول المهمة، قال: ولبني فاطمة على إخوتهم من بني عليّ شرف، إذا عدت مراتب ‏أهل الشرف، ومكانه حصلوا منها في الرأس، وأخوتهم في الطرف، وجلالة أدرعوا برودها، ودرة كرم إرتضعوا ‏زودها، ومجد بلغ السماء ذات الروج، ومحل علاًٌَُ توطدوه فلم يطمع غيرهم في الارتقاء إليه ولا العروج، إذ هم ‏شاركوا بني أبيهم في شرف الآباء وإنفردوا بشرف الامهات، وقد أوضح الله تعإلى ذلك بقوله: (ورفع بعضكم فوق ‏بعض درجات) فجمعوا بين مجدين: تالد وطريف، وضمّوا إلى علامة تعريفهم علامة تشريف، وعدّوا النبي (صلّى ‏الله عليه وآله) أباً وجداً، وارتدوا من نسب أبيهم بُرداً، ومن قبل أمهم بُرداً، فاصبح كل منهم معلم الطرفين، ظاهر ‏الشرفين، برد أبويهم الشريفين كانا لذويهما ظريفين. وقال (صلّى الله عليه وآله) : أن الله عزّ وجلّ جعل ذرية كل نبي ‏في صلبه وأن الله تعإلى جعل ذريتي في صلب علي‎. ‎

لا يقاس بمحمّد وآل محمّد (صلّى الله عليه وآله) أحد
إذن أبناء عليّ (عليه السلام) من فاطمة (عليها السّلام) هم أبناء النبي (صلّى الله عليه وآله) حقيقة لا مجازاً. فهل ‏يحق بعد هذا لأحد يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر ان يقايس بنسب محمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم مهما علا ‏وسما؟! عن أنس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحدً. فإذا وجدت من يقايس بهم ‏فشك في دينه وعقله، بل أجزم بكفره. قال الدميري: محمّد خير جميع الخلق دعوة إبراهيم الخليل الطيب الأصول ‏والفروع أباؤه قد طهرت أنساباً من أبى أو شك في هذا كفر جاء من الحق لنا بالحق بشارة المسيح في التنزيل الطاهر ‏المجتهد الينبوع وشرف من الورى أحسابا وذنبه فيما جناه ما اغتفرً هذه مقتطفات قصيرة اقتطفناها من الأريج الفواح ‏لسيرة سيد الكائنات محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) وهو جد الصديقة الكبرى زينب (عليها السّلام) وهذا ‏النسب السامي لايوفقه، بل لا يجاريه ولا يقاس به نسب ولا مزيد عليه‎. ‎

مؤمن قريش جدها لأبيها (عليهم السلام‎)
أما جدها لأبيها فهو مؤمن قريش، وشيخ البطحاء، وحامي رسالة سيد الأنام ، أبو طالب (عليه السلام): وإسمه عبد ‏مناف. ويكفيه فخراً أنه(عليه السلام) المدافع والمحامي للإسلام في بداية دعوة سيد الأنام (صلّى الله عليه وآله) حتى ‏عُدّ هذا من المسلّمات عند الفريقين ـ شيعة وسنة ـ ونظرة سريعة إلى سيرته تكشف لك ذلك بجلاء، حتى البعض من ‏الذين طبع الله على قلوبهم وأعماهم لا ينكرون هذه الحقيقة، بل يؤولون ذلك بتأويلات واهية نتيجة حقدهم وابتعادهم ‏عن الحق ولكن الحق مهما أثار البعض الغبار عليه يبقى في النتيجة هو الأعلى والاسمى. قال تعإلى: (يريدون ان ‏يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون‎).‎

فاطمة بنت أسد (عليها السّلام) جدتها لأبيها
أما جدّتها لأبيها فيه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية وهي أول هاشمية ولدت هاشمياً من أبوين ‏هاشميين وهي امرأة صالحة هاجرت من مكة إلى المدينة ماشية حافية، وهي أوّل إمرأة بايعت الرسول بمكة بعد ‏خديجة‎.‎

خديجة الكبرى (عليها السّلام) جدتها لأمها
أما جدتها لأمها فهي خديجة الكبرى بنت خويلد بن أسد بن عبد العُزى بن قصي بن كلاب، زوجة رسول الله (صلّى ‏الله عليه وآله) الأولى، وأحب نسائه إليه، أم ولده جميعاً إلا ابراهيم(عليه السلام) فإنه من مارية القبطية، وهي أول ‏من آمنت برسول الله (صلّى الله عليه وآله) من النساء، وصدقت دعوته، وبذلت مالها وثروتها الطائلة في سبيل الله ‏تعإلى ونشر دعوة الرسول (صلّى الله عليه وآله‎).‎

والدها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام‎)
نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وابن عمه، وربيبه، أول المسلمين أسلاماً وأثبتهم جناناً، أمير المؤمنين وسيد ‏الوصيين وقائد الغر المحجلين، الليث الهمام والفارس الذي لا يضام، فتى بني غالب عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، ‏التي فاقة فضائله جميع فضائل الأولين والآ خرين خلا ابن عمه الرسول الأمين (صلّى الله عليه وآله‎).‎

أُمها فاطمة الزهراء (عليها السّلام)
أمّا أمها فهي فاطمة الزهراء (عليها السّلام) ، الحورية الإنسية، الراضية المرضية، بهجة قلب المصطفى، وزوجة ‏المرتضى، وأم السبطين الحسن والحسين، الصديقة الطاهرة، المظلومة المقهورة، المباركة الزكية، المحدثة ‏المعصومة، سيدة نساء العالمين، فاطمة بنت محمّد (صلّى الله عليه وآله‏‎).‎

إخوتها لأُمها وأبيها عليهما السّلام
أما إخوتها لأُمها وأبيها فهم: الإمام الحسن والإمام الحسين سيدي شباب أهل الجنَّة، والمحسن وأم كلثوم (عليهم ‏السّلام‎).‎

ولادتها عليها السّلام
سل زينبا عما عليهم جرى * عما عليهم جرى سل زينبا
هي العقيلة التي عنها روى * الحبر ابن عباس وعنها كتبا
عامين من بعد شقيقها الحسين * ولدت أهلا بها ومرحبا
وبشر النبي لما ولدت * وهو على المنبر يلقي الخطبا
بشره سلمان فيها بعد ما * وافاه جبريل بذاك مطنبا
وقال سماها الاله في السما * بزينب لما تقاسي نوبا
فأم ار ابنته فاطمة * مهنيا لها بها مرحبا
ولدت بالمدينة المنوّرة في الخامس من جمادى الأوّل عام 5 هـ . ولمّا ولدت ( عليها السلام ) جاءت بها أمّها الزهراء ‏‏( عليها السلام ) إلى أبيها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وقالت : ( سمّ هذه المولودة ) . فقال : ( ما كنت لأسبق ‏رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وكان في سفر له ، ولمّا جاء وسأله علي ( عليه السلام ) عن اسمها . فقال : ( ما ‏كنت لأسبق ربّي تعإلى ) ، فهبط جبرائيل ( عليه السلام ) يقرأ السلام من الله الجليل ، وقال له : ( سمّ هذه المولودة : ‏زينب ، فقد اختار الله لها هذا الاسم ) . ثمّ أخبره بما يجري عليها من المصائب ، فبكى ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال ‏‏: ( من بكى على مصائب هذه البنت ، كان كمن بكى على أخويها : الحسن والحسين‎ ) .‎

فضائلها عليها السّلام
كانت ( عليها السلام ) عالمة غير معَلّمة ، وفهِمة غير مفهمة ، عاقلة لبيبة ، جزلة ، وكانت في فصاحتها وزهدها ‏وعبادتها كأبيها أمير المؤمنين وأمّها الزهراء ( عليهما السلام ) . اتّصفت ( عليها السلام ) بمحاسن كثيرة ، وأوصاف ‏جليلة ، وخصال حميدة ، وشيم سعيدة ، ومفاخر بارزة ، وفضائل طاهرة . حدّثت عن أمّها الزهراء ( عليها السلام ) ، ‏وكذلك عن أسماء بنت عميس ، كما روى عنها محمّد بن عمرو ، وعطاء بن السائب ، وفاطمة بنت الإمام الحسين ( ‏عليه السلام ) ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وعَبَّاد العامري . عُرفت زينب ( عليها السلام ) بكثرة التهجّد ، شأنها ‏في ذلك شأن جدّها الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وأهل البيت ( عليهم السلام ) . وروي عن الإمام زين العابدين ( ‏عليه السلام ) قوله : ( ما رأيت عمّتي تصلّي الليل عن جلوس إلاّ ليلة الحادي عشر ) ، أي أنّها ما تركت تهجّدها ‏وعبادتها المستحبّة حتّى تلك الليلة الحزينة ، بحيث أنّ الإمام الحسين ( عليه السلام ) عندما ودّع عياله وداعه الأخير ‏يوم عاشوراء قال لها : ( يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل ) . وذكر بعض أهل السِيَر : أنّ زينب ( عليها السلام ) كان ‏لها مجلس خاص لتفسير القرآن الكريم تحضره النساء ، وأنّ دعاءها كان مستجاباً‎.‎

أم المصائب عليها السّلام
إذا نابك الدهر لا تعجب * فليس على الدهر من متعب
ولا تغترر بابتساماته * فبالناب يغدر والمخلب
وكن جلدا عند دهم الخطوب * فمن يرتدي الصبر لم يغلب
وإن دهمتك صروف الزمان * تذكر عقيلة آل النبي
تذكر مصائبها سلوة * وحمر الدموع عليها اسكب
فكل النوائب تسلى لدى * نوائب خير النسا زينب
وناهيك أرزاؤها في الطفوف * فمهما تحدثت لم تكذب
رزايا يحار لديها الصبور * احتمالا ومنها يشيب الصبي
وقد قابلتها بكظم الوصي * وصبر البتول وحلم الوصي
إلى أن قضت وهي حلف الاسى * بصبر لدى الدهر لم ينضب
فيا قلب ذب بعدها حسرة * ويا عين فيضي لها واسكبي
سُمّيت أم المصائب ، وحق لها أن تسمّى بذلك ، فقد شاهدت مصيبة وفاة جدّها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وشهادة ‏أمّها الزهراء ( عليها السلام ) ، وشهادة أبيها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وشهادة أخيها الحسن ( عليه السلام ) ، ‏وأخيراً المصيبة العظمى ، وهي شهادة أخيها الحسين ( عليه السلام ) ، في واقعة الطف مع باقي الشهداء‎.‎

رثاؤها عليها السّلام
في (عيون الاخبار) لشيخنا الصدوق رحمه الله بالاسناد عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : قال أبو عبد الله الصادق ‏‏( ع ) من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتا في الجنة ، وفيه عن علي بن سالم عن أبيه عن الصادق ( ع ) أنه قال ما ‏قال فينا قائل بيت شعر حتى يؤيد بروح القدس ، إلى غير ذلك من الاخبار الكثيرة‎ .‎
رثاها الشيخ محمد حسين الاصفهاني المتوفي عام 1361 هـ‍ . قال أعلى الله مقامه‎:‎
وليت وجهي شطر قبلة الورى * ومن بها تشرفت أم القرى‎ ‎
قطب محيط عالم الوجود * في قوسي النزول والصعود
ففي النزول كعبة الرزايا * وفي الصعود قبلة البرايا
بل هي باب حطة الخطايا * وموئل الهبات والعطايا
ام الكتاب في جوامع العلا * أم المصاب في مجامع البلا
رضيعة الوحي شقيقة الهدى * ربيبة الفضل خليفة الندى
ربة خدر القدس والطهارة * في الصون والعفاف والخفارة
فإنها تمثل الكنز الخفي * بالسر والحياء والتعفف
تمثل الغيب المصون ذاتها * تعرب عن صفاته صفاتها
مليكة الدنيا عقيلة النسا * عديلة الخامس من أهل الكسا
شريكة الشهيد في مصائبه * كفيلة السجاد في نوائبه
بل هي ناموس رواق العظمة * سيدة العقائل المعظمة
ما ورثته من الرحمة * جوامع العلم أصول الحكمة
سرابها في علو الهمة * والصبر في الشدائد الملمة
ثباتها ينبئ عن ثباته * كان فيها كل مكرماته
لها من الصبر على المصائب * ما جل أن يعد في العجائب
بل كاد أن يلحق بالمعاجز * لانه حرفة كل عاجز
فإنها سلالة الولاية * ولاية ليس لها نهاية
بيانها يفصح عن بيانه * كأنها تفرغ عن لسانه
ناهيك فيه الخطب المأثورة * فإنها كالدرر المنثورة
بل هي لولا الحط من مقامها * كاللؤلؤ المنضود في نظامها
فإنها وليدة الفصاحة * والدها فارس تلك الساحة‏
وما أصاب أمها من البلا * فهو تراثها بطف كربلا
لكنها عظيمة بلواها * من الحرب شاهدت دهاها
رأت هجوم الخيل بالنار على * خبائها أو محور السبع العلى
وأسلبوا يا ويلهم قرارها * مذ سلبوا إزارها خمارها‎ ‎
وسبيهم ودائع المختار * عار على الاسلام أي عار
يكاد أن يذهب بالعقول * سبي بنات الوحي والتنزيل
وما رأت بالطف من أهوالها * جل عن الوصف بيان حالها
ومن يطيق وصف سوء حالها * مذ رأت السبط على رمالها
معفر الخد مضرجا بدم * لهفي على جمال سلطان القدم
وحولها فتيانه على الثرى * كالشهب الزهر تحف القمرا
واها على كواكب السعود * عقد نظام الغيب والشهود
كيف هوت وانتثرت أشلاؤها * بأي ذنب سفكت دماؤها
وشاهدت ريحانة الرسول * تدوسها حوافر الخيول
فأصبحت خزانة اللاهوت * حلبة خيل الجبت والطاغوت
صدر تربى فوق صدر المصطفى * ترضه الخيل على الدنيا العفا
ترى العوالي مركز المعالي * مدرجة لذروة الكمال
وهي عرش وعليه التاج * أو أنها البراق والمعراج
نال من العروج ما تمنى * كقاب قوسين دنا أو أدنى
حتى تجلى قائلا إني أنا * من شجر القناة في طور القنا
لسان حاله لسلطان القدم * سعيا على الرأس إليك لا القدم
وسوقها إلى يزيد الطاغية * أشجى فجيعة وأدهى داهية
وما رأته في دمشق الشام * يذهب بالعقول والاحلام
أمامها رأس الامام الزاكي * وخلفها النوائح البواكي
أو الكتاب الناطق المبين * حف به الحنين والانين
وأفظع الكل دخول الطاهرة * حاسرة على ابن هند العاهرة
وما لها ومجلس الشراب * وهي ابنة السنة والكتاب
أتوقف الحرة من آل العبا * بين يدي طليقها واعجبا
يشتمها طاغية الالحاد * وهي سلالة النبي الهادي
بل سمعت من ذلك اللعين * سب أبيها وهو أصل الدين
أتنسب الطاهرة الصديقة * للكذب وهي أصدق الخليقة
واحر قلباه لقلب الحرة * فما رأته لا أطيق ذكره
شلت يد مدت بقرع العود * إلى ثنايا العدل والتوحيد
تلك الثنايا مرشف الرسول * وملثم الطاهرة البتول
وما حناه باللسان أعظم * وكفره المكنون منه يعلم
وقد أبانت كفر ذاك الطاغي * بأحسن البيان والبلاغ
حنت بقلب موجع محترق * على أخيها فأجابها الشقي
يا صيحة تحمد من صوائح * ما أهون النوح على النوائح
‎ ‎‎ ‎ورثاها أيضاً الخطيب الشيخ حسن بن الشيخ كاظم سبتي‎:‎
سل زينبا عما عليهم جرى * عما عليهم جرى سل زينبا
هي العقيلة التي عنها روى * الحبر ابن عباس وعنها كتبا
عامين من بعد شقيقها الحسين * ولدت أهلا بها ومرحبا
أول شعبان أتى ميلادها * أضاء نورها فأخفى الكوكبا
وبشر النبي لما ولدت * وهو على المنبر يلقي الخطبا
بشره سلمان فيها بعد ما * وافاه جبريل بذاك مطنبا
وقال سماها الاله في السما * بزينب لما تقاسي نوبا
فأم دار ابنته فاطمة * مهنيا لها بها مرحبا

جلالة قدرها عليها السّلام
إن قصدت تزور قبر جدها * شوقا إليه إذ هم بيثربا
اخرجها ليلا أمير المومنين * والحسين والزكي المجتبى
يسبقهم أبوهم فيطفئ * الضوء الذي في القبر قد ترتبا
قيل له لم ذا فقال إنني * أخشى بأن تنظر عين زينبا

مكارم أخلاقها عليها السّلام
روحي لها الفداء من مصونة * زكية كريمة ذات إبا
ذات عفاف ووقار وحجى * من شرفت أما وجدا وأبا
‎ ‎أحمد جدي وعلي والدي * وفاطم أم فأكرم نسبا
تكفلت أثقل ما في الدار * بعد أمها من أيام الصبا
وجرعت ما جرعته أمها * من الاذى ما منه تنسف الربى

علمها عليها السّلام
عيبة علم غير أن علمها * غريزة ولم يكن مكتسبا
عالمة عاملة لربها * طول المدى سوى التقى لن تصبحا
تقية من أهل بيت عصمة * شقيقة السبط الحسين المجتبى
‎ ‎صديقة كبرى لجم علمها * طاشت بها الالباب والفكر كبا
فيا لها داعية إلى الهدى * في حل كل مشكل قد صعبا
ذات فصاحة إذا ما نطقت * حينا تخال المرتضى قد خطبا
سل مجلس الشام وما حل به * مذ خطبت ماج بهم واضطربا

صبرها عليها السّلام
لله من صابرة على الاذى * تجرعت مع الحسين الكربا
ألفته فردا أو عداه أقبلت * وخيلهم ملؤ الفيافي والربى
واحتوشته بالرماح فارتوت * من دمه سمر الرماح والضبا
وأبصرته مذ هوى إلى الثرى * مصافحا ذاك المحيا التربا
‎ ‎رأته في مصرعه مخذم * الجسم لقى معفرا قد سلبا
ملقى على وجه الصعيد عاريا * والشمر فوق صدره قد ركبا
وخيلهم تعدو على جثمان من * نشا على صدر النبي قربا
ورأسه شيل على مثقف * مرتفع أمامها قد نصبا
مرتلا آيات أهل الكهف * لكن بالدماء شيبه قد خضبا
وشاهدت ما في الحما مقسما * إلى العدى مغتنما حتى الخبا
فكابدت بالطف ما لو بعضه * صبت على الهضاب هد الهضبا

خطبة السيدة زينب عليها السّلام في الكوفة
قال الرّاوي‎:‎
لما أومأت زينب ابنة علي (عليه السلام) إلى الناس فسكنت الأنفاس والأجراس، فعندها اندفعت بخطابها مع طمأنينة ‏نفس، وثبات جاش، وشجاعة حيدرية، فقالت (صلوات الله عليها‎):‎
‎(‎الحمد لله والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الاخيار، اما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر، أتبكون فلا ‏رقأت الدمعة، ولا هدات الرنة، انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، الا ‏وهل فيكم الا الصلف والنطف، والعجب والكذب والشنف، وملق الاماء، وغمز الأعداء، او كمرعى على دمنة، او ‏كقصة على ملحودة، ألا بئس ما قدمت لكم انفسكم ان سخط الله عليكم، وفي العذاب انتم خالدون. أتبكون وتنتحبون، اي ‏والله فابكوا كثيراً، واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها ابداً، وأنى ترحضون، ‏قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة ومدرة حجتكم، ومنار محجتكم، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم. وسيد شباب ‏أهل الجنة الا ساء ما تزرون. فتعساً ونكساً وبعداً لكم وسحقاً، فلقد خاب السعي، وتبت الايدي، وخسرت الصفقة، ‏وبؤتم بغضب من الله ورسوله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة. ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون أي كبد لرسول الله ‏فريتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ وأي دم له سفكتم؟ وأي حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم شيئاً اداً، تكاد السماوات يتفطرن ‏منه، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هدّاً! ولقد أتيتم بها خرقاء، شوهاء كطلاع الأرض، وملء السماء، افعجبتم ان ‏مطرت السماء دماً، ولعذاب الآخرة اخزى وهم لا ينصرون، فلا يستخفنكم المهل، فانه لا يحفزه البدار، ولا يخاف ‏فوت الثار، وان ربكم لبالمرصاد‎).‎
فقال لها الإمام السجاد (عليه السلام): (اسكتي يا عمة، فأنت بحمد الله عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة‎).‎
فقطعت (العقيلة) الكلام، فأدهشت ذلك الجمع المغمور بالتمويهات والمطامع، واحدث كلامها أيقاظا في الأفئدة ولفتة ‏في البصائر وأخذت خطبتها من القلوب مأخذاً عظيماً وعرفوا عظيم الجناية فلا يدرون ما يصنعون‎!!‎
فقد أحدثت فيهم زينب (سلام الله عليها) انعطافاً كبيراً رغم تحجّر قلوبهم ورذالة نفوسهم‎.‎
وكما أشرنا ان السيدة زينب (عليها السلام) في الكوفة وفي وسط جماهيرها أومأت إلى الناس ان اسكتوا، فارتدت ‏الأنفاس، وسكنت الأجراس فما هو وجه سكوتهم مع كثرة ازدحام الناس، وشدة ضوضاء الجيش الفاتح ـ بتصورهم ـ ‏وكثرة صخبهم، وما كانوا عليه من التطبيل والتزمير، والهتاف والشعار؟ قد يوجه ذلك بما يلي‎:‎
‏1‏‎- ‎انها (عليها السلام) تصرفت فيهم تصرفاً تكوينياً، يعني: اعملت فيهم ما منحها الله تعإلى من ولاية تكوينية، وقدرة ‏ربانية، كما تصرف اخوها الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء بذلك في معسكر أهل الكوفة، حين استنصتهم ‏ليعظهم ويتم عليهم الحجة فأبوا ان ينصتوا، واخذوا يثيرون الضوضاء والشغب، فأوما (عليه السلام) إليهم ان اسكتوا ‏واسكنوا، فسكتوا وسكنوا حتى خيولهم ودوابهم، وذلك بتصرف تكويني منه (عليه السلام) فيهم‎.‎
‏2‏‎- ‎انها (عليها السلام) ـ كما في التاريخ ـ كانت تفرغ عن لسان أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى ان السامع كان ‏يظن ان المتكلم هو أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحيث ان أهل الكوفة كانوا قد سمعوا كلام أمير المؤمنين(عليه ‏السلام) وتأثروا بخطبه البليغة أيام كان(عليه السلام) بين ظهرانيهم في الكوفة ثم حرموا منها، ولذلك لما فوجئوا ‏بصوت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقرع مسامعهم اقبلوا على استماعه بكل وجودهم، فارتدت في صدروهم ‏أنفاسهم، وسكنت عن الحركة أجسامهم، ويؤيد ذلك: التأثير الشديد الذي انطبع به أهل الكوفة من استماع خطبتها ‏‏(عليها السلام) حتى ان الرواي يقول: واذا بشيخ كبير يبكي ويقول مكرراً: بابي انتم وامي، كهولكم خير الكهول، ‏ونساؤكم خير النساء‎.‎
‏3‏‎- ‎انها (عليها السلام) لعظيم بلاغتها، وكبير فصاحتها، وجميل بيانها، وعذب لسانها، استطاعت ان تسخر قلوب أهل ‏الكوفة، وان تشل أبدانهم من الحركة، وأنفاسهم من التردد والخلجان. وهذا حذلم بن كثير من فصحاء العرب، اخذه ‏العجب من فصاحة زينب (عليها السلام) وبلاغتها، وأخذته الدهشة من براعتها وشجاعتها الأدبية، حتى انه لم يتمكن ‏ان يشبهها الا بأبيها سيد البلغاء والفصحاء، فقال: كانها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين(عليه السلام). وهذه الخطبة ‏رواها كل من كتب في وقعة الطف او في أحوال الحسين(عليه السلام). ورواها الجاحظ في كتابه البيان والتبيين عن ‏حزيمة الاسدي قال: ورأيت نساء الكوفة يومئذ قياماً يندبن متهتكات الجيوب. ورواها ايضاً ابو الفضل احمد بن ابي ‏طاهر طيفور في بلاغات النساء، وابو المؤيد الموفق بن احمد الخوارزمي في الجزء الثاني من كتابه مقتل الحسين ‏‏(عليه السلام) وشيخ الطائفة في أماليه وغيرهم من أكابر العلماء. ومن بلاغتها وشجاعتها الادبية: ما ظهر منها (عليها ‏السلام) في مجلس ابن زياد. قال السيد ابن طاووس وغيره: ان ابن زياد جلس في القصر واذن اذناً عاماً، وجيء ‏برأس الحسين(عليه السلام) فوضع بين يديه، وأدخلت عليه نساء الحسين وصبيانه، وجاءت زينب ابنة علي (عليه ‏السلام) وجلست متنكرة فسأل ابن زياد من هذه المتنكرة؟ فقيل له: هذه زينب ابنة علي، فأقبل عليها فقال: الحمد لله ‏الذي فضحكم وأكذب احدوثتكم. فقالت (عليها السلام): انما يفتضح الفاجر ويكذب الفاسق، هو غيرنا. فقال: كيف ‏رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟ فقالت: ما رأيت الا خيراً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم, ‏وسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك امك يا بن مرجانة. فغضب اللعين وهم ان ‏يضربها، فقال له عمرو بن حريث: انها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها. فقال لها ابن زياد (لعنه الله): لقد ‏شفي الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك. فقالت: لعمري لقد قتلت كهلي، وقطعت فرعي، ‏واجتثثت اصلي، فان كان هذا شفاؤك فلقد اشتفيت. فقال لعنه الله: هذه سجاعة، ولعمري لقد كان أبوها سجاعاً شاعراً. ‏فقالت: يا بن زياد ما للمرأة والسجاعة، وان لي عن السجاعة لشغلاً‎.‎

خطبة السيدة زينب عليها السّلام في الشام
‎ ‎ومن ذلك: خطبتها في مجلس يزيد بن معاوية في الشام رواها جماعة من العلماء في مصنفاتهم، وهي من ابلغ ‏الخطب وأفصحها، عليها أنوار الخطب العلوية وأسرار الخطبة الفاطمية (عليهم السلام‎).‎
قال: روى الصدوق من مشايخ بني هاشم وغيره: انه لما دخل علي بن الحسين (عليه السلام) وحرمه على يزيد جيء ‏برأس الحسين(عليه السلام) ووضع بين يديه في طشت، وجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده وهو يقول‎:‎
‎ ‎ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الاسل
‎ ‎لأهلوا واستهلوا فرحاً *** ثم قالوا يا يزيد لا تشل
‎ قد قتلنا القرم من ساداتهم *** وعدلناه ببدر فاعتدل
‎ ‎لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل
‎ لست من خندف ان لم انتقم *** من بني احمد ما كان فعـل
‎ ‎فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب، وأمها فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالت‎:‎
‎(‎الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله سبحانه حيث يقول: (ثم كان عاقبة الذين ‏أساؤا السوء ان كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤن). أظننت يا يزيد ـ حيث أخذت علينا أقطار الارض وآفاق ‏السماء، فاصبحنا نساق كما تساق الأسراء ـ ان بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة، وان ذلك لعظم خطرك عنده، ‏فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، تضرب أصدريك فرحاً، وتنفض مذوريك مرحاً، جذلان مسروراً، حين رأيت ‏الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، وفمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله تعإلى: (ولا تسحبن ‏الذين كفروا انما نملي لهم خير لأنفسهم، انما نملي لهم ليزدادوا اثماً ولهم عذاب مهين). أمن العدل يا ابن الطلقاء، ‏تخديرك حرائرك واماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء ‏من بلد إلى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن ‏من حماتهن حمي ولا من رجالهن ولي، وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه اكباد الازكياء، ونبت لحمه من دماء ‏الشهداء، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر الينا بالشنف والشنأن، والاحن والأضغان ثم تقول غير متأثم ‏ولا مستعظم‎:‎
لأهلوا واستهلوا فرحاً *** ثم قالوا يا يزيد لا تشل
‎ ‎منحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك وكيف لا تقول ذلك، وقد نكأت القرحة، ‏واستأصلت الشأقة، بإراقتك دماء ذرية محمد (صلى الله عليه وآله) ونجوم الأرض من آل عبد المطلب وتهتف ‏بأشياخك زعمت انك تناديهم فلتردن وشيكاً موردهم ولتودن انك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت. ‏اللهم خذ لنا بحقنا، وانتقم ممن ظلمنا، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا، وقتل حماتنا. فوالله ما فريت الا جلدك، ولا ‏حززت الا لحمك، ولتردن على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من ‏حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلم شعثهم، يأخذ بحقهم (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً ‏بل أحياء عند ربهم يرزقون). وحسبك بالله حاكماً، وبمحمد صلى الله عليه وآله خصيماً، وبجبرئيل ظهيراً، وسيعلم من ‏سول لك ومكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلاً وأيكم شر مكاناً، واضعف جنداً. ولئن جرت علي الدواهي ‏مخاطبتك، اني لاستصغر قدرك واستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرى. الا ‏فالعجب كل العجب، لقتل حزب الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلب ‏من لحومنا وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، وتعفرها أمهات الفراعل ولئن اتخذتنا مغنما، لنجدنا وشيكاً ‏مغرماً، حين لا تجد الا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد، وإلى الله المشتكى وعليه المعول. فكد كيدك، واسع ‏سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك الا فند وايامك ‏الا عدد، وجمعك الا بدد، يوم ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين. والحمد لله رب العالمين، الذي ختم لأولنا ‏بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله ان يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا ‏الخلافة، انه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل). واعلم: ان بلاغة زينب(عليها السلام) وشجاعتها الادبية ليس من ‏الأمور الخفية، وقد اعترف بها كل من كتب في وقعة كربلاء ونوه بجلالتها اكثر أرباب التاريخ. ولعمري ان من كان ‏ابوها علي بن ابي طالب ( الذي ملأت خطبه العالم وتصدى لجمعها وتدوينها اكابر العلماء، ومن امها فاطمة الزهراء ‏صاحبة خطبة فدك الكبرى، وصاحبة الخطبة الصغرى التي القتها على مسامع نساء قريش ونقلها النساء لرجالهن. نعم ‏ان من كانت كذلك فحرية بان تكون بهذه الفصاحة والبلاغة، وان تكون لها هذه الشجاعة الادبية والجسارة العلوية. ‏ويزيد الطاغية يوم ذاك هو السلطان الاعظم، والخليفة الظاهري على عامة بلاد الإسلام تؤدي له الجزية الفرق ‏المختلفة والامم المتباينة، في مجلسه الذي اظهر فيه ابهة الملك، وملاه بهيبة السلطان، وقد جردت على رأسه ‏السيوف، واصطفت حوله الجلاوزة وهو واتباعه على كراسي الذهب والفضة وتحت ارجلهم الفرش من الديباج ‏والحرير. وهي (صلوات الله عليها) في ذلة الاسر، دامية القلب باكية الطرف، حرى الفؤاد من تلك الذكريات المؤلمة ‏والكوارث القاتلة، قد أحاط بها أعداؤها من كل جهة، ودار عليها حسادها من كل صوب. ومع ذلك كله ترمز للحق ‏بالحق، وللفضيلة بالفضيلة فتقول ليزيد ـ غير مكترثة بهيبة ملك، ولا معتنية بأبهة سلطانه ـ: أمن العدل يا بن الطلقاء، ‏وتقول له أيضاً: ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك اني لاستصغر قدرك، واستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك‎).‎

السيدة زينب عليها السّلام والشعائر الحسينية
‎ ‎قد اهتمت السيدة زينب (عيها السلام) بالشعائر الحسينية أكبر اهتمام، فعلاً وقولاً وتقريراً: فبكت، وأبكت، ولطمت ‏وجهها، وضربت رأسها بمقدم المحمل حتى جرى الدم، وخطبت خطباً، وأنشأت أشعاراً، وعقدت مجالس العزاء ‏والبكاء على الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام‎ . ‎
ففي صبيحة عاشوراء حينما كانت عند ابن أخيها الإمام السجاد عليه السلام تمرضه، سمعت أخاها الإمام الحسين عليه ‏السلام يقول: يا دهر أفٍّ لك من خليـل كم لك بالإشراق و الأصيل إلى أخر الأبيات.. يعيدها المرتين أو الثلاثة، فلم ‏تمتلك نفسها أن وثبت وخرجت حتى انتهت إليه (عليه السلام) منادية: واثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت ‏أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن، يا خليفة الماضين وثمال الباقين.. فنظر إليها الإمام الحسين عليه السلام ‏وترقرقت عيناه بالدموع قائلاً لها: يا أُخيّة.. لو ترك القطا يوماً لنام، فقالت:يا وليتاه … ذلك أقرح لقلبي وأشد على ‏نفسي، ثم لطمت وجهها وهوت إلى جيبها فشقَّته وخرَّت مغشياً عليها ـ كما في رواية الإمام السجاد عليه السلام ـ . ‏ولما كان اليوم الحادي عشر وأراد ابن سعد حمل النسوة والأسرى من آل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى ‏الكوفة، طلبن النسوة أن يمروا بهن على مصرع أبي عبد الله عليه السلام والشهداء، فمروا بهن، فلما نظرن إلى القتلى ‏صحن ولطمن الوجوه، وأخذت زينب (عليها السلام) تندب أخاها الحسين (عليه السلام) وتنادي بصوت حزين وقلب ‏كئيب: يا محمداه، صلّى عليك مليك السماء، هذا حسينك مرمَّل بالدماء، مقطَّع الأعضاء، وبناتك سبايا، و إلى الله ‏المشتكى… ثم بسطت يديها تحت بدنه المقدس ورفعته نحو السماء وقالت: إلهي تقبَّل منَّا هذا القربان، وفي الحديث: ‏انها أبكت والله كل عدوٍّ وصديق. وعندما أُدخل السبايا من آل البيت (عليهم السلام) الكوفة وأخذت أم كلثوم تخاطب ‏الناس، إذا بضجة قد ارتفعت، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين عليه السلام وهو رأس زهري قمري أشبه ‏الخلق برسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولحيته كسواد السبج قد انتصل منها الخضاب، ووجهه دارة قمر طالع، ‏والريح تلعب بها يميناً وشمالاً، فالتفتت زينب (عليها السلام) فرأت رأس أخيها فنطحت رأسها بمقدَّم المحمل حتى ‏رأينا الدم يخرج من تحت قناعها، وأومأت إليه بخرقة وجعلت تقول‎:‎
يا هلالاً لمّا استتمَّ كمالا ** غاله خسفه فأبدا غروبا
‎ ‎ما توهَّمتُ يا شقيق فؤادي ** كان هذا مقدَّراً مكتوبا
إلى آخر الأبيات‎...‎
وقد خطبت السيدة زينب (عليها السلام) عندما جيء بهنَّ أسارى إلى الكوفة، فأومأت إلى الناس بالسكوت والإنصات، ‏فارتّدت الأنفاس وسكنت الأجراس، ثم قالت في خطبتها بعد حمد الله تعإلى والصلاة على رسوله: أما بعد يا أهل ‏الكوفة، يا أهل الختر والغدر والحدل… أتبكون على أخي ؟! أجل والله فابكوا، فإنكم والله أحق بالبكاء، فابكوا كثيراً ‏واضحكوا قليلاً… أتدرون ـ ويلكم ـ أي كبد لمحمد (صلى الله عليه وآله) فريتم؟ وأي عهد نكثتم؟ وأي كريمة له ‏أبرزتم؟ وأي حرمة له هتكتم؟ وأي دم سفكتم؟!… ثم أنشأت تقول‎:‎
ماذا تقولون إذ قال النبي لكم ** ماذا صنعتم وأنتم آخر الأمم
‎ ‎بأهل بيتي وأولادي ومكرمتي ** منهم أسارى ومنهم ضرَّجوا بدم
إلى آخر الخطبة التي هزت ضمائر الناس وعروش الطواغيت‎.‎
حتى قال الراوي: فلم أرَ والله خَفِرة أنطق منها، كأنّما تنطق وتفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام .. وقال ‏مشيراً إلى مدى تأثر الناس يومئذ بخطبتها: فوالله لقد رأيت الناس يومئذٍ حيارى يبكون وقد وضعوا أيديهم في أفواههم، ‏ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتى اخضلَّت لحيته وهو يقول: بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول وشبابكم خير ‏الشباب ونساؤكم خير النساء ونسلكم خير نسل لا يخزي ولا يبزي‏‎.‎
وهنا قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): (يا عمة.. ـ أنت بحمد الله ـ عالمة غير معلَّمة، فهمة غير مفهَّمة). كما وقد ‏أمرتنا السيدة زينب (عليها السلام) بإقامة مآتم البكاء على سيد الشهداء قائلة: (يا قوم اِبكوا على الغريب التريب…). ‏وهي (عليها السلام) التي استفادت من كل فرصة تتاح لها في ذلك، حتى أنها (عليها السلام) لما عادت إلى كربلاء مع ‏حرم الرسول (صلى الله عليه وآله) العائدات من الأسر وتراءت لهن القبور، ألقت بنفسها على قبر أخيها ثم ‏أخذت تعدَّد مصائبها لأخيها وهي تبكي كالثكلى وترثيه بأبيات، فأنَّت وبكت بكاءً شديداً حتى أبكت أهل الأرض ‏والسماء، كما ورد في الحديث وقد تنبَّأت سيدتنا العالمة مستقبل القضية الحسينية، فقالت لابن أخيها الإمام زين ‏العابدين (عليه السلام): ( لقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمَّة، لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة، وهم معروفون في أهل ‏السماوات، إنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرَّجة، وينصبون بهذا الطف عَلَمَاً لقبر ‏أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجهدنَّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في ‏محوه وتطميسه فلا يزداد إلا ظهوراً وأمره إلا علواً) و قالت ليزيد: (… فإلى الله المشتكى و عليه المعوَّل، فَكِدْ كَيْدك، ‏واسعَ سَعْيَك، وناصِب جُهدك، فوالله لا تمحو ذِكْرنا، ولا تميت وَحْينا، ولا تُدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها‎).

زيارة زينب سلام الله عليها
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليك يا بنت سلطان الانبياء ، السلام عليك يا بنت صاحب الحوض واللواء ، السلام عليك يا بنت فاطمة ‏الزهراء ، السلام عليك يا بنت خديجة الكبرى ، السلام عليك يا بنت سيد الاوصياء وركن الاولياء أمير المؤمنين ، ‏السلام عليك يا بنت ولي الله ، السلام عليك يا ام المصائب يا زينب بنت علي ورحمة الله وبركاته ، السلام عليك أيتها ‏الفاضلة الرشيدة ، السلام عليك أيتها العاملة الكاملة ، السلام عليك أيتها الجليلة الجميلة ، السلام عليك أيتها التقية النقية ‏، السلام عليك أيتها المظلومة المقهورة ، السلام عليك أيتها الرضية المرضية ، السلام عليك يا تالية المعصوم ، ‏السلام عليك يا ممتحنة في تحمل المصائب بالحسين المظلوم ، السلام عليك أيتها البعيدة عن الآفاق ، السلام عليك ‏أيتها الاسيرة في البلدان ، السلام على من شهد بفضلها الثقلان ، السلام عليك أيتها المتحيرة في وقوفك في القتلى ‏وناديت جدك رسول الله ( ص ) بهذا النداء : صلى عليك مليك السماء هذا حسين بالعراء مسلوب العمامة والرداء ‏مقطع الاعضاء وبناتك سبايا ، السلام على روحك الطيبة وجسدك الطاهر ، السلام عليك يا مولاتي وابنة مولاي ‏وسيدتي وابنة سيدتي ورحمة الله وبركاته ، أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن ‏المنكر وأطعت الله ورسوله وصبرت على الاذي في جنب الله حتى أتاك اليقين ، فلعن الله من جحدك ولعن الله من ‏ظلمك ولعن الله من لم يعرف حقك ولعن الله أعداء آل محمد من الجن والانس من الاولين والآخرين وضاعف عليهم ‏العذاب الاليم . أتيتك يا مولاتي وابنة مولاي قاصدا وافدا عارفا بحقك فكوني شفيعا إلى الله في غفران ذنوبي ، وقضاء ‏حوائجي ، واعطاء سؤلي وكشف ضري ، وأن لك ولابيك وأجدادك الطاهرين جاها عظيما وشفاعة مقبولة ، السلام ‏عليك وعلى آبائك الطاهرين المطهرين وعلى الملائكة المقيمين في هذا الحرم الشريف المبارك ورحمة الله وبركاته . ‏ثم صل ركعتين لله تعإلى قاصدا إهداء ثوابهما إليها ، ثم ادع الله عزوجل بما أحببت فإن قبرها أحد الاماكن المجاب ‏فيها الدعاء . وقبل انصرافك اتجه إلى قبرها وودعه بهذا : السلام عليك يا سلالة سيد المرسلين ، السلام عليك يا بنت ‏أمير المؤمنين ، السلام عليك يا بنت فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، أستودعك الله واسترعيك وأقرأ عليك السلام ‏، أللهم لا تجعله آخر العهد مني لزيارة أم المصائب زينب بنت علي ، فإني أسألك العود ثم العود أبدا ما أبقيتني وإذا ‏توفيتنيفاحشرني في زمرتها وادخلني في شفاعتها وشفاعة جدها وأبيها وأمها وأخيها برحمتك يا أرحم الراحمين . ‏أللهم بحقها عندك ومنزلتها لديك اغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة ‏حسنة وقنا برحمتك عذاب النار وصلى الله على سيدنا محمدا وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‎. ‎
السلام عليكِ يا بنت علي بن أبي طالب
السلام عليكِ يا أخت الحسن والحسين
السلام عليك يا عالمةٌ غير معلّمة
السّلام عليكِ يا زينب الكُبرى