- التفاصيل
- المجموعة: روسيا والجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى
اسم البحث او المقالة : روسيا والجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى
الكاتب : محمد السماك
الموضوع : عامّة
تاريخ النشر : 22/10/2006
روسيا والجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى
لقد فشلت محاولة الاتحاد السوفياتي في حصر الدين الإسلامي داخل الحياة الفردية. واستمر الإسلام رغم كل المحاولات التي بذلتها الشيوعية، يشكل مظهراً أساسياً، بل المظهر الأساسي للضمير الجماعي للمسلمين. وبقيت تعاليم الدين الإسلامي نظاماً للقيم مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمسيرة التحديث والتطور. هناك ثلاث دوائر مترابطة ترسم صورة واقع الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى وتحدد آفاق مستقبلها إلى حد بعيد: الدائرة الأولى: داخلية سقوط الفكر اللينيني كأداة لحل المسألة القوميّة في الجمهوريات الإسلاميّة قبل أن يسقط في أوروبا الشرقية ومن ثم في روسيا نفسها. فالشيوعية كانت مرذولة في المجتمع الإسلامي ومفروضة بموجب النظام السياسي. وبالتالي بقيت الشيوعية في البيئة الإسلامية على مدى العقود السبعة الأخيرة، مظهراً خارجياً لا يمت إلى الجوهر الإيماني بصلة. لم يكن المسلمون في العهد القيصري أفضل حالاً. كانت الأرثوذكسية دين الدولة. وكانت القيود المشددة تفرض على كل الأديان الأخرى بما فيها الكاثوليكية. عانى المسلمون كثيراً في العهد القيصري مما أدى إلى حرمان جمهورياتهم وتخلفها. وعندما وجه لينين نداء إلى المسلمين في 20 تشرين الثاني نوفمبر 1917م، اعتقد المسلمون أن هذا البيان هو مفتاح الخلاص. فقد جاء فيه: "إن الحكومة السوفياتية تعلن على رؤوس الأشهاد أن عقائدكم وتقاليدكم ومؤسساتكم القومية والثقافية حرة ومصونة. نظموا حياتكم بحرية ودون أي عراقيل، فذلك من حقوقكم". غير أن التطبيق جاء مناقضاً للمضمون، مع فارق أساسي وهو أن الاضطهاد الديني شمل هذه المرة كل الأديان بما في ذلك الأرثوذكسية. الدائرة الثانية: هي دائرة العلاقات بين الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والدول الإسلامية الأخرى المجاورة لها، وهي تركيا _ إيران _ افغانستان، باكستان. إن طبيعة هذه العلاقات تلعب دوراً أساسياً في تحديد مدى انفتاح أو انغلاق الجمهوريات الإسلامية. مع ما لكلا الحالتين من انعكاسات على علاقات هذه الجمهوريات الإسلامية ببعض الجمهوريات السوفياتية الأخرى، أي إن الدول الإسلامية المتاخمة للجمهوريات السوفياتية السابقة، خصوصاً الاتحاد الروسي يمكن أن تلعب دور الجسر إلى بقية العالم الإسلامي، كما يمكن أن تلعب دور السد. وذلك يتوقف على مدى قدرتها على فتح آفاق التعاون أو السقوط في حسابات لعبة التجزئة والتقسيم. خلال الحرب الباردة وصلت الولايات المتحدة في سعيها إلى إقامة قواعد مراقبة عسكرية قرب الحدود السوفياتية، إلى حد تهديد وحدة الباكستان عن طريق فصل إقليم بلوشستان لتحويله إلى مركز عسكري متقدم. وخلال هذه الحرب تجاوز الاتحاد السوفياتي الخط الأحمر وتوجه جنوباً إلى مياه الخليج الدافئة عندما اجتاح افغانستان في نهاية عام 1979م. وخلال هذه الحرب كذلك جعلت المصالح الأميركية والسوفياتية من ساحة الحرب العراقية _ الإيرانية ملعباً لكرة مضرب، تتقاذف الكرة الإيرانية أحياناً، والكرة العراقية أحياناً أخرى توريطاً وابتزازاً. لقد ظهرت إرهاصات تكشف عن عدم رضا موسكو الجديدة، وواشنطن القديمة _ الجديدة من قيام تحالف بين الدول الإسلامية في آسيا الوسطى والدول الإسلامية المجاورة لها. وقد يعبر عدم الرضا هذا عن نفسه بفتح ملف الأقليات الأثنية داخل هذه الجمهوريات بهدف تعطيل الإسلام كعامل موحد لها. وفي هذه الحالة لن تكون هناك مشكلة الأكراد فقط، بل مشاكل البلوش (بين إيران وباكستان) والبوشتون (شمال غرب باكستان) والتركمان والأذربيجان، والفرس، والعرب والبربر ثم السنة والشيعة.. إلى آخر ما هنالك من أشكال الانقسام والتفتيت. ويكفي هنا أن أذكر بالدراسة التي أعدها مركز الدراسات الاستراتيجية في إسرائيل بعنوان "استراتيجية إسرائيل في التسعينات" ونشرتها مجلة إيغونيم (الحقيقة)، صيف 1988م. وهي تقوم على تقسيم ليس الوطن العربي وحده، بل العالم الإسلامي إلى دويلات اثنية ودينية ومذهبية وطائفية من باكستان حتى المغرب. الدائرة الثالثة: هي دائرة الدور العربي مع الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى. هنا لابد من تسجيل ملاحظة مهمة. وهي أن الحضور العربي داخل المجموعة الإسلامية الكبيرة بدأ بالتراجع. وقد رأينا كيف أن توجهات القمة الإسلامية في دكار 1990م حملت الخلافات العربية _ العربية مسؤولية تعطيل مسيرة العمل الإسلامي المشترك. إن انضمام ست جمهوريات إسلامية غير عربية إلى منظمة المؤتمر الإسلامي لابد أن يزيد من ثقل المجموعة الإسلامية غير العربية وربما ينقل المبادرة إليها. إن القيادة العربية للعالم الإسلامي أصبحت موضع تذمر بعض القيادات الإسلامية غير العربية وإذا استمر الوضع العربي على ما هو عليه من تمزق وتصارع فإن هذه القيادة قد تصبح موضع شك. كانت السعودية التي تبني مع مصر جسراً عربياً إلى الجمهوريات الإسلامية الآسيوية أول دولة عربية تعترف بالاتحاد السوفياتي وتقيم علاقات دبلوماسية معه. وكان الاتحاد السوفياتي أول من اعترف بالمملكة وبوحدتها التي أقامها الملك عبد العزيز آل سعود. الدائرة الرابعة: هي دائرة نظام ما بعد الحرب الباردة وكيفية تعامله مع الدول الإسلامية، وكيفية تعامل الدول الإسلامية معه. هناك اعتقاد يجد من يغذيه، يقول إنه بعد سقوط الشيوعية فإن الإسلام هو الهدف التالي. ربما يكون هذا الاعتقاد وراء إثارة ردود فعل تتمثل في ظهور حركات سياسية متطرفة تتحرك تحت عباءة الإسلام. غير أن هذه الحركات تتسلح بأخطاء سياسية يرتكبها النظام العالمي وهو في مرحلة تبلوره. منها: أولاً _ السقوط في معادلة المقياسين للأمر الواحد: مع قرارات الأمم المتحدة في الخليج وضدها في فلسطين. مع الديمقراطية كشعار وضدها كنتيجة في الجزائر مع الأصولية اليهودية في إسرائيل ومع الأصولية الانجيلية في الولايات المتحدة نفسها، وضده الأصولية الإسلامية في أي مكان. ثانياً _ إطلاق أحكام الإدانة المسبقة ضد امتلاك أو محاولة امتلاك أي دولة إسلامية للسلاح النووي سواء كانت الدولة عربية أو غير عربية. مع السكوت، بل مع الدعم القوي لمشاريع إسرائيل النووية. إن في الجمهوريات الإسلامية السوفياتية علماء ذرة وفيها مفاعل نووية. وفيها مواد نووية. وفوق ذلك فإنها تنتج 90 بالمئة من اليورانيوم الذي كان يستخدمه الاتحاد السوفياتي في صناعته النووية. إن آفاق توظيف هذه القدرات العلمية الإنسانية والطبيعية الغنية في عالم إسلامي جديد واسعة إلا أنها ممنوعة. وهنا قد تجد الدول الإسلامية السوفياتية نفسها بتمسكها باستقلالها وباعتمادها على دعم العالم الإسلامي مدفوعة إلى مواجهة غير متكافئة مع النظام العالمي الجديد ومصالحه. لقد تعرف الوطن العربي على الاتحاد السوفياتي على أنه نصير للحق العربي وللوحدة العربية. ولكن دول العالم الإسلامي المجاورة له تعرفت عليه على أنه محرض على الانقسامات الاثنية الطائفية وممول لها: الأرمن ضد الأتراك. الأذربيجانيون ضد الفرس. الأكراد ضد الأذربيجانيين. والبوشتون ضد البنجابيين. الخ... إن وحدة الانتماء الديني بين الجمهوريات الإسلامية التي تقع على جانبي خط الحدود السوفياتية السابقة رعت مشاعر العداء ضد ممارسات روسيا القيصرية. ثم ضد ممارسات الاتحاد السوفياتي الشيوعية. وقد تعبر هذه المشاعر الآن عن مكنوناتها بتوجهات سلبية تجاه الدولة الروسية الجديدة، أو بمزيد من الانفتاح نحو الدول الإسلامية الشقيقة أو بالأمرين معاً. طبعاً سيكون من السذاجة الاعتقاد أن النظام العالمي الجديد، (أو حتى روسيا وحدها)، سيقف مكتوف الأيدي أمام تحولات في مثل هذه الأهمية. إن أسوأ رد يمكن أن يلجأ إليه هو استدراج كل من إيران وتركيا إلى حالة تنافسية على استقطاب الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى التي تمت إلى كل منها بصلة قومية أو مذهبية. الأمر الذي قد يعيد إلى الأذهان صفحات سوداء من التاريخ الإسلامي عندما تحول الصراع بين العثمانيين السنة والفرس الشيعة في العهد الصفوي إلى صراع قومي _ مذهبي كان العراق وأجزاء أخرى من الوطن العربي مسرحه الدامي. إن مجرد تخوّف النظام العالمي الجديد، (أو روسيا) من تحالف الدول الإسلامية قد يدفعه إلى تفجير هذا الصراع لتحويل الاستقواء الإسلامي بالتحالف إلى استنزاف بالصراع. إن الأمة العربية مؤهلة لأن تلعب دور الجامع والموفق بين كل هذه الدول والمجموعات الإسلامية. والمهم أن تصحو من غيبوبة ما بعد حرب الخليج وأن تفتح عينيها على الواقع العالمي الجديد. وعلى الواقع الإسلامي الجديد لتستأنف الدور الذي لا يمكن للإسلام أن يقف على رجليه من دونه. |
أضف تعليقاً جديدا