اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم والعن أعدائهم

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قال الله تعالي في مُحكم كتابه الكريم:
(وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ).(1)
صدق الله العليّ العظيم y

أسرار قُرانيّة في حقائق وأنوار مُحمّد وآل مُحمّد صلوات الله عليهم

السّرّّ الثّاني


إنّ حقيقة هذا الوجود الإمكاني حقيقة واحدة، هي حقيقة الميامين، صلوات الله عليهم، وما ظهر من هذا الوجود، هو صور تلك الحقيقة، كُلّ واحدة بحسب استعدادها وقابليتها.

تقريب الاستدلال:

من البراهين المذكورة على ألسنة الحُكماء، قاعدة: الواحد لا يصدر منه إلاّ الواحد.(2) وبما أنّ الوجود أمر وحداني، فانّه صادر من الواحد، وحاشا لله تعالى أن يُباشر الأشياء، وإنّما جعل لها أسباباً، بواسطتها يخلق المُمكنات، مثلا، أنّه تعالى خلق آدم من تُراب، وخلق الإنسان من نُطفة، فالتّراب والنّطفة وغيرها أسباب لنشأة الإنسان وخلقه، وحينئذ لابدّ من القول: بأنّ هذا الوجود صادر من حقيقة واحدة، هي السّبب في تحقّقه، وهذه الحقيقة في واقع الأمر مُسمّاة على ألسنة ‏العُلماء والأولياء والعُرفاء، بالحقيقة المُحمّديّة، وبتعبير الرّوايات المُعتبرة، بالنّور الأوّل، أو العقل الأوّل. نقل القُندوزي الحنفي، في ينابيع المودة، عن رسول الله،صلى الله عليه وآله، أنّه قال: أوّل ما خلق الله روحي، وأوّل ما خلق الله نوري، وأوّل ما خلق الله العقل، وأوّل ما خلق الله القلم، وأوّل ما خلق الله نور نبيّك يا جابر. ثمّ قال: المُراد منها الحقيقة المُحمّديّة، التي كانت مشهورة بين الكُملين، وهي روح نبيّنا، صلى الله عليه وآله. (3) ولتوضيح المطلب، نذكر مثالين: المثال الأوّل: الماء الذي منه الحياة، وبه استمرارها، تراه في الأشياء الظّاهرة، ففي الخضار يتجلّى به، والفاكهة يتلون به، وهكذا في سائر الأشياء الصّورية المخلوقة، فهو مندكّ فيها، غير مُنفصل عنها، وإلاّ لذابت ونسخت، ومن ثمّ انفنت. هذا أمر وجداني، فإذا كان الماء الصّوري الظّاهري له هذه الخاصّية والأثر، فكيف بالحقيقة التي خلقت الأشياء لأجلها، بما فيها هذا الماء؟! وهي حقيقة النّور المُحمديّ العلويّ، مُحمّد وآل مُحمّد صلوات الله عليهم. أفلا تكون هي الباعث لهذا الخلق الصّوري، والعلّة لايجاده، بل واستمراره؟!. المثال الثّاني: نور الشّمس، فإنّه إذا أشرق على زجاجة بيضاء، يظهر من ورائها نور أبيض، وإذا وقع على زجاجة صفراء، يظهر من ورائها نور أصفر، وإذا وقع على زجاجة زرقاء، خرج أزرق، وهكذا، والكُلّ نور الشّمس، إلاّ أنّه يتلوّن في هذه الأشياء، وتظهر له آثار مُختلفة، فما يقع من صور وألوان ومظاهر، إنّما هي على أثر أشراقة النّور من الشّمس، فإن كان هذا النّور الحسي، له هذه الخواص والآثار، في عوالم الخلق، فكيف بمن كانت به الأنوار وحقائق الأبرار، المُصطفى مُحمّد وآله الأطهار، صلوات الله عليهم. والحمد لله ربّ العالمين.

هذه مُقتطفات قصيرة من الأنوار الإلهيّة، والأسرار الرّبانيّة، المودعة في كتاب الله الكريم، والمُتحصلة في الخارج بأرباب النّعم وهُداة الأمم، مُحمّد وآل مُحمّد، صلوات الله عليهم أجمعين، نحن مستعدون للحوار في بيانها، والإجابة على الاستفسارات التي يطرحها الأخوة والأخوات؛ ليكون البحث واضحاً والغرض مُتحققاً، جعلنا الله وإيّاكم، من العارفين بحقّ مُحمّد وآل مُحمّد، صلوات الله عليهم، والعاملين بذلك، والمحشورين في زُمرتهم، إنّه سميع مُجيب ، والله من وراء القصد.
عبد الكريم العُقيلي
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش
1 الأنبياء:30.
2 الحكمة المُتعالية:2 / 204.
3 ينابيع المودّة: 1/45.