اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم والعن أعدائهم

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قال الله تعالي في مُحكم كتابه الكريم:
(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ).(1)
صدق الله العليّ العظيم

أسرار قُرانيّة في حقائق وأنوار مُحمّد وآل مُحمّد صلوات الله عليهم

السّر الرّابع


في بيان أنّ جميع الأعمال مُتوقفة على طاعة الإمام، وليّ الله المُطلق، وحجّته في أرضه، بعد معرفته.

تقريب الاستدلال:

الولاية منزلة إلهيّة عالية، وهبة ربّانية سامية ،خصّ الله تعالى بها مُحمّداَ وآل مُحمّد صلوات الله عليهم، واستودعهم إيّاها، فازدانت ورفلت، حتّى انبرى نورها من فيض نورهم صلوات الله عليهم، فغدت بحقّ، صبغة الله التي قرنها إلى نفسه .
روي عن أبي عبد الله عليه السّلام، في قوله تعالى: (صِبْغَةَ الله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ) قال: الصّبغة معرفة أمير المؤمنين، بالولاية في الميثاق.(2) والولاية بذلك تعني، حقّ التّصرف تكويناً وتشريعاً، في المنظومة الوجودية قاطبة. أي في جميع ما من شأنه أن يكون تحت دائرة الإمكان، بإذن الله تعالى، لا على نحو الإستقلال. وهي ولاية تامّة، كلّية، عامّة، مُطلقة .
ولا يخفى على كُلّ ذي عقل سليم، بأنّ الله عزّ وجلّ لمّا خلق الخلق، باديء ذي بدء، خلق الصّادر الأوّل، الحبيب مُحمّد صلّى الله عليه وآله، وممّا كان في علمه تعالى، أنّه أولى الخلق به، وأحبّهم لديه، وهبه كُلّ ما من شأنه أن يُميّزه، ويسمو به إلى المقام المحمود، الذي عنده. وأرفع درجة وهبها المولى إياه، هو التّفويض المُطلق، المنضوي تحت الولاية، الذي يعتبر أقصى الغايات العاليات، التي يجود بها المُحبّ إلى حبيبه، وأرفع وسام يستحقّه المُطيع لأمر مطيعه، لما سبق لهم الاتمار بأمر الله، كما قال تعالى: (بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ*لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ).(3)
والأدلّة على نيل هذا الاستحقاق كثيرة، ولا يعدو هذا المنقول من الأدلّة، إلاّ غيض من فيض، لإماطة اللثام عن درك قُدرة التّفويض، التي بها ميّزهم الله تعالى عن غيرهم من خلقه... وما تسالم على ثبوته له، صلّى الله عليه وآله، من رفيع الشّأن، وقُرب المنزلة، التي أجملها المولى تعالى، في قوله عزّ شأنه : (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى).(4) ثابت في من ساواه الله تعالى برسوله، كما جاء في قوله تعالى : (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ).(5) ولا أعلم أحداً، يُثبت تخلّف أو اختلاف النّفس عن نفسها، بكُلّ ما من شأنه أن يكون لها من خصائص، سوى ما كان من أمر الله في شأن الرّسالة والنّبوّة؛ لهذا قال المصطفى، صلّى الله عليه وآله: إنّ الله اصطفاني على الأنبياء فاختارني، واختار لي وصيّاً، واخترت ابن عمّي وصيّي، يُشدّ به عضدي، كما يشدّ عضد موسى بأخيه هارون، وهو خليفتي ووزيري، ولو كان بعدي نبيّاً لكان عليّ نبيّاً، ولكن لا نبوّة بعدي.(6) واللبيب الحاذق، لا يفوته اكتشاف سرّ المُلازمة المُتجلية، في تلك المقارنة العلويّة الهارونيّة، لما قد مرّ على النّبيّ الرّسول هارون عليه السّلام، بعد استخلافه من قبل أخيه النّبيّ الرّسول موسى عليه السّلام، عندما ذهب لميقات ربّه، وما صار إليه المُستخلِفون من عبادتهم العجل، واستضعافهم خليفة رسول الله، كما جاء على لسانه عليه السّلام، في قوله تعالى : (قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(7) وما أودعه المولى تعالى في المُصطفى صلّى الله عليه وآله، من خاتميّة للأنبياء والرّسل، أودعه في المُرتضى عليه السّلام، واختاره خاتماً للأوصياء، وليّاً مُطلقاً صرفاً لكُلّ من عليه ولاية لله تعالى، ماخلا المُصطفى صلّى الله عليه وآله؛ لذا فالقاسم المُشترك، بين الخاتميّة المُحمّديّة والخاتميّة العلويّة، هي مُلازمتهما لسنخيّة واحدة، صادرة عن نور واحد، مصداقه الأوضح، ما روي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، حيث قال: إنّ الله تبارك وتعالى خلق عليّاً من نوري، وخلقني من نوره ، وكلانا من نور واحد.(8) وقوله لعليّ عليه السّلام، أيضاً : أنت منّي كالضّوء من الضّوء.(9) وقول أمير المؤمنين عليه السّلام: أنا من أحمد كالضّوء من الضوء.(10) وما كان من خطاب المولى تعالى لرسوله صلّى الله عليه وآله، بآية التّبليغ إلاّ دليل ساطع، على ما للولاية من شأوٍ عظيم، ونبأ مُبين. وعليه يستلزم عدم التّبليغ، بما أمر الله تعالى نبيّه صلّى الله عليه وآله، كما في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ).(11) يعني، انعدام كافّة النّبوات والرّسالات، بما فيها الرّسالة الخاتميّة، لما بينهما من حاكميّة إحداهما على الأخرى، كما هو الأمر الذي كانت عليه الرّسالة الخاتميّة، مع جميع الرّسالات السّماويّة السّابقة، الموطئة لها .
لذا حريّ برسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو الأمين المؤتمن، لما سبق في علمه تعالى،أن يأتمر بما أمره الله عزّ وجلّ، من تأدية أمر تبليغ الولاية لأمير المؤمنين، عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام، كما جاء به الوحي، مصداقاً لما جاء في دفاعه عن نفسه صلّى الله عليه وآله، في قوله تعالى: (قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).(12) ليتحقق بذلك أمر الإرشاد والتّعيين، لحضيرة القُدس الإلهيّة، من فيض هدي الرّسالة المُحمّديّة العلويّة، عن سلسبيلٍ صافي المعين، مُتمثلاً بمُحمّد وآل مُحمّد صلوات الله عليهم أجمعين، لما يتمخّض عنه في نهاية المطاف، إتماماً للنّعمة وإكمالاً للدين. روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله، عندما نزل عليه قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا).(13) أنّه قال: الله أكبر، على إكمال الدّين وإتمام النّعمة ورضا الرّبّ برسالتي، وولاية عليّ بن أبي طالب من بعدي. ثمّ قال: من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله.(14) وما دام صبح الأزل قد أشرق من فيض أركان دورهم، التي أذن الله أن ترفع، ويذكر فيها اسمه، ليلوح على هياكل التّوحيد آثاره، ونور الحقيقة قد أسرف في سبر الوجود جماله، وانضوى في الصّادر الأوّل، أحمد صلّى الله عليه وآله، كان حقيقاً بمن لا ينطق عن الهوى، إن هو إلاّ وحي يوحى، أن يُبلّغ ما أمره الله تعالى؛ ليثبّت أركان الحقّ به، ويبلغ ذروة سنامه، مُنادياً بمليء الوجود، صادحاً بولاية أمير المؤمنين عليه السّلام، وإثبات حقّه: أيّها النّاس لا تشكوا عليّاً، فوالله، إنّه الأخيشن في ذات الله)(15) وعن أبي سعيد الخدرى، قال شكى عليّ بن أبي طالب النّاس، إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقام فينا خطيباً، فسمعته يقول: أيّها النّاس، لا تشكوا علياً؛ فوالله، إنّه لاخشن في ذات الله، وفى سبيل الله.(16) وقال صلّى الله عليه وآله، أيضاً: لا تسبّواعليّاً فإنّه ممسوس في ذات الله. (17) وروى الطّبراني في الكبير، والرّافعي، والحاكم والشّيرازي في الألقاب: إنّ رسول الله، صلّى الله عليه وآله، قال : النّظر إلى عليّ عبادة. (18) وعن عمرو بن شاس الأسلمي- وكان من أصحاب الحديبيّة، قال: خرجت مع علىّ، عليه السّلام إلى اليمن، فجفاني في سفرى ذلك، حتّى وجدت في نفسي عليه، فلمّا قدمت المدينة، أظهرت شكايته في المسجد، حتّى سمع بذلك رسول الله، صلّى الله عليه وآله، فدخلت المسجد ذات غداة، ورسول الله، صلّى الله عليه وآله جالس في ناس من أصحابه، ... حتى إذا جلست قال: يا عمرو، والله، لقد آذيتنى، قلت: أعوذ بالله من أذاك يا رسول الله. قال: بلى، من آذى عليّاً فقد آذاني. (19) وقال صلّى الله عليه وآله: الحقّ مع عليّ وعليّ مع الحقّ يزول الحقّ مع عليّ حيث زال.(20) وهل بعد ذاك يعذر خاتم الأنبياء والمرسلين صلّى الله عليه وآله، أو أن تغفو عيناه، ويرتحل عن دار الأذى إلى جوار، من كان إلى جواره، قبل قيام الخلق، دون أن يدلّ أو يوصي على من سيليه، لتحفظ بيضة الإسلام به، سائراً بالنّاس على المحجّة البيضاء، فضلاً عن قوله صلّى الله عليه وآله: أنا أقاتل على تنزيل القُرآن، وعليّ يقاتل على تأويل القُرآن.(21) وفي مسك ختام تلك الومضة الضّحضاح، التي أنارت عُقولنا وأفهامنا، ويجدر بنا تحكيم عقلك السّليم؛ لكي يدلّك على ولاية وصيّ الرّسول الأمين صلّى الله عليه وآله، الإمام أمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين عليّ بن أبي طالب، وأولاده المعصومين عليهم السّلام.
والحمد لله ربّ العالمين

هذه مُقتطفات قصيرة من الأنوار الإلهيّة، والأسرار الرّبانيّة، المودعة في كتاب الله الكريم، والمُتحصلة في الخارج بأرباب النّعم وهُداة الأمم، مُحمّد وآل مُحمّد، صلوات الله عليهم أجمعين، نحن مستعدون للحوار في بيانها، والإجابة على الاستفسارات التي يطرحها الأخوة والأخوات؛ ليكون البحث واضحاً والغرض مُتحققاً، جعلنا الله وإيّاكم، من العارفين بحقّ مُحمّد وآل مُحمّد، صلوات الله عليهم، والعاملين بذلك، والمحشورين في زُمرتهم، إنّه سميع مُجيب ، والله من وراء القصد.
عبد الكريم العُقيلي
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش
1 ـ المائدة: 55.
2 ـ تفسير العيّاشي : 1 / 81.
3 ـ الأنبياء : 26 ـ 27.
4 ـ النّجم : 9.
5 ـ آل عمران: 61 .
6 ـ ينابيع المودّة للقُندوزي: 2 / 288.
7 ـ الأعراف: 150.
8 ـ كفاية الطّالب للگنجي الشّافعي:260 , الفضائل- شاذان بن جبرئيل القمي: 54 , اليقين للسيد ابن طاووس الحسني: 486 , بحار الأنوار للعلامة المجلسي: 38 / 125, الغدير للشيخ الأميني: 7 / 347 .
9 ـ مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب: 388، عنه بحار الأنوار: 38 / 296, نهج الإيمان لابن جبر: 353 .
10 ـ معاني الأخبار للصّدوق: 350, الأربعون حديثا للشهيد الأوّل: 71 , بحار الأنوار للعلامة المجلسي: 38 / 80 , تأويل الآيات لشرف الدّين الحُسيني: 1/ 288 .
11 ـ المائدة: 67.
12 ـ يونس: 15.
13 ـ المائدة: 3.
14 ـ شواهد التّزيل، للحسكاني: 1/ 201.
15 ـ حليلة الأولياء للأصفهاني: 1 / 68.
16 ـ المستدرك : 3 /134. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
17 ـ حليلة الأولياء للأصفهاني: 1 / 68.
18 ـ سبل الهُدى والرّشاد للصّالحي الشّامي: 11/ 292.
19 ـ رواه الهيثمي في مجمع الزوائد : 9 / 129. وقال: رواه أحمد والطّبراني باختصار والبزار أخصر منه، ورجال أحمد ثقات .
20 ـ مناقب عليّ بن أبي طالب، لابن المغازلي: 112ح 155.
21 ـ فردوس الأخبار للدّيلمي: 1 / 44ح118.